رواية وقت الذروة الفصل التاسع9بقلم نهلة جمال


 

وقت الذروة 

الفصل التاسع 



 فبتعجب ليه لما بقولك إننا أموات 

وبتعجب ليه لما بقولك إننا أدوات 

وبتعجب ليه بس حبيبتي ! 






لو تحضني يوجعها حديد جسمي .. لو كنا بنختار على كيفنا 

كنا بقينا جميعاً أزواج صالحين .. أو شعرا بتوصل قصايدهم للناس

أو ثوار صنعوا بلادهم بعد ما ماتوا .. لو كنا بنختار على كيفنا

كنا عرفنا 

إزاي نضحك من غير ما نعيط ..

_ عمرو حسن " ديوان على ناصية الشاعر " 


" وحدهم القادة من يصنعون سيناريو كاملاً بعقليتهم البشرية المحدودة ، يذهب ضحيتها ألاف الجنود المهم أن يعود القادة سالمين ، ناهيك عن والدة الشهيد التي تجلس في شرفة





 المنزل تنتظر عودة نجلها ، أو تلك الفتاة التي إزدحمت غرفتها بصناديق تحتوي على مفروشات وأجهزة كهربائية إستعداداً لزواج ، والسؤال المتكرر من طفل لم يتجاوز عمره السبع سنوات ( متى يعود والدي )  





لحماية وطن وإستقرار أمنه ، تموت ألاف الحكايا والأحلام وتتلف مخيلة أشخاص عن الرؤية المستقبلية لحياتهم القادمة فقط لإنهم فقدوا بطل الحكاية ، يحزن الناس ليومين ويثوروا ك البركان ثم تُنسى الحكايا ويركد الماء ويبقى الألم لعائلات الشهداء فقط  " 

_نهلة_جمال


قاد سيارته سريعاً وصبا تجلس بجانبه شبه فاقدة للوعي ، كان هناك إزدحام غير عادي وكمين لأفراد الشرطة ، أطلق ريان بوق سيارته حتى يتحرك الإزدحام قليلاً ، جاء أحد أفراد الشرطة بالقرب من نافذة ريان ليقول : إنت ليك حد من الشهداء؟ 

ريان : مش فاهم ؟ 





ظابط الشرطة : حصل تفجير في سينا راح ضحيته ٢٥ جندي عشان كدا في ازدحام أهالي الشهداء ، ف لو إنت مش منهم إلتزم بدورك عشان بنحاول نهدي الوضع مع الأهالي وبطل تدي كلاكس ..

ريان بعدما ذهب الشرطي : لا حول ولا قوة إلا بالله 

نظر حوله بالفعل ليجد سيدات متشحين بالسواد يبكين في سياراتهم ، وسيدة تحمل طفل صغير وتحتضنه وتبكي 

تململت صبا في مقعدها لينظر لها ريان ويقول : إنتي كويسة دلوقتي ؟ أنا مش عارف أتحرك بس عشان في شهداء ماتوا إنهارده






صبا بتعب : أنا عاوزة أروح 

ريان بحزن : معلش هتطمن عليكي بس ونروح ، أنا بعتت رسالة لوالدك فهمته اللي حصل 

صبا وهي تنظر أمامها : هما كل دول أهالي شهداء ؟ 

ريان بضيق : عارفة ، المنظر دا شوفته من ٣ سنين ، لما أخويا إستشهد ، لما دخلت الجيش بعده خرجت زي ما أنا 

صبا بحزن : دا قدره يا ريان ! ربنا يرحمه 

تذكر ريان عندما تلقى الخبر في التلفاز وقاموا بتصوير موقع الحادث 

لحظة !! 





موقع الحادث الذي استشهد به شقيقة ، كان المكان ذاته الذي راوده في الكابوس !! 

شهق ريان ثم نظر لصبا التي نظرت له بخوف لتقول : مالك  ؟

أدار ريان السيارة بقوة ليعود للخلف وسط تساؤلات صبا المتكررة عن ما حل به .


♤ في أحد العيادات النفسية 

نظر الطبيب من خلف نظارته لفارس الذي يجلس بملل أمامه ثم قال : كمل ! بتشوف إيه تاني ؟ 

فارس بملل : حكيتلك كل حاجة ، من ساعة ما رجعنا الناس بتتعامل معانا على إننا مجانين أو بنكذب عليهم ، الوضع معايا زايد ومش محتمل كل شوية كابوس بس اللي رعبني الكابوس الأخير 




خلع الطبيب نظارته ثم قال : بص يا فارس هكون صريح معاك ، موضوع الموتيل طبعاً صعب يصدقه عقل لكن الكوابيس وخاصة الكابوس الأخير ممكن سؤال ؟ 

فارس : أكيد 

الطبيب : هل بتصرخ طول الوقت ؟ صوتك عالي مثلاً أو عصبي ! 

فارس بسخرية : أيوه أنا خلقي ضيق ، إيه علاقة دا بموضوعنا 

الطبيب محاولاً الشرح بهدوء : في ذنب أنت عملته يمكن عدى عليه وقت لكن بيتردلك بطريقة صعبه شوية ، أذيت حد مثلاً والشخص دا مات !






