CMP: AIE: رواية جحر الشيطان الفصل السابع7بقلم ندي ممدوح
أخر الاخبار

رواية جحر الشيطان الفصل السابع7بقلم ندي ممدوح


 الفصل السابع7
بقلم ندي ممدوح





أُسدلت الشمس تغمر بدفأها الأرجاء  ، تشرق الحياة بنورٍ جديد لبداية جديدة مبددةً معها هموم الجميع  ،  أنارت بأمل جديد على قلوب الجميع ألا هُم  ، لم تشفق لقلب فيكتور الذي كَدَرتُ أيامه  ، وخيم الظلام قلبه




 فلم تعد الشمس تشرق ولا القمر يضيء كانهم سيضحون على خصام معه  ، بوجهًا باهت وعينان متقرحتان وصوتٌ تمزقت أحباله وجسدٌ فقد قوته فبات هشًا  ، ما زال جسد يوسف قابعًا بين ذراعيه  ، إلى صدرة في قلبه  ، يُسند برأسه على رأسه كأنهم لوحة بديعة تعبر 




عما يكنهُ  ، منهم من ذهب للمشفى ليقفوا مع سجى بقلبٌ فاقد للحياة  ، بينما المداهمة التي شُنت على وكر الأرهاب بتخطيط ممن خسرت توًا اخيها أُنتصرت وتم القبض عليهم..... 





بالمشفى تنهد ياسين في قلق وهو يجوب أمام غرفة العمليات في قلق  ، وعلى المقعد جلس أدهم مسند رأسه إلى الجدار مطبقًا جفنيه في وهن مداريًا ألمه  ، بجواره مكه وسمر. 
فُتح الباب ليهرع ياسين إلى الممرضة التي خرجت بطفلًا صغير بين ذراعيها وبسمة مشرقة على ثغرها  ، فتلألأ ثغر ياسين ببسمة وتسللت الدمعات متوارية متنحنًا وهو يمد كفيه بقلبٌ خافق، فناولته الممرضة الرضيع هامسة في فرحة  : 



(  ولد  ، مُبارك ربنا يجعله ذرية صالحة عليكم  ) 
ضمه ياسين لصدره ولم يتمالك دموعه فبكى موليًا ظهره  ، هو متيقنًا يقينٌ تام في عوض الله وفرجه لكن أن يأتي بهذه السرعة  ؟ 
مرطبًا قلبه لهو شيءٌ مُحال، لكن ما المحال  ؟  وهو الحنان المنان. 
ضحك بخفوت من بين دموعه مهمهمًا  : 
( يوسف  ، هسميك يوسف  ) 
دنت الممرضة لتاخذه وهي تقول  : 
( لو سمحت هات الطفل انا جبتهولك زي ما طلبت بس لازم يدخل الحضانة عشان نازل في السابع) 
اومأ ياسين وهو يناوله لها برفق وتساءل في لهفة  : 
( سجى  ..  سجى عاملة ايه  ؟) 




ردت الممرضة ببسمة  : 
( بخير  ، تقدر تشوفها دلوقتي  ) 
اومأ برأسه وهو يتلفت حوله كـ التائهه فربت ادهم على كتفه قائلًا  : 
( خد البنات وروح اطمن على سجى وانا هروح مع يوسف الصغير) 
امتثل ياسين له دون وعي وتوجه للغرفة ليطمئن على ملكة قلبه. 

🏵 لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 🏵

بعد مراسم الدفن وتفرُق الجمع أفترش فيكتور الأرض بحالة لا يرثى له ينعي قلبه الميت، تقابله لمار لا تقل حاله عنه بينما رحل الجميع حين أصرُوا على ذلك  ، لقد سقطَ الإثنيين في هوة الفراق  ، وهذا حال كل مرء أتخذ من شخصٍ واحد الحياة  ، فإذ فقده فقد نفسه وبقَ جسدٌ دون روح فـ إنتظار أن يتوارى أسفل الثرى. 
الحزن كلمة خفيفة النطق، مضمونها صعب، و واقعها أليم. 






بملامح باهتة وكفٌ يلامس المقبرة بوهن ومضت بذهنها آخر نظرة وداع للحبيب الراحل فتهدج صوتها وشهقت باكية تهمس بنبرة تقطع نياط القلب  : 
( لا تقل وداعًا أبدًا، بل قُل إلى اللقاء، لأننا حتمًا سنلتقي، أن لم يكن هُنا فهناك في الفردوس الأعلى يا يوسف) 
علا نحيبها وهي تغط وجهها في كفيها، تراودها جسمان أخيها قبل أن يهديها نظرة الوداع.




 
ما ان دوى نحيبها مجددًا حتى أنفجر فيكتور باكيًا لماذا عليه أن يُعذب فيمن أحب؟ كان يوسف عائلته حينما كان وحيدًا  ، لذا مات قلبه وفارقته روحه، كان في الدنيا معًا فهل سيكونا في الآخرى؟ 
وفي ثنايا أنهماكهما صُدح صوت خديجة تقول بوله وهي تضع كفها على كتف لمار  : 
( كفاية عياط  ) 
ضغط على شفتيها وهي تغلق جفنيه باكية لا تدرِ هل تواسيهم ام تواسي نفسها  ، فـ الفراق صعب للغاية مؤلم شديد الألم يُفقدنا الحياة. 
امتزج بكاءهم لدقائق قبل ان تربع خديجة ساقيها أسفلها وترفع المصحف قائلة بقوة  : 
( كفاية عياط دلوقتي يوسف محتاج لدعواتنا هو عند الرحمن دلوقتي  ) 
وعلى كلمات خديجة رن بذهن فيكتور كلمات يوسف ذات يوم  : 
( لما اموت مش عاوز حد يبكي عليَّ لو بتحبوني هتدعولي وتسئلوا الله ليا الرحمة وطلعوا صدقة  ) 
فزاح دمعهُ بعصبية وهو يطالع ذاته مستغربًا كيف استحواذ الحزن عليه حتى نسى ان يدعوا لتؤم روحه  ، فامر لمار ان تكف عن البكاء  وهو يؤكد كلمات خديجة التي بدأت في تلو القرآن لتضع لمار رأسها على كتفها  ، فـ احتوتها خديجة بذراعها ملثمة جبهتها. 

