رواية بداية الرياح نسمة (حي المغربلين)
الفصل الثاني عشر12
بقلم شيماء سعيد
_ يعني ايه ممنوع هو أنا جوا سجن أنا ليا أهل و بيت عايزة أروح لحد ما استلم شغلي...
تعجبت من عدم نظر الحارس لها عينيه تلتصق بالأرض بعيدا كل البعد عنها، أجابها بإحترام و كأنها بالفعل أزهار هانم مثلما قال :
_ مقدرش يا هانم بلاش تعملي ليا مشاكل و لا لنفسك اتفضلي جوا لحد ما فوزي بيه يرجع دي أوامر لو على رقبتي مش هتنزل الأرض...
حسنا ربما ذلك الحارس المسكين لا يعلم أمام من يقف فهي أزهار سيدة الخضار، بأعلى صوتها بدأت الصرخات المعتادة و يديها الاثنتين تزين خصرها :
_ نعم نعم يا اسمك إيه.. لا ده أنا أزهار، جرى ايه يا عرة الرجالة منك له بقى عاملين عصابة على ست، على رأي المثل ايش تاخد الريح من البلاط أنا معنديش حاجة أخسرها الليلة هنبات كلنا في القسم...
على الصعيد الآخر كان فاروق يغمض عينيه بغضب منها و من نفسه، خائف عليها نعم هذه هي الحقيقة هو خائف عليها إلى حد جنوني، الحمقاء تتصرف بكل عفوية كأنها بداخل حارتها...
ترك مكتبه بلا تفكير متجها إلى قصر الخولي كل ما يهمه الآن هي و من بعدها الطوفان، صعد إلى سيارته قائلا بصرامة :
_ أزهار اسمعي الكلام و أدخلي جوا... نص ساعة بس هكون عندك، بلاش غباء...
هي الآن بحالة لا ترى لا تسمع لا تتكلم، سحبت الحارس من ملابسه و يدها الصغيرة تسقط عليه مثل الحائط صارخة :
_ ده عند أمك يا أبن المسيري مش أزهار اللي تخاف خاف على نفسك الأول يا موكوس، اسبقني بس على القسم...
أهي مجنونة أم ماذا؟! هذا السؤال أتى بعقل فاروق و الحارس بلحظة واحد، حاول الحارس السيطرة عليها فهي بصحة مئة ألف رجل قائلاً بنبرة متقطعة :
_ يا هانم عيب كدة أنا عامل حساب فوزي باشا... كان تصرفي مش هيكون كويس أبداً...
إجابته و أصابعها تزيل شعر رأسه خصلة خصلة بنفن أصيل :
_ لا و أنا كدة خوفت.. خليك راجل و دافع عن نفسك، ده صحابك مفيش واحد منهم فكر يدافع عنك.. تعرف لو في الحارة كانوا اتلموا عليك زي الرز.. أصل إحنا حارتنا كلها رجالة...
عبر الهاتف بقلة حيلة أطلق فاروق ضحكته، حتى بأصعب المصائب تفرض شخصيتها المرحة على الجميع، حرك رأسه متذكرا جملة سعد زغلول الشهيرة " مفيش فايدة"، يشعر بها و نبرة الخوف بصوتها تصل إلى أعماقه زاد من سرعته قائلاً:
_ شوكولاته خدي نفسك و ابعدي عن الحارس أنا قربت أوصل.. اوعي تخافي قولتلك أنا جانبك..
هل عيناها أخرجت قلوب الآن؟! نبرة اللهفة اشتاقت إليها منذ وفاة والدها و ها هو يقدم لها الحنان على طبق من ذهب، مثل المسحورة تركت ما بيدها ليسقط على الأرض رغم ضعف جسدها إلا أنها أرهقت الرجل لأقصى درجة ممكنة، بابتسامة حليمة همست :
_ مهو أنا بضرب بقلب جامد عشان عارفة إنك جانبي يا سيد الرجالة...
أخيرا حصل على أول خطوة باستسلام الشوكلاته إلى حصون قصره المعنية ها هي تسقط بكامل إرادتها، بجوارها كان الحارس ينظر إلى أصدقائه و يشير لتلك التي تحدث نفسها من وجهة نظرهم كعلامة على جنونها...
قصر فوزي الخولي و الجيران أصبحوا بالحديقة و مع رؤية الدماء الساقطة من الحارس قاموا بالاتصال على الشرطة...
