أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل الخامس عشر15بقلم داليا السيد


رواية رحيق الهلالي
 الفصل الخامس عشر15
بقلم داليا السيد

محاولة.. صفعة
نظر الطبيب إليهما وقال "انهيار عصبي؟ أنا لا أصدق، الطفل كان بحالة جيدة منذ ساعة ماذا حدث؟ ألم أخبركم بإمكانية خروجه لا يمكن أن تتدهور حالته بهذا الشكل حتى جرحه ينزف بشكل لم أراه من قبل" 




نظرت إلى فراس من بين دموعها وهي تحمله سبب ما حدث ولكنه لم ينظر إليها وهو يقول "وماذا دكتور؟ ماذا سيحدث له؟" 
قال الطبيب بحزن "الطفل بحاجة لعناية طبية شديدة الآن كما أنه بحاجة لطبيب نفسي" 
تراجع فراس ولكن هي أمسكت يد الطفل بحنان والدموع لا تتوقف من عيونها وسمعت فراس يقول "طبيب نفسي؟ هل ابني مجنون؟" 
اقترب منه الطبيب وقال "الطب النفسي لا يعالج المجانين فقط يا فندم لكن ابنك مصاب بانهيار يصيب الكبار والصغار، لذا لابد من أن يتابعه طبيب نفسي كي يمكنه الإسراع بشفائه" 
لم يرد وتحرك الطبيب إلى الخارج واقترب هو من الفراش وهو ينظر إلى جواد بألم وحزن ولكن هي لم تنظر إليه وظلت تبكي من أجل الطفل الذي لا ذنب له
انتهى اليوم ككل الأيام وكلاهما بجانب دون أي حديث إلى أن دق الباب ودخل الطبيب ومعه طبيب آخر، اقترب فراس منهما فقال طبيب جواد
“دكتور فؤاد طبيب نفسي جاء لرؤية جواد هل تسمحون بالانتظار بالخارج؟"
تبادل الجميع النظرات وبالنهاية نهضت هي وتحركت للخارج وتبعها هو دون أي كلمات 
وقف الاثنان وكلاهما لا يتحدث إلى أن رن هاتفه باسم دنيا ولكنه لم يرد كان يعلم أنها بآخر لقاء لها معه بثت داخله جرعة كبيرة من الكره تجاه رحيق وقد أتت لتبلغه عن حقيقتها التي كان قد عرفها والآن يعلم أنه اندفع وراء كلماتها دون أي تفكير وربما ندم لأن ابنه هو من يدفع الثمن الآن
ترك الهاتف دون أن يجيب إلى أن خرج طبيب جواد وقال "مدام من فضلك ادخلي الطفل يرفض الاستجابة بدونك" 
لم تتردد لحظة واحدة وتحرك هو لكن الطبيب أغلق الباب ونظر إليه وقال "أنا آسف فراس بيه ولكن الطفل يرفضك تماما" 
تراجع بقوة من كلماته وردد "يرفضني؟" 
تأمله الطبيب وقال "بالطبع أنا لا أفهم حالته ولكن ما أن ذكر اسمك أمامه حتى كاد ينهار مرة أخرى وأخذ ينادي باسم المدام" 
هز رأسه ولم يرد فتركه الرجل وذهب ومر وقت طويل عندما خرج فؤاد فنظر فراس إليه فقال الرجل "أنا آسف ولكن حالته غير مطمئنة، ماذا حدث له بالضبط؟ المدام لا تريد إخباري بأي شيء وأنا لابد أن أعرف السبب كي أبدأ العلاج" 
حكى له فراس جزء من الأمر وليس كله فصمت الطبيب لحظة قبل أن يقول "نعم من الواضح تعلق الطفل الشديد بها فلم يكن من الحكمة أن تتحدث عن رحيلها أمامه ولا أنصح أصلا بذلك فهي تحبه بالفعل وهو أيضا، المشكلة الآن بك أنت فهو يرفضك ويحملك مسؤولية ضياع كل شيء من حياته هو حتى يرفض تصديق أن مدام رحيق هي بالفعل من معه بالداخل ويظن أننا نخدعه، سيحتاج الكثير حتى يستعيد نفسه ثم ثقته بمن حوله وأولهم أنت سيدي فعليك أن تراجع تصرفاتك لأنه هو من يدفع الثمن" 
ثم تحرك وذهب من أمامه وشعر أنه يتساقط كأوراق الشجر الواهنة بالخريف لتنتهي على أرض جرداء وتدهسها الأقدام بلا رحمة
التفت وتحرك إلى الخارج والألم والحزن يعتصره بدون رحمة.. 
مرت عدة أيام عليها بالمشفى وهي تلازم الطفل بدون أن ترى الحياة بالخارج ولم يسمح الطبيب لفراس برؤية الطفل وكان يطمئن عليه من الأطباء ولم يتبادل معها أي حديث ومع الوقت تحسن جواد خاصة وهو يراها بجواره ولم تتركه فذهب خوفه من رحيلها وتأكد أنها معه وتبقى أن يستعيد ثقته بوالده وهو ما راهن عليه فؤاد عندما توقف أمام فراس وقال
