أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل الثامن8بقلم داليا السيد

رواية رحيق الهلالي

 الفصل الثامن8
بقلم داليا السيد

حل
تحركت ببطء خارج البيت ووقفت قليلا تتأمله بكل ما فيه وحديقته التي كادت تزرعها وعكفت عليها وهي

 تحلم بأن تملأها أزهار وورود، أغمضت عيونها وهي تعلم أن الأحلام تتناثر مع أشعة النهار والنهار الآن يعمي عيونها بواقع مرير 



الفراس قرر ونفذ، لا مكان لكِ بحياتي، سطوته وغروره قذفها إلى الخلف مرتدة إلى حياتها التعيسة، ستعود لبيتها وحيدة كسيرة القلب والروح، تحركت إلى خارج البيت، نفس 




الطريق الذي أتت منه أول مرة تحت المطر وتذكرت جواد عندما استقبلها بتلك الليلة وفراس المحموم وكيف قبلها غصبا، شعرت بألم يجتاح صدرها 
توقفت سيارة بجوارها أفزعتها لتنظر إليها فتجدها سيارة الشرطة ورأت نور ينزل منها متألقا كعادته، واتجه إليها بخطى ثابتة فتوقفت وهو يقف أمامها وينظر بعينيها الدامعة وقال 
“آنسة رحيق؟ أين تذهبين وما كل هذه الدموع؟"
مسحتها بسرعة وقالت "لا شيء أنا فقط لابد أن أذهب عن إذنك"
ولكنه أشار بيده واستوقفها وقال بسرعة "لا، أقصد أخبريني أولا إلى أين ربما أوصلك أو"
أوقفه صوت فراس القوي وهو يقول "لا داعي يا سيادة الملازم، هي كانت تنتظرني كي نذهب سويا"
رفعت وجهها إلى وجه فراس ونظرت إلى عيونه التي كانت تحدق بنور الذي قال "آسف ولكن تلك الحقيبة و.."
أمسك فراس الحقيبة من يدها التي لامست يده وتخلت عن الحقيبة بسهولة له وهو يقول "بها بعض الأشياء الخاصة بالأرض سأمنحها لرجلي قبل الذهاب إلى المشفى هل حضرتك عدت لشيء جديد؟"
نظرات نور كانت تتأرجح بين الاثنان ونظرات رحيق التي تسمرت على وجه فراس والحيرة تملؤها وقلبها يخشى أن يستسلم للسعادة أنه أتى ليعيدها 
سمعت نور يقول "الآنسة رحيق رأت السيارة التي تسببت في الحادث ونحن عثرنا على واحدة مشابهة وظننت أن بإمكانها التعرف عليها، آنسة رحيق هل يمكنك فعل ذلك؟"





