أخر الاخبار

رواية ليدي نور )الفصل الثالث عشر13بقلم داليا السيد


رواية ليدي نور 
الفصل الثالث عشر13
بقلم داليا السيد


عمة.. عودة
رأت نفسها تجلس بحديقة القصر كما كانت تفعل وهي صغيرة وكأنها تنتظر موعد الدرس التالي ولكنها رأت جدها يتقدم منها فنهضت واقفة وهو يقول "كيف حالك يا أميرتي؟" 
جلس فجلست أمامه وقالت "متعبة جدا جدي وجدتي تركتني ورحلت ولكني سعيدة أنك عدت من أجلي" 
قال بجدية "عدت لأن أحوالك لا تعجبني، لم تسمعي لكلماتي لك، أخبرتك أن الرجل بحياة من هم مثلك دمار وحزن وألم" 
أخفضت وجهها وقالت "ولكن جدي" 
قاطعها بحزم "ليس هناك لكن ما حدث كان خطأ ولن يتكرر وعليك أن تعودي لحياتك التي علمتك إياها لأن هذه هي الحياة التي تبقيك على القمة بلا أحزان أو ندم" 
هزت رأسها وقالت "حاضر جدي سأفعل" 
نهض واقفا فنهضت وقال "الآن ستعودين لحياتك ولقوتك وعليك أن تأخذي حقك ممن طعنك بظهرك ولا تتركيه ولا تثقي بأي أحد نور أي أحد حتى أقرب الأقربين، حتى ولو لم يكن محل شك ولم يكن سواه محل ثقتك، لا تثقين به" 
هزت رأسها، كاد يذهب ولكنه التفت وقال "على فكرة لقد فقدتِ جنينك وهذا أفضل كي لا تربطك بالماضي أي قيود" 
هتفت "فقدته ولكن" 
أمسكها من ذراعيها بقوة وقال "كفاك ضعف، عودي لنفسك نور أنت لم تعودي تلك الفتاة الصغيرة، استيقظي، هيا استيقظي وانهضي وعودي لقوتك هيا" 
وأخذ يهزها بقوة ارتج لها جسدها أكثر من مرة حتى شهقت فجأة ولم تكن تعلم أن وقتها قلبها قد توقف عن الخفقان والأطباء كانوا يقومون بالصدمات الكهربائية التي هزت جسدها بقوة ربما تعيدها للحياة مرة أخرى أو قد لا تعود.. 
****
كانت الحفلة كبيرة بأحد النوادي الشهيرة بالقاهرة، ظل جالسا بغرفته ولم يخرج رغم تأخره حتى دخل عز وقال بعصبية "ماذا رائد؟ فيما انتظارك لقد تأخرت" 
لم ينظر إليه وقال "لا أستطيع عز، لا أستطيع، أشعر بضيق بأنفاسي لا أعلم سببه" 
زادت عصبية عز وقال "كفاك تضييع للوقت رائد، أنت لست ضعيف ولا جبان ولم تخف يوما من مواجهة الجمهور ثم فشلك سيجعلها تبتسم وتسعد لأنها دمرتك" 
استفزه كلام عز فنهض ونفض شعوره بالقلق الذي انتابه منذ أول اليوم وامرأته الوحيدة والتي سلبته قلبه وعقله كانت بذات الوقت بين أيادي الرحمن والموت يقترب منها وهو لا يدري فقط شعور بالقلق وانقباض بالقلب انتابه ولم يعرف سببه
كلمات عز أصابت كبرياؤه بحدة فقال بغضب "أنا بالفعل لست جبان ولا ضعيف عز ولا تجرؤ امرأة على تدميري ولكن لا تنسى أن ما مررت به كان كثير وليس من السهل نسيانه" 
واجهه عز وقال بقوة "ولكن عليك أن تفعل رائد واليوم أول درجه في سلم النسيان، اخرج وواجه مستقبلك وإلا ستنهار وتدمر كل ما صنعته بالسنوات الماضية" 
ظل ينظر له بصمت ثم هز رأسه فابتسم عز وربت على ذراعه فتحرك للخارج حتى وقف على المنصة وسط تهليل الجماهير وما أن أمسك قيثارته وبدأ يعزف وقد أغمض عيونه حتى انسابت الكلمات الحزينة من بين شفتيه ترثو حاله وحال قلبه المتألم على من أحب وانخدع بها وتوالت كلمات الألم والحزن وهو لا يدري أن من أحبها ترقد الآن بين الأجهزة وقد توقف قلبها عن الخفقان من كثرة ما واجه من ضغوط وأحزان وربما فقد كصاحبته أي رغبة بالحياة.. 
