CMP: AIE: رواية قصة السجادة الفصل الخامس بقلم شهد جاد محمد
أخر الاخبار

رواية قصة السجادة الفصل الخامس بقلم شهد جاد محمد


رواية قصة السجادة
بقلم شهد جاد محمد
الفصل الخامس



فجأة وبدون مقدمات تذكر "فؤاد" وهو على مكتبه في العمل .. زخارف السجادة التي رآها بالأمس لم تكن منتظمة ! هذا ما لفت نظره قبل أن تبدأ أخته في البكاء.. فعندما عاد الرجل بسرعة إلى السجادة لم تنتظم الزخارف في نفس الأشكال بالظبط ..

إذن ربما تكون أخته على صواب .. رغم صعوبة تقبل الفكرة ، لكنه التفسير الأقرب للمنطق لما حدث لزخارف السجادة .. ليس معقولا أن أخته هي التي فككت الخيوط والوبر وفعلت هذا ..

أخرج العنوان من جيبه واستأذن من عمله ليغادر مبكرا .. سمح له مديره بصعوبة فقد جاء متأخرا أصلا ، لكنه أخبره أن اخته مريضة وهو يرجو في داخله ألا يتجاوز الأمر مسألة المرض والخيالات ..

استغرق الطريق إلى ذلك المنزل ساعتين ، لكنه وصل إلى الشقة التي كانت ترقد على أرضها تلك السجادة الرهيبة ذات يوم.. طرق الباب بحرج ، وهو يحاول أن يتذكر الكلمات التي جهزها طوال الطريق ليقولها في هذا الموقف..

فتح الباب رجل عجوز يتحرك بصعوبة ، وإن كانت نظراته تشي بذكاء واضح .. أرتبك "فؤاد" قليلا وهو يشرح سبب حضوره :"لقد اشتريت سجادة من أحد البائعين و .." ، لم يكمل عبارته فقد قاطعه الرجل باشارة من يده داعيا إياه للدخول !

زال الارتباك عن "فؤاد" وحلت مكانه الدهشة ، فالرجل يبدو وكأنه يتوقع قدومه .. جلس "فؤاد" حيث أشار إليه الرجل وظل صامتا في انتظار أن يسمع منه شيئا عن السجادة ، لكن الرجل لم يتكلم .. فتنحنح "فؤاد" وقال :"هي سجادة جميلة ، ولكن أختي الصغيرة لديها خيال واسع ، تقول إن هناك رجل يخرج من السجادة .. طبعا أنا لم أصدق هذا الكلام لكن بالأمس فقط لاحظت أن زخارف السجادة قد تغيرت. لا أعرف إن كانت هذه تهيؤات أم حقيقة .. قررت أن أحسم الأمر وآتي إليك لتخبرني ما أمر هذه السجادة ؟"

لم يجب الرجل مباشرة ، بل التقط نفسين أو ثلاثة قبل أن يرد بهدوء :"اسمح لي أن أعرفك بنفسي في البداية ، أسمي هو "عماد" ، وأنا رجل عجوز وحيد لا يؤنس وحدتي إلا أحفادي الذين يأتون من منزلهم في الشارع الخلفي .. وفي الصيف الماضي كنت في رحلة طويلة وطلبوا مني مفتاح المنزل لكي يأتوا مع أصحابهم ويوصلوا جهاز الألعاب بالتلفزيون الجديد الذي اشتريته.. لا أحب أن يدخل أحد بيتي في غيابي ، لكن هؤلاء الأولاد كثيرا ما يسألون عني وعندما تصل إلى مثل عمري ستفهم معنى أن يسأل أحد عنك وأنت لم تعد لك فوائد كثيرة"

"لا أعرف ماذا حدث بالظبط ، لكني عندما عدت من الرحلة أخبروني أن الملل قد أصابهم قليلا فقرروا أن يخترعوا لعبة غريبة ، أنت تعرف المراهقين وجنونهم ، كانت اللعبة أن ينزف كل منهم بعضا من دمه حتى يصاب بالإغماء ، ومن يستطيع أن يصمد أكثر يكون فائزا .. نوع من اختبار القوة الاحمق"

"كانت هناك أدوات حادة لقطع الأوردة والشرايين ، وكؤوس لقياس كميات الدم ، وقطع من القطن توهموا أنها كافية لإيقاف النزيف عند الحاجة .. طبعا انتهى الأمر بطلب الإسعاف ولم يصب أحد بسوء كبير من هذه الحماقة ، إلا أنا .. فقد انسكبت كميات كبيرة من الدماء فوق سجادتي التي كانوا يلعبون عليها .."