عشر دقائق و كانت سيارة الشرطة وصلت للمكان مع قدوم فاروق المسيري، نظرت إليه بتوتر ليشير إليها بالصمت قائلا عبر السماعة :
_ اركبي و متخافيش أنتي في أمان المسيري يا شوكلاته...
_______شيماء سعيد_____
ساعات قليلة و فاقت فريدة من دوامة استيعابها للحقيقة، خرجت من غرفتها بملابس الخروج لتجد جليلة و فتون بانتظارها في الصالة..
ظلت فتون مكانها تنظر إليها بلا حركة أو كلمة تشعر بأن ما بداخلها كبير.. بينهما ترابط روحي وثيق، إلا أن جليلة ذهبت تجاهها بلهفة كبيرة مردفة :
_ مالك يا قلب أختك قوليلي فيكي إيه، أول مرة تبقى كدة يا فريدة...
أبتسمت لها بابتسامة باهتة واضحة مثل الشمس إلا أنها حاولت إخفاء تلك الصرخة التي تود إخراجها بقدر المستطاع قائلة :
_ أنا عارفة إني عملت فيلم درامي من شوية بس كنت فاكره إن حلمي راح و كل حاجة انتهت، كنت الصبح في مقابلة شغل في قناة كويسة قالولي هنكلمك بعدين فكرت إني كدة اترفضت بالذوق، لكن دلوقتي اتصلوا و طلبوا مقابلة كمان ادعي ليا يا جليلة...
واحد اثنين ثلاثة، و كان سلاح جليلة المنزلي يرحب بكل رحابة صدر بوجه فريدة، صرخت بألم قائلة:
_ في إيه يا جليلة بقى دي كلمة مبروك؟!
جذبتها جليلة من حجابها قائلة بغضب :
_ مبروك في عينك.. قلبي كان هيقف من الخوف عليكي و أنتي مستفزة بقى هي دي مشكلتك يا جزمة...
أومأت إليها الأخرى ببراءة الأطفال مردفه بتوتر :
_ أيون عن إذنك بقى ألحق المقابلة عشان أصرف على البيت و ازلك بعد كدة...
على باب المنزل وقفت فتون أمامها قائلة بهدوء قبل أن تغلق الباب :
_ أنا مش مستريحالك يا نصي التاني بس مش هنطق بحرف قصاد جليلة و لينا كلام كتير سوا بالليل...
_____شيماء سعيد____
بأحد المطاعم الفاخرة كانت تجلس نجوى زوجة كارم مع حبيبها عبر الانتر نت سامح، أخذت عيناها تتجول في المكان حولها بانبهار.... كل خروجة بينهما بمكان أجمل من الآخر ألف مرة...
هذه هي الحياة و هذا هو الرجل الذي تتمنى العيش معه الباقي من عمرها، تابع رد فعلها بابتسامة كبيرة منتصرة على وجهه قائلاً بخبث خفي :
_ حبيبتي رأيها ايه في المكان؟!.
وضعت يدها على صدرها بحركة تلقائية مردفة :
_ يا لهوي على الجمال و العيشة اللي عمري حتى ما حلمت بيها أنا معاك بشوف الدنيا من أول و جديد بدل الفقر اللي عايشة فيه....
بحركة بطيئة أخذ كفها بين يديه ضاغطا عليها برغبة تكاد تأكل كل جزء منه مردفا :
_ لو بإيدي كنت أجيب لك الدنيا كلها بس أنتي اللي رافضة أي قرب بنا يا حبيبتي كله صور و فيديوهات هموت عليكي يا نجوى...
حزنت ملامحها طامعة في أخذ المزيد و المزيد منه، مردفه :
_ أنا كمان بحبك جداً بس مستحيل أخون كارم... أطلق منه و بعدين أنا كلي ملكك...
حاول إخفاء غضبه من تلك الحمقاء رسم على وجهه ابتسامة مزيفة :
_ تطلقي و تربى ابنك بعيد عنك لا أنا مش عايز حبنا يدمر حياتك، فيها ايه لو تكوني زي مراتي و أكتر بس و أنتي في بيتك، صدقيني معايا هتكوني ملكة شقة عربية كل حاجة بس من غير ما تبعدي عن ابنك...
_ دي تبقى خيانة و حرام...
ضحك بسخرية لم يستطع اخفائها قائلا :
_ يعني صورك و اللي احنا بنعمله فيديو مش حرام و لا خيانة أنا عايز مصلحتك يا حبيبتي قولي آه و الشقة و العربية هيكونوا باسمك...
لمعت عينيها بنظرات الطمع مردفة بلهفة شديدة:
_ موافقة بس عقد البيت و العربية الأول قبل ما تلمس مني شعرة واحدة...
