رواية عاصفة باسم الحب الجزء الثاني2من(حي المغربلين) الفصل الخامس5بقلم شيماء سعيد


رواية عاصفة باسم الحب الجزء الثاني2من(حي المغربلين)
 الفصل الخامس5
بقلم شيماء سعيد





جلست جليلة على مقعدها بالقهوة تفكر كيف تعود بعائلتها الصغيرة لبر الأمان من جديد، هذا فنجان القهوة السادس تشربه بنفس الساعة و لا تشعر بنفسها... 

سنوات تبني و بليلة واحدة كل شيء يسقط فوق رأسها كأنها لم تفعل شيئاً، عاد بخيالها إلى وصية أبيها و على ما تنصه و هذا فعلاً فعله فاروق بالضبط، تأخذ منه هي و أخواتها ما تريد و لكن كل شيء بإسم فاروق و تحت وصايته... 

أغلقت عينيها بصداع شديد قائلة لنفسها بحسرة :

_ يا ريته كان قال الكلام ده قبل ما يموت يمكن كان اتغيرت حاجات كتير، كل حاجة بتضيع من بين إيديا و أنا بس واقفة اتفرج عليها، لا قادرة أرجع فريدة و لا حتى أواجه أزهار... 

جاءها صوته الحنون ليزيد حسرتها ألف حسرة، من أجله خسرت عائلتها و مركزها خسرت جليلة هانم المسيري رئيسة مجلس إدارة شركة المسيري و خسرته هو الآخر حتى طفلها منه لم تقدر على الحفاظ عليه... 

فتحت عينيها له تسمع صوته فقط لعلها ترتاح قليلاً :

_ هتفضلي لحد امتا كدة يا جليلة الدنيا كلها بتتحرك و أنتي لسة زي ما أنت واقفة مكانك.. 

لأول مرة تعلن راية الاستسلام مردفة :

_ أنا تعبت يا منصور و خلاص مش قادرة أعاند في الدنيا و تعاند فيا أكتر من كدة... 

جذب مقعده ليجلس بجوارها متلهف على أي كلمة منها إليه حتى لو كانت بسيطة، أبتسم إليها بأمل كبير قائلاً :

_ تعالي ننسى اللي فات يا جليلة و نرجع.. تعالي مش كفاية بقى اللي راح من عمرنا، نبقى عيلة و نحب بعض و نخاف على بعض عايز أعيش الباقي من عمري بين إيديكي... 

دارت بوجهها إليه قائلة بإبتسامة باهتة :

_ مهي المشكلة هنا يا منصور إنك أنت بس اللي عايز و طالما عايز يبقى الكل ينفذ و بس، أوعى تكون فاكر الأيام بتنسي الوجع زي ما الناس بتقول.. لا الأيام بتخليك تتعود عليه تبقى أنت و هو أصحاب..لا هو بيروح و لا أنت بتنسى، روح وكالتك أقعد مع نفسك و فكر احنا هنا ازاي وصلنا بسبب مين و بعدها هتعرف إننا مستحيل نكون سوا... 






بحركة يراها الكثير جريئة إلا أنها مشتاقة من قلب أرهقه الهجران، وضع يده على فخذها قائلاً بقوة :. 

_ أنا السبب عشان كنت أناني بس مش هفضل الباقي من عمري محروم منك.. لو فاضل ليا يوم واحد أنا مصمم أعيشه معاكي... 

______شيماء سعيد______

بالمشفي الموجودة بها هاجر علوان بداخلها حرب قائمة بين رجل الشرطة و الإعلام و هو يقف بعيدا بقلب مقطوع، عينيه على تلك الغرفة التي تعاني هي بها لتعود للحياة مرة أخرى... 

ألقى بجسده على الأرض باهمال عالمها كبير عليه هو مجرد نقطة ببحر كبير هي سيدته، خفقات قلبه ترتفع فجأة و تقل فجأة مرعوب عليها مع أنه كان ينوي قتلها، سقطت دموع كارم الريس لأول مرة لم يتوقع هذا الوجع أو قادر على تحمله... 

