رواية يوسف المسحور بين سبع قبور الفصل الثاني2
《وقف الفتى مدهوشا لا يفهم ما يحصل ،لكن المارد كان مخيفا ،فهرب الأمير من الجناح ولما إبتعد عاد المارد للحائط الذي طلع منه واختفي!!!!》
[الأميرة ندى الورد]
رأى الخدم الأمير يغادر جناحه على عجل دون أن يلتفت وراءه ،فتعجبّوا رأوه ،كان موكب بنت السّلطان يستعد للرّجوع لأرضه ،حينما جاء أحدهم ،فوجد الوزير واقفا ،فحكى له ما حصل،قال الوزير :قد يكون يريد شيئا ،ليس هناك ما يدعو إلى القلق!!!أجاب الخادم : لقد لمحت الذّعر على وجه سّيدي ، كأنّي به شاهد شيئا أخافه ،إحتار الوزير، وقال : لا أعتقد أنه يوجد عند الأميرة ما يخيف فهي رقيقة كنسيم الهواء، وكل من يعرفها يحبها لطيبة قلبها وأدبها !!! لكن ليطمئن قلبي سأمرّ الأمير وأعرف ما جرى ،
وما كاد يتحرّك من مكانه حتّى رأى الفتى جالسا في لأحد الأركان ة،وقد إنكمش على نفسه ،فإقترب منه ،وسأله: مالي أراك مكسور الخاطر ؟ هل حدث ما نغّص فرحة عرسك ؟ نظر إليه بعينين زائغتين، وأجاب : لا يوجد شيئ ،والأميرة من ألطف البنات ،وهي تحبّني ،لكن لمّا دخلت عليها
أظلمت الدّنيا في وجهي ،وأحسست بضيق في صدري ،ولقد تشاءمت من هذا الزّواج ،ومن الأفضل أن نفترق هذا الإحساس يساورني كلما أراها ،ولعلّه سحر،دسّه البعض لي ،أرجوكم يجب أن تفهموا أنّي لم أقصد الإساءة للسّلطان، ولا لإبنته ،ما حدث لي اللية حقّا مخيف .
طبعا لم يقدر أن يتكلّم عن الجن الذي رآه في الحائط ،وما قاله له ثم أخفى وجهه بين يديه، وبكى !!! إنزعج الوزير ممّا سمعه ،وضرب كفّا بكف وقال : ويحي ،ماذا سأقول للسلطان ؟ فأنا الذي شجّعته على تزويج بناته ،ولا شك أنّه سيصبّ عليّ جام غضبه ،لكن في النهاية ذهب إليه و،قال لهّ هناك من يضمر لنا السّوء ،وسحر الأميرة لكي لا تتزوّج ،إندهش السّلطان من هذا الخبر ولم يعد يستطيع الوقوف ،أحضرت له جارية كرسيا جلس عليه ،وقال :سأحاول إقناع ذلك الفتى بنفسي !!!
أجاب الوزير: لا فائدة يا مولاي، فلقد إقترحت عليه كلّ شيئ ،حتّى السّكن في واحة خضراء ،أو قرب البحر ،لكنه خائف من شيئ لا أعرف ما هو !!! قال السّلطان: إذن أنا في مصيبة ،ماذا سيقول الناس على الأميرة نور ،بعدما كانت سيرتها مثل المسك ،ومضرب الأمثال في في العفة والأخلاق ؟ ولاح عليه الحزن الشديد ،وبقي يتساءل كيف يحلّ هذه المشكلة ،فكّر الوزير ،ثم قال : ليس هناك سوى حلّ احد يا مولاي !!! صاح السّلطان : وما هو يا رجل ؟ صمت الوزير قليلا :ثم أجاب : سنزوّج الأمير من الأخت الوسطى ،ولن يعلم أحد بذلك ،ونخفي شأن الأميرة نور !!! قال السلطان: فكرة مدهشة ،ولن يحسّوا بشيئ .