انتهت الحفل وسط التصفيق الحار وهتاف المعجبين فعاد إلى غرفته فواجه عز بسعادة قائلا "ثلاث حفلات واحدة بالإسكندرية واثنان بالساحل والعالمين" 
أشعل سيجارة وقال "ومن أين ستجد الوقت لكل ذلك؟ هل نسيت" 
قاطعه عز "لا رائد لم أنسى ولكنك لن تعود لندن الآن أليس كذلك؟" 
التفت له وقلبه يدق بقوة ونظرات عز تمتلئ بالإصرار فأدرك أنه على حق فابتعد وقال "وهل ستلغي الاتفاقات؟" 
ابتعد عز وقال "هذا عملي رائد تعلم كيف أدير أموري جيدا" 
لم يرد وانشغل بالأيام التالية في الإعداد لأغنيات جديدة وقد انطفأ حبها داخله ولم يعد يضيء شموعه إلا عندما يجلس وحيدا تحت ضوء القمر عندما يصبح هلالا ضعيفا والنجوم تتدلى من طرفه وقتها يتذكر تلك الليالي التي كان يقضيها معها وكم كانت جميلة ورقيقة ولكن يستيقظ على تلك الصفعة القوية من الماضي ليعود الألم فيكسر جمال الذكرى ويبخرها إلى سراب يتلاشى وسط الظلام المحيط.. 
دفع عز الباب ودخل فنظر له وقال "ماذا بك؟ ألم تجد حجز أم ماذا؟" 
رأى ماري تدخل خلفه فأبعد وجهه وهي تقول "رائد كيف حالك؟" 
أشعل سيجارة ونفخ دخانها بعيدا وهو يعيد نظره لقيثارته ويضبط أوتار القيثارة وقال "بخير، متى وصلتِ؟" 
تقدمت وطبعت قبلة على وجنته وقالت "حالا، عز رفض أن يأتي ويصحبني من المطار فأتيت وحدي الفندق مشهور ومعروف" 
لم يرد بينما قال عز "لنعد لغرفتنا ماري ونتركه ليكمل عمله" 
ولكنها اقتربت منه وقالت بإصرار "ألا يريد أن يعرف أخبار الليدي؟" 
تصلبت يده على أوتار القيثارة واسود وجهه ولم ينظر لها بينما قال عز "ماري هيا بنا الليدي انتهت من حياته" 
ولكن ماري قد أتت بعد أن سرب أحدهم ذلك الخبر للميديا فقط ذلك الخبر دون الإخبار عن أن الليدي أصيبت بنوبة قلبية أو أن هناك من أجهضها فقط أنها أجهضت 
قالت ماري بسعادة "وستنتهي من حياته أكثر عندما يعرف أنها أجهضت الجنين" 
جف حلقه وتعرق جبينه رغم المكيف وشعر بوخزة بصدره وهو يشرد ببصره بعيدا ويذكر كلماته لها ولكن عز قطع أفكاره وهو يقول "هل ارتحت الآن؟ هل نذهب؟" 
وتركه الاثنان وخرجا، سقطت القيثارة من يده ونظراته ترتد إليه بالذكرى ولا يصدق أنها فعلت ذلك، هل بلغت بها القسوة لأن تقتل روح بريئة لا ذنب لها؟ 
أغمض عيونه وتراجع وهو يمرر يداه الاثنان بشعره وهتف بألم "ليست وحدها القاسية فأنا من طالبتها بذلك وقد فعلت" لم يكن حب، ما بداخلها تجاهه لم يكن حب بأي يوم، فتح هاتفه وحاول الوصول لأي أخبار خاصة بها ولكن لم يجد أي شيء خاص بها فقط خبر الإجهاض تحت صورة حزينة لها تأملها ومرر يده عليها للحظة أخذه الحنين إليها ليحيي ذكرياتهم السعيدة سويا ولكن سرعان ما أحرقته الذكريات السيئة فأبعد الهاتف وتراجع بالمقعد وهو يغمض عيونه ولا يعلم لماذا يتألم لفقدان الجنين رغم أنه من طلب ذلك؟؟ 
