رواية عينيكي وطني وعنواني الفصل السابع7والثامن8 بقلم امل نصر

رواية عينيكي وطني وعنواني

الفصل السابع والثامن 

بقلم امل نصر بنت الجنوب

ترقبت متفحصة وجه ابيها الضاحك وهو يتلاعب بالكلمات معهم عن معرفة هوية العريسان..حتى صاحت عليه زوجته :




- في إيه ياشاكر تعبت قلوبنا معاك ..مرة تقول معرفة جديدة ..مرة تقول الاتنين من طرف واحد ..هي فزورة ياراجل ماتقول بقى وريحنا. 

- يعني غلب حماركم؟






تذمر الجميع فخرج صوت زوجته الساخط :

- يووه بقى انت لسه هاتحزر وتفزر من تاني ؟

ضحك بصوت عالي قبل ان يقول اَخيرًا:






- خلاص خلاص انا هاتكلم .. شوفي يابت ياشروق انا هابتدي بالعريس




 التاني وهاسألك مباشرةً كدة ..إيه رأيك في الراجل اللي اسمه سعد صاحب علاء؟

هتفت مستنكرة :

- ميين !! لا طبعًا يابابا ..مش عايزاه مش عايزاه. 

سالت سميرة بعدم فهم :

- سعد مين اللي صاحب علاء ؟







اقترب منها زوجها يذكرها به ..اما فجر فتذكرته جيدًا بعد ان تناسته منذ فترة طويلة .. سعد .. لقد كان جار فاتن الصامت .. الصامت دائمًا او قليل الكلام بشكل أدق  ..حينما رأته في يوم حادث أخيها لم تتعجب ابدًا ..فهي كانت تعلم انه صديق هذا المدعو علاء.. أجفلت من شرودها على صيحة شقيقتها :

- في ايه يابابا؟ ماتقول بقى على اسم العريس التاني..ولا انت فالح بس تقولي على العريس المنيل ده اللي جسمي قشعر بس من أسمه .

قال شاكر بتعجب:

- ياساتر يارب ..جسمك قشعر من اسمه بس! طيب ياستى العريس التانى يبقى حسين ادهم المصري..وحش دا كمان عشان نرفضوا برضوا ولا ؟.

هتفت على الفور ضاحكة:

- لا طبعًا ترفضوا دا ايه ياعم شاكر ..اش جاب لجاب بس ياراجل حرام عليك وقعت قلبي .

تبسمت سميرة بفرحة غامرة أما ابيها فقال ممازحًا:

- شوفي ياخويا البت وبجاحتها..طب وربنا انا قلبي كان حاسس عشان كده ابتديت بالتاني.

قال إبراهيم هو الاَخر ضاحكًا :

- ايوة بقى يابت ياشروق ..الواض حليوة وشكله زى الخواجة .

قالت شروق وهي لاتستطيع السيطرة على دقات قلبها المتسارعة من الفرحة :

- ايوة ياهيما .. دا انا مش مصدقة نفسي ولا مستوعبة اللي بيحصل .

هتفت فجر بغضب فاجأ الجميع :

- هو في ايه بالظبط؟ هي الناس دي خلاص بقى موراهمش حد غيرنا؟

أجفل ابيها من حدتها قائلًا:








- مالك يابنتي؟ هو انت مش عاجبك حسين ؟

قالت خلفه سميرة بحزم :

- وهي إيه دخلها بالعريس ..ماهي لو عايز تتجوز هي كمان..احنا مش ممانعين.

قالت شروق هي الاَخرى :

- انت زعلانة يافجر عشان هاتخطب قدامك ..لو عايزاني اَأجل الموضوع ده انا موافقة ياحبيبتى..بس انتي ماتزعليش. 

كانت تهز رأسها بعدم استيعاب وهي ترى حديثها اخد منحى اَخر غير الذي تقصده :

- ياجماعة افهموني .. انا ماعنديش مانع من خطوبة شروق ولا عندي اعتراض حتى على العريس ..انا بس مخنوقة من العيلة دي وحاسة انهم فارضين نفسهم علينا بالعافية:

قال ابيها ببساطة:

- وافرضي زي مابتقولي كده..ايه اللي حاصل بقى؟ ماهم طالبين النسب يعني مش حاجة عيب ولا حرام .

حركت شفتيها تحاول اخراج جملة مفيدة تدعم موقفها امام نظراتهم المترقبة ولكنها لم تجد ..فتحركت اَليًا نحو الخارج قائلة باستسلام :

- انا طالعة اشم هوا .

خرجت مغادرة بخطوات مسرعة ولم تنظر ولا تلتفت على صيحات ابيها الذي خرج خلفها..فلم يستطع اللحاق بها ولا معرفة وجهتها .

عندما عاد الى الغرفة متهدل الأكتاف بملامح ساكنة سألته فورًا زوجته :

- هي راحت فين ياشاكر .








- مش عارف .. انا خرجت وراها بس ملحقتهاش..هي البت دي مالها ؟

قالت سميرة بتوجس:

- معقولة تكون زعلانة عشان هاتتخطب شروق قبلها ؟ بس انا عارفة بنتي فجر كويس لايمكن تفكر في كده ابدًا .

قالت شروق وقد اختفت ملامح الفرح من وجهها :

- هي دايمًا بتكره علاء وعيلته ياماما ..معرفش ايه السبب؟

- طب وبعدين احنا كده بقى نوافق ونراضي اختها ولا نرفض ونراضيها هي؟

سألها شاكر بحيرة فقالت زوجته بلهفة:

- نرفض دا ايه ياعنيا ؟ هاتي يابت نمرة الحاج ادهم ولا اقولك هاتي تليفونك ادوس على رقم علاء انا حافظاه من والدته..هاتيه وانا اكلمه 

........................