لم يعترض محمود ،ووافق على للزّواج ،من ياسمينة أخت الأميرة نور ،لكنّه لمّا أراد الدّخول لجناحها ،خرج له المارد مرّة أخرى، والشّرر يتطاير من عينيه ،وقال له :هذه البنت ليس لك ،وهي مكتوبة للكلب ذو السّبعة سلاسل ،فخاف وهرب مثل المرّة الأولى ،وصل الخبر للوزير ،فجاءه وقد ظهر الإنزعاج الشّديد على وجهه ،فسأله ما الذي يحدث معك بحق االله ورسوله ؟ أعاد عليه ما قاله من قبل ،و أنه يحس بإنقباض في قلبه لا يعرف مصدره ،وهو مضطر لطلاق الوسطى أيضا ،لم يعرف الوزير ما الذي سيقوله للسلطان ،وخاف من غضبه إن سمع بما جرى .
تردّد قليلا ،ثم جاء للسلطان الذي كان يهم بركوب عربته والإنصراف ،وقال له : لقد أعاد الأمير فعلته مع الأميرة ياسمينة ،وهرب منها ،كاد السلطان أن يسقط أرضا ،لكن الوزير أسنده على كتفه فوقف السلطان ،وقد إحمر وجهه من الغضب ،ثم صاح :أين ذلك اللعين ؟ أحضروه لي ليفسر لي ما يحدث ،وإلا ضربت رقبته !!! أنت السّبب فيما ما جرى،هل تعلم ذلك ؟ لقد كنت أنا وبناتي في أحسن حال حتى أقنعتني بتزويجهنّ أنت وأولئك الشّيوخ من حكماء المملكة ،هل رأيت الورطة التي نحن فيها الآن ؟
إنتظر الوزير بصبر حتى هدأ السلطان ،ثم قال له: لو تعرّضت لذلك الفتى محمود لأعلن علينا أبوه الحرب ،ولا يخفى عليك أن جيشه يفوقنا عتادا وعدّة ،وهو صديقك ومن حلفائك المخلصين !!! أرى يا مولاي أن نزوج الأمير البنت الصغرى ندى الورد ،ونخفي خبر الأميرتين، ولن يعرف أحد بسرهما ،وسيعتقد النّاس أنها هي عروس الأمير،فكّر السّلطان وفكر ثم قال: إن حاول الهرب مرّة أخرى فلن أتردّد في إرسال من يقتله ،ولعلمك أنا لا أدع ولدا لئيما يسخر منّي ،هل فهمت ؟
لم يجد الوزير شيئا يقوله ،وبعد أيام جاء موكب ندى الورد ومعه رجل ملثّم ،إختفى في حديقة القصر ،بعد أن طلب السّلطان منه قتل محمود إن لم يدخل على زوجته الليلة .جلست الأميرة على
فراشها ،وإقترب محمود وهو يحاذر من مارد الجنّ ،لكن لم ير شيئا ،ففرح بعروسه ،انتظر السّلطان ،حتّى إطمأنّ على إبنته الصغيرة ،وقال في نفسه : هذه المرة يمكنني أن أذهب إلى فراشي ،وأنام قرير العين ...
لكن ماذا سيحصل للبنت الكبرى نور التي رأت مارد الجنّ ،وسمعت بالأمير يوسف المسحور الذي كتب لها القدر أن تتزوج منه ؟
...
[رحلة البحث عن المكتوب ]
مرّت الأيام ولما مضى أسبوع على زواجها جهّز السلطان نفسه، وأخذ بناته ومربّيتهم وذهبوا إليها في موكب عظيم فيه عشرون جملا محملا بالهدايا النفيسة من عطور وثياب وبخور ،وإستعظم الناس ما رأوه ،ووقفوا في جانبي الطريق يهتفون للأميرة ندى الورد بالسّعادة ،إبتهج السّلطان بنجاح حيلته ،فالكلّ يعتقد أن الأمير عشق إبنته الصّغرى وتزوجها ،ولا يعلمون ما حصل لأختيها الأكبر منها .