“ لقد طلبت رؤيتك لنتحدث"
جلس فراس أمام الطبيب فقال "تفضل، أسمعك" 
قال فؤاد "لقد تحسنت حالة جواد جدا وتبقت خطوة واحدة وهي استعادته الثقة بك من أجل أن يقبل العودة إلى البيت ومما فهمت منك أن المشكلة تكمن بينك وبين المدام" 
لم يرد فراس وظل ينظر إلى الرجل في صمت فأكمل "لذا سنجري محاولة أهم ما فيها أن يسمعك جواد وأنت تحسن الحديث مع المدام وكأن خلافكم انتهى ولم يكن موجود وأن تجعله يصدق أنها ستكون معه ولن تتركه ولكن أحذرك من ألا تنفذ كلامك فلو عاد الطفل إلى البيت ولم يجدها لن نعرف ماذا سيكون مصيره" 
نهض فؤاد واتجه إلى فراس وقال "كل طفل يتمنى أم بحياته ويوم يجدها بعد الحرمان يتمسك بها بكل قوته ويحارب بضراوة من أجل بقائها بحياته فلا تجعل نفسك عدو لابنك فراس بيه لأنك لن تنتصر بمعركتك معه" 
بالطبع فهم كلمات الطبيب وأدرك ما يعنيه فهز رأسه ونهض واقفا أمام الطبيب الذي أكمل "أنا شرحت للمدام نفس الفكرة وهي لا تمانع في إتمام المحاولة وإصلاح علاقتك بجواد وأنا أظن أننا لابد أن نفعل بأقرب وقت" 
تحدث فراس أخيرا وقال "متى تريد ذلك؟" 
قال "الليلة وسنتم الأمر سويا" 
دخل طبيب جواد وابتسم للطفل وقال "أراك بخير اليوم يا بطل" 
هز جواد رأسه ولم يرد فنظر الطبيب لها وهز رأسه وهو يقول "والآن موعد الدواء" 
تناول جواد القرص من الطبيب الذي فهمت رحيق نظراته ثم خرج وبدأ جواد يغلق عيونه عندما فتح الباب ودخل فراس، نظرت إليه وقد مضت تلك الأيام السابقة دون أن تراه، أبعدت عيونها المرهقة عنه قبل أن يتقدم ويقول 
“كيف حاله؟" 
قالت بحنان "أصبح بخير" 
شعر بالحزن تجاه ابنه الوحيد وهو يتأمله على الفراش ثم استعاد نفسه ونظر إليها وقال "تعلمين تعليمات الطبيب" 
هزت رأسها ولم ترد فقد كان عليها أن تستجيب من أجل جواد فقال "حسنا رحيق أنا أدركت أن ما حدث مني بذلك اليوم كان خطأ، كنت متأثر بأفكار خاطئة ولكني استعدت نفسي" 
كانت تعلم أن كلماته تمثيل كما طلب منه الطبيب، فلم تنظر إليه وقالت "حقا؟ والآن ماذا؟" 
كان يعلم أنها تظن كلماته تمثيل ولكنه كان يعني كل كلمة فقد أدرك بالفعل أنها لم تبغِ أي شيء من وراء وجودها بحياته بل خسرت الكثير وعاشت معه حياة صعبة لم تكن مضطرة لها، تحرك تجاهها ووقف أمامها وقال
“الآن لابد أن أطلب منك نسيان ما حدث ونبدأ من جديد، جواد بحاجة إليك وأنا لم يعد بإمكاني إنكار ذلك، لذا من فضلك أنا"
صمت ولم يكمل فرفعت عيونها إليه بتلك النظرة التي أعادته إلى تلك الأيام التي كان يجذبها إلى أحضانه فيجد الراحة بين ذراعيها ويلتمس الشعور بأن هناك من يواسيه ويحمل معه جزء من همومه 
انتبه إلى نظرات التساؤل بعيونها وصوتها وهي تقول "أنت ماذا؟" 
تماسك بقوة إعادة ابنه إليه ولا ينكر رغبته في إعادتها هي الأخرى فقال "أنا أتمنى أن ننسى خلافتنا ونعود أسرة واحدة أنا وجواد و، وأنت لابد أن تعودي معنا، هل توافقين؟" 
كانت تعلم أن جواد يسمعه وأن كلماته كلها من وراء قلبه فأخفضت وجهها وقالت لتكمل المشهد "بالطبع" 
ثم نظرت إليه بنفس النظرات التي تقتلعه من جذور القوة إلى سطح الضعف والانهيار.. وتكمل من بين دموعها "بالطبع أوافق أنا بحاجة لأسرتي ولا يمكنني أن أتركها، جواد و، وأنت كل من لي، ولا يمكنني أن أعيش بدونكم" 
مسحت دموعها وابتعدت من أمامه وهي تقول "فقط يسمح لنا جواد بالعودة وأن يخبرنا أنه أصبح بخير" 
كان الدواء الذي أخذه جواد يجعله ما بين النوم واليقظة مجرد مهدأ يثقل رأسه ولكنه يسمع كل ما يدور لذا فتح عيونه بصعوبة وناداها





