رواية ظلمها عشقا الفصل الاول1والثاني2 بقلم ايمي نور

 
رواية ظلمها عشقآ 

الفصل الاول والثاني 

بقلم ايمي نور

المقدمة 

.

.

.

جلست فوق فراشها تضم ركبتيها الى صدرها  ضاغطة على اذنيها بقوة فى محاولة منها لأ

بعاد تلك الاصوات الأتية اليها من الخارج وقد امتزجت ابواق السيارات مع الاغانى الشعبية تصاحبها زغاريد النساء تعبيرا عن فرحتهم وسعادتهم بهذا الزفاف....

كانت تلك الاصوات كطعن سكين حاد يمزق قلبها بلا رحمة او هوادة

كانت كالمخالب تشق صدرها ثم تنهش قلبها من داخله تدعسه بقسوة بينهم ثم تلقى به ارضاً  فتتركها بعدها جسداً بلا روح

وكلما حاولت صم تلك الاصوات عنها ازداد جسدها ارتجافاً كمن يحارب فى معركة خاسرة.... ونعم هى بخاسرة... فاليوم قد خسرت حب وحلم صباها الى الأبد... حلم طالما تمنته برغم علمها باستحالة تحقيقه.... لكن ظلت دائماً تلك الشعلة الضعيفة من الامل الموجودة بداخل قلبها تخبرها يوماً بعد يوم انه لها.... وسوف تحدث معجزة يوماً ما وسيصبح لها ...لتتوهج هذه الشعلة بداخلها يوماً بعد يوم لتصبح نوراً ساطعاً يملئ قلبها و جعلها تتوهج معه رغماً عنها

لكن تأتى رياح الحقيقة لتطفىء شعلة املها هذه وتطفئها معها... فاليوم زفافه علي غيرها....وقد اختار من تناسبه مكانةً وحسباً ونسباً و اصبح ملكاً لغيرها وليس لها الحق بعد الان حتى بأن تحلم به..فقد أتى يوم زفافه ليمحو معه كل دعاء وصلاة قد قامت بهم يوماً حتى لا يكون لغيرها.....واااااه

صرخت بتلك الاهه دون صوت....اخرجت معها كل الامها و وجعها الذي يمزقها  .... تشيع دموعها المنهمرة عشقها الذي ادماها وادمى قلبها.. 

نهضت من مكانها فجأة تتجه بخطوات بطيئة مترنحة ناحية النافذة كمن يساق نحو حبل مشنقته تشعر بالحاجة الشديدة لرؤيته...تريد ان تراه مع عروسه.... تريد جلد نفسها بتلك الصورة حتى تحفظها بداخلها فتقوم باظهارها لقلبها كلما شعر بالضعف او طالبها بأمل جديد ناحيته مرة اخري

فتحت مصراع نافذتها بشق بسيط تطل من خلاله بعينيها المشوشة الرؤية بسبب دموعها لكن اسرعت تمحيها بعيداً حتى تتشرب صورته وهو بكامل اناقته وجسده المتناسق فارع الطول المحكم داخل بذلة سوداء واقفاً بجانب سيارته يفتح بابها مساعداً عروسه على الترجل منها بهدوء ومراعاة لتقف بجواره بفستان زفافها ناصع البياض... مبتسمة بسعادة يشع وجهها بالفرحة وهى تتطلع اليه

ارتجف جسدها كما لو اصابته الحمى ترتعش معه يدها التى تمسك بالنافذة حتى كادت ان تلفت منها تشعر بدقات قلبها تزداد ارتفاعاً وهو يتصارع داخل صدرها كما لوكان يريد القفز من محبسه والذهاب اليه مرتميا ارضاً تحت قدميه متوسلاً..عندما ارتسمت على وجهه تلك الابتسامة والتى طالما عشقتها....تلك الابتسامة التى كانت تمضي معظم وقتها خلف نافذتها تراقبه بشغف حتى تلمحها على وجهه تتمنى بداخلها لو يخصها بها ولو لمرة واحدة...ولكن حتى هذه  لم تعد من حقها حتى تمنيها

وقفت مكانها تتابع ما يجرى بعيون اصبحت بلون الدم فى وجهها الشاحب لاتكتفى من المشاهدة حتى سحبت فجأة من بين يديها النافذة ثم اغلقت بعنف يتبعها صوت شقيقتها تأنبها ولكن بصوت مشفق

=كفاية كده حرام عليكى...هتموتى نفسك

لم تجببها بل ارتمت فى حضنها تبكى قد انهار سد دموعها تطلق رغما عنها اااه متألمة تكتمها فى احضان شقيقتها والتى اخذت تربت  فوق ضهرها بحنان تهمس بكلمات مهدئة تعلم انها دون جدوى لكنها كل ما فى استطاعتها قائلة بصوت مشفق حنون

=بكرة هتنسيه....صدقينى....ده حب مراهقة ولعب عيال...بكرة هتضحكى كل ما يجى فى بالك وتقولى ايه الهبل اللى كنت فيه ده

رفعت وجهها تنظر الى شقيقتها بتضرع تسألها بصوت لاهث متقطع من اثر بكاءها

= بجد يا سماح....بجد هيجى يوم واقدر انساه....هيجى يوم والوجع اللى فى قلبى ده يخف

جذبتها سماح الى احضانها مرة اخرى ثم اغمضت عينيها تقاوم دموعها هى الاخرى التى تهدد بالانهمار  تمرر كفها فوق خصلات شعر شقيقتها قائلة بصوت متحشرج حاولت اظهاره ثابت و واثق 

= طبعاً يا قلب اختك... وبكرة تقولى سماح قالت... انتى لسه صغيرة وبكرة تحبى غيره وتتحبى وتعيشى حيا...

تشبثت بشقيقتها تهتف بصوت متألم مجروح تقاطعها كأن تصورها لما تقوله شقيقتها يقتلها

=لاااا.... انا مش عاوزة احب غيره.... ولا عاوزة غيره يحبنى ولا يكون من نصيبى.... انا مش عاوزة ده..... مش عاوزة ده يا سماح

ازاد صوتها هياجاً وصراخاً فى اخر كلماتها  فلم تجد معه شقيقتها حلا لتهدئتها سوى ان تطاوعها موافقة بكمات اخذت تهمهم بها رغم علمها انها كلمات ووعود جوفاء لن تتحقق بعد ما صار الليلة

.

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

الفصل الأول 

.

.

.

.

دلفت داخل الغرفة الخاصة بها مع شقيقتها تهتف بلهفة وعجالة

: بت يا فرح الحقى.. عندى ليكى خبر بمليون جنيه

لم تعيرها شقيقتها اهتماما تظل على وضعها مستلقية فوق الفراش وهى تضع احدى الوسائد فوق راسها لتقترب منها سماح هاتفة بغيظ وهى تدفع بالوسادة بعيدا عن رأسها

:عاملة نفسك نايمة...بقولك قومى يابت...لو سمعتى الخبر هاا....

قاطعتها فرح تتقلب فوق الفراش الى الجانب الاخر تهمهم بصوت يغلبه النعاس

: سبينى وحياتك ياسماح انا مصدقت ماما تنام علشان انام انا كمان شوية

تراجعت سماح بعيدا عنها قائلة ببطء وبكلمات ممطوطة

:طيب.. براحتك.. انا بس حبيت اقولك.. ان صالح ابن الحاج منصور... طلق مراااته

فور ان نطقت بكلماتها الاخيرة حتى هبت فرح جالسة فى الفراش متسعة العين بصدمة تهمس قائلة

: انتى بتقولى ايه؟!

