رواية عينيكي وطني وعنواني
الفصل السادس والعشرون
والسابع والعشرون
بقلم بنت الجنوب
تسمرت اقدامها عن التحرك وهي تنظر نحوها باضطراب، وكأنها لا تعي ولا تستوعب ان كان ما تراه الاَن هذا حقيقة أم
خيال.. أمينة ابنة خالتها صديقة الطفولة وايأم الشقاء.. تقف أمامها وداخل شقة سعد بملابس بيتية مريحة.. وكأنها !
خرج صوتها اَخيرًا بتلجلج:
- انتي.. انتي إيه اللي..جابك هنا وو..لابسة ليه كدة؟
تجاهلت أمينة الرد عليها لتتحرك نحوها.. تتمختر بخطواتها حتى اقتربت منها لتقف أمامها وتحدق بعيناها صامتة مع هذه الإبتسامة العبثية المستفزة التي لم تفارق وجهها.. ونيرمين تبتلع ريقها بترقب.. لتباغتها امينة فجأة وهي تدنو للإسفل تلتقط الأكياس المبعثرة على الأرض .. فقالت فجأة وهي ترفعهم وترى ما بداخلهم .
- ياحلاوة ياولاد.. دي فرخة مشوية وفاكهة وازازة بيرة كمان...لزوم الجو .
قالت الاَخيرة بغمزة من عيناها اثارت سخط نيرمين فجعلتها تغمض عيناها وهي تقبض يداها وتشيح بوجهها عنها ..فلاحقتها امينة مقهقهة بالضحك:
- ههههه بتصرفي على سعد يانيرمين؟ هههه بتصرفي على سعد يا منيلة.. يخيبك بنية.. طب استنضفي طيب ههههه
استدارت لها نيرمين بغتة تمسكها من تلابيب ملابسها قائلة بشراسة :
- وانتي بروح امك بقى بتعملي ايه بقى هنا عشان افهم بس؟
قهقهت امينة بصوت عالي قائلة بمرح لتغيظها:
- انا واحدة جوزها محبوس في قضية برشام.. والدنيا ملطشة معايا يعني ماحدش هايستغرب عليا اي فعل اعمله.. لكن انتي ياقمر ياللي واخدة الراجل الغني الكبارة.. جاية هنا ليه بقى؟ وكمان صارفة ومكلفة..لدرجادي ياروحي الشوق غالبك؟
صاحت تهزهزها بعنف:
- مالك انتي ومالي يازفتة؟ بتضحكي وتتمسخري عليا ولا أكنك قفشتيني معاه في اؤضة النوم.. اشحال ان ما كنت انا اللي طبيت عليكي في شقته وانتي قاعدة ومريحة فيها ولاكنك صاحبته ولا عشيقته؟ في إيه يابنت محاسن؟ على اَخر الزمن كمان هايطلعلك صوت؟ يكونش نسيتي ياختي شغلة امك؟
اختفى العبث من وجه أمينة وهي تنزع كفي نرمين عن ملابسها بعنف فقبضت على رسخها بقوة .. تقول :
- ايوة انا بنت محاسن يانيرمين وعارفة شغلة امي كويس اوي ومش ناسياها.. بس انا ياحبيبتي مش على راسي بطحة عشان اخاف ولا اكش.. عكسك انتي ياحلوة.. ياللي لعبتي ودورتي على حل شعرك ايام الفقر عشان تطولي فرصة كويسة.. وحصل.. ووصلتي للي انتي عايزاه..
دلوقتي بقى ايه حجتك عشان تخوني الراجل الكبارة جوزك مع سعد؟..
قالت الاَخيرة بقرف.. ونيرمين انعقد لسانها واتسعت عيناها زعرًا من هذه المجنونة التي أتت إليها في أشد أوقاتها صعوبة.
.............................
زهيرة وهي جالسة بجواره على طرف الفراش تهزهزه بيداها وصوتها يهتف عليه ليستقيظ من غفوته العميقة على مايبدوا من عدم استجابته لها:
- علاء باشا.. انت ياحلو.. ياعريس ياقمر انت .. ماتصحى ياولا تعبت قلبي.
فتح اجفانه بغتةً وأشرق وجهه بابتسامة مرحة وهو يتناول كف يدها يقبلها:
- الف بعد الشر عليكي ياست الكل من تعب القلب .
لكزته بقبضتها حانقة:
- يعني انت صاحي من زمان بقى وبتستهبل عليا يازفت انت؟
خرجت الاَخيرة بشهقة وقد فاجئها بنهوضه على حين غرة يلف ذراعه على كتفها ويقبل وجنتها .. ويقول:
- طب واصحى انا ليه بقى واتحرم من الدلع بتاعك..ها.. قوليلي كدة يازوزو.. قوليلي .
على صوت ضحكاتها وهي تحاول التملص من ذراعيه:
- ايوة ياخويا اعملهم عليا.. بكرة تستكفى بحضنها ودلعها هي بنت سميرة دي.
- والنبي ولا الف واحدة يغنوني عن دلع انتي ياست الكل ياقمر .
ازدادت ضحكاتها ولكنها اجفلته:
- طب خلاص بقى واض سيبني عايزة اقوم .. صاحي ياخويا فايق ورايق.. باين عليها السهرة كانت صباحي مع حبيبة القلب على التليفون بعد مارجعت من مشوارك متاخر.
نزع ذراعه عنها وقال بجدية:
- ابدًا والله ياامي.. دي حتى ما ردت على أي اتصال مني.. معرفش ليه؟
نهضت من جواره وهي ترد :
- تلاقيها بس تعبت ونامت.. قوم انت بس وصحصح دا النهاردة الجمعة.. ودي مش عادتك تتأخر كدة في النوم .