أسرعت إليه دون أن يفتح عيونه "جواد حبيبي أنت بخير؟" 
انتبه فراس إليه وقلبه يدعو الله أن يستجيب الطفل الذي قال "هل حقا يريدك فراس أن تعودي؟" 
هزت رأسها من بين دموعها وقالت "نعم حبيبي هو يريدني أن أعود معكم لتكتمل أسرتنا مرة أخرى" 
فتح عيونه ليرى فراس أمامه فقال دون أن يصرخ أو ينهار "لن تطردها مرة أخرى فراس أليس كذلك؟" 
هز فراس رأسه وقال "نعم" 
ابتسم الطفل وقال "وستظل هي أمي؟" 
هز كتفيه وقال "إذا شأت" 
قال "حسنا سأخبر دكتور فؤاد أني أريد العودة إلى البيت لأستمتع بوجود ماما وبابا معي" 
تراجع فراس وقال وهو يحاول أن يتماسك "وأنا سأذهب لاستدعائه وتجهيز السيارة" 
عادوا جميعا إلى البيت في صمت ومن كلامه مع جواد عرفت أنه لم يخبر أحد من أهله بم حدث فلم تعلق، كما هي أيضا لم تخبر فايزة رغم أنها كانت تحدثها كثيرا.. 
تركت جواد لينام واتجهت إلى غرفتها أخيرا وألقت نفسها على أقرب مقعد عندما دق الباب وأدركت أنه هو، ترددت عندما دق مرة أخرى ولكنه فتح ودخل ليراها تجلس وتنظر إلى النافذة رافضة أن تنظر إليه 
أغلق الباب وتحرك إلى الداخل وقال "لابد أن نتحدث" 
لم تنظر إليه ولم ترد، أشعل سيجارته بعصبية واضحة من تجاهلها له وقال "تعلمين أن ما حدث كان غصب عني ومن أجل جواد" 
كانت تعلم بالطبع فلم ترد فابتعد وأكمل "لذا لا تظنين أن الوضع اختلف بيننا، وجودك بالبيت من أجله هو" 
ظلت صامته وهي تحاول إسكات صوت قلبها الذي ينبض بحب تمنت لو تقتله بسكين حاد ينفذ إلى الموت دون إنقاذ
تعصب أكثر من صمتها فاتجه إليها وانحنى على المقعد الذي تجلس عليه وقال "والآن ماذا؟ هل رحل لسانك وتخلى عنك؟ أم اعترفت أخيرا بأن تدابيرك كلها ضاعت ولم تحققي أهدافك" 
نظرت إليه تواجهه بقوة وقالت "وهل يمكنك إخباري عن تلك الأهداف لأخبرك عن مدى صحتها؟" 
حدق بنظراتها الغاضبة لحظة قبل أن يتراجع ويدخن سيجارة ويقول "لتخبريني أنتِ، هل أرسلك مهاب لتدمري حياتي فيحصل هو على ما كان يحلم به؟ أم هناك شخص آخر ورائك؟ أو ربما حبيبك السابق الذي لم يمكنه نسيانك؟" 
نهضت وتحركت إليه ووقفت أمامه لتواجهه بقوة لتثبت له أن القوة ليست في الصوت ولا العضلات
لست وحدك قوي حبيبي المغرور فمهما بلغت قوتك يمكنني إضعافك بصدقي وحسن نواياي، ليست القوة باتباع أصوات الزيف فراس وإنما القوة في التمييز بين صدقها من زيفها.. 
قالت "أنت تسمع فقط دون أن تعقل ما تسمع فراس، وتظن بي كل الظنون دون دليل واحد، لذا أنا لن أدافع عن نفسي أتعلم لماذا؟ لأنك تعلم جيدا أني لست مسؤولة عن حبيب خائن لا يمثل لي أي شيء وأنت تعلم ذلك، كما تعلم أن دنيا كاذبة، وأنني لا أعرف مهاب ولا تربطني به صلة إلا أنه زوج أختك الذي عرفته يوم أتيت هنا وأراد أن يحصل علي ولكني لم أمكنه من طرفي، أنت تعلم أني أنقى من كل ذلك ومع ذلك ترفض إلا أن تصدق امرأتك الكاذبة، إذا كنت تريدها وتصدقها وتؤمن بها فلماذا تمثل أنك لا تريدها أم كرامتك تأبى عليك الرجوع لمن هجرتك لرجل آخر فأشعرتك بضآلتك أمامه وأمام نفسك والعالم؟" 
لم يتمالك نفسه ورفع يده وصفعها بقوة أسقطتها على المقعد حيث كانت تجلس وضعت يدها على وجهها وامتلأت عيونها بالدموع بينما تحرك هو إلى الخارج صافعا الباب خلفه بقوة ولحظات وسمعت سيارته تغادر بقوة فانهارت بالبكاء دون أن يمكنها التوقف. 
تساقطت على زجاج سيارته آخر أمطار الشتاء وكأنه يودع الجميع بعد أن تبقت أيام ويرحل ليحل محله الربيع، قاد بسرعة جنونية والغضب يتملكه، 



