CMP: AIE: رواية نارة الفصل الاخيربقلم ياسمين السيد قنديل وايمان شريف الحوفي
أخر الاخبار

رواية نارة الفصل الاخيربقلم ياسمين السيد قنديل وايمان شريف الحوفي


 

رواية نارة 

الفصل الاخير

بقلم ياسمين السيد قنديل وايمان شريف الحوفي




فتح شهاب عينيه في الصباح، والتفت ليواجه وجه نارة، تأمله بارتياح ووله، في تلك الليلة وهذا الصباح فقط أيقن أنه لا مجال للحيرة في قلبه، الذي بات ينبض باسم امرأة واحدة فقط وهي زوجته الجميلة المشاغبة، تلك الفتاة الهاربة من زواج بالإجبار لتتزوجه هو، تلك التي ألهبت فؤاده وجعلت منه متحمسًا كالمراهقين، تلك التي لا يمكنه أن يصمد في حضرة جمالها.. إنها نارة.

لا يعرف ماذا حدث له حينما استيقظت وحدقت به بمقلتين ناعستين حتما تذكرت أحداث الليلة الماضية، انتشاء غريب انبعث في دواخلها لكنها مع ذلك لم تصدر أية ردة فعل كأن تبتسم مثلاً، هل خالط ذكرياتها الحلوة مرارة أحداث المطعم؟! ربما.. 

ارتبك شهاب وتسلل إلى قلبه الاحساس بالذنب وكأنما ارتكب جرم أو أنه بات يستغلها لمجرد أن هناك عقد زواج بينهما، فسحب نفسًا قصيرًا وأخرجه عبر كلماته وهو يهرب نظراته منها يلتقط ملابسه من الأرض ويرتديها في عجلة: 

- أنا آسف، بوعدك مش هيحصل ده تاني. 

أسدلت جفنيها بمرارة. 

هل أجبرها على شيء؟! ألا تظهر حقيقة مشاعرها في انفعالاتها وتجاوبها معه! 

أخذ شهاب حمامًا ساخنًا وارتدى ملابسه استعدادًا للخروج، نقرة صغيرة صدرت عن غلاية المياه تعلن انتهاء عملها؛ فصبَّ كأسًا من الشاي ومرره بين شفتيه ولم يدرك مدى سخونته حتى أحرق لسانه إذ كان شاردًا في أمر ما، أمر قد اتخذ بشأنه قرارًا لم يعد قابلًا للتأجيل، وضع من يده فنجان الشاي على بار المطبخ ودلف إلى غرفة نارة، كانت تقف أمام مرآة طاولة الزينة تجفف شعرها بالمنشفة، دلف في هدوء كما أنها لم تعر وجوده انتباهًا وإن كان يربكها في حقيقة الأمر.. 

وقف خلفها ينظر لها من خلال المرآة، كانت نظراته تثير الحيرة في جوفها، هل تشبه نظرات طفل مذنب وجاء يعترف بخطئه ويطلب العفو والسماح، لا تعرف لماذا فسرَّتها بهذا الشكل لكنها لم تستشف منها شيئًا آخر أو ربما تمنت في داخلها لو يعترف لها بحبه المكنون والتي رأته بوضوح في ليلاهما مما لا شك فيه أنه يعشقها، يعشق أنثاه لم تكن مجرد معاشرة رجل لأنثى من باب الشهوة بل كان يعلن أنه رجل عاشق سحرت له حبيبته حتى بات منصهرًا في حبها ولا يتمنى من الدنيا سواها إن لم يكن هناك مبالغة.. 

توقفت يداها عن تجفيف شعرها بشكل تلقائي وهي تفكر في كل ذلك حتما بدأت شفتاه ترتجفان ويصدر منهما صوت ضعيف، قوي بالتدريج وهو يقول: 

- أاا.. نارة.. أنا كنت عايز أتكلم معاكي.. يعني هي حاجة مش مهمة أوي بس.. بس أنتِ من حقك تعرفيها.. 

التفتت إليه ببطء حتى واجهت عيناه بعينيها الجميلتين؛ فتابع:

- أنتِ مراتي.. يعني آه مش بجد وجوازنا مش.. 

لم يعرف كيف يمكنه أنه يكمل تلك الجملة الكاذبة لكنه عزف عنها وقال: 

- بس من حقك تعرفي، هو صحيح كان ماضي بس طالما رجع شريك الماضي ده في حياتنا تاني يبقى لازم أعرفك. 

عرفت نارة أنه كان يقصد رانيا بحديثه لكنها لم تتفوه بحرف وبدلًا من ذلك أنصتت له: 

- رانيا.. رانيا ماكنتش مجرد زميلتي أيام الجامعة.. هي كانت حبي الأول. 

