رواية عاصفة باسم الحب الجزء الثاني2من(حي المغربلين)
الفصل التاسع9
بقلم شيماء سعيد
لماذا تأتي السعادة دائماً بالوقت الخطأ؟!. هذا ما حدث معه عندما وصل إلى مسامعه خبر حملها، سعيد إلى درجة الهوس إلا أن ثقل أحزانه جعل تلك السعادة مطفية ليس لها معنى أو قيمة..
عاد ليضمها إليه من جديد صدق دفاعها عن نفسها أو ليكون أدق أراد أن يصدق حتى لا تبتعد عنه أكثر من ذلك، أخذها بين ذراعيه يعصر جسدها بين جسده بداخل هذا العناق أمان غريب...
لا تعلم لما تركته يضمها لتكون صريحة هي بأشد الحاجة لعناق مثل هذا، ظلت بين أحضانه مستسلمة تريح قلبها بحديثه الناعم الذي يطبطب على جروحها :
_ الولد ده ابني إياكي أسمعك تقولي على نفسك كدة، المرة الجاية هقطع لسانك لكلاب السكك إنتي غالية أوي يا شوكولاته لازم تعرفي كدة...
آه من تلك الكلمة التي جعلتها تقع بحبه، هذا الكلمة سبب مرارة أيامها و جروح قلبها، للحظات كانت قد نست ما حدث في ليلة صباحيتها الشهيرة و الآن فقط تذكرتها، حاولت الأبتعاد عنه بجنون قائلة :
_ آه يا واطي.. غالية و إيه و رخيصة إيه أنت نسيت عملت فيا ايه، ابعد عني بدل ما أصوت و ألم عليك البيت كله...
قدرت على إخراج ضحكة و لو بسيطة من بين شفتيه الرجولية، ضمها إليه أكثر حتى لا تتحرك قائلاً :
_ أنا خربت حياة ناس كتير يا أزهار مش حياتك أنتي بس، طلبي الوحيد....
قطعت كلماته بقوة مردفه :
_ أوعى تطلب مني السماح أنت لو بتموت أنا مستحيل أسامحك...
ابتسم لها بتعب شديد ثم همس بالقرب من عنقها :
_ لا مش عايز السماح أنا عايز الحب، حبيني و بس يا أزهار نفسي أحس إن فيه حد ممكن يحبني عشان أنا فاروق مش عشان فاروق المسيري...
أبتسمت إليه إبتسامة واسعة قبل أن تجيب عليه ساخرة :
_ و أنت كفاروق من غير المسيري فيك إيه ممكن يتحب، عارف شعر راسك ده أمنية حياته يقع عشان يخلص منك.
آااه قوية خرجت من أعماق صدره و هو يدفن وجهه بتجويف عنقها الناعم، قالت له الحقيقة التي يخاف الجميع قولها له، ضغط بخفة على جلدها بأسنانه لتشهق بقوة، قبل أن يقول :
_ أنا موجوع أوي و مش محتاج أتحب من حد غيرك، أنتي و بس يا شوكولاته، خصوصاً إن الشوكولاتة الصغيرة هتنور الدنيا قريب أوي...
خبيثة أزهار و علمت من أين تؤكل الكتف، جنينها سيكون سلاحها القادم في الانتقام منه، ابتعدت عنه مردفه :
_ بقولك إيه يا فاروق، بصراحة أنا كمان مش عايزة أتخانق معاك النهاردة أصل البيبي نفسه في حاجة صغيرة جداً و أنا مكسوفة أقولك عليها...
بلهفة اجابها :
_ أنتي تؤمري يا حبيبتي قولي نفسك و نفسه في ايه؟!..
هزت كتفها بدلال و عقلها يفكر ماذا تطلب منه حتى تشفي غليلها، إلى أن ابتسمت باتساع قائلة بخجل مصطنع :
_ بصراحة طلبي قليل الأدب أوي و أنا مش قادرة أقوله، غمض عينيك بقى و حس بابنك حبيبك يا ابن المسيري...
نفذ طلبها رغم صداع رأسه إلا أنه مستعد لفعل أي شيء تريده هي و طفله، غير مصدق أنها تقترب منه بكامل رغبتها و رائحة الرغبة تفوح من أنفاسها الساخنة...
ثانية واحدة و انتهى كل شيء مع صوت رنين كفها الساقط على عنقه من الخلف و جملتها البسيطة جداً قبل أن تفر من الغرفة، تاركا فاروق المسيري بحالة من عدم الاستيعاب :
_ أحلى مسا عليك يا عم من الأول الولد ده خلي منك أب مهزأ...