ابتسمت سماح بسماجة تتحرك بأتجاه الباب قائلة

: اللى سمعتيه... نامى بقى... ده لو عرفتى

  ثم تحركت تهم بالخروج بعدها من الغرفة لكن فرح  اسرعت بالنهوض وهى تتعثر بالاغطية تتجه نحوها بلهفة ممسكة بذراعها ضاغطة فوقه بقوة توقفها وهى تسألها بصوت متحشرج وكلمات متعثرة

:مين قالك ....ط...لقها ...ليه...حص..ل.. ايه

هزت سماح كتفيها دلالة عن عدم معرفتها قائلة

:معرفش بس مرات خالك لسه جايه من هناك وبتقولى طلقها ومن يومين كمان و متعرفش ليه امه مرضيتش تقول

ارتعشت اناملها يخف ضغطها من فوق ذراع سماح تشعر بارتفاع حرارة جسدها فجأة ثم تفر من جسدها دفعة واحدة وهى  تتراجع الى الخلف متعثرة بعيون متسعة مصدومة لتهتف بها سماح محذرة حين رأت حالتها تلك

:بقولك ايه مش هنعيده تانى ....طلق مطلقش ميهمناش ....انا قلت اعرفك قبل ما تعرفى من برة ...غير كده تفوقى

لكنها تنهدت تهز رأسها بأستسلام حين وجدتها مازالت على حالها تصم اذانها عن حديثها تقف مكانها كتمثال متجمد لايسمع ولا يرى فتتنهد مستسلمة تلوى شفتيها بتبرم تهمهم بكلمات حانقة وهى تتحرك بأتجاه الباب مغادرة تغلقه  خلفها تاركة الاخرى تقف مكانها بقلب يرتجف بين اضلعها ووجه شاحب لاتدرى اتسعد بهذا الخبر ام تخشاه لانه سيعيد من جديد احياء امال استطاعت قتلها يوم ان علمت بخبر زواجه باخرى... حين وقفت بسنوات عمرها وصباها السابعة عشر تشاهد من نافذتها  فارس احلامها يزف الى تلك التى تناسبه...تلك الفتاة التى وجد بها ما لن تكون هى يوما عليه واختارها لتكون زوجة له 

ليلتها اخذت تقنع قلبها فى محاولة لتهدئة النيران المستعيرة به وتسكين الامه بانه لم يكن سوى حب مراهقة سيزول مع الايام وستنسى  ... وستأتى اوقات بعدها وستضحك وتمزح  فيها حين يمر بخاطرها...وستنساه وستنسى حبها هذا له

وقفت مكانها تتذكر كل ما اخذت تحدث به نفسها يومها وهى تجلس فى غرفتها بعد ان قضت ليلة زفافه كاملة بقلب نازف وعيون انهكها البكاء....

لكنها لم تكن سوى اوهام اقنعت نفسها بها لأكثر من سنتين محاها فى لحظة خبر طلاقه وانفصاله عن زوجته ...لتجد نفسها فى نهاية الامر ورغماً عنها يتوهج  قلبها بالامل ويحيى بداخلها مرة اخرى رغم كل ما قالته

************

بعد انتهاء العزاء وانصراف المعازين تجمع عدد من رجال الحارة المعرفون بعلو بشأنهم وهيبتهم وحكمة قرارتهم داخل صوان العزاء تتركز اعينهم على ذلك الجالس فوق مقعده يحاول رسم الطيبة والمسكنة فوق ملامحه يناقضها طابع ملابسه الغير ملائم لحدث وفاة شقيقته واهتمامه الزائد بمظهره حد المبالغة بقميصه الاحمر زاهى وقد ارتدى معه  بنطال ناصع البياض وحول عنقه سلسال من الذهب يكمل بها مع  الخاتم الموجود فى بنصره هيئته والتى لاتدل على سنوات عمره والتى تجاوزت الاربعين ببضع سنوات  وهو يتحدث بصوت خفيض يتصنع الالم به

:كلام ايه اللى بتقولوه ده يا ناس...دول بناتى قبل ما يكونوا بناتها وانا اللى مربيهم من يوم ما ابوهم مات وجم قعدوا عندى

تبادل الرجال النظرات فيما بينهم ثم استقرت على من يعدونه كبيرهم فى انتظار كلمته ليزفر الحاج منصور الرفاعى بقوة قائلا بصوت جاد وحازم النبرات

:يعنى يا مليجى هتتقى الله فيهم...واللى كان بيحصل ايام المرحومة مش هيحصل تانى؟

رفع مليجى رأسه سريعا يهتف بتأكيد ولهفة

:طبعا يا حاج...دول بنات الغالية وفى عنيا...واى حاجة تحصل منى فى حقهم يبقى حسابى معاك..واللى تقوله ساعتها هيبقى سيف على رقبتى

:لا يا عايق.....من هنا ورايح حسابك هيبقى معايا انا...وياويلك منى لو فكرت تزعل واحدة منهم

ارتعدت فرائص مليجى هو يحاول ابتلاع غصة الخوف فى حلقه والتى كادت ان تهلكه حين تعال هذا الصوت الحاد قوى وواضح النبرات من ذلك الجالس منذ بدء الحديث مراقبا اياه بصمت متحفز  وعينيه لا تفارقه كعين صقر يستعد لانقضاض على فريسته دون رحمة يصدح صوته محذرا بتلك الكلمات جاعلا من جميع الحضور يهمهم استحسانا  بعدها ليدرك مليجى انه وقع بين ايدى من لا يرحم وهالك لا محالة ان اخلف بوعده هذا 

****************

  **بعد مرور شهر على تلك الاحداث**

وقفت "سماح" على باب غرفتهم تصرخ فى وجه شقيقتها الصغرى بغيظ

: ما تخلصى يازفته... خلينا نخرج من هنا قبل ما خالك المعدول مايجى وينفض جيوبنا ونقضيها مشى زاى كل يوم

لم تعيرها "فرح" اهتماما وهى تقف بقامتها المتوسطة الطول ترتدى  جونلة طويلة فوقها قميص بهت لونه من كثرة مرات غسله تتطلع فى المرآة امامها بعينيها دخانية اللون وهى  تعدل من وضع حجابها والتى تخفى خلفه خصلات شعرها بلونها العسلى قائلة ببرود وعدم اكتراث

: خلصت اهو... وبعدين مستعجلة على الغلب اووى ياختى

اقتربت "سماح " منها تمضغ علكتها ببطء قائلة

: لا مش مستعجلة ولا نيلة... بس نار الشغل ولا جنته ياختى عاوزين نخلع قبل ما يجى.... ويلا اخلصى بقى خلينا.....

قطعت حديثها ترهف السمع حين تعالت اصوات رجالية حادة من الخارج لتهتف بحماس وسعادة وهى تسرع ناحية النافذة

: الحقى خناقة فى الحارة... يا ترى مين كده على الصبح

فتحت النافذة تتطلع الى خارجها بفضول سرعان ما تحول الى ذهول وهى تهتف

: الحقى يابت... ده المنيل خالك هو اللى بيتخانق مع المعلم ابراهيم

نفضت فرح  رأسها بعدم اكتراث ثم انحنت تبحث عن حذائها اسفل الاريكة فتعال صوت سماح تهتف بفرحة مستمتعة

: يااااختى..... ده صالح كمان دخل فيها... وجايب خالك من قفاه

توقفت فرح عن الحركة متجمدة حين استوعب قلبها قبل عقلها كلمات شقيقتها تتوسع عينيها بلهفة وفرحة وهى ترفع راسها من اسفل الاريكة سريعا وبدون احتراس فتصطدم بحافتها بقوة جعلتها تتأوه متألمة لكنها تجاهلت المها تخرج من اسفلها سريعا ثم تقفز فوق الاريكة تزاحم شقيقتها فى مكانها حتى تلقى بنظرة الى الخارج هى الاخرى بقلب يتراقص شوقا وعيون تهفو للمحة منه لتراه واقفا بجسده الصلب فارع الطول وشعره قاتم السواد وملامحه الخشنة التى تنطق بالرجولة مميزا عن الباقى من رجال الحارة بملابسه والتى رغم بساطتها الا انها تنطق بالاناقة الشديدة

فوقفت تتابع حديثه وحركاته بعيون منبهرة لامعة تنسى العالم وكل ما يحيط بها حتى نكزتها شقيقتها بعنف فى ذراعها تجز فوق اسنانها هامسة من بينهم بحنق محذرة

: اتلمى... الحارة كلها واقفة تحت... حد ياخد باله منك يا حلوة

ارتبكت ضاغطة فوق شفتيها بقوة ملتفتة اليها تهمس بخجل

: وانا عملت ايه دلوقت... مانا واقفة اتفرج زيى زيك اهو

التفت سماح ناحية الخارج مرة اخرى قائلة بحدة

: اتفرجى ياختى.... انا مش عارفة اخرة الفرجة دى ايه... مش كنا خلصنا منه الموضوع ده...ادينا رجعنا للفرجة اللى لا بتودى ولا بتجيب