🌺 اللهم اغفر وارحم وأنت خير الراحمين 🌺

مرت أيام العزاء وخف المعزين من المجيء  ، خرجت لمار من غرفتها لاول مرة منذُ ذهابه الذي ترك وجعٌ جاثمًا بالفؤاد  ، سارت بالممر بخطوات بطيئة للغاية تتأمل كل زاوية وركن بعينان مُشتاقتان يفيضان بالحنين ونهضت الزكريات من مرقدها صائحة تهفو ببهجة مشتاقة  ، تدور كل زاوية وركن على أمل رؤيته، وقفت مستندة بكفها لسور الدرج وشخصت بصرها على باب غرفته  ، في هذا الوقت كان يخرج ليدنو مصبحًا عليهها 






بوجهًا يتلألأ نورًا فينير قلبها وتبتهج نفسها، بقبلة الصباح يلتقيها  ، وخُيل إليها فجأة أنه يقترب فتسمرت مكانها وأشرق وجهها واستشعرت بطيفه يقبل جبهتها ويده تطوقها لصدره  ، وفي لحظة تلاشى متبخرًا طيفه لتلامس جبهتها وهوت 







دمعاتها دون صوت فطبقت جفنيها لتغلق على احزانها وتتابع نزولها  ، طاولة الطعام هُنا كان يأكلها بحنو كانها طفلته الصغيرة  ، لطالما أحست أنها ابنته  ، حركت كفها على مقعدها  ، رباه الن يجلس عليه مجددًا.؟ 
ألن ترآه باسم الثغر ضاحك الوجه يتوسط الطاولة مرة أخرى  ؟ 
إلهِ؟  لن تضمه لصدرها مجددًا.؟  وتشكو إليه شجونها  ، وتبثُ إليه ما بجعبتها من أفراح واحزان  ، ألن تضع راسها على كتفها لتغفو بامان  ؟ الن يمسح على رأسها مجددًا؟ 
الن ترَ بسمته مرة أخرى  ؟ 





يا ويلاه ألن تراه مجددًا  ، عيناه المفعمة بالحنان  ، وبسمته الحانية، وضحكته التي تنعش فؤادها  ، هل حقًا غادر دون عودة  ؟ 
متى تتطامن السعادة في قلبها  ..  متى  ؟ 
دارت حول نفسها تتأمل كل رُكن بسيلٌ من الدموع وضاقت بها الدنيا بما رحبت، لقد ضل قلبها المثقل بالأحزان طريق السعادة  ، ام السعادة هي من ضلت الطريق لفؤادها  ؟ 
رن الهاتف بيدها على إشعار رسالة من رقمٌ مجهول ففتحت شاشته التي تُضيء بصورة الحبيب قبل أن تقرأ فحوى الرسالة بوجهًا ممتقع وعينان ضائقتان  : 
( كيف حال قلبك اخبريني  ؟ عجبي اسئل حال قلبك وانا على يقين انه ليس بخير ولن يكون  ، لا عجب يا ابنت الشرقاوي الفراق مرتين لذات الشخص مؤلم وخاصةً انك عشتي خبر موته مرتين  ، اوه لم يكن هو المقصود احلف لكِ  ، كانت ابنتك ها ها اجل سجى ولكن لماذا هو ضحى 




لاجلها و وقف امامها يا إلهِ  ، كم غريبون انتم ما هذا الحب الذي تكنوه لبعضكم بعضًا لمَ تموتون


 لاجل بعض  ؟  عزاءي لكِ يا لمار ولا اخفي عنكِ امرًا لقد سُعدت كثيرًا لكسرك وتحطيمك بموته مرتين  ، إلى اللقاء  ، ولكن ليس للمقابلة إلى اللقاء في رسالة اخرى عزيزتي  ) 
مرتين  ؟...  نعم عاشت وجع موته مرتين  !  يا ليته لم يعود  !  و افرحاه لانه عاد  ، عاد فتذوقت مرارة فراقه مجددًا، وتكدر قلبها،  لِمَ عليها أن تحيا وجع موته مرتين؟  ما الجرم الذي اقترفته؟  نفضت رأسها بعنف و أوقدت الرسالة غضبها فكورت قبضتها وهي تجز على أسنانها والشرر يتطاير من عيناها وفجأة صرخت محدقة بالفراغ تخبط بقبضتها بقسوة على الطاولة كمن يعاقب نفسه حتى ظلت تلهث في عنف  ، ثم نهضت ساحبة هاتفها مرتقية الدرج في خطوات سريعة متجهه إلى غرفة فيكتور طرقت الباب وفتحته بعنف لتجفل تالا مغلقة المصحف في دهش فبادرتها لمار قائلة وهي تنظر لفيكتور الممد على الفراش دون حياة  : 
( معلش سيبنا خمس دقايق  ) 
لملمت تالا سجادة الصلاة في عجل وخرجت دون كلمة لتقترب لمار  من الفراش وامسكت قرورة المياة الموضوعه على الكومود ثم فتحت غطاءه وسكبته على وجهه لينتفض جالسًا ناظرًا لها بغضب وقبل أن ينهرها القت بالقاروره ارضًا وهي ترفع سبابتها في وجهه قائلة  : 
( أنت هتفضل مستسلم كدا وهنسيب حقه  ؟...  لو هتفضل كدا قولي عشان ابدأ انا لوحدي  ) 
لاذت بالصمت ما ان رات تغير ملامحه لتجلس على طرف الفراش متطلعة في عينيه مردفة بنبره اكثر رفقًا  : 
( كُنت بفكر انتقم وحدي  ، بس انا متأكدة انا لو عملت كدا لوحدي مش هتسامحني فـ عشان كدا  ....) 
مدت كفها وهي تضيف في ثقه  : 
( جاهز نحط ايدينا في ايد بعض وتفوق من احزانك اللي بدمرك دي) 
تبسم فيكتور بثقة وهو يصافحها وثورة الأنتقام أُضرمت في قلبه، على أهبة الأستعداد ليأتي بحقه ثم يذهب إليه مرتاحًا يشعر هو بذلك، قرب أجله فما الذي تبقَ له بعد غيابه  ؟ 