بغرفته الحبيبة التي اصبحت مسكنه ومأواه من وقت أن تزوج أبيه وتركت والدته وأخيه البيت .. أصبح يقضي معظم اوقاته في العمل وحينما يعود على ميعاد النوم فقط ..فلا يأكل في البيت إلا قليلًا في حضور أبيه..عدا ذلك فهو يطلب طعامه بداخل غرفته ..فلايريد الجمع بينه وبين هذه المرأة حتى لو على مائدة طعام .. كان خارجًا من حمام غرفته ينشف شعر رأسه بمنشفة صغيرة حينما سمع طرق على باب غرفته وصوت ابيه يردد :








- حسين..انتي صاحي ولا نايم يابني؟

تحرك سريعًا يرتدي تيشيرت ابيض على جزعه العاري وهو يجيبه:

- انا صاحي يابابا.. على طول هافتح اهو .

في ظرف ثواني كان عند باب الغرفة يفتحه لوالده 

متسائلًا بدهشة لزيارته؟

- في حاجة يابابا؟

تكلم أدهم برزانته المعتادة :

- انت هاتسيبني واقف كده على الباب؟ من غير ماتقولي اتفضل .

انزاح من أمامه مرددًا بحرج:

- انا اسف يابابا معلش..اتفضل طبعًا أكيد .

دلف ابيه ممشطًا بعينيه الغرفة قائلًا بمزاح :

- ايوة كدة بقى خلينا ندخل عرينك ياأسد ونعرف مخبي إيه جواه يخليك تستغنى عن بقية البيت كله !

انتبه حسين لمزاح ابيه اللازع فاستجاب بابتسامة هادئة:

- ماشي ياحج أدهم مقبولة منك ..بس انت عارف بقى إن انا معظم الوقت مشغول. 

بابتسامة ماكرة قال أدهم وهو يجلس على طرف التخت:

- ياراجل ..يعني لما تتجوز شروق بقى هاتفضل برضوا معظم الوقت بره البيت ؟









ضحك باضطراب يشوبه الحياء قائلًا :

- إيه يابابا بس؟ على طول كده خليتها مراتي ..مش لما يوافقوا الاول على الخطوبة؟

- ماهم وافقوا .

- نعم !!

- نعم الله عليك ياحبيبي..بقولك وافقوا..انت اطرش يابني ؟

هنا ازدادت ضحكاته صخبًا وفرحة قائلًا:

- جرا ايه يابابا الله؟لسة مش مصدق ياعم .. دا بجد بقى مش هزار .

اجابه بابتسامة سعيدة لفرحه:

- لا صدق ياحبيبي..والدها اتصل بيا حالًا وبلغني الموافقة..وانا اتفقت معاه اننا هانزورهم رسمي بعد خروج ابنهم من المستشفى على طول .

قال متبسمًا بامتنان:

- انا متشكر قوي يابابا انك اتصرفت بسرعة كدة وطلبتها..بصراحة طلبك في الوقت ده وبالسرعة دي وفر عليا كتير قوي.. المهم بقى انا عايز دلوقتي اتصل انا لازم اتصل على علاء ابلغه .

قال الاَخيرة وهو يتناول هاتفه من على الكمود..اوقفه ادهم قائلًا:

- لا ما اخوك عرف خلاص ..والدة البنت اتصلت عليه وبلغته بنفسها .

تنفس حسين بارتياح فقال:

- كويس قوي .

أجفله أدهم في طلبه :

- هاتسكن معايا ياحسين بعد الجواز ولا هاتخلف بوعدك؟

رغم ثقل مايطلبه على نفسه ولكنه أومأ برأسه موافقًا لإرضاءه. 

- معاك يابابا ان شاء الله.

.........................









بخطواتٍ مثقلة تقدم ناحية القهوة الشعبية التي ضمتهم لفترة طويلة من الزمن.. وشهدت على أيام الفرح والحزن جلسات السمر والضحك.. ها هو جالس كعادته يدخن الأرجيلة وأمامه فنجان قهوته في انتظار ما سيخبره ..يبدوا شاردًا من نظرته لنقطعة بعيدة في الفراغ.. ترى بماذا يفكر ؟ تنهد بعمق وهو يقترب منه يتمنى انتهاء هذه المهمة الثقيلة على قلبه في الحال .. 

أجفل سعد من شروده على أصوات الرجال حوله ممن يرددن التحية للمُعلم علاء ابن حارتهم وجارهم قبل ان يترك المنطقة مع والدته ..نهض عن مقعده فاتحًا ذراعيه للعناق الأخوي متبسمًا بأمل:

- حبيبي ياابو الصحاب ..ازيك يامعلم .

بادله العناق الرجولي مجفلًا هو يرد له التحية..قبل أن يجذبه سعد للجلوس قائلًا بلهفة:

- هاا يامعلم طمني..إيه الأخبار ؟ انا قاعد على نار من ساعة ماقولتلي في التليفون عايز اقابلك .

ها قد بدأنا.. يبدوا ان سعد سيصعب عليه المهمة ..تحمحم يجلي حلقه فقال متهربًا :

- كده على طول! مش لما اَخد نفسي الأول ولا اطلبلي حاجة أشربها حتى.

- قهوة مظبوط للمعلم علاء ياض ياحودة .

هتف بها سعد بعجالة نحو فتى القهوة قبل ان يلتفت الى علاء متابعًا:

- وادينا طلبنالك حاجة تشربها ..اخلص بقى ياللا ياعلاء قول اللي فيها.

قطب علاء بدهشة قائلًا :








- هو انت لدرجادي البت معلقة معاك؟ دا انت يدوبك شوفتها مرة ولا مرتين ياسعد!

قال متشدقًا:

- وافرض شوفتها مرة واحدة حتى ياأخي وعجبتني وطلبت اني اتجوزها..فيها حاجة دي؟

- لا مافيهاش حاجة ياسعد.. بس انا بصراحة مستغرب لهفتك دي وتسرعك في طلب ايدها؟

قال بتوتر :

- مستغرب ليه يعني؟أنا اساسًا بقالي مدة بفكر وبجهز للجواز فلما شوفت البنت قلبي شاور عليها وقولت ان خير البر عاجله..المهم بقى انت عملت إيه خلصني ياصاحبي وريح قلبى .

