أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل التاسع9بقلم داليا السيد

رواية رحيق الهلالي 

الفصل التاسع9
بقلم داليا السيد

قبلة
دخلت لتأخذ حمام دافئ بعد تلك الأيام المرهقة وغطت المياه جسدها المتعب وأغمضت عيونها وهي تتذكر كل ما مر بها وإلى اليوم حيث أقنعتها العمة ألا تخبره بشيء عن حقيقتها وإلا سيرفض



 الزواج بامرأة غنية وهو يمر بظروف صعبة سيكون الأمر أشبه بالاحتقار له ولكرامته فقررت الصمت وربما لم يأت الأوان بعد





التفت بروب الحمام وخرجت تبحث عن دفء التكييف لتسمع دقات على الباب وقبل أن ترد كان قد فتح الباب ودخل وهي تقف أمامه بروب الحمام وقد تراجعت من دخوله بهذا الشكل
تجولت عيونه بكل جسدها ولكنه لم يتراجع وهو يتقدم للداخل وأخرج سجائره وأشعل واحدة وقد تسمرت مكانها وهي تضم أطراف الروب بكلتا يديها وهي تراقبه يتقدم إلى أقرب مقعد ويلقي نفسه عليه قبل أن يقول
“لابد أن نتحدث"
لم تجد كلمات ترد بها عليه وقد احمر وجهها وتملكها خوف من ذلك الموقف وهي تنظر إليه فقال عندما لم ترد "تبدين منزعجة من وجودي، ألا تظنين أن ذلك لا داعي له فأنا سأكون زوجك بعد اسبوعين تقريبا"
قالت دون أن تنظر إليه "ولكنك لست الآن، هل تسمح بالانتظار حتى أرتدي ملابسي"
كادت تذهب لولا أن قال "لا داعي لن أطيل بالحديث، ثم هذا المشهد سبق ورأيته من قبل ولكن بروبي الخاص أم نسيتِ؟"
استدارت مخفية خوفها وخجلها منه وقالت "سأرتدي ملابسي وأعود إليك"
ولكنه نهض وقال "لا، أخبرتك أن لا داع لذلك، اسمعي اقترب العيد كما تعرفين وأسرتي كلها تقضيه هنا، أمي وزوجها، فايزة أختي ومهاب، ودنيا"
التفتت إليه بحدة فلم تتغير ملامحه وأكمل "بالطبع إقامتهم تمتد من الوقفة إلى آخر أيام العيد فهل يمكنك التعامل؟"
حاولت التغاضي عن أمر دنيا عندما لاحظت أنه أكمل فقالت "نعم يمكنني ولكن أنت تعلم الإمكانيات والخزين"
هز رأسه بتفهم وقال "نعم أعلم غدا سيكون عندك الخزين الكافي، ولا داعي لذهابك إلى السوق مرة أخرى، هل أنت من فعل بزينب ذلك؟ لقد كان وجهها صعب جدا"
نظرت إليه وقالت "إنها تستحق هي من أساء لنا وتطاولت علينا"
حدق بعيونها الجميلة بلونها الذي يثير إعجاب كل من يراهم وشعر بمشاعر غريبة تنتابه منذ أن عرف بعمرها الحقيقي وتحول غضبه إلى مشاعر أخرى لا يعرفها، كما وأن قرار زواجهم جعله سعيدا على خلاف ما كان يظن فحياته ربما تستقر وتنطلق للأفضل 
قال "حسنا ورغم أنك انتقمت إلا أن العمدة اعتذر عن سلوكها ولكنه ألمح إلى عنفك وحدتك"




كادت ترد عندما ابتعد من أمامها وقال "لم تسألي عن ترتيبات الزواج؟"
أخفضت وجهها ولم ترد فالتفت إليها ورأي وجهها الذي اختفى وراء خصلات شعرها المجعد من الماء فجذبه مظهرها الجميل، فتراجع إليها ورفع يده إلى خصلاتها ورفعها عن وجهها وقال 
“يبدو أن الأمر يزعجك لدرجة أنكِ ترفضين الحديث عنه، أو ربما تريدين التراجع"
لمست يده الجافة وجنتها فرفعت وجهها إليه لترى قامته العالية أمامها وترتجف من لمسته فتراجعت خطوة لتبتعد فأبعد يده وابتعد وهو يقول
“سنجعل الفرح بعد العيد بأسبوع، لن يمكنك الاهتمام بنفسك كعروسة والاهتمام بهم 






