أخر الاخبار

رواية جحر الشيطان الفصل الرابع والثلاثون34بقلم ندي ممدوح

رواية جحر الشيطان الفصل الرابع والثلاثون34بقلم ندي ممدوح


عاد الشباب إلى المنزل الذي كان خاليًا، فصعد مالك لغرف الفتيات التي أوحت إنها فارغة ولا أثر لاي أحد فيها، فهبط السُلم وهو يقول بنبرة قلقة، مفعمة بالتوتر  : 
_ البنات مفيش فوق. 
سرت موجة قلق عارمة  وسط الشباب وهم يقفوا جميعًا وساد بينهما الصمت، بتره حمزة باستفهام  : 
_ مش فاهم إزاي مفيش فوق؟ لازم يكونوا هنا دلوقتي! 
تبادلوا جميعهم نظرة قلقة، واقترح عاصم  : 
_ رن على أراس كده شوفه يمكن عند خديجة، تلفوناتهم كلهم مقفوله. 
تنهد مالك وهو يتصل بـ أراس الذي أجاب من اول رنة، قائلًا  : 
_ كيف حالك يا مالك؟ هل خديجة ما زالت لديكم أن هاتفها مغلق، أنا في طريقي إليكم. 
بُهت مالك، إذن فالفتيات ليس في المنزل! 
ولا موجودين عند خديجة …
هذا أمر يثير القلق …
يخيف القلب …
كرر أراس نداءه حين لم يتلق ردًا من مالك  :  
_ مالك، أنت معي يا رجل؟ 
جاءه رد مالك يقول في عجل  : 
_ نعم، تعال، تعال بسرعة يا هذا ثمة أمر جلل. 
وأغلق الأتصال وقد شحب وجهه، وعلى الجانب الأخر نظر اراس في الهاتف طويلًا، ممتقع الوجه، مضطرب القلب، مرتجف الروح. 
إذن تلك قبضة  حق لها أن تعصر قلبه وجلًا …
ضغط دواسة الوقود وأنطلق بأقصى سرعة، والخوف يستبد به، وراحت النار تستعر في أعماقه أكثر وأكثر، حتى كادت تلتهمه بلا رحمة …
بلى شفقة…
بلى هوادة …

                ☘️سبحان الله ☘️

مر الليل عسيرٌ شاق، حالك الظلمة، مُغلق الأبواب، طويلٌ كإنه لا يريد أن يولي مغادرًا وبدت الشمس إنها لم تخرج في موعدها، وكانت النفوس ثقيلة، والقلوب هائمة، والأرواح سارحة. 
يا لها من ليلة ليس لها مثيل. 
يا لها من ليلة لم يغمض فيها جفنٌ …
ولم تنعم الأجساد براحة …
وكانت عيون النجوم تطل مشفقة عليهم وهم يبحثون على البنات في خوفٌ كاد يلتهمهم إلتهامًا. 
حتى ضاقت بهم الدنيا وعادوا إلى المنزل مكدودين، مكلومين، حائرون، مفكرون، يكاد القلق أن يصيبهم بالشلل. 
جن جنون خالد حين علم وحضر فورًا إليهم هائجًا وهم بأفتعال شجار مع أراس منعه الشباب. 
فجأة، وفي غمرة حيرتهم، وتفكيرهم إذ تراءى لهم نجيب يقبل راكضًا، فنهض أراس في لهفة وحث الخطى نحوه، وبادر قائلًا  : 
_ نجيب، أين كنت يا رجل؟! أين خديجة والبنات! أين كنتم. 
تطلع برأسه خلف نجيب وطل الشغف في عينيه سرعان ما خبى عندما لم يجد أحد، طأطأ نجيب رأسه في خزى، حين أطلت الحسرة والوجع في عيني أراس الذي تمتم بنبرة منهارة  : 
_ أين خديجة يا نجيب؟ أين زوجتي يا رجل! لقد أمنتك عليها؟! 
أحاط الشباب كلهم نجيب، وصاح خالد وهو يلكزه  : 
_ تحدث يا رجل ما الذي حدث؟ 
قص عليهم نجيب ما حدث، وتمم قوله وهو يخرج من جيبه فلاشة ناولها لـ آراس، قائلًا  : 
_ عندما أفقت لنفسي وجدت هذه في جيبي وجئت مسرعًا إليك بعد ما حادثتك في الهاتف آخذًا عنوان تواجدك. 
لم يسمع اراس حرفًا مما تفوه به، بل كان ينظر طويلًا إلى الفلاشة، والقلق يجوس في نفسه، والحزن يمور في قلبه، والوجع ينبأه إن فرحته لن تكتمل وأن خديجة ستُأخذ منه.
يا الله … هل حينما بدأ يحيا؟ 
حين أحلوت في عينه الحياة؟ 
عندما وجد سببًا ليعيش؟ 
بعض الناس هُم حياة في قلوبنا. 
حياة تجعل القلب بستانًا يترع القلب بالآزهار والورد، أصواتهم تكون تغريدة العصافير، أشخاص نودُ أن نسبغ عليهم بوارف حبنا كلا يرحلون. 
أشخاصٌ لمّا نجدهم نطمئن، ومن بعدهم لا نريد احد. 
أشخاص يكفونا العالمين جميعهم ويصبحوا وطن يحتوينا بكل دفءٍ وحنان. 
" ملك "
صيحة  ندت عن الشباب وهم يجلسون خلف الكمبيوتر محملقون في شاشته التي ظهرت فيها ملك، بالطبع لم تتراءى لهم ملامحها بسبب الظلام الذي تغرق فيه الغرفة، لكن بكاءها الملتاع جعل قلوبهم جميعًا تتوقف. 
ليس ملك يا إلهي، ليس ملك! 
ملك لديها رهاب من الظلام، تخشى الجلوس فيه، تجن إذ بقت في العتمه بمفردها، ستنكس مجددًا وعلاجها لن يأتي بفائده. 
آهٍ يا ملك كم أنتِ تعيسه لا تفتئ الحياة تحطم كل ما تبنيه. 
تهاوى مالك وهو يسد اذنيه عن صراخ أخته الذي أصابه بالصم، وأصاب فؤاده بمقتل، وطعنت نفسه بالعجز. 
كيف بالله تُخطف في وجوده؟ 
كيف يجلس الآن عاجزًا وهي تكاد تموت خوفًا أن لم تمت من الصراخ الذي مزق حنجرتها العاجزة وهشم سويداءه. 
ترقرق الدمع في عينين معاذ الذي أمتدت كفه تلامس الشاشة كأنما أراد أن يطمئنها، وصدى بكاءها كان يشق قلبه شقًا، وانبعث صوتًا في نفسه يقول  : 
_ أنا قريبٌ منكِ يا ملك. 
بينما اعتصر خالد قبضته كابحًا غضب هائل لو كان تركه لهد الدنيا بما فيها بحثًا عن ملك التي آنفًا بدأت في علاجها وها هي تنتكس مجددًا. 
وجز حمزة أسنانه في ثورة من العصبية، وخبط عاصم بقبضته المنضدة، بينما بدا إسلام هادئًا وأن اوحت عيناه المدمعتين ما يموج في نفسه من حزن. 
لم تلبث الصورة المظلمة أن توارت وتلاشى الصوت كأن لم يكن، وإذ بـ أروى تتبين على الشاشة فاقدة الوعي، مقيدتين القدمين والمعصميين على أرض باردة مليئة بالماء، فهتف حمزة جزعًا  : 
_ أروى. 
وأختفت أروى و كانت دارين بمثل حالها، و أختفت لتسفر الشاشة عن خديجة وهي تزوم بفمٍ ملتصق، وجالسة على مقعد وقد عُقدت كفيها خلف ظهرها وثمة سلاح ملتصق بصدغها دون أن يتبين وجه حامله إلا قبضته. 
فتفجر الغضب في أعماق أراس، وخفق قلبه في جنون، وتسارعت أنفاسه حتى راح يلهث وكور قبضته وقد بدتا مقلتيه مخيفتين حمراوتين بحمرة داكنة وشعتا نارًا. 
تنبه لهياج أخته هنا التي كانت تركل باب حديدي صارخة بجنون. 
فذاد غضبه .. 
ذاد لدرجة أن رآه الرائي لظن إنه سيتحول إلى كتلة من نار لا تبقى ولا تذر. 
وكانت لمياء جالسة في غرفة بمفردها وقد دفنت وجهها بين ركبتيها المثنيتين إلى صدرها. 
هُنا وأنفتحت أبواب الجحيم …
ولن تغلق أبدًا …
إلا ببحرٌ من دم …
فقد هب آراس واقفًا، فلحق به نجيب، لكنه توقف على إشارة من آراس صارمة وهو يواصل طريقه. 
ولم يلبث خالد أن غادر وشياطين الغضب تكسى ملامحه. 
لن يهدأ لهم بال حتى يعودوا البنات في أمان. 
ولو سيقلبوا الدنيا رأسًا على عقب. 
ألم تنقلب؟! 
أنها أنقلبت وحدثت ما حدث. 
وحسم الأمر. 

