CMP: AIE: رواية عشقت اسيرتي الفصل الثالث 3 بقلم رولا هاني
أخر الاخبار

رواية عشقت اسيرتي الفصل الثالث 3 بقلم رولا هاني

       

رواية عشقت اسيرتي 
 
الفصل الثالث

بقلم رولا هاني 

الإرهاق يسيطر عليها، ملابسها غير مهندمة، مظهرها بلا بريق كالمعتاد، شعور الجوع يراودها بلا رحمة، نعم فقد مر عليها يومان وهي في ذلك السجن الانفرادي، يومان لم ترى فيهما أحدًا ولا حتى ضوء يمحو ذلك الظلام المرعب، لو كان حتى بين أيديها أي شيء حاد لكانت أنهت حياتها بمنتهى السرعة، فالموت لديها أفضل من العيش في ذلك الذل والهوان!

شعرت فجأة بذلك الباب الذي كان ينفتح ليقتحم الضوء المكان، فوضعت "ليساء" ظهر كفها على وجهها بانزعاجٍ، وعندما دققت النظر قليلًا وجدته أمامها، ذلك المتعجرف، ذلك الظالم، ذلك القاتل!

وجدته يجثو على ركبتيه ليحل وثاقها هاتفًا بتكبره المعهود:

- أتمنى أن تعلمين ما معنى أن ينحني الملك لأسيرته هكذا.

ثم تابع بهدوء وهو يتطلع لعينيها التي ترمقه بشراسة متوقعة:

- كُنا ملوك كبعضنا البعض، لذا أنا أقدر مشاعرك وأفعل ذلك.

نظرت له بتهكمٍ قبل أن تهتف باحتقارٍ:

-لا تصطنع حسن الخلق وأنتَ لا تعرف له سبل.

عبست ملامحه قليلًا قبل أن يرمقها بروية قائلًا:

- ماذا؟... أتريدين يومين آخرين بلا طعام؟

ردت عليه بلا اكتراث وهي تنظر للجهة الأخرى بشموخٍ:

- لا أهتم.

زفر بنفاد صبر ليهب واقفًا، وهو يصرخ بانفعالٍ:

-لم أعد أحتمل تلك الغطرسة أيتها الحمقاء، أنا هنا الملك وأنتِ أسيرة ذليلة لي أنا.

وبمنتهى الغل ركلت ساقه بعنفٍ ليتعثر في وقفته، ثم وقع علي الأرضية الصلبة بصورة مُهينة، بينما هي ترد عليه بغرورٍ:

- لا يوجد ملوك لمملكة أبي سوى أنا... الملكة "ليساء".

ثم نهضت لينهض هو معها، وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة خارت قواها لتقع على الأرضية الصلبة مجددًا فاقدة الوعي، فاختفى هو غضبه ليرمقها ببعض من القلق قائلًا:

- "ليساء".

إستطاع خلال تلك اللحظة إستيعاب فقدانها للوعي، ثم قال بتأففٍ:

-تلك العنيدة لن تتقبل الأمر الواقع بسهولة. 
________________________________

 -يكفيها بكاء رأسي آلمتني من فرط الصخب.

قالتها تلك الخادمة لترد عليها صديقتها قائلة بحزنٍ:

- حالتها تصيب المرء بالقهر، طوال الصباح والمساء لا تنبس بكلمة سوى "يافث".

ابتسمت تلك الخادمة لتشاكسها قائلة بمزاحٍ:

- أذكرتك بزوجك الذي تركتيه لمدة شهر لأجل الخدمة هنا، وعُدتي لتجديه يتراقص مع فتيات الليل وأنتِ تظنيه يبكي شوقًا؟

نظرت لها صديقتها بغيظٍ قبل أن تهتف بحسرة:

- حظوظ.

