CMP: AIE: رواية جحر الشيطان الفصل الثالث والعشرون23بقلم ندي ممدوح
أخر الاخبار

رواية جحر الشيطان الفصل الثالث والعشرون23بقلم ندي ممدوح

رواية جحر الشيطان
 الفصل الثالث والعشرون23
بقلم ندي ممدوح


فرحته في تلك اللحظة لا تعادلها أية فرحةٌ في الوجود. 
وحق له أن يفرح عائلته بجانبه فخورة بنجاحه وأن كان بغير معنى، غير مهمّا،  وإن كان تافهًا يظنه البعض،  ففي قرارةُ نفسه يعلم إنه أكثر الناس حظًا. 
ألقى نظرة سريعة تجاه " ملك"التي لوحت له بوجهُا أبلج فـ أذداد حماسه وخرج من الملعب ليلتقي بفريقه وراح يمسح العرق عن وجهه ورقبته بمشفة صغيرة؛ ومع بداية الشوط الثاني كان يتأهب راكضًا إلى الملعب وهو يحرك رأسه يمنه ويسر وانخرط في اللعب.. 
الذي دام لـ 45 دقيقة أنبلجت عن فوزه هو وفريقه، فـ انطلقت صيحات الفرح من الأفواه وتقدم مالك راكضّا يهنأه بكل فخر وسعادة، وعانق الفتيات بعضهما، وبعدما أستلم الجائزة برفقة فريقة ومدربه أقبل "مُعاذ"  من الفتيات فحضنته "لمياء" وهي تهنئة وهنأه باقي الفتيات، فقال متبسمًا  : 
- هغير هدومي وهعزمكم انهاردة، إشطا؟ 
- إشطاط. 
قالتها الفتيات جملةّ واحدة فضحك معاذ متمتمّا  : 
- مصطحلجية. 





قضوا وقتًا لطيف سويًا حتى عادوا جميعهم المنزل وتفرقن. 
إستمع معاذ طرقٍ على باب غرفته فـ أذن للطارق فظهرت لمياء ممسكة بهدية متبرُزة ودلفت قائله  : 
- في حد باعت لك هدية معايا! 
- مين؟ 
بمكر همست لمياء متلاعبة  : 
- احذر كدا! 
اعتدل معاذ في جلسته وسئل في ترقب  : 
- ملك؟! 
فغمزة له لمياء وهي تمد له الهدية الملفوفة قائلة  : 
- ايون هي.
تناولها منها معاذ في لهفة وطردها من غرفته، فخرجت ساخطة وهي تتمتم بكلماتٍ غير مفهومة، حملق في الهدية بمشاعر متضاربة ما بين اللهفة والزهول. 
ملك  .. أرسلت له هدية! 
وبين يديه الآن! 
إن مات من شدة فرحته فلا يلومه احد! 
هل يمكن للشخص أن يموت من الفرحة!؟ 
نعم يُمكن حين تبلغ السعادة لذروتها ويخفق القلب دون هوادة. 
شرع يفك الربطة بدقات قلبٌ متسارعة يخامرها التوتر، شهق ما أن تراءت له لوحة مرسومًا هو بداخلها بملابس هوايته المفضلة السروال القصير والتشرت ذو النصف كُم، يقف على ارضية الملعب ذو اللون الأخضر وأسفل قدمه اليمنه الكورة ذات الون الأبيض والأسود، يقسم ان الرسمة قد خطفت قلبه من إبداع تصميمها، وكإنه فجاة تجسد في اللوحة أمامه. 
أنامله تلقائيًا راحت تتلامس اللوحة التي رُسمت بأناملها، هل احب اللوحة لأنه مرسومًا بها، أم لأن أناملها خُطت عليها. 
دقق النظر وهو يرفع اللوحة إلى وجهه لعبارة قد كُتبت في أعلاها لا تتراءى إلا عن قُرب
  " هو شخصٌ جعلني أحبُ تلك البلايا إن كان هو عوضها، وجبرها 
شخصٌ جعلني أحبُ نفسي لإني آراها في عينيه على هيئة ملاك 
شخصٌ يفهمني حين لا افهمُ نفسي  
شخصٌ لا يخذلني وإن خذلتُ نفسي وخذلني الجميع "
رفرفت أهدابه في مشاعر شتى وهو يعيد قراءة الكلمات بتواتر جم. 
عوضها وجبرها  .. هو أما إنه يقرأ خطئ وثمة شيء لا يفهمه. 
ملك حبيبة القلب تعتبره عوضها وجبرها؟ 
تبسم في سعادة وشرود وتسائل في نفسه " لماذا كتبت الكلمات بحروفٌ باهتة ولو إنه لا يهتم بها وكل تفاصيلها لم استرعت انتباهه! 
تردد أن يكلمها حتى حسم الأمر وأمسك الهاتف ليدخل على تطبيق ( الواتساب ) وقبل أن يراسالها، ذهب إلى الحالة فدق قلبه طبولًا وهو يرى حاله لها توًا قد شيرتها فضغط عليها ليرآها، وفي نهم كانت عيناه تأكل الكلمات آكلًا إذ كانت. 
" حبيبًا هو رغمًا عن قلبي وروحي و وجداني، رغمًا عن العالم ونفسي والجميع يبقى ملاذي الآمان، وملجأي الذي لا يخيب، وسندي الذي لا ينكسر ولا يغيب، يبقى أبي الثاني وحبي الوحيد وأكثر من يعلم بيّ، هو؟  هو الحياة التي لا تحلو إلا به "
لا إراديًا وجد اصابعه ترد على الحالة مرسلًا  " مين ده "
وقد كانت متصلة لتتفاجأ بإشعار رسالته الذي جعل وجيب قلبها يذادد والدهشة تحتل ملامحها 
هذه اول مرة يرسل لها!  ألم تعجبه اللوحة؟ 
لترد على رسالته مجيبة بمراوغة: 
- عادي مجرد خاطرة راودتني! 
فـ رد دون اقتناع  : 
- والله!؟ 
- عجبتك الهدية؟ 
سئلت في ترقب واهتمام، فشرد لمدة قصيرة متبسمًا وهو يردد كلماتها التي حفظها وحُفرت في قلبه، حين طال انتظاره توجست خفية فعبثت اناملها الرقيقة مرسلةً له بدمعتين تترقرقيين في عينيها  
- معحبتكش؟ 
استلقى على الفراش في نشوة وهو يُرسل لها ببريق ضوى في عينيه  : 
- عجبتني! أي حاجة منك بتعجبني أصلًا فما بالك بهدية تصممت من أيدك وسهرت عليها عينك وقدمها قلبك بس سؤال مهم  .... 
ارسل رسالته وتعمد ان يتركها دون تتمة فحين فاض بها الانتظار كتبت 
هاا، سؤال إي؟ 
- أنا عوضك وجبرك؟ 
أرسلها في تعجل حتى لا يتردد فإذا بها تتسع عينيها وهي تقرأها في صدمة  .. 
كيف له ان يقرأ ما كتبت وهي قد تعمدت كتابتها بطريقة غير مقرؤه؟ 
لكنها التزمت الصمت لردحًا من الزمن تحدق في الرسالة مبهوتة واخيرًا ارسلت منهية الموضوع وهي تدعوا بإن يكون خرج من الشات  
- طولت الكلام معاك مينفعش هروح اشوف البنات عشان بنروق الشقة عشان خالوا انس جاي. 
امنيتها ذهبت ادراج الريح وهو يقرأ الرسالة فور وصولها وظهر لها ( يكتب) فتحرجت ان تخرج من الشات قبل ان تعلم ما يكتبه فما هي إلا دقائق و وصلت رسالة التي كانت عبارة عن 
- مش عاوزة تجاوبي؟ تمام  .. روحي دلوقتي بس هعرف! 
أغلقت جوالها فورًا والحزن ظلل عينيها ودمعتين سالتين على وجهها بكل الم يعتمل صدرها  ... مقهورة هي مقهورة حقًا وذكرى أليمة لا بُد منها ولا فرار مارت في قلبها. 
لحظات قلائل وكانت تستعيد رباطة جآشها وتزيح دمعاتها مبتسمة كأنها لا تحمل همًا لكن القلوب فيها ما لا يُرى بالعين. 
كان ما ظل ممسك هاتفه لم يخرج من الشات على امل ان تجيبه فزفر زفرة عميقة في بطئءٍ وهدوءٍ، أخرجت ما يعتمل صدره من توتر وضيق، خرج أخيرًا ليجد حالة منها جديدًا للتو شُيرت ففتحها دون تأنى فإذا بها كلماتٌ حزينة أوجعت قلبه وأذاقتهُ مرارة ألمها  . 
" لقد دُفن فؤادي وما به من كل جميلٌ ورائع، من كل الأفراح والأتراح، لم بتبقى ليّ إلا الوجع فلما الحلم؟  فـ الأحلام لا تتحقق لا ضير لقد تعودت أهلًا بالأحزان أهلًا للجحيم الآتي سأستقبله بكل رحب عسى الله يرحمني من العذاب الآتي "
عذاب آتي؟  جحيم قادم؟  ماذا تقصد تلك البلهاء؟ تبًا للحواجز التي بُنت بينهما فلم يعد قريبًا منها كما كانوا وهم صغار. 
حبيبته تتألم من امر لا يعلمه! 
ملاكه تتوجع وهو لن يسمح بهذا! 
ملاك قلبه تلك الساكنة في فؤاده يحيطها بعينيه لا يمكن أن تتوجع وهو يشاهد. 
سيمتص كل الأوجاع أن حاولت التقرب منها سيحملها هو لكن محال أن يستطع رؤياها تتوجع. 

