CMP: AIE: رواية جحر الشيطان الفصل السادس والثلاثون36بقلم ندي ممدوح
أخر الاخبار

رواية جحر الشيطان الفصل السادس والثلاثون36بقلم ندي ممدوح

رواية جحر الشيطان 
الفصل السادس والثلاثون36
بقلم ندي ممدوح

"لا تقل إن الفراق قد آن، وأن غيابك قد حان، وأن أحزاني ستطرق باب الفؤاد دون مغادرة، لا ..  لا تقل" 

توقفت سيارة أراس؛ مخلفه وراءها موجة من الغبار، وألتقط من تابلوه السيارة مسدسه وجذب مشطه في قوة، وتركه يرتد بصوت رنان، وفتح الباب في عنف، وغادر سيارته، والغضب يتفجر من وجهه وعيناه، وفي خطوات سريعة أشبه بالركض كان يتوجه صوب المنزل الذي أرسل له خالد موقعه، مستعدًا استعداد تام لأي قتال حتى لو حال البيت إلى بركة من الدماء. 
وحتى آخر نفس في صدره .. 
وحتى آخر نقطة دماء .. 
لن يعود إلا بخديجة .. 
خديجة زوجته وحبيبته .. 
خديجة التي يعشق كل تفصيلة فيها .. 
خديجة التي يموت لأجل أن تكون بخير .. 
خديجة التي علمته الحب، وأعادة قلبه للحياة. 
من ظن إن كان له قلبٌ يخفق بين ضلوعه؟ 
لم يكن قط إلا حين دخلت خديجة إلى حياته فأصبحت النبض، والقلب، والحياة، والنفس إنها حياته التي يحيا فيها ..
بدونها هو مجرد مهاجر في بلاد الغربة، فقد وطنه ولن يعود، إنه ينتمي إليها فقط .. 
بها ولها يكون.. 
كان المكان هادئ، وعيناه تجول حوله، حتى إذ رمقت إحد الرجال كان يطلق بكل بساطة على رأسه قبل حتى أن يضغط الرجل زر الزناد، ودون حتى أن يتوقف ثانية واحدة، ولمح بطرف عينه آخر يطلق عليه فأنحنى ببساطة وهو يطلق عليه بكل جرئة، ودخل إلى المنزل هائجًا، وفتح كل الغرف بحثًا عنها، لكن لا أثر فوجد درج يؤدي للأسفل فهبطه دون ادنى تردد أو تفكير، وما كاد ينهى الدرج إذ اتسعت عيناه في لهفة ما أن وقعا على خديجة مقيدة على أحد المقاعد شبه غائبة، فهتف باسمها وهو يلقي السلاح من يده ويهرع إليها، بكل القلق الذي يعصف بداخله رفع رأسها المتدلي وهو يهتف بإسمها، بل يصرخ .. 
بل يرجوها .. 
بل يتوسل ربما، أن تجيبه .. 
رفع نقابها ليضع سبابته على أنفها فوجد نفسها بطيئًا للغاية، فأمسك رسغها ليقيس نبضها وهو يهتف بصوت يفيض، غضبًا وكمدًا  : 
_ يا إلهي، حبيبتي ماذا فعلوا بكِ؟ ماذا فعلوا بكِ يا قلبي؟ ما تلك الحالة يا نبض الفؤاد؟ يا ليتني كنت مكانك يا خديجة فأنا أتحمل كل شيء إلا ألمك. 
ضم رأسها في حنان جارف، وتحسس بسبابته عينيها المغلقتين، ولم يشعر بدموعها التي راحت تتساقط على وجهها بكل ندم الدنيا، ولسان حاله يقول بصوت يفطر القلوب  : 
_ ليتني لم أتزوجك يا خديجة، ليتني لم ادخلك حياتي! لكنتِ الآن بخير وكان قلبي بخير، فبداخلي وجعًا لا حدود له، عسير عليّ تفسيره و وصفه .. سامحيني يا ملاكِ سامحيني. 
انتفض فجأة جسده على همهمة خافتة منها، ولمح جفنيها يرتجفان، فوجد قلبه يشرق، وظلمته تتبدد إلى نور يتوهج، وابتسم بسمة صافية عذبة، وهمس بحنان ورفق  : 
_ خديجة، أتسمعينني، أنتِ بخير .. أليس كذلك؟ 





تلفت حوله وهو يعتدل واقفًا، وألتقط شيئًا وراح يعالج قيدها، ولمح جهاز الصاعق الكهربائي، وبكل الغضب الذي بداخله صرخ وهو يندفع نحو الجهاز وراح يضرب فيه حتى تحطم، ولم يكتف بل تراجع وأفرغ خزينة مسدسه فيه، كأنه هكذا ينتقم! 
ينتقم من الشيء الذي أذى قلبه! 
لم تكن خديجة هي المتضررة، بل كان قلبه .. 
قلبه الذي ينزف بداخله .. 
يبكي .. 
يصرخ .. 
ينوح .. 
ويا للألم فوجع القلب ليس له دواء .. 
لا يلتئم ولا يطيب .. 
تظل ندوبه تنزف، وتبكي دمًا بلا توقف .. 
يا ليت الأوجاع تقتصر فقط على دموع العين لكان هين .. 
لكن ندوب القلب من ذا يداويها؟ 
من ذا يمسح دموعها؟ 
" آراس "
أيمكن لصوت أن يعيد للقلب خفقاته؟ أن يجعله يتراقص فرحًا، ويرفرف سعادة، أيمكن لصوت أن ينعش القلب فيرد له الحياة، انبعث صوت خديجة واهنًا، ضعيفًا، خافتًا، متعبًا، صوت بطعم الدموع والبكاء، فالتفت إليها لامع العينين وهو يهمس  : 
_ خديجة. 
أرتج عليه، لم ينطق غير اسمها الذي راح لسانه يردده كأنما لا يعرف اسمًا غيره، كلمة غيرها، واحتوى جسدها في حضنه، ولما يعرفا كم مر من الوقت حين ابتعد هامسًا وكفيه يحيطان بوجهها بكل عاطفته  : 
_ تعذبتي، تعذبتي بسببي يا خديجة، سامحيني، سامحيني يا حبيبتي، لو أقدر على أن أعيد الزمن للوراء قليلًا لأحتويتك في حضني ولم أتركك ثانية واحدة، حتى لا يحدث ما حدث، أشعر بقلبي يذوب يا خديجة من فرط الألم، أشعر به ينهار لأنهيارك وقد عهدتك قوية لا يزحزحك اي شيء! 
سالت الدموع من عيناي خديجة بغزارة، وهي تريح رأسها المنهك على صدره، وتهمس بصوت يقطر ألمًا  : 
_ لا تتركني يا أراس لم اعد أتحمل هذا الألم. 
فجأة! أحتدت نظراته وهو يقول في قسوة  : 
_ من الذي فعل بكِ هذا؟ 
حين أبعد رأسها عن صدره، اكتنفها دوار حاد، جعل رأسها يدور وجاهدت أن تظل عينيها مفتوحتين وهي تهمس  : 
_ ن .. نج .. آه جسدي .. جسدي يؤلمني، لا أشعر به هل .. هل اصبت بالعجز، هل …
قاطعها في صرامة وهو يضع سبابته على فمها، هاتفًا  : 
_ هشش لا تقولي مثل هذا الكلام، أقسم لكِ بأن من فعل هذا لينال أضعافه لن أتركه يحيا. 
أحست بضربات قلبها تذداد وعيناها ينغلقًا، وراحت تهمس بصوتٌ سحيق  : 
_ لقد .. فعل هذا لأنك فعلت هذا بـ ماهر. 
وتركت نفسها لغيبوبة عميقة، وتراخى جسدها فضمها لصدره بتلقائية، ومال بذراعه ليرفع قدميها، وحملها بين ذراعيه، وتحرك بها للخارج. 
وفي طريقه، بالأدق حينما كاد أن يعبر الباب وجد نجيب يهرول نحوه، ويقول بلهفة  : 
_ هل وجدتها،  يا الله ما الذي حدث لها؟ 
حدجه أراس شزرًا ثم تحرك من أمامه وهو يهمس  : 
_ لقد صعقوها بصاعق كهربائي، وأقسم بأني سآخذ حقها ممن فعل بها هذا، سأذيقه سوء العذاب. 
ارتسمت بسمة مستهزئة على شفتاي نجيب من وراء ظهر أراس، وغمغم بين نفسه  : 
_ حق لك أن تنتقم، هذا أن كان لكَ عمرًا ولم تمت. 
ثم ركض صوبه وهو يقول بجدية ويفتح له باب السيارة  : 
_ أكيد نحن سوف نتنقم .. لن ندع من أذى زوجة أخي حيًا أبدًا، ما يأذيك يأذيني ولن يغمض ليّ جفن إلا عندما نأخذ بثأرها. 
استقر أراس خلف عجلة القيادة، وقال وهو يغلق الباب  : 
_ أكيد سنفعل، هيا سآخذها إلى مشفاي، ألحق بيّ! 
اومأ نجيب مجيبًا  : 
_ حسنٌ حسنٌ. 
لم يبال به أراس بعد ذاك بل دار محرك السيارة وأنطلق في طريقه وهو يقود بأقصى سرعة، ويختلس ما بين الفنية والآخرى نظرة إلى خديجة. 