غادرت لمار لتنتظره بالأسفل،  في اثناء ذلك أقترب حذيفة كالح الوجه وقال في وجوم  : 
(  أنا عايز أكون معاكِ وأنتِ بدوري على قاتل عمي  )
ضيقت لمار عينيها، وقالت في تعجب وهي ترمقة بتفحص  : 
( تدور معايا  ؟! ليه  ؟) 
أشاح حذيفة بوجهه مُجيبًا بأقتضاب  : 
( من غير ليه) 
رفعت حاجبها مزهولة وقد خامرها الشك لتدير وجهه إليها سائلة وهي تدقق النظر فيه  : 
( حصل ايه يا حذيفة  ؟) 
تجمعت العبرات في محجريها فدنت منه اكثر بقلق متسائلة بقلب ام وحنان عمه  : 
( مالك يا حذيفة في حاجة حصلت معاك  ؟) 
اندفعت أسماء كأنها تملكت فجأة قوة عجيبة غير تلك الزابلة ضربت بكفيها على صدره لتقبض على ملابسه بقوة صارخة ببكاء صارخ وهي تنظر للمار بملامح شاحبة  : 
( هو دا اللي قتل ابويا  ، صدقيني هو  ، انا شفته  ) 
صُدمت لمار من كلماتها لتنظر إلى حذيفة الذي لم يأبه بها مستسلمًا لضربها متفهمًا لحالتها حزينًا لأجلها رغم حزنه. 
جذبتها لمار من مرفقها و دفعتها للخلف وهدرت فيها  : 
( انتِ أتجننتي ولا موت ابوكِ ضرب عقلك  ؟  حصلك اي؟) 
أطرقت أسماء برأسها وعيناها تذرفان مغمغمة بنبرة وهنه  : 
( صدقيني انا شفته بعيني هو اللي ضرب النار عليه، شفته وهو على المتسكل....) 
دارها ياسين إليه من معصمها بقسوة وقبل ان يسقط بكفه على وجنتها كانت كف حذيفة حائل بين ذلك و وقف  قبالة ياسين وهو ما زال قابض على معصمه  : 
( أيدك متدمدش عليها يا ياسين كفاية اللي هي فيها دي خسارة ابوها  ، ياسين يا يوسف احن خلق الله اللي بيحبه قريب وغريب والصغير قبل الكبير  ) 
تشبثت به أسماء كالبلهاء تختبئ فيه كدرعًا حامي محصن لها، وقد كانت توًا تتهمة بغباء. 
جز ياسين على أسنانه وهو يدفع كفه قائلًا بجفاء  : 
( انت مش سامع بتقول اي؟  ...  دي شكلها اتجنت  !) 
هز حذيفة رأسه قائلًا ببساطة  : 
( اعذرها معلش  ) 
لوح له ياسين بكفه واستدار ليجلس بينما نفض حذيفة ذراعه من ذراعا اسماء وغادر. 

🌷 اللهم أغفر ليّ خطيئتي يوم الدين 🌷

تجمع فيكتور وياسين وحذيفة وادهم وفيكتور وعثمان ولمار أمام شاشة الحاسوب التي تُعرض مشهد موت الغائب  ...  غائب  ؟ منذُ ايام قلائل كانت الدنيا لا تسعه  ، غريبة هذه الحياة فما بين الثانية والأخرى لا ندرِ ما ينتظرنا  ، ربما نفقد حبيب  ، او يهاجرنا قريب  ، او يخذلنا رفيق  ... وبين هذا وذاك وجب علينا التحمل رغم قلوبنا التي ندهسها دون رحمة لندرِ ضعفنا. 
رؤية مشهد موته، احيا الذكرة وهاجت القلوب وشهقت لمار متألمة لتخبي وجهها قائمة من مكانها وابتعدت اخر الغرفة تبكي بحرقه كإنها محفوفها بكلاليب الأحزان تلتقطها يمنه ويسر.. دون ذرة شفقه. 
جففت دمعها واستجمعت اطراف شجاعتها مع شهقت عثمان الذي أشر باعين متسعة إلى الشاشة مغمغمًا بعدم تصديق  : 
( دا  ..  دا حذيفة؟!) 
نهض الجميع من اماكنهم يتناقلون النظر في بهت  ، بينما خفق قلب حذيفة وهو يهز رأسه نفيًا يكاد يجن  ، تقهقر الجميع على كف لمار التي دفعتهم من طريقها و دققت النظر في الشابان فوق الدراجة  ، ثم نهضت متنهدت براحة ملتفة إلى حذيفة الذي بادرقائلًا بنبرة مرتجفة وهو يؤشر على الشاشة  : 
( دا مش انا، انا مستحيل اعمل كدا، يوسف دا كان ابويا التاني) 
اومأت لمار بعيناها وجذبته لصدره بقوة تربت على ظهره في هدوء  ، لينظر حذيفة من خلف كتف لمار إلى ياسين يهز رأسه برفض ألا ان ياسين تبسم له رافعًا حاجبه يقول ببساطة  : 
( مال الغبي ده  ! ) 
ابتعدت لمار عن حذيفة ثم وبدون سابق إنذار هوت على وجهه بصفعة قوية يعقبها سحبها له من مقدمة ملابسه وهدرت في وجهه بغضب  : 
( أنت غبي  ؟...  مفكر ان احنا هنصدق ان ده انت  ؟  ) 
دفعته بحدة على الطاولة ثم امسكت بمؤخرة رأسه تقربها إلى الشاشة وهي تردف  : 
( بص كويس يا اغبي خلق الله  ، دا لابس نفس لبسك ومداري وشه هو اي حد هيلبس ذات لبسك هيكون أنت  ؟) 
رمش حذيفة متاوهً من شدة قبضتها وهو يقول معتذرًا  : 
( آه  .. خلاص انا أسف  .. اسف بقول سيبيني  ) 
دفعته لمار ليرتطم جانب وجهه في الطاولة قبل ان يعتدل مدلكًا وجهه، غابت لمار مليًا شاردة بتفكير وهي تسند بكفيها إلى ظهر المقعد ثم قالت بغموض  : 
( أنا عارفة مين اللي بيُقعنا في بعض كدا  ) 
نظر لها الجميع في اهتمام أن تتابع ليقول ياسين بدلًا عنها  : 
( اللي حطف العيال هو نفسه  ؟..  مش كدا  ؟) 
هزت لمار رأسها في هدوء وسكتت لـ هُنيهة قبل ان تلتفت إلى عثمان امره  : 
( خد صورة الواد ده اللي سايق وتجيبلي كل المعلومات عنه  ...  فاهم  ؟) 
اشار عثمان برأسه في ثقة  : 
( اعتبريه عندك  ) 

