أخر الاخبار

رواية جحر الشيطان الفصل الحادي والثلاثون31بقلم ندي ممدوح


رواية جحر الشيطان الفصل الحادي والثلاثون31بقلم ندي ممدوح


كان وقع الصدمة شديدٌ على خديجة التي أرتدت إلى الخلف في حركة حادة، بفمٌ فاغرٍ، وعينين متسعتين بمزيج من الصدمة، والذهول، والدهشة وهي تهتف في صوت متجمد  : 
_ يا الله. 
رفرفرت بأهدابها حينما لمحت ماهر ينزع وجهه سافرًا عن وجه خالد أخيها متبسمًا في مشاكسه واضحة، وهو يغمغم ضاحكّا  : 
_ مكنتش عارف إن وشي يخض كدا يا خديجة يا حبيبتي! 
ظلت خديجة على حالها لا تحرك ساكنًا، نقلت بصرها بين الوجه المطاطي في كف خالد، الواقف متبسم في هدوء في أنتظار أن تستوعب الصدمة. 
قاطع خالد السكون الذي غشاهما مرددًا  : 
_ يا بنتي بقا والله أنا خالد. 
ادحرت خديجة صدمتها بعيدًا، وتساءلت في لهفة وعدم تصديق  : 
_ده إزاي مش فاهمه؟ أنت خالد فعلاً؟! 
ضيق خالد عينيه، واردف وهو يعقد ذراعيه في صرامة  : 
_ حبيبتي أنا خالد قدامك. 
دعكت خديجة عينيها، كانت تدرك أن اخيها يجيد التنكر لكن ليس لتلك الدرجة أن لا تعرفه؟ 
حدقت فيه مليًا كأنما تتطمئن إلى أنه أخيها بالفعل، إلى أن النظر إلى وجهه لم يكن كافيًا، فتقدمت وامسكت وجهه ثُم قرصت وجنته فصاح خالد في ضيق  : 
_ يا خديجة يا حبيبتي والله وشي، مش وش حد تاني. 
ثُم أتبع ضاحكًا  : 
_ وحشتيني. 
تألقت عينا خديجة في جزل، وضحكت كاتمة فمها بكفها، وهتفت في بهجة  : 
_ خالد … انا مش مصدقة، أنت من امتى هنا؟ 
قالت عبارتها وهي تضمه، فربت خالد على ظهرها مجيبًا  : 
_ من فترة مش بعيدة من قبل …
أرتج عليه لم يقدر على قول من قبل أن يموت من مات، من قبل ان يرحل الراحلين. 
أبتعدت خديجة عنه وهي تساءل في اهتمام  : 
_ وانت إزاي منتحل شخصية ماهر، فين ماهر اصلًا. 
رد خالد في هدوء آثار دهشتها  : 
_ ماهر في الحفظ والصون معانا، انتحلت شخصيته إزاي فـ دي سهلة يا حبيبي عادي... 
غمزت له خديجة قائلة بمرح  : 
_ الله، يعني هشوفك وأنت بتشتغل في المهمات، مكنتش أعرف إنك بتتنكر حلو كده.
قهقه خالد ضاحكًا، وقال في استهتار  : 
_ يا بنتي دا انا اعجبك وممكن اتنكر فيكِ لو عايزة. 
رفعت خديجة إليه حاجبًا في تحدي، فرجع عن كلامه قائلًا  : 
_ لا طبعًا بهزر هقلب نفسي بنت إزاي يعني. 
مس خالد ذقنه  بدا بتفكير عميق، وسألها في جدية  : 
_ هو انتِ يا خديجة بدوري على إيه صح؟ مستحيل تلاقي حاجة هنا... أنا قلبت البيت مفيش حاجة. 
زمت خديجة شفتيها بيأس، وغمغمت في ضيق  : 
_ طب والعمل هنعمل إيه دلوقتي؟ هدور على إيه؟ 
تنهد خالد، وهز كتفيه في الامبالاة، وقال في بساطة  : 
_متعلمتش أقول لحد خطواتِ يا حبيبي ولكن عشان أنتِ اختي وكدا، فبدور على صور ما قبل وبعد التجميل إذا ما كان ماهر محتفظ بيهم وإلا مستحيل نعرف حقيقة ماهر دي ابدًا!! 
في سؤوم زفرت خديجة وهي تردد في حيرة دفينه  : 
_طب وهنعمل إيه؟ 
رد خالد في بساطة وهو يثبت الوجه مجددًا  : 
_ ولا حاجة هننزل عشان محدش يشك في غيابنا يلا!. 
أوقفته خديجة تسأل في تذكر متحير  : 
_ استنى بس، إذا أنت هنا من قبل الحادثة فده يعني إن مش ماهر إللي …
قاطعها خالد موضحًا في هدوء، صارم  : 
_ انا جيت قبل الحادثة ايوة بس كان لسه ماهر حُر. 

🌛 لا إله إلا الله 🌛 

أنتهى الحفل وأودعت خديجة خالد بنظرة عذبة تقطر بالدعاء الصافي من فؤادها النقي، وتغادر برفقة أراس الذي رمقهما بنظرات مبهمة، مضى الطريق والصمت يخيم عليهما، قاطعه أراس بقوله المفاجئ وهو ينظر إلى انعكاس صورتها في المرآة  : 
_ أعجبك الحفل؟ تبدين سعيدة وقد زال توترك! 
تفاجئت خديجة من عبارته وتوتر بؤبؤ عينيه زائغًا وهي تجمجم في شحوب  : 
_ من ذا الذي يكون برفقتك ولا تغمره السعادة؟ 
راعه قولها المراوغ، فـ اختلس نظرة مبهمة على وجهها المتواري وراء نقابها وعاد يركز بصره على الطريق، مغمغمًا في صوتٌ أجش : 
_لم يكن هذا قولك آنفًا، من يسمع ما تفوهتِ به في المستشفى يظن أن الكره يسكن قلبك ولا غير ذلك! 
اعتدلت خديجة في مجلسها في احتجاج، وقالت مستنكرة  : 
_ أكرهك؟! هل تحسبني اكرهك حقًا يا أراس؟! 
بدا هادئًا عندما لم يأبه حتى بالنظر إليها، وأعتقدت خديجة إنه لن يجيب، لكن صوته علا بغتة متمتمًا بحنق  : 
_ ألا تكرهيني حقًا! 
قلبت خديجة كفيها وهي تقول في ذهول مشوب بالغضب  : 
_ يا الله هل تود اقتراني بالكره قسرًا؟ لمَ قد أكرهك! 
رد اراس في برود مستهتر  : 
_ ولا تحبيني! 
أسترخت خديجة في مقعدها، وخُيل إليه أنها لن تجيب، لكن صوتها خرج هادئًا، هامسًا، وهي تعقد ذراعيها وتسبل جفنيها  : 
_ نعم قُلت لا أحبك ولم اقل اكرهك، ثُم من يدري ما سوف يحدث في المستقبل، القلوب تتقلب بساكنيها. 
ران عليهما الصمت بعد عبارتها، إلى أن توقفت السيارة وضرب وجهها هواءٌ جميل ذات نسمة منعشة ففتحت عينيها ناظرة من النافذة إلى البحر، قائلة ببسمة بشوش  : 
_ جيد أنك أتيت إلى البحر. 
التفتت إليه فوجدته يسند مرفقه على عجلة القيادة، مسلمًا ذقنه إلي كفه، ناظرًا لها بعاطفة تموج في نفسه موجًا، وسألها فجأة بنظرة تشملها في حب  : 
_ هلا أخبريتني كيف كنتِ تريدين زوجك! 
سؤاله آثار دهشتها وهي تعتدل مواجهة له، وافتر ثغرها عن بسمة وضيئة، اوهجت عينيها ببريق عميق أذابة، وهمست بعذوبة  : 
_لقد وددتُ دائمًا أن يُرزقني الله بزوجٌ رحيمٌ، عطوفٌ، حنونٌ، ذو خلق و دينٌ، أتعلم ماذا تمنيت؟ أن أُرزق بمن هو يتحلى بصفات الصحابة رغم يقيني التام إنه لا يوجد أحد مثلهم في هذه الأيام ولن يوجد. 
توهجت بسمة شاردة فوق شفتيها، وسال الدمعُ من عينيها، وأسترسلت في همسها بصوت يفيضُ بالوجع: 
_ حلمتُ دائمًا بشخصٌ يكون في عدل عُمر،  أوَ تدري إني أعشقُ وإني أكبُ على سيرته يوميًا ألتهمها ألتهامًا والله لو علمت إن أحدًا في آخر الكون يحمل من خبره شيئًا لشدّدتُ الرحال إليه مهما طالت المسافة غير آبهة بمشقة الطريق إنه الفاروق ، أردته في صدق الصديق، وفي شجاعة خالد المقدام، وفي تضحية البراء، وذو حقٌ مثل سلمان، وفي رقت قلب وحياء أبو عبيدة، وزاهدًا مثل أبو هريرة، وحكيمًا مثل أبو الدرداء، وعالمًا مثل عبد الله، الكثير والكثير من الصحابة ما علمت منها وما لم أعلم. 
وفي نظرةٌ شاردة وصوت باهت، تابعت  : 
_ أرتدته مقتضيًا بالرسول، لكننا في زمن فُقدت فيه الرجولة. 
من بين كلماتها كان يختلج شيئًا ما في صدره … شيئًا لا يعرف كنهه 
هو بين الحسرة والمرارة، بين الوجع والخوف، بين الحلم واليقظة. 
وبين هذا وذاك ينمو حبها حتى تشعب إلى شغافُ قلبه، مستقرًا في السويداء، آخذًا من جوانحه مستقرًا، وموئلًا، ومن ثنايا صدره وطنًا لا يريد أن يغادره. 
حقٌ له أن يخاف من فراقها، أن يتوجع لكلماتها التي هي بعيدة كل البعد عنه. 
أوحسرتاه لفؤاده لو لم يملك حبها. 
ويا مرارة هذا الحب أن لم يجد مسكنًا في قلبها. 
ويلٌ لروحه أن ظلت منبوذة عن موطنها. 
أوَ ليت حلمه يكون حقيقة فيجد حبه مكانًا فسيحًا في صميم قلبها. 
كيف السبيل إلي قلبها الآن، كيف يفرش السعادة تحت قدميها! 
ويركع حبه امام روحها. 
انتشلته خديجة من هوت أفكاره، قائلة في تأنيب ضمير:
_ أوَ تدري؟ ثمة شخصٌ أوجدت له مكانةٌ في قلبي، هي أقرب إلى الأمان والطمأنينة، شخصٌ هكذا في وجوده يكون القلب مطمئنًا، ساكنًا، متطامن، شخصٌ أعتصمُ به من قسوة الحياة. 
أمسكت كفه بين راحتيها، ناظرت إلى عينيه بنظرة متلألئة بالثقة، وبصيصُ الأمل، وهمست بصوتٌ خافت  : 
_ربما هذا الشخص كان بعيدًا عن قلبي حقًا كل البعد، الآن تغير قلبي فقد علمت إنه يشق الصراط المستقيم هرولةً إلى الله، لله ليس لأحد، يصلح من نفسه ومن أعماله ويعمل بجهد دون حياء عملًا حلال. 