    🍃اللهم إني اسألك الفردوس الأعلى 🍃

وصل أراس إلى المستشفى؛ وأودع خديجة في إحدى الغرف لتخضع لفحص طبي، وجلس خارج الغرفة على مقعد مقابل الباب مباشرةً، وشبك كفيه أمام وجهه وهو يميل للأمام، مطرق الرأس كأن هم الكون كله على كاهله، دقات قلبه تنبض بالألم عما جرى لخديجة، كأن كل ما أذقته قد ذاقه هو بقسوته، ومرارته، و وجعه. 
وأقبل نجيب من بداية الرواق بملامح جامدة تخفى كل ما يموج في صدره من اضطراب.
لقد تحتم عليه المجيء وإلا بما يعلل عدم مجيئة و وقوفه بجانب اراس؟ 
وكان القلق ينهش فيه، والخوف يستبدُ به .. 
ماذا لو أفاقت خديجة؟! 
لا .. لن يجب أن تفيق سيقلتها ما أن تحين الفرصة وسيقتل اراس وينتهي الأمر. 
سيصبح ما تمنى الأب الروحي للمافيا لقد تعاون مع كثير من المنظمات لأجل هذا وها هو قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه. 
إذن فما الضير من قتل اراس غدرًا وعلى غفلة! 
اراس يعطيه كل ثقته .. 
كل اسراره .. 
كل حبه .. 
سيكون يسيرًا قتله لأنه لن يظن أن الطعنة ستأتيه منه. 
كان قد جلس إلى جواره في صمت، حتى تنبه اراس لوجوده من شروده، فالتفت له قائلًا: 
_ أين كنت مختفيًا؟ 
أجابه نجيب مترددًا  : 
_ كنت أتقصى عن الفاعل. 
سأله اراس بنبرة خاوية  : 
_ وهل وصلت لشيء؟ 
رد نجيب في اسى وهو يهز رأسه في اسف  : 
_ لا، كل تعبي ذهب هباءً دون أدنى خيط يدلنا على الفاعل. 
قال اراس في هدوء، دون ان يلتفت إليه  : 
_لا بأس، سيقع في يدي حتمًا إن عاجلًا ام آجلًا، لن يظل مجهولًا طويلًا. 
ردد نجيب بصوت عميق  : 
_ أكيد، أين سيختفى منا! حتمًا سيقع. 
استأذن اراس منه مغادرًا لفترة قصيرة، عاد بعدها وجلس معه في صمت تام، وفي عقله يدور سؤال محير، مقلق  .. 
أين خالد؟ 
أين أختفى؟ 
لماذا لم يعد، بل والأدهى لماذا لا يوجد له أثر؟ 
معرفته بخالد تؤكد إنه حتمًا كان سيقلب الدنيارأسًا على عقب لما عانته أخته.
من المفترض أن يصل هو إلى خديجة قبلًا، لكن ما الذي حدث بالضبط يا ترى! 

  🍂اللهم ابن ليّ عندك بيتًا في الجنة 🍂

كانت الدقائق تمر ببطءٍ، والحال كالحال لم يتغير، ذات القلق يملئ قلوب الجميع، وفي كل الأذهان يتردد سؤال واحد معلق بلى جواب "أين خالد؟" 
كيف اختفى، وأنَّى ذهب؟ 
البنات كلهن تجمهرن أمام غرفة أروى في انتظار خروح حمزة ليدلفن للأطمئنان عليها. 
وفي الداخل كان حمزة يجلس على مقعدٍ قريبٌ منها وقد ضمدت جروحه واسترد بعد من صحته، في حنانٌ جارف ضم أصابعها في راحته في رقة، وهمس وهو يرنو إليها  : 
_ عاملة إيه دلوقتي؟ أفضل .. في حاجة تعباكِ؟ 
كانت إحدى قدميها متجبسه بعد ما خضعت إلى عملية ( شرائح ومسامير) وبعض الصقات الطبية على جروح وجهها، لكنها بدت له جميلة، رقيقة كما هي دائمًا. 
وأجابته بصوتٍ واهنٌ: 
_ الحمد لله أنا كويسة، خديجة عاملة إيه .. هي كويسة؟ 
رد عليها دون إبطاءٍ أو تردد  : 





_ خديجة كويسة متقلقيش عليها ورجعت بخير. 
ضوى وجهها بفرحة عميقة تنبع من فؤادها، وأسبلت جفنيها هامسةٌ: 
_الحمد لله. 
فجأة أحتد بصر حمزة وأحتدم بالغضب، وهو يقول  : 
_ ممكن بقا أفهم إيه إللي رجعك ورايا؟ 
أجفلت من نبرته التي تبدلت فجأة، ونظرت له باستنكار وهي تقول  : 
_أنت بتتحول فجأة كده ليه؟ 
غمغم باقتضاب  : 
_ معلش أنا كده .. 
وصرخ فجأة  : 
_ جاوبيني. 
انتفض جسدها، وران صمت مفاجئ عليهما، راحت خلالها أروى تتأمله في غيظ، ناكر الجميل، فلولها لكان ميت الآن، كيف أتته الجرأة أن يغضب عليها وهي في حالتها تلك ؟ 
صاحت فجأة متأوهة في تصنع هربًا من الرد الذي بدا لها إنها أن أجابته لن يذيده جوابها إلا غضبًا وجدالًا  : 
_ آه رجلي يا حمزة رجلي، آه هما مسمروا رجلي إزاي كانوا شيفنها حيطة قدامهم عشان يدوقها بشرايح ومسامير .. 
رفع حمزة إحدى حاجبيه مستنكرًا صنيعها، مدركًا تصنعها، ثم لم يلبث أن أخفضه عازمًا على مجراتها، فتمتم في خبثٌ  : 
_ دول شنيورها …
اتسعت عيناها بصدقًا هذه المرة، غير مصدقة إنهم قد شنيروا قدمها، و واصل حمزة غير عابئًا بدهشتها  : 
_ بس سيبك من كل إللي حصل في رجلك، ينفع إللي عملتيه أثناء البنج ده؟ 
تساءلت في إندهاش  : 
_ عملت إيه أنا؟ مش فاكرة! 
أجابها ببساطة وهو يهز كتفيه في استهتار  : 
_ ولا حاجة شتمتي وهزأتي الدكاترة ومش كده وبس غالبًا شتمتينا كلنا وكنتِ بتصرخي زي المجنونة وتقولي حوشوا رجلي هيقطعوها يالهوووي ألحقني يا حمزة ألحق رجلي، الدكاترة هيمسمروها ويشرحوها. 
ظلت لهنيهة واجمة، ثم انفجرت ضاحكة بإنطلاق من تقليده لها، وتخيلها لما فعلت. 
كانت تقهقه من قلبها، غافلة عن تأمل حمزة الهائم لها، ببسمة تبزغ على شفتيه. 
بسمة عرفت طريقًا إلى قلبه قبل شفتيه! 
كأن عبوسه قد خجل أن يظل أمام ضحكتها المشرقة .. 
ضحكتها التي أوهجت قلبه بضياء الفرح مهللًا! 
قلبه الذي أطمئن بعد ساعات ظن خلالها إنه خسرها .. 
وإن الموت خطفها منه، لكنها ها هي عادة إليها، بضحكتها، ورقتها، وطفولتها النادرة. 
تلك الساعات التي مرت كانت كالسنون مضنية حد الألم الذي لا شفاء منه. 
كان قلبه خلالها متوقف عن النبض .. 
متوقف عن الحياة .. 
وعاد للحياة ما إن عادت إليه .. 