كضيوف، لذا فضلت تأجيله حتى يمكنك أن تفعلي، وسنقيم حفل بسيط هنا بالبيت يؤسفني ألا أمنحك أكثر من ذلك"
ابتعدت وقالت "أنا لا أريد أي شيء، كلها مظاهر لا تعني لي شيء"
عاد والتفت إليها وقال "هل أنت كذلك حقا؟"
نظرت إليه بدون فهم وقالت "كذلك كيف؟"
اقترب ووقف أمامها وقال "توافقين على الزواج من رجل لا تريديه من أجل طفل لا تربطك به أي علاقة لمجرد أنه ارتبط بك، تقبلين حياة صعبة بإمكانيات معدومة رغم أن لديك من الإمكانيات ما يمنحك الأفضل، والآن تتنازلين حتى عن حفل زفاف تحلم به كل من هن بسنك، فأخبريني سبب تنازلاتك هذه لأني حاولت أن أفهمها ولم يمكنني أن أفهم وللمرة الثانية أعيد سؤالي، هل هناك ما تهربين منه بوجودك هنا؟"
ظلت تنظر إليه وهي تبحث عن إجابة مقنعة ولكنها فقدت التركيز بأي شيء فتركت لسانها يتحدث بم يمكنه أن يقول "أخبرتك أني لا أهرب من شيء ولم أرتكب جرما أهرب منه، أنا فقط أجد الأمر عادي، ليس بالضرورة أن أحلم بالأمير الذي يسكنني القصور ويمنحني الذهب والفضة، المهم الراحة والسكينة وأظن أني لم أشعرك بعكس ذلك منذ أن عملت هنا"
ظل يحدق بها قبل أن يقول "كيف كنت تعيشين قبل مجيئك هنا؟"
ابتعدت وقالت "أخبرتك أني كنت أعيش مع جدتي"
أمسكها ليعيدها أمامه ولكنها تألمت من قبضته فترك ذراعها ولكنه رفع كم الروب ليرى مكان قبضته السابقة وقد تلونت بالأزرق فقال 
“هذا بسببي؟"
لم تنظر إليه وهي تسحب يدها وتعيد الكم وهزت رأسها بالموافقة فقال وما زال مكانه "تبدين فتاة مثابرة وقليلة الشكوى"
لم تنظر إليه أيضا وقالت "جدتي كانت تحب الكلام أكثر من الاستماع"
تفهم وقال "نعم، فهمت، ألا تريدين شيء لحفل الزفاف؟"
قالت "لا"
صمتت ثم عادت وقالت "كيف سيكون الأمر؟ أقصد.."
توقفت الكلمات دون أن تكتمل وقد التهب وجهها واختفى تحت خصلاتها المنسدلة 



وندمت أنها سألت وقد فهم كلماتها فقال 
“الزواج زواج يا آنسة ليس له سوى معنى واحد ولا أظن أنك تجهليه، إلا إذا كان له معنى آخر عندك أو أنكِ تريدين أمر مختلف"
اشتدت الحرارة بجسدها كله ولم تقو على النظر إليه ولم ترد وقد أنبت نفسها على أنها سألت ولم يعد بإمكانها التراجع كما وأنها شعرت به أمامها مرة أخرى وقد رفع وجهها بطرف اصبعه فلم ترفع رموشها عن عيونها وهو يقول
“كان لابد أن أدرك أنك لست تلك المرأة ذات الخمس وثلاثين عاما من هذا الخجل الذي لا يصاحب إلا فتاة بعمرك، هل تعرفين كم عمري؟"
ظلت رموشها تغطي عيونها وهي تهز رأسها نفيا فقال "سبع وثلاثين عاما أي أكبرك بخمسة عشر عاما ألا يمثل ذلك أي مشكلة بالنسبة لك؟"
وأخيرا سمحت لرموشها أن ترتفع عن مقلتيها لترى نظراته التي اختلفت عن نظيراتها السابقة وقالت "وأي مشكلة يمكن أن يسببها عمرك يا سيد بالنسبة لي؟"
ابتسم وكم خطف قلبها بوسامته بتلك اللحظة وقال "هل تنادين زوجك بالسيد؟"
قالت بدون تردد "كنت تناديني بآنسة من لحظة"
غرق بسحر عيونها وعطر شعرها ونعومة بشرتها فتحركت أصابعه لتلمس وجنتها برقة فارتجف جسدها وقال دون أن يبتعد "إذن علينا أن نزيل الألقاب من الآن حتى نعتاد الأمر رحيق"
ثم جذب وجهها إليه وانحنى بقامته الشاهقة إليها ليمتص رحيق شفتيها برقة جعلتها تغمض عيونها وتنسى أين هي وماذا يحدث لها 






