رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني2 الفصل الاول1والثاني2بقلم شيماء محمد


رواية عندما يعشق الرجل الجزء الثاني2 

الفصل الأول والثاني 

بقلم شيماء محمد 

❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤


هاج وثار وكأنه ثور يلوحون أمامه بإحدى تلك الأقمشة الحمراء التى تثير هيجانه أكثر وأكثر ... هرول إلى شركة جده مقتحما مكتب الرئيس التنفيذى

 الجديد الذى كان سابقا مكتب جده ... بغضب عاصف و نار تهدد بحرق الأخضر واليابس معها ... ووجه ينذر بأن صاحبه سيفتك ويمزق بانيابه كل من سيقف أمامه فى هذه اللحظة بالذات .... فلم يستطع أحد إيقافه او منعه من الدخول او بمعنى أقرب لم يجرؤ أحد على الوقوف لمنع أسد آل سيوفى من الدخول وهو فى أوج غضبه ... وملامحه التى تنبض بالشر ...

انتفضت علا من مكانها بقوة وهى تنظر برعب واعين مهتزة للعاصفة الهوجاء التى اقتحمت غرفة مكتبها الجديد ...

وقفت بثبات وعيناها لم ترجف حتى لاستقبال موجة غضبه تلك بقوة عازمة على عدم اظهار رجفتها الشديدة من هياته تلك التى تنذر بالخطر ... وهى تتفحص وتتشرب من ملامحه بتركيز شديد ....


 


عيناه حادة غاضبة ووجهه أصبح محمرا للغاية كعادته عندما يغضب و تصل الدماء إلى وجهه وكأنه بركان على وشك إخراج حممه...

منذ ان عقدت الاجتماع مع المستثمرين وأصحاب الأسهم منذ ثلاثة ايام وهى تقوم بتهيءة نفسها لاستقبال جام غضبه ... لا لن تتراجع ... فلقد فات أوان التراجع ....

خطوة واحدة فقط ... خطتها بإحدى قدميها للخلف ... وهى تبلع ريقها ما ان نظرت لوجهه الذى حاول بل حارب حتى يصبح هادئا...

وصدره الذى يعلو وينخفض يظهر مدى غضبه ...

صرفت علا بيديها السكرتيرة الجديدة التى قامت باختيارها خصيصا اليوم فهى لا تريد اى موظفين بالقرب منها ينتمى لسليمان الحسينى ...

صمت ... وهى نظرت إليه بترقب واعين خبيثة تخفى ما يعتمل فى صدرها

قائلة بمنتهى الهدوء

" كيف حالك يا وسيم "

راقبت صمته بترقب ...

تبعت كلامها وهى تجلس بارياحية مطلقة على الكرسى خلف المكتب وكأنه عرش مملكتها ناظرة إليه بتعالى مختلف تماما عن خوفها و ذعرها الذى تخفيه .. من هيئته المتوحشة

" تفضل بالجلوس ... يا سيف السيوفى "

نادته باسمه وهى تسبل اهدابها ...

لوى فمه ... يراقب حركاتها بأعين صقر يتربص لفريسته...

وبغضب مكتوم وصمت عميق سألها

" ماذا تفعلين فى مكتب اسيادك "

بلعت اهانته بهدوء تام ونبرة ناعمة سألته

"للاسف لقد انتهى عصر الاسياد والجوارى... كل شخص يصل الى مكانة عالية يصل إليها بمكانته ...

ثم سألته بغموض

هل هو كثير على ..."

ظهرت ابتسامة سخرية على وجه سيف ...

لكنها تابعت بتملك..

"لقد كانت دائما هذه مكانتى... ولو إننى لا استحقها ما كنت وصلت إليها ... لقد تم اختيارى من قبل المساهمين فى هذه الشركة "

هتفت بكلماتها ورفعت رأسها بغرور... ابتعدت عن كرسيها و دنت منه ببط وخيلاء وهى ترفع ذراعيها محيطة به رأسه ... ثم اقتربت برأسها منه وبحفيح أفعى ...

" لو كنت استمعت إلى سابقا لكنت انت الآن من تجلس على هذا الكرسى ... لو كنت معى ... لكنت اوصلتك إلى القمة .. انا وأنت متشابهين للغاية "

تابعت وهى تمرر بشفتيها بالقرب من ثغره ...

" تعلم انك لو كنت فقط معى ... لما أصبحنا يوما هكذا ... تعلم إننى أحبك .. "

أمسك بكوعها بقبضة شديدة وبقوة دفعها بعيدا عنه ... صرخت من شدة قبضته ما ان دفعها...اتسعت عيناها دهشة .... ومررت أصابعها على كوعها تحاول تخفيف الألم ...

" أن ..كنت. سأصل للقمة لن أصل لها بمساعدة امرأة قذرة مثلك "

اصتك باسنانه على كلامته التى خرجت وكأنه أسد يزاءر تابع و ذراعيه مرفوعان عاليا

" أنا وانتى نعلم جيدا كيف وصلت علا ... إلى هذا الكرسى ... "

اقترب منها وكأنه أسد غاضب يكشر عن أنيابه ... جعلها تتراجع للخلف مع كل خطوة يخطوها بقربها وعيناها متسعتان رعبا

صرخ ... صرخ بكلماته

" أنا وانتى نعلم كيف وصلتى إلى هذا الكرسى ... بقذارتك وصلتى إلى هذه المكانة ... زواجك من رجل أعمال كبير ضمن لك عدة أسهم ما ان طلقك ... لقد كنتى بالنسبة له مجرد امرأة لإشباع رغباته ..."

اصتك على كلماته

وبسرعة أمسك برسغها بقوة وهى تءن ألما من قبضته التى تكاد تكسر عظامها

" أما انا أن جلست على هذا الكرسى سيكون لأنه لى ... لى انا ... افرحى. .افرحى به قليلا ...

اقترب بفمه من إحدى اذنيها متابعا

" فمثلما سمحت ليكى بالجلوس عليه ... انا أيضا من سيبعدك عنه ... وحينها ... حينها ساسحقك بقدمى هاتان كالحشرة "

غضبت حتى وصل غضبها لعنان السماء وهى تدفعه بقوة بعيدا عنها لكنه لم يتراجع بل ظل كما هو حدق بها بشر ... و دنا من باب غرفة المكتب

لكنها اوقفته وهى تصرخ قائلة

" نعم ... نعم ... قذاراتى هى ما اوصلتنى إلى هنا ...

وبنبرة خفيضة للغاية قالت

"لذلك أحذر من قذاراتى قبل أن تصل إليك ...

وبنبرة لا تخلو من التهديد

" اهتم بزوجتك جيدا ... و بطفلك"

التمعت عيناها بانتصار ... بانتصار شديد وهى تلمح نظرة الرعب ما ان نطقت بكلماتها ... وبلمح البصر كان قد وصل إليها ويداه تقبضان على رقبتها خانقا إياها وهى تكافح بكل قوتها للخلاص منه لكنها لم تفلح ...

وبنبرة مهددة غاضبة صرخ

" اياكى... ثم اياكى ذكر زوجتى هل فهمتى ... أن خدشت فقط ساقطع يديك هاتان وساجعلك عبرة لكل من سيجرؤ على أن يلمس من ينتمى إلى "

أبعد يديه عنها وبقرف نظر إليها وهى تحاول أخذ أنفاسها ... وعيناها متسعتان بعد ان قاربت على رؤية الموت بأم عيناها ...

اجفلت ما ان استمعت إلى صوت إغلاق الباب الذى أغلق بقوة ...

كسرت أول شئ أمسكت به يديها وهى تصرخ بقهر ... جاءت على أثره مساعدتها ... التى لم ترحم من غضبها العاصف... وهى تسب وتلعن بوعيد وجنون


" أين كنت "

سأله ماجد بقلق

زفر سيف بضيق وهو يمرر يده على وجهه يحاول التماسك وكبح غضبه ...

راقب ماجد صديقه ... وهو يلوم نفسه بشدة ... فهو الملام لم يضع علا تحت انظاره جيدا الفترة الفائتة .. لم يتوقع يوما انها قد يصل بها الأمر وتحاول الوصول الى كرسى الرئيس التنفيذى ...