بالطبع استمع لنصائح عز بعدم العودة للندن بالوقت الحالي ربما تشفى جراحه وينسى ما كان فاستجاب وقد شغله عز بالكثير من الحفلات بمصر أما ماري فظلت تبث سموم كثيرة برأسه تجاه نور والأمير ولكنه ابتعد عنها ورفض كل محاولتها للتقرب منه وإعادة علاقتهم فتملكها اليأس منه وقررت العودة للندن
تنقل كثيرا داخل مصر، بالساحل وشرم والغردقة واسكندرية حتى عاد القاهرة وقد استأجر له عز فيلا بمكان هادئ حتى تنتهي أعمالهم التي طالت، دق باب غرفته فأذن لتدخل الخادمة وتقول 
“هناك امرأة تطلب رؤية حضرتك"
نظر إليها بدهشة وقال "امرأة؟ أي امرأة؟ ما اسمها؟" 
قالت الفتاة "لا أعرف يا فندم لم ترغب بإبلاغي" 
شعر بالضيق بالطبع أحد المعجبات فقال بعصبية "بالطبع أحد المعجبات أبلغيها أني مشغول" 
قالت الفتاة "لا يا فندم، هي امرأة بأواخر الخمسينات ولا تبدو مثل المعجبات وملابسها ليست جيدة وتصر على لقائك" 
صمت قليلا ثم قال "حسنا منى أنا قادم" 
نزل من غرفته وتقدم لتلك المرأة القصيرة التي منحته ظهرها الذي انحنى للأمام وما أن اقترب منها حتى قال "مساء الخير، هل هناك شيء يمكن أن.." 
ولم يكمل والمرأة تلتفت إليه فينتهي الكلام وتتحجر الكلمات وتتيه النظرات وتحل حوله ذكريات.. 
****
فتحت عيونها لتبحث عن جدها الذي تركها ورحل كما تركتها جدتها لترى أجهزة طبية تحيط بها فأغمضت عيونها لتستعيد نفسها وقد أدركت أنه كان حلم أراد جدها أن يرسل لها رسالته من خلاله وتذكرت كلماته ثم الإجهاض، تسارعت دقات الجهاز المتصل بها مع تسارع دقات قلبها لتجد ممرضة تسرع إليها والفزع على عيونها ولكنها هدأت عندما رأتها تنظر إليها فهتفت
“ليدي هل أنت بخير؟"
هزت رأسها وقالت بصوت واهن من التعب "نعم، ماذا أصابني؟" 
تجهم وجه الفتاة وقالت "نوبة قلبية ليدي وغيبوبة دامت اسبوع و" 
أخفضت الفتاة وجهها فسألتها "هل فقدت الجنين؟" 
رفعت الفتاة عيونها وقالت "أحدهم فعل بك ذلك ليدي والشرطة" 
قاطعها صوت حاد "جين كفى" 
كان فريدريك الذي كانت نظراته قوية للفتاة فابتعدت بالحال وهي مرتبكة واتجه هو إليها فقالت "من فعل بي ذلك فرِيد؟" 
زاغت نظراته حتى قال "لم نصل لشيء نور لكن يبدو أن هناك من أراد إفساد حياتك وأنت فقط من يعرفه" 
أبعدت وجهها وقالت "نعم فريد هناك من أفسد حياتي بل دمرها كلها ولم يترك لي أي شيء لأستمتع به ولكني لم أعرفه بعد" 
أمسك يدها وقال "ولكنك قوية وستتخطين الأزمة كما فعلت أثناء تلك النوبة وأكيد ستتمسكين بما علمك إياه الماركيز ولن تستسلمي" 
قالت وهي تهز رأسها "نعم فريدريك سأفعل ومن فعل بي ذلك أكيد سيدفع الثمن وسيكون غاليا جدا" 
دخل جوان بعد فريدريك وابتسم لها وهو يقول "نور حبيبتي كدت أموت من الخوف عليك" 
قالت بهدوء "اطمئن سموك أنا بخير" 
أمسك يدها وقبلها قبلة طويلة وقال "لا معنى للحياة بدونك نور، أنا لا أحبك فقط أنا أعشقك"
أبعدت وجهها وقالت "هل يمكن أن تتوقف؟ لا مكان للحب بحياتي بعد الآن" 
شحب وجهه وهو يعتدل ويقول "ولكن نور" 