وطارت الدنيا وهي معها إلى السماء الصافية وكأنها تلك الزهرة المعبأة بالرحيق وهو يمتص رحيقها فيأخذها دون هوادة وما زالت يده الخشنة تلمس عنقها بدون اعتراض من جسدها الذي استسلم لقبلته وكأنه كان يتمناها ليتعلم معنى قبلة الرجل للمرأة والويل كل الويل لو كانت بين العاشقين والأحبة ستلتهمهم نار العشق وتذيبهم كالحديد يذوب بالنيران..
تألمت شفتاها من قوة قبلته فأيقظتها من حلمها الوردي لتبتعد فجأة من بين يديه وتلتفت والدموع بعيونها وتتأكد أن روبها مغلقا لم ينفلت عن جسدها فهو لم يتمادى أو يتجاوز، مجرد قبلة سرقها من فتاة بريئة
استعاد نفسه عندما انفلتت شفتاها من بين شفتيه وتراجعت مبتعدة لينتهي رحيق العسل من شفتيها ونعومة أوراقها النضرة تحت يده فتابعها وهي تبتعد وتستدير لتمنحه ظهرها فأخرج سيجارة وأشعلها ببرود وقال 
“يمكننا أن نذهب إلى المدينة لتشتري فستان الزفاف وما تحتاجين إليه من لوازم أي عروسة قبل العيد ولكن بعد شفاء جواد، لن يمكننا تجديد أثاث البيت بالطبع ولكن أعدك أن نفعل بمجرد أن تسمح الظروف"
تحرك إلى الباب دون أن تنظر إليه أو تنطق بأي كلمة وأغلق الباب خلفه فرفعت وجهها لتنظر إلى الباب من بعده ولا تعلم سبب دموعها ولا الخوف الذي يؤلم صدرها ولا الحزن الذي تملكها بدلا من الفرحة بقربه منها لأول مرة دون خلاف أو نزاع، ربما لأنها ندمت لاستسلامها له ولقبلته وخوفها من أن يظن بها الظنون، كان عليها أن تبعده ولكن كيف وهي ضاعت بمجرد أن لمسها ونست الدنيا وانتهت الحياة إلا منه ومن سطوته ورجولته وقوة تأثيره الطاغية، واندهشت كيف تبدل من رجل كان بالأمس يطردها واليوم يقتل شفاهها بقبلته الحادة كالسكين 
تحركت إلى الفراش وتمددت وما زالت تشعر بتأثير شفتيه الغليظة على شفتيها فلمستها بيدها وكأنها لا تريد للتأثير الجميل أن 