وكررت تمنيها الذي أذب قلبه وهي تترك كفه: 
_ شخصٌ أنتظر أن يأتي ويخبرني إنه صار شخصًا آخر، شخصًا يليق بخديجة وخديجة تليق به، ويصلي بيّ إمامًا لأني اشتاق لهذا واشعر بقربه. 
إنه شخصًا أسبغ عليها بوارف حبه، مظللًا، مطوقًا، معانقًا، حاميًا، فكيف ألا تعطي لقلبها فرصة بقبول هذا الحب وحتى ولو إنها تشعر بمحالة، ربما ليس محال … أراس يستحق منها المحاولة. 
تلاقت نظراتهما بكلام لم يفقهه إلا القلب، وسألها على حين غرة  : 
_ كيف حال عائلتك؟ ملك بخير؟ 
تمالكت خديجة جأشها وأشاحت برأسها إلى البحر الساكن، الراكد، وقالت  : 
_ لا اعلم لا تحادثني لكنهم يقولون إنها بخير! 
اقترح اراس في اهتمام محبب لعله يسعد خديجة  : 
_ ما رأيك ان تدعيها هي والفتيات إلى هُنا، لتروح عن نفسها وتبتعد لبعض الوقت عما حصل ربما تتغير نفسيتها؟!. 
ابتسم في فرحة حقيقة وهو يرآه تقول في شغف، متهللة الأسارير  :
_ فكرة رائعة يا اراس جدًا، أشكرك. 

🌛لا حول ولا قوة إلا بالله 🌛 

في أنهاك جم، وجسدٌ كليل ألقى خالد بثقله فوق أقرب مجلس إليه في اختناق، وهو ينزع الوجه في تأفف اعترآه ويأخذ نفسًا عميقّا مترعّا به قلبه الذي كان يضنيه هذا الجو... 
بدأ الأمر منذُ أن أخبراه ياسين ولمار بالخطة الموضوع لسحق ماهر، وموافقت خديجة حتى تكون بقرب الجميع وتدلى لهم بالمعلومات التي تطرأ فجأة وفي اي وقت، وقد حضر بالفعل وامضى أيامًا يحوم حول ماهر، ويجمع كل اخباره، واندس في بيته على هيئة احد الخدم، وعلم إنه وراء كل ما حدث لعائلته من كشفه لملك في يوم زفافها الذي ود لو يشكره على ذلك لانه لم يكن يستسيغ شهاب ألبتًا، ثم يبرحه ضربًا عما عانته ملك جراء ذلك …
وأُختطف ماهر، وكان عليه ان يقيم الحفل الذي أعلن عنه ماهر قبل اختفاءه وحل هو محله. 
احتقن وجه خالد بالغضب وهو يسترجع احداث الأيام الفائتة  ، التي كانت اثقل ايام قضاها، واعتدل ينظر إلى أنحاء المنزل في إزدراء، لم يكن يروقه كل هذا! 
الخمر ، الموسيقى، كل شيء. 
وما كاد يغلق اهدابه وإذ بجرس الباب يعلن عن قدوم زائر جديد غير مرحب به، فعلم إن لا راحة في هذا المنزل حتى تنتهي مهمته، فـ إرتدى القناع المطاطي مجددًا في امتعاض، وقفز من مجلسه إلى الباب وفتحه، وسرعان ما تلاشى كل ضيقه وتأففه وهو يتبسم في اتساع ، ويهتف مرحبًا  : 
_ مرحبًا بك يا صاح؟ كيف حال أسيرنا!. 
اكتفى الشاب الذي كان يرتدي حُلة سوداء مع قفزين أسودين في كفيه، حاجبًا عينيه بنظارة، ببسمة شبه مرئية، وردد  : 
_ بخير حال يا رفيق يا خالد، اتمنى أن يكون يومك سعيدًا! 
وضع خالد كفه على كتفه، قائلًا في جدية  : 
_ ما الذي أتى بك؟ هل ثمة امر طارئ؟ 
نزع الشاب نظارته مسفرًا عن عينين في صفاء العسل، ذات اهدابٌ طويلة، وبدا شديد الوسامة بذقنه الحليقة، واجاب في هدوء  : 
_تعال لترى ماهر! وتدلو ليّ بالجديد! 
أومأ خالد برأسه، وطلب منه أن ينتظره في السيارة، إلى ان عدل هندامه و اغلق الباب ولحق به. 