🥀اللهم إنك عفوًا كريم تحبُ العفو فاعفوا عني 🥀

تُهاجمنا الذكريات دون ذرة رحمة، غير عابئة بقلوبنا المكلومة تنقذف دون هوادة بدواخلنا وتضغط دون شفقة على ندباتنا فتذيدها ألمًا وتذيدنا المًا فلا تضمحل ابدًا ولا تتركنا نحيا بسلام. 
جلس ياسين شارد الذهن أسير الذكريات الأليمة مريح رأسه لظهر الأريكة مغلقًا جفنيه بقوة كلا تهوى دمعاته، سحبه من قوقعته كف سجى الذي وُضِع بغتة على ركبته وهي تجلس بجواره مردد بأسمه برفق  ، ليلتفت إليها متسائلًا بتنهيدة مثقلة  : 
( يوسف نام يا حبيبتي  ؟) 
اومأت سجى قائلة في هدوء  : 
( اخيرًا نام  ) 
تمتم ياسين وهو يرجع رأسه كما كان  : 
( خليه يرتاح ويريحك شوية  ) 
فجاته سجى وهي تقول في حزن  : 
( وانت امتى هترتاح  ؟) 
أنتفض ناظرًا لها ماسحًا دمعها بحنو هامسًا ببسمة حزينة  : 
( بتعيطي ليه؟ انا مرتاح يا حبيبي الحمد لله حد ربنا يمنن عليه بهدية زي القمر وميكونش مرتاح يوسف بدد أحزاني وعوضني شوية) 
هزت سجى رأسها وهي تجذب راسه إلى صدره قسرًا وقالت وهي تربت على رأسه: 
( متكدبش عليَّ يا ياسين  ..  الاب عمره ما يتعوض وإذا كان الاب ده زي يوسف يا ياسين  ...  ابكي يا حبيبي وهون عن قلبك متحملهوش اكتر من طاقته  ) 
انفجر ياسين باكيًا كأنه كان في إنتظار هذه الكلمات لتهوى دموعه من محجريها وتتحرر اخيرًا  ، ظل ينتحب وهي تمسح على رأسه باكية دون صوت حتى ضمها ياسين متمددًا على ساقيها يدفن رأسه في صدرها يبكي كأنه يبكي امام نفسه دون خجل او خزى  ، يبكي أبٍ لن يعوض، كان له الاب والصديق والحبيب ما يصبر قلبه قليلًا أن الموت حقًا وهو عند الرحمن وان الموت لاتٍ مهما طالت بنا الحياة. 
ثوانٍ، دقائق، ساعات لا يدرك صدقًا كم مر عليه وهو يهون عن قلبه بالبكاء وحمد الله أن رفيقة دربه بجانبه تشعر به وتتفهم ألمه ونفسه، دُق الباب ليعتدل جالسًا وهو يكفف دمعه، لتبادر سجى قائلة له  : 
( ادخل انت وانا هشوف مين  ) 
دون كلمة توجه ياسين للداخل، وفتحت سجى الباب لتقول مكة بأسف وهي تحمل دارين التي تبكي  : 
( سجى  ..  اسفه والله بس دارين مش راضية تسكت معايا ومش عارفه اعمل ايه  ؟) 
تبسمت سجى بتفهم وهي تفتح ذراعيها لتأخذها منها، وقالت  : 
( هاتيها انا عارفة انها مش هتسكت مع حد غيري  ؟) 
ناولتها لها مكة برفق وقالت في تأكيد  : 
( طيب خديها ولو احتجتي حاجه بس قولي يا مكة وهكون عندك في ثواني  ) 
شكرتها سجى وهي تدخل وتهدد الصغيرة برفق ليصرخ من الداخل يوسف كأنه على علم بأن احد آخر يشاركه والدته ليخبط ياسين كفه في جبهته قائلًا في غيظ  : 
( يا ابني حرام عليك انت لحقت تصحى  ؟)  
حمله ياسين سرعان ما تقزز سادًا انفه بأصبعيه مغمغمًا بقرف  : 
(يخرب بيتك وكمان عاملها، تعالَ يا عم ام نغيرلك، احيانا بحسك بتنتقم مني يلا  ) 
تبسمت سجى ضاحكة قائلة  : 
( طب خد انت دارين وانا هغيرله  ) 
نفى ياسين وهو يأتي بالحفاضة  : 
( لا هغيره أنا متقلقيش) 
هم ياسين بنزع الحفاض بتقزز وقد بدا جليًا ملامح الوجوم على وجهه، القاه سريعًا في سلة النفايات وهو يسد انفه فما ان كاد بأن يُلبسه الحفاض الجديد حتى  بال الصغير وتناثر علی وجهه، صُدم یاسین وجحظت عینیه وفجآه علت ضحكات خديجة وهي تضرب كف بكف في استمتاع لينظر لها ياسين في حده  ، وتصيح سجى متسائلة ما الذي يجري لتقول خديجة وهي لا تكف عن الضحك  : 
( كان لازم تشوفي ايه اللي حصل  ؟ الواد عملها على وش ياسين) 
شاركتها سجى الضحك، تاوهت خديجة وهي تحاول كتم ضحكاتها تحت انظار ياسين الغاضبة، جز ياسين على اسنانه وهو يتفل بجوار الصغير قائلًا  : 
( عبو شكلك يا شيخ دا جزاتي عشان  بغير قرفك) 
تقززت ملامحه وهو يميل شاعرًا بالتقيأ  ، ثم سار نحو خديجة ضاربًا اياها بالحفاض قائلًا بمقت  : 
( اضحكِ اضحكِ، امسكِ يلا روحي غيريله) 
انفجرت خديجة في وجهه مقهقه وهي تمسك منه الحفاض متجه إلى الصغير. 