يذهب.. 
مرت الأيام سريعة وقد زاد انشغاله بأرض أخته التي أصبحت عبأ جديد عليه ومع ذلك كان سعيد بأن أرض الهلالي كلها أصبحت له، لم يتحدث معها كثيرا بعد تلك الليلة وقد ابتعدت عنه وحاولت ألا تنفرد معه بأي مكان فأدرك الأمر وابتعد هو الآخر ولكنه لم ينكر استمتاعه بقبلتها وبوجودها بالبيت، شفي جواد وانشغلت معه بامتحانات الترم حتى انتهى منها وحصل على أجازة نصف العام واصطحبه فراس معه إلى الأرض..
تفرغت لإعداد البيت بعد انتهاء امتحانات جواد وغيرت به الكثير وكانت تشتري أشياء من مالها الخاص دون أن يلاحظ هو وأكملت اهتمامها بالحديقة وازدادت علاقتها بالعمة تأصلا على خلاف ما سبق وأبعدت ما حدث بينهم عن ذهنها إلا عند النوم عندما تنفرد بنفسها وتستمتع بالذكرى وتنام عليها..
“صباح الخير"
لم تنظر باتجاهه وهي تكمل الإفطار وقد تأخرت قليلا بالنوم فأجابت "صباح النور، لحظات ويجهز الإفطار"
جلس بمكانه المعتاد وقال “لا داع للعجلة، لن أذهب للأرض اليوم"
رفعت عيونها إليه وكم كان يعجبه نظرتها إليه وسمعها تقول "أنت متعب أم ماذا؟"
قال "ألا يوجد برأسك هذا سوى المرض؟"
عادت للطعام وقالت "لأنه الشيء الوحيد الذي يوقفك عن العمل، جزئيا"
ابتسم وقال "جزئيا؟ وماذا يعني ذلك؟"
قالت وهي ترص الأطباق أمامه "تعني أنك ترفض حتى الاستسلام للمرض إلا لو أفقدك الوعي لكن لو عدت لوعيك هرعت للعمل وأنت تترنح"
تابعها وهي تبتعد ثم قال وهو يتناول الخبز والجبن "أين جواد؟"
قالت "لم يستيقظ بعد كان متعب بالأمس فلم أجبره على الاستيقاظ"
جلست تتناول الطعام أمامه فقال "لا أحب ذلك عليه أن يعتاد على احترام مواعيد الطعام"
قالت "أعلم ولكن لا مشكلة من مرة كي لا يكسر الزمام"





أكمل الطعام وقال "يمكننا أن نذهب إلى المدينة اليوم ليس لدي عمل كثير بالأرض وعوض يتولى الأمر"
لم ترد فرفع وجهه إليها وقال "لا تردين؟"
قالت "كما تشاء"
أنهى طعامه وقال وهو ينهض لإعداد الشاي "عندما تجهزين نذهب لن نأخذ جواد يمكنه قضاء اليوم عند عبد الله صديقه فقد طلب ذلك بالأمس"
قالت "نعم لقد أخبرني بالأمر وكان سعيد أنك وافقت"
نهضت بعدما انتهت وتحرك هو ليأتي بالكوب فاصطدم الاثنان بدون قصد ووجد نفسه يحيطها بذراعه كي لا تسقط من قوة صدمته لها وترك الكوب ليسقط من يده وهي تتشبث بقميصه كي لا تسقط وهي تنحني للخلف ولكن ذراعه أعادتها إلى صدره ولمست يداها بشرته لأول مرة من بين فتحة القميص وانفلت دبوس شعرها ليسقط متهدلا على كتفيها حتى يغطي ذراعه وارتفع عطرها يمنحه انعاشا من نوع خاص 
وأخيرا تسمرت النظرات المتبادلة بدون توقف وتحركت يده الأخرى إلى وجهها ليبعد تلك الشعرات المتناثرة على عيونها تلك العيون التي تجبره على الانصياع لبريقها وتأخذه إليها وكأنها تأمره بالانصياع لتلك الفتاة التي قلبت حياته فجأة وأصبح لها تأثير غير مسبق عليه وهو الذي لم تقدر عليه أي امرأة من قبل وهي منهم ولكن لا يعلم كيف ومتى تبدل به الحال؟
ارتجف جسدها بين ذراعه عندما لمسها فأخفضت وجهها وقالت بضعف "اتركني من فضلك"
مرر يده على وجنتها وما زال يقبض على جسدها بقوة وقال "وإن لم أفعل؟"
رفعت عيونها إليه وكم كان سعيد بها وقالت وهي تحاول أن تبعده "من فضلك دعني"
لم يفعل وقال "أنت خطيبتي أمام الجميع وقريبا ستكونين لي"
كيف تضعف هكذا أمامه لا يمكن أن يفعل بها ذلك ولن يعرف سر قلبها، قالت "عندما أكون زوجتك والآن اتركني"
جذبها أكثر وانحنى كما فعل من قبل وقال "ليس قبل أن أنال تلك القبلة مرة أخرى رحيق"
ولكنها ابتعدت ودفعته بيدها فأفلتها وهو يقول "حسنا ماذا يسمى ذلك؟"