- عارفة. 

هنا خرجت عن صمتها.. فصدمته! 

- عارفة؟! إزاي؟ 

أطلقت ضحكة قصيرة هازئة وقالت بنبرة حاقدة: 

- هو أنت مفكرني غبية يا شهاب؟! مش هاخد بالي إن حركاتك وتصرفاتك كلها مش بدافع مشاعر جواك وحتى تصرفاتها كلها كانت مزيفة ومدروسة علشان بس ترجعك ليها. 

- إيه.. إيه اللي بتقوليه ده؟ ده ده ده مستحيل، أنا ورانيا خلاص كان كل اللي بيننا ماضي وانتهى. 

- مش باين. 

- نارة ماتستفزينيش. 

صاحت به هادرة: 

- أنت اللي بتستفز نفسك، لو لسه بتحبها بتنام معايا ليه في نفس السرير، طالما جوازنا مش حقيقي، ليه بتعمل فيا وفيها كده ما تروحلها. 

كاد يبطش بها ويصيح ويطيح لكنه تمالك أعصابه بسهولة وغادر الغرفة بعصبية لكنه عاد ووقف على عتبتها مشيرًا لها بسبابته يقول بغضب احمرَّ له وجهه: 




- أنا لو كنت عايز أرجع لها ماكنش فيه حاجة تقدر تمنعني ولا كنت هحتاج حركاتها المزيفة اللي بتقولي عليها.. إنما أنا راجل متجوز.. فاهمة و.. 

أمسك عند ذلك وخرج من المنزل تتملكه عصبية شديدة، كان يود لو أنه يستمد منها بعض كلمات حانية مثل أنها تثق به، وتثق بأنه ليس مغفلًا لتأخذه منها تلك رانيا بل إنه سيحافظ على كرامتها كزوجته وإن لم يعترف بحبه لها لكنها لم تفعل.. 

وأنَّى لها ذلك وهو لم يصرّح لها بما يمنحها تلك الثقة، كيف يمكنه توقع من فاقد الشيء أن يعطيه، وهكذا بدأ صباحهما بشكل سخيف لا يليق بتلك الأمسية الرائعة.

ـــــــــــــــــــــــــــ

في المشفى اندفع شهاب بقوة غضبه إلى غرفته حيث يبدأ عمله، بدل ملابسه بالملابس الطبية وخرج مرة أخرى ليتفقد مرضاه صحبة رئيسه وبعض المتدربين، لم يبد عليه أنه استطاع أن يفصل بين عمله وحياته الشخصية، لم يكن ليستمع لكلمة واحدة مما يقال حتى انفصل عن الجمع معتذرًا وحينذاك بادرته رانيا التي ظهرت أمامه من العدم هاتفة: 

- شهاب.. صباح الخير! 

أطبق جفنيه بحنق واستدار لمواجهتها قائلًا ببرود: 

- صباح الخير يا دكتوره رانيا! 

- دكتورة رانيا؟! من امتى بتناديني.. 

قاطعها في غمرة انفعاله: 

- من دلوقتي ولبعدين.. رانيا ياريت تفهمي، أنتِ حاليا مجرد زميلتي وبس. أنا راجل متجوز ومش بتاع لعب وكرامة مراتي من كرامتي مش هقبل إني أعمل أي حاجة تجرحها.. أرجوكي تتقبلي ده. 

ولم يترك لها المجال لتجيبه بعد أن رأى الدموع بعينيها وعرف أن كلماته كانت ثقيلة عليها لكن لم يعد بوسعه سوى فعل ذلك. 

شعر بالهدوء قليلًا بعدما أجرى تلك المواجهة وأحس بأن همًا انزاح عن صدره وشرع في استئناف عمله، وحينما كان يفحص أحد المرضى ويعطي تعليماته للمرضة بجرعات الدواء اللازمة، باغته رنين هاتفه يعلن وصول رسالة واتساب، التقط هاتفه وجد أنها رسالة من نارة ففتحها ليجد بها " شهاب أنا مقدرة إني اقتحمت حياتك بشكل مش طبيعي وشقلبتهالك، من أول علاقتك مع أهلك ومواجهة أهلي وإنك تتجوزني علشان بس تحميني وأنت ماكنتش مجبر على كل ده بس أنت إنسان طيب وشهم وعلشان كده انا هرد لك الجميل ده وهمشي هطلع من حياتك علشان تقدر تكملها مع اللي بتحبها وبتحبك.. لما ترجع البيت مش هتلاقيني وممكن تبعتلي ورقة طلاقي على بيت أهلي.. مع السلامة يا شهاب"