🌹 اللهم اغفر ليّ ولوالداي والمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب 🌹

طرقت خديجة على الباب ليأذن رحيم من الداخل لها، فطلت برأسها وقالت  : 
( رحيم، أدخل؟) 
أجاب رحيم وهو يقترب من الباب متهيًأ للخروج  : 
( ايوه يا ديجا ادخلي  ، انا هروح المستشفى وكمان هدور شوية على عائشة ممكن اعرف حاجة فـ خليكِ معاها  ، معلش هنتعبك معانا  ) 
عاتبته خديجة قائلة  : 
( ايه تتعبوني دي  ؟ وعد دي اختي الكبيرة انت بتقول اي يا جدع انت  ؟) 
ضحك رحيم بخفوت ضحكةٌ لم تصل لعيناه الحزينة وقال في إستسلام  : 
( خلاص يا ست الكل اسفين  ) 
تنحت خديجة جانبًا ليمر وقالت  : 
( ايوه كدا، ربنا معاك يارب  ) 
أمن رحيم على دعاءها وخرج فأغلقت الباب واتجهت جالسة بجوار وعد الممدة دون حياة.... دون امل.... دون روح  ، جاحظة عينيها في الفراغ وكل اطرافها مرتخية ملست على  رأسها وهي تقول ببسمة  : 
( وعود عاملة ايه  ؟  ....  مش كويسة انا عارفة  !  لانك لو كويسة كان زمانك بتدوري على اللي قتل خالك  ) 
تهدج صوتها وفاضت مقلتيها واسترسلت  : 
( يوسف مات يا وعد... عارفة مفيش كلمة توصف اللي في قلبي، انا مفتقده اوي، و وحشني اوي) 
ألتفتت نحو الباب ما أن فُتح فجأة يتعقبه صوت عاصم الحاني  : 
( خديجة  ، ممكن نقعد معاكِ؟) 
أشارت له خديجة بالدخول فدخل وتبعه باقي الصغار لتقوم خديجة من جوار وعد مفترشة الأرضية وهم حولها وساد صمت لدقائق قاطعه صوت أروى وهي تهمس في ألم  : 
( خديجة احنا مش هنشوف جدو تاني  ؟  ليه؟  ) 
همت ان تجيب الا ان بادر عاصم متسائلًا  : 
( يعني ايه موت يا خديجة؟) 
طُرفت خديجة قليلة تطالعهم بسكوت طغى عليها مليًا مفكرة ثم أردفت بحنو  : 
( مين قال جدو مش هنشوفه تاني  ؟ ما هو عايش جوانا  ، هو موجود وحاسس بينا ولما ندعيله بتوصله دعواتنا وبيفرح جدًا بيها، الموت يا عاصم  ؟ ) 
التفتت إليه وسكتت لهنيهة واستتبعت  : 
( الموت حياة تانية ربما جنة او نار) 
تساءل حمزة وهو يحمل اخته شيماء على ركبتيه  : 
( احكيلنا عن الجنة يا خديجة) 
ما كادت بأن تجيبه حتى قال خالد  : 
( هو احنا لو طلعنا صدقة لموت جدو عادي  ) 
اومات خديجة وقالت في هدوء  : 
( بالطبع، الدعاء والصدقة تصل صوبها للميت) 
فُزعت خديجة ما ان ابصرت دموع ملك الصامتة لترنوا إليها سريعًا متسائلة وهي تجلس بجوارها  : 
( ملك، مالك بتعيطي ليه؟  ) 
هزت ملك رأسها وحركت أصابها تود قول شيء لها الا انها لم تفهمها فقاطعهما معاذ قائلًا ببساطة  : 
( بتقول افتكرت جدو يا خديجة وانها وحشته) 
رمشت خديجة قليلًا وهي تنظر لمعاذ برفع حاجب وسئلت في دهش  : 
( أنت فهمتها ازاي؟) 
حرك معاذ كتفيه ببساطة وقال  : 
( عادي،  مش عارف). 
زمت خديجة شفتيها ومسحت دمعات ملك المتساقطة وأردفت  : 
( متبكيش يا ملك كل ما افتكرتيه ادعيله افضل) 
ساد صمت حزين معبق بالزكريات،  ففكرت خديجة قليلًا قبل ان تلفت انتباه الصغار قائلة في حماس  : 
( ايه رايكم احكيلكم قصة سيدنا آدم أبو البشر) 
رفع الصغار انظارهم إليها دون حماس ولكنهم رضخوا في النهاية ينصتون إليها في اهتمام رغم حزن قلوبهم، فتنهدت خديجة متبسمة وسرحت بأفكارها وقالت  : 
( خُلق آدم في الجنة، أخبر الله عز وجل ملائكته بخلق آدم عليه السلام فقال تعالى  {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة} (البقرة:30).
في الآية إخبار من الله تعالي لملائكته انه سيجعل في الأرض خليفة عنه، يقيم أمرها، ويصلح شأنها. 
فـ استفسرت الملائكة حكمة خلق الله للإنسان ، وقد علمت ان منهم من سيفسد في الأرض، ويسفك الدماء، فإن كانت الحكمة من خلفهم هي العبادة فهم يعبدونه فقالوا لله. 
{أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [البقرة: 30]
فأجابهم الله عز وجل عن أستفسارهم بأنه يعلم الحكمة التي تخفى عليهم فإنه -سبحانه- سيخلق بني البشر ويجعل فيهم الرسل والأنبياء والصديقين والصالحين والشهداء، والعلماء والعاملين لدين الله، والمحبين له، المتبعين رسله، قال تعالى: {قال إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: 30].
وخلق الله -سبحانه- آدم من تراب الأرض ومائها، ثم صوَّره في أحسن صورة
ثم نفخ فيه ، فإذا هو إنسان حي من لحم ودم وعظم، وكان ذلك يوم الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)_[متفق عليه] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحَزْن (الصعب)، والخبيث والطيب) [الترمذي].
وعلم الله سبحانه آدم الأسماء كلها فقال تعالى {وعلَّم آدم الأسماء كلها} [البقرة:31]
وأراد الله عز وجل- أن يبين للملائكة الكرام فضل آدم ومكانته عنده، فعرض جميع الأشياء التي علمها لآدم على الملائكة، وقال لهم: {أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} [البقرة:31] فقالوا: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } البقرة:32
فأمر الله آدم أن يخبرهم بأسماء هذه الأشياء التي عجزوا عن إدراكها، فأخذ آدم يذكر اسم كل شيء يعرض عليه، وعند ذلك قال الله -تعالى- للملائكة:
ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} البقرة: 33
ودار حوار بين آدم -عليه السلام- والملائكة حكاه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "خلق الله آدم -عليه السلام- طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهب فَسَلِّم على أولئك -نفر من الملائكة- فاستمع ما يحيونك، فإنها تحية ذُرِّيتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله..."_متفق عليه
وأمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم تشريفاً وتعظيماً له فسجدوا جميعًا، ولكن إبليس رفض أن يسجد، وتكبر على أمر ربه، فسأله
الله -عز وجل- وهو أعلم: {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين} [ص:75] فَرَدَّ إبليس في غرور: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [ص: 76] فطرده الله -عز وجل- من رحمته وجعله طريدًا ملعونًا، قال تعالى: {فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} _[ص: 77-78].
فازداد إبليس كراهية لآدم وذريته، وحلف بالله أن يزين لهم الشر، فقال إبليس: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلَصين} [ص: 82-83] فقال الله -تعالى- له: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [ص:85]

