سيليا والشيطان
الفصل الثالث عشر
وضعت كفها علي قبضته الملتفة حول عنقها بعنفٍ، ثم حاولت سحبها بشراسة و هي تغرز أظافرها بكفه، بينما هو يتسائل بلا وعي و هو يشدد قبضته علي عنقها غير مكترث لما تفعله، بينما وجهها يزداد شحوبه:
-قتلتيه لية!؟
سعلت عدة مرات و هي عاجزة عن الرد عليه، ثم حاولت تحريك ساقها لتضرب معدته بصورة عنيفة و لكنها لم تستطع و كأن هناك شلل ما أصابها، فظلت هي تتابعه بعينيها التي كانت تميل للحمرة الواضحة، فتركها هو فجأة لتسقط هي علي الأرض بعدها مباشرةً و عينيها جاحظة بصورة واضحة من فرط الصدمة، كان سيقتلها بالفعل!
إزدردت ريقها بصعوبة و هي تمرر كفها علي عنقها ببطئ، ثم رفعت رأسها لتجده يرمقها بكراهية و نفورٍ واضحين، فهتفت هي وقتها بلا وعي:
-هو اللي حاول يعتدي عليا و..
توقفت عن الحديث عندما وجدت عينيه مظلمة بتلك الصورة المرعبة التي تصيب المرء بالقشعريرة المفرطة، بينما هو يباغتها بكفه الذي قبض علي مقدمة قميصها ليسحبها للأعلي، فنهضت هي تلقائيًا هي تضع كلا كفيها علي صدره لتحاول إبعاده عنها، ثم نظرت في عينيه مباشرةً لتجد بها صدمة لم تراها من قبل، و فجأة وجدته يهمس بصعوبة ملحوظة:
-قولتي إية!؟
لعقت شفتيها قبل أن تجيبه بنبرة مرتجفة، لتداهمها وقتها تلك الذكريات الكريهة لتتذكر ما حدث لها بذلك المكان:
-إنتَ قولت إنك مش هتصدق ولا كلمة أقولها.
تفحصها بكلا عينيه قبل أن يصرخ بإهتياجٍ رافضًا إستيعاب ما قالته من الأساس:
-إنتِ إزاي تتهمي "إياد" بحاجة زي كدة!؟
إستطاعت السيطرة علي عبراتها الخائنة لتصرخ بعدها بإنفعالٍ و هي تنفض كفه من علي قميصها:
-إنتَ اللي إزاي كنت مخدوع في إبن خالتك!؟
تراجع بخطواته و هو يستدير للخلف ليتذكر طباع إبن خالته التي كانت شبه غير جيدة، فهو كان يعشق النساء بالفعل بالإضافة إلي كونه رجل لعوب، و لكنه كان يظن إن تلك الطباع لن تحثه أبدًا علي إيذاء غيره، ربما كاذبة!...و لكن هناك صدق شديد في عينيها!...كيف تكذب بمهارة هكذا!؟..كيف تصطنع الأسئ و اليأس بتلك البراعة!؟..الحيرة كادت أن تقتله، و لأول مرة يشك ب "إياد"، بأقرب صديق إليه، و عندما مرت تلك الفكرة برأسه شعر بالغضب و الإشمئزاز الشديد ناحيتها، لذا إستدار للخلف مجددًا و هو ينوي قتلها تلك المرة و لكنه توقف عندما وجدها جالسة علي الأرض و هي تضع وجهها بين كلا كفيها، و جسدها يرتجف بعنفٍ، إقترب بخطواته البطيئة و توقف فجأة عندما إستمع لصوت إنتحابها، فهمس هو وقتها بترددٍ:
-"سيليا".
إستمع لهمهماتها الغير مفهومة، فإقترب منها أكثر و هو يجثو علي ركبتيه ليستمع لصوتها الهامس بوضوحٍ:
-مكانش قصدي أقتله هو اللي كان عايز يعتدي عليا، هو السبب....مكانش قصدي أقتله.