         🍃 سبحان الله وبحمده 🍃

" هتفضلي ساكتة "
قالها حمزة مترقبًا وهو ينظر إلى أروى في أهتمام التي لم ترفع نظرها إليه وهما جالسان بمفردهما بعد خروج الجميع. 
خطفت إليه نظرة سريعة في استحياء واسبلت جفنيها وهي ترد في توتر  : 
- هقول إيه؟ 
ضحك حمزة ضحكة خافتة للغاية وهمس في مرح  : 
- تصدقي ولا أنا مش عارف اقول ايه، تقريبًا أنتِ عارفة عني كل حاجة.. وكذلك أنا، نكتب الكتاب على طول عشان نبقى على راحتنا وكمان مش مهمة الخطبة.. قُلتِ إيه؟! 
-نعم؟! 
قالتها أروى في استنكار بائن، فهز حمزة رأسه قائلًا  : 
- أنتِ رافضة؟ 
- ايوه! 
- ليه؟ أنا مش شايف إننا بحاجة لفترة خطبة، نكتب الكتاب صدقيني أفضل عشان نقرب من بعض نقعد براحتنا ونتكلم براحتنا ونخرج بردوا، يعني فكري فيها كدا!
شردت أروى ببصرها عنه واحترم هو شرودها فما تكلم، حتى ألتفتت له برأسها قائلة ببسمة واسعة  : 
- موافقة. 
- قولي والله؟ 
ضحكت اروى ضحكة خافتة مستترة بين كفها ولم تعلق فصاح في مرح وسعادة  : 
- خلاص يعني نحدد كتب الكتاب بالمرة، مش مصدق هتبقي مراتِ. 
زاغت بصرها في خجل والبسمة تبزغ على شفتاها وتلجلج صدرها في سعادة متوارية. 
كل ما يحدث ما زالت تظنه حلمًا جميلًا تخشى الاستيقاظ منه! 
جلوس حمزة بجوارها تحسه وهمًا سيغدا سرابًا! 
تقافز دقات قلبها في صدرها هو الشيء الصادق في تلك اللحظة. 
من شدة خجلها وتوتر جسدها جعلها تهمس لُه هربًا حين ساد الصمت بينهما  : 
- نخرج ليهم؟ 
اومأ برأسه وسبقها للخارج وتبعته، وبعد قراءة الفاتحة والنظرات المختلسة بينهما تحمحم عثمان يجلي حنجرته، وقال وبصره على حذيفة  : 
- طب بما ان فرحتنا انهاردة متتوصفش بعيالنا في أي رأيك يا حذيفة نخليها فرحتين. 
ضيق حذيفة عينيه في ترقب فواصل عثمان  : 
- أنا بطلب ايد بنتك ملك لـ ابني معاذ  ... طبعًا بكامل موافقتك يا بنتي! 
قال آخر جملته مصرفًا بصره بحنان أب نحو ملك التي ترقرقت عينيها بالدموع وهي تهب واقفة تلجم صيحات السعادة من الأفواه وتيبس وجه معاذ الذي كان في ذروة سعادته، راحت تهز رأسها في جنون ورفضًا تام وهي تؤشر بكفيها بالرفض فغضب حذيفة و وثب صائحًا فيها لكن معاذ رغم صدمته حال بينهما لتركض هي من امام الجميع باكية بحرقة ليتبعها الفتيات للأعلى ويعتذر حذيفة بكل آسف من عثمان ومعاذ الذي قال ببسمة باهتة وكلام رجراج  : 
- لا، لا محصلش حاجة يا عمي متتأسفش، الجواز مش غصب، هي، هي  مغلطتش عن اذنكم. 
نهض فجأة مغادرًا المكان فلحق به الشباب، وبقا الصمت سائد بين الكبار لفترة طويلة من الصدمة فـ الجميع كان متيقن من موافقة ملك التي كانت صادمة. 