أجاب فراس قبل أن تنطق هي "هل يمكن تأجيل الأمر لم بعد الاطمئنان على جواد؟ لابد أن نذهب إلى المشفى الآن لرؤيته فقد سأل عنا؟"
نظر نور إليه بقوة وقال "أستاذ فراس أنا أتحدث مع الآنسة وأريد أن أسمع ردها"
تشنجت عضلات فراس وحاول كبت غضبه وهو يقول "وأنا أجبتك بدلا منها ولن يختلف ردها عني حضرة الضابط"
قال نور بعصبية "ليس من حقك أن تتحدث بلسانها فأنت لا صفة لك"
اقترب فراس من نور وبدا وكأنه يتحداه وأطلق كلماته كالرصاص بوجه نور قائلا "لن تخبرني أنت عن حقوقي يا باشا فأنا أعرفها جيدا وتقدير ظروف أسرتي هي أولى اهتماماتي وليس من شأن أحد التدخل بها"
ناطح نور قامة فراس وأدركت أن كلاهما يتحدى الآخر ونور يقول "هي ليست من أسرتك"
ضاقت عيون فراس وقال بتحد واضح "بلى إنها كذلك فهي نست أن تخبرك أنها خطيبتي وقريبا ستكون زوجتي"
توالت الأحداث أمامها وكأنها تجلس كمشاهد داخل دار العرض تشاهد فيلما سينمائيا وليست بطل من أبطاله، وربما لم تصدق أنه أخبر نور بأنها خطيبته، فما الذي يفعله ذلك الرجل بها؟ وكأنها دمية يحركها كما يشاء والغريب أنها تقبل طواعية دون اعتراض.. 
نظر نور إلى فراس بشك ثم تحول إليها وقال "آنسة رحيق هل هذا حقيقي؟" 
كاد فراس يفتك به ولكنه تمسك ببعض العقل وهو يثبت نظراته على نور بينما التفتت هي إلى نور وهي لا تعلم ماذا تفعل أو بماذا تجيب؟  
لو أنكرت لاصطدم نور بفراس ولا يمكنها أن تخمن الخسائر التي يمكن أن تترتب على ذلك، ولو وافقت ستشعر أنها بلا كرامة وأنه يتحكم بمصيرها وكأنه يضمن وجودها بحياته.
أخرجها نور من شرودها وهو يعيد سؤاله "آنسة رحيق لماذا لا تجيبين؟"
انتبهت وقالت دون تفكير "نعم إنها الحقيقة"
لم ينظر فراس إليها وربما لم يكن متأكد من ردها ولكنه لم يكن ليبدو ضعيفا أو مهزوزا أمام نور الذي تراجع أمام ردها وهز رأسه وقال "إذن أنا أنسحب وهو سوء تفاهم لأني لم أعرف أنها خطيبتك وإلا لما فكرت فيها، سأرسل أحد رجالي بالغد كي يصطحبها إلى المركز لرؤية السيارة"
كاد يرد على جملة نور 'لما فكرت بها' وهو يستوعب الجملة ولكن هذا الأخير تحرك إلى سيارة الشرطة وركبها وانطلق بها بينما تراجع غضبه منها عندما لم تخلف كلماته أمام نور
وما أن ابتعد نور بسيارته حتى فعلت هي المثل وجذبت حقيبتها من يده وعادت إلى طريقها دون تراجع ولكنه أوقفها بقبضته القوية حتى تألمت، ما زال أثر قبضاته على ذراعها وبكل مرة الألم يزداد 
تغيرت نظراتها إلى الغضب وهو يقول "إلى أين؟"
قالت بإصرار "أنا تعبت من قبضتك هذه، بالتأكيد أنت لا  تشعر بألم من حولك لأنك لو كنت تفعل لما آلمتني بتلك الطريقة الشرسة"
لم يهتم بكلماتها وهو يصوب نظراته إلى عيونها ربما تتراجع عن أشعتها المثيرة والتي لا تتوانى عن إغضابه وقال