شحب وجهها من اثر كلمات شقيقتها حين ذكرتها بحقيقة لطلما حاولت الهروب منها فقد صدقت فلم يتغير شيئ سوى عودة هذا الامل الاحمق مرة اخرى  ليزدهر به قلبها دون قدرة او حيلة منها برغم جميع محاولاتها لأيقافه ونهر نفسها عليه

عاودت الالتفات مرة اخرى الى المشهد الدائر فى الحارة لكن هذة المرة بعيون شاردة حزينة لاترى شيئ غافلة عما يجرى فيه حين صرخ خالها مليجى بتوتر

: يا صالح باشا... انا قاعد فى حالى... هو اللى مش طايقنى على قهوته

اسرع المعلم ابراهيم موجها حديثه لصالح الواقف لفض الاشتباك بينهم بعد استغاثة المعلم ابراهيم به قائلا استهجان

: يا صالح يابنى... ده قاعد رائم الرايحة والجاية بعنيه اللى يندب فيهم رصاصة دول ولما جيت اكلمه فى حسابه... عمل الشويتين بتوعه زاى كل مرة عليا

ابتعد مليجى من اسفل ذراع صالح الموضوعة فوق كتفه ملتفتا اليه يهتف رافعا كفيه بأستهجان وبطريقة مسرحية

: شوفت يا صالح باشا... عرفت بقى ان الليلة كلها معمولة ليه .. علشان القرشين اللى عليا لقهوته

زفر صالح بنفاذ صبر ملتفتا الى المعلم ابراهيم قائلا بصوته الاجش ذو النبرة المميزة

:خلاص يا معلم ابراهيم.... حساب مليجى عندى المرة دى كمان.... وحقك عليا انا

هز المعلم ابراهيم رأسه قائلا باحترام مربتا فوق كتفه

: ولا حق ولا حاجة يابنى.... وكتر خيرك معلش دوشناك معانا

ابتسم صالح له قائلا بهدوء

: ولا يهمك يامعلم... حصل خير احنا ولاد حتة واحدة

كرر المعلم ابراهيم عبارات شكره وامتنانه قبل ان يغادر الى قهوته بعد ان رمى مليجى بنظرة احتقار ونفور لترتسم فوق شفتى مليجى ابتسامة سمجة هاتفا بتهكم له

: متشكرين اوووى يامعلم ابراهيم... متشكرين اوى ياخويا

لكن سرعان ما اختفت ابتسامته تلك عن وجهه سريعا حين هتف صالح باسمه بلهجة تحمل من الصرامة ما جعل الدماء تجف فى عروقه فيلتفت اليه ببطء وتوجس وقد اقترب منه ينكزه فى صدره باصبعه  قائلا ببطء وعينه تنطق بالتحذير قبل شفتيه

: مليجى... شوف من الاخر كده... دى اخر مرة هدخلك فى حاجة... فاحسن ليك تمشى عدل... الا وربى يا مليجى محد هيعدلك غيرى.. وانا نبهتك اهو

هم مليجى ان يجيبه  لكن قاطعه صالح بخفوت ضاغط فوق حروف كلماته بحنق

:شوف انا على اخرى منك ..فحاول متجبش اخر صبرى عليك ...علشان صدقنى مش هيعجبك اللى هيحصل

ثم تحرك مغادرا  تاركا مليجى يقف فى وسط الحارة ينظر فى اثره للحظات قبل ان يتحدث قائلا بصوت خافت مرتعش 

: ماله ده هو حد داس له على طرف...كل ما يشوف خلقتى يقولى امشى عدل.... وهو فى حد ماشى عدل اليومين دول

*********************

سارت مع شقيقتها داخل الحارة فى طريق عودتهم من عملهم فى احدى محلات بيع الملابس تستند عليها تسير بصعوبة وقد تمزق حذائها واصبح لايصلح للسير به قائلة بتبرم وهى تتلفت حولها خجلا

: عجبك كده قلتلك اصلحه قبل ما نروح قلتى

هيتحمل لحد البيت....افرضى بقى حد شافنى بمنظرى ده دلوقت... هيبقى ايه العمل؟!

ابتسمت سماح قائلة بسخرية مرحة

: حد مين اللى شايلة همه .. ما كل الحارة شافتك... ولايمكن تقصدى حد بعينه

ارتبكت تهتف بها بحدة

:تقصدى ايه بكلامك ده بالظبط يا ست سماح

سماح بجدية  وهى تربت فوق انامل شقيقتها الممسكة بساعدها ناصحة بهدوء

:مقصدش يا قلب اختك...بس انا بقول يعنى كفيانا تعليق فى حبال دايبة...وحب مراهقة اهبل هتضيعى عمرك علشانه وهو ولا حاسس بيكى

التوت شفتى فرح بمرارة قائلة بهمس مؤنب

:انا فاكرة ان ده  برضه نفس كلامك ليا من سنتين واكتر...وهو مطلعش هبل ولا لعب عيال هنساه زاى ما قلتى ياست سماح

التفتت لها سماح هامسة بحنان تحاول ايصال كلامها باقل قدر ممكن من الم لها

:عارفة انك لسه بتحبيه...وعارفة انه مطلعش وهم ولا لعب عيال...بس مش ليكى يا فرح...مش من نصيبك ولا هيكون ياختى...ياريت تفهميها بقى وتعرفى اننا هوا عايش فى الحارة ...لا بنتشاف ولا بنتسمع ولا حتى بتحس بينا

شعرت بحرقة القلب وكسرته تملئها رغم ان حديث شقيقتها ليس بالجديد عليها فطلما سمعته منها طيلة سنتين مروا عليها بألم واوجاع دهر كاملاً الا انه فى كل مرة يحدث بها آلام لا قدرة لها على تحملها كأنها تسمعها أول مرة

تنهدت بألم تنحنى برأسها ارضاً متظاهرة بالاهتمام بحذائها حتى تدارى تلك الدموع والتى ملئت عينيها حتى حجبت عنها الرؤية تماما فلم ترى تلك القطعة الخشبية القديمة ولا ذاك المسمار الصدأ بها لتطئ بخطواتها فوقها فتدوى صرختها المتألمة  حين نفذ المسمار من خلال حذائها المهترىٔ الى قدمها كخط من النار اصابها

لتهتف سماح تسألها جزع عما بها فأجبتها بكلمات متقطعة متألمة لتنحى سماح ارضا حتى تطمئن على ساقها بلهفة وقلق فى تلك الاثناء كان قد اقتربت منهم احدى نساء الحارة تتسأل هى الاخرى عما حدث فاستقامت سماح سريعا ثم تقوم بأسنادها موجهة حديثها للمرأة قائلة بهلع

:رجليها دخل فيها مسمار...وحياة عيالك يام رجب تسنديها معايا لحد البيت

لطمت المرأة صدرها مستنكرة تهتف بها

:بيت!..بيت ايه اللى تروحه.. دى لازم الاول نطلع المسمار من رجليها قبل اى حاجة

ثم تكمل وهى تتحرك من جوارهم الى الجانب الاخر من الطريق هاتفة بحزم

: استنى هنا وخليكى مسنداها وانا هروح اجيب كرسى من محل انور ظاظا نقعدها عليه علشان نطلع من رجليها المسمار

وبالفعل كانت قد ذهبت دون ان تمهل لسماح  فرصة للرد ولم تغب سوى ثوانى معدودة كانت فى اثناءها تجمع عدد من اهل الحارة حولهم كلا يتساءل

 عما حدث حتى اتت ام رجب تهرول  ومن خلفها انور يرتسم القلق الشديد على وجهه حاملا لاحدى المقاعد بين يديه يضعه ارضا وهو يهتف موجها الحديث الى فرح بصوت قلق ملهوف

:مالك يا ست البنات الف سلامة عليكى ..ايه حصل؟

تجاهلته فرح وهى تتحرك متألمة بمساعدة شقيقتها للجلوس فوق المقعد تتساقط دموعها الماً رغما عنها ليهتف انور بحدة فى الجمع حولهم

:جرى ايه يا خوانا ما كل واحد يروح لحاله....ملهاش لازمة الوقفة دى حوليها

ثم ودون مقدمات انحنى جالسا على عقبيه امام ساقها المصابة يمسكها بين كفيه ويضعها فوق ساقه

لتصرخ به بصوت حاد رغم الضعف به

:انت بتعمل ايه ابعد ايدك عنى..