تفحص حالة الإنهيار التي كانت فيها بنظراته المتمعنة فهتف بنفسه وقتها بصدمة:
-مستحيل دة يكون تمثيل!
وضع كلا كفيه علي رأسه ليضغط عليها بقوة، فشعر تلك اللحظة بالتشتت الشديد الذي جعله عاجز و غير قادر علي فعل أي شئ، ظل هكذا يلقي عليها نظراته المصدومة، و بعد عدة لحظات نهض ليتحرك بخطواته السريعة ليخرج من المكان فأوقفته هي صارخة برفضٍ:
-متسيبنيش هنا.
صوب نظراته ناحيتها ليجدها ترمقه برجاء من وسط عبراتها التي غمرت وجنتيها، و لأول مرة يراها بذلك الضعف، هو إعتادها قوية، شرسة، لا تهاب أي شئ، و لم يكن يظن أن وجودها بذلك المكان سيجعلها في حالة إنهيار غير متوقعة هكذا، إقترب منها بخطواته البطيئة لينحني بجذعه للأمام و هو يقبض علي كلا ذراعيها ليجعلها تنهض فتعلقت عيناه بعينيها التي إلتمعت بهما الدموع، و بتلك اللحظة شعر برغبتها في الهروب من عينيه، بالتأكيد فتاة مثلها لا تريد أن يراها شخص ما في ذلك الضعف المزري!
تركها بعدما إحترم مشاعرها تلك، و بتلك اللحظة عادت إليه بعض من صفاته القديمة، بينما هي تخرج من المكان بخطواتها الراكضة لتصعد لسيارته و هي تتعمد إخفاء ملامح وجهها، بينما هو يخرج من المكان و علي وجهه علامات الحيرة الواضحة!
____________________________________________
-سمعتك بتتكلمي مع حد، هو في حاجة؟
قالتها "رحيق" و هي تهبط الدرج بخطواتها المتكاسلة، فردت وقتها "سماح" بجمودٍ أصابها بالدهشة:
-في مشكلة لازم أقولك عليها يا "رحيق".
إرتشفت "رحيق" من كوب الشاي الدافئ عدة رشفات قبل أن تهمس بنبرة شبه مرتجفة:
-مشكلة إية!؟
ردت "سماح" بأسي مصطنعٍ، بينما "رحيق" تتابعها بتمعن و هي تشعر بكذبها و بوجود شئ ما خفي:
-بابا جاي من السفر بكرة و هيقعد معايا هنا في البيت، و بصراحة كدة مش هينفع تقعدي معايا بابا لو عرف يعني..
قاطعتها "رحيق" بصرامة لا تتقبل النقاش و هو تعود بخطواتها للخلف لتصعد الدرج:
-خلاص فهمت، هلم هدومي و أمشي إنهاردة.
تابعتها "سماح" و هي تتواري عن أنظارها لتزفر بعدها براحة شديدة، ثم إلتقطت هاتفها لتضغط عليه عدة ضغطات قبل أن تضعه بأذنها قائلة:
-كلوا تمام، هي هتمشي إنهاردة.
____________________________________________
-شكلي حلو؟
قالها و هو يحاول البحث عنها بكلا ذراعيه الممدودين فتلمست هي أحد كفيه و هي ترد عليه بنبرتها الرقيقة:
-أيوة.
مرر كفه الأخر علي قميصه و هو يحاول أن يخفي توتره عندما لمست هي كفه لتقبض عليه بيدها الصغيرة، ثم همس بتلعثمٍ:
-د...دة القميص الأسود صح؟..إنتِ إختارتي الأسود؟
أومأت له قائلة بتعجبٍ:
-أيوة الأسود.