- ليه هي الساعة كام ؟
- الساعة عشرة ياحبيبي .
قالتها وهي تتحرك للخروج وهو نهض مجفلًا يتناول هاتفه:
- يانهار ابيض.. كل دا سيباني نايم ياامي؟ طب الحق اتصل بيها اشوف مالها دي؟ مارنتش ليه هي كمان؟
خاطبته زهيرة قبل ان تخرج من غرفته :
- علاء.. ماتنساش ياحبيبي بعد ماتخلص كلامك في التليفون مع فجر تتصل باخوك.. عايزاه يجيني
سألها :
- عايزاه في ايه ياماما؟
قالت بقلق :
- يعني مش حاجة بعينها.. انا بس عايزاه يجي وخلاص.
اومأ بسبابته على الناحيتين من وجهه بابتسامة حنونة:
- من عنيا الجوز .. ليكي عليا لو مجاش بنفسه اسحبهولك انا من قفاه
بابتسامة انارت وجهها:
- تسلملي عيونك ياروح قلبي .
.............................
وفي الشقة المجاورة وبداخل غرفتها.. اتاها اتصاله وكأنه نجدة من السماء لتنهض من جوار ابنة عمتها.. التي كانت نائمة بجوارها على الفراش.. سارت على أطراف اصابعها حتى دخلت الشرفة.. اجابته بصوتٍ خفيض :
- ايوة ياعلاء.. صباح الفل والورد ياحبيبي .
- .................
- عارفة وربنا عارفة.. بس اعمل أيه بقى؟ ما انت ماتعرفش اللي حصل؟
- ...............
- عمتي ياعلاء.. وصلت امبارح وانا مكنتش قادرة اتنفس حتى من الإحراج وانا معاهم.. ربنا وحده اللي عالم الليلة دي عدت عليا ازاي؟
- ..................
- ازاي بس ياعلاء؟ ماكنش ينفع طبعًا ارد عليك انت بالذات وانا متحاصرة بوجودها حواليا.. دي نظراتها غريبة اوي ناحيتي..
- ......................
- حاضر ححاول طبعًا.. بس انت ماتزعلش مني ياروح قلبي.
- روح قلبك برضو ياأبلة فجر؟
انتفضت فجر وهى ترى ابنة عمتها امامها على باب الشرفة.. والتي تابعت بغمزة من عيناها.
- هو انت بتكلمي حبيب القلب ؟
هزت رأسها بتوتر وهي تنهي المكالمة سريعًا..ثم التفتت لها قائلة :
- هو انتي صحيتي من امتى ياسميحة؟
ضيقت الفتاة عيناها وردت بابتسامة ماكرة:
- بتقفلي السكة في وش خطيبك يافجر عشان ماسمعش كلامكم وكمان عايزة تلهيني؟
- ألهيكي!
قالتها فجر بتعجب من سماجتها .. فسميحة ابنة عمتها هذه والتي تزوجت عن عمر السادسة عشر وهي تشبه شقيقتها الراحلة في بعض الملامح الدقيقة بوجهها ولكن ليست برقتها ولا رقيها.. تعاملها بتبسط ولا تراعي فرق العمر بينهم والذي يتعدي السبع سنوات.. تزعجها منذ الأمس بالأسئلة الفضولية والأحاديث الخاصة.. وكأن بزواجها قد قفزت لعمرها واصبحت صديقتها فجأة !
- سكتي وسرحتي في إيه تاني ياابلة فجر؟ هو لدرجادي كلامه حلو؟
قطبت فجر حاجبيها دهشة واستنكار قبل ان ترد ببعض الحكمة:
- هو انتي مش متجوزة برضوا ياسمحية؟ يعني أكيد جربتي؟
زمت سميحة شفتيها بحنق تجيبها:
- ياختي هما شهرين بس اللي اتخطبت فيهم وكنت ساعتها انا بجهز نفسي وهو بيجهز الشقة.. بالعافية كنا بنشوف بعض خطف كدة وبعد الجواز.. هما برضوا شهرين وسافر ياختي على الخليج وسابني .. يعني مالحقناش حتى نعرف بعض.
رقت ملامح فجر نحو الفتاة التي في عمر الطالبات بمدرستها.. ولكنها لم تستطع كبح السؤال الذي يلح بداخلها منذ الأمس :
- معلش ياسميحة في سؤالي.. بس انا بصراحة كان نفسي اعرف.. هي فاتن ماتت ازاي؟
ردت سميحة بعفويتها :
- الله يرحمها اختي يارب ويبشبش الطوبة اللي تحت راسها.. انا عرفت من امي انها ماتت بحمى شديدة.. اصل انا كنت صغيرة اوي ساعتها لما شوفت امي بتسحب فاتن وهي تعبانة مش،قادرة تفرد طولها.. وخرجت بيها توديها المستشفى وبعدها بقى مارجعتش على بيتنا غير بكفنها.
التمعت عيناها فجر وهي تتذكرها وترسم بعقلها هذا المشهد وكانها تراه امامها وتشعر بألمها.. انتفضت فجاة على صيحة سميحة:
- برضوا مش هاتحيكيلي عريسك كان بيقولك إيه؟
حدقت اليها بجزع .. هذه الفتاة المزعجة لا تشبه فاتن على الإطلاق ولا حتى بالملامح.
..............................
بملامج متجهمة اقترب من ابيه الذي كان يتحدث في الهاتف وهو جالس على إحدى الاَرائك وعيناه مثبتة على شاشة التلفاز .
- صباح الخير ياابو علاء .
