رواية حب خلق بداية الفصل الاخيربقلم مروة محمد


رواية حب خلق بداية
 الفصل الاخير
بقلم مروة محمد






بعد مرور شهر جاء موعد الزفاف المنتظر، والذي أصرت ثريا أن يكون في نفس المنزل الذي تم دخولها فيه كعروس منذ ثلاثين سنة، ومع ذلك الجميع رحب بفكرتها، أخذت على عاتقها الترتيبات ولكن لاحظت شيئًا غريبًا، إنها ترى سراج في كل مكان، تذكرت حلمها وطلبه العفو منها وحدها وليس من أحد آخر، حاولت مرارًا وتكرارًا أن تسامحه، ولكن تتذكر دائمًا وعوده وتحليقه بها في سابع سماء ليعود بها إلى سابع أرض وتتبخر كل وعوده، تظل ثريا هي ثريا تسامح وهو يعود لأخطائه، أخذت تتهرب من غرفة لأخرى حتى لا تراه، ولكن دون جدوى، أيقنت أن حلمها به سيظل يطاردها مثل الكابوس حتى تعفو عنه، ذهبت إلى المطبخ لتتذكر عملها القديم، عملها الذي قررت أن تعود له في تلك اللحظة وتقدم المساعدة رغم اعتراض الطباخ، فهي أصرت على المساعدة حتى تلهي نفسها، رفعت عينيها وجدت سراج مثل الشبح، حتى أن السكين جرحت يدها فسالت منها الدماء وهي لا تشعر بها إلا عندما انتفض الطباخ يصرخ، لتشهق وتذهب إلى المرحاض تغسلها، وهي في المرحاض رأته خلفها في المرآة فانتفضت، وضعت يدها على صدرها تتنهد ببطء، ثم ركضت إلى الأعلى ودخلت غرفة من الغرف، انتبهت أن بها حنان، لتقوم حنان بتطهير الجرح وهي في حالة صمت، ثم خرجت لتجد حليم أمامها، نظرت حوله فلم تجد سراج، وكأنه لا يظهر وأولادها حولها، أرادت الخروج من الموقف وابتسمت قائلة:

- ماتتصورش أنا فرحانة قد إيه يا حليم.

كانت تقف على باب الغرفة والباب مواربًا يظهر منه امرأة ترتدي فستان عرس فقط، ليقتحمه حليم معتقدًا أن به وئام قائلًا بلهفة وهي تعطيه ظهرها:

- أيوه بقى يا ويمي، إيه الجمال والرقة والنعومة دي؟

حجزت حنان ما بين حاجبيها والتفتت نحوه وهي تبرق بعينيها قائلة:

- أنا حنان، ركز بالله عليك، المفروض أنا اللي أتلخبط بينك وبين نور مش انت اللي تتلخبط.

ابتلع حليم ريقه بحرج وأنزل نظره للأسفل قائلًا:

- مأخدتش بالي، افتكرتك وئام لما لقيت ماما ثريا خارجة من عندك.

ابتسمت ثريا قائلة:

- تحب تشوف وئام يا حليم؟

هز حليم رأسه بالإيجاب قائلًا:

- يا ريت.

لوت حنان شفتيها قائلة:

- بس بلاش تتلخبط  وتقول لها يا حنان، العملية مش ناقصة.

تعالت ضحكاته وخرج من الغرفة تتبعه ثريا تبتسم إليه وهو يقول:

=- هي البنت دي لاسعة كدا ليه؟

ربتت ثريا على كتفيه قائلة:

- هي دي اللي تنفع نور.

كاد أن يرد ولكنهما لاحظا شجارًا بين خطاب وذكرى وهو يتحدث بعنجهية قائلًا:

- لا مش هطلقك يا ذكرى.

نظرت إليه ذكرى باستهزاء قائلة:

- هتقبل تعيش عالة عليَّ؟ وبعدين تعالى هنا، انت مين دعاك تيجي الفرح؟

تنهد زياد قائلًا:

- أنا يا ماما.

حجزت ذكرى بعينيها قائلة:

- مش معقول! ثريا وميارا وحليم لو شافوه مش هيتقبلوه.