تنهد مطولًا وهو يجسر نفسه للرد فقال:

- شوف ياسعد انا هاقولك اللي حصل بالظبط وانت تحكم بقى .

قال بقلق :

- هو انا ليه حاسس انك هاتصدمني ياعلاء؟ هي البت رفضت ولا ابوها هو اللي مرديش؟ 

نظر اليه صامتًا لبعض الوقت قبل ان يقول اَخيرًا :

- انا مش هاصدمك ياسعد انا هاقول اللي حصل وبس .

ترك ذراع الأرجلية بعنف على الطاولة الصغيرة قائلًا :

- وايه هو بقى اللي حصل ؟

...............................


دلفت لداخل شقتهم فتفاجأت بعدة أكياس مغلفة .. لملابس بيتية ومنامات علقت على واجهتها صور لفتيات ترتديها بحرية وبالأعلى كتب بالخط العريض اسم ماركتها المحليه الرخيصة.. متناثرة على كنب الصالون بشكل فوضوي .. أزاحت مجموعة منها بيدها لتجلس وهي تهتف :

- ياماما .. انتي فين ياماما ؟






خرجت لها سريعًا وهي تنشف يداها بمريلة المطبخ التي ترتديها ..فقالت :

- ايوه أيوة ..بتندهي بصوتك العالي كده ليه؟ خضيتي الجيران. 

لوحت بيدها حولها قائلة بضيق:

- بنده عشان اشوف البلاوي دي ..ايه ده ياماما؟ هو انت نويتي تفتحي محل قمصان نوم وعبايات بيتي ؟

- هاها ظريفة اوي.. حقيقى ضحكتيني. 

قالتها بسخرية وهي تخطو لتلملهم بيدها وتابعت:

- دول هدايا ياعنيا ؟

- هدايا لمين ؟

- هدايا لمرات خالك عيد وبنتها العروسة ؟

صاحت عليها صارخة:

- كل دول هدايا.. ليه ياأمي؟ هو انتي غنية اوي لدرجادي ؟

اعتدلت رجاء تجلس أمامها بعد ان وضعتهم جميعا على المنضدة الصغيرة فقالت بضيق:

- مش كلهم يامنيلة.. هي أساسًا كانت موصياني عليهم ..عشان البلد هنا ارخص والحاجات كتير واحلى .. وانا بقى جبتلها كام واحد من نفسي .

تمتمت بحنق

- اممم .. ماشي ياماما ..ربنا يهني سعيد بسعيدة. 

- وانتي بقى فين هديتك ؟

قالت بتهكم ردًا على سؤالها :

- نعم !! هدية مين ياحبيبتى وانا مالي أصلًا ؟

- انت مالك دا إيه ؟ امال هاترحي معايا بأيد فاضية؟. 







فغرت فاهاها وتدلى فكها بشكل فكاهي وهي تومئ بيدها فى الهواء وتوشك على الإصابة بصدمة عصبية:

- تاني ياماما..تاني برضوا..مُصرة انك تاخدينى معاكي الزفت البلد رغم كل اعتراضي ده ..انا قايمة وسيبهالك .

نهضت على الفور تاركة والدتها فى الصالة وحدها والتي همست بتوعد :

- ماشي ياسحر ..ان ماكنت اخليكي تيجي معايا مبقاش انا رجاء 

...............................


- نعم !!

قالها بحدة وهو ينهض عن مقعده بعنف لدرجة أجفلت من حوله من الرجال واثارت استياء علاء الذي خاطبه بحزم:

- اقعد ياسعد بلاش فضايح.. الرجالة حواليك أخدت بالها .

تابع الاَخر دون ان يبالي :

- وماياخدوا بالهم ولا يتفلقوا حتى..هو انت يهمكم حد في الدنيا غير مصلحتكم .

نهض علاء واقفًا ليساويه في الطول بل ليُظهر الفرق الشاسع بين جسده الضخم الطويل وجسد الاَخر المتوسط والهزيل..قال علاء بتحذير:

- تقصد إيه بكلامك ياسعد اننا مايهمناش غير مصلحتنا ؟

هتف سعد أمام نظرات الرجال الذين ارتكزت أبصارهم عليهم :







- قصدي انت عارفه كويس ياعلاء.. افهم ايه انا بقى لما أكلمك عن واحدة جارتك تخطبهالي ..وتيجي انت تاني يوم تقولي اخوك اتقدم لها كمان.. لا وابوها قال خيرها ما بيني وبينه؟ والبنت بقى اختارته هو ..ماهو طبيعي انها تختاره..ابن الحاج ادهم المصري ومعاه شركة سياحة دا غير شكله اللي عامل زي الخواجات ..هايروح فين سعد الغلبان فيكم ياعم .

ضيق عيناه وهو بهز برأسه يستوعب :

- انت واخد بالك من نفسك ياسعد؟ ولا واخد بالك من كلامك ده ؟ خلي بالك.. كلامك ده هايتحسب عليك ..انا مازلت لحد الاَن بتصرف معاك بأدب ومراعي موقفك ..رغم اني مستغربه جدًا صراحة..الهوليلة الكبيرة دي على بنت شايفها يادوبك مرتين بالعافية امال لو كانت حب عمرك كنت عملت ايه يعني ؟. وعلى فكرة بقى ..أخويا هو اللي اتقدم الأول ومكانش يعرف نيتك منها..وكون البنت اختارته فدا مش ذنب يتعلق بيه..أما انت بقى لو شايف معاك حق وعايز تكبر الموضوع كبره براحتك ..دا لو معاك حق أصلًا! 

صمت وصمت الاَخر وظلت فقط حرب النظرات قبل ان يتملك اليأس بعلاء فقال مغادرًا .








- انا شايف ان مالوش فايدة القعاد وحتى القهوة اشربها انت.. سلام بقى ياصاحبي. 