          💮سبحان الله وبحمده 💮

دموعٌ غزير هوت على وجه آجار مع لمسات حانية للغاية لم يعتدها، تسللت إلى كيانه فشعر بهما وهو ما زال مغمض العينين فور أستعادته الوعي، يحاول أن يدرك ما أصابه، وفي سرعة انهمرت الذكريات عقله، رسالة أخيه، أعقبها مقابلتهما، ثُم ماهر يغرز في ذراعه إبرة، وعندما وصلت أفكاره إلى تلك النقطة تيقن إن ما أحتقن في أوردته هو مخدر؛ مخدر ليفقد الوعي، لكن السؤال هنا هو: لماذا؟؟!! 
ثمة أحد بجانبه … أحدٌ يبكي دموعه تنزل على وجهه، وشفتين ناعمتين تلثمان وجهه في لهفة استشعرها، هُنا ولم يتمالك نفسه ليخطط لشيء ولا للأفكار فدفع هذا الشخص وهو يهب جالسًا ولم يلبث أن أتسعت عيناه وهو ينظر إلى جسد عائشة التي سقطت جوار الفراش إثر دفعه، غادر الفراش فاغرًا فاه، خافق القلب بشدة، لم يصدق عيناه في بادئ الأمر، فراح يغمضهما ويفحتهما مندهشًا! 
ونوبة بكاء كادت تغدر به وتتحرر كبحها بجهدٌ عظيم! 
إنها آخر شخص توقع أن يرآها! 
وأكتر شخص يتمنى أن يرآه! 
أن ينام ولو لمرة في حضنها! 
أن ينعم في حنانها! 
أن ينال العيش معها ويشعر بالدفء ذاك الدفء الذي لم يناله قط. 
تلاقت أعينهما دون أن تتحرك عائشة من سقوطها، وسال الدمع من عينيها. 
ابنها الذي حيت حياتها كله تبكي على فقده! 
على موته محترقًا! 
على احتراق قلبها! 
يا الله كم جميلًا! 
كم كبر! 
كم بدا وسيمًا! 
وكم تمنت أن تضمه بشدة إلى حضنها! 
لا، لن تكتفى بضمه، أنها تريد أن تخبئه في فؤادها. 
امتزجت بسمتها الباهتة مع دموعها وهي تقف، لكن قدميها خانتها وكادت تتهاوى لولا أن أستندت على طرف الفراش براحتها وجلست، ثم غطت وجهها في كفيها وانفجرت باكية في حرارة. 
وبقى هو ينظر إليها مبهوتًا، كأنما استحال إلى تمثال صلب. 
بكاءها جعل الدمع يتسلل من عينيه، فألصق ظهره على الجدار وراءه وانهار على ركبتيه. 
كم مؤلم للمرء أن يكون أقرب ما له قريبًا منه وبعيدًا في ذات الوقت! 
لم تدر عائشة كم مر حين رفعت وجهها إليه، وألمها قلبها لمرآها لدموعه، وفي بطءٍ شديد مضطرب كانت تنهض تقترب إليه وتنزل إلى مستواه على قدميها وتمد كفيها على ظهره المحني، لكنها صُعقت حين ما كادت تفعل إذ انتفض جسده كله كأنما كفيها أصابته بصاعقة كهربائية، ونهض ناظرًا لها في هلع وهو يردد  : 
_ أبتعدي عني. 
وجذبها من ذراعها بحدة لتقف، وصرخ فيها  : 
_ ما الذي فعلتموه بيّ، لمـــــــــاذا جلبتوني إلى هذا المكان؟ أين أنا. 
رغم صراخه كانت عائشة هادئة عيناها تتألقان في حنان وهما تنظران إليه  كأنما تحفر ملامحه في فؤادها حفرًا، وتنقش كل ما به نقشًا. 
هزها آجار بعنف غير عابئ بأي شيء، وهو يصرخ هادرًا  : 
_أنطقي هل أنقطع لسانك ام ماذا أيتها المجرمة. 
وببسمة شرسة ارتسمت على ثغره وهو يضغط على كتفيها، هتف  : 
_ لم يحن دورك بعد، دورك آتٍ قريبًا، سأنتقم لأبي الذي قتلتيه أنتِ وعشيقك، سأنتقم لنفسي وكل ما عشته،  ولأخواتي ايضًا، لقد قتلنا والدتك ألم تشاركك فعلتك الحقيرة! 
تلقى صفعة قوية من عائشة على غرة، جعلت وجهه يلتف جانبًا وقبل أن ينظر إليها مجددًا، كانت تهوى بصفعة أخرى وهي تصرخ  : 
_ لما تتكلم مع أمك تتكلم بأدب، أنت فعلاً لازم تفوق. 
وعاجلته بصفعة أخرى في غمرة ذهولة وصدمته، مع صراخها  : 
_ لازم تفوق لنفسك، ومن عماك، ومن …
قاطعها آجار وقد استرد شراسته وهو يدفعها في قسوة  : 
_ ما تلك القسوة التي تتحلي بها يا امراة!؟ كيف تجرؤين على صفعي يا هذه ؟ 
همت عائشة أن تصفعه لكنه قبض على مرفقها هامسًا جوار اذنيها بفحيح  : 
_ ليس كل مرة تسلم الجرة يا عزيزتي، هل خال لكِ أني سأبكي شوقًا وأحتضنك وأنسى فعلتك …
رفع وجهها لتنظر في عينيه هامسًا في غضب  : 
_أنتِ واهمة مثلك لا يليق بها لقب الأم. 
كم قاسية تلك الكلمات التي تخرج جبرًا من افواهنا عكس ما في قلوبنا! 
كم مؤلم أن نتصنع القسوة لمن نهوى! 
وقد كان قاسيًا يعلم! 
رغم ما يمور في صدره من انفعالات ومشاعر لو ترك لها زمام الأمر لأنكب باكيًا، ملقيًا نفسه في حضنها! 
لكنه لن يفعل لا يفتئ يذكر للآن كل ما عاناه مع هذا … ماهر. 
لكن عائشة تقبلت هيجانه في رحابة صدر، وأبتلعت كلماته في جوفها في رضى تام، وضمت وجهه بين كفيها وهي تهمس في حنو  : 
_ قول اللي تقوله براحتك بس انا عارفة ابن زين  وحفيد لمار الشرقاوي لا يمكن يكون قلبه حجر وكل حرف نطقت بيه مش من قلبك. 
واستدركت فجأة  : 
_ وآه أتكلم عادي أنا عارفة انك فاهم لغتنا، دارين قالتلي. 
في ارتباك غمغم آجار، مرددًا في لطف  : 
_ دارين! 
أومأت عائشة في هدوء، لكنه ابعدها مجددًا مرددًا في شراهة  : 
_ عايز اخرج من هنا! 
وفي برود مستفز اجابته عائشة وهي تجلس على مقعد جوار الفراش  : 
_ مستحيل تخرج من هنا. 
أطلق آجار ضحكة مفتعلة كأنما يواري ما يجوس في صدره وهو يتمتم  : 
_ ومين هيمنعني؟ 
اجابته عائشة في اللا مبالاة  : 
_ أمك اللي هتمنعك. 
عاد يضحك في استهتار، وهو يشير بسابته إليها مغمغمًا  : 
_أمي اللي هو أنتِ؟ دلوقتي عرفتي أن ليكِ ابن!؟ كان فين حبك لما قررتي تحرقيني وتخلصي مني …
كاد يباشر في كلماته القاسية، لكن صرختها الهادرة منعتة وهي تهتف ببكاء يفطر القلب  : 
_ بس، بس بقا كفاية! 
وثبت فجأة نحوه ماسكة بملابسه وهي تنظر لعينيه مردفة بانهيار  : 
_ كفاية أنت معندكش دم؟ 
واضافت وهي تضرب رأسه  : 
_ معندكش عقل تفكر بيه؟ 