هز رأسه عدة مرات بوجومٍ، فسألته هي بعفوية:
-مش بتحب الأسود!؟
أومأ لها عدة مرات فسألته هي تلقائيًا:
-طب هو عندك لية!؟
فرك كلا كفيه بعدما ترك يدها بإرتباكٍ كعادته قبل أن يرد عليها بتوترٍ:
-بابا هو اللي إشتراه.
تنهدت بعمقٍ قبل أن تهتف بهدوء و هي تتجه للخزانة:
-بسيطة هجيبلك لون تاني.
فتحت الخزانة لتلتقط قميص أخر لونه أبيض، ثم إتجهت ناحيته قائلة بترددٍ و هي تعطيه القميص:
-تحب أساعدك تلبسه؟
أجابها بإنفعالٍ أصابها بالذهول لتتابعه بنظراتها المشدوهة:
-لا أنا هلبسه لوحدي زي ما عملت قبل كدة.
رفعت حاجبيها بصدمة و هي تنسحب بصورة هادئة لتخرج بعدها من الغرفة و هي تغلق الباب خلفها، بينما هو يخلع قميصه ببطئ، ثم أخذ يرتدي الأخر و هو يزفر براحة، ثم وضع كفه علي تلك الندبة الموجودة بوضوحٍ علي بطنه لتداهمه تلك الذكريات الكريهة.
(عودة للوقت السابق)
-بــابا متسيبنيش، يا بابا.
صرخ بها الطفل "زاهر" بنبرة ألمت حنجرته و هو يحاول التشبث بوالده الذي خرج من البيت الذي يحترق راكضًا، بينما هو يشعر بتلك الحرارة المرعبة التي تزداد، هو حتي لا يستطيع تحسس الحائط خشية من أصابته بأي حروق، و لكن و من سوء الحظ تعثرت قدمه ليقع علي وجهه صارخًا بألمٍ لم يعرف من أين أتي، ثم فقد الوعي بعدها مباشرةً!
____________________________________________
-لا طبعًا، "سامر" إحنا مش هقول حد إن إبننا إتصاب ولا حتي إتحرق، إية عايزة الناس تعرف إن سعادتك سيبت إبنك و جريت زي الجبان!؟
فتح الصغير جفنيه ببطئ ليستمع لما قالته والدته بوضوحٍ، و فجأة شعر بتلك الوخزات المؤلمة ببطنه فأخفض كفه ليتحسس بطنه فوجد ذلك الشئ الغريب موضوع عليها، فعقد حاجبيه بألمٍ شديدٍ لم ينتبه له أحد والديه، و بتلك اللحظة إستمع لرد والده الغاضب:
-بقولك إية متوجعيش دماغي، ما هو زي الفل أهو.
ردت عليه "روفيدا" بإهتياجٍ جعل الصغير ينكمش علي نفسه بخوفٍ:
-نفذ اللي بقولك عليه، أنا مش عايزة حد يعرف بإصابة الولد و خصوصًا أهلك اللي هيخلوني أنا اللي غلطانة، كل اللي عايزاك تقوله هو إن البيت إتحرق و إنتَ الولد كنتوا برا، و كمان متقولش دلوقت إستني يعدي أسبوع كدة لغاية ما الولد يخف شوية.
(عودة للوقت الحالي)
شعر بالباب ينفتح فأغلق أزرار قميصه سريعًا قبل أن تري ندبته تلك، بينما هي تخفض نظرها سريعًا ما إن رأته مازال يرتدي قميصه، ثم تنحنحت هاتفة:
-يلا بينا.
تنهد بعمقٍ قبل أن يومئ لها عدة مرات، بينما هي تقترب منه لتقبض علي كفه برقة ليخرجا من البيت سويًا.