بينما "وِد"- تلك المسكينة التي سلبوا منها روحها عنوة- تنظف المطبخ رغمًا عنها وهي تبكي هامسة باسمه بلا توقف، كانت دائمًا ما تتذكر صورته وهو يبتسم لها، يضع له زهرة من زهوره اللطيفة بين خصلاتها، يتغزل بها بكلمات لطيفة وبلا توقف وبلا ملل، وكأنه أصابها حالة ما من الهوس!... أمِن الممكن أن تتدهور حالة المرء هكذا عند فقدان الحبيب!؟... ولكن "يافث" لم يكن كأي حبيب، "يافث" كان لها كل الناس، كان لها الأب في دفئه، والأم في حنانها، والأخ في أمانه، والصديق في خوفه عليها مِن إصابتها بأي مكروه، كان يعشقها بصورة جنونية كانت تجعلها ترى نفسها أغلى الناس بالعالم، نعم فقد كان عشقه المصدر الوحيد الذي يجعلها تثق في نفسها، كان عشقه المصدر الوحيد الذي يجعلها تسهر الليالي لأجله، كان عشقه الوحيد الذي جعل قلبها يخفق بصورة هستيرية، أهل فقدان كل ذلك مِن السهل مروره مرور الكرام علي المرء؟... بالتأكيد لا.
_____________________________________
باليوم التالي.

ارتدت ذلك الثوب بمنتهى الطاعة المثيرة للشك، ثم نظرت للمرآة وعلى وجهها ابتسامة جانبية خبيثة توتر المرء، تنهدت بعمقٍ قبل أن تنظر لصورة الملك "سفيان" التي كانت مرسومة بإتقان لتُعلق علي الحائط، ثم همست بمكرٍ وابتسامتها تتسع:

- كل شيء سيعود لي.

خرجت "ليساء" من غرفتها بثوب الخادمات ذلك، ثم اتجهت للمطبخ قائلة بنبرة غير صارمة مما جعل الجميع يتعجب، من يراها لا يصدق أبدًا إن تلك هي الفتاة العنيدة التي أتت للقصر منذ عدة أيام:

-ما الذي سأفعله اليوم؟

ردت عليها " عيناء " إحدى الخادمات قائلة:

- اذهبي بهذا الفطور لمولاي.

التقطت "ليساء" الصينية منها، ثم تحركت بخطواتها السريعة، وتلك الابتسامة لا تفارق وجهها لتهمس وقتها " عيناء " بتوترٍ:

- لست متفائلة!
________________________________
كان يقف أمام النافذة الزجاجية يتأمل السماء وجمالها، وفجأة انتبه لتلك النبرة الساحرة وهي تقول:

- مولاي.

عقد حاجبيه بدهشة ليستدير سريعًا وهو ينظر لها بصدمة، أتلك "ليساء"!؟... تلك الفتاة العنيدة المتمردة تأتي له الآن لتعطيه الطعام بملابس الخادمات وبمنتهى الطاعة!

اقترب منها بخطواته المتمهلة ليستمع لها وهي تهتف قائلة:

-أين أضع صينية الطعام؟

اقترب منها أكثر ليهتف باستهزاء:

-أتعتقدين إنني لا أعرف بخداعك الآن؟

ارتسم علي ثغرها ابتسامة جانبية ماكرة قبل أن تهتف بدهاء:

- مولاي "سفيان" أنا فقط أحاول تقبل الواقع.

تقدمت بخطواتها أكثر لتضع صينية الطعام على تلك الطاولة التي كانت خلفه، ثم استدارت لتجده يقف قبالتها وعلى وجهه تعابير مستفهمة، لذا اقتربت منه قائلة بخنوعٍ:

لا تندهش كثيرًا مولاي، أنا سأعتاد بسهولة، وكل ما ستجده مني هنا هو الطاعة، وبالتأكيد ذلك لن يكون بالمجان.