انتحبت وهي تمسك قلبها، قائلة بنبرة مزقت قلبه  : 
_ مفكرتش ولا مرة فيا؟ إياك تتكلم ربع كلمة عني وأنت متعرفش أيه اللي عشته ومريت بيه، متعرفش يعني إيه أم تكون مستنيه عيالها يرجعوا من المدرسة وفجأه يجيلها خبر إن العربية اتفجرت وهما في الطريق، متعرفش يعني إيه يفقد الأنسان رفيق حياته، مشفتش حرقت قلبي …
وصرخت قائلة: 
_ يبقى متتكلمش، طالما معشتش اللي عشته مطنتقش. 
كل حرفٍ خرج منها، خرج من قلب أمٌ مكلوم، بات رمادًا، دموعها كانت صادقة، ولوعتها أيضًا، فكتم آجار حزنه، وترك لدموعه العنان وشريط طفولته يمر أمام عينيه، وهو يردد بنبرة تقطر وجعًا  : 
_وأنتِ معشتيش اللي عشته، متعرفيش يعني إيه طفل صغير يمسك مسدس ويكون وسط ضرب نار وعالم و مكان مكنش يحلم إنه يشوفه حتى، متعرفيش يعني إيه طفل يصحى على الضرب وينام مضروب عايش في زل. 
وصرخ بعبارته  : 
_ متعرفيش يعني إيه لما تطالبي إنك تعيشي زي طفل عادي فتحترقي. 
قالها وهو يوليها ظهره رافعًا قميصه، ليكشف عن حرقٌ صغير واضح في ظهره فشهقت وهي تكتم دموعها وعيناها تحيدان إلى كاميرا في أعلى الغرفة، ولم تلبث أن عادت بصرها إليه عندما تابع بكل ألم الدنيا  : 
_ عارفة ليه الحرق ده عشان الرصاصة مجتش في الهدف، وكنت ببكي من المسدس اللي في أيدي، وعارفة مين سببها؟ 
استدار إليها متابعًا في بطء  : 
_ ماهر، تعرفي ليه؟ قال أيه؟ عشان عاوزني أكون راجل يقدر لما يكبر يبقى زي ما أنا دلوقتي؟ تعرفي بقا إني كنت بروح معاه الصفقات اللي كان بيدرها؟ واشتباكات خضناها؟ 
سحبها من ذراعها نحوه، وتابع  : 
_ فجأة لقيت أراس بيحميني منه لكن بعد ما سافر وأختفى أنا دوقت العذاب من ماهر! 
تركها وراح يدور في الغرفة كفهدٌ جريح، مستطردًا  : 
_ تعرفي إني بردوا بسبب آراس كملت تعليم؟ 
تنهد صامتًا للحظات، واستكمل  : 
_ هربت منه! بس كان العالم بره غير معاه؟ مكنش معايا ولا قرش ولا مكان أنام فيه! كنت بنام في الشارع وسط البرد. 
وتهدج صوته بنبرة بكاء دون بكاء  : 
_ وكنت باكل من القمامة الأكل اللي بيرميه الناس لحد ما لقاني ماهر تاني. 
هُنا وانهارت عائشة أرضًا، فمال هو عليها، قائلّا  : 
_ أنا مش ببغض ماهر لأني من غيره مكنش هيبقى ليا كيان ولا مكان يأويني، هو اللي رباني يمكن تربيته كانت قاسية فعلاً بس أنا ممنون ليه. 
وابتسم وهو ينصب قامته، مسترسلًا  : 
_ أنا دلوقتي ليا اسم وليا مكانة، بستعمل السلاح حلو وبموت برصاصة وحدة والآن ولا مرة اخطئت هدفي، لمار اللي اغلب احفادها من المخابرات فحفيدها دلوقتي مطلوب من المخابرات. 
صمت لوهلة قبل ان يتابع: 
_ ماهر كان معاه حق لما علمني وأنا صغير، ماهر بمقام أبويا. 
كلمته الأخيرة فجرت مشاعرها …
ألهبت أحاسيسها …
وذكرياتها... 
وقالت في عنف غاضب  : 
_ مفيش حد زي أبوك … ماهر هو اللي كان وراء قتله، أنت متخيل إنكم لو كنتوا عايشين كانت جدتك لمار هتسيبكم كده؟ 
كانت هتسيبك مع ماهر الكلب ده؟ 
أنت متعرفش هي عملت إيه لما انا اتجنيت ودخلوني المستشفى. 
أذدرد آجار لعابه وهو يلتفت إليها في انفعال، وفتح فمه ليقول شيئًا ما، لكنه عاد يطبقه لاذًا بالصمت، فتابعت هي  : 
_ مش مصدقني؟ أبوك قبل ما يموت كان ضياء الخاين ده بيكلمه وبيبلغه بحاجة خلته يقلق ويتوتر وفجأة بلغني إننا هننزل مصر، حتى مستناش قلي أجهز الشنط وراح يجبك انت واخوك من المدرسة بس لا هو رجع ولا أنت ولا اخوك. 
قالتها، بنبرة باكية متوجعة. 
فنظر لها طويلًا في صمت، ثُم ابتسم غامزًا  : 
_ أنتِ بارعة في التمثيل دا … أنا لوهلة كنت هصدقك و …. 
قبل أن يكمل عبارته، تفاجأ بمن يدفع الباب بدوي عنيف وينقض عليه بلكمة ساحقة دفعته على الحائط، وشهقت والدته الملتاعة وهي تصرخ  : 
_ خالد، بتعمل إيه؟ 
لكن خالد لم يجبها، لم يسمعها حتى، فقد أنقض على آجار وأمسكه من ياقته، صارخًا  : 
_ هما فين يا وليد؟ أخواتي فين؟ عملت أيه؟ 
أبعده آجار عنه بلكمة كالصاعقة على فكه وهو يهتف  : 
_ أولًا مسمييش وليد، ثانيًا إياك ترفع أيدك عليا، ثالثًا اخواتك مين؟ 
مسح خالد الدماء التي سالت من طرف شفتيه بكفه، وقال وهو يجز على اسنانه وعائشة تتشبث به في قوة  : 
_ أهدا يا خالد في إيه يا بني؟ 
لوح خالد بسابته في جنون، مغمغمًا  : 
_ البنات أتخطفوا. 
أخترقت عبارته مسامع عائشة وآجار كالصاعقة فنظرت له عائشة بهلع، بينما ألتفت له آجار، قائلًا في هدوء  : 
_ دارين؟ دارين معاهم؟! 
جز خالد على اسنانه غضبًا، وقال  : 
_ كلهم، وأكيد أنت عارف هما فين و …
قاطعه آجار صارخًا  : 
_ ليه كل حاجة تحصل تلبسوها فيا أنا؟! هو مفيش غيري! أنت مبتفهمش أنا هخطف اختي ليه؟ 
هجم خالد عليه مرة أخرى وسدد له لكمة في أنفه فحطمته وانفجرت منها الدماء، وتألقت عينا آجار بغضب مخيف 
شرش …
عصبي …
وقال له في هدوء وهو يكتم بكمه أنفه : 
_ أنت منتبه لنفسك عملت إيه؟ 
ضحك خالد في شراسة، مرددًا  : 
_ خوفتني، لا هبكي .. ابكي؟ 
وصرخ هاتفًا  : 
_ فين البنات؟ 
دفعه آجار من صدره، صائحًا  : 
_ معرفش، وبدل ما جاي تتخانق معايا فكر مين ممكن يخطفهم؟ 
اهدى عشان نقدر نوصل لحل. 
هم خالد في غمرة غضبه التي سيطرت عليه أن يهجم عليه مجددًا، لولا عائشة التي أمسكت بذراعه، مرددة في توسل  : 
_ معاه حق يا خالد اهدا عشان تعرف تفكر وتلاقي البنات غضبك مش هيفيدك، أنا متأكدة أن وليد مستحيل يكون السبب. 
تبادلت مع آجار نظرة قابلها هو بحنق. 

