CMP: AIE: رواية جحر الشيطان الفصل العشرون20بقلم ندي ممدوح
أخر الاخبار

رواية جحر الشيطان الفصل العشرون20بقلم ندي ممدوح


رواية جحر الشيطان 
الفصل العشرون20
بقلم ندي ممدوح

" الشوق لرؤياكِ جعلني أرَ طيفكِ في كل الوجوه يا أميرة القلب "

_يا ابنتي ماذا اخبرك؟... انتظري قليلًا دقائق وسنلتقي، لقد نلت ضربًا مبرحًا يا فتاة من اغبياء... 
قالها جان متحدثًا في الهاتف اثناء خروجه من المطار، يجر حقيبته خلفه، غير عابئ بالمارة حوله، وحين خروجه من باب المطر صاحت ناردين في لهفة وهي تنطلق إلى حضنه: 
- جان اشتقت لك يا هذا 
ضمها بقوة حتى ارتفعت قدميها عن الأرض وهو يغمغم  : 
- وانا ايضا اشتقت إليكِ كثيرًا. 
أبعدها بعد لحظات، محاوطًا وجهها بين كفيه هامسًا  : 
- كيف حالك؟ أنتِ بخير؟ 
اومات دون رد واراحت رأسها على صدره تضمه بذراعيها بأعيُن تترقرق بها الدموع، استقرا في السيارة التي انسابت في الطريق تتهادى، كفها في راحته مستكين في حين سئلت  : 
- من الذي ابرحك ضربًا؟ ولماذا؟! 
تنهد بقوة وشرد، شرد في حمزة الذي كاد يسجنه لولا تلك المرأة التي جعلته يتركه بكلمة واحدة، إمرأة لن ينساها ابد الدهر. 
مُحاطة بهيبة تجعل اعتى الرجال يهابها، رغم كُبر عمرها، و تجعيد وجهها وزبول ملامحها، صلابتها وقوة صوتها، كيف ينساها؟ 
وهو ألتمس بها شيئا جميل، يذكر كيف جلست إلى جانبه مبتسمة وهي تستجوبة بصلابة بمسحة من رأفة، وحين تأكدت من صدقه راحت تضمد جراحة بكل تأني واهتمت به، فهل ينساها؟ 
انفض رأسه ليدحر التفكير عنه، وابتسم مجيبًا  : 
- لا شيء لا تهتمي، مجرد حادث من شاب أرعن. 
ضيقت عينيها ولم تعقب بل أسندت رأسها على كتفه في راحة متنعمة في هذا الدفء الذي افتقدته. 
ترجلا من السيارة فسبقته ناردين نحو البناية لكنها توقفت فجأة لتخطف نظرة للخلف فرأته يتحدث في الهاتف فغمغمت بضيق بيَّن  : 
- وهذا وقته هاته وتحدث في الأعلى، هيا. 
أشار لها بكفه أن تُمهل، فمطت شفتيها في حنق وما كادت تخطو خطوة واحدة حتى ابتسم لها مقبلًا نحوها، وفي سرعة البرق كانت سيارة تصطدم جسدها في تعمد،  وفي لحظة كان جسدها يتطاير للأعلى قبل ان يرتطم على االأرض في بركةً من الدماء حولها. 
هُنا تجمدت ملامحه وتصنم جسده، كانت عيناه فقط تُلاحق جسدها الذي تطاير حتى استقر أرضًا، فرفرف بأهدابه عدت مرات يحاول ان يصدق ما رأى. 
تُرى هل حلم؟ 
ام إنه واقع عليه الإذعان له، لماذا إذن احس بأن قلبه قُد نُزع من بين ضلوعة ساقطًا أرضًا، وإن روحه اقتلعت فجأة صارخةً بيتم. 
يُتم! نعم إنه يتيم إذ لم تكن موجودة 
آيتمته تلك الزهرة النادرة، لكنها لن ترحل، لن يسمح لها، لن يبقَ باقي حياته بدونها، أن كانت سترحل فليرحل معها. 
سترحل! هل ترحل وتتركه مهجورًا دون وطن يتيم دون ام او أب او أهل! 
مع هذا الخاطر كانت الدموع تتجمع قسرًا في مقلتاه، وازدادت خفقات قلبه جنونًا وصرخ بإسمها وهو يركض إلى جسدها المسجى، الناس التي تجمعت حولها كأنه لا يرآهم، كأن العالم قد خلى إلا منهما، فراح يزيح عن طريقة بعنف كل من يسد طريقة، حتى جثم جوارها وهاله الدماء من حولها التي طالت ملابسه وهو يدير جسدها المنكفئ لتحتل رأسها قدميه بين ذراعيه، ملامحها توارت بالدماء فلم تستبان، فهوت دموعه كأنها سيلٍ جارف عسى أن تجرف هذه اللحظات معها ويكون حلمًا سينساه ما ان يصحو. 
بأنامله راح يزيح الدم لعل ملامحها التي اشتاقها ان تظهر، وصوته المتهدج الخائف ينبض بجم الألم بصدره  : 
- ناردين، حبيبتي لقد جئت اوعدك أني لن اتركك مجددًا، ابدًا ها قد وعدتك استيقظي لقد عدت لا تناني طويلًا فأني أخشى الوحدة يا طفلتي، اخشى البقاء بمفردي، هل تعلمين ينتابني هاجس في الظلام أن ثمة من سيقتلني غدرًا لكن انتِ من تنقذيني، أنتِ الحلو الذي احيا لأجله في هذه الحياة فقط لا تتركيني، أنتِ أملي، هل يمكن ان يعيش المرء دون أمل، ترافقي بقلبي ولا تيتميه رجاءً، سأموت ان رحلتي وانا اعنيها. 
قرب كفها إلى وجهها وقبله بقبلة عميقة حتى تراخت كفها وسقطت فسقط قلبه معها، فحدق بعينيه في الفراغ وهز جسدها بعنف مناديًا بإسمها ظنًا إنه هكذا ستلبي النداء ككل مرة لكنها خيبت املُه ولم تلبي فضمها لصدره، وصرخ... صرخة شقت قلبه لنصفين ومزقت احباله الصوتية، صرخة صدرت عن قلبٌ يُرفرفُ كالذبيح وقال بروحٍ مكلومة  : 
- لا يا الله، لا لا لا يمكنني أن أعيش بدونها، لا تأخذها يا الله ليس ليّ غيرها. 
حضرت سيارة إسعاف واخذها المسعُفون من حضنة قسرًا وتركوه مفتشرًا الأرض ضامًا ذراعيه كأنها ما زالت بينهما، عيناه لا تكف عن سيل الدمع، ورأسه متدلى على جانبه كأنه شخص تُسحب منه روحه وهو لا قدرة لدية على المنازعة واستعادتها. 
يأبى أن يتحرك من مكانة خوفًا من صدمة فارقها. 
ففارقها يعني موته لا محالة. 
لن يشرق قبل أن تتوهج هي! 
فهما كالشمس والقمر يكملًا بعضهما هو شمسٌ حارقة وهي نورٌ جميل تضيئة فكيف يحيا من دون نور أنّى لهُ ذلك! 