أشاح خطاب بيده قائلًا:

- يعني هيعمل إيه يعني؟ أعلى ما في خيلهم يركبوه، وبعدين انتي مفكرة ابني هيسكت ليهم؟

ابتسم زياد بخبث قائلًا:






- آه هسكت، أنا جبتك النهاردا علشان أولًا: تقدم ليهم اعتذار، وثانيًا: المأذون اللي هيجوز إخوات ميارا  هيطلق أمي منك.

واستطرد بحقد:

- إيه رأيك بقى في المفاجأة دي؟

جحظ خطاب بعينيه قائلًا:

- لااا، انت مش ابني! انت واحد تاني.

زفر زياد قائلًا:

- عايزني أعملك إيه بعد اللي عملته؟

رد عليه خطاب برجاء وبمظهر يثير للشفقة: 

- عايزك تسامحني يا ابني.

هز زياد رأسه بالسلب قائلًا:

- لا مش هقدر.

نظر إليه خطاب بذهول، ثم أدار وجهه لذكرى قائلًا:

- كدا انتي مرضية؟

تنهدت ذكرى براحة قائلة:

- تمام الرضى.

هنا لاحت صورة سراج مجددًا أمام ثريا رغم وجود أشخاص في المحيط، ولكن تلك اللحظة لسانه نطق وقال لثريا بصوت لا يسمعه غيرها:

- هو مايستحقش حد يسامحه، لكن أنا أستحق.

أخرجهم قدري من كل ذلك وهو يهتف بفرحة قائلًا:

- فين عروستي؟

خرجت ميارا من غرفتها وابتسمت له قائلة:

- أنا هنا يا قدري.

سُر لرؤيتها وهي عروس واتجه نحوها واحتضنها وحملها ودار بها، ثم أنزلها قائلًا بسعادة:

- ماتتصوريش فرحان بيكي قد إيه يا ميارا.

هنا قاطعهم زياد بغيرة قائلًا:

- ليه إن شاء الله يا أخويا كانت مراتك؟ ولا كانت مراتك؟

لكزه قدري في كتفيه قائلًا:

- دي أختي يا أهبل.

نظر زياد إلى حليم قائلًا:

- ما هو دا أخوها برضو، ماعملش زيك أهو، واقف محترم نفسه.

تعالى صوت حليم قائلًا:

- زياااد، تحب أجيب نور ونعملها معاك ونبيتك بره البيت وأختنا تنام في حضننا؟

تلهفت ميارا قائلة:

- آه يا ريت يا حليم، ويبقى جو خطف بقى، ويطلع فوق الشجرة ويقع على ضهره، الله، دي تبقى حفلة.

خرجت هاجر من غرفتها وأبهرت الجميع، لتنظر إلى ميارا بتذمر طفولي قائلة:

- ميارا أنا مش هتجوز لوحدي.

نظر إليها قدري برومانسية قائلًا:

- وأهون عليكي؟

ابتسمت هاجر بخجل وهزت رأسها بالسلب، لتجحظ ميارا من مظهرها وتضحك قائلة:

- شوفوا البنت اتسهوكت على آخر الزمن، عشنا وشفنا هاجر (الطائر المهاجر) عقل وحب ووقع.

خرج نور من غرفته حيث كان مهتمًا بترتيب هيئته في تلك الليلة، بعكس حليم وزياد وقدري، وصل إلى المنتصف ووقف مثل عارضي الأزياء قائلًا:

- إيه رأيكم؟ أنا مز صح؟ شكرًا شكرًا أخجلتم تواضعنا.

تعالت ضحكات الجميع عدا حليم، الذي كان قلبه مشتاق لرؤية وئام، كان قلقًا عليها إلى أن خرجت من غرفتها وهي تتقدم خطوة وتتراجع خطوة، تنظر إليهم بارتياب قائلة:






- آسفة إني اتاخرت، أصل عندي ضيفة في الأوضة مصممة تحضر الفرح.

عقد حليم حاجبيه لتظهر ولاء من خلفها وتزيحها قائلة:

- لا، أنا مش ضيفة يا وئام، عيب تقولي كدا على حماتك، أنا أكتر واحدة ليَّ حق أحضر الفرح دا.

هنا انتفضت ثريا قائلة:

- أي حق؟

ابتسمت ولاء بخبث قائلة:

- أنا أم تلاتة هيتجوزوا النهاردا.