       🌸سبحان الله العظيم 🌸

 
وقف آراس على حافة تل عالية ينظر إلى السماء، ويتأمل القمر بعينين أغروقتا دمعًا غزيرًا أبى أن ينهمر، وتقدم مسبل العينين إلى طرف التل وبدا كأنه سيلقي نفسه في الهواء لكنه وقف على آخر لحظة، وأعتصر جفنيه المغلقتين وهو ينفض رأسه بعنف كمن يود طرد شيئًا ما في رأسه. 
وبالفعل كان كل ما يبغاه أن يدحر وجه خديجة عن ذهنه. 
أن يطرد صوتها الذي يشوش عقله. 
وفجأة! صرخ صرخة رجت الأرض أسفله، وزلزلت كيانه، وقطعت نياط قلبه قطعًا …
وصمت بغتة كما صرخ فجأة واستدار عائدًا إلى سيارته و لم يلبث أن جلس أمامها وأسند رأسه على مقدمتها، وأثنى قدميه أمامه وراحت الذكريات تتوافد في أعمق أعماقه …
كل همسة تبادلاها هو وخديجة …
كل ضحكة، كل كلمة، كل بسمة، كل نظرة حنان، يا الله كم إشتاقها. 
شمل الجزع جسده، وأقلقته الحيرة. 
من ذا الذي قد يخطف خديجة؟ أهم رجال المافيا؟ لكن لو هُم لكان الآن هو ميت لن يخطفوا خديجة والبنات أجمعهن. 
أهو ماهر؟ لكن ماهر حبيس عند أخيه؟ 
لقد أعتاد هو الخوف … الخوف على نفسه، هذه أول مرة يغمره الخوف على أحد وكم مؤلم. 
إنه لا يتصور حياته بدونها. 
وفي تلك اللحظة وهو يرتكن على السيارة، كان يشعر أنه فقد نصف قلبه، بل قلبه كله. 
كان لأول مرة يبكى، كان ينعى حياته كلها. 
مسح دموعه مع آذان الفجر الذي أنتشله من آلامه، وأوجاعه، وأحزانه 
ونهض مخرجًا زُجاجة مياة من سيارته وتوضاء وأخرج المصليه وصلى ذهب إلى الله بكيانه، وقلبه، وجوارحه، يتضرع إليه أن يردها له سالمة. 
وجلس بعد ذلك يشاهد شروق الشمس هادئًا، مستكينًا عكس عقله الذي كان يعتصره ليعرف أين ذاك المكان الذي شاهدهُ في الفيديو. 
وارتسمت بسمة مشرقة على وجهه بغتة، وتألقت عيناه بصورة واضحة، وفي حماس شديد قفز واقفًا ودار حول السيارة ليحتل مقعد القيادة وانطلق فجأة بأقصى سرعة وفي عيناه بريقٌ وحشي مخيف …
يبرق …
ويبرق …
ويبرق…
معلنًا إنه آن آوان الحرب ليستعد نفسه مهما كلفه الأمر، حتى لو فقد روحه في سبيل ذلك. 

💐 سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته 💐

كانت منة تعد نفسها للخروج من المستشفى إلى حين موعد عمليتها بعد نتيجة العينات، حائرة من عدم مجيء آجار إليها، متعجبة لإنه لم يغب عنها كما اليوم وخاصةً وهو يدرك إنها ستخرج. 
تنبهت لطرقات على الباب فما كادت تستدير، وهمت بالسماح لمن بالباب، إذ أطل آجار باسمًا أنيقًا وقال بنبرة مرحة وهو ينقر على الباب  : 
_ أتحتاج أميرتي إلى توصيلة سريعة؟ 
عبس وجهها، وهي تقول في حزن  : 
_ ظننتك لن تأتي 
أغلق آجار الباب وهو يجيبها في هدوء  : 
' حقًا؟ .. هل ظننتِ ذلك؟ أتعتقدين إنه يوجد شيء قد يبعدني عنك؟! 
كان قد اقترب منها، وأمسك بكفها في راحته، وداعب أصابعها في حنان، وقال في رفق  : 
_ كان رغمًا عني التأخير، هل تسامحني أميرتي؟! 
تبسمت له وهي تتصنع الحزن عاقدة كفيها، وسألت  : 
_ وأين خديجة؟ لماذا لم تأتي أيضًا؟ 
تلاشت بسمته حين ذاك، وتجلى الهم على وجهه، وخبت لمعة عينيه، وتنهد متمتمًا  : 
_ أعذري خديجة يا منة، لو كانت موجودة لما تأخرت عنك أبداً. 
تساءلت منة في اهتمام حذر  : 
_لو كانت موجودة؟ ماذا تقصد؟ .. أين ذهبت إذن؟ 
أخذها من يدها لتجلس دون أن يجيب تساؤلها، وشرع هو في غلق حقيبتها، وألتفت إليها، قائلًا  : 
_ لا أحد يعلم أين خديجة؟ 
مرة أخرى تملكتها الدهشة، وسألت مستغربة  : 
_كيف يعني لا أحد يعلم أين هي؟! هلا أخبرتني وكفاك غموضًا. 
في لهجة تحمل قلق الدنيا كلها، أجابها آجار  : 
_لقد أُختطفت خديجة هي وهنا والبنات أجمعهم! 
اتسعت عينا منة في ارتياع، وقفزت صارخة في لوعة  : 
_ رباه، ماذا تقول بالله عليك؟ هل .. هل تمازحني؟ 
بكل آسف هز آجار رأسه، وأمسك كفها قائلًا ببسمة حنون  : 
_ تعالي لأخذك لأحد قريبة ليّ ستبقين معها حتى أكون مع أراس. 
تساءلت وهي تسير معه  : 
_إلى أين؟ ومن هيا؟ 
نظر لها فجأة كمن تعجب السؤال ولم يكن يتوقعه. 
ماذا يقول؟ 
أيقول إلى أمي؟ 
لن يخبرها بذلك ابدًا. 
لأنه ببساطة لن يسامح أمه ولن يعترف بها. 
لكنه الآن لا يملك حلٌ آخر إلا أن يتركها معها هكذا سيطمئن حتى يبحث عن أخته وهو مرتاح البال. 

                    🏵 الحمد لله 🏵

راحت عينا شباب آل الشرقاوي تتابع قدوم آراس متهلل الوجه وهو يقول في أمل بثه في قلوبهم  : 
_ لقد علمت المكان الذي فيه البنات!. 
تسأل خالد باهتمام وهو يدنو منه  : 
_ أأنت واثق يا هذا؟ أين؟ 
أومأ أراس برأسه، وغمغم  : 
_ واثق ..  واثق ولكن المكان بعيد ولن نذهب خالي الوفاض يجب ان نجهز أنفسنا! 
قطب حمزة وهو يسأله  : 
_ ما الذي تعنيه؟ 
نظر له آراس وقال في بساطة  : 
_ لا تشغل بالك فيم أقول، المكان بحق بعيد وفي بقعة يسودها الأشجار والأدغال وربما وحوش، إي انها خالية من السكان تحتاج منا لجهد لنصل. 
ضرب عاصم على كتفه، وهو يقول  : 
_ لا تشغل بالك بنا نحن نخوض أشد النار أتونًا يا رجل ولا يصيبهم اذى. 
رمق آراس وجوههم بنظرة سريعة، وقال  : 
_ إذن استعدن ح…
" أراس، يا أخي "
أنبعث صوت آجار من خلفه، فنظر لـ إسلام أمامه عاقدًا حاجبيه في تساؤل مندهش، وارتد للخلف مصعوقًا بغتة حينما وقع بصره على آجار الذي أندفع نحوه، فراح ينقل بصره بينهما كمن رأى شبح. 
فتبادل آجار وإسلام نظرة حذرة، ثُم قال آجار ببطء  : 
_ هذا أنا يا رجل .. آجار …
ثم أشار إلى إسلام متابعًا  : 
_ وهذا إسلام …
وأردف بما صعقه حقًا  : 
_ أخي. 
خال لـ آراس أن عدم نومه أصابه بتشوش في الرؤية ففرك عينيه، وأغمضهما وفتحهما مرتين، وقلب بصره على الشابين، وقال في تمهل  : 
_أخيك!!! هل تمازحني يا رجل؟ هل لك عائلة؟ 
ودار بصره في الجميع، هاتفًا  : 
_ هلا وضح ليّ أحدكم ما يجرى هنا! 
هتافه، جعل خالد يشوح بكفه مغضبًا وهو يهمهم بكلمات غير مفهومة تنبأه عن استيأه. 
لم يبال به آجار وهو يقترب من أراس، متمتمًا  : 
_ سأخبرك بكل شيء، دعنا نذهب لننقذ الفتيات، ربما في الطريق اخبرك. 
حدجه اراس شزرًا ودفعه عن طريقه وهو يغادر المكان في عصبيه، فرمق آجار إسلام بنظرة حانقة، ساخطة ولحق به. 