الهواء نفذ من حوله فجأة فراح يلهث وهو يقف معطيًا ظهره للجميع واضعًا كفيه في خصره مسبلًا جفنيه على عينيه المتألمة  .. المصدومة.. الموجوعة. 
مصدومًا من رفضها الذي ترك ندبة قي قلبه لن تبرأ. 
لا يصدق أنها نبذته بتلك الطريقة! 
كانت تبكي وكأنه جحيم سيحل عليها! 
فما الذي حصل لها بكى قلبه بحرقة ولم تبكي عيناه. 




كم مؤلم أن تظن في احد شيئًا فيصدمك بعكسه! 
مؤلم لحد الوجع، ذاك الوجع الذي لا تفسره كلمات، فقط القلب يبقى متعبًا مرهقًا مهلكًا. 
انحني فجأة بجزعه مسندًا بكفيه على ركبتيه يلتقط أنفاسه بخنقه يشعر بشيء كالحنظل عالق بحلقة يمنع الهواء عن رأئتيه. 

تبادل الشباب نظره حزينه بينهما على حاله، فوضع مالك كفه على ظهره وقد هربت الأحرف من فاهُ، فـ اعتدل معاذ مستديرًا إليهم يهز رأسه مع قوله بكل حزن  : 
- أنا كويس مفيش حاجة. 
زواغ عينيه كان ينبئ بنوابة بكاء احتاجته فسارع خالد بضمه بقوه وهو يربط على ظهره يؤازره بصمت فما نفع الكلام لقلبٌ كليل مكدودّ مكلوم وفي اللحظة الثانية كان مالك يضمها ثم حمزة طوقهم بذراعيه، لا احد يعلم كم بقوا على حالهم حتى ابتعد معاذ وقال في مرح مصتنع  : 
- والله مشفت فقر افقر مننا في الفرح نحزن والحزن نحزن بردوا، يا جدعان انهاردة مش اي يوم دي خطبة حمزة واروى مش اي حد. 
انهى قوله مع فعله بحمل حمزة على كتفه، فصاح حمزة مزهولًا من فعلته وفي اللحظة الثانية كان خالد يسرع إلى الطاولة ليجلس وهو يدق عليها بكفيه في تناغم ودندن مالك وتحرك معاذ بـ حمزة ضاحكين وهكذا غلبت فرحتهم حزنهم. 
وفي الأعلى غشى الجميع القلق على ملك التي اوصدت الباب وراءها ولا احد يدري ما حل بها. 
كان يومٍ عجيبًا حزينًا رغم الفرح الذي مر به، كسر قلب معاذ امام الجميع كانت مؤلمة، ملك المتشحة بالحزن مغلفة بالوحدة في دوامتها لا احد يعلم ما بها وما حل بقلبها. 
كان هنالك بصيصٌ من فرح لرابط حمزة وأروى الجديد.. كان كفيلًا ببث الأمل بقلوب الجميع 

         🍃 سبحان الله العظيم 🍃

دلفت منة إلى الجريدة التي تعمل فيها مندهشة من الهمسات الدائرة في فريق العمل كل مضمونها عن المدير الجديد، فعدلت من خصلات شعرها  خلف ظهرها وهي تهتف في استنكار مع جلوسها خلف مكتبها الصغير  : 
- ماذا؟  عن اي مدير جديد تتحدثون؟ ومن يكون هذا؟ وكيف لا نملك خبر عما حدث والتغير المفاجأ هذا!؟ 
فرد عليها زميل لها وهو يقترب من مكتبها  : 
-ليس كما فهمتي المدير نفسه سيبقى كما هو مع تغير بسيط في شخص اخر سيتولى الإدارة وقد اشترى الجريدة بما فيها. 
فنهضت منة ضاربة المكتب بقبضتها مع هاتفها الحاد الساخر: 
- بما تهذي يا رجل بحق الله، هل هذا كلام يستوعبه عقل؟! 
- ولمَ لا يستوعبه عقل؟ 
مهلًا، إنها تعلم ماهية هذا الصوت! 
تعلم لمن هذه النبرة العابثة! 
تعلم من هذا الذي يحوم حولها منذ ظهورها أمامه! 
لكن هيهات إن ظن أنها ستخضع لالعابة القذرة. 
رفعت رأسها في حدة ليغمز لها آجار في عبث ماكر، بينما وقف زملائها احترامًا له وقبل أن تتفوه بحرفٍ بادر هو قائلًا لها بنبرة بعثت التوجس في نفسها من شدة غلظتها وخشونتها  : 
- الحقي بيّ يا آنسة منة اريدك في مكتبي الآن لأعلمك كيف تتطاولين على مديرك. 
قالها وانصرف في خطوات مهيبة وقد لاقت به البذلة السوداء كثيرًا فذادته جمالًا و وقارًا وجذابيه. 
سيفقدها عقلها هذا الـ آجار ذات يوم، لماذا يخيفها بهيمنته تلك؟! 
دلفت وراءه المكتب وقبل ان تبدأ في ثرثرتها بادرها هو قائلًا  : 