التفت اليه أدهم ونحى الهاتف عن أذنه بعد ان استأذن محدثه في الناحية الاخرى قبل ان يرد ببشاشة :
- صباح الفل ياحبيبي.. لابس كدة ورايح فين ؟
رد بغموض :
- ورايا مشوار مهم عايز اعمله.. المهم بقى انا حاسس الجو هدوء يعني؟ هو انت مافيش حد معاك؟
رد أدهم بابتسامة:
- لا مافيش حد معايا ياحسين باشا.. نيرمين استأذنتي تزور واحدة قريبتها عيانة .
اومأ برأسه بملامح مغلفة لا توحي بشئ.. تابع ادهم :
- ماتتأخرش بقى في مشوارك ياحسين.. عايز اقعد معاك يابني شوية.. دا النهاردة الجمعة .
- تحرك للخلف وهو يتحدث بوعد :
- اخلص بس مشواري ياابو علاء وانا هاجيلك واقعد معاك قعدة طويلة كمان بس اخلص مشواري .
ترك ابيه يكمل مكالمته واستدار هو للخروج.. بوجه جامد.. يتصاعد الغضب من كل خلية بجسده.. يريد التأكد بنفسه من صدق المعلومات التي اخبره بها حودة..
وبعدها لا يلومن المخطئ الا نفسه على حصد نتائج أفعاله:
قبل دقائق .
- استيقظ حسين على صوت هاتفه المزعج ينبئه بورود مكالمة.. رد بصوت ناعس .
- الوو .. ايوة ياحودة عايز ايه عالصبح ؟
وصله الصوت الاهث :
- ايوة ياحسين باشا.. في حاجة مهمة اوي عايزة اقولهالك .
اعتدل عن الفراش بجذعه قائلًا بلهفة :
- معلومات إيه ياحودة..هي البت دي خرجت ولا الواد سعد عمل حاجة تاني ؟
رد الاَخر بقلق:
- لا دي ولا دي ياحسين باشا.. دا حاجة غريبة كدة انا مستغربلها وو..
قاطعه بحدة :
- انت لسه هاتوقوق... ماتخلص قول يابني انت في إيه؟
- بصراحة كدة بقى انا شوفت الست نيرمين داخلة العمارة اللي فيها شقة سعد.. واما راقبتها لقيتها بتدخل شقة سعد بعد ما فتحتها بمفاتح كام معاها في شنطتها !
انتفض واقفاً عن الفراش فقال بحزم:
- انت متأكد من كلامك ياحودة ؟
- والله ياباشا زي ما بقولك كدة .. هو انا هتوه عنها ؟
تأجج صدره بالغضب وعقله يدور فى عدة سيناريوهات..فقال :
- اسمع ياحودة .. انا عايز اعرف البت دي بتعمل ايه في الشقة فاهمني؟
- ازاي بس؟ هو انا هاعرف منين بقى ؟
قال مشددًا وهو يتحرك بغير بغرفته كالأسد الحبيس :
- اتصرف ياحودة ولا شوف أي طريقة.. انا عايز اعرف البت دي دورها ايه مع الكلاب دول.. وليك عليا ازودك بالفلوس اللي تغنيك عن الشغل والمرمطة.
..............................
وفي الجهة الأخرى .
وقف حودة بوجه ملثم يترقب حركة الأشخاص الخفيفة في هذه المنطقة النائية.. خلف البناية القديمة المتشققةو الموجود بها شقة سعد.. يبحث عن منفذ يمكنه من الصعود والدخول بداخل الشقة.. لقد وعده حسين بالمال الوفير الذي سيمكنه من تأسيس مشروع جديد يعيش بعائده .. ولكن هذا رغم اغرائه يأتي بالمرتبة الثانية لديه.. فهو متشوق لكشف حقيقة سعد مع هؤلاء النساء . ويبدوا انه قد وجد الطريقة !
بخفة الفهد تسلق على إحدي مواسير الصرف مستغلًا عدم ثقل وزنه.. حتى تمكن من الصعود الى الشرفة الإسمنتية.. سقط بداخلها ولحسن حظه كانت نافذتها مفتوحة.. دلف من خلالها بحرص الى داخل غرفة النوم .. مشطها سريعًا بعيناه فانتبه على هذه الأصوات الصادرة عن قريب.. خطى بخطواته حتى اصبح خلف الباب الذي فتحه بمواربة ليرى هاتان المرأتان واقفتان بوسط الصالة الضيقة .. جذبه حديثهم فتناول هاتفه ليتقط الصور ويسجل ثم يرسل الرسائل تباعًا لحسين الذي طلب منه ان يتابع معه مايحدث لحظةً بلحظة.
..................................
وعند نيرمين التي هدرت على امينة حانقة وهي تدفعها للخلف:
- ماتحلي بقا عني يابت.. مالك انتي باللي بعمله ولا اهببه مع سعد؟ إيه ياعنيا؟ رجعتي تحنيلوا تاني بعد مارماكي زي الكلبة زمان .
صدرت ضحكة ساخرة من امينة وهي ترد:
- احن لسعد؟! طب بذمتك انتي مصدقة نفسك وانتي بتقوليها؟ سعد دا كان فترة وعدت من حياتي وانا صغيرة.. لما كنت زي الغرقانة بدور على قشاية تسندني وتخرجني من جو امي والرجالة اللي كانت داخلة خارجة عندها.. مكنتش لسة عرفت الدنيا على حقيقتها.. سعد ياحبيبتي كان بيضحك عليا بكلامه المزوق والناعم وانا من هبلي كنت فاكراه هايتجوزني في حلال ربنا ويبعدني عن امي وقرفها .. لكن انتي بقى ياعنيا .. ايه حجتك عشان تمشي معاه في سكته هاا؟
هزت رأسها بعدم احتمال وهي تنفي :
- سكة مين يامجنونة انتي؟ انا مش فاهمة انتي عملالي تحقيقي ليه اساسًا ؟ هو انتي لدرجادي الغيرة قتلاكي من ناحيتي؟ لدرجادي بتحقدي عليا عشان انا اتجوزت راجل غني واستريحت وانت فضلتي في المرمطة والفقر.