____________________________________________
-إنتِ فين؟
قالها "بلال" بتساؤلٍ بعدما إستطاع و أخيرًا مهاتفتها، فردت هي وقتها بتلهفٍ:
-إنتَ اللي فين؟
رد عليها بعجرفة و هو يزفر بضيقٍ:
-"رحيق" مش وقته تردي علي سؤالي بسؤال، إنطقي و قولي إنتِ فين؟
ردت عليه بنبرة خافتة أثارت دهشته:
-أنا في إسكندرية.
عقد حاجبيه متسائلًا بتلقائية:
-عند خالك؟
ردت عليه نافية علي عجالة:
-لا، تعالي إنتَ بس و كلمني أول ما توصل و هقولك هنتقابل فين عشان في مصايب كتير حصلت.
زفر بإمتعاضٍ قبل أن يرد عليها صائحًا:
-خلاص أنا هجيلك دلوقت..سلام.
____________________________________________
-"سيليا" أ..أنا.
قالها "تميم" بتلعثمٍ و هو يرمقها بتفحصٍ، فردت هي عليه بصرامة رافضة الحديث معه من الأساس، لتخرج بعدها من السيارة مباشرةً:
-لو سمحت أنا مش عايزة أسمع كلمة منك.
تابعها و هي تخرج من السيارة بنفس حيرته و فجأة قاطع شروده صوت رنين هاتفه الذي تعالي بصورة مزعجة، فأخذه من جيبه ليري هوية المتصل، فوجده خاله يريد التواصل معه من خلال إحدي التطبيقات (ماسنجر)، فرد هو وقتها سريعًا هاتفًا بمجاملة:
-واحشني يا خالو.
وبخه خاله بمزاحٍ قائلًا:
-واحشك، هو أنا لو كنت واحشك كنت متكلمنيش كل دة!؟
تنهد بعمقٍ قبل أن يهتف بأسفٍ:
-معلش بقي يا خالو إنتِ عارف كنت مشغول الفترة الأخيرة دي.
رد عليه بصوته الأجش و هو يقهقه عدة مرات:
-ماشي يا عم، مبروك.
تنهد مجددًا قبل أن يهتف بهدوء:
-الله يبارك فيك.
ثم تابع بتلقائية و هي يخرج من سيارته:
-قولي "رحيق" عاملة إية عندك؟
طال الصمت لعدة ثوان قبل أن يرد خاله بدهشة ظهرت في نبرته بصورة ملحوظة:
-"رحيق"!...عندي فين!؟
رد "تميم" بلا تفكير و هو يعقد حاجبيه بشكٍ:
-عندك في إسكندرية!
رد وقتها خاله بنبرته المشدوهة لتصيبه تلك الصدمة:
-أنا مش في إسكندرية أساسًا، و معرفش حاجة عن "رحيق"!
سيليا والشيطان
بقلم رولا هاني
الفصل الرابع عشر
أجهشت بالبكاء المرير و هي ترتمي علي الفراش لتخبئ وجهها بكلا كفيها، لتحارب وقتها تلك الذكريات الكريهة التي داهمتها بلا رحمة، لتتذكر وقتها ذلك الأحمق، و ذلك البيت، و ذلك اليوم، بينما "بيسان" تدلف للغرفة بخطواتها المتوترة و هي تتسائل قائلة بنبرة لطيفة:
-"سيليا" إنتِ كويسة؟
جزت علي أسنانها و هي تكتم صوت بكائها ليخرج منها وقتها ذلك الأنين الخافت، و هي تتمني أن يكن لديها قدرة علي البوح بكل ما ينغص عليها حياتها، بكل ما يؤلم قلبها، بكل ما يحرق روحها المسكينة، بينما "بيسان" تلاحظ تلك الحالة الغريبة التي كانت فيها لتقترب وقتها منها بخطواتٍ مترددة، لتجلس بجانبها علي الفراش، ثم مدت كفها بإرتباكٍ لتسحب كلا كفيها من علي وجهها، فوجدت تلك العبرات تغمر كلا وجنتيها، لذا صرخت هي وقتها بصدمة، فهي و لأول مرة تراها بتلك الحالة المزرية:
-"سيليا" حصلك إية!؟
صرخت باكية بألمٍ و هي ترتمي بين أحضانها، لتنتحب بحرقة و هي تتشبث بملابسها، بينما "بيسان" تربت علي كتفها بعدما جحظت عيناها بعدم تصديق، أتلك هي الفتاة القوية التي تزوجها إبنها!؟...ما الذي حدث ليجعلها في حالة إنهيار تصيب المرء بالدهشة هكذا!؟...لاحظت إرتجاف جسدها العنيف فإحتضنتها بحنان هامسة ب:
-كل حاجة هتبقي تمام، إهدي، كفاية عياط و ب..