🌛لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 🌛

جلس خالد والشاب خلف شاشة كومبيوتر يظهر بداخلها ماهر المقيد الذراعين، والساقين، ومعصوم الفم، ويزوم في شراسة. 
وتحدث خالد وهو يجز على أسنانه غضبًا  : 
_ لم تخرج منه اي معلومة؟ 
نفى الشاب برأسه وأطل الأسف في عينيه، وغمغم  : 
_ لم يبوح بأدنى كلمة، لذلك عليك أنت أن تعجل وتعلم من يعاون ماهر، ومن يكون! 
ربط مالك على كتف الشاب، وأردف في هدوء  : 
_ لا تبتئس يا أركان ستأخذ انتقام أبيك حتمّا من ماهر. 
ثُم هب واقفًا سرعان ما ظهر على شاشة الكومبيوتر وهو يدخل إلى القبو في جانب مظلم، واندفع صوته شبيهًا لصوت ماهر، وهو يقول  : 
_ لقد اشتقت إليك يا رجل كل هذه غيبة؟ 
ظن ماهر لوهلة إنه يتخيل وما شابه، وأمعن النظر إلى البقعة المظلمة الذي لاح فيها طيف شخص، وقال في انفعال  : 
_ مَن؟ مَن أنت؟  ماذا تريد؟ 
تحرك خالد نحوه ببطئ فـ أرتد جسد ماهر مصعوقًا وهو يرى صورة طبق الأصل منه، وخفق قلبه بجنون، وصاح متسع العينين  : 
_ أوه يا إلهي هذا مستحيل! 
جلس خالد أمامه وقال وهو يتفرس في وجهه  : 
_ ما هو المستحيل بالظبط؟ 
مال خالد نحوه، وغمغم بخشونة  : 
_ نهايتك دنت يا ماهر … باتت قاب قوسين او أدنى من الهلاك. 
لكن ماهر بدا واثقًا وهو يضحك كمن أصابه مسٌ من الجن  ، وقال  : 
_ أنت أركان من غيرك يمكنه التنكر؟ لا تنس يا سيد أركان أنا قتلت أبيك … وقد حطمتك. 
صمت لحظة، بينما قطب خالد حاجبيه مستفهمًا، والتساؤل واضحًا في عينيه بشدة، أستطرد ماهر في بطيء، واثق  :
_ لا تقل ألم تعلم بعد إني انا من حطمك؟ 
هز رأسه في أسف، وتابع في اسى  : 
_ أحزنتني يا رجل، ألم تعلم أن حبيبتك أنا من عاون السفاح على قتلها؟ 
قهق في جنون مستمتعًا. 
فجأة … اندفع الباب في عنف مصدرًا صوتٌ مخيف، وكرّ عليه أركان ولكمة لكمة ساحقة في أنفه، اعقبها اخرى على فكه وكاد ينهال عليه لولا خالد الذي ذاد عنه، وهو يردع اركان قائلًا  : 
_ اهدأ، اهدأ ليس هذا وقته، ما زلنا بحاجة إليه... 
_ اتركني يا خالد على هذا الحقير…
تجلت الصدمة في أسمى معانيها على وجه ماهر الذي يتابعهما في ذهول، وتمتم مندهشًا في بلاهة  : 
_ تبًا أنت لست اركان؟ إذن … إذن مَن أنت يا رجل بالله عليك. 
لكن سرعان ما تلاشى كل ما اعتراه، وهو يقول بلهجة الواثق  : 
_السفاح الذي قضى على حبيبتك يا أركان لن يرحمكم لأجلي، وسترون سأخرج وستصابون بالجنون حين تعلمون من يكون! سيخرجني من بينكم دون ان تشعروا بيّ. 
حاد ببصره إلى خالد المنتحل شخصيته، وجأر بغتة  : 
_ اما انت أيها الزائف فسرعان ما سيتعرف عليك … ولن يرحمك. 
هذه المرة أنقض عليه خالد، ممسكًا إياه من سترته، هاتفًا  : 
_ انا من لن يرحمه أيها الوغد وسترى، ساكون جحيمك وموتك … فعد أيامك وسترى كيف سأوقع بصديقك ذاك. 
عاد ماهر يضحك في استهتار، فهوى خالد بلكمة ساحقة بين عينيه ألقته أرضًا فاقد الوعي وهو يهتف في أنفعال  : 
_ أضحك، أضحك يا ماهر فقريبًا ستشتاق للضحك حتمًا. 
أستدار بجسده نحو اركان الذي أعتمد بكفيه على المقعد وهو يلهث في جنون منفسًا عن غضبه، ربت خالد على كتفه، وهو يقول في هدوء بارد  : 
_ هدأ من روعك يا رجل، لقد علمنا الآن أن من يعاون ماهر ليس بغريب وإنه احد بينكم. 
استدار له أركان في حركة حادة منفعلة، وقال  : 
_ ولكن مَن؟ 
توترت ملامح خالد دقيقة، في نفسه لم يطرأ خاطره وكيانه إلا أسمين ليس لهم ثالث فأما آجار، أو جان لا ريب. 
خرجا من القبو، وجلسا إزاء بعضهما يفكران، في حين غمغم خالد  : 
_ لم تخبرني كيف علمت ان ضياء مع ماهر؟ 
رد أركان في بساطة، وهو يهز كتفيه  : 
_ لقد تعقبت هاتف ماهر وعلمت واخبرت جدتك فورًا. 
وأستطرد في هدوء  : 
_ منذُ أن أتصلت بـكم وطلبت أن نتعاون وأنا فعلت كل ما بوسعي لامسك اي طرف خيط يوصلنا لأي شيء. 

              🌛سبحان الله وبحمده🌛

أنسابت سيارة خالد في طريقه إلى منزل ماهر في ظلمة الليل السجِى، وبينما هو يقود مرتكز العينين على طريقه. 
فجأة … وبدون سابق أنذار ظهرت فتاة أمامه من اللا مكان وسقطت على بعد امتار قلائل من السيارة، فضغط على كامحة السيارة في عنف لتتوقف، وأرتد جسده إزاء حركته المفاجئة للأمام والخلف، واتسعت عينيه على آخرهما وهو يمسك بقبضتيه عجلة القيادة، مغمغمًا في ذهول  : 
_ دي ماتت دي ولا جرالها إيه؟ 
غادر السيارة في سرعة جاثيًا جوار الفتاة المنقلبة على وجهها أرضًا، وأعدلها، ثُم لطم على وجهها لكنها بدت غائبة عن الوعي تمامًا، فلم يجد بُدًا من حملها إلى السيارة وانطلق بها مبتغيًا المستشفى، لكن ما هي إلا دقائق، وراحت الفتاة تئن بصوتٌ مسموع وهي تمسك رأسها متصعنة الألم، فبادر خالد قائلًا بلهفة  : 
_ لا بأس، لقد كدنا نصل إلى المستشفى، أنتِ …
بتر عبارته فجأة حينما أطل الرعب في مقلتيها، وصرخت في ارتياع  : 
_ لا لا سيقتلوني إلا المستشفى. 
نظر لها خالد في تمعن يحاول استشفاف خبيئتها وأعدل طريقه إلى منزل ماهر، ولم ينبس إلى أن وصلا، فعاونها على النزول وهو يفكر 
أين راءها؟ 
وهو على يقين تام إنه سبق له رؤيتها! 
اعتصر ذهنه وهو يجلسها …
وفجأة! تدفق نهر الذكريات إلى عقله متذكرًا إنها نفس الفتاة التي انقذته ذات مرة، إنها نفس العيون، والجسد، والصوت. 
فتبسم في عبث من يروق له اللعب. 
وقال بغتة ناظرًا لها باستهتار  : 
_ ما كان سبب أغماءك يا تُرى؟ ولما امام سيارتِ بالذات؟ 
لم تكن الفتاة إلا هنا، التي شحب لونها مخافةً أن يكون توصل لكذبها، وغمغمت في ثبات واهي  : 
_ إني … كنت في طريق العودة حينما هجم عليّ بعض اللصوص، ثُم إني أعاني من الربو ربما من حسن حظي أن اقع في طريقك. 
قال خالد وهو يعقد ذراعيه  : 
_ وربما كان من حسن حظي أنا! 
أرجعت هنا بعض الخصلات خلف أذنها، وابتسمت بسمة ساحرة، وهي تكرر  : 
_ ربما! 
اتسعت عينيها برهبة قوية، وخوف هائل ملأ قلبها، عندما جلس خالد قبالتها متمتمًا في برود كالثلج  : 
_ حسنًا أيتها الفاتنة والآن ما السبب الحقيقي وراء أدعاك الأغماء امامي … كيف تعرفينني؟ والأدهى … لماذا تكذبين في هذا الشأن ما وراءك؟! 
أنفرجت شفتا هنا بكلام أنحسر في قلبها، وران عليها الصمت لهنيهة، قبل ان تقول بحذر  : 
_ لم اكن ادعي أي شيء مما تتهمني به، ثم كيف أنقذ حياتك وهذه اول مرة آراك فيها. 
وسبت في نفسها أخيها أراس على ما وضعها فيه، وهبت واقفة وهي تردف في هدوء  : 
_ سأغادر الآن حتى تطمئن أنني لا أعرفك. 
وسارت حتى ما وصلت إلى الباب تسمرت على سماع صوته البارد يقول في هدوء  : 
_ أنتظري، كيف ستغادرين وثمة من يطاردك؟ أبقي هنا إن أردتي! 
فـ التفتت هنا بطئ، مغمغمة في ترقب: 
_ هل أنت متأكد من ذلك؟ 
أجاب خالد ببسمة  : 
_ أكيد؛ أمكثِ حتى يهدأ الوسط وغادري في الصباح. 
كان يعزُ عليه ان يطرقها تغادر في هذا الوقت من الليل، بينما أبتسمت هي في ظفر وهي ترمقه في أعجاب هائم. 