طافت عينا خديجة في الصغار، فوجدتهم يحدقون بها في حماس ودون صوت، او حركة، ينصتون في اهتمام شديد، وهل يوجد شيء أجمل من هذا يستمعون إليه؟ 
أسبلت أجفانها وهي تستشق عبير الكلمات وقالت وهي تطالعهم في محبة  : 
( خُلقت حواء من ضلع سيدنا آدم_عليه السلام) 
_ لماذا سُميت حواء يا خديجة  ؟ 
تساءلت بهذا السؤال لمياء في تعجب ممزوج بالحيرة. 
فـ أردفت خديجة وهي تنظر إليها  : 
( لأنها خُلقت من ضلع حي وهو ضلع آدم) 
ثُم استرسلت وهي تُردد بصرها في الجميع  : 
( في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه  فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً) 
يوصي رسولنا وحبيبنا بالمرأة لنرفق بها،  ونحتوي ضعفها ونحسن معاملتها  كلا نُحزنها او نأتي عليها ونعاملها بالمعروف، ان نتجاوز ونصفح عن سياءتها واخطاءها، نحتويها ونكن لها اليد التي تأخذها من النور إلى الظلام فهي بحاجة لمن يعلونها على السير دون عوائق. 
قالت اروى بأنبهار  : 
( هل وصي علينا الرسول يا خديجة!  حقًا؟ ) 
اومأت خديجة لها بعينيها وتابعت  : 
( أجل يا قلبُ خديجة؛ أمر الله -سبحانه- آدم وزوجته حواء أن يسكنا الجنة، ويأكلا من ثمارها ويبتعدا عن شجرة معينة، فلا يأكلان منها؛ امتحانًا واختبارًا لهما، فقال تعالى: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} [البقرة:35] وحذَّر الله -سبحانه- آدم وزوجه تحذيرًا شديدًا من إبليس وعداوته لهما، فقال تعالى: {يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى . إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} طه:117-119
وأخذ إبليس يفكر في إغواء آدم وحواء، فوضع خطته الشيطانية؛ ليخدعهما فذهب إليهما، وقال: {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى}
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ . وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ) الأعراف/20
أي أنما نهاكما ربكما عن الاكل من هذه الشجرة من اجل ان لا تكونا ملكين. 
[طه:120] فَصَدَّق آدم وحواء كلام إبليس بعد أن أقسم لهما، ظنًّا منهما أنه لا يمكن لأحد أن يحلف بالله كذبًا، وذهب آدم وحواء إلى الشجرة وأكلا
منها.. وعندئذ حدثت المفاجأة؟‍‍!!
لقد فوجئ آدم وحواء بشيء عجيب وغريب، لقد أصبحا عرايا؛ بسبب عصيانهما، وأصابهما الخجل والحزن الشديد من حالهما، فأخذا يجريان نحو الأشجار، وأخذ يقطعان من أوراقها ويستران بها جسديهما، فخاطب الله
-عز وجل- آدم وحواء معاتبًا: {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} [الأعراف: 22] فندم آدم وحواء ندمًا شديدًا على معصية الله ومخالفة أمره وتوجها إليه -سبحانه- بالتوبة والاستغفار، فقالا:
{ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}
[الأعراف: 32] وبعد الندم والاستغفار، قبل الله توبتهما ودعاءهما، وأمرهما بالهبوط إلى الأرض والعيش عليها.) 
وبهذا الذنب هبط آدم وحواء إلى الأرض... 

