رواية عاصفة باسم الحب الجزء الثاني2من(حي المغربلين)
الفصل الرابع عشر14
بقلم شيماءسعيد
فتحت عينيها ثم أغلقتهما لعدة ثواني لتعتاد على هذا الضوء الأحمر المنتشر بالمكان، حدقت حولها لتستوعب أين هي و مع من، أخذ عقلها يردد لما مر عليها بالساعات الماضية، فوزي، خطف، فاروق، انفجار و بالنهاية عودة خطف رجال فوزي لها..
عادت البرودة لجسدها باكية بصمت إنتهت حكايتها مع فاروق و انتهى هو الآخر، أخذه الزمن منها دون الاستمتاع و لو ليوم واحد بقصة حبهما الحزينة، مات من أجل بقائها و بقاء طفله، ضمت رحمها بحماية، شعور اليتم و الفقدان استحوذ عليها من جديد، كيف ستعيش بدونه، ارتفعت شهقاتها بعدما تأكدت أنها لن تراه أبداً...
بكت و بكت حتى جفت دموعها و ارتخي جسدها، رأسها ترتعش بحسرة، سمعت صوت تعلم صاحبه جيدا هذا كارم، رفعت بصرها قليلا هامسة من بين شفتيها الملتصقة :
_ كارم...
رغم أنه مقيد إلا أنه رجل من يوم ولادته، عاد سؤالها بلهفة :
_ أزهار بتعملي إيه هنا مالك و مال الراجل ده..
حركت رأسها بيأس لا يفرق معها شيء بعد الآن، غرق وجهها بالدموع قائلة بهذيان و هي تضع كفها موضع قلبها :
_ فاروق راح و أزهار كمان راحت، راح بعد ما بقى كل حاجة ليا، أنا أنا أنا سامحته بس مقدرتش أقولها.. كبريائي قالي لازم يتعذب، أهو ضاع طلع كان الوقت قصير أوي مكنش في بين اللقا و الفراق إلا شهور، أنا لازم أروح له مع ابننا أكيد هو قلقان علينا دلوقتي لازم نبقى عيلة واحدة...
كلماتها غير مفهومة إلا أنه استطاع فهم ما حدث، فوزي الخولي شيطان يحرق كل من اقترب منه، ضغط على نفسه بقوة يحاول بشتى الطرق قطع تلك الحبال المقيد بها جسده قائلا بقوة :
_ اهدي يا أزهار أنتي قوية و هتخرجي من هنا لو فيها موتى..
تحركت بهستيرية بعد سماعها لتلك الجملة، لو بها روحي قالها قبل أن يفقد روحه أمامها، رغم أنها غير مقيدة إلا أنها لم تستطع الحركة أو تريدها، يا ليتها احترقت معه و بين أحضانه...
ضرب كارم المقعد بساقه بعجز قبل أن يردف بأمل كبير :
_ أزهار فوقي و تعالي فكيني عشان نلحق فاروق مش يمكن يكون عايش و محتاجك عشان تنقذيه يلا يا أزهار نلحق فاروق...
توقفت حركتها و هي تحدق به تتمنى لو ما وصل إليها حقيقي و فاروق ينتظرها، أومأ إليها كارم عدة مرات لتقوم من مكانها بقوة غريبة مردفة بتقطع :
_ طيب يلا بسرعة نلحق فاروق يا كارم عندك حق هو أكيد مستنيني أنا و ابنه لسة قلبي بيدق و فيا الروح يلا...
اقتربت منه غير عابئة بألم جسدها المبرح تفك تلك الحبال و عينيها ترسم اللحظة التي تعود بها بين أحضان ابن المسيري....
_____شيماء سعيد ______
عند فارس و فريدة...
انتهى حفل الزفاف، ليأخذ عابد حبيبته إلى عش الزوجية المنتظر، أما فارس اقترب من والده مقبلا يده باعتذار مردفا :
_ حقك عليا يا أبوي بس بحبها و خفت تقول لأ تروح هي مني...
إبتسم إليه والده بحب و سعادة قائلا :
_ أنا مبسوط إنك مبسوط يا ولدي و فريدة بنت أصول كفاية إنها بنت المرحومة فاطمة...
جذب فارس فريدة من كفها المرتجف لتقف أمام والده، ضم كتفها بحنان ثم قال :
_ مراتي يا بابا..
رسمت إبتسامة لطيفة على وجهها ثم انحنت لتقبل كف الرجل بإحترام مردفة :
_ اتشرفت بحضرتك يا عمو، و آسفة جداً على طريقة التعارف دي...