" سيف انا حقا آسف ... كان يجب على وضعها تحت انظارى...انا الملام من كل هذا "

نطق بها ماجد بخفوت وأسف شديد

" لم يعد يفيد الأسف ... يجب علينا التفكير جيدا وأبعادها عن طريقنا ... وإيجاد الطريقة التى نستطيع من خلالها أقصاها من المنصب "

قالها بصوت عميق لا يخلو من الغضب

اؤما ماجد برأسه ...فتابع سيف يسأله بنبرة حادة

" هل لديك أية اقتراحات "

" نعم ... هتف بها ثم صمت قليلا ...فتابع ما ان رأى نظرات سيف المحدقة به

" لقد عرفت انها استطاعت الوصول إلى المنصب من خلال تصويت معظم أصحاب الأسهم لها ... ونحن نستطيع أقصاها .. وحلولك انت مكانها بطريقة واحدة "

قالها ثم نظر تالى سيف ... الذى رفع إحدى حاجبيه بتمعن وتفكير

فاضاف ماجد بسرعة

" أن نقوم بعمل اجتماع مع أصحاب الأسهم واقناعهم بأنك الأحق ..."

أبتسم سيف بتهكم وهو يردف بنبرة ساخرة ...

" وهل نستطيع جمعهم الأمر سيستغرق وقتا بالإضافة إلى انه من المحتمل أن يرفوضوا "

قاطعه ماجد بسرعة وهو يقول بإصرار

" لا لكن هناك أغلبية المساهمين الأجانب لم يحضروا ولم يوقعوا على قبولهم لها ... ونحن سنحاول إقناعهم "

صمت سيف قليلا ... ثم هو رأسه بسرعة قاءلا بثقة

" ساسافر انا بنفسى إليهم "

سحب سترة بذلته بسرعة ولم يمهل ماجد فرصة الرد ... وهتف وهو يستعد للخروج من المكتب

" ماجد ... قم بجمع أسماءهم ..وعناوينهم. ..أريد أن أجد ملف بهذا على مكتبى اليوم "

هتف بكلماته وخرج مسرعا من غرفة المكتب صافعا بابه بقوة ...

.. لقد بذل كل جهده .. حفر باصابعه فى الصخر حتى يستطيع ان يصل إلى المنصب والمكانة التى تمناها... ولن تبعده امرأة عن ما أراده دوما


جلست وهى تراقب القوارب الصغيرة و عدد من السفن التى تحمل عدد من الثنائيات ... الذى يعبر كلا منهم عن حبه للآخر بطرق مختلفة ومتعددة .. بعضهم يمسك بيد الآخر بقبضة تمليكة... واخرين ينظرون إلى بعضهم بهيام. .. وعشق لم تستطع السنتهم البوح به ...

تنهدت بضعف وتشدقت بابتسامة ساخرة ... وهى تؤكد فى داخلها ان بعض هؤلاء العاشقين لن تكتمل قصص عشقهم وإن كانوا جميعهم...

"نورا"

اجفلت نورا فى مكانها ما ان استمعت لنبرته الدافئة التى نادت باسمها ...

حاولت رسم ابتسامة على وجهها ونظرت إليه وكأنه أخ لها ...

جلس قبالتها و وجهه تعلوه ابتسامة ... قبالتها هى الأخرى بابتسامة أخوية مماثلة

تكلمت هى أولا بهدوء ونبرتها الناعمة

" محمود ...كيف حالك!! .. ارجو ألا أكون قد ازعجتك "

حرك رأسه نفيا وأكد نفيه قائلا

" ما هذا الذى تقولينه يا نورا انا فى خدمتك دائما "

ابتسمت بسعادة ... فلطالما كان محمود هو الأقرب إليها منذ ان تعرفت عليه من خلال فيروز واخاه سليم ... محمود الرجل والشاب الذى كان يقف بجوارها دائما... ولم يتوانى يوما عن مساعدتها او تلبية طلباتها.... وهى ما ان اتصلت به بعد ما حدث فى منزلها و اكتشافها ان روز ما زالت على قيد الحياة ...وهو اجاب على اتصالها بسرعة وسالته ان كان يعلم بمكان روز ...

أخبرها بعدم معرفته ... لكنه أيضا قال بأنه سيعلم أين هى ... وسيخبرها ... واليوم صباحا أخبرها انه قد علم بمكان روز ويتمنى أن يقابلها ... رغم أنها استغربت من طلبه .. لكنها أيضا لم ترفض ...

فقالت هى بهدوء لا يخلو من بعض الارتباك

" بالتأكيد تعلم بعلاقتى المضطربة مع مراد منذ فترة ... لذلك انا لم أجرؤ على سواله عن مكان روز ... وكذلك الباقين فأنا قد قطعت علاقتى بهم منذ ان توفيت فيروز ... ولم يبقى أمامى غيرك انت .. فأنت لم تكن مجرد صديق بالنسبة لى بل أيضا أخ يساندنى ما ان أحتاج إليه "

أخ ...لطالما كان بالنسبة لها مجرد أخ ... فعل الكثير لكنه لم يستطع الوصول إلى رتبة أكثر من هذه ...

تنهد بخفوت ونظر إليها بنظرات يخفى بها ليالى شوق... إلى من خفق قلبه أول مرة بسببها ...

وقال بنبرة مرحة واعين لامعة تشبه تمام الشبه بابنه الذى ورث كل شى منه

" ساقولها لك مرة أخرى يا نورا ... انا دائما فى خدمتك وتحت امرك ... سليم هو الوحيد الذى كان يعلم بمكان روز لذلك استطعت أن اعرف منه عن مكانها "

تابع كلامه وهو يقرب منها ورقة مطوية ... أخذتها منه بسرعة .. ووضعتها فى حقيبتها ... وبحركة هادئة وقفت مبتعدة عن كرسيها ...

وهى تقول بشكر غامر وهى تمد له يديها

" شكرا لك ..يا محمود انا لن أنسى يوما ما فعلته معى ... حقا شكرا لك "

وبيد مرتبكة ... تكاد تتراجع ... حاوط أصابعها بيديه ...وهى بتلقائية أبعدت اصابعها عن يده وتحركت مبتعدة عن الطاولة وعنه ...

ابتلع ريقه بألم ... وبدون ان يشعر أبت الذكريات إلا أن تأتى وتلاحقه فى هذا الوقت بالذات ... لكى يتذكر ما عاش ما بقى من عمره محاولا أن ينساه ... حبه لنورا... وابتعاده عنها فقط من أجل صديقه وابن عمه مراد ... مراد الذى لم يجرؤ أحد يوم الوقوف أمام شى تمناه واراده...

مراد أحب نورا مثلما هو أحبها تماما ...

لا يستطيع أن ينسى ذلك اليوم ذلك اليوم بالذات ...

الذى دلف به إلى مكتب مراد الصغير الذى كان أول عمود لبناء شركة المحامة الخاصة به الآن ... كانوا الخمسة متجمعين فى مكتبه وهو دلف إليهم بأعين عاشق ولهان ... قد استبد به العشق والوله ... وهم بحكم أنهم أصدقاءه ... راقبوا ابتسامته وعيناه الخضراء التى تكاد تصرخ من عشقها ...

لم يتركوه يجلس سالما ... بل ظلوا يلحون عليه ...حتى أخبرهم ... وياليته لم يقل ... يا ليته لم ينطق .. ياليت .. كلمة لن تنفع ابدا ...

" سأذهب لخطبة نورا اليوم "

قالها بسرور بالغ

" نورا من؟؟!! " سأله مراد بارتباك

" نورا صديقة فيروز " أجابه محمود

" نورا ابنة السائق!! " قالها مراد بسخرية

جعلت جميعهم يعقدون ما بين حاجبيهم بتساؤل. .. لكنه بلع سخريته ... ونظر إلى أصدقاءه

...الذين بداو يعبرون عن سعادتهم بطرق مختلفة ... سليم الذى تفاجأ بقراره لكنه رغم ذلك احتضنه بقوة ... وعادل الذى احتضنه... وياسين الذى ظل يدعو له أن تكون هى الزوجة الصالحة ...إلا هو ... مراد الذى كان يجلس بتصلب وبدلا من ان يهناه سأله

" وهل والدتك موافقة؟؟! " سأله مرة أخرى بوجه مضطرب

أستغرب محمود ... واستغربوا جميعهم من سؤال مراد

لكنه أجابه بابتسامة معبرة عن سعادته

" بالطبع .. لماذا ترفض !!.. بل انها موافقة وبشدة ...وخصوصا عندما أخبرتها بكل شئ عنها ... وهى فى غاية السعادة "

وفى نفس اليوم ... نعم فى نفس اليوم ... وربما بعد ما أخبره بقراره بساعتان... ساعتان فقط ... وجده يدلف إلى منزلهم حيث كانوا جميعا مستعدين للذهاب إلى منزل نورا ... وكلا منهم سعيد ...