“عندما تتوقفين عن قذف كلماتك اللاذعة بوجهي سأتوقف عن إيلامك"
قالت بعناد "لن أفعل لأني لا أريد وما أفعله أو أقوله أمر يخصني ولا دخل لك به والآن اتركني، اتركني قبل أن يراني أهل البلد هكذا معك ويزداد القيل والقال وأنت في غنى عن كل ذلك"
حاولت أن تتحرك ولكنه أوقفها بيده القوية وقال "هل تحاولين إقناعي أنك سعيدة بالرحيل وأن كل ما حدث لم يكن من تخطيطك؟"
هذه المرة نجحت في إبعاد قبضته عنها وقالت بقوة "أنا لا أحاول إقناعك بأي شيء لأن لا يهمني الأمر بشيء فأنا راحلة ولن أبقى هنا يوما واحدا، لقد تعبت ولن أتحمل أكثر من ذلك"
قال ساخرا "تعبتِ أم فشلتِ في تحقيق غرضك؟"
والآن لم تعد تملك أي عقل داخل رأسها الصغير وهي تقول "الذي هو ماذا يا سيد؟ هيا أخبرني أنت أي غرض الذي تتحدث عنه؟ هيا أخبرني به ربما لم أكن أراه جيدا لأني لم أعد أفهم كلامك هذا ولا تلميحاتك هذه، كل ما فعلته أني كنت أقوم بعملي وأظن أني لم أقصر به رغم كل صعوباته وبالمقابل لم أجد إلا تصرفاتك الناكرة وغرورك وغطرستك التي لن أتحملها بعد اليوم لأني لم أعد أعمل عندك ولا صفة لك بالنسبة لي لذا يمكنني الآن أن أخبرك أني أكرهك ولا أطيق البقاء معك بأي مكان فابتعد عني واتركني لن أبقى بمكان أنت به لحظة واحدة"
وتحركت مرة أخرى وأدرك بالطبع كلماتها وأنها راحلة حقا وليس مجرد تمثيل ونظرات الكره بعيونها تؤكد صحة وصدق كلماتها ومع ذلك تغاضى عن كلماتها، الآن هو بقمة المنحدر ويرى بوضوح كل ما هو أسفله ويشعر باهتزاز الأرض تحت أقدامه وأن الكثير سينهار برحيلها خاصة جواد الذي اتصلت المشفى به الآن لتخبره عن انهيار جواد بسبب أنه يسأل عنها ولا يجدها، وكلام العمة الذي أيقظ داخله حقائق كان لا يعترف بها، الآن عليه أن يجد حل وهو أن يعيدها ويقبل بها بحياته من أجل أن تتوقف الأرض تحته عن الاهتزاز وتستقر كما كانت بالأيام السابقة فلديه ما يكفيه من المشاكل وتحتاج لتفرغه..
قال بقوة "انتظري هنا، لابد أن نذهب للمشفى الآن جواد انهار عندما لم يجدك والمشفى تطلبك"
توقفت دون أن تنظر إليه وما زالت دموعها لا تتوقف وانقبض قلبها من أجل الطفل الذي لا دخل له بخلافاتهم ولكن ربما تذهب هي لتراه بعيدا عنه، نعم ستفعل وحدها لذا تحركت دون أن ترد عليه ولكنها رأته يتخطاها ويقف أمامها فلم ترفع وجهها الشاحب، المتعب والمغطى بالدموع إليه وسمعته يقول
“هل كان حبك له تمثيل؟"
هزت رأسها نفيا وقالت بصدق "وهل ستصدق إجابتي"
صمت قليلا قبل أن يقول "نعم"
رفعت وجهها إليه وبدت بأبشع صورها أمامه وكأنها فتاة أخرى لا يعرفها ولكن ما عانته بالأيام السابقة هو الذي صنع صورتها الحالية، فشعر بخزي من نفسه لأنه لم يقدر حالتها وكاد يتركها ترحل بهذه الحالة، عندما نظرت بعيونه لم تجد تلك النظرة النارية ولا الغضب ولا الكره وإنما وجه خالي من أي تعابير فقالت 
“حبي لجواد هو أول سبب لبقائي ببيتك يا سيد وكل تصرف تجاهه كان نابعا من قلبي ولم أندم عليه"
هز رأسه إيجابا وقال "حسنا، من الأفضل إكمال ما بدأته معه لأنك لو أوقفت كل ذلك لا نعرف ماذا سيحدث له، ربما عمتي على حق أنتِ تمنحيه ما لم يمكنني أن أمنحه إياه"