🌼 اللهم إني مسني الضُر وأنت أرحم الراحمين 🌼
أدركت دارين إنها هالكة لا مُحالة، إذ كيف تهربُ من ذاك الشيء المخيف، ذراعها ما زال يؤلمها ألمًا شديد لا مرية فيه لا سيما إنه قد قطم قطعة من لحمها، هل سيأكلها ام ماذا يريد منها هي خاصةً والصغيرُ المسكين جعفر الحبيب، الذي يغفى الآن فوق صدرها المُفعم بالمحبة،  لكنها في قرارة نفسها تجزم أن زوجة الأمير هي السبب فقد كانت واقفة والبسمة تُظلل شفتيها. 
رباه  ... هذا إبنها هل طاوعها فؤادها بأن تلقي به بتلك الطريقة  ... لا والله هذه ليست أم أبداً. 
عَمَّ تفكر الآن وفيمَ منشغلٌا ذهنها. 
أليس عليها ان تفكر في الهرب والنجاة عما تسعى وهي خاوية الوفاض لا ريب. 
تملمت تأن في خفوت، ناظرة للصغير الكامن بين ذراعيها بأسف. 
هل كُتب عليه الشقاء صغيرًا؟! 
ما الذي تعيشه هي الآن تقسم إنها في حلم وحتمًا ستصحو منه قريبًا وستذكره وتضحك وهي ترويه على مسامع الفتيات فيقهقهون من سخافتها ورحابة لُبها. 
كادت تعتدل كي تعرف أين هي وما هذا المكان الذي هي فيه، لكن يدًا قوية كأنها صخرةٌ صلدة وُضِعت فوق ساقها منعتها من التزحزح حتى، فبقت مكانها مستسلمة تتحاشى النظر إليه كلا تموت رعبًا من هيئته، كان الصغير يبكي بُكاء الجائع في حِجرها الطافح بالحنان فكانت تنظر إليه في آسف وعجز، فماذا قد تفعل له، وما بيدها وهما محبُسان الآن. 
لم يمضِ طويلًا من الوقت إذ تناهى لها صوت أحصنة قادمة فتهلل وجهها مستبشرًا وَ وثبت واقفة وهي تصيح في غبطة  : 
- سننجو يا جعفر ثمة آتي لأنقاذنا! 
مع إنتهاء عبارتها كانت الأحصنة أمامها مباشرةً وما أن هدأت سورة الغبار حتى تراءى لها رجال ملثمون يرتدون ملابس سوداء اللون، منهم واحد راح يحوم حولها بفرسه فتوجست خفية في نفسها، توقف الرجل أمام ذاك ذو الهيئة المخيفة وقال بصوتٍ غليظ صلب  : 
- أحسنت صنعًا يا أولمان سيكافئك الملك بما تريد سنأخذ الفتاة والطفل لأن غدًا ستتم المراسم. 
لم يُجيب أولمان إلا بهزة من رأسه الشبيها بالبومة، تراجعت دارين بجسدها للخلف وما همت بأن تستدير للركض حتى كان الملثمون يُثبوا عليها وأنتشل احدهم الصغير وآخر قيدها وأخرج منديل قُماشي لفُه وربط به فمها وعقدة من الخلف حملها دون جهد لرفع بدنها وقصر قامتها ورفعها على الجواد وامتطاه خلفها وانطلقت الأحصنة؛  قُرب بوابة سوداء ضخمةً مُهيبة كان الحارس يُغمى عينيها بِقُماشة سوداء فما رأت أي شيء يدلها عن مكانها، لكن الخوف بدا يتسرب بأوصالها وعرُقِها مجرى الدم، ودموعها طفقت تسيل من مقلتيها. 
انسابت الأحصنة ببطئ وسط أرض عامرة بأهلها إذ كان رجالًا ونساءً وأطفالًا منتشرون وطال الطريق حتى و قفت الأحصنة أمام قصر مهيب ذو طُراز غريب ورسوم من جماجم رغم غرابتها إلا أنها تُسر الناظرين، هُنالك نزع احدى الحرس القماشة عن عينا دارين التي راحت تتلفت حولها بقلب يخفق في جنون، يدًا قوية دفعتها لتتقدم للداخل فسارت قسرًا إلى القصر يدفعها احدى الحرس الذي قضاها إلى ممر طويل في آخرة درج أسود كاحل هبطت الدرج مع إختفاء الضوء رويدًا رويدًا ثُم سارت في ممر متفرع منه عدت ممرات استشعرت أن الممر موازيًا للأسفل فجزمت أنها تحت الأرض وأمام زنزانة فتح الحارس بابها  ودون كلمة دفعها للداخل وأوصد الباب خلفها ورحل... فـ انهارت باكية من شدة العجز والخوف. 