كيف تخاطبه هكذا وتواجهه بتلك الكلمات وتلك الوقاحة والجرأة؟ كان عليه أن يذيقها من الألم الأمرين، لماذا تركها لماذا؟ 
ظهرت فجأة أمامه فتاة تجر بقرة تعبر بها الطريق فأدار المقود ليتفاداها فانحرفت السيارة عن الطريق وكاد يصطدم بشجرة جانبية لولا أنه ضرب دواسة الفرامل بقوة فأوقف السيارة على آخر لحظة واهتزت السيارة من الوقوف المفاجئ واهتز معها جسده من هول ما حدث وقد كاد يصدم الفتاة وضع رأسه بين يديه وهو يحاول إيقاف الصداع الذي غطى على صوتها وهي تردد كلماتها بأذنه
“فأشعرتك بضآلتك أمامه وأمام نفسك والعالم كله" 
صرخ بقوة "كفى، كفى، اللعنة عليك امرأة اللعنة علي لأني أبقيك بحياتي، كان لابد ألا أسمعك عمتي وأبقيها ببيتي يوما واحدا، لابد أن ترحل، ولكن لا، لا يمكنها أن ترحل، أنت كاذب فراس كاذب وهي على حق لقد أشعرتك دنيا بضآلتك أما العالم كله يوم باعتك من أجل المال فلم تلومها الآن؟ أليست الحقيقة؟ الآن تسمع لدنيا وتتركها تنخر كالسوس بحياتك؟ أين عقلك فراس أين عقلك؟ إنها تدمرك وتدمر حياتك عد لنفسك لست بحاجة لأحد فقط نفسك وقوتك عد كما كنت لم تكن يوما بحاجة لأحد ولن تحتاج اليوم أحد" 