ظل كلاهما ينظر للآخر إلى أن أخفضت وجهها بضعف وهي لا تقوى على مواجهته كي لا يخترق قلبها ويسمع دقاته ويكشف سره فقالت "سأذهب إليه وأبقى بجواره حتى يشفى وبعدها سأرحل لن أعود"
صمت قليلا قبل أن يقول "لنذهب الآن ولندع الحديث لوقت آخر فليس لدينا وقت كافي للجدال"
ولكنها قالت "لن أذهب معك لأي مكان، سأذهب وحدي"
نفخ بعصبية وقال "ليس هناك وقت للعناد هيا لابد أن نصل بأسرع وقت"
لم تعارض أكثر وهو يأخذ الحقيبة من يدها ويتحرك عائدا إلى سيارته فتبعته في صمت واستسلام من أجل ذلك الطفل الذي لا حول له ولا قوة 
كان جواد نائما عندما دخلت غرفته ولم تسأل أين ذهب هو بمجرد أن دخلوا المشفى ولكنها اهتمت بذلك الصبي الذي تألم قلبها من أجله..
أحاطت رأسه المربوطة بيدها وهمست ربما يسمعها "جواد حبيبي أنا هنا، لم أخلف وعدي معك، جواد لابد أن تستيقظ وتصبح بخير لأنك بطل والأبطال يهزمون الصعوبات، هيا جواد أنا أعلم أنك تسمعني فهيا أفق أريد أن أسمع صوتك"
ولكن الطفل ظل هادئا مغمض الأعين فقبلت يده الصغيرة واعتدلت على مقعد جذبته لتجلس أمام فراشه عندما دق الباب ورأته يدخل، أبعدت عيونها عنه وهو يتقدم من الطرف الآخر للفراش ثم قال 
“الطبيب أعطاه مهدئ، كانت حالته صعبة عندما أفاق ولم يجدك"
لم ترد فنفخ وقال "اسمعي، لا تظني أنني سأرضخ لك لأن جواد بحاجة إليكِ، أنا"
رفعت وجهها إليه وقاطعته قائلة "أنا لم أطالبك بشيء يا سيد، أخبرتك أني راحلة بمجرد أن يستعيد صحته"
تحرك باتجاهها حتى جذب مقعد آخر وجلس أمامها وقال محاولا أن يجد حل لتلك العقد التي حلت بحياته "الآن يمكننا التحدث ببعض العقل، ربما لوجودك بحياتنا أثر كبير، وربما أيضا كنت صادقة بمشاعرك مع جواد، ولكن لابد أن تعلمي أن الحل الذي اقترحته عمتي سيكون صعب وصعب جدا على كلانا"
لم تبعد عيونها وقالت "أي حل؟"
تراجع بمقعده قبل أن يقول "الزواج"
ارتعشت رموشها وعاد قلبها يعلن عن نفسه وضعفه ولكن عقلها أرسل جيوشه لتصد قلبها عن إبداء ما به فقالت "ومن أخبرك أني أوافق على هذا الحل؟"
فاجأه ردها وكأنه لم يتوقعه، بينما أبعدت هي وجهها إلى الطفل دون أن تتحدث نهض مبتعدا وقد تملكه الغضب منها ثم ما لبث أن استعاد نفسه وقال 
“معك حق إنه خطأ وكلانا لا يناسبه الأمر"
لم ترد ولم تنظر حتى إليه عندما فتح جواد عيونه ونظر إليها فأسرعت إليه وهي تهتف بسعادة
“جواد، حبيبي أنت بخير؟"
حدق جواد بها بشدة قبل أن يقول "لم تكوني موجودة رحيق ظننت أنك رحلتِ وتركتيني"
هزت رأسها نفيا وقالت "لقد وعدتك أن أبقى فقط كنت أغير ملابسي وأغتسل وها أنا عدت"
اقترب فراس منه وقال "كيف حالك حبيبي؟"
نظر إليه بصعوبة وقال "بخير أبي، رحيق أخبرتني أني لو هزمت المرض فسأكون بطل وأنا أريد أن أكون بطل أليس كذلك رحيق؟"
ابتسمت وهي تتذكر كلماتها وهو نائم ربما 





سمعها، عاد جواد يقول "بابا أنا أخبرت زينب أن رحيق خطيبتك فهل يمكن أن تكون حقا؟"
نظر فراس إليها كما فعلت هي ثم عاد إليه وقال "تعلم أن الأمر صعب جواد، ولم يكن من الصواب أن تتصرف هكذا ولا تنس أن لكلا منا حياته"
نظر جواد إليها وقال "ولكن رحيق ليس لها حياة أخرى بعيدا عنا لقد أخبرتني أن لا عائلة لها وأنا أظن أننا أصبحنا عائلتها فهل نتخلى عنها فراس؟"
دمعت عيونها من كلمات الصبي الذي لم يتجاوز العاشرة بينما رمقها هو بنظرة ذات معنى قبل أن يقول "ربما هي لا توافق على ذلك جواد فلا يمكننا إجبار أحد على شيء"
نظر جواد إليها وقال "هل ترفضين رحيق الزواج من أبي للبقاء معنا وتكوني أمي التي لم أعرفها؟"
اتسعت عيونها وارتجف قلبها من كلمات الصبي التي لم تتوقعها منه ولم تعرف بماذا تجيب أو كيف تهرب من كل ذلك وتلعثمت وهي تقول
“جواد حبيبي أنا، أنا لا أعرف، هل حقا تريدني كأم لك؟ هل يمكن أن أكون كذلك؟"
قال الصبي بدون تردد "أنتِ كذلك بالنسبة لي رحيق، وأنا لم أعد أريد أن أناديك رحيق بل ماما، فقط وافقي على ذلك"
سالت الدموع بدون توقف وتراجع فراس دون أن يجد كلمات ينطق بها وأدرك أن عليه أن يتراجع أمام ذلك الصبي الذي حرم من كل شيء وقد كانت العمة على حق 
قالت رحيق بضعف "أوافق جواد، أوافق على أي شيء تريده ويجعلك سعيد"
ابتسم الطفل ونظر لفراس وقال "هل أخطبها لك أبي؟"
ابتسم فراس رغما عنه وقال "ربما تجيد أنت الأمر أكثر مني أليس كذلك؟"
هز رأسه وقال "هل تقبلين الزواج منه رحيق؟"
لم تنظر لفراس وقد احمر وجهها وأدركت أن الأمر لم يعد باختيارها ولا باختياره فهزت رأسها ولم ترد فقال جواد
“بابا أريد أن أعود للبيت بسرعة كي نقيم فرح كبير لكما وأخبر أصحابي أنه أصبح لي أم مثلهم، متي سأعود ماما؟"
ارتجف قلبها من الكلمة وقبلت يد الطفل من بين دموعها وقالت "بمجرد أن يخبرنا الطبيب أنك أصبحت بخير حبيبي"
تثاقلت عيون الصبي وقال "حسنا ماما أريد أن أنام الآن وبعدها أخبريه أني أصبحت بخير"
وأغمض عيونه واستسلم للنوم فقبلت وجنته وسحبت الغطاء عليه واعتدلت جالسة بينما نظر هو إليها وقال "ربما يمكنني أن أتعامل معه وأخبره أن الزواج صعب"