تحرك من امامه وذهب امام عيناه التي كانت تشتعل بنيران الحقد وكلماته تتردد برأسه ( امال لو كانت حب عمرك كنت عملت ايه؟) تدخل أحد الرجال قائلًا :

- هو مين فيهم اللي غلط فيك ياسعد ؟ المعلم أدهم ولا اخوه؟ .

قال الاَخر :

- تلاقي بس في سوء تفاهم مابينهم ..المعلم ادهم مايهونش عليه زعل صاحبه وحسين ربنا مكمله اخلاق وادب .

- بسس !!!

قالها بحده فتوقفت الالسنة عن الكلام قبل ان يتابع :

- اللي بيني وبين عيال أدهم المصري..ماحدش له دعوة بيه .

تحرك بعدها مغادرًا القهوة وهو يخرج من جيب سترته الهاتف ليهاتف رقم إحداهن وقد مر وقت طويل على اَخر مكالمة بينهم ..انتظرها لحظات حتى اجابت اخيرًا هامسة بغير تصديق :

- سعد !! بتتصل بيه ليه ؟

قال بحدة وقد ابتعد بمساحة كافية عن اعين رجال القهوة المتلصصة:

- عايزك. 

- نعم !

- ايه ياعين خالتك ؟هي اول مرة ؟

قالت برجاء:

- لا مش اول مرة سعد..بس انا دلوقتي ست متجوزة وانت وعدتني انك هاتسيبني في حالي وتشوف نفسك .







- ورجعت في كلامي ياستى ..تيجي حالًا ياروح افضحك قدام جوزك واخربها عليكى .

- يامصيبتي يامصيبتي.. انت جرالك إيه النهاردة بس؟ جوزي في البيت مقدرش اخرج ..ماتخربش عليا حرام عليك .

قال بلهجة اخف حدة :

- تمام ..يبقى تجينى بكرة على مكانا القديم وقت جوزك مايكون في شغله..اظن كده معندكيش حجة بقى ..ماشي ياحلوة. 

وصله صوتها بهمس منكسر:

- ماشي .

اغلق فى وجهها الهاتف ومازلت كلمات علاء تترد فى عقله حتى تمتم هو مع نفسه:

- حب عمري!! ما انتوا السبب في ضياع حب عمري !!

................................


على حائط السور الرخامي لدرج المبنى الخلفي ألمؤدي للحديقة الداخلية بالمشفي استندت برأسها تبكي وتذرف دماعتها ..مستغلة خلو هذا المكان من المرضى او الزائرين.. شعور بالقهر تغلغل داخل أعماقها..تريد الصراخ اعترضًا عما يجيش بصدرها.. فكيف السبيل لنجاتها من هذا الغزو الذي حاصرها وسيطر على عقول جميع أفراد عائلتها؟.. عاجزة عن صدهِ ..فلو تكلمت الاَن لجرحت اعز احبابها في سمعتها وهي التي استأمنتها على سرها رغم صغر سنوات عمرها .. فكيف السبيل او الحل؟ وهي التي ظنت انها تناست ماحدث مع مرور عدة سنوات..

- اااه .







خرجت بألم من اعمق اعماقها لتسمع همسًا اجشًا خلفها يقول :

- ياه.. لدرجادي انتي تعبانة وحزينة؟

شهقت منتفضة وهي تستدير على مصدر الصوت .. فوجدته بهيئته المهيبة مستندًا بكتفهِ على نفس الحائط الرخامي .

هتفت فيه وهي تمسح بعنف يدها الدموع العالقة على وجنتيها غير مبالية بمركزه :

- انت إيه يابني أدم انت ؟ مترصد ولا مجنون عشان تعمل حركات العيال دي وتوقف تخضني في مكان خالي زي ده ؟

مط بشفتيه قائلًا ببساطة :

- انا اقف في المكان اللي يريحني..المكان مكاني والمستشفى ملكي أبًا عن جد .

أومأت برأسها قائلة بفظاظة:

- يعني إنسان صايع ومدلع ..والده عينه مدير لمستشفى كبيرة ومهمة زي دي ..بس عشان يسلي بيها وقته بدل ما يقعد فاضي من غير شغلانة.

تبسم رغمًا حنقه من حدة لسانها..فقال بهدوء :

- اولًا انا مش انسان صايع ولا مدلع ..انا دراس وأخدت شهادات مهمة من أعظم الكليات في لندن ..ثانيًا بقى انا مكنتش واقف عشان اخضك ..انا بس لمحت شبح واقف فى المكان الفاضي ده وقولت اشوف واطمن ..كوني اني وقفت شوية خلفك من غير ما اتحرك ولا أنبهك فدا لأني اتعاطفت معاكي لما لاقيتك بتعيطي بحرقة. 

زمت شفتيها بخطٍ قاسي وهي تحاول جاهدة السيطرة على رجفة الألم بداخلها فاستدارت عنه تعطيه ظهرها قائلة بصوتٍ خارج بصعوبة:

- طيب ممكن بقى تسيبنى في حالي وتحتفظ بالتعاطف دا لأي حد غيري تاني .

تقدم بخطواته ليقف أمامها مباشرة واضعًا يديه داخل جيبي بنطاله ينظر لها بتحدي قائلًا :







- على فكرة الدموع مش حاجة عيب عشان تتكسفي منها وتداريها عن أقرب الناس ليكي .

رفعت وجهها الذي أغرقته الدموع قائلة بانهيار:

- ياأخي ما تسيبني في حالي بقى وشوفلك حاجة تاني تتسلى بيها .

- إيه علاقة علاء المصري بيكم ؟

باغتها بسؤاله فتجمد وجهها لعدة لحظات وهي ناظرة اليه فاغرة فمها بعجز ..قبل أن تجد صوتها اَخيرًا فقالت :

- هو انت إيه حكايتك مع علاء المصري؟ وليه مُصر تعرف علاقتنا بيه ؟ هو انت مين بالظبط؟

تنهد من اعماقه وهو ينظر بعيدًا عنها فقال :

- ان كان على حكايتي مع علاء فدي ليها تاريخ انتهى من سنين ..وليه مُصر إني اعرف علاقتكم بيه؟ ..فدي ليه سبب وجيه اوي عندي ..الشبه الغريب !