    🌻 أستغفرلك ربي واتوب إليك 🌻

نقر ياسين على غرفة والدته ليطمئن عليها ادار مقبض الباب ودفعه قليلًا ليطل برأسه فوجدها كـ جثةٌ هامدة تنام على جانبها تضم صورة الحبيب إلى صدرها، العينان الشاحيبتان المنهمكتان يدلان على أنهما لم يكتحلا بنوم ولم يرقأ لهما دمع، خطى للداخل بتمهل كلا يزعجها، ثم جلس بجوار رأسها ملثمًا جبهتها استتبعها بكفيها، وأردف بحنو  : 
( أمي، أنتِ كويسة؟  ) 




لم تجيبه وإنما انتفضت معتدلة بعد دقائق كمن تذكر شيءٌ فجأة ونهضت قائمة متجه إلى خزنة الملابس لتفتح إحدى ضلفتيها، تابعها بعينيه حتى اقتربت منه بدفتر صغير مدت كفها به له واردفت  : 
( الدفتر ده ابوك كان كاتب فيه ادوية الناس اللي محتاجة كل شهر كان بيبعتهم من غير الناس دي ما تعرف مين اللي بيوصلهم الادوية دي، فـ دلوقتي أنت هتعمل بوصية والدك وهتكمل أجر والدك) 
بلهفه واعيُن دامعة قال ياسين بإيماءة بسيطة  : 
( بابا كان بيعمل كدا  ؟) 
تنهدت حبيبة بثقل وتابعت بجفاء  : 
(  وفي اسماء ناس محتاجة عمليات كلم أسماء ترتب كل حاجة) 
هوت دمعة من اعبن ياسين وهو يتأمل الدفتر بحزن، كم اشتاق لوالده، لرائحته تغمر المكان فتذيده بهجة. 
اكد لوالدته التي عادت إلى الفراشة بقلبٌ ميت قائلًا  : 
( وعد يا ماما طول ما فيا نفس هكمل مشوار بابا) 
حينما لم يأتيه رد،  تنهد في ألم و وقع بصره على الصنية التي تقبع عليها أطباق الطعام كما هي، فآخذها و وضعها على الفراش أمامه بعدما جلس وظل يلح عليها لتأكل دون جدوى، ولا زال يحاول جاهدًا حتى دلفت سجى بالصغير قائلة بمرح متصنع  : 
( لينا مكان معاكوا ولا نمشي  ) 
ألتفت ياسين باسمًا لها وأشار لها برأسه لتدخل: 
(تعالي يمكن الواد يوسف ينجح في اللي انا فاشل فيه) 
وعلى ذكر أسم الحبيب أشرقت ملامحها بنور الحياة مهللة، لم تغب عن عيناه البسمة التي تلألأت على ثغر والدته فأخذ يوسف من سجى وقال وهو يقربه من والدته التي لم تره للآن  : 
( يوسف زعلان منك يا ماما عشان لسه مشفتهوش)  
علقت ابصارها بالصغير وهي تعتدل لتضمه لصدره وتلاعبه بهمس فاتسعت إبتسامة ياسين، وقال  : 
( ممكن تاكلي يا ماما عشان خاطرنا) 
قالها مقربًا المعلقة من فمها لكنها لم تبالي حتى بالنظر إليه، فدنت سجى بحذر وقالت  : 
( ممكن تاكلي عشان خاطر يوسف طيب ولا هتزعليه منك؟) 
قُفزت اروى فجأة على الفراش صائحة  : 
( لا هي هتاكل من ايد اروى عشان متزعلش) 
صرخ فيها ياسين معنفًا  : 






( يا بنت هتكبي الأكل) 
زمت اروى شفتيها وهي تاخذ منه المعلقة قائلة  : 
( طيب ابعد انت كدا عاوزه ااكل ستو حبيبتي) 
راحت اروى تأكلها برفق وقد استجابت لها حبيبة تحت دهشة ياسين الذي رفع حاجبه عجب مرددًا  : 
( بقا تاكل من ايد بنت ابنها وابنها لأ، انا غلطان اصلًا اني جيت اتحايل  ) 
قالها متذمرًا كالاطفال لتلكزة سجى في بطنة بمرفقها قائلة بضحكة خفيفة  : 
( أُسكت) 

🌼 لا حول ولا قوة إلا بالله 🌼

أخبرهم عثمان بعدما جاء بكل المعلومات الخاصة بشاب الدراجة أنه موجود في ملاهى ليلي، ليتوجهوا على الفور، هبطتت لمار وفيكتور درجات الدرج القلائل ودخلا يتلفتون حولهم عنه، لا سيما قد كان المكان مرشق بالنساء والرجال والوان حمراء وخضراء تشع في المكان ورائحة الخمر تعبق المكان والأغاني الصاخبة تسد الأذان، المنظر كان كفيل ليوقد بداخلها الغضب على ما غارقون فيه هؤلاء الذين نسوا أنفسهم وانغمسوا في الحياة الدنيا وملاذاتها فأستهوتهم ونسوا ما عند الله. 
نفخ فيكتور بضيق وهو يدفع احد السكارى قائلًا  : 
( هو فين دا ملهوش اثر هنا، غور يا عم من وشي الساعة دي) 
دققت لمار النظر في الوجوه جيدًا، ثُم تبسمت في ظفر ما أن تراءى لها جالسٌ على احد الطاولات مع فتاة فمالت برأسها ضاحكة  : 
( حبيبنا مشرف اهوو وبيضحك كمان) 
غابت بسمتها وحل محلها الغضب وهي تجز على أسنانه هامسة بصوتٍ مخيف  : 
( يا حرام هتختفي ضحكته للابد دلوقتي) 
انهت جملتها سائرة بخطوات سريعة وعلى غرة منه ضربة بكفها الطاولة لتنتفض الفتاة بينما ارتعب الشاب قائلًا  بارتجاف : 
( إنتِ مين؟ وازاي تضرب.....) 
لم يكمل كلمته، إذ امسكته لمار من مقدمة ملابسة هامسة بفحيح: 