لم تنظر إليه وهي تقول "أنا لن أغشه يا سيد لقد وافقت وانتهى الأمر"
هز رأسه وقال "كلانا مجبر على الأمر يا آنسة فأنا لم أتخيل أن أتزوج من.. "
وقطع كلامه فنظرت إليه بطرف عيونها وقد فهمت كلماته قالت "خادمة؟ أنا.."
ابتعد وقاطعها هو وقال "لقد انتهينا، كلانا مجبر على الأمر من أجله وعلينا تقبله، ربما نتم الزواج بوقت قريب لننتهي من كل ذلك"
لم ترد وتحرك هو إلى الباب وخرج دون أي كلام آخر
بنهاية اليوم دق الباب وفتح لترى امرأة أنيقة لم تحدد عمرها عيونها تشبه عيون فراس ولكن رمادية تنظر إليها وهي تتقدم داخل الغرفة وتقول
“مساء الخير"
نهضت رحيق وقالت "مساء النور" 
اقتربت المرأة والتي هي كوثر وهي تتأمل رحيق بعيون خبيرة بملابس رحيق الأنيقة وتوقفت أمام الفراش وقالت 
“أنا كوثر والدة فراس وجدة جواد عرفت بالحادث منذ ساعات قليلة وأتيت لرؤيته"
دق قلب رحيق وهي تتأمل المرأة الجميلة وقالت "إنه بخير، لقد أخبرني الطبيب أنه يزداد تحسنا ولم يوافق على الخروج ليظل تحت الرعاية خوفا من الارتجاج" 
قالت كوثر "أنتِ ابنة سهير؟" 
كادت تنكر لولا أن تذكرت فهزت رأسها  وقالت "نعم، رحيق اسمي رحيق" 
ابتسمت المرأة وقالت "اسم جميل يناسب جمالك، لكنك لا تشبهين سهير ربما والدك فأنا لم أراه، أين فراس؟"
قالت "بالأرض فقد اتصل به عوض وطلب منه الحضور" 
هزت رأسها وهي تقبل وجنة جواد بحنان ثم جلست على المقعد المجاور وقالت "من الجميل وجودك بجواره، كيف وقع الحادث؟" 
أخبرتها بالحادث ولكنها بالتأكيد لم تخبرها بمشاكلها مع فراس وسبب غضب جواد الأصلي فهي لا تعلم ما إذا كانت المرأة ستقبل منها شيء كهذا أم لا، نظرت المرأة إليها وقالت 
“جواد طفل ذكي وقوي مثل فراس ولكنه لا يملك أي شبه به ربما عيونه تشبه ابني فهد ولكن ربما يشبه أمه لا أعرف"
نظرت للمرأة بفضول وقالت "ولم لا؟ ربما بالفعل يشبهها بشعره أو لون بشرته هل كانت مثله؟"
نظرت المرأة إلى جواد بحنان وقالت "لم ير أحد منا أمه ولم نعرف متى تزوج فراس ومتى ماتت زوجته"
تراجعت هي بدهشة وقد توافق كلامها مع كلام العمة فقالت "وكيف ذلك حضرتك؟"
عادت كوثر إلى رحيق وقالت "كانت العلاقات مقطوعة معه بعد تركه للبلد ولكن بوفاة فهد عاد إلينا بجواد وما زال ابن عدة أيام لنعرف أنه تزوج وأنجب وماتت زوجته وهي تنجب جواد، وقتها كنا بحالة حزن من أجل فهد فلم نسأل وكنت سعيدة بعودة فراس إلينا"
لم ترد رحيق عندما دق الباب ودخل رجل غريب طويل القامة ممتلئ القوام أصلع الرأس نظر إلى كوثر ثم رحيق الواقفة ثم قال
“مساء الخير، كوثر كيف أخبار جواد؟"
قالت كوثر "بخير، عزت زوجي وهذه رحيق ابنة قريبتي وهي تقيم مع عمة فراس بالبلد وهي التي تقوم برعاية جواد"
حياها عزت بعيون تمتلأ بالإعجاب وقال "أهلا يا آنسة أين فراس؟"
قالت "بالأرض"
نطق جواد باسمها فتحركت إليه وقالت "نعم حبيبي أنا هنا وجدتك أيضا فقد أتت من أجلك"
تحركت كوثر من أجل جواد وتراجعت رحيق من أجلها وكوثر تقول "جواد حبيبي كيف حالك؟ انظر"
ثم أخرجت كيس كبير من حقيبتها ممتلئ بالحلويات وقالت "لقد أحضرت كل هذا من أجلك هيا انهض وتناولهم كلهم"
أجاب الصبي بضعف "شكرا نانا"
ظلت كوثر وعزت معهم حتى عاد فراس وتفاجأ بوالدته التي قالت "كيف لم تخبرني بالأمر؟"