🍁 اللهم اجعلني من ورثة جنة النعيم 🍁

لحظات ثقيلة على قلب اراس وهو ينتظر أن تفيق خديجة، بجانبه كان شقيقاه ونجيب، لكنه لم يشعر بوجود أحد، كأنه في عالمٌ آخر يحيا





 فيه بمفرده والظلمة تحيط به من كل جانب، وفجأة استمع إلى صوت أنثوى يقول  : 
_ من السيد اراس؟ 
تعلقت العيون عليها، بينما أجاب اراس بلهفة وهو ينهض  : 
_ هذا أنا، هل …
قاطعته الممرضة في تعجل  : 
_ الطبيبة خديجة تطلب رؤيتك. 
كان قولها كعبارة مُباركة الأب لوليده الأول، إذ تألقت عيناه، وتبسم في سعادة وهو يتجه مسرعًا إلى الغرفة، ولحقت به هنا وأركان. 
بينما كان نجيب كمن تلقى صاعقة لا مناص منها، إذ تجمد مكانه تمامًا، وعيناه تحملان قلقلًا لا حدود له، وفجأة غادر ، بل غادر المستشفى كلها بطريقة مبهمة، توحي إن الآتى لن يكون هين أبدًا، وإن الخسارة آتية لا محالة. 
ولج اراس إلى الحجرة، فرأى خديجة جالسة على حافته وتهز قدميها، والتفتت له قائلة  : 
_ اراس حمدًا لله إنك أتيت، أبغي ان اخبرك بأمر هام جدًا، لا يمكن أن يتأجل. 
كانت قد وقفت مع عبارتها، وهمت بالأندفاع نحوه لكنه كان الأسبق إذ أقترب في خطوات سريعة وحملها فجأة، قائلًا  : 
_ ما زلتِ في مرحلة النقاهة لا يمكنك التحرك كيفما تشاءيين. 
مع نهاية قوله، كان يضعها برفق حنون فوق الفراش، فتضرجت وجنتيها بحمرة الخجل، وهي لا تزل تتعلق بعنقه، مطاطئة رأسها، فضحك ضحكة قصيرة صافية، وقال بعذوبة  : 
_ لا بأس لدي أن بقيتِ هكذا لبقيت العمر، ولكن ماذا لو دخل أحد؟ 






اتسعت عيناها فجأة على آخرهما وهي تنظر إلى وجهه القريب منها، وتلاقت عيناها ببسمة محببة، ثم نظرت إلى يديها التي لا تزل تحيط بعنقه، فضحكت في توتر وهي تفلت يدها، مغمغمة في خجل  : 
_ رباه، لم انتبه! 
تمتم اراس ببساطة  : 
_ خذي راحتك، كيف أصبحتِ الآن؟ 
ظن في اول وهلة إنها ستجيبه، لكنها باغتته بصياحها  : 
_ يا إلهي ستجعلني أنسى ما أريد قوله، هل تعلم من فعل بيّ هذا؟ لن تصدقني أقسم لك، فهو شخص لن يخطر على بالك ابدًا وربما لم يخطر قط إنه .. هذا أنت؟ 
هتفت خديجة بآخر عبارتها متفاجئة بـ اركان وهنا الوقفان عند الباب، كان لا يزل اراس منحني الجزع عليها حين التفت برفع حاجب وهو ينصب قامته، قائلًا  : 
_ هل ليّ أن افعل ماذا تفعلان هنا؟ 
ثم التفت إلى خديجة، سائلًا في دهشة  : 
_ ما تعنين ( بهذا أنت) هل تعرفين شقيقي؟ 
_ شقيقك؟ كيف! 
_ماذا كيف؟؟ إنه شقيقي أركان؟ 
اعتدلت خديجة فجأة وهي تصرخ مواجهة اركان  : 
_ ويحك كيف تدخل إلى الحجرة هكذا يا عديم الذوق؟ 
تلون وجه اركان بحياء كان يغض بصره منذُ إن حضر، خديجة لم تسمح له بالتبرير قط، وبلغه صوتها تقول لـ شقيقه  : 
_ لقد التقيت به مرتين، مرة عند الشاطئ، والأخرى في المنزل هو من انقذني من الحريق. 
أسر اراس نارًا في صدره، وأجج عيناه الغضب، كبحه في صعوبه وهو ينظر إلى شقيقه مغمغمًا  : 
_ لما؟؟ لماذا لم تخبرني! 
أجابه أركان في سرعة وهو يرمقه بنظرة صارمة  : 
_ دعنا نتحدث في هذا لاحقًا، أتيت للأطمئنان على زوجتك! 
أجابه اراس في حنق بيًَن  : 
_ زوجتي بخير كما ترى، هيا اذهب. 
حدجته خديجة في استنكار، بينما غادر اركان بضيق، وتقدمت هنا تقول في مرح، علها تلطف الموقف: 
_ خديجة يا حبيبة قلبي كيف حالك يا عزيزتي! 
تبسمت خديجة وانفرجت شفتيها لتجيب، لكن رد اراس بدلًا عنها ببساطة  : 
_ بخير يا قلب اخيكِ، وستكون افضل أن غادرتي .. هيا.. 
كانت هنا تهم بالجلوس حينما تفاجئت بـ شقيقها يدفعها للخارج مع قوله فبرطمت في مقت، فيما خديجة تصيح  : 
_ يا قليل الذوق ماذا تفعل بالله عليك؟ 
رد عليها اراس وهو يغلق الباب ببساطة  : 
_ لقد سئمت منهم جميعًا يا عزيزتي، ولا أريد لأحد أن يزعجنا. 
مطتت خديجة شفتيها في ضيق من صنيعه، وفجأة ضربت جبينها وهي تقول بانفعال  : 
_ لن يوقفني احد هذه المرة، هل …
قاطعها اراس بعد ما جلس على طرف الفراش واضعًا سبابته على فمها يمنعها من أن تنبس وهو يقول بعذوبة ساحرة  : 