( عملك الأسود، موتـــــــــــك..  انا موتك) 
حاول الشاب نزع يدها بملامح مرتعبة بينما توقفت الحركة من حولها وهدات الأغاني، نزع الشاب كفها وركض سريعًا متعثرًا في رِجل المقعد ونهض وهو ينظر لها بزعر، لكنها تقف ببسمة ماكرة على ثغرها تعقد ذراعيها في برود، ما كاد الشاب أن يركض حتى باغتة فيكتور بركلة قوية اطاحته للخلف ثم انكب عليه يبرحه ضربًا، هم بعض الشباب بالأقتراب للفصل عنهم وقد ساد الهرج والمرج لكن طلقة رصاص اُطلقت من سلاح لمار للاعلى جمدتهم بامكانهم وفروا هاربين ما ان صرخة فيهم بـ  : 
( كله يطلع مش عاوزه اشوف حد هنا وألا كله هيشرف في الحجز) 
استغل الشاب غفلةً من فيكتور الذي يلهث في تعب ودفعه للخلف وهو يقفز واقفًا راكضًا للخارج، لتهرع لمار إليه تسانده على الوقوف، لمح الشاب الباب متبسمًا كمن ردة له الحياة، ذورق نجاته هو من النجاة من تلك المرأة التي لم يرَمثلها في الوجود، تلاشت بسمته سريعًا ما ان ظهر ياسين أمام الباب يسده بعرضه ورفع كفه ببسمة سمجة ملوحًا له في برود، ثم اعاد كفيه خلف ظهره، استدار الشاب ملتفًا خلفه يبحث يمنى ويسر عن اي مخبأ يستتر فيه عن اعينهم، رَ الباب الخلفي فارغًا فهرول إليه سريعًا ولكن على غرةٍ تعثر في قدم لمار التي 








بُسطت في طريقه وقبل ان يعتدل بادرته لمار بعدة لكمات كالمتغيبة،  ابعدها ياسين عنه ما ان انهار الشاب غارقةً ملامحه في دماءه  : 
( هيموت كدا من غير ما يعرف حاجة سيبيه) 
دفعته لمار وهي تمسح على وجهها بكفها ماسحةً على وجهها تقول في صوت متهدج لاهث وهي ترفع سبابتها  : 
( احمد ربنا أنه نجاك من تحت ايدي وألا كان زمانك بيدفنوك ويقروا عليك الفاتحة) 
تاوه الشاب صارخًا وهو يرمقها بحذر وخوف من أن تبطش به مجددًا. 
ضرب ياسين على صدر الشاب قابضًا على ملابسه يرفع جزعه للاعلى ليوجه وجهه الغاضب وجأر فيه  : 
( قتلت ابويا ليـــــــــــــــــــــــــــه) 
قال جملته بلكمة على وجه الشاب جعلته يهتز مرتخيًا، ولولا كف ياسين القابض عليه لكان سكن جسده  ارضًا. 
اعتدل باسين في وقفته وسحب الشاب خلفه وبكفه الآخر سحب مقعد وأجلسه بعنف عليه ورفع قدمة ليضعها بجواره ومال إليه بجذعة قائلًا بتهديد وهو يخرج سلاحه امام نظراته المرتعبة  : 
( هتحكي كل حاجة ولا هتلف ودور  ؟  انا معنديش وقت وأنت مفكش رصاصة وتموت اصلًا) 
هز الشاب رأسه وهو يذدرد ريقه في ارتياب مغمغمًا بصوت متهدجٌ  : 





( معرفش.. معرفش حاجة) 
انزل ياسين قدمة وهو يحك ذقنه بتفكير يرمقه من طرف عينه هامسًا في برود  : 
( اعصابي بتتفلت بسرعة ولو تفلتت مش هقولك علي العذاب اللي هتشوفه، وبــــــــــــردوا هتقول) 
صرخ بأخر جملته وهو يضرب كفه في الطاولة، بينما جلست لمار في برود وهي تعقد ذراعيها، يجوارها فيكتور. 
قبض ياسين على عنقه واقترب منه بشدة وهمس في هدوء  : 
( صدقني أنا ماسك نفسي عنك عشان مقتلكش بالعافية فـ احكي احسن لك) 





هز الشاب راسه نفيًا، فـ اطلق ياسين طلقة نارية في ذراعة ليصرخ الشاب من الألم وهو يبكي بحرقة ممسكًا بذراعه التي تسيل منه الدماء، ولكن ضغط ياسين على جرحه قائلًا في قسوة  : 
( هااااا شايف انا حلو معاك ازاي هتحكي ولا لأ) 
اشار له برأسه على السلاح فهز الشاب رأسه قائلًا من وسط شهقاته  : 




( هحكي.. هحكي.. اللي انتوا عايزينة، بس ابعد ده عني) 
قالها وهو يرفع كفه على وجهه بنظرات مرتعبة من السلاح، فوضعه ياسين خلف ظهره، ثم ربت على كتف الشاب قائلًا ببساطة  : 
( احكي سامعك اهوو) 
بأنفاس متضطربة وصوتٌ راجف ردد الشاب  : 
( حسن اسمه حسن........) 



                        الفصل الثامن من هنا

لقراة باقي الفصول اضغط هنا




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-