- شبه إيه بالظبط؟

احتدت عيناه واكتسى وجهه بالغضب فقال :

- تقربلكوا إيه فاتن ؟

رواية عينيكي وطني وعنواني


الفصل الثامن 

بقلم امل نصر

تقربلكوا إيه فاتن ؟

كان سؤاله الذي نبه كل إشارات الحذر لديها..جعلها تنتصب في وقفتها.




. فتوقف تدفق دماعتها وهى ناظرة اليه بشراسة..مع تحفز




 كل خلية بجسدها نحو هذا الغريب الذي اقتحم 










خلوتها عن عمد وها هو الاَن يسألها بكل جرأة عن أشد أسرارها خطورة.. هذا بالإضافة لسؤاله منذ البداية عن غريمها الأصلي علاء !

خرج صوتها المتشنج وهي تسأله بقوة :

- انت مين ؟

لم تجفله هيئتها الجديدة فقال بهدوء :

- انا عصام الوالي إبن الدكتور أكرم الوالي..مدير المستشفى اللي احنا واقفين فيها دلوقتي. 

هتفت بحدة :

- انا مش عايزة اعرف اسمك ..أنا عايزة اعرف .. إنت إيه علاقتك بعلاء بالظبط؟ وتعرف فاتن وشبهنا احنا بيها ازاي ؟

مالت زاوية فمهِ بابتسامة ساخرة قبل ان يقول :

- انتِ مش ملاحظة انك بتكرري نفس سؤالي ليكى بس مع فرق الصيغة .

برقت عيناها أكثر مع ارتجاف جسدها الغاضب فقالت وهي تجز على اسنانها:

- اسمع ياجدع انت انا معنديش مقدرة على تحمل برود اعصابك ده وانت بتكلمني عن أعز انسانة عندي ..واكنك كنت تعرفها هي شخصيًا! جاوب عليا وقولي انت مين ؟







خرج سؤالها الاَخيرة بصرخة جعلته يتخلى قليلًا عن ثباته المستفز فقال :

- أنا كنت صاحب علاء واعرفها هي زي ما كنت بعرف كل أهل الحارة عندهم .. دا كان قبل ما تتقطع كل علاقتي بيه واسافر على انجلترا واكمل تعليمي هناك .

- بس؟

شعرت بارتباكه الملحوظ بعد سؤالها المختصر بكلمة واحدة .. في لغة جسده المتوترة وشحوب وجهه الوسيم.. فقال :










- أظن انا كده قولتلك على علاقتي بعلاء ومعرفتي بفاتن ..جه الدور عليكي بقى عشان تقوليلي عن علاقتكم بيها .

ضيقت عيناها قليلًا وهي تنظر اليه بتفكير وكأنها غير مقتنعة بإجابته او تشك بقوة انها ناقصة بحقائق مهمة.. خرج صوتها اَخير فقالت باقتضاب :






- سر الشبه الكبير مابينها وبين أختى .. هو إنها تبقى بنت عمتي.

تحركت فورًا لتستدير عنه فاأوقفها بسؤاله المتلهف :

- طيب هي فين دلوقتي؟ وإيه أخبارها ؟

عادت مرة أخرى تحدق بعيناها الى عيناه ذات الون البني الفاتح .. فقالت :

- ماعدتش في أخبار عنها خلاص..فاتن ميتة بقالها سنين كتير.. ميتة من يجي ١١ سنة .

هل هذه صدمة التي ظهرت جلية بشكل مخيف على ملامح الرجل ام أنه تأثر بخبر موتها؟ لم تريد معرفة الإجابة فقد استدارت مغادرة وتركته متسمرًا مكانه وكأنه تمثال حجري لا تبدوا عليه أية مظاهر للحياة .

................................


حينما عاد إلى منزله وفتح الباب ليدلف داخله..خطى بهدوء متعمدًا عدم اصدار صوت حتى لا يوقظ والدته..فترهقه بأسألتها وهو لم يُعد به طاقة ..فيكفيه ما تلقاه من سعد منذ قليل ..تمشى بهدوء حتى وصل لباب غرفته فاتفاجأ بصوتها يهتف من خلفه .

- إنت جيت من إمتى ياعلاء ؟

تدلت أكتافه بإحباط وأغمض عيناه قليلًا قبل ان يغتصب ابتسامة على وجهه وهو يلتفت لوالدته الجميلة ..التي تقدمت نحوه بابتسامة غابت عنها طويلًا ووجهٍ مشرق وكأنها عادت بالزمن سنواتٍ للخلف فقالت بمشاكسة:

- ماشي كده بتتسحب وداخل على اؤضتك على طول ..هربان من حاجة ياولا؟.

مال بوجههِ ينظر الى حيويتها وهي تسير بخطواتها المتعثرة قليلًا فقال :






- إيه ياقمر انتي ؟عيني باردة عليكي النهاردة .

فور ان اقتربت منه جذبته من ياقة قميصهِ تطبع قبلة على حنونة على وجنته ..فقالت بتمني :

- عقبالك انت كمان ياحبيبي. 

ارتفع حاجباه فقال بمرح:

- إيه ده ؟ هو لحق يقولك..أما صحيح واض ما يتبلش في بُقه فوله .

لكزته على ذراعهِ بقبضتها الضعيفة بعتابٍ :

- بس ياواض ماتقولش كده على اخوك ..دا فرحان والفرحة مش سايعاه..بعد ما اختار اللي شاور عليها قلبه ..اتاريه كان منمر عليها وعامل فيها ساهي.. مش زيك خايب .








خرجت ضحكته بدهشة :

- انا خايب برضوا ياام علاء؟ طب ليه الغلط ده بس ؟ دا انا حتى حبيبك. 

- ايوة انت حبيبي بس خايب برضوا..عشان أنا عايزة افرح بيك واشيل عيالك وانت ولا سائل ..هاتعرف تعمل كده بقى زي اخوك؟ اللي عملهالي مفاجأة وخلي قلبي كان هايوقف من الفرحة .