قالت بقوة "لا وقت لدي له سموك هناك الكثير فاتني أثناء سقوطي وكي أعود لابد أن أستعيد كل ما كان ومن أصابني بسهم سينال مني رمح قاتل فقد تفنن في إيلامي بكل الطرق لذا حسابه لن يكون سهلا أبدا" 
صمت جوان ولم يجد كلمات يرد بها خاصة وأن تلك العيون تبدلت للبني فأدرك أن الغضب قد عشش كل وجدانها وهي لن تظل هادئة فهذا الهدوء هو ما يسبق العاصفة  
وأخيرا خرجت من العناية وبالطبع كان موريس أول الزائرين بعد الأمير ودانيال ومارك وكل من كانوا يمثلون شيئا بحياتها حتى خرجت مع جوان لتتفاجأ بالصحافة تنتظرها على باب المشفى، كاد جوان يأمر بإبعادهم ولكنها رفضت وأحدهم يسألها 
“هل الليدي فقدت كل شيء؟"
ابتسمت بترفع وقالت "عندما أفقد حياتي وقتها أكون فقدت كل شيء" 
سألها آخر "الزواج؟" 
لم تتبدل ملامحها وقالت "مرحلة بحياتي وانتهت" 
قال "والحب؟" 
لا مجال للضعف بعد اليوم فقالت "انتهى" 
قال آخر "لذا أجهضت نفسك؟" 
كاد الأمير يثور ولكنها أجابت "ومن الذي يملك القدرة على إزهاق روح خاصة لو كانت جزء مني، أنا تعرضت للإجهاض من شخص مجهول لا أعرفه وعلى الشرطة معرفته والأدلة كلها لديهم" 
سألها آخر "والفنان رائد؟" 
حافظت على هدوءها وهي تقول "ماذا عنه؟" 
قال "كيف تنفصلوا بعد الزواج بشهر؟ لماذا؟" 
قالت بثبات "لم نتفق سويا بأشياء كثيرة ووجدنا أن الانفصال الآن أفضل من حياة تعيسة فيما بعد ولسنا أول ولا آخر من فعل" 
قال أحدهم "والنوبة القلبية ما سببها؟" 
قالت بهدوء "ألا يكفيك موت جدتي كل من لي كي أصاب بنوبة قلبية؟" 
أشاح الأمير بيده ليوقف الأسئلة ولكن أحدهم سألها "ألم تكن علاقتك بالأمير سبب الانفصال" 
أجاب الأمير "أنا والليدي نعرف بعضنا منذ الميلاد فلو أردنا أي علاقة لقمنا بها منذ سنوات وليس بعد زواج الليدي" 
ثم دفعها برفق للسيارة وتبعها وانطلقت السيارة بين الجموع وانزوت هي بركن السيارة ولم ترد على جوان وهو يسألها ما إن كانت بخير أم لا؟ 
بالصباح عادت الشركة وكلها غضب ورغبة بالانتقام ولكن بهدوئها الذي استعادته وهي تقول لموريس "ابحث عن جيسيكا أمي وأريد علاء مقيدا بمكان آمن وأريد ورقة من شركة المحمول برقم رائد لمعرفة من أرسل له رسالة بتاريخ سأخبرك به، أما جاكلين فدعها هي تأتي إلي من أجل ابنها" 
نظر لها موريس بدهشة وقال "ماذا حدث ليدي؟" 
لم تنظر له وهي تقول "أخرجوا شياطيني موريس فليتحملوا نتيجتها" 
تأملها موريس وهي تعني الكثير بنظراتها ثم قال "المحامي يطلب رؤيتك" 
هزت رأسها وقالت "بالتأكيد، كنت أنتظره نصيب جدتي من التركة لابد من توزيعه بين بناتها الاثنان فهي لم تكتب وصية كجدي، دعه يدخل" 
دخل المحامي فجلست وحيته وهو يبتسم فقالت "ماذا لديك لي مستر فرانك؟" 
جلس وقال "وصية الجدة ليدي" 
اعتدلت وقالت "جدتي كتبت وصية؟ متى؟ وما هي؟" 