- اغلقي الباب خلفك يا حلوة. 
حلوة!! هل يظنها نوعًا من الحلوة يود تذوقه هذا الأبله؟ 
رددتها ساخرة في نفسها وهي تغلق الباب كاتمة غيظة بداخلها لكنه لم يدوم إذ انفجرت فيه وهي تتقدم إليه  : 
- مـــــــــــاذا تريد مني؟ لماذا تلحق بيّ؟! اخبرني هيا ماذا توده … اسمعك. 
قالت آخر ما قالت وهي تعقد ذراعيها في غضب يتأجج بمقلتيها ففي برود وتللذ عاد آجار بظهره لظهر المقعد وهو يهمس ببرود راعها  : 
- يروق ليّ كثيرًا شراستك يا حبيبتي. 
- أحبك صرصورٍ يا معتوه. 
غمز لها آجار في إستمتاع قائلًا وهو يميل بجذعه مكتفًا ذراعيه على الطاولة  : 
- هذا المعتوه احبك يا صرصوري. 
ثُم احتدت نظراته فجأة وتوقدت حدقتيه بغضب وهو يقول بلكنةً تهديد لا تمت للمرح او للحنان بصلة : 
- منة الزمي حدودك معي! انا لا اضمن نفسي حين افقد اعصابي! وما يشفع لكِ عندي  ... 
ترك مقالته معلقة بتعمد لدقيقة ريثما أشار بسبابته لموضع قلبه هامسًا بصدق لامسها  : 
- هذا  ... هذا هو ما يشفع لكِ هذا، هذا القلب الذي لم يُفتح ابوابه يومًا لإيًا كان سواكِ، فتح ابوابه لكِ يا منة ولا اريدك ان تري غضبي ولا تستفزني فأنتِ ما تدري هذا التغيير الذي طرأ على حياتي منذُ دخولك فيها، أنا لم اعد انا، أحادثك بذاك القلب وليس كـ آجار، وهذا ما لم يتجاوزه احد قبلك ولن يكون بعدك. 
بكفيها إستندت منة على المكتب تميل بوجهها على وجهه وقالت  : 
- إذن تخبرني إني ليّ مكانًا بقلبك؟
- هذا إن لم يكن لكِ كله. 
عاد آجار بظهره للخلف عاقدًا ذراعيه و واضعًا قدم فوق الأخرى دون رد سوا من حرب عيون دارت بينهما قبل أن يقوم ليدور إليها وفجأة جذبها من ذراعها بحدة مع هتافه الحاد  : 
- اول البارحة هل تعلمين ما الذي أوقعتِ نفسكِ فيهِ يا ذاتِ المصائب، هل تعلمين من الذي قومتِ بتصويره غدًا وكتبتي مقال اساء سمعته أم انك بلهاء. 
نزعت ذراعها عنه تدلكة بـ آهة خافتة، ونظرت له نظرة متحدية وهي تقول بنبرة شراسة  : 
- ما دخلك فيما أعمل!  هذا عملي وانا مسؤلة به  .. حسنًا. 
مالت نبرتها للرجاء مع استطرادها  : 
- اتركني وشأني بالله عليك. 
اذرد آجار غصة بحلقة وقال بنبرة مبهمة نبئت عن حزن دفين يغلف كلماته  : 
- يا ليتني استطيع. 
وهتف فيها بنبرة آمره  : 
- من اليوم لن تذهبي لتصوير اي اشتباكات، أو تكتبي مقالات عن شخصيات قد تأذيكِ، وللعلم من كتبتي عنه اول البارحة لن يتركك لكني له لبالمرصاد. 
صمت للحظة ونظر لها بصدق ناسب قوله بحنو  : 
- منة لا أفرض سيرتي عليكِ كل ما اريده ان احميكِ من كل ما يؤذيكِ ولا تسئليني لماذا قد افعل ذلك.... 
- إذن أصدقاء؟ ما رأيك ان نفتح صفحة جديدة؟ وسأنسى كيف عاملتني ذاك اليوم في السوبر ماركت. 
قاطعة منة قوله باقتراحها فلم يتردد وهو يعتصر كفها في كفه الضخم وأكملا يومهما هي غارقة في العمل وهو مراقبتها حتى جاء نهاية اليوم ومعه نهاية يوم العمل ليعرض عليها أن يوصلها فوافقت بكل سعة.
فتحت باب السيارة لتجلس بجانبه تثرثر كالعاده وهو يستمع بكل حب وللعجب لم يشعر بالملل معها، بل كانت بسمتة رائعة ترتسم على شفتاه، بسمة خرجت من صميمُ القلب من ذاك الجزء الذي انارته وسكنته دون إذن وهو صاحب الدار، ورغم انها اقتحمته دون أذنه كان سعيدًا بهذا الاقتحام الذي اعاد له جزءًا من نفسه. 
تلك البسمة التي تشرق القلب بنظرة جميلة لا تفسره منبعها من القلب ليست زائفة. 