ضمها الرجل إليه بحنان بث بداخلها مشاعر افتقدتها منذ وفاة والدها، الأمان مع أب لو انقلبت السماء على الأرض سيظل يحبها و يحميها، تفاجأت بجذب فارس إليها لصدره قائلا بتملك :
_ إيه يا حاج ممنوع اللمس دي بتاعتي و أنا دمي صعيدي...
قهقه والده بمرح قبل أن يقول :
_ ربنا يباركلك فيها يا ولدي و يجعلها خير الزوجة و الأم، معاك أسبوع عسل و تكون عندنا في البلد عشان فرح ولد الكبير لازم يبقى وسط أهله و يليق بيه...
رحل والده لتبقى معه بمفردها، حدقت بالمكان تبحث عن شقيقها و شقيقتها إلا أنها لم ترى أحد، ابتعدت عنه بنفور ليرفع حاجبه إليها بابتسامة خبيثة مقتربا منها بقوة أكبر يحصر جسدها بين ذراعيه هامسا :
_ مبروك عليكي أنا يا حياتي...
ضربت صدره بقوة ليبتعد عنها ليضحك عليها بمرح مشدد من قبضته عليها، أخيرا أصبحت زوجته و على إسمه، أخذ نفس عميق بارتياح شديد يعترف لنفسه و للجميع أنه عاشق لتلك الرائعة، نزل بوجهه لمستوى عنقها مقبلا اياها عدة قبلات رقيقة متفرقة، ناعمة لدرجة تجعله يغوص بداخلها مثل الجنة، همهم بتلذذ كاتما شهقته المتألمة بعد ضغطها بكل قوتها على خصلاته صارخة :
_ ابعد أنت فاكرها سايبة و إلا إيه.. أبية شوية و جاي ياخدني من بيتك أنا هنا بس عشان الصحافة مش أكتر فبلاش تقل أدبك معايا أحسن لك...
قرص وجهها بمرح يستفزها بكل ما لديه من برود قائلا :
_ يا بت بقولك أنا جوزك دلوقتي و إبني جوا بطنك يعني هنكون أسرة آخر قلة أدب و سفالة...
أراد اخراجها عن صمتها و بالفعل خرجت، أجابته بسخرية غير منتبهة لأين وصل بينهما الطريق :
_ حامل إيه أنا روحت كشفت يا بيه و عرفت إني لسة بنت بنوت، يعني مفيش حاجة حصلت بيني و بينك في الليلة دي واضح إننا من الشرب نمنا احترم نفسك بقى...
ابتعد عنها رافعا يديه باستسلام ، هذا ما أراد سماعه العذراء حبيبته تزوجته رغم عدم حدوث شيء بينهما، اتسعت ابتسامته بخبث مردفا بغمزة وقحة :
_ احنا فعلاً يومها نمنا يا وحش و أنا اللي خليت الدكتورة تقول إنك حامل عشان نتجوز بأسرع وقت ممكن، أصلي عاشق ليكي يا بنت خالتي، بس السؤال هنا بقى يا روح الروح لما أنتي عارفة إنك بنت بنوت الختم لسة وافقتي تتجوزيني ليه، و قبل ما تكذبي أنا عارف إنك بعد ما الدكتورة مشيت من عندك بيومين في إجازتك الشهرية...
عادت خطوة للخلف مبتلعة ريقها الجاف بصعوبة، تتمنى لو تنشق الأرض و تبلعها لتهرب من تلك المواجهة النارية، ضمت أصابعها لبعض لا تعرف ماذا تقول ليقول هو بدلا منها بحنان :
_ عشان زي ما قلبي دق عشانك قلبك دق عشاني، قوليها بقى عشان أنا و أنتي نرتاح...
لم تنطق بكلمة واحدة، ليقترب منها أكثر عينيه محدقة بالفاكهة المحرمة عليه منذ أول لقاء بينهما، يود أكل تلك الشفاه لعله يرتاح، خاب أمله مع وضع كفها على شفتيه قائلة بسخرية :
_ أيوة كنت عارفة بس عقلك واخدك لحتة مالهاش أي علاقة بالحقيقة يا نجم مصر، أنا وافقت عشان آخد حقي منك و أحرق قلبك و دمك يعني بضيع وقتي مش أكتر من كدة يا فارس يا مهدي، بلاش ترسم أحلام...
زاد خبثه أكثر مع إجابته :
_ و لا يهمك يا روحي المهم إنك معايا و الشاطر اللي يضحك في الآخر...
_ أوعى بقى عشان أعرف أبيه فين...
فتحت هاتفها تحاول الاتصال على رقم شقيقها إلى أن لفت انتباهها هذا الإشعار الظاهر على الفيسبوك لتقرا بصوت عالي :
_ حريق قصر رجل الأعمال فوزي الخولى و معه ابن شقيقته فاروق المسيري بليلة زفاف شقيقاته الفتيات... أخويا يا فارس أخويا....
