رواية طفلة في ثوب انثي الفصل الاخيربقلم غادة عبد الرحمن


رواية طفلة في ثوب انثي
 الفصل الاخير
بقلم غادة عبد الرحمن




أنا لست سلعة ... لست خادمة .... لست عورة
أنا استحق .... الحب ..... الحياة....... الأمان ...... الاحترام
كعادتها منذ حادثة سقوط زوجة خالها تأتيها بالطعام وتساعدها علي النظافة الشخصية وتقوم بأمور المنزل
أصبح تبادل النظرات بينها وبين أنس عادة يومية يحملوا فيها الكثير والكثير من الكلمات والرسائل المخفية
كانت تحمل صينية بها أكواب الشاي بعد أن أقنعت ثريا أن تنضم لهم في الشرفة لاحتساءه
ولكنها تعثرت فجأة لا تعلم كيف ولكنها سقطت وسقطت
الأكواب محدثة ضجيج لصوت انكسارها 
وعندما جاء أنس للاطمئنان عليها مسرعًا 
عادت الذكريات تتدفق مرة أخري في رأسها
وما أن جثي علي ركبتيه بجوارها حتى رفعت ذراعيها في وضع الحماية وهي تردد: أمانة أمانة متضربنيش والله من غير قصد هنضف مكاني والنبي متضربنيش
بهت لون وجهه من حديثها لم يتخيل أن معاناتها وصلت إلى هذا الحد
حاول أن يلمسها لتهدئتها ولكنها قابلته بانتفاضة وصريخ فما كان منه إلا أن ضمها إلى صدره بالقوة حتي سكنت بين أحضانه: فداكي يا دهب المهم أنتِ كويسة
رفعت نظرها إلىه ثم انفجرت باكية لتخرج كل ما اختلج بصدرها
في مكان آخر يتشح بالسواد ويصدح فيه صوت البكاء
تجلس علي الارض كعادة بعض أهل الريف تنعي ولدها فلذة كبدها
يا نار قلبي عليك يا ابني راح الواد راح زينة 
العيال كلهم يارب الصبر من عندك يا رب
دخل عليهم رجال في ملابس عادية ولكن ترتسم الهيبة علي ملامحهم: السلام عليكم عظم الله اجركم
- وعليكم السلام شكر الله سعيكم  خير مين حضراتكم؟
- أنا المقدم عز بدران جاي من المركز
ارتبك زوج فضة وهو يردف: واجبكم وصل يا بيه
- أنا جاي ابحث في سبب الوفاة عشان تصريح الدفن
- ما أنا طلعت التصريح خلاص والدفن العصر
- في أقاويل بتقول أن الولد موته بشبه جنائية
- جنائية لا لا ايه الكلام ده
- وانت تبقي ايه للولد
- أنا جده أبو أمه
نهضت بقوة من جلستها وازاحت والدها 
وزوجها من أمامها: أنا أمه يا حضرة الضابط
- البقاء لله يا ست
- الدوام لله بس أنا ابني اتخطف من حضني ابني اتقتل يا بيه وعايزة حقه
أمسكها زوجها من ذراعها وجذبها للخلف وهو يصيح فيها: بتقولي ايه يا مجنونة أنتِ امشي انجري علي جوا
- استني انت سيبها تتكلم ... ابنك جراله ايه يا ست؟
اجابته وهي تشير إلى زوجها الذي شحب لونه: ابني اتقتل ايوه اتقتل واللي اقتله اهو هو ده الظالم
- عندك شهود؟
- عندي يا بيه
هاتوهم علي المركز هي وجوزها
عاد إلى المنزل بعد يوم شاق في المركز
- حصل ايه يا فايز؟
- مش عايز كلام يا وش الفقر  أنتِ وعيالك
- الله يسامحك ... فضة فين؟
- راحت علي بيتها
- والمخفي جوزها روح هو كمان
- لا ده مواله لسه طويل وشكله كده مش هيخرج منها
تركها وذهبت لغرفته زوجته الثانية حتي تعدل له مزاجه ولكنه وجد غرفته خاوية و خزينة أمواله فارغة
-  أنتِ يا وليه يا فتحية .... فين الزفته مش لاقيها
- يوه هو أنا مقولتش لك السنيورة اخدت شنطتها ومشيت وقالت لي اقولك (تعيش وتاخد غيرها)
في لحظتها فهمت ما تعنيه ليستشيط غضبا ليهجم علي زوجته ويجذبها من يدها بقوة وهو يردف
- اه يا ولاد الك لب بتعملوا عليا رباطيه ده 
أنا هقتلكم
نفضت يده من عليها وهي تجيبه بتحدي: روح اتشطر علي اللي سرقتك و ضحكت عليك
لم تمض ايام قليلة حتي فوجئت برجال الشرطة تدق ابواب المنزل بعنف: فين جوزك يا ست؟
- في اوضته خير في حاجة؟
اعطي إشارة لعساكره ليدخلوا إلى الداخل ليعودوا ومعهم فايز وعلي وجهه كل معالم الذهول
- في ايه يا باشا بس أنا عملت ايه؟
- ده أنت بلاويك كتييييرة يا راجل
- بلاوي بلاوي ايه ده أنا غلبان وفي حالي
- علي العموم الإنكار مش هيفيدك ومراتك الرقاصة 
اعترفت عليك وانك انت اللي بوظت عربية 
مجدي بغرض قتله والعربية دلوقتي في 
الفحص وكله هيبان
انهار هنا كل زيفه وخداعه ليولول كما الحريم ناعيًا حظه
بالعودة إلى القاهرة .. وصلت الأخبار الحزينة والسعيدة دفعة واحدة ليطمئن قلب دهب وتنتهي أيام خوفها
دخلت إلى ثريا لتجدها شارده حزينة
- مالك يا طنط ثريا في حاجة وجعاكي؟
- لا يا دهب أنا كويسة
- عليا أنا برده ده أنا حفظاكي مين زعلك؟
- ولا حد قوليلي يا دهب ناوية علي ايه مع أنس؟
ارتبكت دهب وزادت ضربات قلبها بمجرد سماع اسمه ولكنها تعلم أنه الحلم المستحيل
- مش عايزاكي تقلقي من الموضوع ده أنا الأمور 