قال بلا مبالاة "لم تسمح لي الظروف، فكل شيء جاء مفاجأة"
قبل وجنة أمه وحيا عزت ونظر إليها نظرة ذات معنى ولكنها أبعدت عيونها عنه، واتجه إلى جواد واطمأن عليه وقال
“الطبيب سمح له بالخروج غدا صباحا"
قال عزت "هل وصلتم لصاحب السيارة؟"
قال "الشرطة عثرت على سيارة مشابهة ولكن بانتظار رحيق للتعرف عليها وسنفعل غدا صباحا قبل توصيل جواد للبيت كي لا يبقى وحده"
نظرت أمه إليه وقالت "رحيق ستعتني به أليس كذلك؟"
هز رأسه ولم ترد رحيق بينما قال عزت "هل تقيم معكم؟"
أجاب فراس بحزم "نعم وستظل لأني سأتزوجها"
التفتت الأنظار إليه بقوة ودهشة واحمر وجه رحيق وأخفضت وجهها بينما قال عزت "يا لها من مفاجأة، فراس يتزوج مرة أخرى بدون أي مقدمات" 
نظر فراس إليه وقال "وما هي تلك المقدمات التي عليّ اتخاذها يا عزت؟" 
تدخلت كوثر بسرعة وقالت "يقصد أن تخبرنا بهذا الخبر بالتأكيد فنحن بالنهاية أهلك" 
قال بحزم "كنت سأفعل لولا ظروف الحادث فنحن اتخذنا القرار مؤخرا" 
نظرت كوثر إلى رحيق وقالت "حتى رحيق لم تخبرنا شيء" 
رفعت وجهها إلى المرأة وتسارعت دقات قلبها واحتار لسانها بالإجابة إلا أنه عفاها وقال "لأني أخبرتها ألا تنشر الخبر إلا بعد شفاء جواد، وأنني أنا سأخبر أهلي" 
هزت كوثر رأسها وقالت "تعلم أن لا أحد يمكنه أن يعارضك فيم يخصك فهي حياتك، مبروك حبيبي، مبروك رحيق، أتمنى أن تسعدوا بحياتكم" 
أجابت بضعف “شكرا حضرتك"
نظرت كوثر إلى جواد وقالت "وأنت حبيبي، ترى هل سعيد لزواج والدك؟"
قال بضعف "بلى وأنا من خطبها له، وسأنادي رحيق بماما وهي وافقت"
ابتسمت كوثر وقبلت وجنته وقالت "حسنا حبيبي وأنا سعيدة من أجلك"
ثم استدارت إلى رحيق واتجهت إليها ونظرت لعيونها وملامحها المجهدة وقالت "أتمنى لك السعادة يا رحيق"
حاولت أن تبتسم وهي تقول "آمين"
نظرت كوثر إليه وقالت "متى الزواج؟"
قال "لم نحدد بعد"
تحركت تجاهه وقالت "ما رأيك بأن تقيمه بالعيد وجميعنا عندك بالبلد ستكون مناسبة سعيدة؟"
فكر قليلا ثم قال "ربما، سأخبرك قبلها"
قبلته من وجنته وقد انحنى لها لتفعل كالعادة وقالت "حسنا حبيبي، سأخبر فايزة فهي ستسعد جدا من أجلك"
لم يرد وحياه عزت وتبع زوجته إلى الخارج في صمت، تحركت رحيق إلى المقعد وجلست في صمت بينما اقترب هو من جواد وقال "كيف حالك يا بطل؟"
أجاب جواد "بخير هل سنخرج غدا حقا؟"
قال "نعم سنذهب أنا ورحيق إلى قسم الشرطة صباحا ثم نعود لنرحل بك إلى البيت"
كانت العمة سعيدة وهي تنظر إلى جواد الذي انتصف فراشه ورحيق تسحب الغطاء عليه وفراس يضع دواؤه بجوار الفراش وقالت
“جواد، سعيدة بعودتك معافيا"
أجاب الطفل "شكرا عمتي، ماما كيف سأذهب إلى المدرسة؟"
نظرت العمة إلى فراس ولكنه فر بنظراته بينما أجابت رحيق "لن تفعل إلا بعد شفائك، لقد بلغت المدرسة بظروفك ومدرسيك سيرسلون لي كل ما درسوه وأنا سأذاكره معك"
ابتسم جواد وقال "هذا يعني أني لن أذاكر وحدي"
نظر فراس إليه وقال "ولكنك كنت تفعل"
أجاب "لأن رحيق لم تكن موجودة ومنذ أن ذاكرت معي وأنا أحصل على الدرجات النهائية"
نظر فراس إليها ثم تحرك خارجا دون تعليق وهي تثبت كل يوم بل كل لحظة أنه كان مقصرا تجاه ابنه وأنها الآن تسد عنه كل خانات النقص 