_ غالي و الطلب رخيص يا روح قلبي... ده إحنا أيامنا الجاية سعد و هنا...
______شيماء سعيد_____
بالمشفي التي يقطن بها كارم و هاجر، طوال الأيام الماضية و هي بجواره خائفة عليه كأنه بالفعل جزء لا يتجزأ منها، لم تتوقع أبداً تضحية أحد بحياته من أجلها هي... فهي اعتادت على التضحية بها و ليس من أجلها....
مدت يديها بتردد تلمس يده بداخلها مشاعر تحثها على تقبيل تلك اليد، آاااه خرجت منها بأنين مؤلم على ملامحه الشاحبة بللت شفتيها بطرف لسانها مردفة بتردد :
_ كارم أنا آسفة على كل حاجة وحشة حصلت ليك بسببي، أول مرة بعد وفاة أهلي حد يدافع عني يمكن في الأول كنت شايفة فيك فوزي لأنك شغال عنده بس أنا باعترف إنك مش شبهه، أنت راجل بمعنى الكلمة بعيدا عن الفلوس و أي حاجة تانية كان ممكن تتصل بفوزي تقوله اللي حصل من غير ما تعرض نفسك للخطر بس أنا كنت عندك أهم من حياتك...
_ إنتي فاكرة نفسك ماشية مع سناء صاحبتك عشان أسيبك تتخطفي مني...
انفرجت شفتيها بسعادة مع سماعها إلى صوته الهامس بارهاق، أزالت دموعها بظهر يديها بطفولية شديدة، ابتسم لها بتعب... لمعت عينيها بتلك الفرحة عليه لأول مرة يراها حتى زوجته لم تفعلها..
وضعت يدها على يده من جديد قائلة بضحكتها الرائعة :
_ لا طبعاً أنت راجل بس أنا كنت مرعوبة عليك و أنت بين الحيا و الموت شكرا على كل حاجة عملتها معايا من أول مرة شوفتك...
أخذ نفس عميق هل دق قلبه إلى تلك الجميلة يعتبر خيانة إلى زوجته؟! أردف لسانه دون وعي منه :.
_ بوسيني لما بكون تعبان أمي بتبوس راسي لحد ما أنام....
خجلت و أخفت خجلها بضحكتها مبتعدة عنه بتحذير صارم :
_ أحترم نفسك إيه اللي أنت بتقوله ده عيب ما كنت محترم من شوية حصل لك ايه؟!
جذبها فجأة لتبقى على مسافة صغيرة منه قائلا بعيون ناعسة :
_ أعمل إيه الإحترام معاكي غلط كبير...
أغمضت عينيها متوترة من قربه الشديد هذا، رائحته مختلفة عن رائحة فوزي بشكل كبير، رغم ذلك هي خائفة لا تحب ذلك القرب من أي رجل ترفض تلك العلاقة بشدة، وضعت يدها على صدره بخوف واضح على وجهها و داخل عينيها :
_ ابعد يا كارم كدة غلط...
_ عارف إنه غلط و غلط كبير كمان بس مش قادر أبعد.. أنتي ذنب مش قادر أتوب منه...
رفعت عينيها إليه تبحث عن أي شيء يثبت لها أنه كاذب أو يلعب بها إلا أنه كان منبع من الصدق لتقول بضياع :
_ أنا...
_ أيوة أنتي مفيش غيرك...
_ ألف سلامة عليك يا بطل...
كان هذا صوت فوزي الذي دلف إلى الغرفة من لحظة واحدة...
_______شيماء سعيد______
تقف أمام الضابط بجسد مرتجف لأول مرة بحياتها تخوض تجربة مثل تلك التجربة، على يد فاروق المسيري ستصبح رد سجون ماذا ستأخذ من واكل مال الولايا مثلما تلقبه..
رفعت رأسها إلى الضابط الذي لم ينطق بحرف واحد من أول قدومها إلى هذا المكان، فقط عينيه تنظر إليها بوعيد فهي كارثة من كوارث الزمن...
ابتلعت ريقها بتوتر ثم رسمت على وجهها أجمل إبتسامة سمجة على وجه الأرض قائلة :
_ لا مؤاخذة في الكلمة يا سعادة الباشا التحقيق هيبدأ امتا عشان أنا ورايا أشغال مش فاضية لقعدة السجون دي...