قاطع انورحديثها قائلا بصوت متحشرج لاهث

:متخفيش ياقمر...دانا بس هخرجلك المسمار ومش هتحسى بحاجة

اخذت تحاول الفكاك من قبضته المحكمة حول ساقها وهى تشعر بانامله تتسلل خفية فوق بشرة ساقها تتلمسها بحركة بطيئة اصابتها بقشعريرة النفور ترفع نظراتها الى شقيقتها مستنجدة بها فأسرعت سماح تحاول طمئنتها ظنا منها ان سبب رعبها ورفضها هذا خوفا ورهبة من الالم المحتمل لسحب المسمار من قدمها

لكنها لم تستسلم بل اخذت تحاول جذب قدمها  بعيدا عن يديه ولمساتها المنفرة رغم كل محاولات جميع من حولها اثناءها عن هذا

******************

جلس  فوق مكتبه داخل المحل الخاص بتجارتهم (مغلق لبيع الاخشاب) يحاول التطلع فى احدى الملفات امامه لكنه كان من بين حين واخر يتطلع الى ساعته زافر بقلق حتى تخلى اخيرا عن محاولة التركيز تاركا القلم من يده ثم يهم بالنهوض ليتوقف عن الحركة معاودا الجلوس مرة اخرى حين دلف من الباب صديقه المقرب عادل والذى هتف مبتسما بمرح فور رؤيته له

:صالح ابن الحاج منصور...اللى مابقاش بيسأل على حد....فينك ياعم كده مختفى

  تراجع صالح فى مقعده يهتف به هو الاخر بمرح

:لاا حوش ياض انت اللى مقطع السؤال عليا اووى

اقترب عادل جالسا فوق احدى المقاعد امامه قائلا بتبرم مصطنع

:هى اختك سيبالى فرصة اسال عن حد...دى مخليانى ماشى الف حوالين نفسى

ابتسم صالح قائلا بسخرية مرحة

:انت لسه شوفت حاجة...دى لسه بتسمى عليك....اتقل التقيل جاى ورا

تنهد عادل بطريقة مسرحية قائلا بحزن مصطنع

:لااا لو من اولها كده يبقى مش لاعب...دول ياعم ليهم دماغ لوحدهم وبيقلبوا فى ثانية ..ومتعرفش ليه وازاى ولا علشان ايه

تبدلت ملامح صالح فورا للوجوم تمحى عن شفتيه ابتسامته المرحة يكفهر وجهه بشدة فلا يخفى عن صديقه تبدل حاله ليصمت فورا يلعن نفسه لعدم المراعاة فى حديثه لكن شعر بوجود ماهو اكثر من هذا فيسأله بعدها بقلق واهتمام

: مالك يا صالح.... حالك مش عجبنى.... هو حصل جديد

تطلع اليه صالح  بعيون شاردة  غير مقرؤة التعبير ليهمس له عادل بصوت متردد قلق

: لسه برضه اهلك بيكلموك ترجعها؟

اغمض صالح عينيه بارهاق زافرا بحرقة كانه يحاول اخراج نيران صدره معها  يهز راسه له بالايجاب ليغمم عادل من بين انفاسه لاعنا بحنق قبل ان يسأله بحرص بعدها وبصوت خرج رغما عنه متعاطف مشفق رغم علمه بكره صديقه لهذا منه

: تحب تحكيلى ونتكلم هنا... ولا تجى نخرج نشم هوا و....

فتح صالح عينيه فجأة يظهر داخلهم القوة والتصميم وقد تبدل حاله فورا قائلا بقسوة وحدة

:لاااهنا...ولا هناك....مفيش حاجة مستاهلة كلام

ثم اعتدل فى جلسته يمسك باحدى الدفاتر امامه يتظاهر بالتطلع به قائلا بخشونة متعمدة

:خلص انت بس وقول كنت جاى ليه...علشان ورايا شغل

تجاهل عادل قسوته وحدته تلك فهو يعلم  ان ما يمر به صديقه ويثقل كاهله تحت وطأته ليس بالهين حتى على اعتى الرجال لذا تدارك الامر سريعا هاتفا بمرح ممازحا

:براحة ياعم....مش لما تطلبلى حاجة اشربها الاول... ولا اقولك ابعت هات اكل علشان انا جعاان

رفع صالح رأسه متطلعا اليه ليكمل عادل بحدة مصطنعة ووجهه متجعد يشيح بيده

:اخلص يا جدع يلاا بقولك جعااان

ابتسم صالح هازا راسه بالموافقة تنفرج اسارير وجهه استجابة لمزاح صديقه  قبل ان يتعال صوته مناديا لاحد العاملين لديه والذى استغرق بعض الوقت قبل يلبى النداء يأتى مهرولا مجيبا اياه بلهاث ليسأله صالح بحدة

:ايه يا سيد بيه...كنت فين كل ده؟

اجابه سيد العامل سريعا

:كنت على اول الحارة بشوف اللمة اللى هناك دى ليه

صالح ساخرا وهو يتراجع فى جلسته باسترخاء لظهر مقعده

:حلو اوى.... وياترى جنابك عرفت بقى اللمة دى ليه

اقترب سيد يهتف بتأكيد ومعرفة

: اااه... دى البت بنت الست لبيبة  الله يرحمها الظاهر دخل فى رجليها حاجة وواقفة تعيط والحارة ملمومة هناك عليها

توترت الاجواء فور نطقه لتلك الكلمات يعتدل صالح فى جلسته بتوتر واضطراب جعل عادل يسرع برميه بنظرة محذرة استجاب لها على مضض وهو يتراجع فى مقعده مرة اخرى لكن هذه المرة بجسد متحفز قلق ليلتفت عادل الى العامل يسأله بصوت  اظهره عادى النبرات غير مهتم

:بت مين فيهم يا سيد اللى اتعورت..الكبيرة ولا الصغيرة

اسرع سيد يجيبه بحزم سعيدا باهتمامهم بمعرفة الاخبار منه

:البت الصغيرة...الظاهر جزمتها اتقطعت ودخل فى رجليها مسمار وواقفة هى و .....

قطع حديثه بغتة  يتطلع نحو صالح بدهشة واستغراب حين وجده ينهض فورا من مكانه يتجه الى الخارج مغادرا بخطوات سريعة متلهفة يعقبه عادل والذى اخده يناديه محاولا  ايقافه او اللحاق به ليهمس سيد بحيرة فور غيابهم

:غريبة دى هو ماله كده اتخض عليها زاى ما تكون من باقية اهله ولا تهمه فى حاجة...

ليكمل بعدها هازا راسه بتاكيد وحزم

: لاا بس هو كده  طول عمره.... جدع وبيخاف على غلابة الحارة... ربنا يديله على اد نيته وطيبته

*********

كان قد وصل  الى مكان تجمهر الاهالى فى اقل من دقيقتين ليتسمر مكانه  حين رأها تجلس فوق احدى المقاعد وهى تبكى متألمة تجاورها شقيقتها الباكية هى الاخرى لكن ما جعل الدماء تتأجج بثورة فى  شراينه وتثور معاها ثأئرته هو رؤيته لذلك الاحمق الجالس اسفل قدميها ممسك بها بين يديه انامله تتلمسها بتلك الطريقة  فلم يدرى بنفسه سوى هو يتحرك ويقوم بدفعه بقسوة  بعيدا عنها ليسقط انور بعدها جالسا ارضا بعنف يرفع وجهه بخشية ورعب نحوه حين هدر صوته به بغضب اعمى

:انت بتهبب ايه ياجدع انت...ابعد ايدك عنها

توتر انور يتطلع اليه قائلا بتلعثم واضطراب

:ابدا ياصالح باشا دانا...دانا كنت بطلع لها المسما...