"أعطيت السجادة لحارس العمارة ليغسلها ، وقد بذل مجهودا كبيرا حتى أعادها كما كانت تقريبا .. بعد تلك الحادثة مباشرة بدأ رجل السجادة في الخروج"

شهق "فؤاد" مفزوعا وقال :"إذن هناك رجل فعلا في السجادة .. اختي لم تكن تتخيل"

قال "عماد" وهو يهز رأسه نافيا :"لا ، أختك لم تتوهم ، لقد أدت تلك الحادثة إلى تحرير روح السجادة فتشكلت على شكل رجل ، وهو شكل مناسب لنموذج القوة التي كان الأولاد المراهقون يتخيلونها أثناء لعبتهم .. إن الأرواح ليست لها أشكال بالمعنى الخاص بنا كما تعلم"

بدا الارتياب على "فؤاد" وهو يفكر بصوت عال قائلا :"ولكن كيف يكون انسكاب الدم وحده هو الذي أتى بهذا الكائن ؟ أعطني سجادة وساسكب عليها طن من الدماء وأتحداك لو تلبس بها جني أو أي روح .. أعتقد أن هؤلاء الصبية كانوا يمارسون طقوسا سحرية أو أي شيء من هذه التخاريف التي تدعي تحضيرالجن".

رد "عماد" : "لقد أصبت في جزء من كلامك ولكن بقيته ليست كذلك .. أنا متفق معك في أن انسكاب كمية من الدم على السجادة لا يحدث تأثيرا على الاطلاق .. لابد أن يكون هناك تعويذة ما ، هذه قاعدة أساسية في السحر أن المواد التي تدخل في الطقس السحري لا تتفاعل مع نفسها تلقائيا هكذا ، لابد أن يلقى شخص ما عبارات معينة أو يقوم بحركات مثلا.. وغالبا ما يكون واعيا لهذا.. لكن هؤلاء الأولاد لن يقولوا الحقيقة أبدا ، ربما تكون قصة لعبة الدم من وحي خيالهم ليداروا بها لعبة أكبر لتحضير الجن مثلا كما قلت.. ولأنهم يعرفون خطورة اللعبة فإن المكان المناسب لتجربتها كان هو بيت جدهم العجوز ، الرجل الذي لم يبق في عمره ولا صحته الكثير ، وأي ضرر سيصيبه فلن تكون الخسارة كبيرة"

كان يتحدث عن تقدمه في العمر بمرارة واضحة ، ويبدو أنه أدرك أن أحفاده يتقربون إليه طمعا فيه ، لا ريب أنه يعطيهم من النقود بعلم آبائهم أو بدون علمهم ليكسب ودهم .. ثم قرر هؤلاء الأوغاد ناكري الجميل أن يلوثوا شقته بالأفعال السحرية. إنه لأمر محزن فعلا ولكن "فؤاد" لم يات ليناقش هذه المشاكل العائلية ..

قال "فؤاد" : "وما الذي أخطأت فيه إذن ، مادمت متفقا معي ؟"

رجع العجوز برأسه للخلف ، وقال :"أنت تعتقد أن هناك روحا قد تلبست بالسجادة ، أليس كذلك ؟" .. هز "فؤاد" رأسه موافقا. فتابع الرجل :"هذا الخطأ شائع جدا للأسف ، ولكن الحقيقة غير ذلك .. كل الجمادات التي تراها وتعتقد أنها بلا حياة بداخلها شكل من أشكال الروح مثلك تماما. في جلسات تحضير الأرواح لا تأتي روح من خارج المكان أبدا ، إنما الذي ينطق ويتحرك هو روح لشيء موجود !"