وضع يده على وجهه يخفيه مردفا :

_ يا رب أنا ماليش غيرك خليها ترجع ليا تاني حتى لو هي وحشة أنا قابل بيها هحاول أطلع منها إنسانة كويسة بس و الله العظيم مش هقدر أعيش يوم واحد من غيرها... 

أبعد وجهه عن كاميرات التصوير التي تلحقه مثل ظله بكل نفس يخرج منه منتظر قرار الطبيب الحاسم بعده فقط سيكون طوق النجاة أو ضربة الموت... 

قام سريعا مع رؤيته لتلك الطبيبة التي ساعدته قائلة :

_ لو سمحتي قوليلي هي عاملة إيه... 

نظرت إليه الأخرى باشفاق :

_ مش وقت كلام الطعنة كانت قوية جداً في ضهرها و من الواضح إنك وصلت في وقت متأخر نزفت دم كتير.. الحالة صعبة دلوقتي هنعمل لها نقل دم روح صلي و ادعي ليها... 

أوما إليها مثل الطفل الصغير الذي لا يعرف بالحياة شخص إلا والدته إذا ذهبت سيذهب معها كل شيء، جلس على أرض المسجد بعد الإنتهاء من الصلاة يبكي ليس لسبب واحد بل للعديد من الأسباب :

_ يا رب قومها على الأقل يبقى ليها باب مفتوح للتوبة هي مش وحشة أوي من جوا، يا رب ارحم قلبي و ارحمها... 

_____شيماء سعيد_____

الصدمة جعلتها تفقد جميع حواسها انفصلت عن أي مؤثرات خارجية.. فقط عقلها يرن به كلمة واحدة حامل، كلمة كانت تحلم بها بشكل مختلف و طريقة مختلفة رسمت لها أكثر من سيناريو سعادة ذهب كل هذا بمهب الرياح.... 

من الواضح أن دموعها جفت لدرجة تمنعها من سقوط دمعة واحدة منها، جسدها لا يشعر بشيء.. عينيها لا ترى شيء حتى أذنيها لا يصل إليها أصوات.. 

تهز رأسها ببطء منتظرة اي كلمة من الطبيبة تنفي ما قالته منذ قليل، دلف عليها الغرفة يحاول بقدر المستطاع إخفاء سعادته، إقترب منها يقدم ساق و يؤخر الآخر حتى جلس على الفراش بجوارها وضع كفه على ذراعها مردفا بنبرة حذرة :

_ فريدة أنتي كويسة؟! 

حركت رأسها نافية دون رد ليسألها من جديد و يحثها على إخراج ما بداخلها :

_ طيب حاسة بإيه قولي أنا سامعك.. 

بعيون أكلها الحزن و أصبح مصيرها الضياع.. همست بنبرة ضعيفة وصلت إليه بصعوبة :

_ مش حاسة بأي حاجة.. 

ابتلع غصته المريرة بحلقه قائلاً :

_ زعلانة و الا مبسوطة بالخبر اللي الدكتورة قالته؟!.. 

أخرجت من بين أعماق قلبها تنهيدة حارة حتى الآن غير قادرة على التفريق بين مشاعرها أهي سعيدة أم حزينة؟!.. بداخلها قطعة صغيرها منها ستكبر تحمل الكثير من طباعها و ملامحها و لكن و آه من و لكن طفل بلا نسب أو هوية... 

رفعت رأسها إليه أخيراً قائلة بنبرة متحشرجة :

_ هو المفروض أكون فرحانة و الا حزينة؟! المفروض بعد ما قالت مبروك المدام حامل أحس جوايا بايه و مشاعري تبقى عاملة إزاي؟! أنت حاسس بأيه؟!.. 

