رواية طفلة في ثوب انثي
الفصل الثاني2
بقلم غادة عبد الرحمن
يمكن للإنسان أن يكبرعشرة سنين دفعة واحدة في لحظة واحدة وفي موقف واحد. بعد أن عادت إلى منزلها الذي تكره وجودها فيه أكثر من أي شئ اخرجلست تنظر لنفسها في المرآة كيف تغيرت ملامحها بسبب ما تتعرض له من عنف وضرب ظهرت صورة والدها أمامها الذي من المفترض أن يكون سند وجبل لا يميل ولكنه أول من نهش بضرباته في جسدها وأول من نقش علامات الحرق كان هو ولكن عندما رفعت نظرها إلى المرآة وجدت زوجها عبد المعطي خلفها وهو ينظر لها و يحاول أن تكون نظرته حنون نادمة وهو يردف
- متاخديش على خاطرك يا فضة ده حتي انهارده الخميس ليلة ابليس
ليضحك ضحكة مقززة تبرز علي إثرها سنان
من الذهب في مقدمة فمه تعلم أن لا سبيل
للرفض أو المقاومة وإلا ستقاسي مرة أخرى من ألم لطماته وركلاته التي لا ترحم ليأخذها من يدها ويتجه بها إلى الفراش ليمارس حقه الشرعي من وجهة نظره وتستقبله هي روح خاوية بلا جسد.
عادت بعد اليوم الدراسي لتجد والدتها تطهو الطعام ما أن رأتها حتي بادرتها بالسؤال - ها حصل حاجة
- يوه يا ماما مفيش حاجة أنا زي ما أنا
- نعمة من ربنا لولا أنك ضعيفة وأكلتك قليلة كان زمانك كبرتي وخرطك خراط البنات وأبوكي جوزك زي أخواتك
- أنتِ بتفكريني بالموضوع ده كل شوية مش مدياني فرصة حتي استمتع زي باقي صحباتي
- لا هو أنتِ أبوكي أب زي باقي أبهات صحباتك
لو حصل بس وأبوكي عرف هينسيكي
أصحابك ذات نفسهم
ملئ الغضب صدر دهب لتدبدب بقدميها بعنف وتترك والدتها وتتجه إلى غرفتها
في منزل قمر تقف تقلب في طنجرة الطعام وهي شاردة فحالها كحال أختها فضة قد زوجها والدها ما أن بلغت ولكن الفرق أن زوجها دائم السفر ليتركها في خدمة والدته وأولاده من زوجته السابقة، شعرت وكأن يدها تحترق ليأخذها الألم خارج شرودها لتنظر وترى والدة زوجها تغرز يدها في طنجرة الطعام بغل وحقد- ما تفوقي يا سنيورة بقالي ساعة بنده عليكي تجيبيلي كوباية شاي وأنتِ ولا الطرش
كانت تبكي وتتلوي من الالم وهي تستجديها- خلاص يا مرات عمي خلاص حرمت سيبي ايدي حرام عليكي
- حرمت عليكي عشتك يا بعيدة أنا تعبت من
تعليمك أنتِ ايه بهيـ مة
كانت تصرخ قمر في ألم حينما سمعت صوت زوجها وهو يتسأل في ايه صوتكم عالي ليقترب ويري ما تفعله والدته ليقوم بسحب يد قمر بقوة من يد والدته وهو يردف- حرام عليكي يا أمي بقي كده بتعملي في مراتي كده في غيابي سيبتي ايه للغريب وأنا اللي بسافر وبطمن نفسي أنهم معاكم ووسيطكم
- والله وبتعلي صوتك عليا يا ولدي بقي دي اخرتها نفسي اعرف السهتانه دي سحرالك ولا ايه
- لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ياأمي سحر ايه وقرف ايه
- ايوه سحرالك أنا عارفة أمثالها الحربـ ايه ده حتي حته عيل مش عارفة تجيبه بتدافع عنها ليه طلقها دي ارض بوور
- بعدين يا أمي بعدين خليني اشوف أيديها بس
الأول بعدين نتكلم، ليأخذ زوجته التي
لم تنطق بكلمة واحدة منذ أن جاء تكتفي
بالنظر له والبكاء في صمت، أغلق باب الحجرة عليهم وأتى بصندوق الاسعافات الأولية وأخذ يداوي ويضمد يدها التي كانت ترتجف من شدة الألم
- قمر أنا عارف أن أمي صعبة بس معلش استحمليها اعتبريها امك
- خدنا دار تانية بالله عليك نفسي أنام وأنا مطمنة أنه محدش هيضرب ولا يكسر ولا يجرح بالكلام صمتت ليعلو نحيبها وهي تكمل نفسي يا عالم أنام مطمنة كتير الطلب ده من وأنا بنت عشر سنين وأنا بنام زي الديابة عين مغمضمة وعين مفتحة زي الصقر حرام يا عالم حرام يا ناس ضمها إلى صدره وأردف ياريت كنت أقدر بس مقدرش مقدرش أنتِ عارفة أن. لم يكمل حديثه لينفتح باب الغرفة بقوة ويجد ابنته هاجر تقف
وقد وضعت كل يد علي جنب وهي تتوعده:
بقي كده يا سي بابا جيت على قمر على
طول ولا كأن لك ولاد كانت تتحدث وهي
ترمق قمر بنظرات نارية حبيبة قلب ابوها اللي جاب لها كل طلباتها من القاهرة وأكتر في لحظات تحول غضبها لفرحة كأي طفل وهي تضم والدها وتقبله.