استقرت في البلد وهرجع أعيش وسط أخواتي
وأمي وهكمل دراستي والأستاذ أنس بكره
يلاقي اللي تليق بيه وتفرحه
- أنتِ شايفة كده؟
اجابتها بهز رأسها موافقة لم تقوى علي الحديث وهي تكتم دموعها
- بس أنا حاسة أن انس مايل لك
ابتسمت دهب بتحسر وأردفت: دي شفقة مش اكتر وبكره ينسي ويحب بجد
- لو بتعملي كده عشاني فأنا خلاص وافقت علي جوازكم أنا أم  واكيد أنتِ هتقدري ردة فعلي بس أنا عمري ما هلاقي حد احن منك عليا وعليه
احتضنتها دهب: أنا عمري ما ازعل منك أنتِ أمي بس صدقيني أنس يستاهل واحدة تشرفه وتفرحه
- دهب يا دهب
-  ايوه يا أستاذ أنس

- استاذ؟! ما علينا ايه الكلام اللي ماما قلته قبل ما تنزل ده؟
-  كلام ايه؟
-  أنتِ هترجعي البلد تاني؟
-  ايوه إن شاء الله اخلص الامتحانات وأسافر أمي وأخواتي محتاجيني
- طب وأنا جوزك مش المفروض تستأذنيني وتعرفيني علي خططك المستقبلية اللي أنا تقريبًا مش جزء منها
-  كتر خيرك أنا عارفة أن جوازك مني شهامة وعملت الواجب وزيادة وشوف حابب ننهيه امتى وأنا موافقة
-  أنتِ ازاي بارده كده وبتكلمي عن بعدنا بالسهولة دي؟
-  متخليش شهامتك وشفقتك تتغلب علي عقلك
- ليه مش عايزة تصدقي اني فعلًا 
عايزك وبحبك؟
-  كان نفسي فعلًا أصدق بس تقدر تقولي علي ايه تعليم مفيش، عايلة تشرف مفيش، وأرملة، أما بقي لو جيت تتكلم عن الجمال فراح من كتر الهم والحزن والشقي
وأزاحت جزء من ملابسها لتريه علامات حفرت علي جسدها: شوف هنا وهنا وغيرهم كتير مين هيرضي بواحدة شبه مشوهه زي مين؟
- أنا هرضي لا مش هرضي أنا فعلًا راضي وموافق وكل اللي جواكي ده هنعالجه أنتِ في نظري ست البنات كلهم
ادينا فرصة نحاول ننجح علاقتنا
عادت إلى البلد برفقه خالها وعائلته وكان لقاء شديد الحرارة بين هاشم وأخته التي حرمه زوجها منها لسنوات عديدة
- ياه يا هاشم الشيب عرف طريق شعرك
- كبرنا يا فتحية وخلاص حسن الختام
- بعد الشر عنك يا خويا أنا ماصدقت اتجمعنا ..... زي ما أنتِ يا ثريا قمر ربنا يحفظك
- تسلمي يا فتحيه ..... امال فين انس ودهب ؟
- راحوا لبيت فضة ياخدوا بخاطرها وزمانهم جايين
- ابن الحلال عن ذكره بيبان اهم وصلوا ومعاهم فضة
- السلام عليكم
- وعليكم السلام ازيك يا فضة يا بنتي؟
- الحمد لله يا خال
- البقاء لله يا حبيبتي ربنا يصبرك
- الدوام لله يا مرات خالي
وقفت دهب واستلمت الحديث: يا ماما فضة من بكره
هتجيب عيالها وهتعيش معاكي هنا البيت ده
والأراضي اللي حواليه بتاعتك أنتِ وفضة
مش عايزاكم تحتاجوا لحد أبدًا والعيال تكمل تعليمها
- بس دي فلوسك يا بنتي
- وأنا راضية كده يا أمي المهم عندي تعيشوا وترتاحوا
وتقدم خالها من والدتها ومعه ظرف كبير
- وفلوسك يا فتحيه اتفضلي  بفوايدهم يا أختي من يوم ما مشيتي وأنا شيلهم ليكي