عقد حاجبيه باستغرابٍ قبل أن يستفسر بفضولٍ:

- ما الذي تقصديه!؟

ردت عليه بثباتٍ وهي ترمقه بثقة أثارت شكوكه:

- ستفهم بالمستقبل.

ثم تقدمت ناحية باب الغرفة وقبل أن تخرج هتفت بنبرتها التي كانت تجعلها رقيقة عمدًا:

- لا تنسى إنهاء طعامك مولاي.
_________________________________
بالمساء.

- أعلم الكثير والكثير عن مهاراتك العسكرية، استمع لي يا "يافث"، يمكنك نسيان مملكتك القديمة لتكن هنا في مملكتي بنفس الوظيفة، وذلك لأجل إتقانك لعملك.

قالها الملك "سفيان" بنبرته الصارمة المعهودة وهو ينظر في عيني "يافث" مباشرةً، ليتابع بعدها بنبرة شبه تهديدية:

- وإلا تكن مع الأسرى.

أطرق "يافث" رأسه بحيرة، هو لا يريد خيانة سيده "يزن"، ولا حتى يعلم ما الذي يدور بذهن "ليساء"، بالتأكيد هي لم تستسلم كما قال الكل، بالتأكيد هناك شيء آخر خفي، لذا وبعد عدة لحظات هتف هو بأسفٍ بعدما وجد سبب مقنع لرفضه:

- لا أستطيع مولاي "سفيان"، إصابتي الأخيرة لن تسمح لي باستكمال عملي قبل خمسة أشهر علي الأقل.

ابتسم الملك "سفيان" ليرد عليه بتلك الجملة التي جعلته يقع في مأزق لن يستطيع الخروج منه:

- حسنًا في كل الأحوال أنتَ موافق.

جحظت عيناه وكاد أن يرفض بلا تردد، ولكنه لم يستطع بسبب "سفيان" الذي جذبه ناحيته ليحتضنه بقوة توضح تهنئته له وهو يهمس قائلًا:

- أتمنى أن تقدر حرصي على عدم خسارة شخص ماهر مثلك.

وبعد نقاشات عديدة في الأمور العسكرية، والتي اندمج فيها "يافث" رغمًا عنه خشية مِن عقاب "سفيان"، خرج هو من الغرفة زافرًا براحة هامسًا بحيرة:

-تُرى أين أنتِ يا "وِد"؟
___________________________
باليوم التالي.

- لمَ لم ترتدين ثوبك الخاص بالخادمات!؟

قالتها " عيناء " وهي ترمقها ببعض من الغيظ، فردت عليها "ليساء" ببساطة لتجعل حالتها تلك تتفاقم:

- لأنني أردت ذلك.

ثم خرجت "ليساء" من المطبخ متجاهلة إياها، لتتابع ذلك الشخص الذي كان يصعد للأعلى حيث غرفة الملك بابتسامة واسعة سعيدة، تُرى ما الذي تخطط له!؟
_________________________
-يا حزني ويا قهري علي شوقي لعيني حبيبي، عيناه التي كانت دواء ضد النوم، عيناه التي كانت تنير لي اليوم!

كتبت "وِد" تلك الكلمات علي تلك الورقة قبل أن تطويها على شكل طائرة لترميها من النافذة، ثم جلست على الأرضية الباردة لتحاول التفكير في حلٍّ سليمٍ لتكن بجانب معشوقها الوحيد، الأمر يتعقد ويصبح أكثر صعوبة، هي حَقًّا أصبحت في حالة غير طبيعية، هي حتى لم تنتبه ل "ليساء" التي بدأت في العمل كخادمة بالقصر، هي لا تنتبه لأي شيء سوى لذكرياتها معه ولشوقها له.
_______________________________
بالمساء.

- أيريد مولاي أي شيء!؟

قالتها "ليساء" بابتسامتها الساحرة وهي تدلف للغرفة بلا استئذان، فنظر هو له بدهشة شديدة قبل أن يوبخها بغضبٍ:

- كيف تدلفين هكذا بلا استئذان!؟

ردت عليه ببرائتها الزائفة وهي تقترب منه بخطواتها المتئدة:

- الباب كان مفتوح مولاي.