. ايه ذنبي انا ان كنتي اتجوازتي واحد بياع البرشام ورد سجون؟ كل واحد بياخد اللي يستحقه.. انا ربنا خلقني حلوة وجميلة وانتي ربنا خلقك وجمالك على قدك.. ايه ذنبي فيها دي بقى ؟
صدرت ضحكة امينة بصوت عالي ورقيع مستهزئة بما قالته:
- هو انتي لسة برضوا فيكي الانعرة الكدابة دي يانيرمين ؟ فاكرة زمان لما كنتي تلبسي الدهب الصيني قدام الناس وتقولي دا حقيقي.. ولا افكرك احسن بالحلق الكبير النحاس اللي كنتي بتفتخري بيه قدام البنات في المصنع.. على اساس انهم هبل ومايعرفوش الفرق .. فاكرة الحلق يانيرمين .
قالت الاَخيرة وهي تخرجة من جيب عبائتها البيتية .. وتلوح به امامها.
جحظت عيناها نيرمين وتدلى فكها بعدم تصديق .. همت لتتناوله ولكن امينة ابعدته عن مرمى يديها .. وهي تقول بمرح:
- عارفة يانيرمين .. لما لقيته في كيس المخدة وانا برتب اوضة النوم جوا .. استغربت قوي.. انه لسه عايش معاكي.. بس اسغربت اكتر لما عرفت انك ماشية مع سعد بقالك سنين.. ههههههه .
رفعت نيرمين يدها نحو القرط تريد تناوله بانهيار فتلاعبت بها امينه وهي تبعده عنها باستمتاع وتابعت:
- الا قوليلي صح؟ هو انتي عرفتي توقعي الراجل الكبير دا ازاي؟ ها؟ ومين دلك على سكته اساسًا ؟ سعد برضوا؟ ههههه
هتفت عليها بتشجنج :
- كفاية بقى ياامينة والا وديني لاكون حاكية لعلاء عالسر اللي بينك وبين سعد!
توقف امينة فجأة عن ماتفعله تسألها بصدمة وعدم تصديق:
- سر إيه ؟ انا مافيش بيني وبين سعد أسرار .
ردت نرمين وقد شعرت أنها قد اصابت هدفها :
- لأ في؟ والسر الخطير دا هو اللي خلاكي تقبلي تتجوزي البرشامجي.. وخلى سعد يقطع صلته بيكي.. اوعي تفتكري اني مكنتش فاهماكي.. اينعم انتي وسعد ماحدش فيكم كان نطق بحرف.. بس انا ولبنى اخت سعد ..فهمناها لوحدنا لما اختفيتي فجاة عن الشغل عند البيه اللي اسمه عصام صاحب علاء .. لبنى اخت سعد حكتلي بنفسها انها في مرة سمعت اخوها وهو بيحذرك وينبه عليكي في التليفون عشان ماتعتبيش بيتهم تاني ولا تعتبي الشارع حتى عندهم ..لعلاء ولا الدكتور عصام حد فيهم يشوفك وساعتها هاتروحي في داهية .
تسمرت امينة مكانها وشحب وجهها ليقارب صفار الموتى.. فقالت بصعوبة وهي تحاول ابتلاع ريقها الجاف :
- بقولك ايه يابت انتي.. ماتحاوليش تلعبي عليا وتخترعي قصص من عندك .. انا ماعنديش قصص ولا حكاوي عشان اخاف منها .
هذه المرة ضحكت نيرمين وهي تنظر نحوها بتشفي وقد تبينت الحقيقة وصدق تخمينها من هيئة غريمتها المزرية .. فقالت بميوعة:
- ماشي ياعنيا زي ما تحبي.. اصل بصراحة انا معرفش حقيقة السر دا ايه بالظبط.. بس طبعًا لو روحت لعلاء وبلغته بكلام لبنى اخت سعد اللي عدى عليه سنين.. وبلغته بعنوانك انتي هنا .. اكيد طبعًا هايفتكر ويعرف ولا انتي إيه رأيك؟
عند هذه النقطة رفعت امينة راية الاستسلام .. فمدت اليه كفها مفتوحة كي تتناول قرطها وقالت بصوت محذر وخارج بصعوبة:
- خدي حلقك واطلعي من هنا يانيرمين.. وحسك عينك الكلام دا يطلع قدام حد تاني.. عشان ساعتها ياحبيبتي ..انا هافضحك قدام جوزك وابلغه بعلاقتك بسعد ولو حصلت اجيبله تاريخك كله واسماء الرجالة اللي مشيتي معاهم .
ابتسمت نيرمين بانتصار وهي تتناول القرط .. فتحركت للذهاب بخطواتٍ بطيئة وواثقة .. وقبل ان تصل للباب اوقفتها امينة وهي تهتف باسمها:
- نيرمين .. نصيحة ليكي ياريت كمان ماتوصليش اللي حصل ده لسعد .. عشان ساعتها انتي اللي هاتتأذي بجد.
لوت شفتيها بسخرية وهي تنظر اليها بصمت دون ان تريحها ولو بكلمة.. ثم ما لبثت ان تتحرك فتصل الى مقبض الباب لتفتحه.. فكانت الصدمة التي جعلتها تتمنى لو انها تهذي او أن ماتراه هو من وحي خيالها فقط.. همست بغير تصديق .
- حسين !!!