ابتعدت إلى أقصى مكان وهي تستعيد نفسها وقالت "سميه ما شأت، أنا لست كما تظن"
أشعل سيجارة وقذف بالولاعة على المائدة بضيق وقال وهو ينفخ الدخان "وماذا أظن بنظرك؟"
ظلت صامتة فتعصب وقال "رحيق انظري إلي وأجيبي، ماذا أظن بك وأنت امرأتي وستكونين زوجتي؟"
لم ترد فاتجه إليها وأعادها أمامه وقال بقوة "هل ترفضين قربي منك؟ لأنه لو كان كذلك فأخبريني وأعدك ألا أفعل حتى ولو بعد الزواج"
رفعت عيونها إليه فرأي الدموع فضاقت عيونه وقال "والآن تلك الدموع هل يمكن أن أفهم؟ هل ترفضين قربي"
قالت بضعف "لا، ولكن، أقصد أنا لم أصبح زوجتك بعد وأنا لا أريد ذلك إلا بعد الزواج ليس من المفروض أن يحدث أي شيء بين أي اثنين بدون زواج، هكذا تعلمت"
هدأ غضبه فدخن سيجارته ونفخ دخانها بعيدا ثم عاد إليها وقال "إذن نكتب الكتاب غدا كي يصبح الأمر رسمي وجودك لم يعد شفاف بالنسبة لي رحيق لست حجر"
حدقت به وهي تندهش من تصريحاته المفاجأة وهو يبتعد ثم عاد والتفت إليها وقال "لا أسمع ردك، هل ترفضين ذلك أيضا؟"
نفت ذلك وقالت "لا، لا أرفض ولكن غدا وقت قصير و.."
أطفأ السيجارة وقال "قصير على ماذا لن نقيم حفلا فاخرا فقط من يهمه الأمر أمي، أختي، العمدة وبعض الشهود، واليوم سنذهب كما أخبرتك لشراء ما تحتاجين إليه"
لم ترفض وإنما خافت من أن تفرح بأنه يريدها ولا ينفر منها كما كان فقد تغير بكل شيء ولا تعلم السبب لذا كانت فرحتها مشوبة بالخوف من المجهول




طال الصمت بينهما بالسيارة بعد نزول جواد أمام بيت صديقه إلى أن قال "هل تريدين مكان محدد؟"
قالت ببساطة "الأماكن كثيرة ولكن ما هي إمكانياتك أنت؟"
رمقها بنظراته وقال "معي ما يكفي لا تشغلي بالك، الأرض كما تأخذ تعطي وتعطي أكثر بكثير"
قالت "ألم تفكر بالكتابة مرة أخرى؟"
قال "متى وكيف؟ الكتابة تحتاج إلى ذهن صافي ووقت فراغ وفكرة وأنا لا أملك أيا منهم"
قالت "ألا تشتاق إليها؟"
قاد بمهارة وثبات وقال "كالعاشق إلى محبوبته، والطير المهاجر إلى وطنه، والصغيرة إلى دميتها والعجوز إلى مجلته"
ابتسمت وقالت "يا لها من كلمات يمكنني أن أكتبها لك إذا شأت"
نظر إليها لحظة ثم قال "يستهويك الأمر؟ ألا يضجرك؟"
قالت دون تفكير "بالطبع لا إنه لأمر رائع أن أشارك بهذا الشيء المثير"
صمت ولم يرد فعادت تقول "لا أجد كتابك بمكتبة البيت"
قال "انتهت النسخ الخاصة بي على الأقارب ولم اشتري غيرها لأني انشغلت بما حدث"
تجرأت وسألت "هل كانت زوجتك معك وقت إصداره؟"
توقف بالسيارة وقال "لقد وصلنا، أتمنى أن تجدي ما تريدين هنا ربما يمكننا قضاء بعض الوقت بالمدينة"
هزت رأسها وهي تنزل وتدخل معه المكان حيث انتقت عدة أشياء غير مكلفة وقد لاحظ هو ذلك فانتقى هو الأفضل رغم معارضتها، وشاهدت الكثير من فساتين الزفاف ولم 