لمّا وصل الموكب فرحت البنت بأبيها وأخواتها وأرتهم قصرها فدهشوا لجماله ،ولكثرة الورد والرياحين والمياه الحارية ،ولمّا سألوها عن حالها أخبرتهم أن الأمير فتى لطيف ويحبها، ويحضر لها كل ما تشتهيه ،ومشكلتها الوحيدة هي أنها لا تقدر أن تزورهم لبعد الطريق ،فقال ها أبوها سأترك أختك الكبيرة معك لتأنسك ونعود لأخذها المرة القادمة ،قالت البنية وبعد ذلك أترك أختى الوسطى ياسمينة ،فقال السلطان موافق ،ولن أتركك وحدك ،ثم حضر الطعام ورصف العبيد الأطباق على الموائد وكان فيها أصناف الطيور من حجل وسمانى وبط ودرّاج ،والسّمك ،ثم دارت الأشربة والحلوى ،والتمر، فأنبسطت نفس السّلطان ،وسرّ كثيرا بإبنته .
وفي الغد ودّع ندى الورد ونور وقال لهما : إستمتعا بوقتيكما ،يمكنني الذهاب وأنا مطمئن ،فالملك صديقي ووعدني أن يرعاكما مثل أهله ،ما كاد يبتعد ،حتى قالت لأختها :أريد أن أعرف ماذا حصل ليلة عرسي، فلقد سمعت صوتا خشنا يكلّم الأمير، وإثر ذلك خرج من عندي لا يلوي على شيئ ،وناديته فلم يلتفت إليّ ،فلقد كان خائفا جدّا ،إستمعت ندى الورد ،ثم قالت : فعلا إنّها حكاية عجيبة ،سأسأله عمّا حصل ،وغدا أخبرك بما قال !!!
في المساء قالت ندى الورد للأميرلقد سمعتك أختي ليلة عرسها تكلم أحدا ،ويبدو أنه جعلك تتركها وتهرب ،أجاب الأمير :لم يحدث شيئ !!! ما الذي دفعك إلى الحديث عن ذلك ؟ هيّا نذهب إلى الحديقة ،لنروّح عن أنفسنا وننسى الأمر !!! تلطفت البنت معه، وأطعمته عنبا بيدها ،وأعادت السّؤال ،فقال لها : حسنا سأجيبك ،لكن يبقى ذلك سرّا بيننا !!! أومأت برأسها ،فنظر إليها ثم قال: لقد خرج مارد من الجنّ، وأخبرني أنّ أختك الكبرى مكتوبة ليوسف المدفون بين سبعة قبور ،ولقد هددني بسيفه الضخم ،ووأعترف لك أنّي خفت منه .
سألته ،وهل قال شيئا آخر؟ أجاب: لقد إختفى بسرعة ،والآن هيا نواصل طعامنا وشرابنا بهدوء .في الصّباح أخبرت الأميرة أختها بما سمعته ،فتعجبت من هذه الحكاية ،وقالت: ليلة عرسي حلمت أنّي ضائعة وسط غابة كبيرة ،وفجأة خرج فارس جميل الوجه من بين الأشجار، وأركبني ورائه على حصان من كرام الخيل، وقال: سأوصلك إلى قصرك ،أتذكّر أني كنت سعيدة ،لكن خرجت أشباح سوداء ورائنا ،فأنزلنى على الأرض وطلب مني الإختفاء بسرعة ووعدني بالرّجوع .لكن مضى النهار ولم يأتي أحد ،ثم أفقت من نومي ،وقلت يا له من حلم جميل !!! والآن تأكّدت أني لم أكن أحلم، وذلك الفتى هو يوسف،و لا يمكن أن أتركه وحده !!!