         🌺 الحمد لله رب العالمين 🌺

دفعةٌ واحدة استيقظت كل حواس أروى دون أن تفتح عينيها، وسكنت تمامًا مرهفة السمع. 
لم يبد لها وجود أحد فالمكان هادئ تمامًا، خالي. 
مقيدة الذراعين، والساقين بحبالٌ غليظة، مُلقاةٌ فوق أرضية رطبة مبللة، وفي بطء فتحت عينيها لتدور في المكان بحذر وهي تعتدل جالسة، كان مكان شبه مظلم وشبه مهجور، والبقعة التي فيها لم تجد فيها إلا جدران صلدة، على يميناها رأت بابٌ مغلق، وآخر أمامها فمطت شفتيها بضيق، سرعان ما تناهى لها صوت آتيًا من وراء الباب الذي عن يمينها، فأرهفت السمع سرعان ما هتفت في ارتياع  : 
_ ملك، يا الله ملك. 
ورفعت صوتها، مع هتافها  : 
_ ملك أنا هنا، هفتحلك بس اهدي. 
لم يكن الأمر عسيرًا لتعلم إن ملك داخل غرفةٌ مظلمة، وإن لم تفعل شيء فستخسرها للأبد ما أن يبلغ رعبها الذروة. 
فزحفت إلى الباب بعد ما وجدت إنه محال أن تتحرر من قيدها، وحاولت ان تنهض لكن محاولتها باءت بالفشل، فكانت تكلم ملك التي هدأت نوعان ما قليلًا، لكن هدوءها آثار خوف اروى عليها فسكنت لتفكر مسبلة العينين، وفي حذر وتركيز تام راحت تفك قيد ذراعيها الذي أخذ بضع دقائق منها لكنها فلحت، فضحكت في ظفر وهي تدلك رسغيها، ولم تلبث أن فكت قيد قدميها وألقت بالحبال بعيدًا في لا مبالاة، ونهضت تدفع الباب المغلق في أحكام تام، وهي تصيح  : 
_ ملك، ملك أنتِ كويسة ردي عليا بالله عليكِ. 
على ما يبدو إن خوفها عليها جعلها تنسى أن ملك لا تتكلم. 
وقفت في انهاك مسندة على الباب في عجز، لكن فجأة قفزت في ذهنها فكرة في غمرة هدوئها ذاك، فالتقطت دبوسٌ من خصلاتها وأخذت تعالج رتاج الباب وهي تهمس  : 
_الواحد لازم يفكر الأول مش يندفع وخلاص. 
تكة واحدة نبأتها إن محاولتها قد أفلحت، فتنفست الصعداء وهي تدفع الباب مندفعة بدورها للداخل، فقابلها ظلامٌ دامس، فغمغمت بضيق  : 
_ الكلاب …
أخترقت ببصرها الظلام السائد حتى أبصرت ملك التي كانت ترتجف وهي تدفن وجهها بين ذراعيها على ركبتيها المثنيتين. 
فضمت جسدها بلوعة، وهي تهمس مهونة  : 
_ أنا هنا يا ملك أنا معاكِ اهووه، أنتِ مش لوحدك. 
تيبس جسد ملك بين ذراعيها سرعان ما انفجرت باكية وهي تتشبث فيها بانهيار، وأروى تمسح دموعها برفق، متمتمة  في غضب أعمى : 
_ والله لأدفعهم التمن غالي …
تعالي نطلع من هنا. 
أمسكت بكف ملك المرتجف وأحاطتة جسدها وخاصةً رأسها الذي كان مدفون في كتفها حتى تهرب من الظلام المحيط بها. 
كانت شاحبة الوجه كمن لم يصدق إنه نجى من موتٌ محتم. 
فما إن أحست بالضوء يغمرها إذ ابتعدت عن أروى التي، قالت لها  : 
_ استنى هنا. 
شرعت تعالج رتاج الباب كما فعلت سابقًا حتى صك اذنيها صوت تكة قفل الباب الذي أنفتح بيسر، فضمت كف ملك وهي تدفع بكفها الآخر الباب وما كادت تخطو خطوة واحدة إذ وقع بصرها على فوهتين مدفعتين موجهين على رأسهما، فزمت شفتيها وهي تتراجع بملك التي انكمشت على نفسها، وألتصقت فيها، لوحت اروى للرجلان في إنفعال، وضحكت ضحكة قصيرة، أعقبتها بقولها المفتعل  : 
_ هاي. 
واستجمعت كل قوتها، لتدفع ملك جانبًا خلف الباب، في نفس اللحظة التي دارت فيها على عقبيها راكلة إحدى المدفعين، وبيسراها أمسكت مسورة الآخر ورفعته لأعلى، وبيمناها وجهت للأول لكمة على فكة، وركلت الثاني في معدته ركلة اودعت فيها كل ما تملك من قوة، فأرتد للخلف وكانت هي تسحب المدفع منه وهوت بكعبة على أنفه الذي انفجر بالدماء بصورة مخيفة، جعلت ملك تشهق وهي تكتم فمها بكفيها في ارتياع، والفزع يطل من عينيها، ورأت إحد الرجال يكتف أروى وهم الثاني بلكمها إلا انها قفزت محيطة بعنقه من الخلف، وبأسنانها عضت كتفه، فأطلق الرجل صرخة عالية، وفي مهارة مقاتل محترف كان يسحب ذراعها في عنف وألقاها إلى الجدار فارتطمت به في قوة وسقطت أرضًا على رأسها الذي انفتح، فاتسعت عينا أروى وقد أشتعلتا غضبًا، وهدرت قائلة  : 
_ ستدفع الثمن يا هذا. 
قالتها، وهوت بمرفقها عدت مرات على معدة الرجل الممسك بها من الخلف، ودفعته عنها لتواجهه، وشياطين الغضب تتراقص أمام عينيها لتفجر في أعمق أعماقها كل ما تدربت عليه، فقفزت على المدفع الآلي في ذات اللحظة التي كاد الشابين ان يهجما عليها فتصادما وسقطا أرضًا، وقبل أن يعتدلا كانت فوهة المدفع في وجهيهما، فأطلقت منه طلقتين على ساق كلا منهما، وهي تغمغم  : 
_إي ايد ضربت بيها أختي يا حقير. 
صرختين متألمتين انطلقتا من افواه الرجلين، وقد بدا أنهما لم يفهما حرفًا مما قالت، فأطلقت على ذراع الرجل الذي ضرب ملك، فأطلق صرخة عالية رجت الأرض رجًا، وكاد يهجم عليها لكنها بادرته على عنقه بالمدفع في مكان معين فخر أسفل قدميها، وصرخ الآخر وهو يزحف للخلف ملوحًا بكفه  : 
_ لا، لا تقتليني لقد كنت أنفذ الأوامر فقط، صدقيني. 
رفعت أروى رأسه إليها، وهي تغمغم  : 
_ صدقتك يا رجل، ممن هذه الأوامر إذن؟ 
أطل الفزع من عينا الرجل المتسعتين، وهز رأسه وهو يقول  : 
_ لا يمكنني أن أخبرك، سيقلتني. 
ألصقت اروى فوهة المدفع في صدغة، وهي تهتف فيه بسخط  : 
_ وأن لم تخبرني سأقتلك أنا يا هذا … أيهما تفضل موتي أم موت الوغد الذي تعمل معه أيًا كان؟ 
في جنون منفعل وارتياع هز الرجل رأسه، فلكمته أروى في عنف لكمتين على فكه، وصرخت  : 
_ أنطق يا هذا ..  لن تخبرني إذن؟ .. أنت حُر. 
ومالت عليه، هاتفة في قسوة  : 
_ أين باقي البنات الذين كانوا معي. 
ألتقطت أذنا الرجل حفيف أقدام، فتلاشى كل رعبه وهو يقول لها  : 
_ لقد انتهيتِ ها هم باقي الزملاء قد حضروا… لقد أنتهيتن. 
رفعت أروى المدفع فوق رأسها وهوت به على رأسه، وهي تصيح  : 
_ ليس بعد يا هذا، لا يمكنك أن تجزم من سينتهي الأول. 
ذهب الرجل في غيبوبة عميقة، فاستدارت هي إلى ملك وعاونتها على النهوض والتقطت المدفع الآخر لتعلقه على كتفها، ودار بصرها في المكان المملؤ بالأشجار وقالت في حيرة وهي تدفع ملك لتسير امامها في الطريق الذي لم يأتيها منه أدنى حركة  : 
_ يا رب يكون الطريق الصح انا محتارة. 

وتناهى لها وقع اقدام تقترب .. 
وتقترب .. 
وتقترب .. 
فجذبت ملك وشرعت تركض في طريقٌ لا تعلم إن كان طريق النجاة، أم طريق الهلاك .. 