_____شيماء سعيد_____
بصباح يوم جديد أخذها مثل الطفلة الصغيرة بإحدى سيارات الأجرة إلى منزله، طوال الطريق و هي صامتة تتابع المكان من حولها و ترى أشياء لأول مرة تراها بحياتها...
بيوت بسيطة و ناس أبسط على وجوههم إبتسامة راضية تأتي بالرزق من سابع أرض، هذا الحي أتت به من قبل عندما كانت صغيرة هنا والدة والدتها و نشأت..
مشتاقة لرؤية بناتها التي لم تراهم إلا بعمر شهر، لا تنكر الألم جرحها الحاد إلا أن كارم صمم على الرحيل من المشفى...
شعرت به يبتسم لها قائلاً :.
_ الحارة هتنور بيكي يا هاجر هانم....
الأمان الذي كانت تشعر به في وجوده انتهى، تعلم أنها شبه مريضة نفسياً بسبب خضوعها التام إلى فوزي سنوات، إلا أنها أحبت كارم و بدأت تعود إلى طبيعتها على يديه إلى أن أتى ذلك اليوم المشئوم..
ربما انتكست أو صدقت الجملة الشهيرة كلهم مصطفى أبو حجر، نظرت إليه بهدوء كأنها تعترف له و للجميع كم هي ضعيفة :
_ إحنا وصلنا؟!..
أومأ إليها قائلا :
_ أيوة وصلنا، البيت ده بيتي عايش فيه أنا و أمي و ابني كمان، يلا عشان أكيد مشتاقة تشوفي بناتك صح و الا أنا غلطان..
لم ترد عليه بأي رد كان يتوقعه بل سألته :
_ كارم أنت بتعمل معايا كدة ليه معقول بعد ما كنت عايز تقتلني بقيت عايز تحميني أنا و بناتي؟!
أغلق باب السيارة بعدما كان فتحه ليخرج منه ثم وجه نظره لها مردفا بجدية :
_ بصي يا بنت الناس إحنا في الحي ده اتعلمنا ازاي نكون رجالة، عشان كدة مستحيل أشوف ست محتاجة مساعدة و أقول لا حتى لو ست دي أكتر واحدة كسرتني في الدنيا، بناتك مالهمش ذنب إنك أمهم و لا ليهم ذنب في اي حاجة بتحصل عشان كدة أنتي و هما في حمايتي لحد ما أعرف حكايتك إيه و مين اللي عايز يقتلك.. أما حبي ليكي دي صفحة و مبقاش لها وجود...
الغريب أنها تقبلت حديثه بكل صدر رحب، لم تتحدث بغضب أو حتى تحاول إخراج نفسها من تلك الاتهامات، فتحت باب السيارة مردفه :
_ شكراً على كل حاجة، ابدأ أقف على رجليا من أول و جديد و بعد كدة أنا متحملة حماية نفسي...
دقيقة واحدة و كانت تضم بناتها الثلاثة داخل أحضانها، كم رائحتهم رائعة لذيذة شهية، سقطت دموعها، كان بينها و بين الموت خطوة واحدة و عادت إليهم فقط..
أزالت دموعها و هي ترفع وجهها إلى تلك المرأة البشوشة رغم نظراتها الغاضبة منها قائلة :
_ مش عارفة أشكر حضرتك ازاي يا طنط على وجود بناتي معاكي بجد ألف شكر....
رغم حنان أم كارم الكبير إلا إن قلبها لم يرتاح إلى هاجر مطلقاً، أبتسمت إليها بجمود قائلة :
_ ضيوف كارم سيف علي رقبتي يا ست هاجر، شكلك في التليفزيون أحلى من الحقيقة بكتير، هما الممثلين كمان كدة...
نظر كارم إلى والدته بتحذير إلا أن هاجر ظلت على إبتسامتها مردفه :
_ إحنا بنبقي حلوين في نظر الناس اللي قلبها أبيض زيك يا طنط لكن في الحقيقة كل واحد له عيوبه طبعاً...
أشارت لها أم كارم على غرفتها مردفة :
_ طيب أدخلي ارتاحي أنا عارفة البيت مش اد مقامك بس أنتي كدة أو كدة مش مطولة...
دلفت هاجر للغرفة و كارم يحمل عنها الفتيات ثم ترك لها المكان، خرج ليجد والدته تنظر إليه بغضب ليقترب منها بذهول قائلاً :
_ في إيه ياما من امتا أم كارم بتعامل الناس كده...