كادت أن ترد ثريا بعصبية ولكن أوقفها حليم قائلًا:

- الموضوع دا مات واندفن من شهر. 

 أرادت أن ترد عليه، لكن خرجت حنان من غرفتها متذمرة لتأخر نور عنها، وما إن رأت ولاء أمامها حتى شهقت قائلة:

- مش ممكن! مش معقول! ماتوقعتش البجاحة توصل  بيكي لهنا، وتيجي عايزة تبوظيلي فرحي.

عقد نور ما بين حاجبيه قائلًا:

- انتي تعرفيها يا حنان؟

هزت حنان رأسها قائلة:

- أيوه طبعًا أعرفها، دي جات وكان معاها واد ملزق يطلبوني للجواز، وكانت مصممة إني أتجوزه، وقال إيه؟ هسافر تركيا.

ثم رفعت حنان يدها بضيق قائلة:

- قلت ليها، يا ست أنا مخطوبة، لكن أبدًا ماسابتنيش، وفضلت تقول عليك إنك لقيط مش ابن طنط ثريا، وشككت بابا في كل حاجة.

جحظ نور بعينيه قائلًا:

- لااا، دا انتي عديتي، أنا ساكت من ساعة ما رجعتي ومحترم إن إخواتي أولادك، وانتي شغالة تلقحي بالكلام على أمي وشرفها. 

وتابع وهو ينظر إلى خطاب بحقارة قائلًا:

- بس توصل بيكي إنك تطعني في نسبي؟! الحق مش عليكي، الحق على جابك تدمرينا.

هنا تذمر خطاب قائلًا:

- تقصد مين؟

ردت ذكرى قائلة:

- أكيد يقصدك انت، وأكيد انت اللي خليتها تيجي النهاردا، انت السبب في كل حاجة حصلت من 23  سنة يا خطاب، روح يا شيخ منك لله.

نظر زياد إلى خطاب بحزن قائلًا:

- أظن إن بعد اللي حصل دا مالكش مكان ما بينا.

هنا ظهرت صورة سراج من جديد أمام ثريا، وهو ينظر إلى الجميع ولا أحد يراه غيرها، فينظر إليها مجددًا ويقول:

- شفتي هما اللي عملوا دا كله، ليه لسه أخداني بذنبهم؟

ارتفع صوت قدري وهو ينظر إلى ولاء بحقد قائلًا:

- انتي رجعتي علشان اتنين اللي هما مش أولادك، دول ولاد ثريا، إنما أنا مخفي بالنسبة ليكي، فيا ريت ماتقوليش تلاتة من أولادك.

تبعته ميارا قائلة:

- ولا تقولي اتنين، فاهمة؟ انتي هنا ملكيش حد، انتي هنا صفر على الشمال ملوش قيمة.

نظرت لها ولاء بسخرية قائلة:

- طيب والعمل دلوقتي في القرار اللي أخدته وئام؟

عقدت هاجر ما بين حاجبيها قائلة:

- قرار إيه؟

ابتسمت بخبث قائلة:

- وأنا مالي، خليها هي تقول قدامكم، إيه يا حلوة؟ هتقولي ولا قول أنا؟





هنا أدرك نور أن لدى ولاء خطة خبيثة هو لا يعلم ما هي، ولكن نظر إلى وئام نظرة يحثها أن تقول الحقيقة ولا تكذب وهو سيساعدها، ثم قال:

- قولي يا وئام، خلينا نخلص.

هنا توجس حليم منها أن يكون قرارها البعد عنه، أغمضت وئام عينيها وهتفت بحزن قائلة:

- مفيش أي قرار.

هنا وضعت ولاء يدها في خصرها تصرخ فيها قائلة:

- نعم يا أختي! مش انتي قلتي هتسيبيه يا اما أنا هفضحه وأقول إنه مش ابن سراج؟

هنا جحظ حليم بعينيه ونظر إلى ثريا، التي تعالت ضحكتها وقالت من بين ضحكاتها: 

- هتفضلي طول عمرك ولاء المتآمرة الغبية.