🌻  إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ🌻

فتح جفنيه مُحملقًا في الفراغ فجأة، رغم الوجع الحاد المنتشر في جسده بأكمله ألا إنه حين عاودته ذكرى اختفاءها، صوتها الذي اخترق مسامعه كـ صدى مرافق له، نظراتها المستنجدة، وكفها الممدود إليه، توالى كل هذا متمثلًا أمامه فهب جالسًا بأنفاسٌ متلاحقة، فوجد نفسه عاري الصدر، ورأى رجل يقف يمنعه من النهوض هامسًا بصلابة  : 
- لا ترهق نفسك جراحك لم تلتئم بعد، استلقَ رجاءً! 
ابعده عنه وهو ينهض ناظرًا حوله كالضائع  ... التائه، وكاد يسقط أرضًا من شدة الدوار الذي داهمه فلحق به الرجل فبادره آجار قائلًا وهو يتشبث فيه بنظرة راجية  : 
- دارين، دارين اختي ما الذي حصل لها؟ 
إلتفت حوله يمنة ويسر وسئل  : 
- اين براء؟ 
- أجلس هُنا وسأجيبك لا تقلق لكن استريح حتى لا تفقد وعيك مرة أخرى. 
استسلم آجار له تاركًا له نفسه تمامًا وجلس منتظرًا ان ينطق الرجل الذي لم يطيل وقال وهو يجلس مقابله تماماً  : 
- الأمير ذهب مع الحُراس للبحث عن الغريبة، ولن يعود إلا بها اطمئن فقط. 
يطمئن! كلمة بعيدة كل البُعد عن قلبه. 
بالله كيف يطمئن ونداءها يُلاحقه، كيف لن يُلبى؟ 
هيهات أن يطمئن قبل أن يرآها بخير وبجانبه. 
هب واقفًا وهو يضغط على جانبه الصارخ بالألم، فوقف الرجل بدوره وما هم بالاعتراض، فـ إذا بـ آجار يقول في ثبات هادىء: 
- لن أبقَ أي دقيقة أخرى قبل أن تعود سالمة سأذهب انا ايضًا وابحث عنها، حتمًا سأجدها لن تُصاب بـ اذى لأني لن اسمح بذلك ولو على حِساب روحي. 
أختفى في لمح البصر فور عبارته ينهب الأرض للخارج كاتمًا عن الآمه، معتصرًا إياها بداخله، احضر له الحارس إحدى الأحصنة في لحظة كان ينطلق قافًزًا على صهوته، ليصهل الجواد عاليًا وهو يرفع قدميه لأعلى وسئل آجار وهو يمسك جيدًا بـ لجام الفرس  : 
- أي طريق سلكوا؟ 
تحرك الحارس بجواده خطوة للأمام وهو يومأ قائلًا  : 
- اتبعني يا سيد آجار وانا سأدلك. 
شد آجار لجام الفارس الذي صهل صهيلًا أعلى وهو ينطلق في سرعة محدثًا دويًا مرعبًا مخلفًا غبار عم المكان، كان في الهزيع الأخير من الليل الحالك وهما ينطلقا دون بصيص نور، وعلا صوت آجار قاطعًا دجي الليل بصوت ذبيح يُنادي بإسمها، تشتهي عيناه أن يجدها امامه، كُله آذانٍ صاغيه لـ اي همسة قد تُصدر عنها في ظلمة الليل، حفيف الأشجار من حوله مُخيف، فـ كيف حالها قد يكون! 
وحيدة هي الآن فماذا يا تُرى جرى لها؟ 
هل هي بخير؟ 
هل ستعود سالمة؟ 
كيف حال قلبها الوحيد الآن بماذا تشعر؟ 
ليدفع نص عمره في سبيل ان تكون بخير والأهم ألا تموت رعبًا. 
مر الوقت، وطال البحث، حتى انقشع الليل وانبلج الصباح  ... منيرًا  ... هادئًا... جميلًا  ... كئيبًا على قلبه الذي يتآكل في توجس. 
تباطأت حركت الأحصنة، فـ إلتفت الحارس إلى آجار قائلًا  : 
- يبدوا أن الأمير قد ابتعد ولا ندري من أي الطريق سيعود، فرأيي ان نعود ادراجنا لعلهم عادوا خاصةً أن سيرنا هكذا لن يجدي نفعًا. 
بنظرات زائغة محطمة اومأ آجار مُستسلمًا في يأس... في قهر. 
وعادوا أدراجهم وقُرب القصر رأووا الأمير يتقدم بمفرده ممتطيًا جواده الأسمر الذي يركض به في سرعة، علا صوت آجار متسائلًا  : 
- يا براء هل من اخبار من دارين؟  انتظر يا هذا احادثك!  ألا تسمعني؟ 
قالها آجار في عنف ممزوج بالغضب حين بدا على الأمير إنه شاردًا في ضياع مترجلًا عن جواده دون أن يولي على شيء داخلًا القصر بخطوات سريعة إذ لم تكن راكضة فلحق به آجار بأعيُن مشتعلة. 
دفع براء الباب على مصرعية كأنه عاصفة عاتية أتت تقتلع الأخضر واليابس، ما أن رأته الأميرة استوت واقفة في توتر بيَّن فضحه عيناها النجلاوين، وقالت في إرتباك  : 
- يا أمير ما أخبار ابني هل عرفت عنه شيء. 
بخطوات متمهلة سار نحوها و وقف مقابلها وسكت قليلًا قبل أن يهمس بصوت بدا كالفحيح  : 
- إبنك!  من إبنك؟ هلا اخبرتيني فلا فكرة لدي  ...  اتعلمين كم صبرت لـ أتبين سبر أغوارك؟ لأعرف ما الذي فعلتيه بزوجتي بوفارديا! 
شحب لونها وهي تتقهقر للخلف مصدومة وعلى عجل هزت رأسها نافية تهمس بصوت متقطع، خائف  : 
- لا أفهم ما الذي تقولُه، ماذا تعني بكلامك هذا! 
صاح فيها بلهجة جمدت اوصالها وهو يقبض على حفنة من شعرها بعنف  : 
- هــــــــــــــــــاي على رسلك إيتها الساحرة أكره الكذب، بل اكرهُه كثيرًا وهذا كفيل لجعلي اقتلك، هل تظنين أنك بأستطاعتك أن تحتلي مكان زوجتي دون علمي! وان تبقي بقصري بإرادتك، من خلفك يا امرأة؟ واين ابني ودارين. 
تشنجت ملامحها وقبل أن يرتد له الطرف كانت فجأة كأن قوتها تضعفات قوة جيش كامل إذ شوحته بكفها إلى الجدار ويديها رويدًا ظهرت لها مخالب وهي تتدرج باللون الأسود، عيناها النجلاوتنن اصبحتا بـ لون الدم ونار حارقة تخرج من بينها، لسانها راح يُردد طلاسم غريبة فسقط ارضًا منهارًا وهو يُرفرف كالذبيح ممسكًا برقبته يحاول نزع يد لا تتراءى له تخنقه حد الموت، أنفاسه راحت تتلاشى، باغتها بعلُ صوته مُرددًا بعضًا من آيات القُرآن ويتعوذ ويبسمل، فـ اختفت النيران المشعة من عينيها وتواري اللون الأحمر، واتسعت عينيها فزعة وطفقت تصرخ في ألم وهي تمسك رأسها فـ ابتسم بسمة ماكرة وهو يُثب إليها جاذبًا شعرها يجرها وراءه مجتازًا آجار الشاخص العينين في ارتياع، وفي مسجد القصر الصغير القاها بداخله، هُنالك كان رجلٌ ذو لحيةً بيضاء و وجهًا وضاء وقف على رأسها يُنثر عليها مسك و صراخها يذاد ويذاد حتى فقدت الوعي، فتتفس البراء الصعداء وارتاحت ملامحه وهو يضع كفيه في جذعه متنهدًا تنهيدة عميقة وجلس قُرب رف يحوى مصاحف عدة، ناوله الشيخ كوبًا من الماء تجرعه جرعة واحدة وللعجب كان عطشانًا للغاية، كيف لم يشعر؟ 
ارتوى واسترخى في جلسته مسبل الجفنين، فتحهما مع وضع الشيخ يده على منكبه وقال بلطف  : 
- لا تثريب عليكَ يا بُني لكل أجلٍ كتاب، لا تلوم نفسك على شيء سيمر هذا الوقت الثقيل سيمر مرور السحاب، قُم توضئ وأقبل على الله لن يردك خاءب الرجا، واعلم ان ما أصابك هو المكتوب لا مفر منه، هيا يا ولدي  لترى ما ينتظرك وتنطلق في دربك العصيب عساه يسلك... أكون أنا علمت لك مكان ولدك والفتاة من هذه المرأة. 
لكن اعلم ان بضعفها ضعف هذا الكائن الذي آسرهم. 
ركَن إليه براء وصلى ركعتين، ركعتين ناجى بهما الرحمن و ألتجأ إليه ولاذا به ودعاه.. 
ركعتين صب فيهما جم ضعفه ليتبدد بالقوة وداوا أرهاقه مُدججًا بالثبات محتلًا بالصبر. 
سلم من صلاته رافعًا كفيه و وجهه إلى السماء مناجيًا الرحمن بدعاء خالص نابغًا من القلب وآمن على دعاءه ماسحّا بكفيه على وجهه ونهض مكفهر الوجه واجمًا وهو ينظر للمرأة بشيء من الغِل، قبض على شعرها صرخًا  : 
- لسانك لولا إننا بحاجة إليه لقطعته أقسم لكِ دون ذرة شفقة، من الذي أرسلك؟ 
ابتسمت ضاحكة في إستفزاز وقالت بـ إزدراء  : 
- لن اخبرك … تعلم هذا! أليس كذلك؟ 
ضغط على فكها مقربًا وجهه من وجهها وقال في هدوء قاتل  : 
- اعلم من ارسلك واعلم الخطة تمامًا وأعدك أنكِ ستذقين ثمار بثورك حنظل أنتِ ومن ارسلك، الآن أين ابني و.... 
قاطع استرساله في الحديث قولها الذي ألجمه  : 
- يؤسفني أنهم قد تم ذبحهم الآن يا أمير فأن دمائهم نحن بحاجة إليها لـ ملك مملكتنا فلا ضير أن اخبرك بالمكان... 
نثر الشيخ عليها ماءً جعل جلدها يحترق وهي تتأوه في ألم فما كاد يعيد سؤاله حتى باحت بالمكان عسى أن يكفوا عن إوجاعها. 