أطبق جفنيه في مرارة وحنق وأطلق صيحات تأفف تعجب لها المرضى والممرضة أيضًا. ثم غادر المكان غير ملتفتًا إلى نداءات الممرضة. 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

توقفت نارة على الرصيف بمنتصف الطريق تشد ذراعي حقيبة ظهرها بحنق، انتفخ وجهها بنفخة زفرتها من فمها بغضب جامح ثم رمت بنفسها على مقعد الانتظار تؤنب نفسها بصوت عال تعجبت له السيدة الجالسة بالقرب منها: 





- إيه اللي عملتيه ده بس يا نارة؟! من امتى وأنتِ بتستسلمي!.. يعني كنت هعمل إيه هقوله والنبي حبني بالعافية.. معرفش زفتة رانيا دي كمان طلعتلي منين.. أوووف!! يعني هعمل إيه يعني كرامتي ماتسمحليش أفضل معاه وهو مع واحدة تانية. 

وأغمضت عينيها محاولة أن تستجمع شتات أفكارها وتأخذ نفسًا عميقًا وتخرجه بهدوء وأخذت تكررها عدة مرات علها تسترخي وما إن فتحت عينيها وجدت السيدة مقتربة منها على نحو أثار فزعها وهي تتفقدها بتعبير وجه مندهش أو ربما مستهجنة أفعالها، فنهضت في هدوء وغادرت بينما أخذت السيدة تمصمص شفتيها وهي تردد "مجنونة دي ولا إيه.. يا كبد أمها ربنا يعافينا"  

ـــــــــــــــــــــــــــ

وصل شهاب المنزل، لم ينتظر هبوط المصعد فوثب الدرج صعودًا حتى بلغ شقته، أولج المفتاح في الباب بعصبية بالغة وقلب يرتجف بين ضلوعه حتى فتح الباب بقوة جعله يرتطم بالحائط وأخذ ينادي "نارة!! ناااارة!!!" 

لكنه لم يحصل على إجابة فركض إلى غرفتها ودلفها متلهفًا يتمنى لو أنه يجدها بها لكنها كانت فارغة ودولابها أيضًا. 

مرر يده على وجهه وشعره بعصبية صائحًا "إيه اللي عملتيه ده يا نارة بس.. إيه اللي عملتيه أنا بحبك أنتِ يا غبية" 

خرج إلى الصالة ووقف خلف النافذة يعيد الاتصال بها مرارا لكن هاتفها لا يزال مغلقًا، بلغ منه الانفعال مبلغه وهو يتساءل "راحت فين دي بس.. واحدة مجنونة!" 

التفت ببطء لما سمع صوت جرس الباب، فذهب ليفتحه بخطى متثاقلة وعلى الرغم من المفاجأة إلا أنه كتم دهشته إلا رفع حاجبه وقال بلهجة باردة: 

- خير! رجعتي يعني؟! فيه مصيبة تانية جيباها معاكي ولا إيه.. آه ما هو كل مرة تجيلي ببلوى وسي عاتشف سي عاتشف الحقني يا سي عاتشف. 

حدقته نارة بغيظ شديد وقالت: 

- لا ماتقلقش أنا نسيت حاجة بتاعتي وجاية آخدها. 

- امم حاجة إيه دي بقا؟! 

- ااا.. فرشاة سناني. 





- فرشاة سنانك؟! 

- آه أنت.. مفكرها أي فرشاة يعني ولا إيه.. دي دي بالكهرباء وبراند أكيد مش هسيبهالك يعني. 

- آه لا صح، ترجعي تاخديها.. اتفضلي. 

دلفت بكبرياء وعنجهية متجهة نحو الحمام وهي تتلفت خلفها تطالعه خلسة، دخلت الحمام وأخذت فرشاتها،ثم ارتفعت بوجهها لتطالعه بالمرآة، نظرت بداخل عينيها ولاحظت ارتفاع وهبوط صدرها، يتخبط به قلبها بعنف بالغ  خرجت من الحمام ووقفت بمنتصف الرواق المقابل للصالة حيث ينتظرها شهاب عاقدًا ذراعيه أمام صدره، توقفت وأطالت النظر به ولم تلبث أن رمت عن ظهرها حقيبتها وركضت نحوه فاتسعت ابتسامته واستقبلها بين ذراعيه يضمها بقوة وأخذ يقبلها بجنون وشغف وهو يهتف: 

"مابحبش غيرك يا مجنونة"



                       تمت

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-