- لم تخبرني شيئا عنك وأنا قد أخبرتك بكل شيء... 
ليس الآن وليس اليوم وليس في الأيام القادمة هو عن نفسه لا يريدها أن تدرك حقيقته ابدًا لكن حتمًا يومٍ ما سيتحلى بالشجاعة ويخبرها، فلتبقى بعيدة عن حياته. 
بعيدة  !  وهكذا يبعدها عنه! 
وماذا يفعل وقلبه يتحكم به ولا يستطع صبرًا  على هجرها!
هكذا قاطعة شروده الحالم بقولها وقد كانت اخبرتها عن عائلتها والدتها مصرية وتوفت حين مولدها وقبل عام  .. عام واحد فقط رحل آخر من كان لها وذهب والدها بسبب احدى الرجال الكبار الذين خاضت في البحث وراءه و وراء جرائمه ليجعلها تدفع الثمن وتبقى يتيمة، هذا اليوم الذي عادت فيه من عملها لتجد والدها بالمنزل يستحيل رمادًا ومن يومها لم تهنأ بفرح او حب او اهتمام أحد تيتمت نعم  .. وكم مؤلم أن يفقد الأنسان كل ما له في طرفة عين. 
- لا ارحب أن تعرفي شيء عن عائلتي وعني الآن دعي الامور تسير كما ميسر لها. 
هكذا راوغها هاربًا من المصارحة. 
فليبقى في نظرها رجل الأعمال ذو العائلة المرموقة وكفى! 
لا يريد شيئًا أخر أليس أفضل أن يسقط من نظرها؟ 
التستر خلف قناع الاحترام هيبة لا يود فقدها في نظرها ابدًا. 
لقد أصبحت الجزء النظيف في حياته ولا يبغى تدنيسه بجرائمة وحياته. 
ومن مرآة سيارته لمح سيارة تلحق به كان قد ظنها في بادئ الأمر مصادفة لكن السيارة تتبعه منذُ مغادرة مقر عمل منة
بدا الأمر مريعًا لـ مِنة التي اتسعت عينيها وهي تلاحظ شرود آجار في السيارة التي خلفهم، فنظرت له قائله بنبرة جزع  : 
- ما هذا هل هذه السيارة تتبعنا! 
لم تحصل على رد وراقبت تعابير آجار التي استحالت إلى غضب أعمى وهو ينعطف بالسيارة لطريق جانبي خالي نوعًا ما من السيارات فـ حادت ببصرها للوراء تراقب السيارة بقلبٌ مرتعب وعينين مثقلتين بالقلق، احتكاك السيارة بالأسفلت و وقوفها المفاجأة الذي جعلها ترتج للأمام والخلف نبئها عن أمر جلل فما رفعت رأسها حتى أبصرت سيارة تسدُ طريقهما تقف بالعرض فنقلت بصرها إلى آجار الذي كان يُخرج سلاحًا من خاصرته ويسحب الزناد وهو يهتف بنبرة آمرة حازمة  : 
- لا تخرجي من السيارة مهما حدث. 
خبأ السلاح في خصره مجددًا بعدما هيأه للطلق في أيةً لحظة وترجل من السيارة يرمق السيارات التي بدأ يخرج منهما رجالٌ يتقدمن إليه فهز رأسه يمنه ويسر وهو يغلق الباب بقدمه ويتجه إلى رجال السيارة التي سدت طريقه و وقف أمام احدهم كان يتقدم وبدا إنه الآمار الناهي عليهم. 
دقائق مرت وهما ينظرا لبعضهما بصمت، حتى أشار الرجل برأسه نحو سيارة آجار مع قوله بنبرة لم تخلوُ من الاحترام: 
- اعذرني سيد آجار على وقوفي في طريقك لكن  ...  لكن الفتاة نحتاجها بأمر من السيد جاك. 
وطلبه بقى معلقًا لدقائق كأنه لم يتفوه وما كاد أن يعيد حديثه حتى حرك آجار كفيه مشبكًا إياهما خلف ظهره وضيق عينيه مع سؤاله  : 
- ولماذا يريدها السيد جاك؟ 
أطرق الشاب رأسه لبرهة قبل أن يرفعها قائلًا  : 
- ماذا نفعل بمن يتعد علينا ويحوم حول عملنا برأيك؟! 
أنت أكثر من يعلم ذلك سيد آجار! 
فحك آجار جبهته بإبهامه وسبابته وتنحى جانبًا وهو يبسط كفه له ليتقدم قائلًا  : 
- إذًا لكَ هذا خذها من داخل السيارة. 





تحرك الشاب وما كاد ان يتجاوزه إذ وضع آجار قدمه أمامه على غفلة ليتعثر الشاب ساقطًا على وجهه وفي ذاتِ اللحظة كان يشهر آجار سلاحه مطلقًا على باقي الرجال في طرفة عين وقدمه جاثمة فوق ظهر الشاب الواقع 
انحنى آجار متفاضيًا رصاصة مرقت من جوار أذنه جائته من الجانب الأيسر من ثلث رجال يهرعن نحوه فقفز للخلف منقلبًا بجسده يدور به دورة كاملة وهو يختبئ منهم وقد ادرك أن سلاحه قد أنهى ذخيرته فضربه على الأرض في غيظ وهو يشرائب برأسه ليرمق احدهما يتقدم نحوه والآخر من الخلف والثالث يطمئن على الشاب الذي اوقعه فوثب واقفًا في تلك الأثناء الذي وجه له الشاب لكمة ليمسك قبضته عاصرًا إياها ويلوي ذراعه ويرجع رأسه للخلف قبل ان تهوى على جبهة الشاب عدت مرات ليسقط ارضًا. 
رصاصة اخرى دوت في المكان لم تصب هدفها بفضل منى التي فتحت باب السيارة ليخبط في الشاب وتعاجله بحقيبتها على وجهه فـ اسرع آجار ليبعدها ويركل الشاب ويبرحه ضربًا. 
- ما تفعله خاطئ يا سيد آجار وانت تعلم هذا!؟ 
أنت تفتح ابواب الجحيم علينا جميغًا. 
- فلتنفتح إذًا. 
قالها آجار وهو يندفع للشاب الذي لكمة لكمة قوية في جانب وجهه فردها له، لم يكن الشاب أقل منه مصارعة وبراعة لذا كانت المعركة الدائرة بينهما شرسة يرد كلاً منهم الضربة للآخر. 
حتى سقط آجار ارضًا ونهض مقلبًا كفيه عن الغبار ومسح الدم من وجهه ورمق منة التي كانت تبكي بـ بأرتجاف قبل ان يستدير للشاب الذي قال في أسف  : 
- أنت من بدأت يا سيد آجار  ... لذا...... 
اندفع يود لكمة لكن آجار انخفض بجذعة لتضرب قبضته الهواء، ومع انحناء آجار كان يمسكه من كتفيه رافعًا ركبته لتهوى في معدته اتبعها بـ لكمة على عينيه لتتشوش رؤيته ودفعه الشاب تلقائيًا بقدمه فـ دار آجار حول نفسه قبل ان يلكمه في وجهه على السيارة وقبل ان ينهار كان يثبت جسده وانهار عليه لكمًا وهو يجأر في شراهة  : 
- وانا ايضًا لم اود قتلك أنت من أيقظ ثورتي فوجب عليك تلقيها وذاك الذي فر هاربًا ليخبر سيده حسابه معي عسير. 
أنهى عبارته تاركًا إياه ليسقط، فمسح كفه بوجهه وهو يدنو إلى منة قائلًا  : 
- أنتِ بخير؟ 
سؤاله لم يكن له معنى فهي لست بخير جسدها ينتفض، ودموعها كالشلال على وجهها فتنهد بضيق وهو يقترب ساحبًا إياها إليه يطوقها بحماية يكتم شهقاتها في صدره. 