وبمنتهى البرود هتف

" لقد خطبة نورا ... وقد وافق والدها .. و الزفاف خلال أيام "

صمت رنان أطبق على المكان وجميعهم ينظرون إليه بدهشة ... وتساؤل ... تساؤل غريب اجتاحهم ... الجميع يعلم انه انانى.... لكنهم لم يعتقدوا انها قد يصل إلى هذه الدرجة ...

اخرجهم جميعهم من صمتهم وهو يهتف بسعادة وغرور

" الن تباركوا لى .. ام إننى لا أستحق مثل محمود "

نظروا إلى بعضهم ... حتى كان والدهم هو البادى... احتضن الحاج رشاد ابن أخيه وبارك له رغم حزنه على ابنه الآخر ... وتبعه الباقون والدته ...أخاه ... وحتى أصدقاؤه ... لكن هو ركض ... ولم يستطع البقاء ومشاهدة ما يحدث أمامه ببرود ... لكنه استسلم عندما علم بأن نورا موافقة على الزواج منه ...

الشئ الوحيد الذى أعتقد انه السلوان له عندما علم من نورا نفسها انها موافقة وتحب مراد ...

وخلال ايام فعلا تم الزفاف وأصبحت نورا ملكا لمراد السيوفى فقط ... واصتكت بصك ملكيته ...

وضع يده حيث موضع قلبه ... قائلا فى نفسه بألم

" اه ...ما زال قلبى يدق بقوة ..ما ان يلمح طيفك .. لست حزيناعلى نفسى يا نورا ... لكنى حزينا عليكى ... انتى لم تكونى تستحقين رجلا مثل مراد ... انا لا اعيب صديقى ... لكنه جرحك وخصوصا عندما تزوج عليكى .. امرأة أخرى "


استقلت نورا إحدى سيارات الأجرة ما ان خرجت من المقهى الصغير الذى كان على النيل ... و املت للسائق عنوان الفندق ...

أدار السائق سيارته وانطلق حيث امرته السيدة ...

وهى جلست بالخلف و ارجعت رأسها قليلا واستندت على ظهر المقعد ... أبت الذكريات إلا ان تلاحقها فى هذا الوقت ... تذكرت كل شى ... تذكرت من كانت قبل ان تقابل مراد ... ومكانتها التى ارتفعت بلمح البصر ما ان تزوجت به ...

والدها كان يعمل سائق لدى والد فيروز ... وبالأخص كان سائق السيدة الصغيرة ... كان مسئول عن توصيل فيروز إلى اى مكان تريده ... يذهب بها إلى المدرسة ... وهى باسلوبها التلقائي وطريقتها المرحة استطاعت التقرب من السائق العجوز وأخبرها انه لديه ابنة فى مثل سنها تماما ...

بالطبع لم تمهل فيروز الأمر ... أصرت عليه ان يعرفها بابنته... تعرفت نورا بفيروز ومع مرور الوقت اصبحتا الاثنتان أكثر من صديقتان بل يكادان يكونان أخوة ...

وباصرار وتصميم من فيروز تم نقلها إلى مدرستها ... ومنذ تلك اللحظة وهى تتعلم كل ما يخص الطبقة المخملية الأنيقة من عادات ... كانت تحضر دروس اللباقة والإتيكيت معها .. تعلمها كيفية التصرف بدقة وذوق متناهى... حتى تحصل على تقدير واحترام الجميع لها ...

... فالسيد سليم ما ان رأى طريقة ابنته الهوجاء التى تكاد تقارب تصرفات الصبية بسبب وفاة والدتها وهى صغيرة ... حتى بحث عن امرأة تعلم ابنته جيدا كيف تكون امرأة

... ماذا ترتدى .. كيف تمشى ... واخرين .. لتعليم العزف على البيانو والكمان وغيرها من الآلات ... ومن أجل تشجيع ابنته المتمردة ... قامت هى بمشاركتها فى حضور جميع الحصص مجانا هبة من السيد المبجل سليمان الحسينى ...

ما زالت تتذكر تلك المرأة التى قامت بتعليمهم كيفية المشى الصحيح ... الظهر مشدود لكنه أيضا ليس منحنيا او متصلب... كانت تقوم بوضع عدد من الكتب فوق رؤوسهم بالإضافة إلى ذلك الكعب العالى الذى كاد أن يقسم ظهورهم ما ان يرتدونه....

أنهت معها الجامعة ... وما ان حصلت على شهادتها الجامعية حتى تم الحاقهما للعمل والتدريب فى الشركة الرئيسية ....

وهنا كانت بداية كل شى ... بداية قصة فيروز ... وقصتها هى ... لم تكن تعلم ما يخفيه لها القدر ... قصتها التى حملت المعاناة والحب ...

فيروز فى اول ايام عملها فى الشركة تعرفت على مارسيل أخ روز الذى كان والده مساهم من المساهمين الأجانب فى الشركة ... علاقتهم توطدت واصبحا قريبان للغاية من بعضهما بطريقة ارهبتها هى شخصيا ... فيروز تعاملت مع مارسيل بطريقة عفوية للغاية ... لكن مارسيل لم يتأخذها يوما هكذا مجرد علاقة او كانهما صديقان ...

طريقة تقبيله ليد فيروز ما ان يراها ... نظراته .. قبضته التملكية وهو يمسك بيديها ... كل شى كان يعبر إلى أن مارسيل لم يتخذ العلاقة التى بينه وبين فيروز علاقة أخوة فقط بل تعدت هذا ...

وهى بحكم انها صديقتها وأختها ... أخبرتها بما تشعر ... لكن العنيدة لم تهتم ... وقالت أن ما تنخيله ليس صحيحا ... فمارسيل بالنسبة لها مجرد صديق ...

وهنا ظهر سليم ... سليم حب فيروز القديم ... بدأت تقابله سرا من دون معرفة أحد ... إلا هى

 فقط التى كانت تعلم بعلاقة الاثنان ... حتى والدها رغم قربه من ابنته الوحيدة إلا انه كان يرى سليم من وجهة نظره انه مجرد شاب يتلاعب بها ... ولو كان يريدها حقا ويخاف عليها سيتقدم لخطبتها ...

لكنها كانت تقابله بالرد بأن سليم ما زال فى بداية حياته العملية يريد أن يبنى مستقبله بنفسه من دون مساعدة أحد حتى والده نفسه ... وأنه لا يريد أن يقدم على اى خطوة إلا عندما يعلم انه يستطيع إنشاء منزل ...

لكن والدها أصر على أن كل هذا ما هى إلا حجج واهية .. و أضاف بحزم وربما بنبرة حادة ... عدم مقابلتها لسليم السيوفى ...

لكن فيروز كانت أكثر عنادا مما كان يعتقد والدها ...ولم تكن مستعدة للتخلى عن سليم او حبه لها ... فأصبحت تقابله سرا ... فى اى مكان بعيد عن أعين والدها ...

وهى بحكم صداقتهما حاولت اقناعها بالابتعاد وأنها لو أراد الله لهما أن يجتمعان سيحدث .

.. لكنها رفضت ... حتى انها لم تكف عن اقناعها بالذهاب معها فى مقابلتها لسليم وحينها ستعرف انه لا يتلاعب بها ... وهى لم ترفض لها طلبها وأصبحت ترافقها فى اجتماعتهما تلك ....

وحينها كان سليم يأخذ فيروز ويبتعد عن انظارها ... ويتركها مع أصدقاءه الأربعة ياسين ..مراد ..محمود .. و عادل ...حتى يستطيع ان ينفرد بفيروز لوحده ...

شعرت بالرهبة والارتباك والخوف وربما بالرعب وهى واقفة وهم حولها .... وكانت تحاول ان تتمسك برباطة جاشها ... وعدم اظهار خوفها او ارتجافها منهم ... لكنها من اول مقابلة رات احتراهم لها ...

وخصوصا ياسين الذى كان يعاملها كأنها طفلة صغيرة ... يقوم باحضار لها كيس مملو بكل ما يتمناه طفل فى عمر الخامسة ... جميعهم كانوا يحاولون 

إخراجها من ارتباكها هذا ... وإثبات لها أنهم لن يوذوها يوما ... ويوما بعد يوم عرفت كم هم رائعون... وليسوا أشرار كما كانت تعتقد ... إلا واحدا منهم الذى نأى بنفسه بعيدا عنهم ....

كان يراقب كل شئ من بعيد وبصمت ... مراد ... الذى كانت ترتعب من نظراته لها ... نظرة سوداء خالية من اى تعبير ...