حالتها غريبة و ربما تكون على وشك الانفصال عن العالم، خائف متوتر من صمتها هدوئها هذا بحد ذاته مقلق، ابتسم إليها مردفا :

_ مبسوط جداً عشان هيكون عندي طفل منك.. جوايا فرحة ممكن تتوزع على الناس كلها و تزيد كمان..

بدأت تتحول ملامحها الهادئة شيئا فشيئا كأنها كانت تنتظر أي كلمة منه لتشتعل بها نيرانها لتحرق نفسها بها قبل أن تحرقه، غل لم يراه بعينيها من قبل تضغط على أسنانها بجنون صارخة :

_ فرحان أنت بجد.. فرحان إن هيكون ليك ولد أو بنت من الحرام؟! يعني مش كفاية الزنا لا كمان بقى في طفل عايز توزع على الناس سعادة و أنت مدمر سمعة و حياة بنت المفروض أنها من دمك... 

فريدة فقدت عقلها هذا واضح مثل الشمس لمن لا يرى من الأساس، عادت إلى هدوئها بعد تلك الكلمات ابتلع ريقه الجاف بصعوبة بالغة قائلاً :

_ مفيش فضيحة أو أي حاجة وحشة هتحصل أنا إبن خالتك و بنحب بعض من زمان هتقدم و نتجوز و بعدين هنسافر لتصوير المسلسل بتاعي في بيروت هنقعد هناك سنه نرجع و معانا ابننا، صدقيني مفيش أي حاجة ممكن تقرب منك يا فريدة...

أومات إليه بهزات متتالية و هي تمد جسدها على الفراش بتعب مردفه :

_ اللي أنت شايفه صح اعمله أنا دلوقتي بس عايزة انام مش قادرة أفتح عينيا... 

دثر جسدها بشرشف الفراش جيدا لتذهب هي بنوم سريع لم تأخذ ثواني لتحصل عليه، دقائق بسيطة و بدأت حرارة جسدها بالارتفاع و شفتيها تتحدث مع نفسها بأشياء متداخلة، وضع كفه على رأسها قائلا بلهفة :

_ فريدة أنتي سامعني يا حبيبتي فيكي ايه؟! 

رفع سماعة هاتفه يطلب لها الطبيب قبل أن يأمر إحدى الخادمات بجلب ماء بارد مع قطع ثلج، وضع القماشة على رأسها مردفا بحنان :

_ هتبقي كويسة يا حبيبتي و ده وعد مني ليكي... 

بعد خمس دقائق أتت إليه فرحة مردفة بغضب : 

_ في واحدة تحت إسمها جليلة عايزة تقابلك، على فاكرة يا فارس أنا اتخدعت فيك أنت طلعت ظالم و معندكش ضمير... 

______شيماء سعيد______

استيقظ و التعب مسيطر على كل جزء به، يحاول الثبات بقدر المستطاع مع أنه بأشد الإحتياج إلى فترة راحة لا يعلم عددها، اعتدل بجلسته على الفراش ثم نظر بجواره لم يجدها توقع ذلك، من المؤكد بعد ضعفها ليلة أمس قررت عدم النظر إليه... 

قام من مكانه ثم دلف للمرحاض، يتذكر كل لمسة حدثت بينه و بينها، متعة خاصة لا يشعر بها إلا و هو غارق بين أحضانها، في حياة فاروق الغفران صعب و ليكون أصدق مستحيل إلا أنه أعطى إليها صك الغفران على فعلتها يحبها و هذا كافي جداً بالنسبة إليه... 

أغلق صنبور الإستحمام واضعا روبه على جسده، خرج من المرحاض بابتسامة واسعة و عينيه متركزة على الفراش الشاهد على حربه معاها... 

انتهى من إرتداء ملابسه ثم توجه لغرفة الطعام جلس على السفرة و هو يقول لزينب الذي أمر حارسه أن يأتي بها من القصر بهدوء :

_ شوفي مدام أزهار فين و قوليلها معاد الفطار... 