             🌛 سبحان الله العظيم 🌛

قبيل الفجر دق باب غرفة خديجة ثُم أطل أراس منه، وقال في هدوء  : 
_ هل أدخل؟ 
أومأت خديجة في هدوء وهي تغلق المصحف وتضعه جانبًا، فجلس أراس بجانبها وهو يهمس في عاطفة  : 
_ ألم تخبريني إنك مشتاقة أن يصلي زوجك بكِ أمامًا؟ 
تألقت عينا خديجة في جذل، وغمغمت  : 
_ أهمني خاطر إنك لن تبادر أبدًا! 
مال أراس نحوها، وفي رقة أحاط بوجهها بكفيه، وفي نعومة همس بصوتٌ يفيضُ بالحنان  : 
_ ربما أنا أيضًا ظننت إني لن أبادر، لكنني أقصيت جم هذه الأفكار في مكانًا سحيقًا، وحسمت أمري في المبادرة.
صمت قليلًا تألقت فيها عيناه بمزيج بين الحياء، والشغف، ثُم أتبع يقول  : 
_ منذُ زواجنا وثمة شيء يختلج في صدري أغمني، وأهمني، حديثك عن يومُ القيامة، المحاضرات التي كنتُ تسمعيها، الكتب؛ كل هؤلاء كنت أستمع واقرأ فيهم باهتمام، هُنالك أنيرت بصيرتِ، ثمة نور هكذا




 اخترق صدري فـ اناره ودلني على طريقًا واحد إن الله مطلع على كل اعمالي، وافعالي ولن يغفر ليّ …
أرتج عليه فسكت مليًا، وأسترسل والدمع يترقرقُ في عينيه  : 
_ لكنني لم استسلم يا خديجة، الصلاة التي كنت لا أعرف كيف يؤدوها تعلمتها، حفظت سورة الفاتحة وسورة  وروحت أصلي بها، أنا الآن مستعد لأصلي بكِ إمامًا. 
خدعته دمعته إذ انحدرت إلى وجنته مع صوته المتهدج يستطرد  : 
_ أراس السابق لم يعد موجودًا بقى له شيئًا هينٌ، بسيط ويطوي صفحة الأجرام عن حياته. 
سكت هنيهة، متطلعًا إلى خديجة التي استطيرت فرحًا، رغم نهرين الدمع اللذان طفقَ من مآقيها، وقال  : 
_ هلا نصلي الفجر معًا؟ 
اومأت خديجة عدت مرات وهي تكفكف أدمُعها، فـ أستراح قلبه وغمغم: 
_ لم يكن لحياتي السابقة معنى، حتى دخلتيها فـ اصبحتِ حياتي. 
شكرًا لأنك قبلتِ بوجودي معكِ! 
شكرًا لأنك غدوتِ رُوضة دنيتي! 
شكرًا لأنكِ بتِ مشكاةٌ تنير طريقي الحالك الظلمة! 
هنيئًا لفؤادي بجنته التي أحالته إلى بستانٌ من الزهور، أرجو ألا تزبل! 
لثم جبهتها بقبلة ناعمة، صافية، حانية، وقال بدمعة هوت من عينيه على وجهها  : 
_ أتمنى ألا يحرمني الله منكِ يا وردة دنيتي، ورفيقة دربِ، وحصني المنيع، وبسمة قلبي... أحبك يا خديجتي. 
همست خديجة في هدوء ورقة  : 
_ أتضرعُ إلى الله يا مَن رُزقت حبه ألا يحرمني الله منك. 
ثُم دنت منه وضمته بقلبٌ خافق، وأسندت رأسها إلى صدره، هامسة  : 
_  أدامك الله أمانًا لروحي يا طيفِ الأمان الذي ضمني. 
رغم إنه تفاجئ من صنيعها، حاوطها في هدوء وسكينة، مطمئنًا، وعندما أذن المؤذن طلبت منه أن يردد الآذان ففعل، ثُم صلى بها إمامًا.
جلست خديجة تردد اذكار الصلاة وهو يرددها خلفها، فما أن فرغت حتى تبسمت له، وقالت بسعادة  ملئت وجهها، وقلبها  : 
_ لاتدري كم أشعر بالسعادة يا أراس، ظننتك لن تتهتدي أبدًا وإذ بالله العلي القدير يأخذك من الضلال إلى الهدى … ويصطفيك عن خلقه بالتوبة الصادقة، سأدعوا لك دائمًا أن يمحو الله لك كل ما بدر منك … ويمحص آثام قلبك برحمته التي وسعت كل شيء، أعلم إنه مهما ضاقت الحياة عليك وظننت إنه لا يوجد مخرج، وأنك هالك لا محالة … ألا تفقد حسن ظنك بالله وسترى كيف ان الله سيوسع ضيقك ويجعله رحبًا.. 
ضم أراس كفيها في راحتيه، وهمس مبتسمًا  : 
_ انا ممنون لكِ يا خديجة، حمدًا لله على وجودك العظيم ذاك، الشكر ليدك التي أنتشلتني من مضلات الحياة إلى نعيم الآخرة. 
الشكر لصوتك الذي كان بصيص النور المضيء في دربي الطويل... 
كل الشكر لقلبك الذي كان كالبدر متوهجًا، يضيء قلبي بصنيعه. 
أنكِ تلك الرحمة التي نزلت عليٌ من السماء تطوقني لتحلق بيّ إلى جنتات النعيم. 
أستطرد فجأة متسائلًا  : 
_ هل لي بطلب؟ 
في اهتمام اومات خديجة، وهي تقول  : 
_ اطلب ما بدا لك. 
تنهد أراس وقال في لهفة  : 
_ ما رأيك أن نذهب إلى مكة ذات يوم ونحج. 
شهقت خديجة في أوج أنفعالها، ثُم صاحت بقلب يرفرف فرحًا  : 
_ هل أنت جاد؟ 
تحمحم أراس مرددًا في بساطة  : 
_ بالطبع يا عزيزتي، هل تعلمين لمَ؟ 
قطبت خديجة في تساؤل، فـ أردف مبتسمًا  : 
_ ثمة أحدٌ يستعمر قلبي أريد أن احقق له ما يتمنى. 
ضحكت خديجة في حبور، ورددت  : 
_ لقد كانت امنيتِ دائمًا ان يكتب ليّ الله زيارة بيته. 
سكتت لهنيهة شاردة، وقالت على حالها  : 
_ يا الله كم اشتاق ان اطوف حول الكعبة، وألمس الحجر الكريم، ومقام إبراهيم، وجحر إسماعيل، وارتوي من ماء زمزم. 
أرتج عليها، فلاذت بالصمت، ودموع الشوق تتأرجح على أهدابها، وأستتبعت بصوت متحشرج هائم  : 
_ أشتاق أن أزور قبر النبي، وأبو بكر، وعُمر … هل تعلم ماذا قد افعل حينها؟ 
لم تأبه بأن يجيب، وهي تسترسل كأنما روحها غائبة  : 
_ سأجلس هنالك طويلًا، وسأحكي مع الرسول كثيرًا، وسأبكى بغزارة وأنا اخبره عن شوقي لرؤياه، وحبي له، وهموم قلبي. 
أفيقت خديجة من أسترسال أحلامها على صوت أراس يقول  : 
_ قريبًا إن شاء الله، والآن هل سوف تسجلين؟ 
زمت خديجة شفتيها في عبوس، قائلة  : 
_ كدتُ انسى. 
بدأت خديجة تسجل، وأراس جالس منصتًا تمامًا في اهتمام، وأنشأت تقول : 
_ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته …
كيف حالكم يا احباب؟ أتمنى ان تكونوا بخير. 
كيف أحوال قلوبكم مع اهوال يوم القيامة؟ 
هل انتفعتم؟ غيرت مما فيكم؟ هل ارجعتكم من الضلال إلى الهدى؟ 
هل جعلتكم تعلمون إننا كلنا راجعون إلى الله، وأن الحياة الدنيا فانية، والموت آتٍ لا محالة؟ ولا مرية ان الحساب آت واما جنة ام نار؟! والقبر هو بيت الأنسان الوحيد الذي يجب ان يعمره وأن تلك البيوت التي تبنوها وتفرشوها اجمل واروع فرش وأثاث إنكم فيه ضيوف ستغادرونه يومًا إلى بيتكم الأساسي؟ 
هل علمتم ام لم تعلموا؟ 
هل تفكرتم في ذنوبكم قبل فوات الآوان أم الحياة شغلتكم؟ وملاذتها أغرتكم؟ وحسبتم إن الموت عنكم ببعيد وما هو ببعيد، عساه قريب منك للغاية، فهلا تفكرت من اي اتجاه سيحضر ملك الموت؟ عن يمينك ام يسارك من امامك من خلفك؟ أي ملائكة ستأخذ روحك، أملائكة العذاب أم الرحمة؟ 
كيف ستخرج روحك؟ 
هينة دون ان تشعر اما عسيرة لن تقو على خروجها ولن تجد حينئذٍ منجي لك من وعُرتها! 
الآن نحن بصدد الهول الهائل من اهوال يوم القيامة وألا وهو تطاير الصحف وعرض الأعمال. 
ولنبدأ بتطاير الصحف؛ وقبلًا هل تعلم ما تطاير الصحف تلك الصحيفة او الكتاب التي تحوى كل اعمالك من ذنوبٍ وحسنات، وسيئات، وصالحات الأمر هائل فكل ذرة خير او شر فعلتها في هذا الكتاب مكتوبة. 
يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ( ( أي  ساعٍ إلى الله  وعامل بالخير أو الشر.) فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور بلى إن ربه كان به بصيرا [ الانشقاق : 6 - 15 ] .
وقال الله تعالى : وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم  ربك أحدا [ الكهف : 48 - 49 ]
وقال تعالى : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم الآية . [ الأنعام : 94 ]
وقال تعالى : يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية [ ص: 6 ]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : " يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ; فعرضتان جدال ومعاذير ، وعرضة تطاير الصحف ، فمن أوتي كتابه بيمينه ، وحوسب حسابا يسيرا ، دخل الجنة ، ومن أوتي كتابه بشماله دخل النار "
سكتت خديجة لهنيهة، ألقت نظرة إلى أراس الذي كان يرتج بجانبها رجًا ساحقًا، كأن الكلمات تزلزلة وتصعقه صعقًا، فلم تأبه وتابعت  : 
_ هلا فكرت أيها المؤمن كيف ستلتقط صحيفتك بشمالك ام يمينك؟  هل عملت لهذا اليوم؟ هل حرصت ان يكون كتابك مشرفًا امام الله عز وجل يحتوي على اعمالٍ صالحات، وحسنات، وتوبة ومغفرة، اكثر من الذنوب والخطايا، ام لعلك لم تفوق من غفلتك؟ 
أنهض ياصاح فالوقت يمر، والأيام تولي، والموت تذايد ولا تدري نفسٌ متى الأجل! 
طوبي لمن سيأخذ كتابه بيمينه. 
وأحسرتاه على من سيأخذه بشماله! 
جعلني الله وأياكم من أصحاب اليمين! 
ثُم ماذا يا ابن آدم، هل تصاحبت مع جوارحك قبل أن تشهد عليك يوم القيامة، عيناك ستشهد، يداك ستشهد، قدميك سيشهدان، كل ما بك سيشهد عليك فهل تجهزت لهذا اليوم، لهذه الساعة؟ 
لا تعجب فإنه والله ليومٍ هائل يجب على ذكره أن يرتجف جسدك، وتصيبك رعدة قوية، أم أنك لا تشعر بعظم هذا اليوم؟ 
قال تعالى : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا [ الإسراء : 13 ، 14 ] . قال الحسن  البصري : لقد أنصفك يا بن آدم ، من جعلك حسيب نفسك . والميزان منصوب لوزن أعمال الخير والشر ، والصراط قد مد على متن جهنم ، والملائكة محدقون ببني آدم وبالجن ، وقد برزت الجحيم ، وأزلفت دار النعيم ، وتجلى الرب سبحانه لفصل القضاء بين عباده ، وأشرقت الأرض بنور ربها ، وقرئت الصحف ، وشهدت على بني آدم الملائكة بما فعلوا ، والأرض بما عملوا على ظهرها ، فمن اعترف منهم ، وإلا ختم على فيه ، ونطقت جوارحه بما عمل بها في أوقات عمله ، من ليل أو نهار .وقال تعالى عن الأرض : يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها [ الزلزلة : 4 ، 5 ] ، وقال تعالى : ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون الآيات إلى قوله : فأصبحتم من الخاسرين [ فصلت : 19 - 23 ] . وقال تعالى : يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين [ النور : 24 ، 25 ] ، وقال تعالى : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون إلى قوله : ولا يرجعون [ يس : 65 - 67 ] ، وقال تعالى : وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما [ ص: 11 ] [ طه : 111 ، 112 ] . أي لا ينقص من حسناته شيء ، وهو الهضم ، ولا يحمل عليه من سيئات غيره ، وهو الظلم .اللهم يسر وأعن . 
توقفت خديجة عن الحديث تلتقط انفاسها، واختسلت نظرة إلى أراس الذي صب لها كوبًا من الماء ناوله لها، لترتشف منه قليلًا، وعادت تستكمل حديثها في نبرة تقطر جزعًا، ورهبة، ورجفة  : 
_ يُخيل ليّ أن هذا اليوم المهيب لن يمر، وأخشى أن يكون مثواي في نار جهنم فاللهم أجيرنا منها، أتدري ما هو الصراط؟
الصراط منصوب على ظهر جهنم يمر عليه الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يجوزه ناجياً، ومنهم من لا ينجو. 
تخيل يا بن آدم الصراط منصوبٌ على ظهر جهنم، على حافتيه خطاطيف وكلاليب، يأمر الله الناس ان تمر على ظهره. 
تزلزل قلبها عندئذٍ، واقشعر بدنها، وخرج صوتها متهدجًا، مرتجفًا، والدموع تنساب من عينيها بغزارة وصمت  : 
_ يا له من موقف مهيب، يالها من بلوى عظيمة، لكن الجميل عند الصراط أن الرسول يدعوا فيقول  : اللهم سلِّم سلِّم. 
تبسمت خديجة حينذاك، وقالت في ارتياح  : 
_ اول من يجتاز الصراط هو الحبيب محمد صل الله عليه وسلم بأمته فعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاءنا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ؛ اللهم: سلم سلم . وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم السعدان ؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم المؤمن يبقى بعمله، أو الموبق بعمله، أو الموثق بعمله، ومنهم المخردل أو المجازى ... ) رواه البخاري
ويتفاوت المارون على الصراط في مروره، كلٌ حسب عمله، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم كالطير، ومنهم يشد كشد الرجال. 





فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم – : ( فيمر أولكم كالبرق، قال: قلت بأبي أنت وأمي، أي شيء كمر البرق ؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر، ويرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط، يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا، قال: وفي حافتي الصراط كلاليب - جمع كَلُّوب حديدة معطوفة الرأس – معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج، ومكدوس في النار ) رواه مسلم والمخدوش من تمزق جلده بفعل الكلاليب، والمكدوس من يرمى في النار فيقع فوق سابقه مأخوذ من تكدست الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضا.
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال في ذكر مشاهد يوم القيامة : ( ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلم سلم، قيل: يا رسول الله وما الجسر ؟ قال: دحض مزلة، فيه خطاطيف وكلاليب وحسك - شوكة صلبة -، تكون بنجد، فيها شويكة، يقال لها: السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلّم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم ) رواه مسلم .
فالثبات يوم القيامة على الصراط بالثبات في هذه الدار، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم . وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط .
خوفًا عظيمٌ هائلٍ هذا الذي ملأ قلب خديجة ونفسها، جعل الدمع ينسكب من عينيها انسكابًا، وتتنفض كأنها محمومة، وتعلي نحيبها وشهقاتها حتى رويدًا رويدًا بدأت بنهنهة، وقالت بعد ما تمالكت جأشها  : 
_دلت الأحاديث السابقة على أن الصراط دحضٌ مزلةٌ، أي: موضع تزل فيه الأقدام ولا تستقر، على حافتيه خطاطيف وكلاليب وحَسَك أي – شوك صلب من حديد - وهو أدق من الشعر، وأحد من السيف عن أبي سعيد – رضي الله عنه – موقوفاً قال: ( بلغني أن الجسر أدق من الشعرة، وأحد من السيف ).رواه مسلم. 
هل جزعت يا صاح؟ أيتها النفس الغافلة متى تفيقين؟ 
أليس بعد هذا النوم من استيقاظ؟ 
او بالله ترآكِ غفلتِ عن الصراط، هل تفكرتِ كيف ستجتازيه أم لم تفكري ولم تبالي  ؟! 
الصراط يا نفسي أدق من الشعرة، وأحد من السيف فكيف ستخطين عليه؟ بل أنَّى لكِ النجاة من الخطاطيف والكلاليب؟ ماذا لو وقعتِ في نار جهنم وتقولي يا آسفي وتودين لو تعودي لعلك تعملي صالحًا، وإنهم إليها لا يرجعون فلا تفوتِ ما زال يومك طويل والتوبة في انتظارك فعودي إلى ربك، واطلبي عفوه ورضاه ورحمته فمن ذا يرحمك غيره؟! 
ثُم نأتِ إلى القنطرة وهي بين الجنة والنار، إذا خلص المؤمنون من الصراط حبسوا على قنطرة  - جسر آخر – بين الجنة والنار يتقاصون مظالم كانت بينهم ، وهؤلاء لا يرجع أحدٌ منهم إلى النار ، لعلم الله أن المقاصة بينهم لا تستنفذ حسناتهم ، بل تبقى لهم من الحسنات ما يدخلهم الله به الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيُقَصُّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمدٍ بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا ) فهذا الصراط خاص بتنقية المؤمنين من الذنوب المتعلقة بالعباد حتى يدخلوا الجنة وليس في قلوبهم غلٌ ولا حسدٌ لأحدٍ، كما وصف الله أهل الجنة فقال: { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين } . 
هذا هو الصراط، وهذه هي أحوال الناس عند المرور عليه، فتفكر – أخي الكريم - فيما يحل بك من الفزع بفؤادك، إذا رأيت الصراط ودقته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها، وقد كُلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك، واضطراب قلبك، وتزلزل قدمك، وثقل ظهرك بالأوزار المانعة لك من المشي على بساط الأرض، فضلا عن حدة الصراط، فكيف بك إذا وَضَعْتَ عليه إحدى رجليك فأحسست بحدته، والخلائق بين يديك يزلّون، ويعثرون، وتتناولهم زبانية النار بالخطاطيف والكلاليب، فيا له من منظر ما أفظعه، ومرتقى ما أصبعه، و مجاز ما أضيقه . المراجعة  (موقع إسلام ويب) 
إذن فبعد أنتهاء الحساب ومرحلة الصراط يدخل المؤمنون إلى الجنة ويكون اول من يدخلها هو الحبيب محمد صل الله عليه وسلم لحديث أنس رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم " انا اول من يدخل الجنة يوم القيامة "
ربما قد نكون أنتهينا لكن أسأل قلبك الآن، كيف حاله؟ 
أساكنًا، مطمئنًا، راضيًا؟ 
أم خائفًا، وجلًا، مرتعبًا؟ 
تفكر أجنة أم نار قبل أن يحضرك اليقين. 
وإلى اللقاء مؤقتًا إلى دروسٌ وعبر آخر، لكن بالله عليك خذها نصيحة الدنيا لن تدوم فعد إلى الله بقلبك وروحك وجوارحك فيا لها من لذة، لذة قربة. 
ويا لها من راحة. 
الدنيا فانية فلا تتكئ عليها وتنغمس فيها فتنسى نفسك وتفيق من غفلتك على ملك الموت، لا تجعله يعاجلك، استعد الآن للموت حتى تظل مرتاحًا حينما يجيء وليس نادمًا متحسرًا على ما فرط. 
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته... 
رفعت خديجة رأسها فوجدت أراس يتأملها متلهفًا، ثُم قال ببسمة منيرة على ثغرة، بصوت يحملُ حنان الدنيا  : 
_ ما أعظمك يا خديجة. 
ما أعظم قلبي الذي حظى بوجودك في حياتي. 
ما أعظم تلك الحياة لأنك فيها! 
وما اعظم هؤلاء الذين يمتلكونك في حياتهم! 
يا لهم من محظوظين، ويا حسرتا على من لا يملكون خديجة! 
يا لي من رجل اصطفاه الله بزوجة صالحة مثلك. 
زوجة هي روضة في الدنيا، وكوكبٌ في سماء قلبي، وسراجٌ منيرًا في دربي، وبلسمًا لأي جرحًا لا اجد له دواء، فـ أنتِ الدواء لكل داء. 
جعلك الله ليّ دومًا كل الحياة يا أجمل ما في الحياة. 
وبينما هي مطرقة في استحياء تفاجئت به فجأة يغير كلامه هاتفًا  : 
_ متى ستحفظيني القرآن فهو عسير على من مثلي؟ 
فرفعت رأسها له تلقائيًا، وزالت دهشتها سريعًا، لترد متبسمة  : 
_ متى تشاء نبدأ. 
لكنه عبس قائلًا بوجوم  : 
_ لكنه شاق عليّ يا خديجة وستتعبين معيّ. 
فأجابته خديجة في هدوء محبب  : 
_ لا بأس، لا تبتئس … فعن عائشة رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يقرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْران متفقٌ عَلَيْهِ.
لا بأس يا أراس فلك أجران وليس أجر وهذا اعظم لو تعلم... 