استطاع سليم ان ينهض بمشروعه الصغير الذى كان بشراكة أخاه الأصغر محمود ... وما ان استطاع أن يمتلك ماله الخاص ... حتى قام بشراء منزل صغير ... وتقدم لفيروز رسميا ... وبعدها بعدة أشهر من خطبتهم... بدأ مرض فيروز يظهر جليا عليها ... وقبل أن تتزوج أخبرهم الطبيب انها لن تتحمل لا الحمل ولا ألم الإنجاب ...

رغم أن فيروز حاولت ابعاده عن طريقها ما ان علمت بمرضها بطريقة ... خالفت تماما تمسكها به فى البداية ... لكنه رفض تركها تزوجها ... وتخلى عن أكثر شئ قد يتمناه اى رجل ان يصبح أبا ... ومنذ موقف سليم هذا وقد ارتفع فى نظر سليمان الحسينى أكثر وأكثر ... بل انه أعتبره بعد ذلك ابنا له ... وتوطدت علاقتهما ...

أما نورا فى تلك الفترة فقد تقدم لها أحد زملائها مما يعملون فى الشركة معها ... شاب ميسور الحال فى مقتبل العمر يملك شقة ليست بصغيرة ولا كبيرة فى حى راقى ... بالإضافة إلى خلقه الذى اتصف به بين زملاءه ... وهى أمام تلك المميزات بأكملها وافقت ... فمن هى لتجد شاب به كل هذه المواصفات ... فمهما ذهبت او أتت فهى ستظل ابنة السائق رغم انه تقاعد منذ عدة سنوات لكنها ستظل ابنة سائق... وإن تزوجت فهى لن تتزوج غير بمحيط حارتهم الضيقة وجميع شبانها أكثرهم تعلما يحمل شهادة التعليم الإبتدائى.... وهى تمنت أن تتزوج رجل بنفس مستوى تفكيرها وتعليمها على الأقل ... لذلك أعطت لنفسها فرصة .. جلست معه مرة واثنان وثلاثة ... وانتهت جميعها انها شعرت بالراحة له ... ورأت به رفيقا للمستقبل ...

بعد مدة من خطبتهم ... تفاجأت فى ليلة من الليالى انه تم القبض عليه .. وحتى الآن هى لا تعلم التهمة او الجريمة التى قام بها ... وعندما علمت بخروجه سأل والدها وبحث عنه وكانت النتيجة انه اختفى هو و عائلته ولا أحد يعلم عنهم شئ ... أخذت نورا وقت طويل للغاية لكى تستطيع الخروج من مما كانت به ... لكنها فى النهاية رضت بقضاء الله ...

وفى أحد الأيام ... ذهلت عندما وجدت مراد فى شقتهم الصغيرة ... يجلس مع والدها ... وما ان رآها حتى هم من مكانه و نطق بنبرة هادئة لوالدها

" ارجو أن تسمح لى ان أتكلم مهها اولا "

اؤما والدها موافقا وتركهما فى الغرفة وترك بابها مفتوحا ... لكنه ما ان خرج والدها حتى قام مراد بغلق الباب عليهما ... أبتسم لها بطريقة جعلت جسدها يقشعر وهو يقول بنفس الهدوء

" لقد تقدمت اليك من والدك ... وهو موافق وينتظر موافقتك ... ما رأيك "

فرغت فاها أولا من طريقته تلك ف عرضه للزواج ...و ثانيا استغرابها الاكبر ان مراد ... مراد السيوفى تقدم لخطبتها هى .. لماذا ؟؟!!... كيف؟؟؟؟!!! ... متى ؟؟؟!!... لا تعلم!!! ... ولا تفهم !!!!... منذ ان تعرفت به وهو لا يعبر بنظراته لها غير انه لا يكاد يطيقها ... كيف ؟؟؟؟!!!...

لكنها حافظت على هدوءها وقالت بنبرة حادة لا تقبل جدلا

" لا ... آسفة سيد مراد .. ابحث عن غيرى... فأنا لست مناسبة لك "

فى لحظة وجدت ذراعها مكبلا بيديه وهو يهتف من بين أسنانه بنبرة حاول جعلها هادئة متفهمة

" لماذا ؟؟!!"

" باى حق !!.. تتحدث معى هكذا او حتى تسألني؟!! "

هتفت به متحدية

" بحق إننى أريدك ...إننى أحبك "

نطق بها بعشق وعيناه تنضح بما لم تجرؤ لسانه على قوله ....

" لكنى لست... لست بمستواك ... كيف ؟؟!!!..."

نطقت بارتباك ... لكنه قاطعها بسرعة قائلا بتلهف

" هل هذا ما يقلقك ؟؟!!!... أننا لسنا بنفس المستوى ... نورا ..انسى اى شى قد يفرق بيننا ...

 انسى من أكون ... تذكرى فقط شى واحد إننى أحبك ... وأنا لا أريد أكثر من موافقتك ... وأقسم لك إننى لن اجعلك تندمين يوما على الزواج بى"

نظرت إليه بدهشة ... هل حقا يحبها ... نعم هى قد شعرت بذلك من نظراته لها الآن ... من نبرة صوته ...

ضحكت بقوة وهى تتذكر وعوده ... وعوده الكثيرة لها ...لكن رغم ذلك مراد زوج واب رائع .

.. نعم لن تنكر هذا ... رغم أنها تزوجته زواج عقل ... فى البداية رأته مناسبا لها بالإضافة انها شعرت ببعض الإعجاب له ... وهو بطريقته جعلها تحبه ... لدرجة انها تحملت كل أفعاله ورضيت ... هل ما عرفته عنه آخر مرة هى كانت القشة التى قسمت ظهرها حقا ...

ام انها فعلا تحدثت اخيرا بما كان يؤلمها ما ان قامت بتزويج حازم... ورأت أن مراد لن يستطيع ان يقوم بتهديده كعادته بالابتعاد عن ابنها ما ان تطلب الطلاق ... أفكارها تؤلمها... لكن مشاعرها تؤلمها أكثر ... فهى ما زالت حمقاء وتحبه ... حاولت مرات ...ومرات إيجاد الأسباب لكرهه رغم أنها كانت موجودة لكنها لم تستطع ....

سقطت دموعها حارة ... كسا عيناها الحمرة من كثرة البكاء مع كل ذكرى تتذكرها معه ... كل ألم .. وكل جرح طعنت به بسببه ... فرغم ما عاشته من نعيم معه ... إلا طعناته لها كانت أكثر إيلاما لها ...

مسحت دموعها بسرعة ما ان رأت نظرات السائق المشفقة لها من خلال مرآة السيارة المواجهة لها ...

حتى وصلت الى الفندق وترجلت من السيارة ...


 


داخل غرفة اروى فى منزل والدها الجالسة على السرير وهى تضع يديها على معدتها شاردة فى اللاشى أمامها ...

لم تحصل على نوما هناء منذ ان خطت بقدميها إلى منزل والدها ... لا تعلم هل هى اضطرابات وهرمونات الحمل ... ام لأن عقلها وقلبها يكادان يقتلانها من التفكير به ...

لقد فضلت البقاء بعيدا عنه حتى تحصل على بعض الراحة النفسية ... حتى لا تضر بطفلها..

. لكنها فشلت ببراعة ... وما ان ياتى الليل ...حتى تبدأ هى بالبكاء والانين شوقا إليه ... تحتاج إلى ضمته التملكية لها ... أنفاسه التى تخبرها بأنها بأمان حتى لو كانا متخاصمان فهو لا يدعها بعيدا عن احضانه ...نزلت دمعة مشتاقة من عيناها ...

تريد الذهاب إليه ... لكن كبرياءها. ..كبرياءها يمنعها ... هو لا يريدها غير جسر لكى يصل به إلى قمة جبله العالى ...

لا تستطيع تركه ... ولا تستطيع البعد ... و بين هذا وذاك ... هى متحيرة ومشتتة...

ليس هذا ما تمنته معه ... هى تحبه ... لكنها أيضا تريد وتتمنى أن تنطق شفتاه يخبرها بأنه يحبها ... لكنه لم يفعل .. ولن يفعل ... تعلم هو لن يفعل ... لانه لا يحبها ... آهة طويلة خرجت من صدرها ألمت قلبها ...

اجفلت ما ان استمعت لصوته الذى جعل عيناها تتسعان ذعرا من نبرته الغاضبة والهادرة ...

وبخطوات متعثرة ... تحركت من مكانها وخرجت من الغرفة ... وهى تستمع لكلماته المتواصلة .. وصوت والدتها الذى يحاول تهدءته و إخراجه من انفعاله ذاك ...

لكنها فشلت ... فشلت وبجدارة... وهو لم يكف عن الصراخ ...

ركضت مرة أخرى إلى غرفتها ... وجسدها يرتعش من التوتر ... دموعها نزلت وهى ترتعش من الفرحة ...