_هل لكِ ان تصمتين قليلًا وتسمعينني؟! 
هزت خديجة رأسها نفيًا وهي تكاد تذوب خجلًا من نظراته، فتابع هو دون ان يعر رفضها أدنى اهتمام  : 
_ أولًا لقد علمت إنني بدونك حقًا لا شيء، وإني إذ خسرتك أموت يا خديجة، لا يمكنك استبعاب ما كنت أشعر وأمر به وأنا عاجز عن فعل شئ لكِ، شعور مدمر لا اقو عليه. 
ألم فظيع قاس هذا الذي احتل فؤاد خديجة لمرآها دمعة ترقرقت في عينيه، وغمغمت في وجد  : 
_ اراس، أنا بخير ها أنا ذي أمامك ومعك! 
رفع بصره لتلقي نظراتهم في لحظة صمت، ثم بنبرة تقطر ألمًا  قال : 
_ لستِ معي يا خديجة، أنتِ معي نعم أعرف لكن قلبك لا، روحك لا، ما زلت لم أطرق باب قلبك، وإذ طرقته لن تفتحيه! 
صمتت لحظة مطرقة الرأس، أرتج عليها، فلم تعرف بما تجيب .. 
وماذا تقول! 
هل هي أحبته؟ أم لم تحبه؟ لا يمكنها أن تجيب نفسها لتجيبه حتى! 
وسمعت تنهيدة، تنهيدة حارة عميقة كأنها تأتي من بركان يقذف حممًا مميتة، وبعدها يهمس وهو يضم أصابعها بحنان في راحتيه  : 
_قد لا تحبيني، لكن رجاءً يا خديجة لا تبتعدي عني لحظة واحدة، 
أبقِ معي فبعض الغياب لا يأتي بعده لقاء! 
وأنا أخاف أن يأتي هذا الغياب الذي ليس بعده لقاء! 
أهاب أن أغمض عيني فتنسرقين مني ولا أجد لكِ أثر. 
أنسالت دمعة حنون من عينيه، اجابتها هي باخرى وهي ترفع نقابها عن وجهها، وهمست برقة حنونة  : 
_ بالله كيف تحبني كل هذا الحب؟ كيف تفعل لأجلي كل هذا؟ هل أنا استحق كل هذا الهوى؟ 
نظر لها بعيني طفل وهو يقول بلمعة تبرق في عينيه  : 
_ تستحقين اكثر من هذا! 
تفاجئ بها تلقى نفسها في حضنه وهي تهمس بصوتٌ رجراج باكٍ  : 
_ أتدري ماذا؟ لقد انكشفت إنني لا أشعر بالأمان إلا معك، فالعالم بات مخيفًا للغاية وأنت محرابي الأمان، وموئلي، وملاذي الذي لا يمكنني إلا الأطمئنان فيه، أنت سكني. 
ضم رأسها بقوة، ولثم جبينها،قائلًا  : 
_ عودتك ليّ سالمة بفضل الله عز وجل، يجب أن اصلي له شكرًا، أشعر بحاحتي الملحة إلى هذا، أريد ان اذهب إلى الله يا خديجة! 
كم مؤلمة تلك اللحظة التي تكون كلماتنا فيها نبوءة عما سيصيبنا. 

ابتعدت خديجة عنه وهي تزيح دمعها، قائلة بلهفة  : 
_ فليكن، هيا قُم لتتوضأ وتصلي، ثم ستسمعني لأن ما لدي مهم جدًا لك يجب ان تعلم به. 
نهض وهو يجيبها بلطف  : 





_انا متوضئًا سأصلي بجانبك  هاهنا، ثم سأجلس بكل آذان صاغية لكِ. 
اومات خديجة برأسها باسمة، وأتكأت بمرفقها على الوسادة، وسلمت لراحتها رأسها وراحت تراقبه ساهمة وهو يفرد المصلية ويقف هامسًا، ثم يرفع كفيه مكبرًا .. 
صوته جميل في التكبير، وأجمل في القرآن .. 
يا حسرتاه لأنه فرط في كل ما فات من حياته دون التقرب إلى الله، لكنه عاد إليه. 
اراس الذي لم يسجد قط ها هو الآن يضاهيها خشوعًا، تكاد تسمع بكاءه في سجوده الذي طال فتستدمع عينيها وجدًا .. 
وبالفعل كان اراس يبكي، يبكي عن كل شيء فالمؤسف في المرء إنه حين يؤلمه امر يتذكر كل ما فات كأنه لا يكفيه ألم واحد، حزنٌ واحد، ضياع واحد، ذنبٌ واحد. 
كان ينشج بقوة شاعرًا إن ثمة شيء سيحدث! 
فناجى الله بفؤادٌ ينوء .. 
يتضرع له بالتوبة، أن يتوب عليه ويقبل توبته .. 
لكن ألا يأذيه في خديجة .. 
وخارج المستشفى على وجه الدقة 
في بناية أمام المستشفى، بناية ليست بقريبة قط. 
مع ذلك كان على سطحها نجيب راقدًا على بطنه، ممسكًا بمدفع آلي مسندًا على كتفه، مذود بمنظار راح ينظر من خلاله ويراقب حجرة خديجة، ورآها وصوب فوهة مدفعه على جبينها مباشرة وسحب مشط المدفع، ودون أدنى تردد او تفكير أطلق، وأنطلقت رصاصة راحت تواصل طريقها عبر الحجرة ، وأخترقت النافذة في ذات اللحظة التي اعتدل فيها اراس مؤديًا الركعة الأخيرة فأخترقت الرصاصة جبينه، وجحظت عيناه وجحظت عينا نجيب معه سرعان ما زم شفتيه مغمغمًا  : 
_ لا بأس ها قد تخلصنا من اراس، لنودع خديجة أيضًا. 
وفي الحجرة سقط أراس كالحجر الأصم وتفجرت الدماء من جانب جبينه، واعتدلت خديجة شاخصة العينين فيه في ذهول تام، لا يصدق، ثم أغمضت عينيها وفتحتهما ورددت باسمه وهي تلقي نفسها عليه وما زالت على صدمتها، ورفعت رأسه إليها وهي تقول كم أصيب بغياب العقل  : 
_ اراس يا هذا، ماذا حدث؟ 
خافت أن تفكر حتى في إنه مات، فردد لسانها ودموع وجعًا تهوى من مآقيها  : 
_ هل ستنام الآن؟ لم تسمعني بعد! الا تريد ان تعرف من فعل بيّ هذا؟ ألا تريد أن تأخذ بثأر حبيبتك يا هذا، اجبني هيا، هذا ليس وقت النوم... 
ولطمت على خده وهي تكرر النداء باسمه، وتساقطتت عبراتها تنصب صبًا على وجهه، وهتفت  : 




_ أجبني يا اراس بالله عليكَ، اجبني يا .. حبيبي. 
وجلجلت صرختها باسمه العالم كله وهي تحتوى جسدها في حضنها …
انفعل نجيب حين اختفت خديجة عن مرمى عينيه عندما انكفأت على اراس، وهاج للغاية وهو لا يدري ماذا يفعل؟ 
ولملم اشياءه على عجل ليفر هاربًا قبل ان يعلم به أحد، و وصلت له صرخت خديجة تفطر القلب، وتضنيه بالبكاء،



 لكن ليس قلبه بالتأكيد، ليس قلبٌ كالحجر فقد مط شفتيه بامتعاض وهو بغمغم بجحود  : 
_ نعم، هيا اصرخي كما يحلو لكِ الميت لن يعود فلما ترهقين نفسك ببكاء لا يجدي نفعًا، يا هؤلاء المحبيين!!