🌷 الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه 🌷

أمام مصنع مهجور متفرغ، وسط بقعة نائية، مليئة بالأشجار الكثيفة، التي تظلل أغصانه ذاك المصنع، انتشر الشباب  خلف الأشجار وكلٌ منهم متهيئٌ للقتال متذودين بالأسلحة، وراحوا يراقبون المصنع بحذر وترقب شديدين، إلا أن طال الوقت دون أدنى حركة تنبأ عن وجود أحد داخل المصنع أو خارجه حتى. 
فتحرك أراس من موقعه وتقدم بحذر وهو يشهر السلاح أمام وجهه، ويدير بصره حوله، وباغتته حركه من الخلف، جعلته يتحفز وهو يستدير في عنف وأصبعه على الزناد، وأرتخى تحفزه وجسده حين وجد أن تلك الحركة صادرة عن خالد الذي يتبعه في حذر، وتلفت ليجد الشباب حذو حذوه كلهم، فواصل سيره إلى أن وقف جانب باب المصنع، ورفع فوهة السلاح عاليًا، وبيده الخالية دفع الباب في نفس اللحظة التي قفز فيها خالد أمام الباب من الجانب الآخر له مشهرًا السلاح، لكنه تفاجئ بعدم وجود أي رجل، أو أثر للحياة في الداخل، فعقد حاجبيه متعجبًا وتسلل للداخل و وراءه باقي الشباب، وهنا تلاشى كل تحفزهم للقتال وحل محله الحنق وهم يفتحوا كل غرف المصنع التي لاحت خالية، فخرجوا كلهم في الوسط، وغمغم أراس مغضبًا  : 
_ يا الله، لا يوجد أحد. 
جز خالد على أسنانه غيظًا، ولوح بسلاحه، وقال في غضب هادر  : 
_ الآن لا أحد؟ ضيعت وقتنا يا هذا، لماذا جئت بنا إذ لم تكن واثق…
بتر عبارته فجأة، صيحة حمزة، وهو يندفع إلى الباب ملتقطًا شيئًا من الأرض، متمتمًا  : 
_ هذا لـ أروى. 
قالها، وهو يتأمل دبوس خصلات أروى في حنان، فأخذه أراس من كفه وهو يغمغم  : 
_ إذن كانوا هنا. 
وشرد فجأة في حزنٌ عميق أكتنف كل كيانه، وشق قلبه شقًا. 
تُرى كيف حال خديجة؟ 
أبخير أم تعاني؟ 
يا ويلهم أن مسها احدٌ بسوء .. 
بل يا ويلهم جميعًا منه أن كانت بخير أو لا .. 
فقط لتعود إليه ويقسم إنه لن يتمنى إي شيءٍ آخر في الحياة. 
فقط لتعود بخير …
سالمة …
أمنة …
فهي سلامه وأمانه بدونها هو ريشة بالية تتقاذفها الرياح كما يحلو لها …
" إذ كانوا هنا فأين هم؟ كيف علموا بمجيئًا فأخرجوهن قبل أن نصل؟ هل … هل ثمة خائن بيننا "
قال إسلام تلك العبارة في توتر ملحوظ، ممزوج بالقلق، والحيرة في آن. 
فأومأ خالد وهو ينقل بصره بين أراس وآجار، وقال متهمًا إياهم في شراسة  : 
_ أكيد بيننا خائن يتصنع الأنتماء والطيبة. 
حدجه آجار في غيظ، فمنذُ أن علم إنه هو من أحقنه بإبرة مخدرة، وقد كان ينتحل شخصية ماهر وهو يغلي غضبًا، ويود لو ينقض عليه يفترسه، وقد راودته الفكرة وكان قاب قوسين او أدنى من تنفيذها لولا إن صاح عاصم في ارتياع فجأة  : 
_ قنبلة … ثمة قنبلة في هذا المصنع اخلوا المكان. 
ساد الهرج بينهما وإيًا منهم لم يتحرك، فصرخ فيهم وهو يدفع كل من تطيله يده أمامه  : 
_ قُلت أخلوا المكان، تحركوا يا مجانين لم يعد لدينا وقت سنتفجر في الحال .. 
ما كاد يتمم صراخه الهادر فيهم وإذ بالأنفجار يدوي من خلفهم، انفجار رهيب، عظيم، مخيف دفع أجسادهم للأمام عدت أمتار. 
وتساقطوا كلهم على وجوههم، ولفحتهم النار بحرارة رهيبة، جعلت إسلام يسعل باختناق وهو يمسك قلبه ويلتفت إلى النار التي تندلع في المصنع بهلع. 
هل كان سيلقى حتفه توًا؟ 
رباه! ألو لم يخرج لكان الآن أستحال رمادًا! 
أنعكست النار في عينيه وهو يراقب خبوها بعينين فزعتين لا تصدقان إنه نجى، ونظر بجانبه ليجد مالك قد انقلب غلى ظهره متمتمًا  : 
_كنا هنموت. 
أستعاد أراس جأشه فورًا وهب واقفًا، وفي ذات اللحظة التي أُمطر عليهم وابلٌ من الرصاص فانحنى أراضًا وهو يلتقط سلاحه الذي سقط منه إثر الانفجار ويعاون آجار على النهوض ويستتروا خلف الأشجار ويتبادلان النيران الذي اندلعت فجأة، بينما حمى آجار ظهور باقي الشباب حتى اختبئوا. 
ورأى عاصم يأخذ أخيه إسلام ومالك وسمع خالد يقول  : 
_ في أمانتك يا عاصم.
دفع عاصم الشباب أمامه واختبئ بهم وانشغل فجأة بإفراغ خزانة مسدسه… 

لم يكن الأمر هين .. والخصم بدا لهم خصمٌ غير مرئي إلا خيالات الرجال التي كانت منتشرة في كل مكان، وبدا لهم الأمر عسير، إذ نفذت ذخيرة أراس، والأسلحة التي بحوذتهم أجمعهم لن تكفى لصد هذا الهجوم الغير متكافئ، ولم تلبث مسدسات باقي الشباب أن نفذت كلها، وسرت بينهم موجة توتر عنيفة، مع قلق مبهم للموقف العصيب هذا، وفي يأس غمغم أراس  : 
_ أهي النهاية؟ ألن أنقذ خديجة؟! 
وصك على أسنانه وعيناه ترصد الرجال حتى التقطا أقربهم إليه، فضرب قبضة يده في راحته الآخرى وهدر في شراهة: 
_ فليكن، أتريدُها حربًا … فليكن. 
وعدا فجأة والرصاص يتساقط حوله، بين قدميه، وتمرق جوار رأسه، واخترقت أحداهم فخذه لكن كل هذا لم يبطء من عدوه نحو هدفه، ولم يزعزع ثباته … كان كل همه خديجة وليذهب كل شيء غير هذا. 
وراقبوه الشباب في ففزع، وغمغم حمزة  : 
_ ماذا يفعل هذا المجنون؟ 
أجابه خالد في حيره، وهو يراقب عدو أراس في خط ركض متعرج والرصاص يطيش حوله  : 
_ بل قُل ماذا دهاه ليلقي نفسه بين النيران غير آبهًا بنفسه! 
و واصل مراقبته في انبهار وهو يقفز عاليًا ليركل بيمناه الرجل قبل ان تستقرا قدميه أرضًا، ويسحب منه المدفع وهو يلكمه لكمة ساحقة ردته للخلف لينصدم في الشجرة ويرتد للأمام مجددًا كقطعة أسفنج. 
وفجأة … أطلق صرخة من أعمق اعماقه وهو يحصد الرجال في مهارة، ويتدحرج على الأرض، ويتفادى … فهجم الشباب بدورهم مثله، وبرز عاصم فجأة وراح يلقي قنبلة بين الرجال بعد ما حدد هدفهم. 
وضحك ضحكة قصيرة وهو يراقب الأنفجار الذي صنعه، لكن ضحكته خبت فجأة مع شهقت إسلام، فاستدار تلقائيًا ليرى خمس رجال موجهين أفوهت المدافع عليهم، فدار على عقبيه راكلًا أقرب مدفع، ومطيحًا بآخر بقبضته، وعاونه مالك وإسلام. 
وعلى الجانب الآخر كانت قد نفذت ذخيرة أراس فألقى المدفع في نفس اللحظات التي ألتقطت فيها عيناه أحدٍ يصوب السلاح عليه ويطلق وفي مهارة فقفز جانبًا، وأعتدل على ركبتيه ممسكًا بحجر بحجم الكف وألقاه في وجه من اطلق نحوه، وقبل ان يهب واقفًا كانت عشرات المدافع مصوبه عليه، فدار ببصره على الرجال وعقله يعمل في خطة لهذا المأزق. 
وفجأة، جاءته النجدة فقد دوى هدير مروحة هليكوبتر، وبداخل الطائرة تردد صوت أركان ممزوجًا بصوت المروحة  : 
_ لقد جئتكم أيها الأوغاد، إلى الجحيم. 
وأنهمرت رصاصات الهليكوبتر تحصد الرجال حصدًا، وهو يمسك عصا القيادة، ويدور في المكان حتى لم يبق منهم احد، وانخفض بالهليكوبتر وهو يهتف في الشباب الذين تجمعوا، وقفز اراس بداخلها  … واثناء قفزته للداخل انهمر الدم من أصابته ، فصاح فيه اركان  : 
_ يا إلهي .. انت تنزف. 
فرد عليه آجار، وهو يهرع إلى أراس  : 
_ سأهتم أنا بجرحه وأهتم انت بأقلاعك. 
فخطف أركان نظرة ليتاكد أن الشباب كلهم بخير، ورفع عصا القيادة لترتفع الهليكوبتر. 