اعتدل بمقعده وأدار السيارة وانطلق إلى الأرض عالمه الأول والأخير.. 
نامت من كثرة البكاء والتعب ولم تستيقظ إلا على رنين الهاتف لتجد رقم غريب، اعتدلت وأجابت فسمعت صوت دنيا تقول
“أعتقد أن الجولة كانت لي هذه المرة"
تملكها الغيظ وقالت بقوة "أي جولة تلك التي تتحدثين عنها؟ لا أفهمك" 
قالت دنيا "لقد زرعت الشك بداخله ولن يكون لك" 
قالت بغيظ "هو لي بالفعل أم نسيتِ؟ أنا زوجته أعيش ببيته وأنام بفراشه بين أحضانه ولن تجدي محاولاتك الفاشلة معه أو معي بشيء فابحثي عن لعبة جديدة بمكان آخر فأنا لن أتخلى عن بيتي وأسرتي" 
جائها صوت دنيا غاضبا "لن أتركك رحيق، لن تحصلي على ما هو لي وستندمين هل تسمعيني؟ ستندمين" 
أغلقت رحيق الهاتف وألقته على الفراش بدون اهتمام وهي تفكر بكلمات دنيا وما زالت الدموع تنساب دون توقف. 
عادت إلى حياتها بالبيت وتحسن جواد جدا ولم تتواجه مع فراس منذ ما حدث بينهم رغم أنه عاد لحياته السابقة وانتظم بمواعيد الطعام وتوصيل جواد إلى المدرسة وإعادته مما جعلها تشعر بالراحة لعودة العلاقة بينه وبين ابنه وتفرغت للبيت والحديقة وزرعتها ياسمين كما طلبت جدتها بالحلم، ولم تنسى علاقتها بكوثر وفايزة وكانت ترسل لهم ما تصنعه من حلويات وأطعمة كانت تطلبها هذه أو تلك ولم تتأخر بأي طلب أو خدمة لهم لذا زادت محبة كوثر وفايزة لها، كل ذلك وهو لا يعلم شيء
دخل جواد المطبخ وقال "صباح الخير ماما"
ابتسمت وهي تضع الأطباق على المائدة وقالت "صباح النور يا عيون ماما" 
تبعه فراس دون أي كلمات وهي ترص الطعام كعادتها وتصب له الشاي فقال جواد "الامتحانات الاسبوع القادم ماما" 
أجابت "أعلم حبيبي لقد أخبرتني ميس جيهان وأرسلت لي المراجعات" 




نظر الطفل لوالده وقال "لو كنت من الأوائل ستتركني أذهب إلى نانا كالصيف الماضي؟" 
نظر إليه فراس وقال "وتترك البيت هنا وحده؟" 
قال ببراءة "ليس وحده رحيق موجودة، من فضلك فراس نانا تأخذني إلى البحر والملاهي" 
شعرت بمرارة بفمها وهي تفكر ببقائها هنا وحدها دون جواد ولكنها لم تعترض وهو يقول "كن أنت من الأوائل وسيكون لك ما تريد" 
هلل الطفل بسعادة ثم نهض فراس إلى الخارج في صمت وتبعه جواد بعد أن منحها قبلتها اليومية
انتهت من ترتيب البيت بطريقة جديدة وخرجت إلى الحديقة ولكنها تعثرت ببعض الأحجار فسقطت بالطينة واتسخت ملابسها فغضبت من نفسها فصعدت إلى غرفتها وأخذت حمام والتفت بالمنشفة الصغيرة لعدم وجود أحد بالبيت ولكن ما أن خرجت حتى رأته بغرفتها يمسك هاتفها الذي كان يرن دون أن تسمعه
نظر إليها وهي تقف أمامه بشعر مبلل يتساقط على وجهها وأكتافها العارية، وجسدها الذي بالكاد تستره المنشفة حتى أعلى ركبتيها، رائحة العطر التي صحبتها امتزجت برائحة دخان سيجارته التي أحرقت يده فأبعدها باحثا عن مطفأة كادت تتراجع إلى الحمام لتضع روبها عندما قال 
“فايزة كانت تطلبك" 
ثبتت مكانها ولكنها لم تلتفت إليه وقد شعرت بجسدها يغلي من حرارته فلم ترد بينما تحرك هو إلى الباب وقال "أيقظيني قبل موعد جواد" 
التفتت بعد ما خرج من الغرفة وأطلقت أنفاسها وهي ترتجف بينما أغلق هو بابه وهو ما زال يراها أمامه بمظهرها المثير، كم جميلة هي ورقيقة 