الفصل السابع والعشرون
أغمض عيناه وتنهد بسأم وهو يستمع لإلحاح أخيه عليه في الهاتف بعد ان رد على اتصاله اَخيرًا.. بعد عدة اتصالات منه كان قد تجاهلها في خضم انشغاله
مع رسائل حودة وسماع التسجيلات .. حتى انه تجاهل اتصالات شروق بهِ واكتفى بإرسال رسالة موجزة لها على تطبيق الوتساب يخبرها انه سيحاول الاتصال به لاحقًا لانشغاله مع أحد الأشخاص.. قال بتعب:
- يابني خلاص بقولك هاجي ان شاء الله.. بس مش لازم يعني يكون على الغدا.. سيبني بس افضى شوية كدة من المشوار اللي في ايدي.. وبعدها اشوف بقى.
- ........................
- ياحبيبي ابوس ايدك سيبني دلوقتي انا مش فاضي.. هاتصل بيك بعد شوية ..... خلاص ياعلاء ياحبيبي فهمت..... طمنها بس انت وقولها اني جاي النهاردة.. على العشا تمام ماشي........ ما انا كدة كدة كنت عايزك في كلام مهم ....... هو دا وقته؟ بقولك مشغول يابني اما شوفك هاقولك ..........سلام بقى الله يخليك.
انهى مكالمته سريعًا رغم شعوره بتعجب أخيه وارتيابه.. ولكنه مضطر لضيق الوقت بيده خصوصًا بعد اطلاعه على الرسالة الاَخيرة لحودة!
صفق باب سيارته يغلقه بقوة بعد ان ترجل منها.. ثم سار بضع الخطوات القليلة نحو المبني القديم.. بعد أن صف السيارة بجواره.. اعتلي الدرج المتهالك بخفة وسرعة حتى وصل امام الشقة الموصوفة له من حودة في الطابق الأول في الجهة اليمين.. وقبل ان يطرق بقبضته على باب الشقة.. رفع
هاتفه ليرى اَخر التسجيلات المرسلة من حودة.. استمع لهذا الحوار الاَخير بين نيرمين وامينة وقبل انتهاء التسجيل بثواني قليلة..رفع رأسه نحو الباب الذي فُتح بغتةً.. فرأى نظرة نيرمين الجذعة بعد أن تفاجأت به.. اعتلت شفتيه إبتسامة متهكمة وهو يخاطبها:
- ايه يامدام مش هاتقوليلي اتفضل؟
حينما ظلت على تسمرها وفمها الذي يفتح ويغلق دون النطق ببنت شفاه.. دفعها هو للداخل ودلف خلفها يغلق باب الشقة بملامح متجهمة أرعدتها فارتدت للخلف بخطواتها حتى اصطدمت بأمينة التي كانت واقفة بمحلها في وسط الصالة محدقة عليهم بدهشة.. لتفاجأ بحسين الذي كان يخطوا للداخل خلف نيرمين التي مازلت ترتد للخلف بظهرها:
- أنتي بقى أمينة ياروح امك ؟
قطبت حاجبيها مذهولة من حدته بالرغم من عدم معرفتها بهِ.. نقلت نظرها باستفسار نحو نيرمين التي التصقت بالجدار خلفها.. فاأجفلها هادرًا :
- انطقي يابت .
انتفضت مرتعبة فردت على الفور :
- ايوة يابيه انا أمينة.. بس هو انت مين بالظبط يعني؟ ظابط ولا شرطة؟
جز على فكه وهو يقترب بوجهه منها ينفث دخان من حريق صدره الغاضب ..فانتقلت عيناه نحو نيرمين يسألها بسخرية :
- إيه يامدام.. انتي مكسوفة ما تعرفيها انا مين؟ طب اعملي بالعيش والملح اللي أكلتوه مع بعض في المصنع ولا حتى أيام شقاوتك.. قبل ما توقعي الراجل الكبارة في حبالك وتخليه يتجوزك بخبرتك الواسعة.. وبعدها برضوا تحني لأصلك تخونيه مع سعد الكل........؟
لطمت بكفيها على خديها وقد تأكد إليها استماعه لحديثها مع أمينة.. ولكن كيف هذا؟ رفعت عيناها نحو اعلى الحوائط لترى ان كان هناك كاميرا خفية.. لتفاجأ بخروج أحد الأشخاص من غرفة النوم ملثم الوجه.. غريزيًا اتجهت عيناها بشراسة نحو أمينة الواقفة محلها كتمثال حجري .. فاغرة فاهها بصدمه بلاحول لها وقوة ..استفقن الاثنتان على صيحة حسين :
- اصحي انتي وهي معايا انا معنديش وقت ليكم .
خرجت نيرمين من صمتها تدافع عن نفسها بصوتٍ مهتز:
- الكلام اللي سمعته من البت دي ياحسين انا بريئة منه.. دي واحدة غيرانة وحاقدة عليا.. زيارتي من الأساس النهاردة كانت فخ من تخطيطها وانا والنعمة مااعرف حتى ان دي شقة سعد .. اصل يعني لو هاخون جوزي صح لا سمح الله.. فينه هو دا اللي خونته معاه؟
هز رأسه بنظرة مزدرءة قبل ان يتجه لحودة الذي اظهر وجهه فانصعقت نيرمن :
- الواض دا راح فين ياحودة؟
رد حودة بعد أن نظر بطرف عينه نحو الاثنتان:
- الواض سعد من الفجرية كان في دمياط بيجيب نقلة خشب لورشته.. اخَر الأخبار اللى وصلتني من مازن هي انهم وصلوا القاهرة.. وهما دلوقتي واقفين قدام محطة بنزين يمونوا العريية النقل ويريحوا شوية في الاستراحة هناك
اقتربت منه نيرمين وهي تتحدث بدفاعية مستغلة المعلومات الاَخيرة :
- اهو قالك بنفسه اهو انه من الفجرية برة البلد.. يعني انا بريئة اهو من التهمة الزور وكلام البت دي بت الحرام.. دي شايفة الناس كلها أوساخ زيها هي وامها .