التفتت إليها ولاء ونظرت لها بحقد وغل، ليهز حليم رأسه بيأس قائلًا:

- مش ممكن الحاجة اللي كنت بهرب منها انتي تيجي عايزة تثبتيها وبالكدب كمان! للدرجة دي أنا هونت عليكي؟

واستطرد بضيق قائلًا:

- إيه متوجعتيش وانتي شايلاني في بطنك؟ ولا الوجع خلاكي توجعيني أكتر؟

هنا ذهبت حنان لنور تهمس في أذنه قائلة:

- انت عرفت منين إنها هتخليها تكدب.

نظر إليها بكبرياء وثقة قائلًا:

- قدرات خاصة بقى، هبقى أعلمك.

نظر خطاب إلى ولاء وهتف بمرارة قائلًا:

- يلا يا ولاء، تعالي نروح ندفع تمن اللي عملناه زمان.

ابتسمت ذكرى بسخرية قائلة:

- مش قبل ما تطلقني يا خطاب.

التفت إليها قائلًا:

- انتي طالق يا ذكرى.

أوقفه زياد قائلًا:

- والبيت والعربية؟

رد خطاب باستسلام قائلًا:

- حقكم.

في تلك اللحظة ظهر سراج من جديد، ولكن يبدو عليه الاستعجال، يريد أن يلحق بخطاب، يبدو أن هناك تصفية حساب بينهما، وقف للمرة الأخيرة قائلًا لها:

- هتسامحيني بقى يا ثريا؟

وجدت أن اللحظة قد حانت فبكت قائلة بهمس مرير:

- أيوه.

وهنا اختفى سراج بلا عودة، فنظر قدري إلى ولاء قائلًا:

- وانتي كمان كفاية بقى امشي.

ولكنها ما زالت واقفة مكانها، لتصرخ ميارا في وجهها قائلة:

- لسه واقفة هنا عايزة إيه تاني؟

ربتت هاجر على كتفي ميارا وأخذتها في أحضانها قائلة:

- اهدي يا ميارا.

ذهب نور نحو ولاء ونظر إليها باستهزاء قائلًا:

- مافاضلش غير إني أجيبلك الحرس يرموكي بره.

وبالفعل اتصل بالحرس، توجهت في تلك الأثناء وئام إلى حليم تسأله بخوف قائلة:

- خفت مني؟

تحدث إليها بصدق:

- بصراحة آه.

ابتسمت إليه بحب قائلة:

- وأنا قلتلك بلاش تخاف .

قبل جبينها قائلًا:

- ربنا ما يحرمني منك.

صعد الحراس ووقفوا أمام نور، ولكنه تمهل قائلًا:

- هااا؟ هتمشي بكرامتك ولا الحراس يشيلوكي ويرموكي؟

نفضت يدها عنهم قائلة:

- ابعدوا أنا ماشية، أنا ماشية يا ثريا، بس لينا ميعاد تاني.

بصقت ثريا على الأرض قائلة:

- روحة بلا رجعة.






وكأنه كان نداء للسماء من ثريا، بالفعل خرجت ولاء لتجد خطاب منتظرها لتأخذه بسيارتها ويرحلا، ولكن هذه المرة رحلا إلى العالم الأخر بنفس الطريقة التي رحل بها سراج، وكأن روح سراج كانت على عجلة من أمرها وذهبت خلفهما، ماتا وخبر وفاتهما لم يصل إلى أولادهما إلا بعد أسبوع، بسبب أنهما تفحما داخل السيارة بعدما انفجرت.

بعد مرور خمس سنوات رزق حليم ووئام بولد وبنت (نور وتقى) ليتحقق طلب نور في تسمية البنت أو الولد باسم نور، ورزقت حنان ونور بولد وبنت (حليم ونورسين) وهنا أراد نور أن يعطي ابنه اسم حليم لحبه لأخيه، ورزق زياد وميارا بولدين (نور ومالك)، ورزق قدري وهاجر بابنتين (نورين وميارا).

ليصبح لدى ثريا ثمانية من الأحفاد بعد أن كان لديها أربعه أبناء، أو بالأحرى كان لديها اثنان من الأبناء فقط، وكل هذا بالصبر الذي يليه الجبر، والحب الذي ملأ قلبها حينما قررت تربية أبناء زوجها بكل حب وانتشلتهما من الضياع.


       
                   تمت


تعليقات



<>