تعجبها ولا هو أيا منهم إلى أن وقع نظرها على واحد بدا لها رائعا رغم بساطته وأشارت إليه فتأمله وقال 
“رغم بساطته إلا أنه جميل حسنا يمكنك تجربته ونراه"
قالت "لا لن تراه"
اندهش وقال "وكيف ذلك؟"
قالت بجدية "جدتي كانت تقول أنه فأل سيء أن يرى العريس فستان الزفاف قبل ليلة الزفاف"
ابتسم وهو يلمح بريق عيونها الآسر فقال "وأنا لا أريد فأل سيء وإنما أريد زواج سعيد"
احمر وجهها وأخفضت عيونها عنه فانحنى وقال بقرب أذنها "تبدين جميلة وقت الخجل ولكنه يلفت الانظار إليك فاذهبي لتجربته قبل أن أتهور على من حولنا لأبعد عيونهم عنكِ"
رفعت عيونها إليه فكانت نظراته مختلفة مثل كلماته التي لم تصدق أنها تسمعها منه، انتبه هو لم حوله فقال برفق "هيا رحيق"
أسرعت لتجرب الفستان وقلبها يرقص طربا وفرحا بكل ما يحدث لها وأعجبها الفستان كما أعجب الفتاة التي تساعدها فوافقت عليه ولكنها تفاجأت عندما رأته يتقدم ليراها أمامه وقد بدت مختلفة كامرأة من الأحلام فاتنة تأخذ العقل، تراجعت وهي تقول
“أخبرتك ألا تفعل"





ابتسم وهو يتأمل كل جزء منها حتى وقف أمامها وقال "لم يمكنني أن أفعل، الفضول قاتل يا آنسة" 
هربت عيونها منه ولكنه عاد وقال "وبصراحة كنت سأندم إن لم أفعل فتلك الصورة آية جمال من الرحمن، أنتِ تخفين جمال إلهي خلف براءتك هذه رحيق" 
ضاعت بين نظراته وهي تفقد القدرة على الرد وهي لا تجد ما ترد به عليه بعد أن انقلب لرجل آخر تمنته من قلبها ومع ذلك شعور غريب من الخوف هو الذي يسيطر عليها 
قالت بصوت منخفض "حقا؟" 
ابتسم وداعب وجنتها وقال "بالتأكيد تعرفين قدر نفسك يا آنسة وثقتك البالغة أمامي دليل على ذلك" 
واجهته بنظراتها ولم ترد فابتسم بينما تحركت هي مبتعدة لتخلع الفستان الذي بدا غاية في البساطة والأناقة والجمال.. 
اشترت فستان آخر لكتب الكتاب وبدلة لجواد وبدلة له هو رغم اعتراضه ولكنه رضخ تحت إصرارها واشترت شالا رائعا للعمة ثم قالت 
“أعتقد أني اكتفيت"
نظر إليها وقال وهو يتجه إلى الكاشير "ليس بعد"
دفع الحساب وحمل الأكياس وخرج الاثنان وأشار إلى محل الذهب فقالت "لماذا؟ يمكننا.."




قاطعها "لا يصح إلا الصحيح عزيزتي"
صمتت ولم تجد ما ترد به عليه واشترى خواتم الزواج بسعادة تملأ عيونها وتركته يضع العلبة بجيبه دون اعتراض



وأخيرا انطلقا إلى مطعم صغير على البحر وجلسا يتناولان الغداء بجو مرح إلى أن سمع الاثنان صوت دنيا تقول "لا أصدق أنك هنا فراس ومع تلك الفتاة"
نظر الاثنان إليها وتحدث هو دون أن ينهض لها "ولم لا دنيا؟ ألا آتي المدنية نهائيا؟ وهنا مكاني المفضل"
جلست بجواره دون استئذان أو حتى تحية رحيق التي تراجعت بمقعدها، نظر هو إلى دنيا وهي تقول "نعم أعلم ولكنك كنت ترفض كل دعواتي لك بالحضور وتتحجج بالعمل"
ترك الطعام هو الآخر واتجه للسجائر وقال "ليست حجج دنيا تعلمين أن الأرض تأخذ كل وقتي"
نظرت إلى رحيق وقالت "وأين الأرض اليوم يا فراس؟"
قال بدون تردد "موجودة دنيا ولكن اليوم لا تحتاج إليّ"
عادت إليه وقالت "وهي تحتاج إليك؟"
كانت تشير إلي رحيق بعدم اهتمام فقال "بالتأكيد ألن تكون زوجتي ونحن نعد للزواج؟"
اتسعت عيون دنيا وتراجعت بحدة واضحة في مقعدها وقالت بصوت مرتفع دون مراعاة للمكان "ماذا؟ لا، لا يمكن 