_ لما تبقى نهاية عمرك على ايدها يبقى هي ده المعاملة بتاعتي يا معلم كارم...
_____شيماء سعيد _____
في الساعة التاسعة صباحاً
على سطح المنزل ظل عابد ينتظر فتون أكثر من ساعة، بدأ أن يفقد أعصابه فهو هنا يموت من الشوق و هي تسوق الدلال عليه...
جز على أسنانه من شدة الغيظ و هو يضرب الحائط عدة مرات، مل من لعبة القط و الفأر و يتمنى أن يعيش معها أسعد الأوقات و ألذ اللحظات..
سيذهب إلى شقتها ليأخذها داخل أحضانه عنوة و يحدث ما يحدث، و قبل أن ينزل السلم كانت الجميلة تطل عليه بسحرها الخاص، تنهد بارتياح و هو ينفذ رغبته و يسحب جسدها يضمها إليه...
شعر بابتسامتها الناعمة على صدره يعلم أنها تفخر بسماع دقاته التي لا تصبح مثل الطبول إلا من أجلها، أخذ نفس عميق من رائحة عطرها الفطرية هامسا :
_ أعمل فيكي ايه أخرج بروحك عشان أرتاح، أربطك عشان كل ما أشتاق ليكي أضمك لقلبي...
همهمت ببعض التوتر :
_ أنا مكنتش ناوية أطلع الظروف عندنا مش كويسة يا عابد خصوصاً بعد ما راحت فريدة تعيش عند فاروق، جيت بس عشان أنت عايز تشوفني..
ابتعد عنها قليلاً و هو مازال يحتفظ بها بين صدره ثم مرر أنفه على أنفها، يخلط أنفاسه بأنفاسها ينتظر تلك اللحظة التي يضع بها صك ملكيته عليها، أردف بعتاب :
_ يعني لو مش عايز أشوفك مش هوحشك يا فتون...
زادت إبتسامتها اتساعا قائلة بحماس طفلة :
_ تعرف اسمي لما بيطلع منك بيرد ليا الروح تاني يا عابد، عايزك دايما تقولي يا فتون بحس وقتها بالأمان...
سحبها من كفها الصغير ثم جلس بها على أحد المقاعد واضعا إياها على ساقه قائلاً بجدية :
_ أنتي اللي حرمتيني و حرمتي نفسك من الأمان ده يا فتون، الكذب حبله قصير و نهايته وحشة...
عضت على شفتيها بتوتر تخفي به حزنها مردفة :
_ فعلاً النهاية كانت وحشة أوي يا عابد، بس تعرف أنا مش ندمانة على حاجة اد ما ندمت على فريدة إني دخلتها في لعبة هي مالهاش دعوة بيها، الأخوات التوأم دايما بيحسوا ببعض و أنا متأكدة انها مش بخير بس مش عارفة أعمل إيه أو آخد خطوة ازاي...
تغيرت ملامحه لأخرى صارمة و نبرة صوته بها درجة عالية من التهديد :
_ أنتي غلطتي و الغلطان لازم يتحاسب لما يتقفل علينا باب واحد هعرفك إن الكذب حرام، فريدة بتحبك جداً عملت كدة عشان تساعدك حتى لما عرضت نفسها للخطر و هربت كان عشان تاخدي فرصتك و نتجوز...
نط بعقلها سؤال هام و سألته بلهفة :
_ عابد لو مكنتش فريدة مشيت كنت هتعمل ايه؟!..
لم يجيبها بل خطف شفتيها بأول قبلة لهما على الإطلاق، لذيذة هي في كل أحوالها و بنفس الوقت حمقاء لا تعلم نهاية أفكارها الأشد جنوناً منها...
ابتعد عنها مبتسماً بانتشاء و ما زاد انتشائه أنفاسها المتسارعة و عينيها التي ترفض النظر إليه من شدة الخجل...
دفنت وجهها بداخل صدره مردفة :
_ بلاش تهرب من السؤال و جواب...
ابتسم أكثر و هو يقول :
_ مش قولتلك من شوية الكذب نهايته وحشة جداً، كنت هتجوز فريدة عشان تعرفي إن السحر ممكن بكل بساطة يتقلب على الساحر و يدمر حياته و حياة غيره...