" لقد أتى ... لقد أتى "

ظلت ترددها وهى تصرخ بها بقوة من شدة سعادتها ... وقفت أمام المرآة وهى تعدل من هياتها... وبسرعة ركضت حيث خزانتها... تحاول البحث عن

 شئ مناسبا لها بعد معدتها المنتفخة تلك ... فهذا قصير ... وهذا طويل وضيق ... وهذا قديم ... واخر قديم للغاية ... تبا لم تحضر أية ملابس معها ...

جلست بوجه عابس على السرير ... وهى تزم شفتيها حزنا ...

اجفلت ما أن رأت والدتها تدلف إلى الغرفة مقتربة منها ...

فرسمت هى بسرعة على وجهها عدم المبالاة ... وهى تعقد ذراعيها على صدرها بكبرياء

" سيف يريدك أن تعودى معه ...ما رأيك "

سألتها والدتها وهى تحاول إخفاء 

ابتسامتها من شكل ابنتها الدال على انها تحاول أن تخفى شوقها لزوجها من تصرفاتها الامبالية

رفعت اروى حاجبيها بتعالى

" بالطبع ... انا لن اذهب "

" هل انتى متأكدة "

" بالطبع " قالتها بخفوت وهى تخفض راسها للأسفل

" حسنا سأفعل ما تريدينه ... وساخبره بردك "

قالتها والدتها وهى تظهر هى الأخرى عدم مبالاتها. .. رغم أن ابن أخيها يكاد يشيط غيظا

 وغضبا فى الأسفل ... تكاد تقسم انها ان أخبرته بهذا ... سيقتحم غرفتها و لو لزم الأمر ان يقوم بربطها وحملها على اكتافه والعودة بها سيفعل ...

راقبت خروج والدتها من الغرفة ... وهى تصتك على اسنانها من التوتر ... تحاول إقناع نفسها انه لن يستسلم ويذهب هكذا .

رواية عندما يعشق الرجل 

بقلم شيماء محمد 

 الفصل الثاني


وقف بتصلب وهو يستمع لكلمات عمته المتعثرة .. وهى تخبره ان ابنتها العتيدة .. ترفض العودة معه

" تبا هذا ما كان ينقصه .. مشاكل فى العمل ... وزوجة عنيدة فى المنزل .. بدلا من ان تكون معه فى هذا الوقت بالذات ..لا هى ترفض مقابلته حتى "

حدث سيف نفسه وهو يحاول الحفاظ على رباطة جاشه ...

"هل يذهب ويجرها خلفه وكأنها بقرة صغيرة .. ام يقوم بحملها على كتفه والخروج بها من هذا المنزل ... حقا سيكون الأمر ساخرا للغاية .. "

لوى فمه وامتعض وجهه وهو يستمع وينصت أكثر لعمته التى تحرضه على ابنتها

" أليست ابنتى ... ولكنى اطلب منك أن تتركها هنا لعدة ايام أخرى ...ابنتى تحتاج إلى تربية حقيقة ... لكى لا تفعلها معك مرة أخرى وتذهب وتتركك هكذا من دون علمك "

" هل تحرضينى على ابنتك "

سألها مستغربا وعلى وجهه شبه ابتسامة متلاعبة

" نعم ... احرضك... ابنتى وانا أكثر شخص يعرفها ... اضافت وهى ترفع يديها مشيرة باصابعها الثلاثة الوسطة والخنصر والبنصر أمام عينه ...

" ثلاثة ايام ... فقط ثلاثة ايام وأقسم لك انها ستاتى إليك ... تبكى وتقسم انها لن تتركك مرة أخرى "

رفع إحدى حاجبيه وهو يتنهد... فعمته لا تعلم انه خلال يومان بالاكثر سيسافر... وهو يحتاجها بجواره ... منذ ان تركها هنا وهو يقف بسيارته بعيدا عن المنزل ويراقبها من بعيد ... يراقب طيفها فقط ... وكأنه مراهق قد عشق وأهلها يرفضان مشاعرهما ويحاولان ابعادهما عن بعضهما ...

لكنه خائف من ان يحدث لها شئ وهو بعيد عنها ... لذلك هو يريد أن يعيدها وبعد ذلك يأخذها معه عندما يسافر فهو لن يأمن على بقاءها وحيدة بدونه ...

صمت ... وبقبضة محكمة وهو يزاءر ضرب بقبضته على أقرب حائط له ..

" ماذا بك ؟؟!!!"

سألته عمته بلهفة وهى تراقب تعابير وجهه المرهقة التى لم تلمحها غير الآن .. استمرت بالالحاح عليه وهى تربت على ظهره ... حتى اخيرا قرر البوح .. بما يعتمل فى صدره .. فهو بحاجة إلى التحدث وهو لن يجد أفضل من عمته للتحدث معها ... رغم ان علاقتهما لم تكن وطيدة الا انها كانت الوحيدة التى كان على علاقة جيدة معها ...

" جدى سافر ... و هناك مشاكل كثيرة بالشركة ... وانا يجب ان أسافر ... لذلك يجب ان أخذ اروى معى .. لن أتركها هنا وحيدة "

هتف بكلماته بصوت عميق ..

ظهر الأسى على وجه فريدة فقالت بهدوء لابن أخيها

" اروى لا تستطيع ان تسافر إلى مكان بعيد فهى حامل "

أغلق عيناه بقوة حتى كاد أن يعصرهما من كثرة الهموم التى أصبحت تزداد عليه أكثر ...

" تبا ... كيف نسى هذا!! .. انها حامل .. ولن تستطيع السفر .. وهو ربما يذهب إلى عدة مدن و سينتقل كثيرا .. تبا لحظه العاثر "

هتف فى نفسه وهو يمرر أصابعه فى شعره

" طالما انك ستسافر .. إذا لا داعى أن تعود معك اليوم .. أتركها هنا وعندما تعود .. غصب عن عينيها ساجعلها تعود معك ...

اضافت وهى تلمح نظرته الغاضبة

" وإذا كنت تريد رؤيتها ... تعالى إلى هنا واقضى اليومان معنا قبل ذهابك "

صمت قليلا وهو ينظر إلى عمته ..

فاضافت مبتسمة

" اليوم وغصب عن رأسها ستاتى للعشاء والمبيت فى منزل عمتك "

قالتها كلماتها وهى تضع كفيها على وجهه بدف ...


" أين كنت؟؟؟!!!!!"

شهقت نورا بفزع ما ان استمعت للصوت الآتى من خلفها ..

فاقترب منها بسرعة محاولا إحاطة خصرها قائلا بنبرة ناعمة

" هل اخفتك!!! .. انا آسف "

لكنها تململت من قربه وابتعدت عنه ولم تكلف نفسها حتى عناء الرد عليه .. و اقتربت من الخزانة متجاهلة إياه

انزعج من تصرفها الطفولى... لكنه تغاضى عنه ..

" نورا سألتك أين كنت ؟؟!!!"

سألها مرة أخرى ولكن هذه المرة بنبرة شديدة ..

" لقد كنت عند أختى .. هل هناك مشكلة فى ذهابى إليها ؟؟!!!..

هتفت بضيق لم تستطع اخفاءه .. وتابعت بسخرية ونبرة حادة

" أوه آسفة كان يجب على قبل خروجى ان استأذن من السيد مراد السيوفى .. "

وضع يده حول رسغها وهو يديرها إليه قائلا بنبرة منزعجة

" ماذا بك!! .. لماذ اصبحتى تتحدثين معى بهذه الطريقة ..

ثم أضاف بحدة وهو يقربها من صدره

" وما هذه ال سيد التى خرجت من فمك !!!.."

تشدق وجهها بابتسامة ساخرة حملت ألما لما تعانيه طوال الثلاثون عاما

" أنت دائما كنت السيد بالنسبة لى .. تآمر واطيع .. لم أشعر يوما بأننى زوجة او امرأة يمكنها أن تختار .. دائما كنت بالنسبة للجميع امرأة .. مجرد امرأة تزوجها أحد أبناء عائلة السيوفى .. لذلك يجب ان يقبلوا بها .. الجميع كان ينظر إلى و كاننى لست بشر .. امرأة من مكان وعالم آخر .. حرمتنى من حق اختيار أشياء عدة .. حتى حرية تركك لم تعطينى إياها يوما .. انجابى لحازم لم يكن الرابط القوى الذى ربط بيننا لكى نكون سعداء ...