_____ شيماء سعيد _____
قبل ساعة ونص...
خرجت هاجر علوان من حي المغربلين مع جميع رجال الحي، لأول مرة ستقف أمام فوزي الخولى بعدما عاشت سنوات مجرد خاضعة له، رفعت رأسها بثقة و هي تصعد بسيارة السيد منصور و باقي رجال الحي بسيارات نقل كبيرة...
نظرت للطريق أمامها بقلب متلهف و عقل شارد، سنوات عمرها تدور أمام عينيها لترى كم مرة بكت و كم مرة اختارت خطأ، وصلوا لمنزل فوزي الخولى الذي يعتبر أكلته النيران، تجمدت ساقاها بالأرض هل هو مات قبل أن تأخذ بثأرها منه؟!.. أحترق المنزل و احترقت ذكرياتها معه؟!.. وجعها انتهى أم مازال للحديث بقية...
تغلبت على نفسها و حاولت النزول من السيارة إلا أن يد الحاج منصور منعتها من الحركة قائلا :
_ رايحة فين يا بنتي البيت بيتحرق، لو الراجل ده جوا يبقى مات...
أزالت يده من عليها بقوة صارخة :
_ و إحتمال كمان كارم يبقى جوا البيت ده في الخير و الشر أكتر راجل بكرهه و أكتر راجل بحبه و لو هما الاتنين جوا يبقى أنا كمان لازم أبقى جوا...
فرت من أمامه بلمح البصر ليطلب الإسعاف و المطافي و الشرطة قبل أن ينزل خلفها، أخذت تركض داخل المنزل بكل قوتها و كأنها تحارب الزمن، البيت منفجر و النيران تأكله مات من تبقى لها سند بتلك الحياة...
صرخت من أعماق قلبها باسمه :
_ كارررررررم...
توقف عقلها عن التفكير كل ما يهمها الآن الوصول إليه حتى لو لم يتبقى منه سوي الرماد، سقطت دموعها لا يوجد مدخل للمنزل.. لمع بريق الأمل بمقلتيها مقررة الذهاب من الحديقة الخلفية، دارت من حول المنزل ليسقط قلبها أرضا و هي ترى جسد فاروق ملقى على الأرض و ملابسه محترقة يمسك فوزي بكل قوته حتي لا يتحرك من مكانه...
يحارب من أجل البقاء، اقتربت منه برعب قائلة :
_ فاروق أنت فيك أيه مش قادر تتحرك ليه الحمد لله مفيش حروق..
رفع عينيه إليها بتعب يحاول التغلب عليه هامسا بصوت شبه منعدم :
_ أنا آسف مقدرتش زمان أحميكي، امشي من هنا و قولي لفارس ولادي أمانة في رقبته...
حركت رأسها برفض و دموعها تغرق وجهها، هذا صديق طفولتها و سندها حتى قررت هي ابعاده عن حياتها، جلست بجواره على الأرض مردفة بتقطع :
_ أنت مش هيحصل لك حاجة، أنا اللي آسفة مسمعتش كلامك و كنت غبية عشان بعدت عنك، محدش هياخد باله من ولادك الا أنت يا فاروق، خليك قوي زي ما أنت دايماً قوي و الكلب ده لازم نهايته تبقى على ايدي أنا يا فاروق أنا و بس...
استغل فوزي هذا النقاش الأسرى الذي لم يحرك بداخله أي مشاعر ليضرب ساق فاروق المصاب مبتعدا عنه، يجب أن يفر من هنا حتى يذهب لحبيبته و يأخذها بعيدا عن الجميع..
صرخ فاروق بكل قوته :
_ تعالى هنا يا كلب لو دي النهاية يبقى لازم تموت معايا قبل ما تلمس شعرة واحدة من مراتي....
لم يرد عليه الآخر مكملا طريقه للخارج إلا أنه سقط على الأرض فجأة بعدما ضربته هاجر على ساقه بغل مرددة :
_ أنت فاكر نفسك رايح فين، خربت حياتنا كلنا و دلوقتي عادي بكل بساطة عايز تمشي، لأ يا فوزي بيه اللي زيك لازم يتحرق بالنار اللي عملها بايده، لازم أشوفك بتولع و وساختك بتولع معاك...
قهقه الأخر بضحكته التي كانت ترعبها دائماً و تجعلها تفعل ما يأمرها به، مازال يلعب على وتر الخوف لديها الا أنها صرخت بغضب جنوني :
_ مش خايفة سامع يا فوزي الكلب أنا مش خايفة منك و لا عمري هخاف تاني...