****************

ستقول وداعًا! ستقول سلامًا؟ سأقول مرحبًا لعتمة أيامي القادمة دون وداع، دون نهار يجليها  .. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
انتفض جسد خديجة، انتفاضه قوية .. أشد من انتفاضة الصاعقات الكهربائية التي تلقتها آنفًا، وأعتدلت جالسة على الفور مجفلة، متزلزلة، لقد زال قلبها وهي تحدق في جسد اراس الذي سقط أمامها بدوي هائل، مزعج، محطم .. حطم فؤادها الذي تناثرت شظاياه بين جنبيها، وارتفعت دقات قلبها بقوة وهي ترى الدماء تنفجر من جبهته، فسرت قشعريرة باردة في بدنها، وتدفق الدمع من عينيها وهي تلهث مرتجفة. 
ما الذي حدث؟ 
كان أمامها يكبر! 
كيف سقط جثة هامدة هكذا؟ 
هذا ليس اراس حتمًا .. 
هذا ليس هو .. 
لا لن تصدق عينيها أبدًا فالعين في بعض الأحيان تكن كاذبة لا ترى! 
لا غرو! فؤادها لا يصدق رغم تحديقه في جسده دون إلتفات. 
استجمعت قواها لتندفع ارضًا زاحفة على ركبتيها وكفيها وهي تردد اسمه كالتائهة، وراحت تلطم على خدها بتوسل، ترجوه أن يجيبها. 
أن ينبس بأي حرفٌ يطمئن قلبها! 
ليفتح عيناه ويجيبها لتصرخ بحبها له.. 
نعم هي الآن تعترف إنها بدأت تحبه .. 
تحب اراس الذي كان يصنع لأجلها المستحيل لترضى .. 
تحب اراس الذي لا يهون عليه دمعة من مقلتيها .. 
تحب اراس الذي كاد يجن حين اختطافها .. 
تحب اراس الذي يفديها بروحه لتكن هي بخير .. 
رفعت رأسه إلى صدرها وتساقط دمعها بحرقة على وجهه كاللهب، ثُم صرخت وهي تشهق  .. 
صرخة طويلة .. صرخة تقطع نياط القلب 
صرخة تردد صداها في الأرجاء.. 
وفي حجرة قريبة من حجرتها كان آجار جالس بداخلها بجانبه مالك ومعاذ، وعلى الفراش جلسن البنات حول أروى …
كان آجار يشاهد فيديو على جوال مالك وهو طفلًا وتنطلق ضحكته صافية عذبة، ربما لم يضحكها يومًا، بالتحديد منذُ طفولته. 
وفجأة! سقط منه الهاتف وانتفض قلبه مع صرخة خديجة باسم اراس، تلك الصرخة التي يقسم إنه لم يسمع أوجع منها قط …
صرخة نبأته إنه سيخسر عزيز … عزيز كان له سند قبل ان يكون رفيق 
وحدق بعيناه وهو ينقل بصره بين الشباب مرددًا بخوف  : 
_ خديجة؟؟ اراس!!!!! 
ثم قفز راكضًا نحو غرفتها وخلفه باقي الشباب والبنات الذين اندفعت ايضًا، بينما صاحت اروى  : 
_ خديجة، خديجة بتصرخ .. دي خديجة مال خديجة.. 
كانت تردد دون وعي لدموعها التي قفزت من عينيها على صرخة خديجة التي انغرست في فؤادها كنخجرًا محميًا بالنار. 
فتح آجار الباب ولم يقو أن يخطو خطوة واحدة فأسند ظهره على حافته، وحدق في الدماء التي تنسال من جبين اراس فسال دمعه يهوى كسيلٌ جارف، أو نهرين جاريين. 
في حين صمتت خديجة تمامًا وهي تحدق في وجه اراس لاهثة بانفعال، وغاضت عيناها، توقف الجميع حولها بلى حراك، صدمهم حزن خديجة الذي شطر قلوبهم شطرًا. 
خديجة التي تعد الأخت الكبرى لهم .. 
النور الذي يضيء حياتهم .. 
كانت اروى تحاول أن تنهض بكل قواها لكنها لم تستطع بسبب قدمها حتى سقطت على وجهها وهمت ان تزحف لتذهب إلى خديجة حين اقتربن منها ممرضتين بمقعد متحرك نقالتها عليه وأخذتَها إلى خديجة. 
كان الأمر مؤلم .. مؤلم بحق، رفعت خديجة نظرها وتطلعت في وجوههم جميعًا وهي تهمس  : 
_ نجيب إللي قتله، نجيب. 
كانت صدمة حقيقة عليهم كأنما ألقت قنبلة موقوتة بينهم، حتى لم يلاحظن أخذ الأطباء والممرضين لجسد اراس من أحضان خديجة. 
ونهضت وهي تؤمئ مغمغمة  : 
_ نجيب بيعمل كل إللي بيأمره بيه ماهر. 
رشهقا آجار بنظرة غريبة فاقتربت منه وهي تحدق في عينيه مباشرةً متمتمة  : 
_ ماهر ونجيب هما إللي وراء كل اللي حصل لنا. 
اندفع آجار من أمامها وهو يتعثر في خطواته مغادرًا الغرفة وهو يتمتم  : 
_ هقتله … هقتلهم، هقتلهم. 

💦 إنما أشكو بثي وحزني إلى الله 💦

توقفت السيارة بالتحديد أمام المنزل الذي كان نجيب يأسر خديجة بداخله، وترجلا حمزة وعاصم وسحبا نجيب من داخلها وهو يحاول جاهدًا الإفلات، ويزوم بوحشية، وعبرا به المنزل ونزلا إلى القبو الذي كان يعذب خديجة فيه، وفي داخل القبو كان مظلم جدًا، وألقى حمزة وعاصم نجيب أرضًا، وقبل ان يهم بالنهوض ضغط حمزة على صدره، وانبعث صوت أنثوى يقول في برود الثلج  : 
_ جئتم به؟ 
أومأ حمزة كأنها تراه، وقال  : 
_ ها هو. 
تلفت نجيب في خوف واضح حوله، في محاولة اكتشاف من التي تتحدث والتي كانت تنهض في بطء تام، مغمغمة ببساطة  : 
_ إذن ينبغي علينا أن نكرم ضيفنا. 
وفي خطوات متأنية اتجهت نحو نجيب ومالت عليه بشراسة مخيفة، وغمغمت  : 
_ يجب أن يذق مما أذاق به غيره. 
ونهضت مستطردة ببساطة  : 
_ ثم نسلمه للشرطة هدية مميزة منا. 
امتقع وجه نجيب على ذكر اسم الشرطة، وكاد أن ينهض محاولًا مواجهتهما حين قبض عاصم على عنقه بإصابع كالفولاذ وهو يقول  : 
_ ما زلنا لم نرحب بك يا صاح أين تتجه؟ تعال معي .. هيا. 
دفعه عاصم بغلظة حتى أجلسه فوق المقعد التي كانت خديجة تجلس عليه آنفًا، وقيد معصميه على ذراعي الكرسي، ثم انتصب واقفًا وهو يحرك حاجبيه في مرح، وقال ببساطة وهو يضرب سبابته على وجنة نجيب  : 
_ لا تخف يا صاح سيكون الأمر ممتعًا. 
" كيف حال خديجة؟ "
انبعث صوت المرأة فجأة، حاملًا قدرًا هائلًا من القلق والحزن. 
أجابها حمزة بوجد  : 
_ لم ارآها. 
غمغمت المرأة باقتضاب  : 
_ نفعل كل هذا لأجلها، اسأل الله أن تظل بخير حتى ننتهى. 
آمن حمزة وعاصم على دعاءها معًا: 
_ آمين. 
استطرد حمزة باهتمام وهو يتطلع إليها  : 
_ ماذا سنفعل الآن؟ 
سألته المرأة في جدية  : 
_ متى سيأتي. 
جاءها الرد من أعلى الدرج، لصوت غاضب قاس يقول  : 
_ ها أنا ذا. 
وهبط الدرجات في خطوات سريعة، و وقف أمامها قائلًا بخشونة  : 
_لن أغفر لكِ ما فعلتيه قط! 
رشقته المرأة بنظرة باردة، وغمغمت  : 
_ ستشكر صنيعي يا أركان حتمًا. 
نظر آركان إلى عاصم الواقف بقرب نجيب، واشار له بكفه، قائلًا  : 
_ماذا تتنتظر بالله عليك إبدأ! ولا تجعل القيامة تقم على رؤوسنا. 
قال عاصم في مرح وهو يضغط زرًا ما  : 
_ إليكَ هذا بكلُ سعة صدر. 
ما كاد ينهي عبارته، وإذ بجسد نجيب ينتفض في قوة رهيبة من رأسه حتى أخمص قدميه وجلجلت صرخته في المكان كإنها قنبلة تفجرت بغتة. 
وصدت المرأة أذنيها بكفيها، بينما همس عاصم بضيق  : 
_ ألم يكن من الأفضل أن نسلمه للشرطة وفقط؟ 
رفع حمزة حاجبيه في دهشة، ورد عليه باقتضاب: 
_ أتشفق على من مثله؟ الذين على شاكلته يستحقون ما ينالهم، فهو لم يشفق على خديجة قط. 
أوقف حمزة الصاعق، ورويدًا سكن جسد نجيب متهدلًا، متراخيًا متصببًا عرقًا، وقد أغمى عليه. 
فرفعت المرأة كفها، قائلة بصرامة  : 
_ هذا يكفى، إنها مجرد قرصة ودن ليعلم إن الرجولة لا تعلو على المرأة قط، دعه وشأنه. 
ونقلت بصرها بينهما، وطرقعت سبابتها وإبهامها، مستطردة  : 
_ تعالوا إلى الخارج، يجب أن نعرف أين خالد . 
وأسرعت ترتقي الدرج، وحمزة يقول من وراءها  : 
_ أقسم بإن هذا الحقير يعرف أين مكانه. 
ردت عليه وهي تجلس على احد المقاعد  : 
_ سنرى حتمًا. 