                  🥀 الله أكبر 🥀

حلق أركان بالهليكوبتر حتى وجد نقطة يهبط فوقها بسلام، وبداخلها كان أراس جالس مستسلم تمامًا لـ آجار الذي كان يضمد جرحه، ولم ينبس ببنت شفة …
كان يتطلع عبر الواجهة الزجاجية، صامتًا كتمثال من الحجر، وعيناه شاردتان، وكل خلجة من خلجاته تعلن الاستغراق في تفكير عميق …
وحزن أكثر عمقًا …
وراح عقله يسترجع كل لحظة قضاها مع خديجة حبيبة فؤاده، ودواء روحه، لا هي قريبة فيطمئن ولا هيا بقربه فيسكن، لا هي معه ولا يعرف مكانها، وكم مؤلم هذا. 

« هلا أخبرتني يا سيد أراس ما الذي فعلته لماهر؟ إلى متى ستظل متهورًا يا فتى!» 

تسللت عبارة أركان إلى أذنيه بغتة، لتدحر عنه صورة خديجة، وصوت خديجة، وضحكة خديجة، وكلمات خديجة، وارتسمت على ثغره بسمة ساخرة ولم يعر أخيه إي اهتمام بإجابته، وراح عقله يستعيد ما فعله بماهر. 
بعد ما صلى الفجر، وبينما هو صافي الذهن يفكر فيمن ممكن أن يكون له يد في خطف البنات وراح كل تفكيره فجأة إلى ماهر، بيد إنه عدو لمار الوحيد وأكثر من يريد قتلهم جميعًا، ودون ادنى تقاعس أو تمهل طار بسيارته إلى القبو الذي يأسر فيه اخيه ماهر وأخذه إلى مكان خاص به، أو بوكره بالأصح، وكانت رؤيته كرؤية شيطان مارد يتأجح بالنيران بالنسبة لماهر، وهناك ثبته على إحدى المقاعد وبجواره صاعق كهربائيّ، وأمسك خنجرًا وهو يسير امامه ذهابًا وايابًا، متسائلًا  : 
_  أين خديجة يا رجل، من خطفها، أنا كلي يقين بأن لك يد في هذا! 
وفي ارتياع هز ماهر رأسه بنفي، والزعر يطل من عينيه هائلًا، وهمس بصوت خافت للغاية خشية أن يثير صوته غصب أراس  : 
_لا اعلم اقسم لك لا اعلم، ليس ليّ يد بهذا! 
وقف أراس فجأة واستدار في عنف زاد من رهبة ماهر الذي انكمش في نفسه، وقال ببطء مخيف أرجف قلب ماهر  : 
_ إذن أنت تصر على أنك لا تعلم …
وقبض على ذراعي المقعد وهو يميل إلى ماهر متطلعًا في عينيه، وهمس  : 
_ تصر على عدم التعاون معي … وهذا يعني. 
أبتعد عنه وارتسم على ثغره بسمة مخيفة، ماكرة وهو يصوب خنجره بين قدمين ماهر، مغمغمًا  : 
_ هذا يعني أنك تستحق هذا. 
ورمى خنجره، وصرخ ماهر صرخة رعب من صميم قلبه، وهو يغلق عينيه في عنف لكن … مهلًا لم يشعر بأي ألم قط، ففتح عينيه وتطلع أسفل قدميه فوجد الخنجر جوار أبهامه مباشرةً، وانتزعه صوت أراس، في حنق  :
_ لا إراقة دماء لقد وعدت خديجة  ، ألن تتكلم يا ماهر، أنت تعلم كم ابغض الرجال العنيدين امثالك، أما إنك لا تدرك هذا؟ 
حدق فيه ماهر وهو يكاد يموت خوفًا، وصرخ  : 
_ لا اعلم صدقني لا اعلم، ليس لدى ادنى فكرة عن مكانهم ولا من فعل هذا. 
رفع اراس حاجبه وخفضه وهو يقول  : 
_ هكذا؟؟ فليكن. 
و قرب اصبعه برفق إلى زر جعل قلب ماهر يهوى بين قدميه، والزعر يصرخ في عينيه وهو يهز رأسه، لكن أراس ضغط، وراح جسده ينتفض بأكمله، وضاعت صرخته مع انتفاضة جسده بصورة رهيبة، حتى اوقف أراس الجهاز وتهاوت رأس ماهر فوق صدره، والغرق يتصبب من جسده بغزاره، بدا كأنه على وشك الموت أو مات وهو جاحظ العينين متراخي الجسد. 
وصدح صوت اراس مجددًا صرامًا، مخيفًا، حازمًا  : 
_ أتصر على ألتزام الصمت يا ماهر .. أأتابع؟ 
لم يتلق ردًا فمد كفه إلى الزر ما كاد يبلغه إذ هتف ماهر بتهالك، وضعف  : 
_ اعرف، اعرف… أعرف سأخبرك، لكن لا تفعل … لا تكهربني. 
عقد أراس ساعديه، وابتسم في ظفر وهو يهمس  : 
_رائع … رائع للغاية أليّ بما تعرف يا سيد ماهر. 
تردد ماهر لهنيهة، ولاذ بالصمت مليًا وهو يستعيد الفيديو الذي أراه له أراس، وغمغم  : 
_ المكان الذي به البنات هو مكان كان خاص بعماليات والدك في إحدى مصانعه في ********. 