أبعدت يده عنها وهى تكتم دموعها ... تدور فى الغرفة تحارب نوبة بكاء شديدة من الانفجار ..تتابع بقهر

" لا .. بل كان هذا الرابط ..هو السبب الذى كان يجعلك دائما تضغط على به .. عندما تزوجت انت .. انا لم اعترض رغم إننى تألمت ... لكنك منعتنى حق الاختيار .. والابتعاد .. أليس حقى ان أختار الطلاق عندما أعلم أن زوجى قد تزوج على ويحضر لحفل زفافه .. لكنك ضغطت على يدى والمتنى..

الطلاق معناه انك لن ترى ابنك لما بقى من عمرك ..

نطقت كلماتها وهى تحاول تقليد طريقته التى تحدث بها سابقا معها .. اضافت بألم أكثر

وبالطبع لن أستطيع أن أدخل فى معركة .. الجميع يعلم انها خاسرة .. طالما هى ستكون ضد المحامى الشهير .. صاحب النفوذ والسلطة .. لا توجد قضية تقف أمامه حتى أصعب القضايا ... طالما هو المدافع لها إذا فمنافسه خاسر .. خاسر لا محالة ... وأنا ..

صرخت بخفوت غير ابهة لدموعها التى نزلت .. ولا لارتجافة جسدها ... وهى تشير بيديها نحو صدرها

" وانا كنت الخاسر الأكبر منذ ان تزوجتك ... خسرت كثير .. ليس عمرى فقط .. بل و نفسى أيضا .. "

بلع ريقه ونظر لها برعب وهو يراقب انهيارها الوشيك .. لماذا أصبحت بهذا الانفجار ؟؟؟!!!!!.. لماذا أصبح كل يوم يرى كرهها له يزداد يوما بعد يوم ؟؟؟!!... لماذا الآن !!!؟؟..

" هل تكرهينى لهذه الدرجة ؟؟!... هل لهذه الدرجة انا بشع يا نورا ؟؟!.. "

دنا منها أكثر وهو يحارب نفسه ويده من ضمها إليه ..

" هل ما زال زواجى يؤلمك ... رغم إننى أقسمت لك ماءة مرة إننى كنت مجبر .. والزواج فشل فشلا ذريعا وطلقتها... حتى وإن أخبرتك انك انتى فقط من فى قلبى .. انا لن ابرر زواجى السابق لك مرة أخرى ..

عيناه ومضتا غضبا مضيفا

" انتى لا تعلمين ما تحملته .. وما فعلته لتكونى معى .. ليس فقط سجن ذلك المعتوه الذى تجرأ ونظر إليك .. لكن هناك أمور أكثر مما تعتقدين .. و تهديدى لك بأخذ حازم .. كان بالفعل مجرد تهديد .. لا أستطيع تركك تذهبين هكذا .. انتى تعنين لى أكثر مما تعتقدين .."

اقترب منها وضمها إلى صدره بقوة يمنعها حتى محاولة الإفلات والابتعاد عنه وهو يهمس بنبرة ناعمة

" ألا يوجد شئ واحد ... واحد فقط يغفر لى اخطاءى السابقة .. يجعلنا نبدأ من جديد .. ستتركينى بعد هذا العمر!! .. أعلم اننى لن أهون عليك .. و حازم ونور .. الفتاة تحتاج إلينا بجوارها .. ألم تكونى تريدين العديد من الأحفاد .. ساصلح كل شئ .. أعدك حتى نستطيع انا وانتى البدء من الجديد .."

شهقت بقوة بين احضانه وهى تستمع لكلماته.. تعلم انه يحبها وهى أيضا .. لكنها جرحت بسببه كثيرا .. لا تعلم هل ستتحمل المزيد من أخطائه ام لا ..

أضاف وهو يشعر بافكارها التى تدور فى رأسها بغير هدى .. يشعر بمحاربتها الشديدة لمشاعرها نحوه ..

فاضاف بنبرة هادئة للغاية يحاول بها أن يحصل به على عطفها

" سأحاول الحديث مع روز .. سليم سيذهب إليها اليوم سيتحدثان ... وسنحاول إيجاد طريقة لنخبر نور عن والدتها .. انا لست قاسى لهذه الدرجة يا نورا .. كل ما فعلناه كل من أحل نور وياسين وروز... وعندما تعرفى ستعذرينا جميعا "

هدأت شهقاتها و بتلقاءية لفت ذراعيها حول رقبته تطلب الدف منه اكثر ...

طبع قبلة على رأسها وهو يتمتم فى نفسه

" آه لو تعلمين ما الذى يفعله لى ابتعادك عنى .. وقربك هذا منى .. لقد خسرت .. وكنت مستعد لخسارة المزيد فقط لتكونى معى و لى .. لى فقط .. وكانت ذاتى هى أول شئ خسرته.. عندما رأيت نظرات اصدقائى لى وأنا أخبرهم إننى تزوجتك .. الجميع يعتقد إننى خطفت حبيبة محمود منه ... لكن لا أحد يعلم انك كنت حبيبتى انا اولا .. احببتك ..قبل أن ياتى لاخبارى بإعجابه بك .. وأنا كنت اشتعل غيرة .. اعتقدت انه سينسى امرك مع مرور الأيام .. لكن لم يحدث هذا بل تمسك بك .. وعندما علمت بأمر تقدمه .. ركضت .. فلم أتحمل أن أراك زوجة لابن عمى وصديقى..."

تنهد مراد و عانقها بحنان وهو يتمنى لو نطق بهذه الكلمات .. لكنه لا يستطيع .. وهو لا يريدها ان تعلم بشئ حدث بالماضى فهو قد طواه منذ زمن ...

هى تنظر إلى محمود كاخ وهو لم يشعر بالغيرة يوما منه .. لانه يعلم انه الوحيد الذى بقلبها ..

...................................................................

خرجت من الغرفة وهى تغلق بابها بهدوء ...

ووجهها محمرا خجلا مما حدث بينهما .. مهما كبر سيظل يعانقها بحنان وكانهما ما زال يتعرفان على بعضهما لأول مرة ...

توجهت إلى غرفة نور مباشرة ... دقت دقات خفيفة على الباب .. فأتى لها الصوت خافتا فدخلت .. وهى تنظر إليها بشفقة وحزن ..

تعلم ان كل شئ أتى بسرعة لها .. موت ياسين لم تتحمله .. فكيف إذا سيكون ردة فعلها عندما تعلم ان والدتها حية .. هل ستنهار مرة أخرى ..

منذ ان عادت من الثلاثة ايام الذى قضتها مع حازم .. وهى فى حالة انطواء .. تجلس معهم لكنها ليست معهم شاردة وحزينة .. وعندما تتحدث تنطق بشق الأنفس وبخفوت .. وكأنها لم تكن مستعدة للتعامل والتحدث مع اى منهم ..

رسمت نورا ابتسامة على وجهها .. وجلست بجوارها ..

نظرت إليها نور بشبه ابتسامة و أعين ذابلة ..

" كيف حالك ؟!"

سألتها نورا وهى تحاول جذبها للحديث معها ..

اضطربت الأخيرة وتململت فى مكانها وهى تدير برأسها نحوها .. بعد ان كانت تنظر إلى اللامكان...

" بخير " همست نور بصوت ضعيف للغاية

نظرت إليها الاخرى باشفاق قائلة بنبرة حنونة واعين مهتمة

" هل انتى متأكدة؟؟!! "

راقبت نورا نظرات نور المتساءلة لها بهدوء واقتربت منها أكثر حتى جلست ملاصقة لها .. و وضعت إحدى يديها على كتفيها ..

قائلة بابتسامة عذبة

" بخير .. لم تكن يوما تعبر عن ما نشعر به من الم .. ننطق بها عندما لا نجد كلمة نستطيع به ان نعبر عن حالتنا .. كل شخص فى هذا العالم فقد شخصا عزيزا عليه .. اب... أم... وربما صديق عزيز علينا نتألم لفراقه ..

ترقرقت الدموع فى عينى نورا من دون قصد منها وقالت متابعة بحشرجة وهى تحاول رسم ابتسامة على وجهها

" لقد كان لدى صديقة عزيزة على للغاية .. كنا نتشارك فى كل شئ .. رغم أنها كانت أعلى منى فى المستوى لكنى لم أشعر بهذا يوما .. كانت تعطينى ملابسها .. وتأخذ منى رغم أنها لم تكن بحاجة لملابسى القديمة والباهتة.. لكنها كانت ترتديها .. لكن شاء القدر و ماتت .. تألمت وصرخت لفراقها.. فكما يقولون الفراق صعب ..