🌛 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 🌛

وقفت ملك أمام النافذة تتأمل معاذ، وهي عاقدت الذراعين، مثقلة القلب، منهكة الروح، كليلةٌ هي، وعليلةُ الجسد. 
ليت الحياة ترحمها؟ 
لا عجب! هي ليست بخير وربما قد لا تكون! 
لقد أصبحت تهاب الخروج من البيت بل الأدهى من غرفتها! 
لم تعد تريد رؤية أحد! 
لقد حاولت الأنتحار … عند هذا الخاطر ذرفت عيناها الدمع. 
تقسم أنها لم تكن في وعيها. 
لا تدري كيف بادرت على فعل كهذا! 
هي أبدًا يستحيل ان تغضب ربها! 
لكنها فعلت ولولا مالك لكانت الآن تواري الثرى! 
فُتح الباب سافرًا عن مالك الذي رمقها في حزن وخطى صوبها و وقف بجانبها صامتًا لوهلة، قبل أن يقول  : 
_ لأمتى هتفضلي حابسة نفسك عن العالم كده؟ 
في صوت باهت، حزين، فاقد الشغف في الحياة، أشارت ملك  : 
_ مأظنش هيجي اليوم اللي أطلع فيه! 
_ غلطانة! 
قالتها أروى وهي تتجه نحوهما ومعها باقي الفتيات، وضمت كتف ملك، مغمغمة  : 
_ ايوه غلطانة طبعًا، اللي بيحبس نفسه ده بيكون عامل حاجة كبيرة ومخبي نفسه من الناس، مكسوف من كل اللي حواليه، أنتِ بقا عملتِ إيه عشان تتكسفي من الناس. 
ما لها اروى الآن ألا تدري ماذا كانت تفعل؟ 
الا تدري انها سارقة، الجميع يلقبونها هكذا؟ 
ترقرق الدمع في عينا ملك، واشارت  : 
_ يعني أنتِ مش عارفة…
بترت أروى كلامها، وقالت برفق  : 
_ لا مش عارفة يا ملك، كلنا مش عارفين غير إنك بتعاني من مرض متملك منك بيمشيكِ زي ما هو عايز وغصب عنك. 
توترت ملك وتعصبت بشدة، وكادت تدفع اروى عنها، لكن أروى ذادت من ضمها بحنان وقالت  : 
_ دي مش حاجة عيب ولا حرام يا ملك، دا مرض لازم يتعالج بالعكس بيكون مدمر عن امراض البدن المرض النفسي ده وحش اوي لأنه مش بيكون ملموس ولا مرئي لحد، بيكون جوه الأنسان  . 
كفاية حبسه، تعالي نخرج كلنا زي الأول كفاينا حزن بقا، متفكريش في الناس دول آخر همهم مشاعر غيرهم، مش معاهم غير سيرة غيرهم وبس … مرضك مش حاجة حرام عشان تداري وتخبي نفسك … من انهارده ابدأي علاج كلنا معاكِ إياكِ تفكري إننا بنستحقرك ولا شفينك أأقل مننا، ولا مستعرين منك على العكس. 
تطلعت في عينيها مردفة باعتزاز  : 
_انا فخورة بيكِ يا ملك … فخورة بيكِ بدرجة لا تتخيلها، فخورة أن عندي اخت اتحملت كل ده لوحدها وما زال، فخورة إنك بتحاربي مرضك ده وعلى العكس انتِ أفضل مننا كلنا. 
ومالت على أذنها فجأة، وهمست  : 
_ وفي حد بيحبك أوي، يوم ما كان هيسافر اول ما قولتلت له عن حالتك ساب الدنيا كلها عشانك ومسافرش، شخص مستعد يخوض معاكِ اي حرب نفسية عشان ترجعي زي الأول وأحسن، شخص يا ملك فخور بيكِ والله ولسه بيحبك بل ده حبك في قلبه ذاد أكتر. 
وغمزت لها هامسة  : 
_ معاذ. 
هُنا وصاحت لمياء وهي تدفع أروى جانبًا في مرح  : 
_ إوعي يا بت كده، بصي يا ست ملك من الآخر كده أنتِ مرات اخويا وملناش دعوة توافقي متوفقيش هنخطفك ياختي غصب وهتتجوزيه، وإسمعي برضو من النهارده هتابعي حياتك وتشوفي مستقبلك وأنا أهوو معاكِ وخلي بقا حد يفتح بقه والشبشب في رجلي. 
ضحك الجميع، بينما صاحت دارين فجأة في حماس  : 
_ وبعدين ياختي في زيك خديجة بعتالنا مخصوص نسافر عشانك، عارفة يعني إيه؟ هنقضي كام يوم محصلوش... 
هل القلوب تشعر بما هي مقبلة عليه؟ 
ام هي نبوءة تفوهت بها دارين دون دراية  ! 
فهذه السفرية لكن يكون لها مثيل ابدًا. 
تبسمت ملك في شحوب، سرعان ما تلاشى وحل الفرح على وجهها وتألقت عينيها بجذل مع صوت معاذ  : 
_ لا يا ماما متحلميش هما يومين هنكون إحنا اللي نحدد هنقضوهم إزاي. 
نظرت له دارين في امتعاض متصنع وهمت بكلام فرّ من حلقها وهي تشاهد نظراته العاشقة على ملك ثُم دنا منهم، وقال مخاطبًا ملك  : 
_ عاملة إيه؟ 
اكتفت ملك بهزة بسيطة من رأسها وهي تحاول الأنصراف، مخافةً، وخجلًا مما علمه معاذ عنها، كانت تشعر بشتى المشاعر السلبية. 
تُرى هل تغيرت نظرت معاذ نحوها؟! 
ايرآها سارقة؟ 
أيستحرقها؟ 
لا يحترمها؟ 
نزلت من عينيه؟ 
توقف معاذ سادًا الطريق عليها على بعض خطوات، وأردف  : 
_ أنا أستأذنت عمو حذيفة عشان نتكلم فبلاش تهربِ مني بالذات كل شوية، وشيلي ام الأفكار السودة دي من راسك، أنا عمري نظرتِ ليكِ ما تتغير، على العكس أنا فخور بيكِ وهيذيد شعوري لو تقبلتِ مرضك اللي بيتحكم فيكِ ده وتحاربيه بدل ما بتستسلمي ليه. 
أنا قُلتهالك قبل كده وهقولها انا عمري ما هتخلى عنك. 
وغصب نفسه أن يقول  : 
_ كأخت. 
رمشت دارين في عينيها، وغمغمت  : 
_  أجمل اتنيين عصافير والله... اخت إيه يا عم الحج انت دا البيت كله عارف إنك بتح…
لكزتها اروى، وكتمت فمها لمياء، فـ ازاحت كف لمياء قائلة  : 
_ اما اروح اشوف ابني حبيبي جعفر مع البت ناردين بدل المرارة متتفقع. 
كانت تريد الهرب ربما من ذكريات هجمت على رأسها فجأة في ذاك الأمير الراحل! 
الذي آسر قلبها، وخلب روحها منها دون استأذان. 
لماذا كُتب على المتحابين الفراق؟ 
لماذا بعد ما يجد القلب شطره يتوجع؟ 
وينكوي بنار الفراق؟ 
لماذا يرحلون هؤلاء الذين يسكنوا فينا؟! 
أم لم يعجبهم المستقر؟ 
أم اعجبهم وفضلوا أن يأخذوا كل جميل فينا ويرحلو!. ألا يشفقون على قلوبنا من نار الأشتياق؟  ومن عذاب الغياب؟ ومن لوعة الأنتظار؟! 
حينما انفض الجمع، جلس مالك بجانب ملك المطرقة، فرفع رأسها لأعلى لتنظر في عينيه وقال في صرامة  : 