_ القطة كبرت و بقى ليها صوت خلاص اتعلمت تقول لسيدها و تاج رأسها لأ بعد ما كنت بتعمل جزمته مخدة تنام عليها....
تلك الذكريات أرهقت جسدها، روحها، أصابتها بحالة من الجنون لن ترتاح إلا بعد خروج روحه من بين صدره، لا تعرف من أين أتت لها هذه القوة التي تجعل كفها الرقيق ينزل على وجهه بقسوة قبل أن تبصق عليه بتقزز :
_ أنت زبالة مريض نفسي عشت حياتك كلها عندك شعور بالنقص و قلة القيمة حاولت بكل الطرق تقلل من اللي حواليك بس الحقيقة إن مفيش قليل غيرك... كارم فين؟!... انطق...
ابتسم لها بسخرية قائلا بتلاعب :
_ مهو يا تنقذي فاروق بيه اللي بيطلع في الروح وراكي لا إما تنقذي الشاطر حسن بتاعك اللي برضو بيطلع في الروح في المخزن اللي قضينا فيه شهر العسل يا روحي...
ألقت نظرة على ابن خالها الذي فقد الوعي و لذلك اللعين بعجز، من تختار و كيف سيكون الاختيار، عادت لصفعه من جديد بغل أقوى و بعدها ضربت ساقها بمنطقة تحت الحزام، تكرهه، زادت دموعها إلا أن صوته أعادها للحياة من جديد، رفعت رأسها لأعلى تجده أمامها و معه أزهار زوجة فاروق، ركضت إليه تلقي بجسدها بين أحضانه...
بخطوات غير متزنة اقتربت من جسده الساقط على الأرض، جلست ثم وضعت رأسه على صدرها بكف مرتجف، تحاول إخراج أي كلمة من بين شفتيها إلا أن أصابها الخرس، اعتادت عليه قوي صارم وقح، اعتادت على حبه، دلاله، غزله، حتى إنتقامه خاضت تجربته إلا أنها لأول مرة تراه مثل الجثة الهامدة.
حركت يدها على ملامحه مبتلعة ريقها الجاف مردفة بأنفاس متقطعة :
_ فاروق رد عليا أنا شكولاتة مش أنت دايماً بتحب تقول ليا كدة، اصحى عشان نمشي من هنا و نبدأ حياتنا من أول و جديد مش أنت بتحب الشكولاته فتح عينيك و مش هحرمك منها أبداً بس بلاش تعمل فيا كدة أبوس ايدك، أنت دلوقتي أبويا و أخويا و جوزي يا فاروق أرجوك بلاش تحرق قلبي عليك بقى...
به نفس إلا أنه بعالم آخر لا يسمعها و لا به قدرة على الرد عليها، صرخت، بكت، ترجته، انهارت بين يديه إلا أنه لم يشعر بحريق قلبها، نزلت بشفتيها على شفتيه لتعطيه قبلة الوداع، قبلة دامت لدقيقة كاملة حتى انقطعت أنفاسها...
شعرت بلمسة تمقتها على ظهرها لترفع وجهها لفوزي بابتسامة تدل على جنونها مردفة :
_ خطتك نجحت و فاروق خلاص مات، دلوقتي بقى دوري أنا عشان أرتاح بتحبني يا فوزي صح؟!...
اتسعت ابتسامته و هو يحرك رأسه عدة مرات بسعادة و عشق لأول مرة يظهر صادق، حاول كارم الاقتراب منه إلا أن سقوط هاجر فاقدة الوعي بين يديه أوقفه، تركت رأس فاروق على الأرض قبل أن تعطي له قبلة أخرى، قامت من مكانها في مواجهة الخولي قائلة :
_ قولها يا فوزي عايزة أسمعها...
أجابها بلهفة شخص فقد عقله :
_ بعشقك يا أزهار أنا كلب ليكي...
أخذت قدميها تعود للخلف مقتربة من القصر الذي مازالت النار تأكله قائلة بقوة غريبة و هي تشير للقصر :
_ لو فعلاً عايز تبقى كلب ليا أدخل جوا القصر ده و أخرج منه سليم...
بطاعة غريبة نفذ أمرها مع علمه أنه لن يخرج لكنه مكتفيا أن يكون هذا طلبها الأخير له هامسا بعشق :
_ مع السلامة يا ست الناس بحبك و هحاول أخرج لك....
رأته و هو يحترق أمام عينيها لتعود الي حبيبها تنام بين أحضانه مستسلمة لتلك النهاية مهما كانت صعبة، ها هي بين أحضان زوجها و المنتصف بينهما بطنها الساكن بها طفلهما الصغير :
_ نام يا فاروق و أنا كمان هنام معاك....