اقتربت منه أكثر لتنظر له برماديتيها التي كانت كالقطط الشرسة، ثم قالت بنبرتها اللعوب:

- كنت أتساءل إن كان مولاي يحتاج أي شيء.

وقبل أن يرد عليها مالت هي بجسدها عليه فاقدة الوعي، فرفع هو حاجبيه بصدمة وهو يلتقطها بين يديه بحذرٍ، ثم صاح بارتباكٍ:

-"ليساء"!؟... "ليساء" هل أنتِ بخير!؟

لم يجد منها أي استجابة، فصرخ بنبرة هزت أرجاء المكان:

- أحضروا الطبيب.
__________________________
بعد مرور عشر دقائق.

جعلها الطبيب "هارون" تستفيق، ثم فحصها ليقول بعدها بأسفٍ وهو يطرق رأسه بأسى:

- "ليساء" مصابة بمرضٍ خطيرٍ ونادرٍ سيدي، سيتوجب علينا إزالة الرحم في أي وقت خلال عام، إن مر عام دون إزالة الرحم سيكون هنا خطورة على حياتها.

انفجرت في البكاء الهستيري وجسدها يرتجف بعنفٍ، لتصرخ بعدها بتلعثمٍ:

- ما الذي تقوله... أ... أيه... أيها الأحمق، لن أستطيع... أن أكن أم... كيف!؟

التفت لها الطبيب "هارون" بتعجبٍ ليرمقها بروية، بينما هي تتابع انتحابها متجاهلة إياه، لينظر هو أمامه مجددًا هامسًا بنبرة خافتة وهو يوجه حديثه ل "سفيان":

- لديها فرصة خلال ذلك العام فقط.

ثم تابع بنبرة رسمية قبل أن يخرج:

- سأعطي الخادمة " عيناء " ورقة بها كل الأدوية التي ستحتاجها.

أومأ له "سفيان" الذي ألجمته الصدمة لتجعله غير قادر حتى على نبس كلمة واحدة، بينما الطبيب يخرج من الغرفة.

كانت تبكي بلا توقف وهي تهذي بعدة كلمات غير مفهومة، فاقترب هو منها ليجلس بجانبها علي الفراش قائلًا بحنوٍّ ليكن في مؤازرتها في تلك المصيبة:

- حسنًا اهدئي سنجد حلول لذلك الأمر.

ردت عليه بنبرتها الباكية من وسط شهقاتها المتتالية:

- لن أكون أم، لن أستمع لكلمة ماما، فقدت المملكة وفقدت الأمومة.

ثم تابعت صارخة بانهيارٍ وهي تضرب بكلا كفيها علي الغطاء الذي كان بجانبها:

- سأقتل نفسي لم يعد لي فائدة.

هز رأسه رافضًا ليهتف بعدها بإقناعٍ:

- لا تقلقي لديكي فرصة أخرى.

نظرت له من وسط دموعها بذهولٍ هاتفة بتسائلٍ :

-كيف؟

رد عليها بلا تردد :

-سأسمح لكِ بالزواج من أي رجل.

ردت عليه بِاهْتِيَاجٍ شنيعٍ وهي تضرب صدره بقبضتها بمنتهى الجراءة:

- لن أتزوج رجل عادي، أنا الملكة "ليساء".

وفجأة هبت واقفة لتركض ناحية صحن الفواكه لتلتقط منه ذلك السكين الصغير صارخة باحتدامٍ:

-سأقتل نفسي والسبب أنتَ.

أصابه الوجل ليصرخ بعدها بلا وعي هو يهز رأسه رافضًا لما تنوي فعله:

- لا... لا سأتزوجك أنا لا تقلقي.




                     الفصل الرابع من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-