قال بحنان وخوف :








- بِعد الشر عليكي وعلى قلبك ياست الكل ..ان شاء الله انا كمان افرحك زيه .

قالت بإلحاح :

- طب اوعدني يكون قريب .

تبسم بمرح من دلال والدته فقال برجاء :

- بس انتي ادعيلي من قلبك والنبي .. 

- داعيالك ياحبيبى من كل قلبى تاخد اللي في بالك .. وتحبها وتحبك .

بعد سماعه لهذه الدعوة الجميلة.. دنا بجسده اليه لينتعم بحضنها الامومي..وقد اسعده مقصد الدعوة كثيرًا..كثيرًا جدًا .

................................


في اليوم التالي 

كان موعد عودة إبراهيم إلى منزله.. بعد أن اطمئن الأطباء على استقرار حالته ..فصرحوا له بالخروج.. ذهب شاكر مع علاء ألذي أصر لإصاله والعودة بإبراهيم داخل سيارته الفارهة..حتى أنه تولى مهمة حمله .. صاعدًا به درجات السلم إلى شقتهم .. كانت شروق هي من استقلبتهم






 بابتسامتها المعهودة ..مخيبة ظن علاء الذي كان يُمني نفسه برؤية شقيقتها.. دلف بإبراهيم إلى داخل الشقة حتى وصل غرفته..فوضعه بخفة وحرص شديد على سريره ..

- بسس كويس أوي كده ..ربنا يحرسك لشبابك ياحبيبي.. تعبناك معانا. 






إستقام بجسده وهو يرفع نفسه فقال بمزاح ردًا على كلمات سميرة:

- على ايه بس ياخالتي؟ دا حتى إبراهيم خفيف في الشيلة ومش تقيل يعني .  

رد عليه إبراهيم بمشاكسة:

- طبعًا ياعم.. وإبراهيم هايجي إيه بس فى شيل الأوزان الثقيلة اللي بتربي بيها عضلاتك .

- ياولد.. وانت بقى مركز وواخد بالك .

- وهي محتاجة تركيز يامعلم علاء ..دول بارزين من الهدوم لوحدهم وكأنهم بيعلنوا على نفسهم. 

ضحك ثلاثتهم فانضم إليهم شاكر الذي دلف متسائلًا :

- إيه ياجماعة بتضحكوا على إيه ؟

- ولا حاجة ياعم شاكر.. أصل إبراهيم بيقُر على عضلاتي. 

- بيقُر ليه بس؟ بكرة يكبر ويربي أحسن منهم .

قالتها زهيرة وهي تدلف فجأة اليهم لداخل






 الغرفة تقدمت نحوها سميرة.. هاتفة بمودة : 

- أم علاء ..تعبتي نفسك ليه بس وجيتي ؟

بادلتها المصافحة قبل ان تقترب من إبراهيم قائلة :

- تعبت إيه بس ياختي؟ دا انا كان نفسي أروح المستشفى واطمن عليه بنفسي 

- وانا اللي مانعتها .. ماتزعلوش مني ياجماعة انتوا عارفين اللي فيها .

قالت سميرة:

- ونزعل ليه بس يابني؟ ربنا يشفي عنها يارب..هي حمل خروج ولا تعب..واحنا أهل وحبايب مابين بعضينا.. يعني ماندوقش 

قالت زهيرة باتسامة راضية:

- تعيشي ياحبيبتى وتسلميلي .. وانت بقى ياعريسنا الحلو ..عامل إيه النهاردة؟

وجهت الاَخيرة لإبراهيم الذي بادلها الإبتسامة في قوله:

- الحمد لله أحسن من الأول ياخالتي .

- الحمد لله ياحبيبي.. أمال فين البنات اخواتك حبايب قلبي دول ؟ عايزة اسلم عليهم ياسميرة .

..........................






دلفت مقتحمة الغرفة عليهم هاتفة بانزعاج :

- إيه ياعنيا انتي وهي ؟ لازقين في الاوضة كدة ليه ومستخبين ؟







ردت شروق التي كانت تمشط شعرها أمام المراَة:

- انا مش لازقة ولا حاجة ياماما ..انا بس بوضب نفسي على الخفيف كده عشان مطلعش بشعري منعكش ولا لابسة حاجة مش تمام ..دي مهما كان برضوا هاتبقى ان شاء حماة المستقبل والواحد لازم يخلي باله .

- اه ياختي عندك حق..طب وانتي يابرنسيسة ..مش ناوية تخرجي برضوا وتسلمي على الست؟

قالت الاَخيرة لفجر التي كانت تلعب في هاتفها ..فردت بعدم اكتراث:

- واخرج لها أنا ليه؟ طب دي هاتبقي حماتها ..أنا بقى إيه دخلي؟

تغضن وجه سميرة بالغضب وهي تهتف على فجر بصرامة :

- فجر..انتي مش شايفة انك مزوداها؟ هو في إيه بالظبط؟

أجفلت فجر من هيئة والدته المتحولة فقالت بتوتر وهي تترك الهاتف سريعًا من يدها وتنهض عن مقعدها :

- هايكون في إيه بس ياماما ؟انا بس مخنوقة ومش عايزة اخرج ولا اشوف حد ..

قالت سميرة بحزم :







- إسمعي اما أقولك يابنت ..انت لما كنتي رافضة  تروحي للست بيتها في تعبها أو حتى تباركيلها على المحل الجديد..انا مغصبتكيش ..لكنها بقى مدام الست وصلت هنا بيتنا.. يبقى ملزوم عليكي تخرجي وترحبي بيها مفهوم .

قالت تجادلها:

- طب ده بالنسبة للست ..لكن بقى إللي اسمه علاء ابنها ده كمان.. انا بصراحة مش طايقاه .

- وانت مالك بعلاء ؟ تحبيه تكرهيه انت حرة مع نفسك ..لكن بقى ياحبيبتى..ألأصول لازم تمشي ..واجب الضيافة لازم يمشي.. يعني مش كل حاجة على مزاجك.. سامعاني كويس .