تنهدت بضعف وهى تمسح دمعة ساهتها وخرجت من عيناها

" لكن مراد اخبرنى بشئ فى هذا الوقت .. كل شى فى هذا العالم يكبر ..الطفل يصبح شابا فعجوزا فكهلا.. إلا الحزن يصغر أكثر وأكثر .. وسيأتي يوم سنسى فيه من كنا نشعر وكان الروح ستغادرنا عندما علمنا بفراقهم أول مرة .. أكثر شئ حبانا به رب العالمين هو النسيان ...لولا النسيان لتالمنا أكثر .. ولما استطعنا أن نمارس حياتنا .. "

ربتت على يدي نور متابعة بهمس

" ياسين ..لن أقول لكى انسيه... لان المرء مهما كبر لن يستطيع ان ينسى والديه .. لكن من اجله ومن اجل نفسك لا تظلمي نفسك .. بوادها اكثر بين الاحزان .. كنى الابنة الصالحة .. و ادعى له بالرحمة .. جميعنا سنموت .. "

اهتزتا شفتاى نور وهى تحاول النطق .. ونزلت دموعها دون إرادتها

" أبى ..أبى كان بالنسبة لى كل شئ.. أعلم انه مات ولن يعود ..أعلم إننى اعذبه ببكاءى لكننى لا أستطيع ... لا أستطيع عدم الحزن عليه .. والاستمرار هكذا .. هكذا بدونه ..."

تابعت بشهقات أكثر وببكاء يقطع نياط القلب ووجهها محمر .. وكأنها كانت بحاجة للحديث والصراخ أمام أحد ما .. وها هى قد اتتها الفرصة ..

" لقد تعودت على وجوده بجوارى فى كل لحظة .. عندما أفكر إننى ربما سادخل إلى غرفتى ولا أجده أتألم ... لم يكن والدى فقط .. بل كان عكازى الذى استند عليه لكى أستطيع به ان أواجه كل شئ.. كيف .. كيف اخبرينى .. انا أتألم .. "

ابتعدت عن مكانها وهى تتابع وهى واضعة يديها حول كتفيها وعيناه تهتزان بهستيرية و متسعتان رعبا ..

" لو كان معى .. لما حدث لى كل هذا .. لو كان معى .. لما حدث لى كل هذا .. لو كان موجودا .. لما أصبحت هنا .. لو كان هنا ما كان سيحدث لى كل هذا..!!!! "

ظلت ترددها بجنون وصوت عالى .. وهى تتراجع للخلف أكثر كلما حاولت نورا الاقتراب منها أكثر لتهدءتها .. لكنها كانت تتراجع أكثر للخلف وتهز رأسها بجنون .. حتى خارت قواها .. و سقطت مغشيا عليها ...

" نور " صرخت بها نورا ما ان رأت سقوطها ..

وفى لحظة فتح الباب بقوة .. و دلف إليها حازم بسرعة ولهفة راكضا نحو جسد زوجته القابع على الأرض .. أثنى ركبتيه ووضع يد أسفل ظهرها وأخرى أسفل عنقها وحملها و هو يلمح بقايا دموع على وجهها ..

بعد ما يقارب النصف ساعة

خرج حازم مع الطبيب من الغرفة .. وهو يستمع لشهقات والدته التى لم تكف عن لوم نفسها منذ ان سقطت .. ووالده يحاول تهدءتها ...

وقف حازم قبالة الطبيب...

" انهيار عصبى حاد .. انها متوترة للغاية ومضطربة أيضا .. هل تعرضت له من قبل "

سأله الطبيب بهدوء

" نعم .. منذ عدة ايام .. و أظن قبل هذا مرة او مرتين "

رد عليه بهدوء .. وهو يحاول عدم إظهار قلقه عليها ..

" منذ متى وهى بهذه الحالة!! "

سأله مرة أخرى

" منذ ان توفى والدها وهى هكذا "

" حسنا ..أظن من الأفضل ان تعرض على طبيب نفسى .. حالتها تزداد سوء .."

قالها الطبيب .. ثم ناوله ورقة

" هذه بعض الأدوية المهدءة... لكن بالطبع من الأفضل ان تعرض على طبيبا نفسيا "

هز حازم رأسه موافقا تابعا " نعم بالطبع "

شكر الطبيب ...

وصعد درجات السلم وجد والدته فى الغرفة ولا تكف عن البكاء .. فنظر إلى والده الذى كان يقف من بعيد .. ففهم والده نظراته .. وأخذ نورا وخرج بها من الغرفة رغم اعتراضها فى بادئ الأمر .. لكنها ما ان رأت حازم .. حتى خرجت من الغرفة ..

دنا منها ببط وهو يراقب جسدها المسجى على السرير .. أنفاسها مضطربة ووجهها حزين رغم نومها ..

منذ ان تشاركا فى هذه الغرفة منذ عودتهما.. وهو يشعر بارتباكها الواضح ..

لاحظ نظراتها المرتعبة منه ما ان اقترب من السرير أول مرة فى هذه الغرفة .. أبتسم لها بخفوت محاولا تهدءتها بنظراته الهادءة لها .. وتحرك مبتعدا عنه ..

و نزل حيث مكتبه محاولا أشغال نفسه بالقضاياة حتى يجد الساعة قد تجاوزت منتصف الليل .. فيصعد لغرفته... وينام على السرير بهدوء مبتعدا عنها بمسافة مناسبة .. لا يعلم أن كانت تشعر بوجوده بجانبها ام لا .. لكن كل هذا لا يهمه .. فهو يريد إقصاء حاجز تلو الآخر بينهما بهدوء .. يجب الا يسمح لها بوضع المزيد من الحواجز حولها .. وتمنعه عنها .. خطوة .. سيقترب خطوة خطوة .. حتى يثبت لها حقا أنه يحبها ..

و رغم انه كان يستلقى على سرير واسع بجوارها إلا انه لم ينم بهناء.. كان يراقب صدرها الذى يرتفع وينخفض بهدوء يعبر عن تنفسها المنتظم .. لقد كان مرتعبا من ان يحدث لها شئ وهى نائمة... وربما ارعبته أكثر فكرة انها ربما تحاول الانتحار .. خصوصا عندما راءها مرة تمسك بسكين حاد .. رغم أنها ربما تكون مجرد شكوك ليست فى محلها لكنه لا يستطيع منع نفسه من القلق عليها ..

وخصوصا عندما كان يراقب صمتها الذى كان يقتله أكثر مما يقتلها ...

وجهها شاحب للغاية .. و شفتاها مضمومتان تعبر عن انزعاجها الواضح ..

من دون ان يشعر وجد كفه يمر على وجهها يتحسس بشرتها باصابعه... حتى وصل إلى شفتاها الجافة وظل يمرر إصبعه عليها .. اقترب بهدوء وبحركة بطيئة للغاية .. وتردد كبير فى نفسه .. لكنه لم يستطع منع نفسه أكثر وطبع قبلة دافئة وخفيفة للغاية على فمها .. تبعتها سقوط دمعة واحدة من عيناه ...


 


ألقت بجسدها على السرير وهى تتذكر عودة والدتها إليها تخبرها انه ذهب .. ووافق على طلبها ..

هكذا من دون اى شى .. يتركها .. لم يتمسك بها ما ان قالت له ابتعد.. ابتعد فعلا ..

وحل محل فرحتها بقدومه إليها .. حزنها وسخطها لذهابه.. وهى تلوم نفسها ألف مرة .. فهل كان يجب عليها ان تظهر كبرياءها .. ويباسة رأسها ذلك أمامه واليوم بالذات ..

أغلقت عيناها تحاول ان تنام .. لكن كيف ستنام هكذا وهو ليس بجوارها ..

اتسعت عيناها وهى تستمع لاقتراب الخطوات أكثر .. فأكثر إليها .. وكلما كانت تقترب كانت تصل إليها رائحة عطره الممزوجة برائحة جسده هو التى تحفظها عن ظهر قلب ...

لوت اروى فمها بحزن وهى تتساءل بصوت منخفض ونبرة منزعجة ..

" هل أصبحت اهذى .. لدرجة إننى أشتم رائحة عطره .. لقد جننتى... جننتى بالطبع يا اروى .. "

" اروى هل انتى مستيقظة ؟؟!!"

ارتجفت اوصالها .. وهى تردد برعب وصوت منخفض

" انه صوته .. صوته .. لقد جننت .. هل لهذه الدرجة انا مجنونة به!!!! .. لا .. لا ما الذى حدث لى؟؟!!! .. كيف!! .. ومتى!! "

سمعت صوت ضحكاته المتتالية وهو يعلو أكثر وأكثر .. حركت يدها نحو المصباح الصغير الذى بجوار السرير .. و ضغطت على زر الإضاءة وهى تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتردد المعوذتان بسرعة ورعب .. التفتت بجسدها نحو الصوت ...