أغمض جواد عيونه وذهب بالنوم بينما اقتربت العمة من رحيق وقالت بصوت منخفض "كيف أعادك ابن أخي؟"
نظرت إلي العمة وقالت "بجواد مدام هو يعلم مدى تعلق كلا منا بالآخر"
هزت المرأة رأسها وقالت "هذا ما تحدثت عنه بالأمس، ولكن لابد أن تعلمي شيء ابن أخي لا يمكن لأحد إجباره على شيء حتى ولو كان جواد، وماذا عن ماما هذه؟"
حدقت بها رحيق لحظة وهي تستوعب كلماتها ولكن لم تعلق وأخفضت وجهها وقالت "جواد يريد ذلك بعد أن وافقت على الزواج من فراس"
ابتسمت العمة وقالت "هذا هو الصواب يا فتاة"
نظرت إليها بدموع وقالت "لا، ليس صواب، ووجودي هنا ليس صواب، أنا أريد أن أرحل هناك تعقيدات كثيرة




 بكل ما يحدث وأنا"
قاطعتها المرأة بحزم "أنتِ ماذا؟ لا تخبريني أنكِ ترفضين البقاء هنا فأنا رأيت مدى حبك للبيت وتفانيكِ في 




إحياؤه ولا تخبريني أنك لا تستطيعي الزواج من رجل فقير كابن أخي لأني أعلم أن المال لا يهمك ويمكنكِ تحمل ظروفه الصعبة وما


 هو أصعب، وأنا أخبرتك أنه غير مجبر على زواجه منك وإن أبدى عكس ذلك، فما هي حجتك للتراجع رحيق؟"
ابتعدت رحيق من


 أمام المرأة ولم تجيب لأنها لا تعرف ما الذي يمكنها أن تقوله ولكن


 العمة اقتربت منها مرة أخرى وقالت "هل ترفضين فراس نفسه؟"



نظرت إليها بقوة فأكملت "أقصد هل هناك رجل آخر بحياتك لذا فررت منه والآن تندمين بسببه"
هزت رأسها نفيا ووجدت نفسها تنتحب بالبكاء الشديد فأحاطتها المرأة





 بذراعيها حتى هدأت فقالت العمة "هل هناك ما تخفيه يا فتاة؟ هيا أخبريني أنا معكِ ولست ضدك"





شعرت بالأمان تجاه المرأة فأخبرتها بحقيقتها التي لا يعرفها أحد ومخاوفها من إخبار فراس بها وأنها كذبت عليه 


ولو عرف فإن ذلك يعني النهاية بالنسبة لكل شيء وهي تدرك ذلك...
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-