و فجأة قاطعها "تميم" الذي دلف للغرفة بخطواته الراكضة كالثور الهائج، فسألته هي غاضبة بملامح عابسة، بينما "سيليا" تتشبث بها و هي غافلة عن كل شئ:
-عملت فيها إية!؟
كادت أن تتابع صارخة بإهتياجٍ و لكنها توقفت عندما وجدته يخرج من إحدي الأدراج سلاح ناري ليضعه بجيبه، فهبت هي واقفة تاركة "سيليا" التي جففت عبراتها سريعًا لتتابع وقتها ما يحدث، بينما "بيسان" تصرخ برعبٍ:
-واخد المسدس دة و هتعمل بيه إية!؟
كاد أن يتركها غير مكترث لها و لكنها أوقفته عندما قبضت علي ذراعه لتجعله يقف قبالتها، و هي تتابع صارخة بتساؤلٍ:
-رُد عليا السلاح دة واخده لية؟
أجابها بنبرة مهتاجة و الشر يتطاير من عينيه، بينما "بيسان" المصدومة تتابعه بعدم تصديق، أما "سيليا" فهي مازالت تتابع ما يحدث لتفهم وقتها ما يقصده زوجها:
-بنتك مسافرتش لخالها، خالها مش في إسكندرية أساسًا.
عقدت حاجبيها لتحاول تجاهل ما يرمي إليه بحديثه قائلة:
-أمال سافرت لمين!؟
تحرك وقتها ليسير بخطواته السريعة صائحًا ب:
-دة اللي أنا هعرفه، بس لو طلع اللي في دماغي صح مش هرحمها يا ماما.
تسمرت بمكانها و هي تراه يخرج من البيت، و فجأة شعرت بدوار عنيف فترنحت في وقفتها و هي تستند علي باب الغرفة، بينما "سيليا" تنهض من علي الفراش سريعًا لتتجه ناحيتها صائحة بوجلٍ:
-إنتِ كويسة!؟
إزدردت "بيسان" ريقها بصعوبة بالغة قبل أن تهمس بهلعٍ و قد إمتقع وجهها:
-هاتيلي تليفوني بسرعة من أوضتي.
عقدت "سيليا" حاجبيها ببعض من التعجب قبل أن تتركها و هي تؤمئ لها برأسها عدة مرات، بينما "بيسان" تتمتم بإصرارٍ و الدموع تلتمع بعينيها:
-حتي لو كان اللي بيقوله صح، لازم أنقذ بنتي.