قال "متى، عندما كنت بأجازة شهر العسل استدعتني للقصر وكتبتها وأحضرنا شهود وأنا وثقتها لتكون قانونية تماما كجدك ليدي" 
أغمضت عيونها لحظة ثم فتحتها وقالت "ستحتاج جيس وجاكي أليس كذلك؟" 
هز رأسه وقال "جيس لا فقط نحتاج خالتك جاكي" 






نهضت واتجهت إليه فنهض ليواجها فقالت "بالتأكيد سأطلب منك الانتظار حتى تصل جاكي وبصراحة أنا أريدها لأمر آخر ستشاركني به أنت فقط، فقط ننتظر حتى نصل إليها" 
قال "تحت أمرك ليدي ، جاكي أتت لي أثناء مرضك ليدي وطلبت تسليم ميراثها من الجدة ولكني أخبرتها بأمر الوصية ووجوب انتظار شفاك" 
ابتسمت وقالت "كان لابد أن أخمن أنها ستفعل ما زال المرض يؤثر بي، ولماذا أردت وجودي مستر فرانك؟" 
قال "لأنك طرف بالوصية ليدي ولابد من وجودك" 
هزت رأسها وقالت "إذن لتتصل بها ودعها تأتي لننتهي من الأمر" 
هز رأسه وقال "تمام ليدي سأفعل وسأبلغك بالموعد" 
أجابت "تمام شكرا مستر فرانك" 
تحرك للخارج فوقفت أمام النافذة وهي تفكر بجدتها وأدركت أنها كانت كل حياة جدتها كما كانت جدتها كل حياتها.. 
دق الباب ودخل موريس وقال "الاجتماع جاهز مع المدراء ليدي والعشاء بالثامنة مع رجال المتحدة الأوروبية الموعد مؤجل من قبل الوفاة" 
تحركت لغرفة الاجتماعات وقالت "حسنا فقط ذكرني وأنا بالاجتماع" 
****
لم يصدق أنه يرى تلك المرأة مرة أخرى بعد كل تلك السنوات ولكنها اقتربت منه وقالت "إنه أنت بالفعل، رائد" 
تسمرت قدماه بالأرض وهو لا يعرف ماذا يقول أو يفعل وانتبه عندما شعر بيدها على وجهه وهي تقول "لقد مرت سنوات كثير رائد منذ رحلت وتركتني ولم تفكر يوما للعودة أو رؤيتي" 
ابتعد من أمامها وقد داهمته الذكريات بقوة فشعر بصداع يدق برأسه وهو يقول "لم تكوني بحاجة لرؤيتي أم نسيت؟" 
أخفضت وجهها وقالت "كنت تعلم ظروفي وأنت كنت غير متعاون" 
التفت إليها وقال بغضب ارتسم بعيونه الزرقاء التي انطفأ بريقها منذ رحيل حبه الوحيد "أي ظروف التي تتحدثين عنها؟ زوجك الذي كان يتهجم علي لضربي كلما رآني ليأخذ ما أحصل عليه من مال من عملي؟ أم منع الطعام عني لدرجة أني كنت أبحث عنه عند الجيران أو بالشارع؟ أم الطرد الدائم من البيت لأبيت على الرصيف تحت الأمطار؟ أنت وهي كنتم سبب في دماري وفسادي ورحيلي من هنا، بل وهو أيضا كلكم ساعدتم في ضياعي ولم أعد أجد للدنيا أي فائدة لدرجة أني فكرت بالانتحار لولا فكرة الهجرة التي ساعدني بها الحاج مصطفى، الرجل الغريب الذي كان يشفق على حالي ويساعدني هل تظنين أني يمكن أن أعود وأبحث عن من دمرني بيوم ما؟" 
دموع انسابت من عيون المرأة وهي تقابل غضبه وقالت "أنت على حق رائد، نحن من فعل بك ذلك لذا انتقم الله منا جميعا" 
أشاح بيده بعيدا ولم يرد ولكنها قالت "زوجي أصيب بحادث سيارة حوله لرجل مشلول شلل رباعي ووجدت نفسي أخدم بالبيوت كي أنفق على ابنتي هاجر حتى تزوجت شاب من عمرها وحملت وأثناء الإنجاب ماتت هي والطفل وتبعهم زوجي وأصبحت وحيدة حتى.." 