لقد بدت كطفلةً صغيرةٍ تائهة ضائعة والأقسى يتيمة ، وهو راقه أن يكون  الأب  الذي يحتويها ويطوقها ويحميها بكل حُب دموعها ورجفة كلماتها كانت تكوي قلبه كيًا. 
وتحرق روحه حرقًا. 
فود لو  أن يزيح دمعها بقبلاته، ويمتص خوفها إليه. 
أراد وبشدة أن يضعها بكل حذر داخل فؤاده ويغلق عليها ببان قلبه أو تظل دائماً بين ذراعيه هكذا. 
طفقت منة تهذي بكلماتٍ غير مفهومة  : 
- أنا خائفة سيقتلوني الآن أنت أنقذتني من سينقذني منهم في المرة القادمة اريد أن أريد ان اموت. 
وتمنيها أشعل لهيب خوفه الذي أسكنه وهو يرفع رأسها بحده ليقبلها كأنها يردعها عما تتمنى! 
او انه يثبت إليها أنها له ملكه ولن يتركها ترحل وان ارادت. 
لماذا كلمة الموت ادمت قلبه وأصابته بالرعب والجزع؟ 
هذه الكلمة مخيفة حقًا  .. مخيفة لغير المستعد لها. 
شُل جسد منة من فعلته وتسمر ذراعيها بجانبها تاركة جذعه فـ ابتعد هو أيضًا مصدومًا مما فعل وتقهقر للخلف خطوة. 
همست منة اخيرًا بعينين تكاد تخرج من محجريهما  : 
- ما الذي فعلته! 
- أحبك، هل سبق وان اخبرتك قبلًا؟ 
هكذا قال آجار قبل أن ينظر إليها مغمغمًا  : 
- أوه، لقد علمت كيف اكبح ثرثرتك ودموعك حبيبتي. 
بقت على حالها بينما تابع هو في مرح  : 
- اقسم لكِ يا فتاة أنك تصبين الشخص بالصم من ثرثرتك.. آه ليكن لديكِ علمًا من الآن ستعيشين معي في بيتي 
انفرجت شفتاها لتتكلم فعادت تطبقهما في زهول ذاك الأبله. 
ما به يتحدث بـ اريحية كأن ما حدث لم يحدث؟ 
بينما استأنف آجار  : 
- انا لا اعيش وحدي مع أختي وأخي سيتزوج قريبًا لو تعلمين! 
وكيف لكِ ان تعلمي بالأساس؟  من الآن لن اتخلى عنك سأكون لكِ الظلُ الحارس. 
لانت نبرته وهو يردف وعيناه تبرق بوعد صادق لامس روحها  : 
- اعتبري إنه من اليوم أنتِ لستِ وحيدة لأني موجود سأكون لكِ كل ما تريدين وسأحميكِ من كل أذى من اليوم وأنتِ  ....  قطعة من قلبي، القطعة التي لا اسمح لأحد المساس بها لأن في أذيتها نهايتي وموتي وفقدي لروحي. 
أسبل جفنيه عن عيناه التي تفضح ما بقلبه قبل أن يفتحهما ليمسك كفها ويفتح لها باب السيارة لتصعد ويصعد بجانبها ومر الطريق بصمت تام حتى توقفت السيارة أمام بيته وترجلا داخلين للداخل لترحب بها هنا وتستقبلها اروع استقبال وهي سعيدة بوجود فتاة ستشارك معها يومها وأيامها. 
وبعدما أدخلتها لاحدى الغرف واطمئنت عليها عادت إلى آجار الجالس في شرود ضامم إحدى الوسائد لصدره فجلست بجانبه وتساءلت  متعجبة  : 
- هذه حبيبتك؟ كم حبيبة لديك يا آجار بحق الله وناردين يا بني اين ذهبت؟ لم اعهدك هكذا قبلًا ما الذي حل بك؟! منذُ متى وانت تسمح لقلبك ان يحب جميع من عرفتهن  كانوا مجرد لحظات عابرة في آحدى الملاهي ما جرى لك يا اخي؟ 
نظر لها آجار نظرة عميقة قبل أن يتسائل بالامبالاة: 
- من ناردين؟! 
ضربة هنا جبينها في كفها وهي تهتف في استنكار  : 
- من ماذا يا حبة عيني؟  ناردين تلك التي كدت تموت من أجلها في المستشفى حتى ظننتها زوجتك وأنت تخبي علينا. 
رفع آجار قدمه اليسرى لعقدها أسفله وهو يلفت لها مردفًا  : 
- ما بكِ يا هنا هلا اخبرتيني؟ 
أظنك بحاجة لطبيب نفسي هذه الأيام. 
فتارة تظني إني كنت معك بينما انا غائب! 
وتارة تقرنين بيّ حبيبة لا اعلم من تكون. 
جزت هنا شفتيها بغيظ ولم تعلق و ونهضت ضاربة قدمها في قدمه اليمنى وهي تبتعد. 

    🍃 سبحان الله العظيم وبحمده🍃

جلست "منة" على ارجوحة في حديقة منزل آجار وهي تشعر بالغربة وكم تمنت أن تعود لبيتها الذي يحوى رائحة والدها. 
هذا العبق والله كفيل لجعلها تطمئن. 
جدران البيت تبثُ لها ذكريات الأمان فيسكن خوفها. 