انحنى عليه يهتف به بأستنكار غاضب وهو يكاد يفتك به لولا ذراع عادل والذى اسرع بالوقوف حائل بينهم يدفعه بعيد عنه بصعوبة

: بتعمل ايه؟!.... سمعنى كده تانى حلاوة صوتك...مسمار ايه اللى بطلعه فى وسط الشارع ده

اخذ عادل يدفعه الى الخلف بعيدا عن انور الساقط ارضا والمرتعب من رؤية صالح بكل هذا الغضب امامه تتعال همهمات المتابعين  للموقف من حولهم بفضول حتى نجح اخيرا عادل اخيرا فى ابعاده بعد ان همس بعدة كلمات مهدئة له لكنه التفت بعدها بوجهه الحانق وعينه التى تطلق الشرر ناحية تلك الجالسة تتابع ما يحدث بعيون متسعة بذهول لايخلو من  الانبهار وقد توقفت دموعها تماماً كانها لم تكن يسألها بحدة وخشونة 

: وانتى كمان ازاى تسبيه....

صمت عن اكمال كلمات كادت ان تفلت منه رغما عنه يضغط فوق اسنانه بحنق وقد وعى    للتجمهر من حولهم  يكمل بدلا عنها كلمات لم تكن اقل حدة او غضبا ينفث بها عن عما يعتمل بداخله

: مش تاخدى بالك انت كمان... ازاى المسمار ده دخل رجلك 

تبدل حالها فورا نطقه كلماته بنبرة الاتهام تلك تمحو فورا عنها حالة الانبهار وفرحتها برؤيتها له محتلا مكانها غضبها الشديد  كأن احدهم قد عبث بأزرار تحكمها تهتف به هى الاخرى  بصوت حانق  متشدد غير عابئة بمن حولهم

: انت بتزعقلى ليه؟! هو انا كنت قاصدة يعنى ولا كنت قاصدة ادخله فى رجلى علشان تزعقلى كده!

التفتت سماح شقيقتها حولهم تتطلع الى الجمع بتوتر قبل ان تنحنى عليها تنكزها خفية هامسة لها بحرج

: اتلمى يخربيتك...  انتى هتزعقيله وسط الحارة

لم تعيرها فرح اهتماما تنظر اليه بتحدى وقد التمعت عينيها بشدة تتطاير شرارت غضبها 

كالبرق فى سماء عاصفة نحوه وقد وقف مكانه يتطلع اليها كالمصعوق حتى تعال صوت سماح تهتف بنبرة معتذرة حرجة فى محاولة لتدارك الموقف

: معلش ياسى صالح... حقك عليا يا خويا.... هى بس بتهبل من الوجع اللى فيها...

التفت ببطء اليها بعيون شاردة مذهولة وهو يطبق على شفتيه حتى اصبحا كخط رفيع دليل على محاولته التحكم فى ذاته لكن حين اتت على ذكر المها نفض عنه حالة الذهول تلك موجها الحديث الى عادل وهو يشير ناحية المقعد قائلا بحزم

: شيل الكرسى قصادى من الناحية التانية... خلينا نوديها الصيدلية

اسرع عادل لتنفيذ ما قاله بينما هو يقترب منها من الناحية الاخرى لتتملل فى جلستها باضطراب حين شعرت به قريباً منها  وقد تسللت اليها رائحة عطره لتخطف نبضة من قلبها وتتسابق انفاسها ولكن لم يكن هذا بشيئ مقارنة بما اصابها حين  تقابلت نظراتهم وهو ينحنى نحوها يهمس لها بصوت خفيض للغاية فى اذنيها وصل اليها كرفرفة الفراشة فى رقته

: والله وكبرتى يا فرح...كبرتى وبقيتى تعرفى تردى و تاخدى حقك...

التفتت نحوه وعينيها متسعة ذهولا مما سمعته لكن فوجئت به تراه وقد عادت صفحة وجهه بيضاء خالية من التعبير كأنه لم يهمس لها بشيئ حتى ظنت انها تخيلت كلماته تلك لها وقد انحنى حاملا لمقعدها من ناحيته بوجهه متجمد بعد ان هتف بصوت امر  بالجمع الملتف حولهم بأن يذهب كلا الى طريقه ليسرعوا فى التلبية الا شخص واحد وقف ببطء  ينفض عن ملابسه الغبار العالق بها وعينيه تتابع ذهابهم وهى تطلق سهام غيرته نحوهم

************

: يخرب بيتك ويخرب بيت جنانك يافرح يابنت امى وابويا...

نطقت سماح بكلماتها الحانقة تلك موجهة اياها الى شقيقتها الجالسة فوق اريكة داخل شقتهم متواضعة الاثاث تمدد قدميها المصابة امامها وهى تزم شفتيها بحزن وندم لتكمل سماح غير عابئة بحالتها تلك

: انتى اكيد عقلك ساح... ولا ضرب منك... بقى مش كفاية اللى عملتيه فيه ادام الحارة.... لاااا رايحة تكملى عليه وعلينا فى الصيدلية كمان

صرخت فرح بطفولية بها

: مانتى عارفة انا بخاف من الحقن اد ايه... وهو مصمم يخلينى اخد الحقنة

سماح بصراخ هى الاخرى مستنكرة

: هو يا حبة عينى لصمم ولا ليه ذنب... دى الدكتورة اللى قالت كده... وهو خاف عليكى وخلاها تدهالك  بعد ما فضحتينا صويت زاى العيال الصغيرة وهو بيخرج من رجلك المسمار

ضمت فرح شفتيها معا بحزن هامسة

: زمانه بيقول عليا ايه دلوقت....وانا اللى كنت بتمنى اليوم اللى هيكلمنى فيه بعد ما كبرت كده وبقيت البت العاقلة

قاطعتها سماح تلوى شفتيها يمينا وشمالا قائلة

:بلا نيلة عليكى ياست العاقلة.. قولى ياختى زمانه مابيقولش عليكى ايه....قال وبتحبيه قال

زمت اكثر شفتيها حزناً  وقد ارتفعت غصة البكاء تخنقها من اثر حديث شقيقتها لكنها تجاهلتها تهمس متألمة بصوت مختنق حزين

:متفرقش كتير بقى.... هو كده ولا كده عمره ما هيشوف غير فرح العيلة الهبلة اللى كانت بتيجى مع امها علشان تخدم..يبقى ليه الزعل بقى

**********

تقدم بخطوات سريعة غاضبة الى داخل محل عمله ووجهه شديد الاحتقان يلاحقه عادل محاولا تهدئته قائلا بمهادنة

:براحة ياصالح محصلش حاجة لكل ده

التفت اليه سريعا قبل ان يتوجه الى مقعده يصرخ بغضب لم يعد يستطع احكام السيطرة عليه بعد الان

:محصلش حاجة؟ انت مش شوفت ابن ال****كان قاعد وماسك رجليها ازى و ....

لكن قاطعه عادل سريعا عن اكمال حديثه وهو يهتف مناديا لسيد العامل الواقف يتابع ما يحدث بفضول واهتمام شديد

:سيد ...روح هات القهوة بتاعتى انا وصالح من عند المعلم ابراهيم وتعال

تغضن وجه سيد امتعاضا لطلبه وعدم قدرته على معرفة الباقى من حديثهم قائلا برجاء

:طيب ما اعملها ليكم هنا يا استاذ عادل وبلاها مرواح للقهوة

تجمد وجه صالح يلتفت اليه ببطء قائلا بهدوء ماقبل العاصفة

:والله عال انت كمان هتشربنى على مزاجك ولا ايه ياسيد بيه

اخذ سيد بهز رأسه نافياً بخوف  يتلعثم بكلمات غير مفهومة قبل ان يسرع بالمغادرة بتلهف وخطوات سريعة حتى خرج تمام ليلتفت عادل ثانياً الى صالح هاتفا به باستنكار

:فى ايه ياجدع انت ماتهدى كده ..هتفرج علينا الخلق

جز صالح فوق اسنانه حنقا وعينيه تضيق بنظراتها يفح من بين انفاسه غضباً

:هو انا كده مش هادى ...دانا المفروض كنت جبته من قفاه وعرفته شغله ادام الحارة كلها ابن ال***ده

بقى الكلب قاعد تحت رجليها وبيلمسها ويقولى بطلع المسمار

خبط فوق المكتب الخشبى بكفيه       بقوة شديدة احدثت شرخ فى لوحه الزجاجى لكنه لم يعيره اهتماما يكمل بقسوة