🌴 ثمة هموم لا يعلم بها إلا أنت يا الله فـ افرجها 🌴

انطلق البراء يتقدم حراسه وآجار إلى المكان الذي دلتهم عليه الساحرة بوفارديا بخطة براعة أسس جيشه للقضاء على اولمان، توقف فجأة رافعًا كفه بإشارة ليقف الجميع خلفه، ورأى أمامه الأولمان وطالة بينهما نظرة عميقة قبل أن يهتف البراء بصوتٍ صلب  : 
- أين ابني والفتاة يا اولمان. 
بصوت خشن غليظ هدر اولمان بصوت يهز الأرجاء  : 
- قد يكون ذُبح يا أمير. 
-إذًا أنت تريدُ الحرب!؟ 
- إذا كان لا بُد لها فلتكن، افعل ما بدا لك يا أمير. 
دون كلمة أخرى رفع براء كفه مشيرًا بها للأمام فتوالت الأسهم جملةٌ واحدة على أولمان الذي صرخ بصوتٍ عال دك الأرض دكًا وأشهر البراء سيفه وهو يشد لجام فرسه وتقدم نحوه وفي لمح البصر كان يشق بطنه ليسقط أولمان على إحدى ركبتيه وقبل أن تأتيه طعنة أخرى كان يخفق بجناحيه الأسودين ويطير عاليًا منهزمًا مكسورًا وتوالت عليه الأسهم دون هوادة، ترجل براء من فوق جواده لاهثًا بتعب بيَّن فترجل آجار بدوره متميزًا غيظًا وغضبًا وصاح فيه  : 
- أين اختي يا هذا هل لك أن تخبرني. 
لوح بسبابته وتابع  : 
-أقسم بأن اصابها أذى لن تكفيني روحك بمفردها. 
في سورةٍ من الغضب صرخ فيه البراء قائلًا  : 
- هـــــــــــــــاي اخرس يا هذا ولا تسمعني صوتك وهل تظن إني سأتخلى عنها معها إبني يا هذا هل تظن بأني سأمرر لهم اختطافهم له. 
هدأت نبرته وقال في تفهم وهو يأخذ نفسًا عميق  : 
- لا تثريب عليكَ يا آجار الآن اعلم ما يختلج صدرك من قلق وخوف لكن يا رجل وأنا أيضًا أقلق عليهم كثيراً لكن ما يطمئني أن مملكة الأولمان بها صُهيب وطالما هو هناك فسيضحي بروحه ليحميهم.  
فكر قليلًا ببسمة خبيثة وغمغم بمكر  : 
- ثُم معنا ورقة رابحة إبن مملكة الأولمان معانا ويمكننا استغلالة. 
ضيق آجار عينيه في عدم فهم وردد بغباء  : 
- زوج أخت؟!. 
- ليس بعد الآن سأذبحه وامام والده وسترى، كما تدين تُدان. 
إلتفت إليه وتابع في إهتمام  : 
- هيا بنا لنعود ادراجنا فما لنا حاجه من هذا المكان. 
أمتطى صهوة جواده فـ لاح له طيف دارين يتبسم له فـعلق بصره عليه ببسمة بدت كضوء الفجر تتوهج ودار بحصانه عدت دورات وهو ينظر لطيف الحبيب قائلًا في همس  
" الشوق لؤياكِ جعلني أرى طيفكِ في كل الوجوه يا اميرة القلب ". 