ألقى نفسه على الفراش بعد أن خلع قميصه وقد تسربت الحرارة إليه وأدرك أن الحمى ستعاوده فأخذ الدواء قبل أن تداهمه وظل ينظر إلى سقف الغرفة وهو يراها بعيونها الفزعة وخصلاتها المبللة، جسدها الأبيض الناصع رائحتها التي تسكر، هل يملك كل ذلك ويأبى أن يأخذها وهي حقه؟ شعر برغبة كبيرة بها فكاد ينهض لولا أن أعاده الصداع إلى الفراش وألم جسده وبعض الدوار فأغمض عيونه واستسلم للنوم
لم توقظه وإنما ذهبت هي لإحضار جواد وقد شعرت أن وجوده دليل على المرض، تناول جواد غداؤه وصعد إلى غرفته كما انتهت هي من أعمالها وعندما لم يستيقظ حتى المغرب صعدت إليه، دقت فلم يجيب دقت مرة أخرى ولم يجيب أيضا ففتحت ودخلت ورأته كما رأته أول مرة ملقى على وجهه بنصف ملابسه،




 تحركت إليه ببطء حتى وقفت أمامه وتأملت ملامحه الجميلة قبل أن تضع يدها على كتفه لتوقظه فوجدت حرارته مرتفعة فأدركت أنها كانت على حق ورأت الدواء على المنضدة فنزلت وأحضرت الكمادات والدواء الآخر وضعت الكمادات ووافاها جواد فعرف بمرضه فابتعد إلى غرفته بينما ظلت هي بجواره حتى نامت على المقعد أمامه
استيقظت على صوت بجوارها فانتفضت لتراه ينهض من الفراش بقوة مبتعدا بخطوات غير ثابتة ولكنه ترنح فأسرعت إليه لإسناده وهو يلقي جسده عليها دون أن يشعر وقال بغضب
“ابتعدي عني أنا بخير"
لم تتركه وذراعه على كتفها وهي تحيط خصره بيدها وقالت "لست بخير، عد إلى الفراش ما زلت محموما" 
ولكنه أبعد ذراعه عن كتفها واستعاد نفسه وهو يشعر بذراعها الضئيلة حوله ويعتدل ليجدها أمامه وهو يمسك ذراعيها ليبعدها عنه ويقول بغضب واضح
“تستمتعين برؤيتي هكذا؟ ولكن لا، أنا بخير ولست بحاجة لأحد"
حدقت به بنظرات قوية وقبضته تؤلمها وقالت "حسنا اتركني وافعل بنفسك ما شئت" 
تدارك نفسه وقوة نظراتها التي لا تضعف أمامه أبدا وامتلأت نظراتها الآن بالغضب منه، أين تلك النظرات التي كان يراها بعيونها والتي كانت تخبره أنها معه للنهاية؟ لم تعد تلك العيون التي تشع ببريق الشمس التي أضاءت حياته بوقت ما جعلته يصدق أن هناك نفوس صادقة 
لم يترك ذراعها بل ذادت قبضته قوة وإحكام وزاد غضبه وارتفعت حرارة جسده وكأن الحمى أصابت عقله وهو يقول "لا لن أتركك، هل ظننت أن تفعلي ما فعلته وتعودي لحبيبك كما كنتِ؟ لن أتركك ولابد أن تندمي على فعلتك هذه" 
دق قلبها بقوة وهي لا تفهم ما يقول وهتفت وهي تحاول تخليص نفسها منه "أنت مجنون؟ أي حبيب؟ أنا ليس لي أحد ابتعد عني واتركني" 




ولكنه لم يكن يسمع ما زالت الحمى تهيمن على كل حواسه وتذيب ما تبقى له من عقل بل ونزعت كل الكمال إلى الضياع وهو يجذبها إليه بقوة


 ويدس رأسه بعنقها محاولا تقبيلها وهي تحاول أن تبعده عنها ولكن هيهات أن يتغلب الرحيق الطائر كالنسمة على الفراس، 



الأسد المفترس فما حيلة الرحيق الضعيف بين براثن الأسد؟ 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-