: المسمار ده بقى انا اللى هحطه فى فى عينه ابن ال*** بعد ما اكون كسرت له ايده اللى اتجرأ ومدها عليها

صمت ينهج بعنف وصدره يرتفع وينخفض بسرعة عينيه تلتمع بشراسة ليسرع عادل فى محاولة تهدئته قائلا بهدوء ورفق

:خلااص طلعت اللى جواك ...حلو اووى اهدى بقى وبلاش فضايح ...صوتك هيلم الناس علينا

زفر صالح بقوة يغمض عينيه للحظات قبل ان  يلقى بجسده فوق المقعد قائلا بخفوت وقد عاوده بعضاً من تعقله

:غصب عنى يا عادل ...اول مرة احس بكده ...كأن ستارة حمرا ادام عنيا من ساعة ما شوفت المنظر ...سبحان من صبرنى انى امسك نفسى لحد ما اطمن عليها

ابتسم عادل يجلس هو الاخر قائلا بسخرية مرحة

:لاا كنت ماسك نفسك اووى ياض ...ده انت كنت هتخنق البت كذا مرة فى الصيدلية ...ده غير جنان اللى جابوك وانت عاوز تطلع على محل انور تدغدغه

هتف صالح بعتاب حانق

:يعنى هو انت سبتنى ...دانت لزقت فيا ولا اللزقة بغرا لحد ما جبتنى هنا ...عيل غتت صحيح

تهتف عادل مستنكراً

:متشكر يا رجولة ...لا كنت اسيبك تعمل اللى فى دماغك ...علشان الحارة كلها تسأل ليه وعلشان ايه وتبقى لبانة وحدوتة

تغيرت ملامح عادل للجدية  وهو يكمل قائلا بهدوء

:بجد يا صالح ...لازم تهدى شوية ...ومتنساش اننا فى حارة كلامها كتير ....وانت لسه مطلق من مفيش...ولا نسيت كلامنا قبل كده

سكنت ملامح صالح يرتفع الحزن داخل عينيه يزيح الغضب من طريقه وهو يهمس بصوت مرتعش اجش

:لاا متخفش مش ناسى ..يمكن بس النهاردة لما ردت عليا مشفتش فيها فرح العيلة بنت سبعتاشر اللى انا .....

اغمض عينيه يستنشق الهواء بقوة الى داخل صدره هو يتراجع الى ظهره مقعده صامتا لعدة لحظات احترمها عادل دون مقاطعة منه قبل ان يقول يكمل بألم وصوت جريح

:بس متخفش ياصاحبى ...وان كان زمان صعب .. فدلوقت بقى من المستحيل 



رواية ظلمها عشقا

الفصل الثاني  

بقلم ايمي نور 

.

.

وقفت الحاجة انصاف فى وسط مطبخها تتابع الاعداد لوليمة الغذاء المقامة استعدادا لحضور اهل خطيب وحيدتها ياسمين تلقى بعدة تعليمات للفتاة

 العاملة لديها بشأن الطعام ثم تحركت ناحية الطاولة فى جانب المطبخ والتى جلست

 خلفها كريمة زوجة مليجى العايق وقد انهمكت فى اعداد الخضروات المتراصة امامها لتجلس بجوارها وتقوم بالمساعدة قائلة بأرهاق

:شكلى هندم انى مسمعتش كلام البت ياسمين وجبت طباخ بدل البهدلة دى

رفعت كريمة وجهها تبتسم بشاشة قائلة

:ولا هتندمى ولا حاجة ...هو فى احلى من عمايل ايدك ونفسك فى الاكل برضه

تنهدت انصاف بحزن قائلة

:والله يا كريمة ماكان وقته ولا ليها لازمة بس هعمل ايه فى بنتى ودلعها

:ومالها بنتك بقى ياست ماما؟!

قالتها شابة فى اوائل العشرينات متوسطة الجمال بتدلل وقد وقفت امامهم تضع قناعا للوجه اخضر اللون وترتدى احدى القمصان البيتية زاهية اللون لتجيبها والدتها قائلة بحنق

:مدلعة ياعين امك ..ودماغك رايقة ..ومش على بالك حد غير نفسك

نظرت ياسمين باضطراب ناحية كريمة والتى تصنعت الانشعال بما ت

من اعمال قبل ان تتحدث قائلة بحرج وابتسامة مصطنعة

:ماما ياحبيبتى ..اظن اننا خلصنا كلام فى الموضوع ده من يومين ..فملهاش لازمة نفتحه تانى

انصاف بأستهجان وصوت حزين

:موضوع ايه اللى اتقفل؟!..بقى مين عاقل ياناس يقول اعمل عزومة وهيصة وانا ابنى لسه مطلق من شهر وقلبه لسه مكسور

ضربت ياسمين الارض بقدميها حنقاً تهتف وقد تناست وجود كريمة

:ومين قال برضه انى كمان مفرحش..المفروض ان خطوبتى كانت من شهر وحكمتوا عليا بعد اللى حصل ان البس الشبكة على الساكت..كمان مش عوزانى اعزم اهل خطيبى

لم تعير انصاف لغضبها ادنى اهتمام قائلة بعبوس واستهحان

: ماهو ده اللى كان ناقص..نعمل خطوبة كمان

صرخت ياسمين بغضب

:وانا مالى بكل ده ..ولا هو طلاقه ده هيجى على دماغى..بعدين هو موافق وقالى اعملى اللى انتى عوزاه

تنهدت انصاف بحزن تهمس

:هو طول عمره كده ياقلب امه ...حزنه وفرحه جواه محدس بيحس بيه

ثم التفتت الى ياسمين قائلة بعتب

:يبقى احنا نحس على دمنا ونراعى ده ..مش نعيط وندبدب فى الارض علشان يتعمل لينا اللى عوزينه ..ده خطيبك كان عنده دم عنك  ومكنش موافق يجى لا هو ولا اهله

لوحت ياسمين بيدها بلامبالاة تبتسم بسماجة

:وهو وافق فى الاخر  وجاى ..واللى عوزاه حصل ممكن بقى نقفل على الموضوع ده ..وتقولولى هتعملوا ليهم غدا ايه

هنا اسرعت كريمة تجيبها بأبتسامة بشوش تعدد لها اصناف الاطعمة المعدة لتصرخ ياسمين بعدها بأستهجان ورفض

:بس كده.. ايه ده..وده بقى اللى بتعملوه من الصبح

صرخت بها انصاف هى الاخرى تلقى بالسكين من يدها قائلة بحنق

:اه يا شملولة هو ده اللى بنعمله من الصبح مش عجبك شمرى ايدك واعملى معانا بدل مانتى واقفة تتأمرى علينا ..واندهى مرات اخوكى هى كمان تساعد معانا

ضغطت ياسمين فوق شفتيها قائلة بحرج مصطنع

:لا مش هينفع انا اصلى هاخد سمر ونروح نجيب كام حاجة من بره ...

صمتت قليلا مفكرة قبل ان تهتف بانتصار بعدها

:بس انا عرفت اجيبلكم مين يساعدكم ..ثوانى وراجعة

ثم خرجت سريعا من المطبخ لتزفر انصاف بقلة حيلة تدمدم من بين شفتيها بحنق جعل كريمة تبتسم لها قائلة بتسامح

:معلش يا ست انصاف.. صغيرة برضه ونفسها تفرح زى البنات

هزت انصاف رأسها بالموافقة ولكن كانت عينيها تنطق بالحزن والاسف على ما اصبحت عليه صغيرتها من انانية وحب الذات وقد ساعدت هى ووالدها فى هذا عندما  افراطهم  فى تدليلها حتى صارت لا تبالى بأحد سوى نفسها فقط

************

:مالك يابت قاعدة كده ليه وضاربة بوزك شبرين؟!

تسألت سماح وهى تتثائب خارجة من غرفتها حين وجدت فرح جالسة فوق الاريكة بالية الفرش بوجه مكفهر غاضب ينذر بهبوب عاصفة لتجيبها قائلة بحدة

:البيه خالك كلمنى من شوية وعوزنى اروح بيت الحاج منصور

قطعت سماح تثائبها الثانى تهتف بحدةوقد اتسعت عينيها ذهولاً

:نعم ..تروحى فين..وليه

صرخت فرح بغيظ وعينيها تشتعل غضباً

:هيكون ليه يا فالحة يعنى..