« والآن ماذا سنفعل » 
نطق خالد العبارة، التي جذبت انتباه الجميع بلا أستثناء، وأنتشلت أراس من شروده، فتطلع فيه في صمت تام وهو يفكر .. 
ويفكر .. 
ويفكر .. 
وفجأة صاح في اهتمام، وبنبرة تموج بالصرامة، والحزم  : 
_ سنفعل ما علينا فعله! 
قاطعه حمزة في اهتمام وهو يميل للأمام  : 
_ كيف؟ 
تنهد أراس وعاد بظهره للخلف وشرد مليًا، قبل أن يغمغم  : 
_ لنضع أنفسنا بدل المختطفين .. أين يمكن في رأيك أن نغير مكان الآسرى الذي أنكشف في هذه السرعة …
قلب كفيه متمتمًا  : 
_ لن يكون هناك وقت بالتأكيد فالمكان بعيد كما ترى، لذا ثمة أمرين لا ثالث لهما …
قاطعه عاصم متسائلًا  : 
_ ما هما؟ 
نقل أراس بصره في وجوه الجميع، الذين يتطلعون إليه في اهتمام، وأردف  : 
_ أولاً أن يكون ثمة مكان قريب في تلك البقعة بالتحديد ونقلوا البنات فيه …
غمغم آجار  : 
_ هذا ممكن جدًا. 
وقال مالك في حيرة  : 
_ ولكن كيف سنجد هذا المكان ؟ 
تجاهل أراس قولهما، وتابع  : 
_ إما الثاني فهو أن أترك البنات وحدهن وسط هذه الغابة المخيفة وهذا أصعب حل على ما يبدو. 
خيم صمت تام بعد أن فجر عبارته التي آثارت قلقهم، فغمغم مالك في مرارة  : 
_ ملك بتخاف من الضلمة. 
لم يفهم أراس وأركان وإسلام ما قال غير إسم ملك، بينما تبادل هو وإخوانه نظرة قلقة تمور بالإضطراب. 
تطلع أراس إلى الشفق بعينان غشاهما الحزن والمرارة، وقال  : 
_ الشمس على وشك المغيب والليل يُعَسْعَسَ …
وهب واقفًا وهو يضيف في صرامة  : 
_ لن أبقَ هنا ولا دقيقة واحدة، سأذهب لأنبش هذه الأرض نبشًا حتى أجدها أو أموت. 
وقفز من داخل الهليكوبتر وهو يسترسل  : 
_ سآخذ معي ما يلزمني ولن أعود إلا وهي معي. 
تبعه خالد والحيرة تجوس في نفسه …
هل يحب هذا الشاب أخته لهذه الدرجة؟ 
أمستعد أن يضحى بروحه لأجل أن تكون بخير! 
لقد قفز وسط النيران دون أن يأبه لنفسه من أجل خديجة فما هذا الحب الذي يكنه لأخته؟! 
وقف قبالته، وقال وهو ينظر مباشرة في عينيه  : 
_أتحب أختي لهذه الدرجة يا هذا؟ لدرجة أن تلقي نفسك وسط النيران، والآن تريد أن تتوغل داخل مكان لا تدري ما الذي ينتظرك بداخله؟ 
وضع أراس كفيه على كتفي خالد، وقال في صرامة وهو يتطلع في عينيه  : 
_ أنا أدافع عنها بحياتي، وأفديها بروحي يا هذا.. لأن؛ ليس ليّ شيء أخسره إذ خسرتها … روحي ونفسي لا قيمة لهما بدونها. 
شعر خالد بصدق حديثه الذي لامس وترًا مرهفًا في قلبه، وكان عقله متوقفًا عن التفكير خوفًا، وقلقًا، فقال  :
_ إذن ما الذي ينبغي أن نفعله؟ 
أجابه أراس في هدوء  : 
_أن نخوض تلك الغابة وننبش الأرض قرب المصنع بحثًا. 
أومأ خالد وقد استعاد لهجته الصارمة  : 
_ سنفترق إذن. 
ألتفت أراس يواجه باقي الشباب وهو يجيبه  : 
_ هذا ما يجب أن يكون، وأتمنى أن يفلح. 
وقال وهو ينظر إلى أخيه الجالس خلف مقعد القيادة  : 
_ سأكون أنا وأركان وآجار معًا. 
قاطع خالد بنفي  : 
_ أنا من سأكون معك، وآجار سيكون مع إسلام …
قاطعه آجار في حده وهو يرمق إسلام في غضب  : 
_ لن أكون مع غير أراس يا هذا. 
أشار له أراس في صمت  : 
_ بلى كونا معًا ابحثا عن أختكما، وانا وأركان وخالد سنبحث معًا، حمزة وعاصم ومعاذ ومالك سيكونا معًا. 
« لقد أتيت وماذا عني » 
أنبعث صوت نجيب لاهثًا من خلفهم، فأقبل عليه أراس وألتقط منه حقيبة سوداء وهو يتمتم: 
_ جيد لقد اتيت في الوقت المناسب ستكون معي. 
وفتح الحقيبة ليعطي كل واحد من الشباب منظار للرؤية الليلية وهو، يغمغم  : 
_ ستفيدكم هذه كثيرًا … وثمة اسلحة لمن يريد. 
قالها، وهو يخرج عدت خناجر علقها في حزامة وتناول مدفع الآلي علقه على كتفه، وقال  : 
_ هنا سنفترق يا رفاق، لنكن على تواصل إذ ما جد شيء. 
قال عبارته، وسار في طريقه وخلفه أركان وخالد ونجيب، وانتشر الشباب في المكان، وتوغلوا اكثر …
فأكثر .. 
فأكثر .. 
دون أن يدرك احد منهم ما في انتظارهم في هذا المكان! 

🌹 الله اكبر كبيرا، والحمد لله كثيرة، وسبحان الله بكرة واصيلا 🌹

حل الليل وكانت لمياء تسير وسط الظلمة بقلبٌ مرتجف، كل ما تذكره هو مخدر سرى داخل السيارة بغته افقدها الوعي، ثم عاد لها لتجد نفسها في غرفة مغلقة وفجأة ظهر رجال نثروا رزازًا على وجهها أفقدها الوعي مرة أخرى لتجد نفسها في هذا المكان المخيف، الرهيب، وحيدة دون رفيق تآنس به، ولا تدري سبيل للخروج، ولا ماذا سيكون مصيرها، ومع ذلك راحت تسير …
وتسير .. 
وتسير .. 
والخوف يترع فؤادها، ويرجف جسدها، وبكت فجأة وهي تتلفت حولها في ضياع وراحت تتعوذ وتبسمل وتناجي ربها بقلبٍ واجفٌ. 
وبينما هي تسير أحست بأن شيء يزحف بسرعة آتيًا عن يمينها، فازدردت لعابها في توتر، وهي تستدير بجسدها لترى ما هذا الشيء، وانتفض جسدها مع شهقه عالية وهي ترتد للخلف لتسقط أرضًا ما أن وقع بصرها على أفعى كبيرة الحجم، تلاقت عينا لمياء مع عينان الأفعى التي 





صدرت عنها فحيح مخيف جعل جسدها ينتفض وهي تخرج لسانها، رعبها من الموقف وخوفها شل حركتها وعقد لسانها، فهوى دمعها هويًا في صمت ورأت الأفعى ترجع برأسها وتنقض عليها فاتحة فمها ومخرجه لسانها، فصرخت بكل ما تملك من صوت وهي تغطى وجهها بذراعها وزحفت للخلف ونهضت لتركض، في نفس اللحظة التي أنصدم فيها فم الأفعى في الأرض وراحت تزحف بسرعة رهيبة خلف فريستها …
وبدا الموت قاب قوسين أو أدنى من لمياء، التي تركض وهي تتخبط وسط الأشجار وتدور حولها لتناور الأفعى …
وعلى بعد منها تناهى صراخها إلى أروى وملك التي وقفتا فجأة في حده وهتفت اروى  : 
_ لمياء، صوت لمياء. 
اومأت ملك بخوف جلي فمسكت اروى كفها وهي تتبع الصوت وراحت تركض وهي تصرخ  : 
_ لمياء، أنتِ فين إحنا هنا …
وبينما هما تركضان أنصدما في جسد لمياء ليسقطن أرضًا ثلاثتهن وقبل أن تنبس أروى لتسأل لمياء إذا كانت بخير إذ لجمها فحيح تعرف كنهه جيدًا، فنظرت أمامها إلى الأفعى وأحتقن وجهها حتى بدا أشبه بوجوه الموتى، وشحب وجه ملك وأنسحبت الدماء منه، دفعتهما أروى بعيدًا عنها وهي تقف مشهره مدفعها على رأس الأفعى وأفرغت خزانة مدفعها عليها، وفجأة فرغ سلاحها ورأت الأفعى تنظر لها فألتصقت بإحدى الأشجار وألتصقن فيها لمياء وملك، وقبل ان تنقض عليهم الأفعى انزلقت أروى وهي تدفع لمياء وملك وتصرخ  : 
_ أجروا. 
أرتطم رأس الأفعى في الشجرة فبقت رأسها مرتخى قليلًا قبل أن تشد رأسها لأعلى وتزحف وراء لمياء  …
وراحت تزحف .. 
وتزحف .. 
ولمياء تركض حتى لم يعد بينهما مسافة و …

أنحنت أروى ممسكة ركبتيها وهي تلهث، وإلتفتت لتنظر إلى لمياء لكن لا أثر للمياء، ولا للأفعى وهذا يعني أن لمياء بمفردها مع وحشٌ ضري كالأفعى، ونظرت إلى ملك التي تركض دون توقف كأنما تهرب من خوفها، من الظلام، ومن الأفعى، ومن رعبها وفجأة تناهى لها صوت معاذ يصرخ  : 
_ أقفي يا ملك … لااااااااااااا. 
وأبصرت جسد ملك يهوى من أعلى فشهقت في هلع، وهي تركض لتحاول نجدتها و …

يُتبع …
هل تفلح الأفعى بقتل لمياء أم تأتيها النجاة ويموت احد غيرها؟ 
ما مصير باقي البنات؟ 
هل ينجن جميعن أما إن لا بُد من الخسارة؟ 

عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم :"أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن ؟ . قالوا : وكيف يقرأ ثلث القرآن ؟ قال : ( قل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن ". [رواه مسلم ]



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-