نزل حسين بانظاره للإسفل نحو الأكياس المرتمية على الأرض قبل ان ينقلها مرة أخرى نحو نيرمين بابتسامة ساخرة ذات مغزى .. قبل ان يقول لها من بين أسنانه :
- عارفة يابت ال..... لولا بس ان عندي اللي اهم منك وعشان انتي خلاص كمان بقيتي كارت محروق ومن النهاردة هاترجعي لمكانك الطبيعي في اقرب مقلب زبالة.. لكنت انتظرت عشان اشهد عليكي العمارة كلها مع الكل.... بتاعك بس ملحقوقة.. اخلص بس من اللي في إيدي دلوقتي ..اخلصي ياللا غوري من وشي .
انتفضت من صيحته التي خرجت فجأة فأجفلتها.. لدرجة انها وقفت محلها غير مستوعبة.. فاطلق صيحة اخرى أشد حزمًا وحسمًا :
- غوري بقولك دلوقتي انا مش فاضيلك .
وقتها لم تشعر بقدميها التي انطلقت كالريح نحو الباب الخروج.. مما جعل امينة المصعوقة يخرج صوتها اَخيرًا بتشتت:
- هو انتوا جاين لمين بالظبط ؟
لم ينطق حسين وهو ينظر اليها بغموض فخرجت الإجابة من حودة الذي كان يلعب بهاتفه:
- احنا جاينلك انتي ياحلوة عشان نسجل معاكي لقاء تليفزيوني.. ها نسجل بقى ونقول اكشن؟!
............................
خرج علاء من غرفته ليجلس حول السفرة على احدى مقاعدها بغرض تناول طعام افطاره من بعض الاصناف الموجودة عليها.. ولكنه كان واجما بحيرة.. لا يدري سببًا لهذا القلق الذي شعر به من وقت انتهاء مكالمته السريعة مع شقيقه... نبرة صوته كانت منفعلة و غريبة عن طبيعته الهادئة والرزينة.. هذا بالإضافة لهذه الجملة الغريبة عن اخباره بكلامٍ مهم .. ترى مالذي يشغلك ياحسين وسوف تفاجئني به؟
- رد عليك ؟
- همممم
ارتفعت عيناه نحو والدته وقد استفاق من شروده :
- بتقولي حاجة ياامي ؟
تبسمت زهيرة بارتياب وهي تجلس امامه وتضع عن يدها طبق الجبن... ترد:
- ايه اللي واخد عقلك ياحبيبي ومخليك تنسى حتى اكلك؟
ارتفع حاجبيه باستيعاب فتبسم بتصنع رغم اضطرابه قائلًا وهو يتناول قطعة من الخبز يضعها بطبق الفول:
- عريس جديد يا أمي ..وشئ طبيعي إني اسرح في عروستي .
قطبت حاحبيها وارتسم على وجهها عدم التصديق .. فقالت :
- قالك ايه اخوك ؟
- قالي انه هايجي على العشا.
ردت زهيرة بتذمر :
لسة كمان هايقعد للعشا؟ انا كنت عايزاه يجي على الغدا يابني .
رد علاء بابتسامة وهو يضع اللقيمة بفمه :
- وفرقت ايه بس ياست الكل ان كان عشا ولا غدا ؟ مش المهم بقى انه يجي؟
اومأت زهيرة برأسها وهي تدعي تناول الطعام دون.. شهية تذكر وهذا لعدم شعورها بالإرتياح
..............................
امام احدى الكافتريات الشعبية بجوار احدى محطات البنزين كان جالسًا على مقعدٍ بلاستيكي .. يتناول افطاره من شطائر الفلول والفلافل الموضوع على المنضدة الخشبية التي توسطت الجلسة بينه وبين سائق الشاحنة المحملة بالأخشاب.. صدح هاتفه باتصالها اصدر بفمه صوت قرقعة بسأم وهو يتجاهل الرد.. ولكنها حاولت مرة واخرى حتى اثارت اهتمام السائق معه:
- ماترد يامعلم سعد لاحسن تكون مكالمة مهمة ولا حاجة!
رد عليه بملامح الملل :
- ياعم ولا مهمة ولا حاجة.. دي بس زن نسوان فاضية للرغي والكلام الفاضي .
على صوت ضحك الرجل قبل يرد بمرح :
- وافرض ياعم ان كانت نسوان فاضية ولا حتى رغاية.. هو في حد طايل في الزمن ده؟ رد يا سعد باشا وماتتكسفش.. انا هاقوم بقى اوسعلك الجو و ادخل الحمام جوا.. وانت بقى عيش وخد راحتك..ها .
قال الاَخيرة بغمزة وهو ينهض من ثم تحرك ذاهبًا امامه.. رفع سعد حاجبه بانتشاء وهو يرد على اتصالها :
- ايوة يانرمين.. عايزة ايه ؟
وصله صوتها الباكي :
- ايوة ياسعد انا اتخرب بيتي وكله من بوز الأخص البت امينة .
اعتدل في جلسته يسألها بعدم استيعاب:
- امينة مين يازفتة؟ هو انتي بتقولي ايه بالظبط ؟
هتفت تشهق بالبكاء:
- بقولك امينة ياسعد اللي انتي متاويها في بيتك ولا اكنها عشيقتك؟ الزفتة جرجرت رجلي وخلتني اروحلك الشقة عندك النهاردة وفتحت معايا في كلام جديد وقديم عن سيرتي معاك ومع الرجالة اللي مشيت معاهم قبلك.. وكل اتسجل عند حسين اللي طب علينا فجأة مع الواد حود.......