قاطعها بقوة "ماذا تريدين عمتي؟ أموال؟ سأمنحك ما تريدين لكن لا تبحثي عن ابن أخيك مرة أخرى واعتبريه مات" 
مسحت دموعها وقالت بحزن "لا رائد ليس هذا ما أتيت من أجله لقد أتيت من أجل شخص آخر أنا متأكدة أنه يهمك أمرها" 
ضاقت عيونه وهو يردد "أمرها!؟ من هي؟" 
****
انتهى العشاء وانصرف الرجال ونهضت لتذهب عندما رأت دانيال يدخل المطعم مع فتاة شابة فاتجه إليها وهي تنهض لتحيته، أخذ يدها وقبلها وقال بسعادة "سعيد بعودتك نور" 
قالت "سعيدة بوجودك معي دانيال هل أدعوك لمشروب أنت والآنسة؟" 
ضم الفتاة له وقال بضحكة مرحة كالعادة "لا بالطبع لن تنفقي علي من أموالك يا فتاة، ثم أنا أفضل بعض الخصوصية، هل أنت بخير يا ابنتي؟" 
ضحكت وهو يتبدل من الهزل للجد وقالت "نعم، اطمئن لقد كانت كبوة وأنا نهضت منها وعدت أفضل مما كنت" 
ربت على يدها وقال "تعلمين أني بجوارك بأي وقت" 
أحنت رأسها بتفهم فقبل يدها ثانية ورحل وتركها ولم تجلس مرة أخرى بل رحلت عائدة وقد أعلنت العاصفة عن نفسها وجلست بالسيارة وهي ترى الأمطار بالخارج وترى معها وجه رائد وهو يعرض مساعدته لتركب معه السيارة أول يوم قابلته وكيف رفضت الزواج منه بطريقة وقحة جعلته يخرج من البيت تحت الأمطار ردا لكرامته، أغلقت عيونها بألم لم يراه أحد سواها، بلحظات انفرادها فقط تسمح لنفسها بالذكريات لتنساب حولها ربما تستعيد منها قوتها على مواجهة من هد سعادتها بتلك القسوة ولكنها أبدا لن تخرجه من حياتها
عادت القصر الذي أصبح باردا وكئيبا بعد رحيا الجدة، أرخت جسدها بالماء لتجيد التفكير بكل ما ستفعله، رن هاتفها فخرجت بروب الحمام لتجيب فوجدته موريس يقول "علاء بمكان آمن" 
رفعت رأسها وقالت "سأراه غدا بالصباح، هل وصلت لأي أخبار عن جيس؟" 
قال "لا ليدي" 
تذكرت كلمات جاكي فقالت "لتبحث بالمطار موريس الدفاتر القديمة فهي كانت تحب التنقل كثيرا كما أذكر" 
أجاب "حاضر ليدي ولو أن ظروفها المادية لم تكن تسمح لها للسفر بالطائرة" 
لم ترد للحظة ولكنها عادت وقالت "ربما، فقط افعل وعلى فكرة هي كانت تغير من معالم وجهها" 
أغلقت ولكنه رن مرة أخرى باسم جوان فأجابت وهو يقول "متى سأراك؟" 
قالت وهي تخرج ملابس النوم "لا أعلم سموك، الوقت لا يكفي لمتابعة ما فاتني" 
قال "سمعت أنك تبحثين عن علاء، لم تستعيني برجالي؟" 
جلست على طرف الفراش وقالت بتفكير "موريس يوفر الرجال ولكن من أين عرفت أني أبحث عنه؟" 






صمت قابلها فقالت "أنت تراقبني سموك؟" 
أجاب "بل أحاول حمايتك نور، لم أنسى كل ما أصابك" 