لكن الأمان الآن يتمثل في آجار فقط
تبًا لهذا الحب لأنه ينساب بنعومة إلى القلب فيحتلها. 
لماذا تشعر بالوحشة وأن رأته تُسعد وتُسر. 
وجوده يكون امانًا وغيابه خوفًا. 
_ هلا أوقفتِ التفكير بيّ قليلًٕا فـ أنتِ تُشغليني. 
تنبهت لصوت آجار أعقبه جلوسه بجانبها وسئلها في اهتمام  : 
- مرتاحة هُنا ؟ هل ينقصك اي شيء؟ 
هزت رأسها واردفت شاردة  : 
- انا لن ابقى هنا طويلًا أليس كذلك؟ بالأخير أنا لست محبوسة! 
حدجها آجار بنظره لم تفهمها قبل أن يُحرك الأرجوحة بهما وهو يجيبها  : 
- كل شيء سيعود كما كان وستعودين لمنزلك وحياتك فقط لأصل لحل وسط مع هذا الرجل. 
ثُم دفع جانب رأسها وهو يهتف  : 
- عسى هذا العقل يتعلم ويكف عن الركض وراء الكبار الذين هم أنتِ في نظرهم نملة لا تُرى تحت الاقدام. 
زفر بضيق وهو يتابع في غموض  : 
- هذا العالم لا تغوصين فيه يا منة لأنك أنتِ الخسارة لو لم اكن بجانبك لكنت ميتة الآن. 
سكت وسكن الجو من حولهما إلا من إلتفاته كانا يختلسها من بعضهما 
لفحهما هواءً جميل تطاير لأثره خصلاتها فبدت له كـملاك تجلى من السماء بشلالات من نور تضيء حياته الحالكة. 
قاطع الصمت بينهما قول منة التي ظهر الأرتعاش في نبرتها  : 
_ آجار هل انا محطة عابرة في طريقك ستذهدها يومًا ما؟! 
_ ليتكِ كنتِ كذلك، يا ليت! 
قالها آجار في نفسه وهو يلتفت برأسه نحوها لتتلاقى أعينهم بحديث صامت لم يطيل وهما يبتعدا ببصرهما للأمام وخيم الصمت مرة أخرى حتى ظنت إنه لن يجيب وأن الرد هو نعم هي مجرد محطة في حياته سيغادرها يومًا حتى يصل لمحطته الأخيرة و وطنة. 
لماذا وجعها هذا الخاطر؟ 
من يكون هذا الـ آجار؟ 
هي ستدفن ذاك الحب قبل أن ينبت أكثر 
وستقطع بذرته من الجذور.
دمعت عينيها بدموع أبية. 
لم يتفوه أحد ببنت شفه لردحًا من الزمن حتى شق الصمت آجار بقوله: 
- أخشى أن لا تصدقين؟ 
رده أعاد لها بعضٍ من الأمل وهي تسئله  : 
- لماذا لا أصدق؟ 
- ربما لا توافقين 
- ما الذي لن اوافق عليه؟ لماذا يبدوا كلامك مبهم هكذا.. أخبرني هل ستتخلى عني يومًا؟ هل ستعلقني بك وترحل؟  هل تعطي لحياتي أملًا وتتركني انا اخاف الوحدة رغم أني اعيش بمفردي! 
أخاف الناس واخاف التقرب منهم! أهاب ان يطعنني أحد أحبه قلبي حبًا جمًا، أخشى الغدر أن يأتيني ممن ظننته نفسي.. اجزع من الأنسياق حول مشاعري نحوك، اخاف ان تحلق بيّ لسابع سماء وبعدما أطير تاركة لك نفسي في استسلام أن تخذلني وتلق بيّ لسابع أرض، هل ستفعلها آجار؟ 
_ هل ينزع المرء روحه من جسده؟ هل يقتلع قلبه من صدره؟ هل يمكن للأنسان ان يأذى نفسه؟ 
هوت دموع منة فـ أقترب بوجهه ملثمًا دمعاتها وعينيها وطوق كتفها لترتاح رأسها على صدره بينما أردفَ آجار وهو يسند رأسه على رأسها  : 
- ربما لا تفهمين حياتي! أنا في امس الحاجة إليكِ، قلبي يمد يده لكِ لتنزعيه من هذا المستنقع الذي لا فرار منه، مستنقع وجدت نفسي مزروعًا فيه رغم انفي، أريدك أن تحييني يا منة فـ أنا قلبي ميت يتلهف للأنعاش ليسترد نبضه، أريد نورك ينير دربي الحكالك كوني ذاك السراج الذي لا ينطفئ. 
صمت لبرهة وقال في ألم  : 
- ربما تتعجبي من تمسكِ بكِ والأدهى حبي!  لكن يقولون ان القلب ينتمي لوطنه مهما تغرب لا بد له من العودة وأنتِ وطني الذي وجدت راحتي فيه وملاذي أنا من ارجوكِ ألا تتركيني وإلا اموت. 
كلماته لم تذيد دمعاتها إلا انهمارًا، كفيها تشبثت بملابسه أكثر. 





كأنها تهاب من أن يختفى من حياتها ويتركها. 
فلا جرم إذ راحت تشهق وذكريات موت والدها تتدفق في خُلدها وهي تقول بنبرة تقطر حزنًا وكأن كلماته نكأت جرحها الغائر فما ذادته إلا نزفًا  : 
- لماذا لم تكن معي حين قتلوا ابي كنت وحيدة يا آجار بمفردي كانت اخاف ان أغمض جفنايّ فيقتلوني هاجرني النوم وكنت أعيشُ في رعب كنت انتظر الموت يهاجمني في أيةً لحظة كنت يتيمة كطفلة ضاعت من والدها وسط الزحاف فتاها عن بعضهما، لماذا لم تظهر حينها لتحميني؟  لماذا لم تكن معيّ؟ لماذا تركتني أعيشُ في رعب وانتظر موتي حتى تعبت، تعب قلبي وتعبت نفسي وحالتي ساءت. 
_ آسف. 
قالها آجار بكل أسف وكلماتها كخنجر يطعن قلبه فيصعقه رفع وجهها واحاطة بكفيه وهو ينظر لعينيها الامعة بالدمع في حب فسئلته بإرتباك  : 
- عمَّ تتأسف؟ 
- لأني كنت بعيدًا عن "منتي" وهي في أشد الحاجة لوجودي! 
أعتذر عن كل دمعة نزلت من عينيكِ بعيدًا عن صدري! 
أسفٌ لكل خوف احتل قلبك في غيابي. 
أسف على قسوة الحياة  وكل رعب وترقب للقادم عشتيه بمفردك. 
أسف وألف أسف على كل ما مضي لكِ. 
كان دورها هي الآن لتضم رأسه إلى صدرها في حنان امٌ تهون عن طفلها وجعه فـ اغمض آجار عينيه والأمان يستكين بين جنبات روحه وقال في همس  : 
- سأعوضك سأجعلك تنسين كل لحظة خوف داهمتك سأجعل من جعلك بتلك الحالة ان يتذوقها أقسم بأني ساجعله يجن ولا يجد علاجًا سيدفع ثمن كل دمعة نزلت من عينيكِ يا ذاتِ العينين النجلاوين. 
كلماته كانت تخرج من فمه بلا وعي، ويتخيل هيئتها وهي خائفة جالسة تضم قدميها إلى صدرها تحيط بهما بذراعيه وجسدها ينتفض، وقلبها يرتجف ودموعها لا تجف ونظرها عالق على الباب في انتظار ملك الموت.. فقست عينيه وهو يتذكر إسم قاتل والدها! 
_ آجار أين ذهبت احادثك؟ 
تنبه آجار لـ منة وهو يبتعد قائلًا  : 
- معك.ماذا كنتِ تقولي؟ 
- فيمَ سرحت؟ 
- لم أسرح، أخبريني ماذا قُلت ولم أنتبه. 
بغيظ سئلت منة وهي تعض على شفتيها  : 
- سئلتك هل انا عينايّ نجلاوتين حقًا؟ 
- ولمَ أكذب؟! 
قبل جبهتها وهو يقوم ليبادرها قائلًا بوداعة  : 
- عيناكِ ساحرتين و واسعتين بلونهما الرمادي عن قُرب، كفاكِ سهرًا الآن هيا إلى غرفتك لتنامي. 
امتثلت له دون جدال وأوصلها إلى غرفتها وتوجه هو لغرفته.. 
في صباح اليوم التالي، كان صباحٍ مشرقًا وإشراقة تسلل إلى قلب آجار بفرحة غامرة وهو يتجه من توه فور أنتهاءه من تبديل ملابسه وتصفيف شعره نحو غرفتها ليطرق الباب في أنتظار صوتها يداعب اوتار قلبه لكنه لم يحصل إلا على الهدوء التام