_ راسك دايمًا تكون مرفوعة، إياكِ تخفضيها لأيًا كان، المرض النفسي مش عيب ولا حرام، دا ابتلاء من ربنا زيه زي أمراض البدن بالظبط واسوء لو متعالجش لأنه بيتحكم في عقل، وتصرفات الأنسان لو استسلم له، اللي بيروح لدكتور نفسي مش مجنون ولا غلط دا شخص بيلحق نفسه من متاهة الأكتئاب اللي ممكن توصله للكفر بالله وهو الأنتحار. 
تنهد ثُم أتبع يقول  : 
_ بلاش تحسي نفسك قليلة، ولا تستحقري روحك كوني فخورة بنفسك يا ملك، لازم تتقبلي مرضك وتبداي علاج، ولو مش عايزاني أعالجك هشوفلك دكتورة كويسة. 
هزت ملك رأسها نفيًا، فضحك قائلًا  : 
_ ما تقولي طيب أنك عاوزاني أنا اللي أعالجك واكون دكتور بقا وكده؟ أأقولك سر؟ 
اومات برأسها في اهتمام، فاستطرد  : 
_ تعرفي ليه درست الطب النفسي؟ 
هزت رأسها، فقال  : 
_ اولًا يا ستي عشان بحبه، ثانيًا عشانك. 
قطبت ملك بعدم فهم، فأردف  : 
_ كان نفسي أعالجك من اللي عشناه في طفولتنا خلاكِ فقدتي النطق يا ملك. 
وتابع في حزن  : 
_ هو انا إزاي مخدتش بالي منك؟  هو انا كنت بعيد لدرجة دي عنك؟ 
هزت ملك رأسها، ثُم اشارت له  : 
_ كنت بخطف حاجتك أنت إزاي ملحظتش! 
ضحك مالك ليهون عن نفسه لكن ضحكته بدا فيها الوجع جليًا، وهو يقول في مرح  :  
_إيه ده بقا انا كمان؟ يا بنتي ايوة ايوة افتكرت بس كنت بحسب عادي يعني ما هي حاجتي هي حاجتك فيها إيه يعني لو خدتيها. 
أشارت له ملك مجددًا  : 
_ محظوظ اللي عنده طبيب نفسي في حياته! 
فرفع مالك إحدى حاجبيه، متمتمًا  : 
_ ليه ياختي بقا؟ 
فـ أشارت له غامزة  : 
_ بيلاقي حد يفهمه … شكرًا لأنك جنبي يا مالك ومحسستنيش أني وحيدة. 
ضمنته وهي تبكي دون صوت، فطوقها بين ذراعيه قائلًا في مناغشة  : 
_ يا بت دي اسرار المهنة!. ويلا بقى اجهزي عشان هنطلع كلنا، وبعدين إيه رأيك نروح الاكاديميه بكرا عند أروى وتقضي اليوم معاها وتدربي. 
هزت ملك راسها في عنف للطلبين، لكنه هزها في عنف، صائحًا بحدة  : 
_ هتخرجي يا ملك، أنتِ سامعة هتخرجي، وكلنا معاكِ كفاية جبن بقا من الناس، متفكريش في حد خلي اللي يتكلم يتكلم المهم إحنا عارفين مين ملك، كلنا معاكِ … وكلنا هنستحمل لحد ما تخفي خالص، إحنا جنبك وبنحبك ونعمل المستحيل عشانك، إحنا حواليكِ  … يلا بقا يا ملوكة عشان هشتريلك لبس جديد من مرتبي للسفرية. 
تبسم حينما رأها تضحك لكلماته وتابع  : 
_ وممكن اخلي كل واحد من الشباب يدفع حاجة برضو، معاذ هيدفع مش هيقول لا. 
همت ملك بضربه لكنه هب واقفًا نحو الباب، قائلًا من بين ضحكاته  : 
_ يا بنتي معاذ اصلًا ممكن يجبلك الدنيا لو طلبتِ، انتِ متعرفيش ولا إيه اصله بيموت ف…. 
ركض مغلقًا الباب وراءه حين مالت تلتقط إحدى الوسائد، لترتطم الوسادة في الباب الذي أنغلق وتبتسم ملك في سعادة لم تزورها لفترة …
يا الله كم هي محظوظة بإخوانها! 
يتوجعون لوجعها، ويشاركونها حزنها فماذا تريد اكثر من ذاك! 
ستدعوا الله دائمًا ألا تحرم من احد منهم وسلامًا للدنيا بعد ذاك. 

🌛اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واصحاب محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم واصحاب إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد وأصحاب محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وأصحاب إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد 🌛