عقد فارس حاجبيه ليقول : إيه التخريف دا ! أنا كنت فاكرك دكتور محترم 

الطبيب بحزم : إسمعني وحاول تفتكر ، في حد إتأذى منك وحالياً هو متوفي وإنت حاسس بالذنب من ناحيته ، الشيطان اللي كان بيجر الخزانة الخشبية وبيصرخ بصوت مكتوم وراسه فيها مسامير مصفوفه وبينزل مكانها دم دا بسبب صراخك المستمر في أوضتك ، من كتر شعورك بالندم بتصرخ ف الصراخ مسببله ألم في رأسه 




كان فارس يستمع له ثم قال : إنت دجال ولا إيه؟ 

الطبيب : أنا مش دجال يا أستاذ فارس أنا طبيبك النفسي ، أنا بحاول أدخل أعماق تفكيرك وبحللها 

فارس بتفكير : طب واللي كان بيغني في المطبخ ! 

أرجع الطبيب رأسه للوراء ثم قال بإبتسامة غريبة : الشيطان اللي كان بيغني دا هو اللامبالاة اللي كانت جواك وقت إرتكابك الذنب ..






♤ في سيارة ريان 

توقف في الطريق الصحراوي القريب من مكان الموتيل 

نظر من نافذة سيارته للمكان بينما قالت صبا برعب : إحنا طلعنا من المكان دا بالعافية ، رجعتنا هنا تاني ليه ! 

ريان بهدوء : المكان اللي كان فيه الشجر دبلان في الكابوس دا المكان اللي أخويا استشهد فيه ، نفسي أعرف دا معناه إيه ، إحنا حاولنا ننسى ونرجع لحياتنا الطبيعيه مقدرناش ، صعب العقل يتجاوز مبنى كامل بيظهر وبيختفي من غير مبرر ، لازم أفهم يا صبا ! 

صبا برعب : كنت جيب سديم معاك بما إنها خطيبتك 

ريان : يا صبا أفهميني ، أنا خطبت سديم لإن مكنش ينفع أخلف وعدي لإني راجل 





صبا بألم وهي تنظر لنافذتها : ولإنك بتحبها 

أرجع ريان رأسه للوراء ثم قال : كان نفسي أشرحلك بس مش هتفهميني 

كانت صبا تنظر أمامها بصدمة لتقول  : يالهوي ! 

نظر ريان برعب لها ليقول : في إيه ؟ 

نزلت صبا من السيارة لتقترب من إحدى الأشجار وتنظر للشيء المعلق على أحد الغصون ، وقف ريان وراؤها ليقول : مش دي السلسلة بتاعتك ؟ إيه جابها هنا 

أمسكتها صبا لتقول : في أخر يوم لما كنا هنا رميتها بنفسي 

ريان تنهد ثم قال : حسبتها جت هنا لوحدها ودماغي كلنت هتودي وتجيب 

صبا بأعين دامعة : أيوة بس ..

ريان : إيه ؟؟؟






صبا برعب : بس أنا معلقتهاش ع الغصن بتاع الشجرة ! 


♤ في منزل سديم 

كانت تتحدث مع تالين عبر الهاتف 

سديم : كلمته أربع مرات من الصبح مبيردش معرفش هو فين 

تالين : يمكن عنده شغل مهم متخنقيهوش يا سديم 

سديم بغيظ : أنا بخنقه ؟ مش كفايه إني وافقت يفضل شغال مع أبو صبا رغم علمي إنها بتحبه 

تالين بتنهد : يابنتي ماهو خطبك اهو عاوزة إيه تاني وبعدين البنت بعدت خالص عنكم 

سديم : سيبك إنتي عاملة إيه مع أنس 

تالين : زي ما إحنا جهزنا كل حاجة وعلى ميعاد الفرح بس ، شكلنا هنسبقكم 





ضحكت سديم لتقول : أنا لولا أني طلبت من ريان نغير لون الليفنج لفانيلا لاتيه كان زماننا متجوزين 

تالين : أنس راح يقعد مع فارس شوية ، فارس اتصل عليه وكان مخنوق كانت ماما عازمة أنس عندنا ف إستأذن مني وقالي هروح أقعد معاه اشوف ماله 

سديم : أكيد من اللي حصلنا 

تالين : يووه يجماعة بجد إنسوا بقى ، متحاولوش تشغلوا دماغكم اكتر اعتبروه حلم مزعج 

إنتظرت تالين أن ترد عليها سديم ولكن لم يصلها رد 

تالين : سديم إنتي معايا ؟ 

سديم برعب : هكلمك وقت تاني 

تالين : في حاجة ولا إيه  ؟ 





أغلقت سديم الهاتف وهي تنظر للكرسي الهزاز الخاص بها 

كانت والدتها تروي لها قصة شعبية قديمة عن القزم الذي يقتحم البيوت ويسأل الأطفال : هل أنا قبيح أم جميل ؟ 

إذا كانت الإجابة جميل ف يزيح عن وجهه الوشاح ليتظهر ملامحه المخيفة ، أما إذا كانت قبيح ، ف سيشوه وجهك بمخالبه 

أما لم تكن هناك إجابة من الأساس ، سيفعل شيئاً ما يجعلك تصرخ من اعماقك 

وقع الهاتف من يدها وهي تنظر له يجلس على الكرسي الهزاز ، وأستمعت لصوته يقول : لذا ، هل انا قبيح أم جميل ! ..


♤ في غرفة فارس 





فارس بغضب : وتعبت ياعم أمي شافتني مجنون خدتني عند دكتور قعد يقول أي كلام ، أنا مش عارف أعيش كدا 

أنس : عشان حاطط في دماغك اللي حصل ومش قادر تنساه 

فارس : ومش هقدر !! إنت شايف اللي حصلنا عادي ؟ دا أنا بقيت طول الوقت مرعوب وخايف انام ..  إنت بتبصلي كدا ليه ؟ 

أنس بصدمة : ودانك بتجيب دم !

                  الفصل العاشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>