🌳 ربي اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك 🌳

فُتح باب الزنزانة فهبت دارين من مكانها محملقة في الحارسان الذين سحبوها ليخرجوا بها من ساحة السجن، وسنحت لها الفرصة أن ترى هذا القصر غريب الأطوار إذ جم رسومُه جماجم غريبة وطلاسم واشياء تشبه الحيوانات، عيناها مفعمة بالأنبهار والذهول في آن وهي تتلفت حولها حتى راعها بغتة رؤية زوجة الأمير براء ذو بطن بارز فرفرقت بأهدابها غير مصدقة بينما رمقتها الآخرى بنظرة دون معنى وأكملت سيرها للخارج ما كادت دارين أن تقف محلها من هول الصدمة حتى دفعها الحارس بقوه فـ أكملت سيرها وقبيل دخول إلى حجرة واسعة فقك الحارس قيدها فدلكت ذراعيها في ألم وهي تحركهما ضم وفرد، و دلفت إلى ساحة واسعة ذي مقاعد من كِلا الجانبين على هيئة أفعى و أمامها رجلٌ يبدوا إنه بلغ من الكبر عتيًا يجلس فوق كُرسي ضخم متلألأ اللون على ما يبدو جاء بالخطئ في هذا المكان المرعب، كان يحدجها بنظرات قاتلة وهو يستند بمرفقة على فخذه حتى صاح فيها بصوت اجش  :
- تقدمي لن آكلك. 
اذردت دارين لعابها بغصة خائفة ودحرت التفكير عنها وما أن صارت على بُعد خطوات مِنهُ حتى نهض بتريث يثير الرعب وتقدم إليها بُخطى ثابته مهيبة فرفعت رأسها صارفة الخوف عنها وقالت في جمود  : 
- من أنت وماذا تُريد مني؟ أين الصغير جعفر. 
سكت قليلًا باسمًا قبل أن يُقهقه بصوتٍ عال يثير الإشمئزاز ودار حولها متأملًا إياها، حتى وقف أمامها، تمتم في هدوء وهو يميل وجهه عليها  : 
- انسي الصغير فلن تريه مجددًا، ثُم ما خطبك يا فتاة يجب أن تفكري في نفسك فقط وما سيحصل لكِ. 
امتقع وجهها وتكدر بينما أستدار هو جالسًا فوق كُرسيُه مسندًا مرفقيه على ذراعيّ المقعد وأخذ نفسًا عميقًا وقال دون اكتراث  : 
- أردت فقط رؤيتك فما ليّ حاجة فيكِ إلبتًا. 
سكت لهنيهة مستلذًا برعشها واضطرابها وخوفها وقال  : 
-ستشرفين في سجننا لبعض الوقت اتمنى البقاء معنا يروق لكِ. 
أشار لها بسبابته أن تقترب فتراجعت عدت خطوات وآثرت المكوث بمكانها لكنه جأر فيها مزمجرًا  : 
- قُلت أقتربي يا فتــــــــــاة. 
بُخطى متمهلة دنت منه فمشت عينيه على جسدها من رأسها لأخمص قدميها فعض على شفته ومد يده ممسكًا بخصلة من شعرها لكنها انفضت رأسها واشاحت بكفه بعيدًا بعينين أشتعلتين غضبًا وما كادت أن تعنفه حتى قال قائل من وراءها  : 
- جلالة الملك سيحون وصل لك خِطاب من الأمير براء. 
صرف سيحون بصره إلى الحارس وأشار له برأسه أن يتقدم فـ اقبل عليه فاتحًا الخِطاب ذو الورقة الصفراء فتهللت اساير دارين واستبشرت خيرًا وتسربت الطمئنينة لفؤادها. 
-أقراها الآن 
قالها سيحون فتنحنح الحارس وعلا صوته قائلّا وآذان دارين صاغية  : 
- عزيزي جلالة الملك سيحون الأحمق. 
سعل الحارس لتتسع اعين الملك وتند عن دارين ضحكة كتمتها فورًا حين حدجها بنظرة مرعبها وصاح في الحارس قائلًا بغضب  : 
- أكمل دون توقف. 
- عزيزي جلالة الملك سيحون الأحمق تحية غير طيبة لك. 
أما بعد  : 
فنهارًا أسودّا فوق مملكتك إيها الملك الجبان  ... على رُسلك يا رجل لا تغضب فلا تثريب عليّ أنت بالحق جبان وما عهدت مني إلا الصدق إيها المخادع كيف سولت لكَ نفسك على خطف إبني وحبيبتي هذا أمر لن أمرره مرور الكرام ولا تنس بيننا انتقام روح أختي وابنها أعدك بأن أأخذ روحك مقابل لهما، أوه أنسيتني ولدك الحقير الغدار في ضيافنتا في نهار الغد سأعطيك فرصة لأخذه مقابل إبني وحبيبتي، سأنتظرك لا تتأخر إيها الـ.....  الحثالة. 