☀اللهم اجعلني من أصحاب اليمين ☀

لا زلت لا أصدق أن نجيب هو من غدر بنا، لقد كان لنا مثل الأخ وأكثر، هل هكذا يجزي أخي؟" 
غمغمت بتلك العبارة هنا، والدموع تنهمر من مقلتيها، فربتت لمياء على كتفها ولم تنبس، و ران الصمت على المكان لم يكن يقطعه إلا شهقات البكاء، والنشيج. 
كان قد ذاع خبر موت اراس في كل مكان، لكن الجنازة لم تقم قط، فقد رفض أركان رفضًا تام محير. 
وتناولت الصحف والمجلات خبر وفاته، حتى نشرة الأخبار، الجميع أصبح يعلم بموته متيقنون به. 
قطعت الصمت خديجة، التي كانت ساهمة بغرابة، ورددت بثبات رغم الدموع التي تجري من مآقيها  : 
_ الغدر يكمن داخل المرء دائماً وأبدا، نحنُ من نعطي ثقتنا كالعميان لمن لا يستحق، فننصدم في الأخير وتعلمنا الحياة إننا بالفعل عميان .. عميان البصيرة. 
رفعت رأسها إلى هنا، و أضافت ببسمة حزينة تنبلج فوق شفتيها  : 
_ نبي الله يوسف ذهب مع أخوته، يوسف لم يكن يعرف إنهم يضمرون في أنفسهم الشر إليه، لم يكن يعرف إنهم يكرهونه إلى حد جعلهم يخططون لقتله، يوسف كان مطمئن وذهب معهم لأنهم اخوته، فإذا بهم يغدرون به أقسى غدر قد يحياه المرء، ويلقون به في بئر دون رحمة به، أو حتى لأنه من دمهم. 
ويا للعجب، وكل العجب فبعض سنين طوال يتهموه بالسرقة! 
لماذا لم يتلاشى كرههم نحوه؟ 
لماذا لم تخف غيرتهم منه بعد مرور كل هذي السنون؟ 
أتعجب حال نبي الله يوسف كيف تحمل غدر اخوته؟ 
كيف شعر وهو يُلقى داخل الجب بيد من ظنهم مأمنه وعائلته؟ 
تُرى كيف كان حال قلبه؟ 
ثم أسندت رأسها على ركبتيها المضمُمتين، واستطردت  : 
_ هلا تركتموني بمفردي قليلًا رجاءً؟! 
هزت لمياء رأسها، وقالت  : 
_ لن أذهب إلى أي مكان! 
لم تجبها خديجة لدقيقة كاملة، قبل أن تقول بغتة  : 
_ سأغادر غدًا، سأرحل إلى مصر لقد أشتقت إلى والدتي، إنني بحاجة إليها. 
صاحت منة مزعورة بأعياء  : 
_ ماذا؟! لا تهذين يا خديجة .. ألن تجرين ليّ العملية؟ 
كان صوتها قد تهدج في آخر عبارتها بعبرة حزينة قطعت نياط قلب خديجة، فاستدركت قائلة بتذكر  : 
_ على رِسلك يا منة، بالطبع أنا من سأجريها لكِ، لا تؤخذيني لقد نسيت إنها هفوة مما أنا فيه … أعذرينني. 
همهمت منة ببسمة مجهدة  : 
_ لا بأس .. فقط كوني بخير لأجلنا، جميعنا بحاجة لكِ. 
قالت خديجة ببسمة خافتة  : 
_ وأنا بحاجة إن أبقى بمفردي قليلًا. 
أحست أروى بحاجة خديجة الماسة إلى مناجاة ربها عز وجل، فأشارت إلى البنات، وقالت  : 
_ دعونا نتركها بمفردها قليلًا لترتاح، ثم نعود إليها لاحقًا. 
عاونتها لمياء وملك للخارج ببسبب قدمها التي لم تشفى بعد، وقبيل خروجهم اوقفتهم خديجة بقولها للمياء  : 
_ لمياء أخبري مالك أن يعطي الأدوية إلى منة كما علمته، حسنًا. 
اكتفت لمياء بهزة من رأسها، وخرجن جميعهن وأغلقن الباب خلفهم. 
أسترخت خديجة في مجلسها، وسح دمعها بغزارة توجع القلب وتقطع نياطه، كأن على قلبها يوجد ثقلٌ جاثمًا، رويدًا رويدًا انهارت تمامًا وأصبحت دموعها نشيجًا ونحيبًا وشهقات عالية مكتومة. 
لماذا ترآه في كل مكان؟ 
كيف أحبته؟ 
متى أحبته؟ 
لكنها أحبته ما أن خسرته عرفت إن قلبها قد هواه .. 
لاتصدق إنه مات .. 
هل اراس مات؟ 
مات حقًا كان أمامها فكيف خطفه الموت هكذا؟ 
يا لها من دنيا! يا لها من حياة؟ 
كيف الموت يأخذ أقربهم للقلب، وأحبهم للروح، هكذا فجأة من أمام أعيننا دون أن يترك لنا ثانية واحدة بوداع .. وداع نظل أبد الدهر على ذكرآه! 
بحضن نآنس به في وحدة أيامنا القادمة! 
يا لك من قاسي أيها الموت حين تباغتنا فجأة وتأخذ أقرب الخلق إلينا، وأكثرهم فهمًا وحبًا لنا. 
هل الآن حين تذكره ستقل ( رحمة الله عليك )
هل ستضع تلك العبارة قبل إسمه بعد الآن؟ 
ها هي الدنيا يا إبن آدم آتراها تسحق أن تنغمس في نعيمها الزائل؟ 
ترآها تستحق أن تغضب ربك لأجلها؟ 
أتحسبها تدوم لك؟ 
والله لن تدوم والموت آت ربما أنت القادم والموت ليس له موعد ولا إنذار ربما وأنت الآن ممسك بهاتفك يباغتك، ربما وأنت واقف تجده أمام وجهك هكذا الموت يا صاح. 
فحذار يا عزيز من الدنيا وبادر إلى الله بأعمالك الصالحة فهي الباقية، وهي المنجية. 
مسحت خديجة دمعها وهي تتنهد بعمق، ثم نهضت وأدت صلاتها وجلست تقرأ في كتاب الله ربما تجد دواء لقلبها في كلام الله، وستجد حتمًا. 
حين فرغت قامت إلى الفراش مجددًا، وتلفتت حولها وقد خُيل إليها إن أريج الحبيب قد فاح، لكن لا أثر له. 
أمسكت هاتفها وراحت تنقل الآمها في كلمات، ربما تهون عليها غصة فؤادها  
( هل من بعد الآن سأقول رحمة الله عليك؟ ولا رحمة الله على قلبي الحزين؟ أتظنني فقدتك أيها الحبيب أم فقدت نفسي؟ 
كنت راحة قلبي إذا أضطرب بالأعياء والأعباء فمن ذا يريح فؤادي بعدك من أوجاعه؟ 
كنت نورًا ينبلج في صدري في أحلك لحظاتِ سوءًا. 
حزني عليك يعقد لساني فلا ينبس، ويرسل دمعي ليتكلم بمرارة، أتراءى لك حبي الذي أكنه لك؟ 
إما إنه توارى تحت الثرى مع روحك الطيبة؟ 
ستقول وداعًا! ستقول سلامًا؟ سأقول مرحبًا لعتمة أيامي القادمة دون وداع، دون نهار يجليها  .. ففراقك يعني النهاية .. نهاية روحي وبداية عذابِ. 
يا حبيبَ القلب، ألم أخبرك ألا تقل وداعًا أبدًا بل قُل إلى اللقاء، فكلمت الوداع قاسية بشدة على قلبي. 
فيا قلب تهيئ لأحزانك فهي لن تأتي زائرة بل مقيمة .. مقيمة إلى الأبد يا قلبي) 
أختنقت أنفاسها فجأة، وأحست بقلبها ينقبض، وذرفت آمآقُها فركضت نحو النافذة، وفتحتها، ومالت ممسكة بكفيها حافتها وأسبلت جفنيها لتفيضُ أدمُعها، عندما رفعت رأسها لاح شيئًا، جعل الدمع يتجمد في الأجفان .. بل ينزوى مختبئًا، والشفاه المرتجفة تتوقف،  وحدقت وسط ظلمة الليل في أراس الواقف أمامها فخفق قلبها، وتسارعت أنفاسها، ومرتين متتاليتين راحت تغمض عينيها وتفتحهما وكالمعتوها سحبت نقابها لترتديه بعجل وهي تهرول خارج الغرفة وخارج المنزل، وحين وصلت إلى مكان وقوفه لم تجد أحد قط فبكت مجددًا بحرقة. 
لما تحس بوجوده؟ 
تشعر إنه قريب .. 
وإن عينيه الآن تراقبانها .. 
أهي في يقظة أم حلمٌ؟! 
همت أن تسير داخل البيت حينما صد طريقها أركان، فتقهقرت خطوة وهي تتطلع إليه في غضب، مغمغمة  : 
_ ماذا تريد؟ 
حرك أركان كتفيه وهو يسألها في دهشة: 
_ ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت؟! 
تخطته خديجة في خطوات سريعة وهي تهتف  : 
_ ليس هذا من شأنك. 
شيعها أركان بنظراته حتى اختفت من أمامه فمط شفتيه كالح الوجه وهمس بعبوس:  
_ ليس من شأني! إذن من شأن مَن؟ 