ضاقت عينى سماح تضغط فوق اسنانها حنقاً

:هو هيشتغلنا تانى ولا ايه..مش كنا خلصنا منه موضوع الخدمة فى بيوت الحارة ده

تنهدت فرح بحزن قائلة

:خلصنا ايه ..واللى بتعمله مرات خالك من يوم موت امك ده يبقى اسمه ايه يافالحة

زفرت سماح لا تجد ما تجيبها به تسألها بتوتر

:طب وانتى رديتى عليه بأيه؟

اسرعت فرح تجيبها بحنق وحدة

:قلت لا طبعا...وزعقت معاه كمان فى التليفون

سماح بأضطراب وقلق

:ليه يافرح ...كنتى روحتى وخلاص ..اهو دلوقت هيجى يطلع عنينا

صرخت فرح مستنكرة

:بتقولى ايه انتى كمان ...اروح فين ...ها اروح فين ياسماح

اقتربت سماح منها تجلس بجوارها قائلة بأسف وحزن

:عارفة ياقلب اختك ...بس هنعمل ايه ده حكم القوى علينا ..اهو دلوقت يجى يفتح صوته ويلم الشارع علينا ويفضحنا

فرح وهى تلقى بهاتفها من يدها بجوارها قائلة بحدة

:يعمل اللى يعمله ..انا مش رايحة فى حتة..طب زمان كنت بعمل كده وبروح مع امك بس كنت عيلة وبفرح لما بروح هناك ..انما دلوقت كبرت ومبقاش ينفع.. ومن يوم اللى حصل رجلى مخطتش هناك حتى لو مع امك يبقى اروح تا ...

قطعت حديثها بغتة حين تعالت طرقات عنيفة فوق الباب الخارجى يعقبها صوت رجولى اجش يهتف بغضب

:افتحى الباب يابت منك ليها ..افتحوا لكسره على دماغكم يا ولاد ال****

لطمت سماح وجنتيها تهمس برعب وهلع

:مش قلتلك..اهو جه وجايب فضايحه معاه

لم تعير فرح صرخاته اهتماماً تجلس مكانها هادئة بينما اسرعت سماح ناحية الباب تفتحه سريعاً ليدلف مليجى بجسده الضخم وملابسه ذات الالوان الصارخة مكفهر الوجه غضباً وهو يوجه الحديث لفرح قائلا بخشونة

:مابتفتحيش الباب ليه يابت انتى...انا مش واقف بخبط من بدرى

اجابته فرح  ببرود قائلة

:وافتح ليه؟ما انت معاك مفتاح ..ولا مكسل تطلعه وتفتح زى ما انت مكسل تعمل حاجات تانية كتير فى دنيتك

احتقن وجهه بشدة وهو يندفع نحوها صارخاً بشراسة

:تقصدى ايه يابنت ال *** انتى

اسرعت سماح بأمساكه من ذراعه توقفه بصعوبة قائلة بهلع تحاول تهدئته

:متقصدش ياخالى ..والله ماتقصد حاجة

سأل مليجى فرح بحدة وغضب متجاهلا محاولات سماح ايقافه

:وايه حكاية مش رايحة دى ياعين امك... انت تقومى تلبسى حالا وعلى بيت الحاج منصور..ومشفوش وشك تانى الا مع مرات خالك فاهمة ولا لا ..قومى فزى يلا

وقفت فرح على قدميها قائلة بتحدى

:مش رايحة فى حتة..واظن ده اللى قلتهولك فى التليفون

هم مليجى بالانقضاض عليها مرة اخرى لتسرع سماح قائلة بتوتر ورجاء

:معلش ياخالى ..اصل رجليها دخل فيها مسمار ومش هتعرف تمشى عليها... انا بقول يعنى لو اروح انا مكانها

التف اليها مليجى يهتف بعند واصرار

:لا ياحيلة امك..انا قلت هى يبقى هى وكلامى هو اللى هيمشى

صرخت فرح بحرقة رافضة

: وانا قلت مش رايحة يعنى مش رايحة ...ايه انت ما بتفهمش

انقلب حال مليجى فورا يحتقن وجهه غضباً وقد انتفخت عضلات صدره كأنه يستعد لمعركة حامية يدفع سماح للخلف بعنف لتسقط ارضاً صارخة بألم وبينما يتجه هو فوراً ناحية فرح يجذبها من خصلات شعرها بقوة حتى كاد ان يقتلعها بين اصابعه ثم يهوى فوق وجنتها بلطمة عنيفة جعلتها ترى ضوء ساطعاً اغشاها للحظة تصرخ متألمة وهو يقوم بهز رأسها بعنف قائلا بشراسة وقسوة

:لسانك بقى طويل يابنت ال*** وبقيت عنيكى قوية عليا...وحشتك علق زمان ولا ايه؟

رماها ارضا بقسوة صارخاً

:ورحمة امك يافرح ..ان كلامى ماتسمع لكون عامل الليلة عليكى وعلى المحروسة اختك حفلة ضرب للصبح..ومفيش مانع لما مرات خالك وعيالها ينوبهم من الحب جانب هما كمان

التمعت عينيه وهو يبتسم بشراسة ثم يضع حذائه فوق قدمها المصابة يدعسها بعنف يكمل دون شفقة بدموعها وصرخاتها المتألمة

:شكلى بقالى كتير ماروقتش عليكم ونسيتوا مين هو مليجى العايق ياغجر

اندفعت سماح نحوه تدفعه بعيدا عنها وهى تصرخ برعب وتذلل

:خلاص هتروح ...ابعد بقى عنها ..ابعد يا مفترى

ثم جلست جوارها تحتضنها بين ذراعيها بحماية ليبتعد عنهما باصقاً عليهم بأشمئزاز قبل ان يغادر يغلق  خلفه الباب بعنف ارتجت له جدران المنزل فتصرخ فرح بعد خروجه باكية بحرقة

:روح ربنا ياخدك يا بعيد ونرتاح منك

اخذت سماح تهمس لها بحنان كلمات مواسية بينما انهارت هى باكية بدموع القهر تهمهم بكسرة

:امتى بقى نرتاح منه ...هو احنا عملنا ايه علشان ربنا يعقبنا كده ياسماح؟

اخذت تكرر كلماتها تلك تنهار باكية تشاركها سماح هى الاخرى البكاء حزناً على مصيرهم الاسود وما يعانوه بسبب ذلك الوحش وافعاله السوداء

*************

كان يجلس امام محله الخاص بيع قطع غيار السيارات مراقباً حركة نساء الحارة المارة لا يترك امرأة تمر من امامه دون ان تلتهمها عينيه بشهوة وفجور حتى لمح مليجى يسير مسرعاً وهو يدمدم لنفسه بعضب ليناديه عالياً فينتبه مليجى اليه تتبدل ملامحه فوراً للفرحة وهو يسرع فى اتجاهه بتلهف حتى وقف امامه يلقى بتحية خانعة قائلا

:مرحب يابرنس الحارة ...امرنى اى خدمة

ابتسم انور غروراً وزهواً من كلماته قائلا

:عوزك تبقى تعدى عليا بعد المغرب كده ..فى مصلحة وعوزك فيها

تهلل وجه مليجى بفرحة يفرك كفيه معا قائلا

:تحت امرك يا برنس ..بس ايه مفيش تحية حلوة منك كده زاى بتاعت امبارح

هز انور رأسه بالايجاب غامزاً بعينه بخبث وهو يمد يده داخل جيبه يخرج منه لفافة صغيرة مغلفة يمدها نحوه قائلا

:فيه يا مليجى ..واحلى من بتاعت امبارح كمان

خطفها مليجى من يده بتلهف وهو يقبل كفه قائلا بتذلل

:تسلملى يابرنس الحارة كلها ...والله مانا عارف اقولك ايه على كرمك ده كله معايا

ابتسم انور وهو يتراجع فى مقعده قائلا ببطء وصوت مغرى يعد بالكثير

:ولسه يا عايق ..دانا هغرقك وهيبقى كل يوم من ده ..بس توافقنى على اللى عوزه منك

اسرع مليجى يجيبه بتأكيد وحزم

:موافق على كل اللى تأمر بيه دانا خدامك يا برنس

انتفخ انور زهواً زفراً ببطء وراحة وعينه يلتمع بداخلها بريق النصر وفقد اصبح قاب قوسين من هاجس اصبح يسرق منه النوم فى لياليه وجعله يتلظى بنيران شوقه ولهفته بسببه