صرخت رعب خرجت من حنجرتها وهى تتراجع بجسدها على السرير ما ان رأته أمامها بشحمه ولحمه ..

ركض إليها .. وضمها بسرعة إلى صدره بلهفة .. وهو يمرر يده على شعرها

يحاول تهدءتها ..

" أهدى .. أهدى .. انه انا .. اسف .. اسف"

ظل يكرر أسفه وهو يمرر فمه على عيناها وجنتيها أنفها .. وبالقرب من ثغرها

"لم أكن أقصد .. أقسم لم أكن أقصد .. كنت أريد أن اجعلها لك مفاجأة "

وبحركة مهتزة حركة سبابتها عاليا ... وهى تردد باضطراب

"كيف؟؟!! .. كيف دخلت إلى هنا ؟؟.. "

أبتسم بخفوت .. وقال بمكر

" عمتى حبيبتى .. اعطتنى مفتاح منزلها .. ما ان أتيت فى اى وقت أستطيع الدخول .. "

ثم غمز لها بعيناه اليسرة مضيفا

" ودخلت "

وتابع بانزعاج كاذب

" لكن ما هذا الإستقبال ..هل هذه طريقة تستقبلين بها زوجك .. بعد ثلاثة ايام بعيدة عنه "

أحمر وجهها خجلا .. لكنها قالت بحدة

" هل تتامر على انت و والدتى .. أخرج من غرفتى حالا "

رد بعدم مبالاة وهو يفك أزرار قميصه فقد كانت سترة بذلته ملقاة على كرسى الزينة بإهمال ..

" لن اذهب .. لقد اخبرتنى عمتى إننى أستطيع النوم فى اى غرفة .. وأنا اخترت هذه .. "

زمت شفتيها ولوت فمها بحركة سريعة مظهرة غضبها .. وضمت يديها أمامها وحاولت الابتعاد عن السرير لكنه أعادها مكانها بهدوء

قائلا بنبرة لا تخلو من الحدة

" اروى .. لا ينقصنى جنونك ولا عنادك هذا .. اجلسى بهدوء على السرير .. فمهما حاولتى انتى لن تخرجى من هذه الغرفة إلا عندما أخرج انا منها غدا صباحا .. ام الآن فانتى ستنامين على هذا السرير بهدوء .. "

" ساصرخ "

هتفت به بعناد

" اصرخى لن يجرؤ أحد على الاقتراب من هذه الغرفة طالما انا بها "

نطق ببرود تام

وباشارة بعيناه عادت إلى السرير بهدوء .. حتى بدل ملابسه .. وجلس بجوارها على السرير .. وبحركة سريعة وضع رأسه على رجليها ...

حاولت الابتعاد لكنه اشتد برأسه أكثر مانعا إياها من التحرك .. أغلق عيناه .. بحث بيديه عن كفيها حتى وجدهما ووضعهما على رأسه ..

وقال بخفوت ونبرة منخفضة

" مررى يديك على رأسى أريد النوم "

وبتردد بدأت تمرر وتتخلل أصابعها بين خصلات شعره ... ووجهها يعلوه ابتسامة لم تستطع الكلمات التعبير عن مدى سعادتها وهو أمامها فى هذه اللحظة ..

ومن دون تفكير نزلت بفمها وطبعت قبلة على جبهته .. تراجعت برأسها بسرعة ما ان رأته قد فتح عيناه ..

وبحركة سريعة من يده وجسده كان قد ارجعها بجسدها للخلف .. وهو يقبض على رسغيها بلطف

وبمكر وابتسامة متسعة سألها

" هل انتى .. تتحملين نتيجة ما فعلتيه الآن "

لم تستطع منع نفسها من الابتسام و بوجه محمر خجلا اجابته بنبرة ناعمة

" نع........"

لم ينتظرها لتتكمل كلمتها و التقط شفتيها معانقا إياها بشغف ...


 


وبخطوات حازمة كاسمه دلف إلى المشفى .. يسأل عن ماهر .. فهو الوحيد الذى يستطيع ان يساعده فى مشكلته .. لم ينم منذ ليلة أمس وهو يراقب كل حركة كبيرة او صغيرة منها ..

وهو يفكر فى كلام الطبيب بتمعن .. فلم ياتى برأسه غير ماهر ليساعده...

هدأت ملامحه قليلا من التوتر ما ان راءه واقفا مع شخصا ما لم يهتم لمعرفة من يكون ..

اقترب بخطوات مدروسة حتى وقف أمامه .. فقابله الآخر بابتسامة بشوشة على وجهه .. حياه بسعادة ..

وأخذه حيث مكتبه ...

فى المكتب وبعد دقائق من محادثتهما ..

" إذا أنت تريد طبيبا نفسيا جيدا .. "

سأله ماهر

فأجاب حازم بهدوء

" أريد طبيبا ليس جيدا بل ممتازا .. يستطيع ان يسيطر على انفعالتها.. فهى ما ان تتذكر او تتحدث عن والدها حتى تسقط مغشيا عليها .. وهذا غير انها منطوية على نفسها كثيرا "

" حسنا .. انا لست على علاقة باطباء كثر ...ولا أعرف أطباء فى هذا التخصص ...

فظهر الحزن على وجه حازم ..

لكن سرعان ما تابع ماهر

" لكنى اعرف طبيبة .. تستطيع ان تدلنا على طبيب جيد .. ريم صديقة نور .. هل تعرفها "

حاول حازم عصر ذاكرته وتذكرها .. ولكنه كالعادة خانته ذاكرته ولم يتذكرها ..

فهز رأسه ب لا

أبتسم ماهر بخفوت و طلب من إحدى الممرضات لاستدعاءها ...

بعدها بدقائق دلفت ريم إلى المكتب .. و ضيقت ما بين حاجبيها ما ان رأت حازم ..

وبهدوء وعلمية مطلقة بدأ بشرح لها كل شئ...

وفى ثانية كانت ريم قد جنت تماما وهى تستمع لكلمات حازم التى تكاد تصف صديقتها بالمجنونة... بداية من انهيارها .. وحتى امساكها للسكين

فانقضت عليه كالقطة وعيناها تلتهب شرا بعد ان استمعت لكلماته لولا أن ماهر أمسك بيديها التى تحاول أن تمدها لتمسك عنقه

....لكانت خنقته بيديها .....فقالت وهى تكشر عن انيابها كالقطة التى تحاول ان تدافع عن صغارها .....

"أيها الحقير هل تقول أن صديقتى مجنونة .....ساقتلك"

.وقف امامها ماهر يحاول أن يمنعها من الوصول إليه .....والاخر يرمقها بنظرات باردة خالية من اى تعبير يحاول أن يهدأ من نفسه ....لولا أنها امرأة لكان خرج عن روقيه و قطع لسانها المسموم ..

فهتف ماهر بهدوء وعقلانية

" ما هذا يا ريم .. وهل كل شخص يعرض لطبيب نفسى .. يكون مجنونا .. انها مريضة تمر بظروف صعبة تحتاج لشخص لارشادها والاستماع إليها "

" إستماع .. وأين انا من كل هذا انا كفيلة بإخراج صديقتى من حزنها ..

هتفت بهما بصراخ... ثم تابعت بنبرة حادة لا تخلو من السخرية

" لقد اعتقدت انه يستطيع ان يخرجها من حزنها .. لكنى كنت مخطئة ما كان يجب ان اعتمد على شخص مثله .. لقد بقيت معه عدة ايام .. و ها هو يطلق عليها لقب مجنونة .. "

وأضافت بنبرة لا تقبل نقاشا

" سأذهب لصديقتى واهتم انا بها جيدا "

ابتسم حازم بسخرية وقال ببرود

" ومن هذا الذى سيسمح لك بالاقتراب منها انتى تحلمين .. "

" وهل تجرؤ على منعى .. أفعلها وساريك ما أريد فعله "

هتفت بها بعناد ..

فابتعد حازم عنهما واقترب من الباب .. وما كاد يدير مقبض الباب ..

حتى التفت إليها قائلا

" مجنونة "

قالها وخرج من الغرفة صافعا بابها بقوة .. فاتسعت عيناها ذهولا وردت من بين أسنانها

" طفل "

وكل هذا وماهر يحاول كتم صحكاته. . وريم تنظر إليه بغيظ من تصرفاته هو الآخر ووجهه الذى يحارب حتى لا ينفجر ضاحكا ..

                  الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول الجزء الثاني من هنا

لقراءة الجزء الاول جميع الفصول كاملة من هنا

تعليقات



<>