انفجرت دارين ضاحكة وإذ نهض الملك صارخًا يطيح بكل ما تطوله يديه في حين صاحت دارين من بين ضحكاتها  : 
- يا لغباءي هل كنت اخشى من حُثالة، بل احمق وجبان أيضّا، تبًا ليّ؟ 
سكن الملك بأنفاس متلاحقة وإلتفت إليها فسكنت مكانها ثابتة في لحظة كان يعصر مرفقها في راحته الضخمة وهو يصرخ فيها  : 
- ماذا قُلتِ؟  ها ماذا قُلتِ؟ أنا  ... أنا حُثالة وأحمق أنــــــــا؟! 
انهى جملته بصفعة فوق وجنتها طرحتها أرضًا على أثرها فبقت قليلًا مسندة بكفيها على الأرض بنظرات حارقة، وصرخ في الحرس أن يزوجها بالسجن فسحبوها عنوة وهي تجاهد كي تصل للملك لتثأر بنفسها لكنها لم تفلح. 

_ الظلام يلفُ المكان لا بصيص من نور حتى، فتكورت على نفسها لم تكن على سجيتها ابدًا، كانت خائفة خوف بدد شعورها بكل شيء، قلقة قلق يلتهم روحها بلا هوادة. 
كيف السبيل للخروج من هذا المكان؟ 
هل سيتركها لا تظن يبدوا إنه غدار قوله غير فعله! 
إذن ما العمل! هل ستبقَ هُنا! 
دفنت رأسها بين ذراعيها كلا تموت من خوف الظلام الذي يُخيل إليها بأشباح قد تخرج لها بغتة من حيثُ لا تحتسب، لولا ذاك الحارس الواقف على الباب لكانت ماتت حتمًا وذابت من شدة الخوف. 
تناهت لها حركها غير عادية فـ ارهفت السمع وهي ترفع رأسها على الحارس الذي تحيطة هالة من نور طفيف فإذا بيد تبرز فجأة مكممة فمه ترفع رأسه للأعلى فشهقت وهي تكتم فمها تحدق في الخنجر الذي انساب على عنق الحارس لينسال الدم كالنهار ويسقط الحارس وارت عينيها بين كفيها وهي تثب واقفة تبتعد مستترة في الجدار بجسد اعتراه رعشة قوية وقلبٌ غمرتة الواجفة....... 

🍀 لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير 🍀

صدمة  .. صدمة كل ما احتلت قلب ياسين وهو يهوى بكل جسده على الحائط ظنًا إن ابنته قد فارقت الحياة عيناه جاحظة على الطبيب في توهان، فهرع إليه حمزة ممسكًا به وقال وهو يربت على ظهره  : 
- مش  ..  مش هيَ أكيد لا. 
فنظر الطبيب إلى ياسين ثُم إلىٰ حمزة وتمتم  : 
- اللي ماتت المريضة اللي متصابة برصاصة. 
تنهد حمزة آخذًا نفسًا عميقًا كأنه كان يغرق في بحرٌ لُجي وجاء ذورق نجاة لينقذه وارتحت ملامحه وارتخت بينما أغمض ياسين عينيه متنفسًا بإنتظام وضربات قلبه تهدأ رويدًا رويدًا. 
يا إلهي لا يصدق تلك الدقائق كيف مرت وهو يتلقى خبر وجودها في المستشفي كأن روحه قد أُقتلعت وها هي تردُ إليه. 
ضحك حمزة ضحكة طفيفة لا تُكاد تُسمع وهو يقول  : 
- اروى بخير هيَ بخير. 
جذبه ياسين إلى حضنه وربت على ظهره عدت مرات غير قادرًا على النطق وأخيرًا قال بعد ما ابتعد عنه  : 
- هشوف خالتي لمار واجيلك عشان معاها سجى. 
اومأ حمزة له وجلس على اقرب مقعد قابلة، هُنا وتجمدت ملامحه متذكرًا موت ريتاج. 
هل الآن افتكر؟ 
لكن لا تثريب عليه هل كان فيه عقل؟ 
ظلل الحزن في عينيه سرعان ما قام من مكانه على صوت الممرضة تخبره  : 
- المريضة دلوقتي تقدر تدخل تشوفها. 
لم ينتظر لا قدرة له على الإنتظار لا مرية إنه يود أن يطمئن عينيه المشتاقة إنها بخير حتى يُصدق قلبه المكدود، لقد كان السبب فيما حصل لها ويستحق ذاك الألم القاتل، يا ويل قلبه أن كان حصل لها شيء، طرق في توتر على الباب قبل أن يدير مقبضه ويطل برأسه ليجدها مسندة ظهرها على وسادة خلفها ورأسها مربوط بشاش، كم بدت هشاشة الآن. 
تبسمت فـ تبسم وخطى للداخل مرتبكًا يغض بصره في حياء وقال  : 
- الحمد لله على سلامتك. 
ردت عليه بصوت رقيق  : 
- الله يسلمك، ريتاج عاملة إيه؟ 
خطف نظرة إليها ثُم تصنع الأنشغال بجلب مقعد ليجلس جوار الفراش مطرق الرأس في حياء وجيب قلبه المتسارع ينبئه بجريمة قد تحصل في قُربها المهلك، فـ تحمحم وقال بصوت متقطع  : 
- ريتاج، ريتاج تعيشي أنتِ. 
شهقة صدرت عنها وهي تكتم فمها بـ أناملها وأغروقت عينيها بالدموع وهي تقول  : 
- إن لله وإن إليه راجعون البقاء لله. 
ساد صمت كئيب حزين لوهلة تطالعه في آسف. 
هل قلبه الأسيف حزين الآن؟ 
بماذا يشعر يا ترى؟ 
يا ليت بإمكانها أخذ وجعه ولا تشعر إنه حزين. 
تنبهت من زمهرير أفكارها على صوته الحاني يقول فرفعت بصرها إليه لتتقابل مع عينيه التي تقطر عشقًا فسره قلبها الأحمق بغير ذلك  : 
- اروى أنا أسف لأني السبب، كنت دايما بدور على اي حجة عشان تسيبي الشغل من خوفي عليكِ، لكن متخيلتش ابدًا إني اكون السبب في اللي.... 
قاطعته اروى قائلة وهي تهز رأسها  : 
- لا، لا متحملش نفسك الذنب انا اللي نزلت وراك وبعدين انت مأجبرتنيش وحصل خير انا بخير دلوقتي. 
- ولو كان جراك حاجة كنت هعمل إيه؟ 
قالها حمزة بنبرة صادقة بمسحة من حنان فـ ران عليهما السكون وهم ينظران لبعضهما في توتر لكن القلوب كانت تدق كـ الطبول، فُتح الباب فجأة فـ إلتفتوا سويًا ليبصروا خالد وخديجة فنهض حمزة قائلًا بتوتر ملحوظ  : 
- تعالوا ادخلوا. 
توجهت خديجة بلهفة إلى أروى، بينما دارت نظرات غامضة بين حمزة وخالد قبل أن يقول حمزة متحاشيًا النظر إلى خالد  : 
- أنا، انا هطلع اشوف عمو ياسين. 
خرج تشيعه اروى بنظراتها وهذه المرة لم تخف على خالد الذي اذدرد مرارته وتوجه مبتسمًا نحوها يطمئن عليها، لم يمضِ طويلًا وكانت كى العائلة تحضر. 
فقال يوسف ضاربًا كفًا بكف  : 
- هي العيلة جرالها إيه؟ خالد يعمل حادثة، وأروى تضرب ولمياء تتسجن. 
ثُم تابع وهو يطوق كتف اروى رغمًا عنها: 
- عين وصابتك يا اختي يا حبيبتي عين وصبتك 
جذبته خديجة من ذراعه قائلة  : 
- يا ابني جايب الرط ده منين تعال معايا. 
خرجا سويًا وبينما تسير في الرواق برز اراس على حين غرة قائلًا بتعجل  : 
- خديجة أنا. 
جزت خديجة على اسنانها قائلة  : 
- ما الذي تفعله هُنا؟ ماذا تريد مني، هل ستصبح حياتي جحيم هكذا وسأجدك أمامي في كل خطوة. 
هم بالحديث لكنها اوقفته قائلة  : 
- ولا تخبرني ان هذه صدفة ان يحدث كل هذا بعد تهديدك.... 
- اخرسي. 
قالها اراس غاضبًا قبل أن يلتفت حوله ليقول في خفوت: 
- اخبرتك يا خديجة إني لم اأذى خالد والآن اقول ولم أأذى أروى ومستحيل أن أأذيها أتيت لأطمئن عليها. 
قطبت خديجة مستفسرة  : 
- وكيف عرفت، ولماذا تطمئن عليها؟ 
انهت جملتها عاقدة ذراعيها، فسئل يوسف بغتة  : 
- هو مين المز ده يا خديجة. 
نظرا الأثنين عليه كأنهم للتو تذكروا وجدوه الذي نسوه في غمرة جدالهم فضحكت خديجة بتوتر قائلة  : 
- دا دا دا دكتور اروى. 
لوى يوسف فمه في شك، فـ اسرعت خديجة تقول  : 
- يوسف تعال يلا نشوف مامتك.. 
لم تجد اراس فبحثت بنظرها ولا اثر له فحركت كتفيها في حيره وتابعت سيرها