- بس الله يخرب بيتك .
خرجت منه بمقاطعة هادرة وقد انتفض من جلسته واقفًا.. وتابع:
- ممكن بقى تفهميني اللي حصل بالظبط؟ وبالراحة وبإيجاز عشان افهم.. والمهم دلوقتي بقى قولولي انت بتكلميني من فين؟
سحبت نفسٍ طويل تحاول التماسك قبل ان ترد اخيرًا:
- انا واقفة في شارع السوق اللي القريب من بيتك.
.............................
بعد قليل وبداخل سيارة النقل الكبيرة التي كان يقودها بسرعة عالية كالبرق رغم حمولتها الثقلية
.. بعد ان استمع لشرحها الوافي لما حدث وأجفتله بالأهم وهو مشاهدتها لحسين وحودة خارجين من مبنى شقته وامينة مسحوبة كالشاه لتذهب معهم بالسيارة.. لم يمتلك رفاهية التفكير بعدها وهو يتناول سلاسل مفاتيح السيارة وقبعة راس السائق الذي لم ينتظر خروجه من غرفة المراحيض العمومية بهذه المنطقه.. قفز سريعا بدخلها في الأمام خلف عجلة القيادة وذهب بالسيارة دون سائقها.. كل ما كان يدور بعقله هو ايقافهم عن الوصول لوجهتهم.. لو علم علاء بما فعله قديمًا او عصام او أدهم المصري؟ وما ادراك ما ادهم المصري؟ ستكون نهايته حتمًا بالإضافة الى ضياع كل ما تمكن من بناءه في السنين الفائتة.. الايكفي له سرقته حلم عمره بالإرتباط بها أو بشبيهتها لايهم.. كان على علم بخط سيرهم الاَن لمعرفته الدقيقة لوجهتهم والطرق المؤدية لحارتهم.. في بعض اللحظات الفاصلة لايمكن التنبؤ بأفعال الفرد حينما يكون مهدد.. لايمكن تنبؤ فعل الفرد ليتمكن من النجاة.. ولابد له من النجاة.. ولا يوجد حلُ اَخر .
وكانت الفرصة حينما رأى السيارة التي يعلمها جيدًا اَتية من مسافة قريبة في الجهة العكسية.. لم يتردد حينما زود السرعة اكثر والتف بها في اول فرصة وجدها
امامه في الطريق .. كان من الجميل في الأمر هو ان قيادة سيارتهم كانت عادية وطبيعية لدرجة مكنته للحاق بهم حتى اصبحوا على مرمى بصره فهدئ من سرعته قليلًا حتى على اقترب نسبيًا منهم .. رأسه مازلت مغطاة بقبعة رأس السائق وهو الاَن قريبًا منهم ولابد من تحين الفرصة.. والتي ما ان شعر بقربها لم ينتظر.. حينما التفت سيارة حسين امامه لتقطع طريقًا اَخر لم يتنظر وقتًا اَخر لاستغلال هذه الالتفافة وقد تلاشى عقله وضربات قلبه تنافس في سرعتها السيارة والتي زاد مرة اخرى من سرعتها بشكلٍ
هستيري مكنه من صدم السيارة الكبيرة حجمًا ووزنًا بالسيارة الصغيرة بشكل اجفل ركاب السيارة و قائدها الذي لم يتمكن حتى من الاستيعاب عندما وجد نفسه ينقلب مع السيارة والاَخرين لعدة مرات بشكل عنيف ادى لتدمير السيارة للقضاء على من بداخلها!
............................
منذ الأمس وهي تشعر بنفسها كالحبيسة داخل غرفتها .. تتجنب اللقاء بعمتها.. من وقت ان تفاجأت بزيارتها وهي لا تفارقها النظرة الغامضة منها.. رغم تعاملها بشكل طبيعي مع الجميع ان كان أخيها شاكر او زوجته أو حتى شروق.. اما هي فلم ترتاح لهذا الوجه الملغف بالغموض.. يقلقها حتى ابتسامتها.. ترى كيف تراها الاَن؟
خرجت من شرودها على صوت فتح باب غرفتها دون طرقه.
كشرت فجر بوجهها نحو شقيقتها التي دلفت منه:
- مش تخبطي يازفتة انتي ..هي وكالة من غير بواب؟
ردت شروق بروتينة وهي تجلس بجوارها:
- هو انا دخلت عليكي وانت عريانة مثلًا يافجر؟ ما انتي بكامل هدومك أهو؟
فغرت فجر فاهها تود توبيخها بالكلمات ولكن اجفلها هذا السكون على وجه شقيقتها وعيناها المضطربة.. سألتها باقتضاب:
- مالك ؟
ردت شروق:
- مش عارفةيافجر.. بس مضايقة اوي ؟ حسين مش راضي يرد على أي اتصال مني وفي الاَخر قفل السكة في وشي.
- معقول؟! طب ليه يعني؟ دي حتى مش عاويدوا؟.
هزت شروق رأسها باضطراب وقالت بقلق:
- لا هي حصلت مرة او مرتين لما كنا نتخانق مع بعض واشد انا عليه في الكلام .. بس انا مش فاكرة خالص اني اتخاقت معاه المرة دي .
ربتت فجر على ذراعها تطمئنها بابتسامة:
- خلاص ياقمر.. يبقى أكيد عنده حاجة ضروري شغلاه.. واول مايفضى هايرن عليكي يطمنك.
تنهدت بثقل وهي تفرك يديها:
- يارب يافجر يارب .