اومأت برأسها دون ان تنطق بكلمة ..فالتفتت والدتها نحو شروق قائلة:







- وانتي كمان..اخلصي في لبسك واستعجلي في الخروج .. جاتكم القرف 





بصقت كلماتها وخرجت تصفق الباب خلفها بقوة على الفتاتين .

...............................


بعد قليل خرجت مضطرة إليهم فى صالة المنزل كانوا جالسين والدتها على مقعد وحدها وعلى الاَريكة امامها كانت







 المرأه البيضاء ذات العيون الملونة بجوار شروق التى سبقت فى الخروج إليهم ..تداعبها وتتحدث معها بفرح وفي الجهة الاَخرى كان ابيها والمدعو علاء الذي إرتفعت عيناه إليها فور خروجها من الغرفة جالسان على أريكة وحدهم .. حينما اقتربت منهم رحبت برزانة 

- السلام عليكم .

لم تعي جيدًا من رد خلفها التحية وذلك لأن المرأة وقفت اليها تستقبلها بفرح وهي تجذبها من يدها بتبسط:

- ياحبيبة قلبى انت اَخيرًا شوفتك .

استسلمت مجفلة لقبلات المرأة على وجنتيها وعناقها لها .. هزت برأسها تستجيب على مضض مع المرأة التي كانت تتفحصها جيدًا عن قرب بعيناها :







- بسم الله ماشاء عليكي .. دا انتِ قمر انتِ كمان .. انا المرة اللي فاتت كنت تعبانة و ملحقتش اتحقق من جمالك ياحبيبتى.






أومأت برأسها وهي تنزع نفسها عن المرأة بلطف قائلة :

- شكرًا ياطنت .. شكرًا على زوقك .

- بتشكريني على إيه بس ياحبيبتى.

همت لتغير وجهتها في السير ولكن نبرة والدتها وهي تأمرها أمامهم بنظراتٍ محذرة فهمتها وحدها :

- سلمي على علاء يافجر .

تمتمت تشتم بداخلها وهي تتقدم نحوه .. وقد نهض عن مقعده واقفًا باحترام ليصافحها .. حينما اطبقت كفهِ الدافئة كفها الصغيرة والباردة .. كانت تنوي انتزاعها فى الحال ولكنه أجفلها بضغطه الخفيف عليها لترفع عيناها اليه ناظرة لعيناه بتساؤل..قال هو بصوت أجش وقد غابت عن وجهه التسلية المعتادة وحل محلها مشاعر اَخرى غامضة عليها :

- دي أول مرة نتعرف بجد.. أنا تشرفت بيكي ياأنسة فجر.

اومأت بعيناها وهي تنزع يدها لتستدير وتعود لغرفتها ولكنها أجفلت مرة ثانية عندما جذبتها والدته لتجلسها بجوارها من الناحية الأخرى فتحيط الاثتنان بذراعيها.







- اقعدي ياحبيبتى هنا معايا زي اختك.. ربنا يفرحني بيكي انتِ كمان عن قريب يارب .

حينما رفعت عيناه فجر ولمحت نظرة زهيرة وهي تنتقل بحالمية منها وإلي ابنها المبتسم امامها ..عرفت مايدور بعقل المرأة جيدًا !!






...........................

بملامح متجهمة وقفت امام المراَه تعدل وشاحها الحريري لتغطي بهِ شعرها بعد ان ارتدت عبائتها السوداء الغالية ..رمشت عيناها مجفلة من صوته الذي صدح خلفها فجأة وهو خارج من حمام غرفته .

- ايه ياحلوة ؟ انتي لحقتي تغيري وماشية ؟

زمت شفتيها امتعاضًا ولم ينطق لسانها بكلمة.. مال إليها برأسها فقال بخشونة:

- ما بتروديش ليه يابت؟القطة كلت لسانك؟ 

التفت اليه بنيرانها فخرج صوتها الحانق :

- انت مش خدت اللي انت عايزه خلاص ..عايز مني ايه تاني بقى؟







أمسك ذراعها فجأة فباغتها ان لفه خلف ظهرها ..وقال وهو يجز على اسنانه :

- حسِك ده ما يعلاش عليا ياعين امك..ولا انتي العيشة المرتاحة ولا الأكل الحلو نسوكي نفسك ونسوكي ان انا السبب في ده كله

قالت بألم :

- سيبي إيدي ياسعد انا ماغلطتش فيك ..عشان تذلني وتكسر نفسي كده .

ضغط اكثر ليزيد من ألمها ونبرته ازدادت حدة :

- ماقولتليش بلسانك.. لكن انا حسيتها بفعلك وانتي قرفانه من لمستي ..وبتعدي الثواني عشان تهربي من خلقتي .. ولا انتي فاكراني مافهمش طريقتك دي يابت.

قالت برجاء مع هذه الألم المتزايد 







- حرام عليك ياسعد دراعي هاينكسر في إيدك .

تركها فجأة فارتدت للخلف تدلك ذراعها وهي تتابع :

- انت ليه مش حاسس بالوضع اللي بقيت فيه دلوقت؟أنا معدتش فاضية زي الأول..انا بقيت ست متجوزة .

ابتسم بزاوية فمهِ قائلًا بسخرية وهو يتقدم ليجلس على التخت :

- فرقتي إيه يعني عن الأول ؟ بقيتي محترمة مثلًا؟






إرتسم الألم جليًا على وجهها وهي تكبح بصعوبة دمعة احتجزت داخل مقلتيها.. فقالت:

- انت مش ملاحظ انك مصمم على جرحي من اول ماجيت ؟ وكأنك بتنتقم مني في ذنب انا معملتوش .

أشاح بوجههِ عنها وهو يتناول سيجارة من علبته ويضعها في فمهِ ليشعلها بقداحته بعد ان شعر بنصل كلماتها وقد أصابه في الصميم ..ظلت صامتة تنظر اليه وهو ينفخ دخان سيجارته في الهواء أمامه..فقالت:

- شكلي كده قولت الحقيقة..عشان تعرف بس إني فاهماك كويس .