          🍃 سبحان الله وبحمده 🍃

خرجت مِنة من غرفة العناية الراقد بها جسد والدها الغائب عن الحياة مؤقتًا، ترتدي ملابس سوداء اللون بنطال ضيق اسود يعلُه تيشرت دون أكمام أسود وضيق أيضًا وفوقة معطف أسود لبعد الركبة شعرها الأسود القصير منساب فوق ظهرها، بدت متعصبة وهي تقف أمام الباب تتحدث في الهاتف قائلة  : 
- حبيبةً من يا هذا الذي قتلتها؟  هل جُننت!  اخبرتك آجار غير موجود لا تثير غضبي وتجعلني آتي لأخلص عليك وارتاح من هذه الثرثرة. 
انهت جملتها واغلقت الهاتف في عنف كأنها تنتقم منه، وتنهدت وهي تضع يديها في جذعها وتلفتت يمنى ويسر في حركة سريعة قبل أن ترفرف بأهدابها في ذهول وهي تعيد نظرها إلى الجهة اليمنة لتتسع عينيها على آخرهما وتفعمتا بالصدمة، فركتهما وهي تحملق في آجار الجالس واضعًا رأسه بين كفيه في منظر يثير الشفقة كأنه فقد كل من له في الحياة دون وداع. 
و كم مؤلم أن يغادرك احد هكذا دون وداع. 
ويتركك تواجهه الحزن بمفردك. 
وفراقه يترك فيك جرح لا يلتئم مهما جارت عليه السنون، جرحٌ يجعلك لا تطيق الحياة لكنك مجبور على العيش فيها. 
هرعت نحوه فجأة منادية بإسمه فتوقف جان متعجبًا يرمقها في حيرة بينما دون كلمة آخرى ضمته بقوة وهي تهمس بنبرة تقطر فرحًا ممزوج بالحزن  : 
- آجار يا هذا، هل هان عليك تغيب عني كل هذا الوقت! متى جئت؟  كيف عُدت!  ماذا تفعل هُنا، اوحشتني يا رجل بقيت وحيدة في غيابك لا أجد من أخانقه. 
أبتعدت عنه مكفكفة دموعها فلم ينبس هو بحرف، فضيقت عينيها متسائلة وهي تضرب كتفها بكتفه  : 
- ما بكَ هل تفاجئت بوجودي ام ماذا؟ 
صمت للحظات يستجمع رباطة جآشة وأردف : 
- لا، لا لم اتفاجأ كيف حالك يا حبيبتي؟ 
- بخير، لماذا أنت في المستشفى، ماذا تفعل هُنا هل بكَ شيء؟  
هاه هيَ قُل تبدو متغيرًا. 
نظر جان تجاه غرفة العمليات بقلبٌ خافق ثم اعاد نظره إليها ولاذ بالصمت غير قادر على النطق بينما هزت مِنة رأسها في يأس وتوجهت نحو غرفة العمليات لتتطلع من زجاجها الخارجي فلم تبصر شيء فعادت إليه قائلة بغمزة  : 
- جبيبتك، أليس كذلك؟ 
أومأ جان وهو يحرك كفه على شعره في توتر، فقالت هي متخصرة  : 
- ولماذا لم تخبرني قبلًا، هااا؟ 
تبسم جان بشحوب وتمتم في خفوت  : 
- لم تسنح الفرصة. 
اومأت منة وسكتت مليًا قبل أن تلتفت إليه تقول على عجل  :
- إذًا هذا الرجل هو بالفعل كان هو السبب في الحادث، أقسم بأني لن امررها على خير، أبقَ معها. 
انفجرت شفتا جان ليتحدث لكنها ما ان رمت بكلماتها كانت تختفى فـ اطبقهم مجددًا وقد نوى ما نوى 
هؤلاء الذين التقى بهم في مصر كانوا على حق، إذًا هو يشبه أحد رجال من المافيا! 
لكن هل يعقل أن بينهما شبه لتلك الدرجة الكبيرة حتى لا يفرقوهما! 
بل والأعتى هم سبب حالة ناردين وهو سيبطش بهم سيذوقهم مما ذاقته سيدفعوا ثمن هذا وسيكون سعيد أن يعاون الشرطة في أمساك مثل هؤلاء القوم. 
تبدلت ملامح وجهه ولانت وهو يجلس مجددًا مسندًا رأسه إلى الجدار مسبلًا جفنيه. 
تُرى ما الذي ينتظره في وكر الأجرام هذا الذي سيُلقي بنفسه فيه؟ 