ضاقت عيونها وقالت "لا تقلق لم أعد بحاجة للحماية صدقني فمن فعل بي ما فعل هو الذي بحاجة للحماية وهو الذي ينتظر خطوتي القادمة" 
قال "التي هي ماذا نور؟" 
لا تعلم لماذا تذكرت كلمات جدها بالحلم، لا تثقي بأحد حتى أقرب الأقربين، قالت "لم أحددها بعد سموك فأنا لم أصل لأي شيء بعد" 
صمت الأمير لحظة ثم عاد وقال "نور أنا حقا أخاف عليك" 
ابتسمت وقالت "لا تفعل فأنا بخير ثم أنت تراقبني و.. تحميني" 
صمت مرة أخرى ثم قال "حسنا نور، هل نتناول العشاء غدا؟" 
نهضت وفكت شعرها وقالت "آسفة سموك فغدا أنا راحلة لمدينة... لدي عمل هناك ولا أعلم متى سأعود" 
أنهى المكالمة فأعادت الاتصال بموريس الذي أجاب فقالت "رجال الأمير تراقبني وأنا لا أريد ذلك كما أنهم يعرفون خطواتك وأيضا لا أريد ذلك" 
رد موريس "يعرفون خطواتي؟ حسنا ليدي كنت أشك بذلك وقد فكرت بحل لكن مراقبتك أنت هذا صعب" 
قالت بجدية "لا ارسل لي سائق يمكنه الفرار من المراقبة وغدا ارسل رجال للقصر لفحصه من كاميرات أو ميكروفونات هنا أو هناك" 
قال بدهشة "ولكنه الأمير ليدي وهو من يحاول حمايتك" 
قالت "ربما، فلتفعل ما قلته، حياتي ليست مشاع لأحد، ليس بعد الآن وحتى لو كان جوان".. 
بالصباح كان السائق الجديد يركب معها بملابس ريمون وتحرك بالسيارة بحنكة وخبرة وما أن دخل المدينة حتى اختفى وسط الزحام وقال" لقد اختفت السيارة ليدي"
قالت وهي تبعد وجهها عن اللاب "تمام لنذهب للمكان الآمن، الجديد وليس القديم" 
ما أن وصلت حتى فتح لها أحد الرجال فنزلت وتحرك معها أحدهم وهو يقول "لم يتحدث بأي شيء ليدي" 
قالت "هل تعرض له أحد بأي سوء؟" 
قال وهو يفتح لها باب الاسطبل المهجور
“لا"
تحركت للداخل بخطى ثابتة وتبعها الرجل حتى قادها للمكان حيث جلس علاء مقيدا على مقعد خشبي، وضع الرجل مقعد لها بمواجهته فجلست ووضعت ساقا فوق الأخرى وهي تنظر بوجه علاء الباهت وعيونه المظللة بالأسود وقالت
“مرحبا يا ابن خالتي"
قال وهو يحدق بعيونها "نور؟ لماذا أحضرتني هنا؟ ماذا تريدين مني؟" 
قالت بهدوء "الحقيقة علاء" 
تراجع بتعب وقال "أي حقيقة؟" 
قالت "من الذي يعرف الماضي الخاص بأمي؟" 
زاغت عيونه قبل أن يرد "الجميع يعرف أنها فرت مع ذلك الرجل ولم نعرف عنها شيء من وقتها" 
شدت رباط بلوزتها البيضاء على خصرها وقالت بهدوء "علاء أنت تعلم أني منذ الصغر وأنا فتاة لم تعرف المرح ولا اللهو، كل 