مالت الشمس إلى المغيب، وكانت لمار عائدة إلى الديار، حينما أستشعرت بأحد يتبعها، فتبسمت في شراسة وهي تغمغم بضيق محادثة نفسها  : 
_ آه يا لمار لو كان لسه عمرك صغير. 
ثُم أنحرفت إلى طريق جانبي وهي تهمس في خفوت  : 
_ خلينا نشوف مين اللي مستغني عن عمره وبيلحق بيا. 
فجأة! اتسعت عيناها وهي تميل جانبًا وفي لمح البصر كانت تقبض على كف رجل يحمل خنجر لو لم تنحرف لكانت طُعنت في الحال. 
لم يدرك الشاب ما جرى، فقد قبضت عليه قبضة فولاذية، ولكمة كالصاعقة هوت على معدته جعلته يصرخ بكل ألم …
أوقعت لمار الخنجر من يده ودفعته على الحائط، مغمغمة في شراسة  : 
_ أنت مين؟ وعايز إيه؟ 
هز الشاب رأسه وهو يدفعها بعيدًا، وكاد يسدد لها لكمة إلى وجهها لكن ركلة قوية جاءته من حيثُ لا يعلم سقط على إثرها فنظر إلى حمزة الذي راح يطمئن على لمار، وقفز واقفًا على قدميه، ابتعد حمزة عن لمار ودار هو والشاب حول بعضهما، فأشار حمزة له، فأندفع الشاب وكاد يكيل له لكمة تفاداها حمزة بمهارة وهو يرجع رأسه للخلف، فـ اختل توازن الشاب وتمالك نفسه وهم أن يسدد لكمة اخرى لحمزة لكن هذا الأخير قبض على قبضته المضمومة ولكمة في قوة لكمة هشمت أنفه، فتراجع الشاب للخلف واسند على الحائط كلا يقع، وأتقدت عيناه بالغضب وهجم مرة اخرى على حمزة الذي دار على عقبيه وركله في قوة وقبل أن يسقط كان يمسك به حمزة بقبضة فولاذية وهو يهتف في انفعال  : 
_ تبع من يا هذا؟ 
نظر له الشاب وحرك رأسه يمنة ويسر، وابتسم ساخرًا وعلى غرة من حمزة قبض على ذراعه وركلة ولكمة بيسراه على فكه فتراجع حمزة للوراء مترنحًا وما كاد يسترد نفسه إذ سمع الشاب يقول وهو يعدو  : 
_ سأعود مجددًا يا سيدة لمار … أنتظريني. 
شيعته لمار بنظرات مشتعلة بنار الغضب، وفيما هي على حالها قال حمزة  : 
_ أنتِ كويسة؟ 
أومأت لمار وقالت  : 
_ كويسة الحمد لله محصلش حاجة، أنت لازم تضمد جرحك ده، كويس إنك جيت بسرعة. 
_ تعالي أوصلك، كويس إني كنت قريب من هنا لما رنيتي. 
تأبطت لمار ذراعه وهي تقول في نبرة مبهمة  : 
_ الشاب ده أجنبي مش كده؟ 
هز حمزة كتفيه، مجيبًا  : 
_ اكيد، هعرفلك عنه كل حاجة دلوقتي. 
حينما عاد إلى منزله بعدما اطمئن عليها، ما كاد أن يدخل من الباب حتى سمع شهقتين فزعتين من فم والدته وشيماء أخته التي باتت تعامله جيدًا منذُ هروب زوجها عبد الله 
كادت شيماء أن تقترب منه وهي تسأل في لوعة  : 
_ حمزة، أنت أتخانقت مع حد، تعال اقعد! 
أبتعدت للخلف حينما رأته يشيح بوجهه عنه ويذهب مع سمر التي ضمدت مكان اللكمة التي تلقاها... 
وأخذ يفكر في أخته! 
هل يعود لها فيعاملها كما كان سابقًا، في ذلك الوقت الذي كان فيه مكروهًا؟ 
نظر إلى غرفتها المغلقة التي اعتصمت بداخلها، وزفر في ضيق، وقام متهجًا إليها … لا ضير أن يعطيها فرصة مجددًا! 
لا بأس أن يكونا أخوة يحبان بعضهما، ويتناقشتان، ويتشاركان كل شيء. 
طرق على الباب قبل أن يطل من مكانه، قائلًا  : 
_ أدخل؟ 
اعتدلت شيماء سريعًا واومات قائلة في نبرة مرحبة أقرب إلى الرجاء  : 
_ تعال يا حمزة، ادخل. 
جلس بجانبها على الفراش كما الغريب، بينما قالت هي في حزن  : 
_ تعرف أن دي اول مرة تدخل أوضتي؟ 
رمقها حمزة في عتاب، ود لو يخبرها إنها هي من صنعت ذاك الحاجز بينما، ران عليهما صمت طويل قاطعة حمزة وهو يسألها عن أخبارها، وحالتها ويأزرها على ما فعله عبد الله، ثُم اقترح  : 
_ إيه رأيك نخرج نتعشى سوا بره انا وأنتِ؟ 
كان اول مرة يطلب منها الخروج، فصاحت ظنٌ منها أن اروى ستاتي معهما  : 
_ وأروى معانا؟ طب ما تخرجوا انتوا بس …
بترت كلماتها حين قاطعها حمزة قائلًا بنفي  : 
_ لا لا انا وانتِ بس هتكون اول مرة نخرج سوا. 
صاحت فجأة شيماء في حماس  : 
_ الله ثواني وهكون جاهزة، بس اعمل حسابك هنتمشي على الكورنيش وهناكل حمص الشام وكدا يعني. 
ضحك حمزة قائلًا في مرح  : 
_ إيه الاستغلال ده! 

                🌛 أستغفر الله 🌛

توالت محاولات القتل على لمار عدت مرات، مرة حينما كانت في طريقها خارج المنزل، وإذ بها تلمح مدفعًا رشاشًا ذو منظار وثمة من ينام على بطنه متأهبًا أن يطلق عليها، كل هذا كان في بناية بعيدة عنها ولولا إنها عادة لديها أن تدور ببصره حولها لمَا





 رأته، وقبل أن تُصاب كانت تقفز جانبًا فلمحها عاصم من الأعلى ونزل السُلم كالبرق وهو يساندها لتقف لكنها اشارت له على البناية، مغمغة  : 
_ هاتلي الشاب اللي هناك ده! 
لأن الرصاصة خرجت بكاتم للصوت لم يتناهي لأحد ما حصل، لكن عاصم ما كاد ينظر إلى حيثُ تشير وتميز غيظًا، وقال وهو يعدو في ثورة  : 
_ يا ابن الـ**********
لكنه ما ان وصل وكان الشاب تبخر تمامًا ولا أثر له. 
استرجعت لمار محاولات قتلها وهي في سيارة أجرة، وبينما هي شاردة فيمَ مرت به إذ لاح لها سيارة تتبع سيارة الأجرة، فكظمت غيظها ونظرت من المرآه للسائق قائلة  : 
_ هو أنت ملاحظ السيارة اللي متابعانا دي؟ 
أختلس السائق النظر إلى المرأه، وقطب حاجبيه وهو يقول  : 
_ ايوة فعلًا. 
ما كاد يتم عبارته وإذ بالسيارة ترتطم في سيارتهم في الخلف، فسب السائق من النافذة، لكن لمار خشت ان يصيبه أذى بسببها، فمالت نحوه قائلة بانفعال  : 
_اللي في السيارة عايزني انا،  أنزل أنت وانا هتصرف. 
نظر لها السائق في استنكار، مغمغمًا  : 
_ يعني إيه ده؟ وبعدين هسيبلك العربية إزاي دي اكل عيشي؟ 
ناولته لمار من حقيبتها كارت وهي تقول  : 
_مش أحسن متموت معايا، خد الكارت ده وروح على العنوان اللي فيه واطلب المبلغ اللي عاوزة والعربية هترجعلك متقلقش. 
ثُم اردفت تقول وهي تنظر من المرآه الخلفية  : 
_ انزل يلا. 
كانت متسعت العينين وهي ترَ سائق السيارة الأخرى في يده قنبلة، وما كاد السائق يترجل من السيارة، تفاجئ بها تقفز على مقعد القيادة وتسحب الباب في عنف وتلوح له بكفها وتفرّ من امامه في سرعة أذهلته فرمش باهدابه متمتمًا  : 
_ إيه ده؟ عملتها إزاي دي! 
كانت لمار تضغط على دواسة البنزين وتنطلق بأقصى سرعة، لتبتعد باكبر قدر ممكن لمكان نائي فتضمن أنها في منأى عن اذية أحد. 
وهتفت وهي تراقب السيارة التي أندفعت في قوة وراءها  : 





_ عايز تخلص مني يا ماهر هنشوف مين هيخلص على التاني! 
بدأت السيارتين في الأنطلاق إزاء بعضهما مباشرةً في الطريق. 
حاولت لمار أن تتجاوز السيارة لكن …
فجأة! سحب الشاب فتيل القنبلة ودار رأسه نحوها متبسمًا في ظفر، وألقى القنبلة داخل سيارتها من عبر النافذة. 
ثوانٍ أو أقل... 
ودوى انفجار هائل... 
مخيف …
رهيب …
مفزع …
وأشتعلت النار في السيارة حتى وصلت عنان السماء …
وغطى الدخان المكان منبئًا …
عن رحيل أسطورة حفرت أسمها في دفتر المخابرات من ذهب! 
أسطورة سيفقدها العالم ولن تعود …
اسطورة ستحطم الكثير من القلوب …
ليطوي العالم دفتر لمار الشرقاوي التي كان يهابها اعتى الرجل! 
ليواري الثرى جسدًا جاهد أن يعم السلام الأرض! 
لتبكي السماء لفقد من كانت تروي الجميع بحنانها! 
فسلامًا لروحك يا لمار. 
سلامًا أينما ذهبتِ وكنتِ.
واحسرتاه على دنيا لن تطأها قدميكِ مجددًا. 


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-