نظر إليها بازدراء قائلًا :

- انتي مش كنتي عايزة تمشي ..ماتجري عجلك بقى واخلصي..مستنية إيه؟

تحركت بتمهل تتناول حقيبتها وتتحرك للخروج وفور أن وضعت يدها على مقبض الباب ..أوقفها قائلًا :

- إستني عندك .






التفت اليه بكليتها مجيبة:

- نعم عايز إيه ؟







- حسين ابن جوزك ..خطب البت جارة اخوه علاء ولا لسه ؟

اجابته رغم دهشتها:

- بكرة ان شاء الله رايحين يتقدموا رسمي ويتفقوا على حفلة خطوبة قريب .

شاح بوجهه يصرفها من تحت اسنانه :

- خلاص غوري .

لوت شفتيها قائلة بتهكم :

- ياريت بس نظرة القرف اللي شايفاها في عينك دي .. تمنعك ماتتصل بيا تاني ولا تطلبني أجيلك غصب عني .. حل عني بقى ياأخي عايزة اعيش .

تمتمت الأخيرة بصوت بطئ وهي تفتح الباب فخرجت من الغرفة والشقة نهائي .. تاركته ينظر في أثرها عاقد الحاجبين بملامح غاضبة لا تُنبئ بخير. 

..........................


في المساء وبداخل غرفتها كانت جالسة على التخت مع صديقتها العزيزه سحر والتي كانت تضحك دون توقف ..أثارت استياء فجر وهي تهتف عليها :







- ما كفياكي بقى ياسحر ..انتِ مش ناوية توقفي في يومك ده النهاردة؟





- هههههه مش قادرة اتخيل منظرك يافجر وانتي زي الفار المبلول وسطهم.. أمك تبحلقلك من ناحية والست وابنها يرسموا عليكي من ناحية.

صاحت بها فاقدة التحكم:

- دا بعيونهم دول كمان ..قال يرسموا عليا قال .

توقفت ضحكها وهي تغمز بعيناها بمشاكسة:

- بس الواض حلو اوي يافيفي .. ويستاهل التفكير بصراحة. 

هبت ناهضة عن الفراش قائلة بغضب :

- الكلام ده مافهوش هزار ياسحر ..ماتخلنيش ازعل منك .. مش كفاية الحصار اللي بقيت حساه منهم .. وهما فارضين نفسهم علينا بالعافية واكنهم بقوا جزء من عيلتي. 

قالت سحر بيأس :

- للأسف يافيفي هما فعلًا بقوا جزء من عيلتك من ساعة ما والدك وافق بالنسب معاهم .

- إلا انا .

قالتها بمقاطعة وتابعت :

- مهما حصل ياسحر ..أنا لا يمكن استسلم للناس دي وانسي اللى أذوني في أعز واحدة كانت على قلبي.. لا يمكن هانسى عذابها قبل ما تسيب الدنيا خالص وتموت بسببهم .لايمكن. 






قالت سحر مغيرة دفة الحديث لتخرج صديقتها من داومة زكريات لجروحٍ قديمة لم تشفي منها أبدًا رغم مرور السنوات.





- صحيح يابت فجر ..كان شكله إيه الراجل ده اللي قولتي عليه امبارح ؟

- راجل إيه ؟

- الراجل مدير المستشفى.. إنتي نستيه ؟

همت لتجيب ولكنها اجفلت على صياح والدتها وهي تهتف عليها .

- بت يافجر ..تعالي هنا برة الاؤضة عايزاكى .. إسحبي معاكي مقصوفة الرقبة سحر وهاتيها .

شقهت سحر مندهشة :

- انا مقصوفة رقبة !

- اخلصي يابت ..تعالي انتي وهي. 

- يانهار اسود.. هببتي أيه ياسحر ؟ دي امي عمرها ما عملتها .

نهضت عن التخت متمتمة :

- والنعمة ماعملت حاجة.. يكونش زعلت عشان سيبت امي معاها لوحدها!

.............................

حينما خرجت الاثنتان للصالة القريبة ..وجدن سميرة جالسة على إحدى المقاعد وعيناها المشتعلة مسلطة عليهم 







تطلق شرارات حارقة بوجههم .. بجوارها كانت رجاء حاجبة وجهها بين كفيها وجسدها يهتز كأنها تبكي بحرقة .






- هو في إيه ؟ ومالها خالتي رجاء ؟

كان سؤال فجر التي تجاهلتها والدتها وهى تطلق سهامها تجاه سحر مباشرةً :

- مش موافقة تراضي امك ليه يابت؟

اجابت سحر بإجفال :

- ها ..انا ياخالتي سميرة؟ 

- ايوة انتِ .. يعني عشان مدرسة وكلمتك ماشية يبقى بقى تتكبري بقى على والدتك وماترضيهاش فى حاجة تافهة زي دي .

تابعت تنظر ببلاهة لوالدتها التي كانت تجفف دماعتها بمحرمة ورقية وسميرة التي أكملت بغيظ :






- بت ياسحر ..انتِ زيك عندي زي الزفتة اللي واقغة جمبك دي .يبقى كلمتي انا تمشي عليكى ولا لأ.

هزت برأسها بحركة غير مفهومة وهي تمتم :

- أكيد تمشي ياخالتي سميرة ..بس انا مش فاهمة حاجة. 

صاحت عليها بحزم :

- عنك مافهمتي.. انت تروحي البيت مع امك دلوقتي تحضري هدومك وبكرة الصبح تسافري معاها على البلد عدل.. سامعاني ..ولا انت عشان امك غلبانة هاتحطي عليها .






تلجم لسانها عن معارضة سميرة وهي تحدق بوالدتها التى تنظر اليها ببرائة ..فهمست بداخلها وهي تعض على لسانها غيظًا :

- بقى دي غلبانة دي 

                          الفصل التاسع من هنا

       للقراءة باقي الفصول اضغط هنا


        

تعليقات



<>