أشفقت فجر على شقيقتها التي بدا على وجهها القلق جليًا.. فغيرت دفة حديثها :
- ماقولتليش صح ياشروق؟ هي عمتك بتتعامل كويس معاكي .
- اه طبعاً عادي وايه اللي هايغيرها معانا مثلًا؟
رفعت اليها عيناها فجأة تسألها بانتباه:
- صحيح يافجر هو انا ليه حساكي لازقة هنا في الأوضة وما بتخرجيش كعادتك .. تضحكي وتهزري معاها؟
لوت شفتيها وقالت بتوتر:
- عادي ياشروق يعني؟ انا بس ماليش مزاج ثم ان سميحة بنتها قايمة بالواجب معايا وبزيادة .. دي صدعتني بحكايتها مع جوزها وحماتها ام لسان طويل .
اشرق وجه شروق بالضحك:
- يعني عليكي ياغلبانة؟ بس ماتنكريش ان دمها عسل
اومأت برأسها فجر بيأس:
- هي فعلًا دمها عسل بس رزلة جدًا وزنانة قوي.. الا صحيح هي مش بتغلس عليكي زي انا ؟
نهضت من جوارها ترد بثقة :
- هي مين يابت اللي تغلس عليا ؟ هو انا عندي وقت ولا مرارة للعيال دي زيك؟
- ياجامد .
- امال يابنتي ؟
قالتها بثقة وهي تفتح باب الغرفة فاتفاجأت بها أمامها:
- عمتي !
اعتدلت فجر منتفضة وهي تنظر نحو وجهها الباسم وهي تخطوا لداخل الغرفة :
- ايوة عمتك ياروح عمتك .. انتي بقى عاملة ايه؟
لم تتعجب فجر من احتضان عمتها لشروق فالطالما كانت تعشق تفاصيل وجهها والتي تذكرها دائمًا بابنتها الفقيدة بهذا الشبه الكبير بينهم .. حتى برغم عشقها لفجر والتي تُشك باستمراره الاَن بعد زواجها من علاء.. ولكن تظل مكانة شروق المميزة بقلبها طوال الوقت.. اجفلت من هذه النظرة الغريبة نحوها :
- ابلة فجر .. مختفية ليه ياعروسة؟
ردت ببلاهة من توترها:
- هممم... مختفية ازاي بس ياعمتي ما انا موجودة اهو؟
ازداد اتساع ابتسمامتها الغامضة مما تسبب في زيادة قلقها ..والذي تحول لجزع وهي تستأذن من شروق للخروج من الغرفة.. كي تتركهم وحدهم .. جحظت عيناها فجر وهي تشاهد شقيقتها تنسحب من الغرفة تاركة عمتها معها وحدها بالغرفة وتغلق الباب عليهم خلفها.. ابتعلقت ريقها وهي ترى عمتها تجلس بجوارها على طرف التخت.. تهز بأقدامها مع هذه الابتسامة الغريبة والملازمة وجهها.. ثم قالت:
- حابسة نفسك عني ليه من امبارح يابت ؟
اومأت بكفها على صدرها قائلة بصدمة:
- انا ياعمتي؟ ليه بس بتقولي كدة؟
حدقت اليها بنظرة ذات مغزي .. جعلت فجر تخفض عيناها عنها باضطراب .. ولا تقوى على النظر اليهم .. وقبل ان تستمع لكلمة أخرى منها انتفضت من الصرخة التي اتت اليهم من خارج الغرفة.. بل ومن خارج الشقة نفسها ..خرجت وعمتها معها بجزع لترى الجميع خرج قبلهم نحو مصدر الصوت والذي كان صادرًا من الشقة المقابلة لهم :
- علاء .
صرخت بها وهي تسرع بخطواتها اليهم ..فرأت زهيرة المرتمية على الأرض مغشيًا عليها ..وعلاء ابنها يحاول أفاقتها ووالدتها التى دنت هي الاَخرى بجواره لمساعدته.. تسأل:
- في ايه يابني حصل إيه ؟.
رفع انظاره اليهم جميعًا بوجهٍ شاحب هاربة منه الدماء:
- ابوس ايديكم ياجماعة حد يجي يفوقها ويراعيها .. انا عايز اللحق بسرعة اخرج واروح لاخويا؟
سألت شروق على الفور:
- ماله حسبن ياعلاء؟ وانتوا ترحلوا فين؟
اطرق بوجه وخرجت كلماته بصعوبة:
- اخويا عمل حادثة!
هذه المراة الصرخة خرجت من فجر .. جزعًا على شقيقتها التي سقطت هي الأخرى مغشيًا عليها!
..........................
بعد اقل من نصف ساعة تقريبًا .. كان بداخل المشفي يعدوا مع شاكر وابنتيه بخطواتٍ مسرعة ومتماسكة رغم.. رهبة الحدث .. وصعوبته بعد تمكنه من الوصل بمعجزة الى المشفى .. تاركًا والدته المريضة برعاية سميرة.. وصل الى قسم الإستعلامات بالقسم يسأل احدى العاملات :
- لو سمحتي كنت عايزة اسأل عن حسين المصري وحودة عرفان.
ردت العاملة وهي تنظر بإحدى الدفاتر أمامها:
- اللي جم في الحادثة حضرتك ؟
اومأ برأسه دون النطق ببنت شفاه :
ردت الفتاة بعملية :
- حضرتك هما وصلوا في حالة صعبة اوي .. واحد في العمليات دلوقتي مع نخبة من الدكاترة تحت اشراف الدكتور عصام .
- الدكتور عصام !!
- ايوة حضرتك والتاني بقى؟
سألها بتوجس ماله التاني؟
قالت بأسف :
- للأسف تعيش انت .. والبقاء لله.