أن تكون جاد، فراس أنت لست جاد أليس كذلك؟ أنت بالتأكيد تمزح لأنك لن تتزوج تلك المرأة"
تبدلت ملامح رحيق واسود وجهها وهي تنظر إلى فراس الذي تولى الرد قائلا "بلى دنيا، أنا خطبتها منذ فترة 


والزواج بعد العيد وغدا كتب الكتاب تلك الأمور لا تحتمل الهزل عزيزتي"
رمقته رحيق بنظرة غاضبة ولم يفهم سببها ولكن هي تفهم من تلك الكلمة عزيزتي، بينما قالت دنيا "كنت تخبرني أنك لا تفكر بالزواج ولا وجود للمرأة بحياتك ولا مجال لزوجة أب لجواد فأين ذهب كل ذلك؟ أم كان مجرد كلام للتخلص مني؟"
نفخ دخانه أمام وجهه واختفت ملامحه خلفه وهو يقول "لا دنيا كان حقيقي ولكن الظروف تغيرت وتغيرت معها القرارات ولا مانع من اتخاذ القرار المناسب عزيزتي"




عادت نظراتها الغاضبة ونهضت فجأة وقالت "سأذهب إلى الحمام حتى تنتهي من عزيزتك"
حدق بها وبكلماتها والغضب المرتسم على 



وجهها وحركاتها وهي تبتعد فأعادته دنيا قائلة "ماذا تفعل فراس؟ هل تتزوج مثل تلك الفتاة التي لا تسوى أي شيء وأنا كنت أترجاك لتتزوجني"
أبعد وجهه لحظة قبل أن يقول "تلك الفتاة هي من وجدتها مناسبة لي ولحياتي وظروفي التي لن تتحمليها دنيا، أنا ليس لي مكان سوى الأرض وأنت لن تقبلي ذلك لن يمكنك المعيشة هناك كما فعلت مع فهد، وتلك الفتاة من اختارها جواد لتكون أمه وهو من رفضتِ أنت وجوده بحياتنا مما جعله يرفضك، تلك الفتاة هي من يقبل أن يعيش ببيت تهدمت جدرانه وتهتك فرشه بينما تجلسين أنت على أفضل مقعد به وأنت مشمئزة منه  تلك الفتاة هي التي اخترتها ولم أندم دنيا"
تراجعت ولمعت دمعة بعينيها ولكنها قالت "ليس معنى أني أحب الكمال أنني لا أحبك، بل أنت تعلم أني لم أحب



 سواك أنا لم أنجب من فهد لأني لم أحبه ولكني تمنيت أن تكون أنت والد أولادي، فراس 



أنا أوافق على الإقامة ببيتك وأن أكون أم لجواد سأفعل كل ما تريد ولكن تزوجني أنا، أنا وليس هي"



لمح رحيق تخرج من الحمام فقال "لم يعد هناك مجال للتراجع دنيا أنا اخترت وانتهى الأمر"
وصلت رحيق ولم تجلس وهي تقول "ألن نذهب؟ لقد تأخرنا على جواد ولقد اتصل بي وسأل عنا"
هز رأسه ونهض وقال "حسنا دنيا سعيد بلقائك ولو شأت يسعدنا حضورك غدا بكتب الكتاب"
اشتعل الغضب أكثر بعيون رحيق ولم يلمح هو ذلك وهو يضع الحساب بينما لم تنهض دنيا وهي تقول "بالتأكيد لن تفوتني مثل تلك المناسبة فراس"
قال وهو يتعمد ذلك "حسنا إلى اللقاء عزيزتي"
لم تستطع أن تتحمل أكثر من ذلك ولم يمكنها التحكم بنفسها وهي




 تتحرك إلى الباب دون انتظاره فابتسم وهو 



يتبعها وتحرك خلفها ليجدها تقف أمام السيارة ففتح السيارة لتركب ولحق بجوارها 


وقاد وهو يدرك أنها تكتم أشياء بداخلها ولكنها نضجت على السطح غصبا عنها
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-