كانت تجلس تذاكر دروسها المدرسية تحاول أن تنجز أعمالها قبل أن يأتي والدها فهو يغضب كثيرًا عندما يجدها منشغلة بالدراسة
فتح الباب بقوة مرة واحدة لينقض عليها والدها ويجذبها بشدة من ضفائرها وهو يصفعها حتي سقطت تحت قدميه
ليكمل ما بدأه ويركلها بقدمه بقوة في كافة نحاء جسدها النحيل وهي تبكي وتصرخ: عملت ايه والله ما عملت حاجة والله ما عملت حاجة يا ماما الحقيني
انحني لها وهو يسبها ليردف: بقي أنتِ يا بنت الكلب
ياواطية بتشتمي بنت اسيادك بتتطاولي علي
أمل بنت العمدة اتجننتي ولا اتخبلتي في عقلك
- والله يابا هي اللي شتمتني الاول
ما تشتمك ولا تضربك حتي ولا تفتحي بوقك أبوها لو علم هياخد اللي ورانا وقدمنا يا بنت الكلب سامعة وإلا وربي لأمنعك من المدرسة دي خالص أنا سايبك بس لحد ما يحصل المراد واخلص منك
تركها و غادر لتتكور علي نفسها كالجنين لتبكي حظها العاثر وتشكو لله لماذا وهبها مثل هذا الأب
لم تذهب إلى المدرسة ليومين حتي تطيب بعض جروحها ولكنها في اليوم الثالث اسيقظت مبكرًا وذهبت إلى المدرسة
لتتقابل مع أمل أمام باب الفصل وتحاول أن تتجنبها ولكنها لم تعطيها تلك الفرصة: فينك يا دهب بقلك يومين مختفية خير يا دودو؟
كانت تتحدث وهي تمرر يدها على آثار الكدمات
في وجه دهب التي تعافر حتي تبتعد عنها
- ايه اللي بيحصل هنا ؟؟؟
- ولا حاجة يا ابلة أنا كنت بطمن علي دهب
نظرت المعلمة طويلًا إلى أمل ثم حولت نظرها إلى دهب لتردف: تعالي ورايا على المكتب عندي يا دهب
ضحكت أمل ضحكة خبيثة معتقدة انها تسببت بمشكله لدهب
طرقات رقيقة مهزوزة علي الباب ليهتف صوت من الداخل
- ادخل
- السلام عليكم يا أبلة منال
- تعالي يا دهب ادخلي واقفلي الباب
جلست دهب لتقوم المعلمة بالالتفاف حول مكتبها لتجلس في مقابلتها: في ايه يا دهب وايه الكدمات والعلامات دي
- ها لا لا مفيش
- مفيش ازاي اتكلمي يا دهب
كان عقل دهب يدور سريعًا لتجد عذرًا كاذبًا تقوله لمعلمتها: هو اصل أنا خبطت في الباب اه الباب
لتمسك المعلمة بيدها وترفع أكمامها وتبادرها في إصرار: ودي برده من الباب واللي في رقبتك وأنا متاكدة أن تحت هدومك العن من كده أنا لازم ابلغ المديرة
ركعت دهب علي قدميها تريد تقبيل يد المعلمة وهي تردف ببكاء: ابوس ايدك يا ابلة كده مش هاجي المدرسة تاني ابوس ايدك لو عرف انكو عرفتوا أو حد كلمه هيحرمني من المدرسة ومش بعيد يقتلني ابوس ايدك
ساعدتها المعلمة لتعود إلى مقعدها مرة اخري و هي تهدئها مردفة: خلاص يا دهب اهدي يا حبيبتي أنا خايفة عليكي خلاص مش هقول حاجة بس لو احتاجتيني في اي وقت
أنا موجودة
- شكرًا شكرًا اكيد شكرًا
لتهرول دهب خارجة متجهة إلى فصلها وهي تدعو أن يساعدها الله فيما هو قادم
مرت الايام بحلو ومرها علي دهب وأمها وأخواتها حتي جاء اليوم الذي سيكون سببًا في تغيير حياتها
كانت طول اليوم تشعر أنها ليست بخير فآلام معدتها في تزايد مستمر معتقدة أنها بسبب نومها علي سطح المنزل هربًا من حر المنزل
ولكنها شعرت وكأنها قد بللت نفسها وسريرها وعندما اضاءت النور فوجئت بسائل أحمر لزج يتسرب من أعلى قدميها إلى اسفلها
********