بدا عدم الفهم على وجه "فؤاد" ، فتابع "عماد" شارحا :"إذا كانت هناك شمعة مثلا فإن الروح تكون هي روح الشمعة ، تتشكل كما يطلب منها الحاضرون حسب التعويذات التي يقومون بها ، لذلك إذا كان الفعل السحري له علاقة بشخص فإن الساحر يطلب أثرا منه ، قطعة من ملابسه مثلا تستطيع روحها أن تتعرف على من قام بلبسها وإذا وجهت لها تعويذات معينة ربما تؤثر عليه. لاحظ أن هذه الأرواح مختلفة عن أرواحنا ، يمكنك أن تتصورها أطيافا ناقصة ليس لها شكل .."

"رجل السجادة ليس روحا أو جنيا سكن السجادة ، إنه هو السجادة نفسها ! والسجادة التي تراها أنت هي قشرته الخارجية ، كما أنك لست الجسد الذي يجلس أمامي . الجسد هو غلاف لروحك .. "

امتلأ قلب "فؤاد" بالرهبة وهو يقلب الفكرة في رأسه .. ولم يمنع نفسه من النظر حوله في قطع الأثاث والمفارش والساتئر وكأنه يتخيل كل هذه الكائنات التي كانت تحيط به من قبل ساكنة جامدة قد دبت فيها الحياة وأصبحت أفرادا ، رجالا ونساء ..

قال "عماد" : "دعنا نعود لقصتنا ، كان رجل السجادة قد بدأ يخرج ويتحرك في المنزل وأنا أشعر به ولكني لم أهتم كثيرا.. في البداية ظننتها تهيؤات رجل عجوز.. كانت السجادة في ذلك الوقت قد أمتلأت بالأتربة وربما وقعت عليها بقايا من الطعام دون أن أنتبه .. كنت مهملا لها ولم أعد أحافظ عليها كما كنت أفعل قبل لعبة الدم تلك .. وعندما بلغت القذارة فيها حدا معينا ، بدأ الرجل في الظهور أمامي.."

"إنه لا يحب أن يتلوث جسده ، لا أحد يحب هذا.. لكنه أيضا لا يملك تنظيفها بنفسها ، فهذه الأطياف ضعيفة ومحدودة الإمكانيات ، ولكنها قادرة على الإيذاء أحيانا.. إن السجادة التي تبقى بلا تنظيف لفترة طويلة قد تصيب صاحبها بأمراض كالربو والحساسية.. سيقول الأطباء أن لهذه الأمراض أسبابا علمية ويضيعون وقتهم في تحليلها ، ولن يصدق أحد أن هذا انتقام من طيف السجادة أو روحها.."

شرد "فؤاد" قليلا وهو يقول :"لقد نظفت أختي السجادة أمس .. أعتقد أنها لا تزال نظيفة حتى الآن"

قال "عماد" : "جميل جدا ما فعلته أختك ، سوف يحبها رجل السجادة ولن يؤذيها أبدا.. لنعد لقصتنا مرة أخرى ، عندما ظهر لي الرجل بوضوح مستنكرا ما فعلته بسجادته كان هذا فوق احتمالي ، فأنا رجل عجوز كما ترى .. أعطيت السجادة مرة أخرى لحارس العمارة لكي ينظفها ثم يتخلص منها ، لن أحتفظ بسجادة تخرج منها روحها وتسير بحرية في شقتي كما لابد أنك لو كنت مكاني كنت ستفعل نفس الشيء .. الحارس طلب مني أن يأخذها لنفسه فرفضت وأصررت أن يبيعها لأتأكد من أنها ستذهب بعيدا عني.. وذات يوم جاء الحارس ومعه بعض النقود وقال إنه باع السجادة.. أعطيته جزءا من النقود واحتفظت لنفسي بالباقي ونسيت أمرها تماما حتى جئت لي اليوم "

ساد الصمت للحظات ، حتى قال "فؤاد" : "معك حق ، يبدو أن هذا هو الحل الأمثل لهذه السجادة ، ساذهب الآن وأتخلص منها.. اعذرني لانصرافي هكذا فجأة ولكن يجب أن أعود للمنزل قبل المساء حتى لا يظهر ذلك الشبح لأختي ."

ثم وقف عازما على مغادرة المكان فاضطر مضيفه "عماد" إلى أن يقوم أيضا ، ولكن وجهه كان يحمل استغرابا وهو يقول :"ومن قال لك أنه يظهر في المساء فقط ؟ 🤨


          
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-