ابتلعت زينب لعابها بصمت لا تعرف من أين تبدأ معه الحديث، رفع رأسه إليها بتعجب قائلاً :

_ إنتي واقفة بتعملي ايه روحي نفذي اللي قولتلك عليه... 

أخذت أنفاسها المتوترة بصعوبة بالغة قبل أن تقول و هي تنظر للأرض :

_ أزهار هانم مش هنا يا فاروق بيه أنا من ساعة ما جيت و هي مفيش ليها أثر في الأول قولت أكيد هي في أوضة حضرتك بس من عشر دقايق الحارس قالي إنها مش موجودة و باب المطبخ مفتوح... 

تجمد جسده بالمقعد يستحيل أن تفعلها به أزهار للمرة الثانية، نغزة قوية أصابت قلبه تعلن أنها بالفعل رحلت، أشار للخادمة بالانصراف جذب مفرش السفرة ليسقط بكل ما عليه ليزين الأرض... 

حرك رأسه ينفي هذا لقد سامحها و أعطى لها فرصة جديدة على طبق من ذهب، اختفت معالم وجهه من شدة الغضب.. بشرته تنطلق منها الدماء و عيونه بداخلها لمعة شر... 

ضرب كل ما يراه أمامه صارخا:

_ ليه ليه ليه؟! تعملي كدة تاني ليه بس يا حبيبتي ده أنا خلاص كنت ضحيت بكل حاجة عشان أفضل جانبك.. بكرهك يا أزهار أنا دلوقتي بس قدرت أكرهك... 

رنين هاتفه جعل بعض الأمل يدلف إليه لعلها هي تعتذر تفعل أي شيء و سيعود إليها، خاب أمله و زاد رعبه مع رقم خاله العزيز المزين شاشة الهاتف يطلبه فيديو... 

ضغط على الزر بأصابع مرتجفة إلا أن ملامح وجهه كانت بقوة فاروق المسيري المعتادة قائلاً :

_ خير على الصبح يا خال... 

ابتسم إليه الآخر و هو يحرك كاميرا الهاتف من عليه إلى أزهار المقيدة بفراش فوزي عارية ثم عاد بالكاميرا إليه مردفا بمتعة :

_ رغم إنك سبقت خالك و أنا مش متعود آكل من طبق حد مد إيده عليه قبلي بس بصراحة البت مزة، جات ليا برجليها و الباقي عليا أنا بقى.... 

بتلك اللحظة فقد فاروق كل شيء إنهار و سقط جسده على الأرض... رجولته سقطت، قلبه سقط، كبريائه ضغط عليه الآخر بقدمه، هل ما حدث بإرادتها أم أخذها عنوة... 

صريخها تترجاه أن يأتي و ينقذها ليشعر و لأول مرة بحياته بالعجز، صاح مثل الطير الذي يخرج بالروح :

_ موتك هيكون على إيدي و دلوقتي يا فوزي أوعى تقرب منها أزهار برة حسباتنا... 

قهقه فوزي بنصر و سعادة مطلقة بعدما جلس بجوارها على الفراش جاذبا لها من خصلاتها يذوق حبات الشوكولاتة خاصتها بعنف يأكلها ثم ابتعد عنها قائلا :

_ أنا قربت و أخدت كل حاجة يا فاروق مش لسه هقرب بقولك دي أول واحدة أستمتع معاها كدة خصوصا و هي بتقول ابعد عني أبوس رجلك الحقني يا فاروق، عشان أنت غالي على قلبي هعيد المشهد تاني أوعى تقفل الكاميرا اتفرج بنفسك... 

ضحك أكثر مقتربا منها يعيد ما فعله ليلة أمس أمام دموع فاروق المسيري الحارقة.. و صريخها الممزوج بصريخه... 








تعليقات



<>