إنزعجت أختها وضربت على صدرها ،وصاحت لو علم أبوك السلطان فسيعاقبك بشدة ،وأنا معك !!! ثم أين ستبحثين عليه ،فالغابات كثيرة ومتشابهة ،ردت عليها إذا رأيتها فسأعرفها فهي مليئة بالفراشات الملونة رائعة الجمال ،وأبي لن يرجع قبل أسبوع ،وخلال ذلك الوقت أكون قد عثرت على يوسف .فكّرت أختها قليلا ثم قالت: لن أسمح لك بالذهاب إلا إذا رافقك حرّاسنا !!! أجابت الأميرة نور: سأذهب وحدي لكي لا ألفت الإنتباه ،سأتنكر في زي رجل فقير،وأركب حمارا ،ولا تخافي عليّ، فأبي علمنا جميعا كيف نقاتل بالسيوف ،سآخذ واحدا وأخفيه في طيات ثوبي .
في الغد كان الحمار جاهزا ،وعليه زاد وقربة ماء ،فودّعت الفتاة أختها الصغيرة التي شرعت في البكاء ،فقالت لها: لا تبكي، سيكون كلّ شيئ على ما يرام !!! فمن حقّي أن أبحث عن سعادتي ككلّ البنات ،ثم سارت في طريقها تدخل من غابة وتخرج من أخرى ،وهي تتأمل في الأشجار ،وتحاول أن تتذكّر ما رأته في منامها ،وطالت الرّحلة ،وجاء أبوها ولم يجدها ،فقالت له إبنته الصّغيرة أنّها خرجت في فسحة في الغابة مع بنات الأعيان ،وسيمضون بضعة أيام ،غضب السلطان منها ،وصاح كيف تسمحين لها بالذهاب دون إذني ؟ سيكون عقابكما شديدا .
ندمت الأميرة على ترك أختها تذهب وحدها،وصاحت: أين أنت يا نور ؟ وكيف تفعلين بي ذلك ؟ أمّا نور،فقد وصلت إلى غابة كبيرة ،ثمّ جلست على الأرض ،وفتحت جرابها ،ثمّ قالت في نفسها :لم يبق معي الكثير من الطعام والماء ،إن لم أجد شيئا هنا فسأرجع من حيث أتيت !!! وبينما هي تفكّر جاءت فراشة وحطت على كفّها ،ثم تجمّعن حولها ،فرحت البنت وقالت :إنها نفس الفراشات الجميلة التي رأيتها في الحلم ،ثم بدأت تمشي وتنظر حولها ،وفي بعض الأحيان تنادي يوسف ،إلى أن وجدت شجرة توت برّي ،فتسلفتها وشرعت في الأكل.
ومن بعيد شاهدت شيئا يلمع تحت الشمس ،فنزلت وذهبت لترى هذا الشيئ الغريب ،فوجدته رخامة مصقولة مسحت عليها التراب فإنعكست عليها صورتها كالمرآة فتنهدت وقالت
يا رخامة ما أجملني
وما أحلى وجهي
لكن السعد غاب عني
ويوسف أراه في أحلامي
ولبيت النداء
لكنه وعدني بالحب وما أتى
لكن الفراشات اللواتي كنّ يطرن حولها، ضحكن، وقلن لها بصوت جميل:
لا تكثري في الكلام
يا باحثة عن سعدها
ستأتيك الأيام بما كتبته لك
لكن قبل ذلك إرفعي الرخامة
وأنظري ما تحتها
تعجبت البنت مما سمعته ،وقالت :كأن الفراشات كنّ ينتظرن مجيئي إلى هنا !!! من المؤكد أنّ هناك سرّ تحت هذه الرخامة ،لو كان يوسف محبوسا هنا ،سأنقذه وأرجع معه إلى القصر فلقد تأخرت كثيرا على أختي ...
ماذا ستجد البنت تحت الرخامة ، وماذا لو كان فخا منصوبا لها من الجنّ الذي خرج من الحائط ؟