_____شيماء سعيد_____
عادت فتون للمنزل و هي تسحب قدميها ببطء شديد حتى لا يصل أي صوت لجليلة، أخذت نفسها براحة ثم أقتربت من غرفة جليلة تدق عليها بتوتر...
منذ إتصال أزهار أن فريدة بمنزل فاروق و جليلة حبيسة بتلك الغرفة، فتحت الباب عندما لم تجد منها رد..
وجدتها تحمل ألبوم العائلة القديم و عينيها على صورة تجمعها بفاروق و أبيها، جلست بجوارها على الفراش ثم وضعت كفها على ظهرها قائلة بحزن :
_ مش كفاية بقى يا جليلة فريدة بقت بخير، و إحنا أتأكدنا ان فاروق مش سارق مالنا... مش لازم نرجع بقى لبيتنا و حياتنا، أنا تعبت أوي من بعد فاروق يا جليلة أول ما دخلت المستشفى حتة مني راحت...
ظلت جليلة على حالها شاردة بذكريات مضت من عمرها، كم كانت الأم الحنونة لفاررق و كم كان يحبها، لماذا وصلوا إلى نقطة الرجوع بها أصبح مستحيل لا تعلم..
أصابعها تدور حول ملامحه الصغيرة يشبه ابيها بكل شيء، كانت سيدة المنزل و يد والدها اليمين حتى أحبت منصور و هنا بدأت اللعنة..
أزالت دموعها مردفه بحسرة :
_ ليه كدة يا بابا؟!.. ليه ضيعت كل حاجة حلوة و خليت حياتنا تنتهي بالشكل ده؟! المال فاد بأيه و إحنا مش بنحب بعض و لا عارفين حاجة عن بعض، الله يسامحك وحشتني أوي و فاروق كمان وحشني أوي...
سقطت دموع فتون من شدة تأثرها رغم أنها كانت طفلة صغيرة لم تشاهد ما حدث بتلك القصة أبداً، إلا أنها دفعت الثمن مع الباقي، بللت شفتيها ثم أردفت :
_ بلاش تعملي في نفسك كدة يا جليلة كل حاجة هتتصلح..
نظرت إليه جليلة بغضب صارخة :.
_ ايه اللي ممكن يتصلح بعد ما العمر قرب يخلص و الأخوات أكلت في بعض عشان الفلوس يا فتون، مفيش حاجة ممكن ترجع زي الأول تاني أبداً...
_ مين بقى اللي قالك الكلام الفارغ ده؟!..
انتفضت هي و فتون على أثر وقوف فاروق على الباب الغرفة، لم يستوعب أحد منهم ما يحدث لتقول فتون بتوتر :
_ أنت دخلت و باب الشقة مقفول ازاي يا أبيه؟!..
ابتسم لها فاروق مشيراً لمفتاح الشقة الموضوع بيده ثم قال :
_ بالمفتاح يا حبيبتي، و بلاش تسألي المفتاح معايا بيعمل إيه، يلا معاكم ساعة عشان نمشي من هنا....
قامت جليلة من مكانها قائلة بقوة :
_ نمشي نروح فين يا أبن المسيري؟!..
أخذ نفس عميق قبل أن يشير لها بعدم قول كلمة أخرى قائلا بصرامة :
_ على بيت العيلة يا بنت المسيري مش عايز أسمع منك كلمة لو مش حابة تيجي اخواتي الصغيرين من النهاردة تحت حمايتي أقعدي هنا بقى لوحدك...
صرخت به :
_ عايز تاخد اخواتي مني يا فاروق بعد ما ضيعت سنين عمري عليهم؟!..
حرك رأسه بمعنى لا فائدة منها أو من تفكيرها، سند رأسه على باب الغرفة قائلا :
_ اسمعي يا جليلة لو على الفلوس من بكرا هكتب كل حاجة باسمك أنتي و البنات و أنا مش عايز حاجة إلا ألم اللي باقي من عيلتي، يلا يا فتون و أنتي شوفي عايزة ايه يا جليلة، بس اخواتي البنات من النهاردة في بيتي...
بعد ساعة كانت تركب بجوار فتون بداخل سيارته ليقطع هو الصمت قائلا :
_ عايزك في مشوار مهم يا فتون..
_ مشوار إيه ده يا أبيه...
أجابها و عينه على جليلة التي تحدق به باهتمام مردفا ببرود :
_ إبن حبيب القلب عندي في المخزن هنروح يرمي عليكي اليمين و كل واحد فيكم يرجع لحياته أنتي مش لازم تشيلي ذنب حد...