حياتي كانت تدريب على ما أرادني جدي أن أكون، ربما لم أنفذ كل تعليماته مؤخرا، لكني الآن سأفعل وبقوة وبدون رحمة ففكر جيدا قبل أن تجيب علي بأي إجابة لأني لو شعرت مجرد شعور بأنك تكذب فأعدك أنك لن تنال لحظة راحة واحدة بعدها" 
قال بقوة "أنا لا يهددني أحد نور ولن يمكنك فعل أي شيء وأنا لا أخاف منك لن أخاف من امرأة" 
نظرت له بهدوء ثم حركت يدها بإشارة فتحرك الرجل الذي دخل معها ومعه رجل آخر لعلاء وانهال الرجلين عليه باللكمات حتى أوقفتهم هي بيدها وقد انساب الدم من أنفه وفمه وجرح بحاجبه، نهضت واقتربت منه وقالت
“يمكنهم قضاء الليل كله يفعلون بك ذلك ولن يملوا لأنهم يجيدون عملهم جيدا فماذا تفضل؟"
سقطت رأسه على صدره وهو يقول بتعب "ماذا تريدين مني؟" 
أمسكته من شعره وجذبت رأسه لأعلى وقالت بغضب "أخبرتك، الحقيقة علاء من وراء كل ما أصابني؟" 
قال "لا أعلم يا نور كل ما أعلمه أني يوم اقتحمت القصر العام الماضي وجدت بعض الوثائق والصور لأمك وزوجها فأخذتها ولكن منذ فترة فقدتهم ولم أعرف من سرقهم مني" 
ظلت تجذبه من شعره وهي تفكر قبل أن تقول "ومن كان يعلم بتلك الصور؟" 
قال "لا أعلم أنا لم أخبر أحد" 
تركت رأسه وأشارت للرجلين فعادوا لضربه بجسده ووجهه حتى أوقفتهم وقالت بغضب "هل تذكرت؟" 
بصق الدماء من فمه وسعل من الألم وقد انغلقت عينه اليسرى وقال "أمي، هي فقط من تعرف بالأمر ولكنها لم تفعل صدقيني كانت تصر على ألا نتعرض لك من أجل حمايتي، هي تخاف منك" 
انحنت لتواجه وجهه وقالت "عليها أن تخاف لأنها تعرف من هي ليدي نور، سأتركك الآن وسأعود بالمساء ومعي الرجال ربما تذكر شيء آخر" 
عندما خرجت اتصلت بموريس وقالت "هل جاكي بالصورة؟" 
قال "فرانك حدد موعد للقائك وهي معه" 
ركبت السيارة وابتعدت وقالت "متى وأين؟" 
قال موريس "بالمكتب ليدي وجاكي ستأتي وحدها، هنا أفضل مكان لعدم إثارة فضول أحد" 
قالت "لا، ليكن عند فرانك وافحص مكتبي أيضا من أي أجهزة مراقبة، أخبر فرانك بأني ذاهبة إليه على الرابعة عصرا" 
سألها "وأين أنت الآن ليدي؟" 
قالت "لدي عمل سأقوم به قبل أن أحضر للشركة" 
وصلت لبيت قديم بأرض زراعية قريبة من أرض جدها، نزلت ودقت الباب مضى وقت قبل أن يخرج رجل عجوز بالسبعينات يكاد لا يرى ويستند على عصا غليظة وقديمة، زاغت عيونه الصماء وهو يسألها




“من أنت؟"
قالت "كيف حالك؟ هل عرفت صوتي" 
تراجع الرجل بدهشة ثم ابتسامة على وجهه وقال "بالتأكيد فصوتك لا يخطئ به أحد، ادخلي ليدي، ادخلي يا ابنتي" 

                     الفصل الرابع عشر من هنا




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-