 فتواتر دقه على الباب دون ان يتلقى رد ففتح الباب يشمل الغرفة بنظره فلم يجد أحد بها توجس خفيةً في نفسه وهو ينادي بإسمها مع فتحه باب دورة المياه الذي وجده فارغًا أيضًا نزل الدرج بخطوات سريعة شبه راكضة وهو يبحث عنها كالمجنون لكن لا اثر لها لا في البيت ولا الحديقة 
كاد أن يتصل على هنا في المستشفى ليسألها لولا رنين هاتفه معلنّا عن رقم غير مسجل ليرد في تلهف ليأتيه صوت رجل يقول بنبرة جادة  : 
- من تبحث عنها معنا، تعال أن كنت تود أنقاذها، حبيبتيك الاثنيين معنا وأنت الأحرى في من تنقذ ومن تريدها أن تعيش نحنُ الآن في  .........  بإنتظارك سيد آجار وتعال بمفردك دون صحبة  ...  سلام. 
هاج وثار وهو يصرخ في الهاتف الذي أُغلق دون أن يعطيه فرصةً بأن ينبس بحرفٍ زأر آجار وهو يركض آخذًا سيارته يقود بسرعة تسابق الريح غير عابئ بالسيارات التي كان يتجاوزها بالامبالاة ولا بالسيارات التي اصطدم بها، لم يكن يلاحظ بالأساس مشاعره هي من كانت تسوقه لا إراديًا منذُ ساعات فقط بالليل كانت بين يديه تتوسد راسها صدره يفصح بحبه وتبوح بمكنون قلبها فهل يفقدها بتلك السرعة. 
الحياة بكل ما فيها كانت تطوى على انفاسه فيشعر بالاختناق وحاجته للأكسجين الذي تلاشى بغتة من حوله. 
ما الذي قد يحصل له لو حدث لها شي؟ 
يقسم بإنه قد يهد الدنيا بما فيها ناهيكم عن الدنيا قد يهد الحياة بكل من عليها ويحرق الأخضر واليابس او بالأحرى  ... 
سيكون جسدٌ بلى روح. 
وقلبٌ بلى نبض. 
أيا قلب انتظر لا تتوقف الآن نبضك سيعود ليسكنك ولن يكون غيره مسكنًا. 
فيا روح تمهلي لا تثوري ولا تغادري الآن قبل استعادتها ستجديها وتضميها حتى لا تختفى مرة اخرى. 
بالطبع هي خائفة الآن تكاد تموت من شدة الرعب! 
تبًا له لماذا أدخلها عالمه وهو يعلم أنها نقطة ضعفه التي سيكسروه بها؟! 
اوقف سيارته في المكان المنشود، منزل بسيط نوعًا ما في مكانٍ نائي، فتح تابلوه السيارة ليأخذ السلاح ويسحب الزناد وهو يترجل من السيارة في نظرة واحدة تناهى له اربع رجال ليختفى من امامهم يوارى نفسه عنهم






، وأخرج كاتم للصوت ثبته في السلاح، عيناه بقت لثوانٍ زائغة قبل أن يسير بمحازة السيارة مشهرًا سلاحه ليطلق علي الرباع قبل ان يتداركُه




 ما ان وصل لديهم انحني ملتقطًا سلاح واحدٍ منهم واندفع للداخل مشهرًا إياهم وهو يدور حول نفسه هُنالك تم تراشق ضرب النار مع رجال كانوا متناثرين بالداخل فراح يختبئ ويطلق بمهارة وكل رصاصة تصيب هدفها ببراعة وهو يتسلل للداخل غير عابئ بنفسه بأن يصيبه أذى كان غير مهتمًا بحياته من الأساس يخرج أمام الرجال يطلق عليهم وهو يتحرك للداخل كالطود العظيم ويتفادى رصاصتهم بكل داهية. 
قرب المنزل ركض دافعًا الباب بقدمه وهو يشهر سلاحيه للأمام أمام  ....  أمام نفسه  ؟!!!! 
نعم كان صورةٍ طبق الأصل منه الآن أمامه موجهًا سلاحًا عليه بأنفاسٍ متلاحقة وأعيُن قلقة خائفة، وكفٍ مرتعش بالسلاح وبنطال من الجينزل الأسود وتيشرت بنصف كُم من اللون الأسود. 
وقف جان وآجار كلاهما امام بعضهما موجهين كلا منهما السلاح لصاحبه، لكن الصدمة الأكبر كانت من نصيب آجار الذي تقافزت دقات قلبه كالطبل من فرط الصدمة..... 

ربما تظن إلتقائهما بداية لكن هذا اللقاء سيكون دمارًا سيحطم القلوب




 إلتقاء لشيطان سينفث فيهم انتقامه وهم سينساقوا خلفه كـ المعاتيه فـ أحذر فالعاصفة قادمة

 بدمار ليس له نهاية او  ...  سيكون ربما. 

                    الفصل الرابع والعشرون من هنا

لقراة باقي الفصول اضغط هنا




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-