ضرب الضابط المكتب بقوة ثم أشار إليها بالصمت قائلا بصرامة :
_ اخرسي يا بت عشان أنا على اخرى منك بقى عاملة فيها راجل و بتضربي حارس قصر الخولي ده يومك هيبقى شبه وشك...
إهانة رفضت تقبلها بأي شكل من الأول، و لتكون أكثر صراحة وجود فاروق يعطي لها الكثير و الكثير من القوة و الدعم يشعرها بالأمان و القوة...
جلست على المقعد المقابل لمكتبه واضعة ساق على الآخر قائلة بجدية شديدة :
_ هيبقى يوم قمر مادام شبه وشي، و بعدين بقى يا باشا أنا مش مهتمة حابة أعمل محضرين قصاد محضر الحارس ده، أول واحد خطف و التاني تحرش و أظن القانون دلوقتي مع المرأة...
_ و هي فين المرأة دي؟!
كان هذا صوت فاروق خلفها أبتسمت بداخلها براحة كبيرة مع رؤيته، قام الضابط من مكانه مرحباً :
_ فاروق باشا أهلا بيك معقول الزيارة السعيدة دي..
سلم عليه فاروق بوقار اتسعت عليه عين أزهار فهو معها رجل و مع الجميع رجل آخر، تحدث بهدوء بعد جلوسه بالمقابل لها :
_ ليا أمانة هنا يا حضرت الظابط جاي أخدها رغم زعلي الوحش من الحكومة....
انتفض الضابط من مكانه مردفا بلهفة :
_ خير يا باشا مين قدر يزعل المسيري باشا و أنا قاعد على مكتبي، رقبته هتكون عندك في أقل من ساعة..
وضع فاروق ساق على الآخر.. به شموخ خطف أنفاسها، تعلم كل عيبه إلا أنه أستطاع و بكل جدارة تحريك جزء كبير من قلبها، أصبح فارس أحلامها الوردية بنكهة الشوكولاته اللذيذة، أخذت نفس طويل هائم ببحر رجولته تسمع بحة صوته المثيرة للخوف و الإعجاب :
_ أنت يا سامي...
زاد توتر الضابط سامي و هو يقول بتوتر واحد من تحولت ملامحه المتعرقة للون الأحمر :
_ أنا عملت ايه يا باشا؟!.
قام فاروق من مكانه متجه إلى مقعد أزهار بخطوات رشيقة واثقة، منحني إلى مستوى جلوسها مقبلا أعلى رأسها بحنان قائلا :
_ لما مدام أزهار اللي هتكون مرات فاروق المسيري بعد كام شهر تبقى في القسم متهمة يبقى رأى حضرتك رد فعلي يكون ايه مع اللي عمل معاها كدة؟!
سامي بذهول :
_ حقك و حق المدام على راسي يا باشا بس أنا مكنتش أعرف إنها المدام ده بلاغ من جيران فوزي بيه..
أخذ فاروق يد أزهار التي تعبر بعالم آخر من كلمة زوجته و الأسوأ من ذلك حديثه عن فوزي :
_ فيها ايه لما خطيبتي تكون في بيت خالي عموماً حصل خير إحنا هنمشي دلوقتي و كأن شيئا لم يكن....
سارت معه للخارج مثل المغيبة أهو يريد تدمير خاله؟! لا يكفي ما فعله بأخواته البنات ليدور على خاله؟! أهذا الفاروق شيطان لا يفرق معه أحد تجمدت حركتها على باب السيارة ترفض الذهاب معه...
رفع رأسه لها متعجبا من رد فعلها لتقول بغضب :
_ أنت ايه شيطان حتى خالك عايز تدمر حياته حتى لو شخص وحش الغدر المفروض ميكنش منك أنت، أنا مستحيل أشارك في الجريمة دي أو أتعامل مع حيوان زيك بعد كدة...
_ أنتي مراتي يا أزهار برضى منك أو حتى غصب عنك الحرب بدأت و مستحيل أخرج منها خسران، أنتي مراتي....
______شيماء سعيد______
اقتباس من الحلقة القادمة....
على باب فيلته كانت تقف تنتظر خروجه هي الآن غريق متعلق بقشة ضعيفة، ساعتان و هي كما هي مترددة بين الدخول أو العودة، قدميها ترفض الدخول إلى هذا المنزل الذي فقدت به أعز ما تملك...
خرج هو بعد حديثه الجاف مع صفية ليخفق قلبه على رؤيتها بتلك الحالة التي لا تحسد عليها أسرع لها قائلاً :
_ فريدة أنتي بخير...
_ عايزاك تتجوزني بأسرع وقت....