         🤲🏻  اللهم أجبر قلبي 🤲🏻

في خفة وبعد إن تأكد آجار وإسلام من خلو المكان إلا من نجيب، حتى تسللا للداخل وأعلى الدرج التفت آجار إلى شقيقه وأردف في صوتٌ خافتٌ للغاية  :  
_ أبق أنت هنا، أنا من سأحرر نجيب الآن. 
هتف إسلام في استنكار  : 
_ ماذا؟! لم يكن هذا .. 
قاطعه آجار بنبرة حاسمة  : 
_ أخرس، الآن هذا ليس الوقت المناسب للمناقشة، سأحرر نجيب وسآخذه في سيارتي وأنت ستلحق بنا، أفهمت؟ 
أجابه إسلام في استهتار  : 
فليكن. 
واستطرد فجأة بعبوس  : 
_ أسمع يا آجار كل ما تفعله لا يعد جيدًا يا أخي! 
شوح له آجار بلا مبالاة، وغمغم مستدركًا  : 
_انتظرنا الآن في السيارة .. هيا انطلق. 
أستدار إسلام لينفذ ما قاله آجار، و واصل آجار طريقه أسفل القبو، وتوقف أمام نجيب وضحك بخفوت لهيئته قبل أن يهزه، قائلًا  : 
_ نجيب، نجيب استيقظ يا هذا، أفق بسرعة قبل أن يصل أحد … هيا يا رجل. 
تململ نجيب وهو يتأوه من ألم جسده كان قد مر على مكوثه في القبو ثلث أيام بياليها ومرارتها وعذابها، حتى ظن إن شباب آل الشرقاوي لن يحرروه قط. 
وتمنى لو قتلوه بدل كل هذا العذاب. 
وعندما رفع رأسه  وهو يحاول فتح عيناه المتورمة، واستطلع آجار في تمعن، وفجأة تراجع برأسه صائحًا في ذعر  : 
_ لا، لا .. كفى ضربًا .. كفى لم أعد أتحمل. 
كظم آجار ضحكته في أعماقه، وكبح غضبه كي لا يفترسه في مكمنه، وقال وهو يربت على كتفه  : 
_بما تهذي يا رجل هذا أنا آجار، أرسلني ماهر لأنقذاك!. 
ولأن نجيب يعلم إن ماهر يتلاعب بآجار فقد انبسطت أساريره على 
الرغم منه وهتف متهللًا  : 
_ حقًا؟!  هل سأنجو أخيرًا. 
واستطرد وهو يرمق قيده في سرعة  : 
_ هيا يا فتى، ماذا تنتظر! حل قيدي سريعًا قبل أن يرآنا أحد. 
مال آجار يحل قيده وهو يقول  : 
_ لقد قلقنا عليك بشدة! 
سأله نجيب في حذر لا يخلو من الشك  : 
_متى أخبرك ماهر بكل شيء عنا. 
أجابه آجار دون أن يلتفت إليه  : 
_ منذُ أن اختفيت قص ليّ كل شيء، ومن حينها ونحنُ نبحث عنك، لم نكن نتوقع إنهم آسروك هنا. 
غمغم نجيب في حقد وهو يدلك معصميه ويهب واقفًا  : 
_ لن انتركهم سأدمرهم كلهم، أقسم بهذا. 
ربت آجار على كتفه وهو يسرع في الخروج قائلًا  : 
_ بالطبع يا رجل .. هيا ألحق بيّ. 
لحق به نجيب للخارج وهو يفتش جيبيه سائلًا في حيرة وقلق بالغيين  : 
_ يا إلهي أين هاتفي؟ 
ونبش فيه القلق بقوة حين لم يجده، واستقروا داخل السيارة وأنطلق آجار بأقصى سرعة، وانتظر إسلام قليلًا ثم لحق بهم. 
وفي إحدى السيارة القريبة، كان حمزة وعاصم جالسان في داخلها امام كمبيوتر متنقل، ينقل لهما كل ما حدث داخل القبو، واستمعوا لكل حرفٍ تبادلاه. 
وغمغم حمزة وهو ينزع السماعة من فوق اذنيه متبسمًا في ظفر  : 
_لقد حصل بالضبط ما توقعته. 
رد عليه عاصم وهو يفتح باب السيارة  : 
_ المهم إلا نتأخر .. هيا. 
لم يكن آجار يعرف بالأساس عنوان تواجد ماهر، ولكنه ظل يقود دون وجهة، حتى تنبه نجيب من شروده والتفت له قائلًا  : 
_ عجبًا! أين تذهب يا فتى؟ دعني أوجهك إلى طريق مختصر إلى منزلي، انحرف يسارًا.. هيا. 
كانت فرصة جاءت لآجار على طبقٌ من ذهب فراح يقود حيثُ يوجههُ نجيب، حتى توقف أمام منزل نائي تحيط به الخضرة والأشجار، وراح يعبر من بوابة سوداء انفتحت تلقائيًا لسيارته، وعلى جانبه الإيسر ثمة حمام سبحة ورأى خادمة تنظف المكان الذي كان نظيفًا ليس بحاجة، وتوقف حين اشار له نجيب، وغادرا السيارة ونادى نجيب الخادمة التي أقبلت ركضًا، فسألها  : 
_ أين السيد ماهر؟ 
أجابته الخادمة في تلقائية  : 
_ مرحبًا بك يا سيدي، السيد ماهر هناك في الغرفة المنفردة. 
اومأ لها نجيب وأشار لها بالمغادرة، وقال لـ آجار  : 
_ هيا تعال، لا بُد إنك رأيت و تعرف المنزل الآن حق المعرفة. 
اومأ له آجار دون أن يعلق وهو يسير بجانبه، وعند غرفة منفتحة الباب ابصروا ماهر ينفث سيجاره وما أن وقع بصره عليهما، حتى أطل الهلع من مقلتيه، وألقى سجارته ارضًا، وهو يدير عينيه على آجار المقبل برفقة نجيب، وعلى خالد النسخة منه، وسعل فجأة بقوة وهو يردد  : 
_ من هذا؟ من هذا؟ 
رمقه نجيب في حيرة وهو يقول  : 