        🌲 سبحان الله العظيم 🌲

وقف خالد أمام حمزة الذي كان جالسًا في الأنتظار، نهض ما أن ابصر خالد  ... غريبًا، متعجبًا، صامتًا، فتساءل بقلق  : 
- خالد إنتَ بخير؟ 
- ليه؟ 
كلمة واحدة فقط هو كل ما نطق بها في غمرة حيرته و وجعه، وجع سعيد مُغلف بالمرارة وما بين هذا وذاك هو تائهٌ. 
وابِل من الأفكار يجول في خُلده يا إلهِ هل ضحى حمزة بحبه ودعس على قلبه فقط لأجل حبه لـ اروى؟ 
لكن أنَّى له ان يعرف؟! 
هل كان هو سبب وجعه وبكل بساطة راح وأخبره بعشقه لها والأخير بدا سعيدًا مسرورًا، كيف استطاع ان يخفي عنه. 
والأهم كيف لظابط مثله أن لا يقرأ جيدًا ما يُخفى بأعيُن أخيه! 
نعم هُم اخوة ومن يقول غير هذا قد كذب. 
هل يظنوا الأخوة فقط بالدم؟ من رحم أم واحدة؟! 
إذن ماذا يسمون من يلدون من رحم الحياة ويأتون على هيئة عوضٌ جميل مطعم بالسعادة والراحة. 
غزرت الدموع في قلبه لا بعينه ودون كلمة ومع دهشت حمزة الذي تسائل عما يعني بـ " ليه "ضمه خالد بقوة فبادله حمزة في صمت أحترامًا لرغبته. 
همس خالد بجانب أذنه  : 
- وهي كمان بتحبك على فكرة. 
اتسعت أعيُن حمزة وهم بالكلام وهو يبتعد لَّمَّا إن خالد هز رأسه وما كاد أن يستدير ليغادر فصد حمزة طريقة موضحًا  : 
- أنتَ فاهم غلط، إسمعني! 
تبسم خالد وقال وهو يربط على راحت حمزة بين كفيه  : 
- تؤ مش فاهم غلط ولا حاجة، أنتَ أحسن أخ يا حمزة ومن حسن حظي إنك معايا وجنبي. 
دنا منه واحتدت ملامحه وقال من بين اسنانة  : 
- اخويا وحبيبي وكل حاجة بس قسمًا بالله هتزعلها هتلاقيني في وشك عدو مش اخ يا حمزة. 
دفعه حمزة حتى أجلسه على المقعد وهو يغمغم  : 
- يا عم اقعد نتكلم، استغفر الله هتجنني. 
- وادي قعدة، عايز تقول ايه؟ 
جلس حمزة ملتفًا بجسده إليه وقال : 
- أنتَ كل اللي بتقوله ده..... 
قاطع خالد حديثه قائلًا في تذمر  : 
- ايوة ايوة كل اللي بقوله أيه؟ 
نظر له بجدية وتابع  : 
- يا بني يا حبيبي أنتَ بتحبها وهي بتحبك، حمزة لو مفكر إني زعلان ومجروح تبقي غلطان صدقني سعادة أروى تهمني جدًا زي ما أنت بردوا سعادتك تهمني، تعرف حاجة أنا كنت بحقد على اروى وانا صغير او مش حقد غيرة كدا فـ خديجة قالت ليّ حاجة عظيمة " يا خالد اروى معندهاش أخ أكبر منها فكون أنت الأخ ده "
ومن وقتها وأنا بحاول اكون لـ اروى أخ من غير ما اتخطى حدودي صدقني فرحتي هيَ لما اشوفكم سوا. 
لم يجد حمزة ما يقوله مع جم تلك المشاعر فردد  : 
- خالد، أنا..... 
- متقولش حاجة فرحوني قريب بفرحتكم وبالكتير يا اخ أنت اسبوع وتكون متقدم لبنتنا إحنا معندناش قلة ادب ومسخرة. 
مط حمزة شفتيه في تعجب  : 
- قلة ادب ومسخرة؟ ولا تصدق ان الكلام معاك اصلا عيب. 
- ايوة يا حبيبي أنت مفكر إيه يعني تحب في بنتنا وكدا ونسكت لا يا غالي أنت تجي تتقدم وإحنا نحط رجل على رجل ونتشرط براحتنا ونتأمر. 
صاح حمزة ممثلًا إنه سيخلع نعله  : 
- لا بقا انت لازم تتربا مين اللي يحط رجل على رجل يلا؟ 
صدحت ضحكات خالد وهو يبتعد في لمح البصر مغمغمًا  : 
- إحنا اكيد مش أنت. 
هز حمزة رأسه والبسمة تظلل شفتيه، اسبل جفنية حامدًا الله بفؤاده، تُرى كيف يوافي الله شكره؟ 
أفا الله كثيرة عليه هل يستطع أن يشكره عليها؟ 
إنه يتنعم في نعم مهما ظل يعد فيها يقسم إنها لن تنتهي! 
فكيف يؤدي شكره للمنان؟! 
نهض فجأة مغادرًا مبتغيًا اقرب مسجد ليحمد ربه عسى نعمُة لا تزول... 


لقراة باقي الفصول اضغط هنا




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-