_________________________________________
-هروح فين بس الكام ساعة دول!؟
قالتها "رحيق" و هي تزفر بحنقٍ، ثم سحبت خلفها حقيبتها الكبيرة و هي تتنهد بعمقٍ هامسة ب:
-كنت ناقصة الزفت اللي إسمه "برق" دة!؟
و فجأة وجدت سيارة تمر بجانبها فألقت عليها نظرة سريعة قبل أن تكمل سيرها، و لكن لفت نظرها ذلك الرجل الذي أخرج رأسه من النافذة قائلًا بجدية:
-مش إنتِ "رحيق" أخت "تميم"!؟
عقدت حاجبيها بذهولٍ قبل أن تتوقف لتتوقف السيارة معها، إقتربت منه هامسة بإستفسارٍ و هي تشعر بعدم الإطمئنان و لكن فضولها الأحمق منعها من إكمال سيرها لتعرف هوية ذلك الشخص الذي يعرفها:
-أيوة خير؟
كاد أن يرد عليها، بينما هي تتابعه بإهتمامٍ واضحٍ، و فجأة وجدت رجل ما يكمم فمها من الخلف ليسحبها تجاه السيارة بصورة سريعة أصابتها بالفزع الشديد، فظلت تحاول المقاومة و لكنها لم تستطع خاصة عندما أخذها بالفعل لداخل السيارة لتشعر وقتها برجلٍ أخر يلف تلك القماشة علي عينيها لتصبح الرؤية لديها معدومة!
___________________________________________
-مبتردش دي لية!؟
قالها "بلال" بعصبية و هو يغلق هاتفه ليضعه بجيبه، ثم دلف لغرفته بذلك الفندق و هو يتمتم غاضبًا:
-المفروض بقي أعمل إية بعد ما الهانم مردتش عليا!؟
مرر كلا كفيه علي وجهه بعنفٍ قبل أن يرتمي علي تلك الأريكة متسائلًا بحيرة:
-ياتري "تميم" عرف بالحقيقة!؟
____________________________________________
-يابني ريحني و رُد عليا بقي!؟
قالتها "سندس" و هي تسير خلف إبنها لتتابع بعدها و هي عابسة الوجه:
-لا ماهو إنتَ لازم تفهمني كل حاجة و إلا مش هسيبك.
حاول "يحيي" الهروب بعينيه من كلا عينيها التي تراقبه بلا توقف، ثم رد عليها بجمودٍ:
-كل حاجة بس إية يا ماما، محسساني إن في مصيبة، مفيش أي حاجة صدقيني.
و بتلك اللحظة أصبحت نبرتها حادة لتصرخ وقتها بنزقٍ:
-إنتِ هتخبي علي أمك ولا إية!؟...ما تنطق يالا.
زفر بنفاذ صبر قبل أن يصيح بإهتياجٍ و هو ينظر في عينيها مباشرةً:
-أقولك إية!؟...أقولك بنتك قتلت واحد عشان تسرقه و إبن خالته جه عشان ينتقم منها و هو عيلته و إتجوزها عشان كدة، أقولك إية ولا إية!؟
جحظت عيناها بصدمة و هي تتراجع بخطواتها للخلف لتهز رأسها رافضة تلك الفكرة من الأساس، ثم تسائلت صارخة و هي تلطم علي كلا وجنتيها:
-اللي بتقوله دة صح!؟
إزدرد ريقه بصعوبة قبل أن يومئ لها و هو يطرق رأسه ليصيبه شعور الندم عما قاله، بينما هي تتلاحق أنفاسها قبل أن تصرخ بنبرة مهتاجة:
-لا..لا، بنتي متعملش حاجة زي دي، إنتَ أكيد كداب.
رفع رأسه قليلًا ليتابع وجهها الشاحب بتوترٍ ملحوظٍ ليهتف بعدها مباشرةً بتوجسٍ:
-ماما..
قاطعته صارخة بتلعثمٍ و هي تقع علي الأريكة جالسة بعدما لم تتحمل قدماها حملها:
-ب...بنتي...بنتي في...في خطر أكيد هُما عايزين يأذوها.
إلتمعت الدموع بعينيها قبل أن تهمس بأسي:
-"سيليا".
فقدت الوعي بعدها مباشرةً، فصرخ وقتها "يحيي" بذعرٍ و هو يركض ناحيتها:
-مـامـا.
____________________________________________
-رُدي علي مامتك.
قالها بقتامة بعدما حل وثاقها، فرمقته هي بإحتقارٍ صارخة بإشمئزازٍ واضحٍ بنبرتها التي ظهر فيها النفور:
-"تميم" مش هيرحمك يا "برق"، لو عرف اللي عملته دة مش هيسيبك.