- بالنسبة لقضية طلاقك يا فضة صديق ليا محامي هيساعدك فيها ويمسكهالك متقلقيش
سمعوا طرقات علي الباب لتحضر قمر بصحبة زوجها وهي تسير بهدوء بسبب بطنها المنتفخ فقد اقترب ميعاد ولادتها
- برده جيتي يا قمر؟
- يووه بقي يا ماما هتتجمعوا من غيري يعني؟
- أنا كنت جيالك أنا وأنس يا قمر 
عشان منتعبكيش
- تعبكم راحة
وجه هاشم الحديث إلى زوج قمر: بقولك يا اسماعيل
- امرني يا خال
- يا بني بدل سفرك ولفك في البلاد ايه رايك تباشر أملاك دهب وبالمرة تراعي أرضك بدل ما أنت سايبها للعمال
تدخلت دهب في الحديث: وعلي فكرة أنت هتكون بتشتغل معايا وأنت فاهم قصدي ومفيش حد أمين وجدع زيك وكفاية بعد عن مراتك وعيالك
- بصراحة مش عارف اقول ايه؟
جلس انس بجانبه واضعًا يده علي كتفه: وافق بقي يا سمعة عايز دهب تبقي مطمنة وهي معايا في القاهرة أنت في مقام  أخوها الكبير
- خلاص توكلنا علي الله
- أول حاجة تعملها بقي تبني فيلا صغيرة كده في حته الأرض الشرقية عشان لما اجي زيارات
- أنا شكلي كده ادبست ههههههههه
ليضحك الجميع لتنتهي اوقات الحزن و الشقاء و تبدأ أيام جديدة مليئة بالفرح والسعادة
التحقت دهب بكلية الفنون التطبيقية كما كانت تحلم بسبب حبها للرسم  بدأت الذهاب لطبيبة نفسية حتي تزيل تراكمات الماضي وآثاره . اصبحت علي تواصل مستمر مع صديقتها نورا التي خطبت للمقدم عز بعد أن رآها عدة مرات مع والدها واليوم ولأول مرة يغلق باب واحد يجمع أنس ودهب معًا





- مبسوطة يا دهب اخدنا الشقة اللي فوق أهلي وعملتي  أنتِ الديكورات وكل حاجة حتي العفش علي ذوقك
- جدا يا أنس مش متخيل فارق معايا قد ايه 
أنا مبسوطة اوي
- وده المهم عندي
جلس واجلسها علي قدمه ونظر بعمق في أعينها
- دهب اوعي في يوم تخافي مني أنا حمايتك أنا أمنك وأمانك حضني دائمًا مفتوح ليكي
- أنا عارفة ومتأكدة من ده
- يعني موافقة نبدأ حياتنا مع بعض كأي زوجين
أجابته بابتسامة ثم دفنت رأسها في رقبته بخجل ليقوم بحملها إلى غرفتهم وأغلق الباب لتبدأ رحلتهم الوردية
" كان وجودك سببا كافيًا لأعلم أن للحياة وجهًا يستحق كل هذا العناء "
لما تيجي تختاري الشخص اللي هيشاركك الباقي 
من عمرك إوعى تختاري شخص قاسي 
مهما كنتي بتحبيه ومتعلقة بيه دوري دايمًا 
على صفة "الحنية" الشخص الحنين اللي 
يهوّن عليكي صعوبة الحياة ومشاكلها وضغطها الشخص اللي بيعرف يطبطب ويداوي ويحتوي ويحس بيكي ويراضيكي الشخص اللي لما تُقعي تلاقي إيده ممدودة ليكي ميدكيش فرصه تدوري على إيد حد غيره علشان تسندك وتقومي كل حاجة ممكن تهون وتتعوض الفلوس بتروح وتيجي والشكل بيتغير وبنكبر ومش بيبقى غير القلب الصادق الحنين مش بيبقى غير الحب والإحتواء والحنان والرحمة والونس والدفىء وهما دول أهم حاجة في العلاقات 

                   تمت

تعليقات



<>