_ هذا آجار، ما بك .. ألم ترسله لينقذني. 
صاح ماهر مستنكرًا  : 
_ منَ؟ أنا؟ 
واستطرد كمن اصابه مسٌ من الجن  : 
_ إذا هذا آجار، فمن هذا؟ 
أشار على خالد الذي يجلس بالداخل مكبل الذراعين من الخلف وأطل برأسه ليستطلع الأمر حتى رمق آجار فقهقه وهو يقول  : 
_ مرحبــــــــًا. 
تبسم له آجار وهو يكبح ضحكة كادت أن تفلت منه، وأسترد صرامته وهو يقول في حدة  : 
_ أنا آجار من هذا الذي بالداخل؟ 
" بل أنا آجار "
انبعث الصوت فجأة من خلف آجار صادرًا عن إسلام الذي مضى نحوهم، وتوقف، فأطلت دهشة عارمة من عيناي ماهر، وأومضت عينا نجيب ودارت حدقتها في محجرها. 
خيم الصمت بعد عبارة إسلام، أشعل خلالها ماهر سيجارة أخرى راح ينفث دخانها في توتر واضطراب وهو يدير عينيه علىٰ الثلاثة. 
وقال في حيرة  : 
_ أهي لعبة؟ 
غمغم آجار في سخرية  : 
_ ربما!! 
تراجع فجأة خطوة حادة حينما رفع ماهر سلاحه في وجهه وأشار له لداخل الغرفة، مغمغمًا  : 
_ أدخل .. أدخلا أنتما الأثنين، هيا. 
صاح إسلام في اضطراب وهو يرفع كفيه فوق رأسه  : 
_ يا الله ما هذا الآن؟ لماذا لم تخبرني إنه يوجد أسلحة؟ 
رمقة آجار بنظرة متهكمة وقال ببساطة وهو يجلس بجانب خالد في استرخاء  : 
_ المرة القادمة سأخبرك يا روحي. 
غمغم إسلام متحسرًا وهو يجلس بجوار خالد على الجانب الآخر  : 
_ هذا إن كان في مرة أخرى يا عزيزي. 
غمغم خالد ضاحكًا  : 
_ أعذراني لا يمكنني الترحيب بكما، هل احضر لكما شاي؟ 
قهق آجار ضاحكًا وهو يقول  : 
_ با بأس أصنع. 
التفت خالد إلى إسلام وقال في أسف: 
_ وأنت ماذا تشرب؟ اعلم إنك لا تحب الشاي. 
غمغم إسلام شبه منهارًا ونجيب يكبل كفيه  : 
_ يؤسفني أني لن اذوقه قط، فالموت يلوح ليّ أقرب ليّ من نفسي! 
وصاح فجأة وهو يكاد يبكي  : 
_ ماذا فعلت أنا وأتبعت هذا المعتوه وجئت معه، سُحقًا ليّ! 
أنهى نجيب من أحكام قيودهما، و وقف بجانب ماهر الذي تأملهم مليًا، حتى قال  : 
_من منكم آجار؟ 
صاح آجار ضاحكًا  : 
_ أقسم لك إنه أنا آجار. 
هم ماهر بأن يقول شيئًا، فأطبق شفتيه عندما قال خالد نافيًا  : 
_إنه يكذب أنا هو آجار. 
انفرجت شفتي ماهر ليقول شيئًا وعاد يلوذ بالصمت حينما صاح إسلام  : 
_ لا، لا، أنا هو آجار يا عزيزي ماهر. 
سقط في يد ماهر وعيناه تدور بينهم في دهشة بالغة، فأخذ منه نجيب السلاح في حدة، وسحب مشطه في قوة، وصوب فوهتة على رؤوسهم، وقال في غضب  : 
_ من منكم آجار يا هذا، أنطقن وإلا فجرت رصاص هذا السلاح في رؤوسكم. 
زم آجار فمه وهو يقول باقتضاب: 
_ إنه انا يا رجل لماذا لا تصدقني؟! 
تقدم نجيب منه وهو يقول  : 
_ إذن أنت آجار …
قاطعه خالد وهو يقول عابسًا  : 
_ أنا هو آجار أيها الوغد لماذا لا تصدقني؟ 
صرخ نجيب في انفعال وهو يستدير إلى ماهر، مغمغمًا  : 
_ أخبرتك أيها الكهل الأبلة ان تتخلص منه، ولكن لم تستمع إليّ اردت أن توجع لمار، أليس كذلك؟ أنظر الآن من يوجع الآخر. 
بدل من أن تلعب به، هو من يلعب بك الآن! 
ورفع السلاح على رأس ماهر الذي انتفض مزعورًا وبرق بصره، وقال مرتعشًا  : 
_ لن تقتل من رباك يا نجيب، أليس كذلك؟ اهدأ يا بني سنتخلص منهم هم الثلاث. 
فجأة انقلب المشهد رأسًا على عقب .. 
فلقد انقض خالد فجأة واقفًا مطوقًا عنق نجيب في قسوة، وهو يغمغم بصوت صارم  : 
_ليس بعد يا أوغاد، قتلنا ليس بهين! 
" بالطبع .. لا عاش ولا كان أن يمس أحفاد لمار الشرقاوي وهي على قيد الحياة "
تردد الصوت فجأة في المكان، وعلت ضحكات خالد عالية مجلجلة، وقفز آجار بعد ان فك قيده، مغمغمًا  : 
_ اشتقت لكِ يا جدتي .. كيف عرفتِ المكان؟ 
ومال ليفك قيد أخيه، بينما ارتجفت اوصال ماهر،  وأطل رعب هائل من عينيه وهو يتراجع ملتصقًا في الحائط وعيناه تحدق في المرأة التي أمامه .. 
المرأة التي لم تكن إلا لمار 
لمار الشرقاوي 
بكل هيبتها وجرأتها وشجاعتها. 
رافعة الرأس يحيط بها حفيديها من كلا الجانبيين عاصم وحمزة. 
وضحكت لمار عاليًا وقد راقها رعب ماهر، وغمغمت  : 
_ مُفاجأة .. أليس كذلك؟ 

           الفصل السابع والثلاثون من هنا

لقراة باقي الفصول اضغط هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-