أغلق هاتفها ثم رماه بإهمالٍ علي الأرضية، ثم إقترب ليجلس أمامها علي ذلك الكرسي الخشبي قائلًا بثقة أصابتها بالصدمة:
-"تميم" لو عرف إني خطفتك هيشكرني.
تفحصته بعينيها جيدًا قبل أن تصيح بذهولٍ:
-يعني إية!؟
رد عليها و إبتسامته تتسع أكثر، بينما هي تفغر فمها بعدم تصديق، لتحاول إستيعاب إن كل ما خططت له خلال تلك الفترة كان بلا جدوي:
-بما إني عارف إن خالك مسافر الفترة دي و مش في إسكندرية، و بما إني عارف إنك سافرتي إسكندرية و مفهمة أخوكي إنك رايحة لخالك، قولت بقي أكلم خالك أقوله إن "تميم" زعلان عشان مكلمتوش و مجيتش فرحه و كدة، و اكيد طبعًا خالك كلمه و فهمه إنه مسافر برا.
إتسعت حدقتاها و هي تهز رأسها رافضة بهستيرية، هامسة ب:
-أكيد لا، أكيد إنتَ بتكدب، أكيد معملتش كدة.
إزدرد ريقه و هو يحاول تجاهل حالتها التي علي وشك الإنهيار تلك، ثم صاح بثباتٍ و هو يرمقها بكراهية زائفة:
-لا هي دي الحقيقة، و ضيفي علي كدة حكيتله كل حاجة و كل اللي بينك و بين "بلال"...هو صحيح مصدقش بس أكيد لما عرف كدبك إبتدي يشك فيكي.
نهض ليوليها ظهره بعدما شعر بضعفه الأحمق يظهر علي تعابير وجهه ما إن رأي عبراتها المصدومة تنهمر علي وجنتيها بلا توقف، ثم تابع بهدوء مصطنعٍ و لكنه مستفز:
-و أنا كمان اللي خليت صاحبتك تمشيكي من بيتها، قوليلي بقي تحبي أكلم أخوكي ولا تنفذي اللي هقولك عليه بالحرف؟
لاحظ صمتها الذي طال فإستدار لها ليجدها تهمس بصعوبة واضحة:
-"تميم"...ل..لو عرف..هيقتلني.
إرتسم علي ثغره إبتسامة جانبية متهكمة، قبل أن يجيبها بنبرة مستهزئة:
-عنده حق، بصراحة أنا لو مكانه كنت دفنتك مكانك مش بس قتلتك.
إرتجف جسدها و هو تتوقع رد فعل شقيقها و حالته الحالية، ثم إنكمشت علي نفسها برعبٍ و هي تدفن وجهها بكلا كفيها، لتهز رأسها بهستيرية رافضة كل ما يحدث، لتتمني أن يكون ذلك ما هو إلا مجرد كابوس ستستفيق منه بأي لحظة، و فجأة أفزعتها نبرته الباردة و هو يهتف ب:
-واضح من سكوتك إنك عايزاني أكلم أخوكي فعلًا، مفيش أي مشكلة.
وجدته يتجه ناحية هاتفه ليلتقطه، فوجدته يضغط عليه عدة ضغطات، لذا هبت واقفة و هي تتجه ناحيته راكضة، و فجأة تعثرت قدمها لتقع أمامه و هي تلتقط كفه لتقبله عدة مرات صارخة بتوسلٍ من وسط عبراتها التي غمرت كلا وجنتيها:
-أبوس إيدك أخويا هيقتلني.
سحب كفه من بين كلا يديها قبل أن يهتف بثباتٍ، و هو ينظر في عينيها مباشرةً:
-يبقي تنفذي اللي هقولك عليه بدون نقاش.