************

تسمرت قدميه عند مدخل منزلهم لحظة رؤيته لها يراها تصعد درجات الدرج ببطء يصله تمتمتها الخافتة بكلمات سريعة لكنه علم منها بمدى غضبها وحنقها  مما جعله يبتسم وهو يتقدم نحوها بخطوات هادئة حتى اصبح يجاورها تماما يسألها بصوت متهكم ساخر

:يااساتر كله ده...مكنتش اعرف ان زيارتك لينا مضيقاكى اوى كده

شهقت متفاجئة حين وصلها صوته تتراجع الى الخلف دون حذر حتى كادت ان تسقط من فوق تلك الدرجتين لولا ان اسرع نحوها يقوم بالامساك بها سريعا يجذبها اليه بتلهف يقربها منه بحماية لتتسلل اليها رائحة عطره الرجولى فتغمض عينيها مستمتعة وهى تتشربها داخل صدرها لتنسيها العالم وأين ومن هى حتى.. تقف مرتجفة بين ذراعيه فى عالمها الحالم به وبقربه حتى أتاها صوته القلق يناديها ليسحبها الى واقعها مرة اخرى تشعر به كدلو ماء يلقى فوقها ينبها الى حالها فتسرع بالابتعاد تجذب نفسها بعنف بعيد عنه بحركة عنيفة كانت لعينيه كأتهام منها له باستغلال الوضع لبيتعد عنها هو الاخر قائلا بحدة وخشونة يكمل حديثه السابق كما لو كان لا شيئ قد حدث:

:ومدام مضايقة كده ...تعبتى نفسك وجاية ليه من الاساس

شعرت بحرارة الحرج تكتنفها من طريقته الحادة معها لتسرع قائلة هى الاخرى بحدة ودون تفكير

:مكنتش جاية على فكرة ..بس امك هى اللى بعتت مع خالى علشان.....

تراجع صالح يستند الى الحائط خلفه مبتسما ببطء وعينيه ترمقها بنظرة ساخرة قائلا

:امك ! هى بقى اسمها امك؟! مش المفروض كبرتى وبقيتى تعرفى تتكلمى ازى

ازداد توترها وحرجها تدرك بأنها تستحق منه سخريته هذه ردا على سخافة ردها عليه لذا فضلت الصمت والصعود هرباً منه ومن هذا الحديث الحرج معه فتسرع بصعود الدرج بأضطراب وتعجل غافلة عن اصابة قدميها  لكن ما ان وطأت قدمها فوق الدرج  حتى شهقت بقوة وهى تنحنى عليها تمسك بها  تعض فوق شفتيها بألم تلعن خالها داخل عقلها وما تسبب به من زيادة الالام لقدمها لكنها اسرعت باظهار التماسك والثبات على ملامحها حين سألها صالح بقلق ولهفة وهو ينحنى نحو قدمها هو الاخر 

:هى لسه رجلك وجعاكى .... هو العلاج معملش نتيجه ولاايه؟!

ابعدت فرح قدمها عن مرمى يده  تعتدل واقفة تجيبه بأرتباك وهى تتراجع بعيد عنه

:لااا...هى بقت كويسة خلاص ممكن بقى لو سمحت تتفضل تطلع انت انا مش عاوزة اعطلك

اعتدل صالح ببطء بوجه هادئ غير مقروء التعبير لكن نظرات عينه كانت بعيدة عن الهدوء اميال  جعلتها تزدرء لعابها متوترة تشعر كأنها تحت المجهر وهو يتحدث بهدوء متهكم

: ما انا كنت طالع بس قلت اخلينى وراكى  اسندك احسن ما تندلقى من على السلم زى زمان ..

هنا وشعرت بأن قدرتها على تحمل تهكمه الدائم عليها  تكاد ان تنهار  وقد ارتفعت غصة البكاء تكاد تخنقها  ودموعها تنتظر منها السماح حتى تنفجر من عينيها وهى تدرك مقصده وحين اراد تذكيرها بمرات سقوطها المتعددة حين كانت تلهو فوق درابزين الدرج هنا مع شقيقته فى صغرها  وهرولته نحوها  مهدئا لها بكلمات حنون رقيقة تنسيها الالم وهو يداوى جروحها فى كل مرة لكن الان وبعد ان  انتهت هذه الايام  اسرعت تجيبه بغضب اصبح سلاحها المعتاد امام هجومه الدائم عليها فى كل مرة يراها فيها قائلة

:لااا شكرا ..مش محتاجة حد يسندنى ..انا مبقتش صغيرة علشان اقع من على السلم تانى

تراجع صالح متفحصا لها بدقة تعالت معها دقات قلبها كقرع الطبول تقف مكانها ثابتة وهو يرمقها بنظراته تلك ثم فجأة تعلو عينيه نظرة ساخرة قائلا لها ببطء وتهكم

:لااا ماهو واضح ياست فرح ....ياكبيرة

قالها ثم استدار فورا يصعد الدرج سريعا تاركاً اياها خلفه تلعن نفسها الف مرة على غباء قلبها الاحمق وحضورها الى هنا مرة اخرى حتى ولو كانت تحت ضغط من خالها  تهمس  لنفسها ضاغطة فوق شفتيها بحنق

:عجبك كده ياختى...اهو رجعنا تانى لقديمه علشان يتريق عليكى بلسانه اللى عاوز...

قطعت كلمتها زافرة بقوة تمنع نفسها عن اتمام جملتها ثم تكمل بعدها بندم

:لا بلاش ميهنش عليا برضه ده مهما كان صالح  ... قال وانا اللى بقول لنفسى كبرتى يابت يافرح وبقى ليكى هيبة ادامه ..بلا نيلة عليكى على رأئى اختك سماح

اخذت تدمدم  لنفسها  بكلمات غير مترابطة حانقة  وهى تصعد الردج ببطء حتى وصلت اخيرا الى الباب الخاص بشقة والديه تصمت فجأة شاهقة بصدمة حين وجدته يقف امام الباب مستندا فوق الحائط المجاور له عاقدا ذراعيه فوق صدره  وهو يرمقها بنظرة كسولة تعدل  فورا بقامتها ترسم فوق ملامحها الجدية قائلة وهى تشير ناحية جرس الباب المجاور لرأسه

:ممكن لو سمحت ترن جرس الباب

هز كتفه بلا مبالاة يشير برأسه ناحية الجرس العالى نسبياً عليها يحدثها بنبرة صوته العميقة الاجشة وقد تسللت داخلها تذيبها وتذيب قلبها عشقاً رغم التهكم بها وهو يهز كتفه بلا مبالاة قائلا

:رنيه انتى ..اظن انك كبرتى وتعرفى ترنيه لوحدك ولا ايه؟

اتبع حديثه بالتحرك للجانب لكنه لم يغير من وضعية وقوفه فتقدمت بخطوات مرتعشة تصعد الدرجات المتبقية تقف امامه وعينيها تدور بينه وبين الجرس القريب منه  بتوجس وخشية ثم تنفس بعمق وهى تتقدم من مكان وقوفه ببطء تتطلع فى عيونه برهبة قابلها هو بأبتسامة ساخرة اصبحت ضحكة عالية صاخبة تردد صداها فى المكان حين انتفضت تلتف حول نفسها  تهرول هاربة وهى تهتف بتلعثم و أضطراب

:مش عاوزة ..انا هروح بيتنا .. ابقى ..قول لامك ..انى ...

لم تكمل حديثها بل اسرعت تهبط درجات السلم  تتعثر فى خطواتها يطاردها صوت ضحكته وقد تردد صداها ليس فى المكان فقط بل داخل قلبها ايضا فتتسارع ضرباته كأنها على وشك الاصابة بنوبة قلبية ولكن هذه المرة ليس من تأثير  جاذبيتها عليها بل حرجاً واستحياء من حمقها ولكن ماذا هى بفاعلة فليس بيدها حيلة فامامه دائما تصبح طفلة حمقاء 

متسرعة تسبقها افعالها قبل تفكيرها


                   الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا 


تعليقات



<>