رواية المطلقه الفصل الواحد والعشرين21 والاخير بقلم حكاوي مسائية

 


رواية المطلقه 

الفصل الواحد والعشرين21 والاخير 

بقلم حكاوي مسائية



الحياة كما فصول السنة ،رغم ان ايامها متساوية إلا ان أيام الخريف والشتاء نفسها أطول من أيام الربيع والصيف ،ثم أننا نتأفف من برد الشتاء ،كما نتأفف من صهد الصيف ،وقد نحب صفرة اوراق الخريف بقدر مانحب خضرة الربيع ،قلوبنا متقلبة ،بالنا ضيق وصبرنا قليل .

الأهم ان نضع نصب أعيننا ان الله رؤوف بنا ،ولن يكلفنا الا وسعنا ،وان فرجه مهما بَعُد قريب . 

عقد مروان على مريم في حفل صغير دافئ بالحب ،حرصت زوجة عمي أن تكون لها ليلة حناء وبعدها عرس زفاف حضرناه نحن ووالديها وطبعا صديقاتي من الرباط اللواتي عرفن مريم وساعدنها ،والأكثر سعادة بيننا كانت زوجة عمي ،التي أصرت أن تحضر امهات الدار مع أولادها لحضور الحفل .

لم يحضر طارق لأنه يتابع تغيير ديكور الشقة كما ينجز أعمالا تعطلت بسبب غيابه وأخرى يجب أن ينهيها قبل زواجنا .

كنا نجلس بحديقة بيتنا بالمزرعة الصغيرة .

-تنقصنا مدام هانم 

-هي الآن في رحلة شهر عسل .

نظرت بدهشة الى مدام أمينة وسط ضحك اميمة وحنان وليلى 

-انشغلتِ عنا ولم تسألي منذ زمن 

-غير صحيح ،كنت اسأل عنكن أميمة 

-لم تسأليني عن مدام هانم ولهذا لم اخبرك .

-الحقيقة أن ما كان من أمر زوجها جعلني أتجنب السؤال عنها حتى لا أسمع عنه.

-لا يا عزيزتي ،ف

بعد ان رفعت دعوى التطليق وكسبتها، طردته من فيلتها ،وعاشت بها مع ولديها ،حتى التقت رجلا احبها وأحبته فتزوجا وهما الآن بإندونيسيا يقضيان شهر العسل .

-والبروفيسور؟

-تزوج ،تصوري من؟

-طالبة عنده ؟

-مساعدته بعيادته ،فتاة تعلمت إعطاء الحقن ،وترتيب ملفات المرضى على الكمبيوتر ،ويبدو انها تعلمت كيف توقع البروفيسور .

-سيقضي معها أياما ويطلقها .

-لااااا ،هي أذكى منه ،حامل في توأم .

-يعني ورطته .

-تماما ،أراحت منه من يلتقينه بعدها .

-يصدق عنه المثل القائل :صائد النعامة يلقاها.(الباحث عن الشيء يجده )

-أيامي لما وضع ابنتي ليلي بين عينيه لا انساها ماحييت .

-ولكنك تغلبت عليه بتهديدك  بفضحه.

-وهل كان سيهتم ؟لولا انني عرفت هانم ،ولولا إخوة ليلى لجعلها تترك كلية الطب .

-هل لك اولاد غير ليلى ؟

-لا هم إخوتها من أبيها ،أكبر منها ،بل اخوها البكر أكبر مني. 

-ما كنت اعلم بهذا من قبل ،اعرف ان أباها متوف وانكما تعيشان معا .

-تزوجت ابا ليلى وانا ابنة العشرين ،تخرجت للتو من معهد التمريض ،الحقيقة انه بعد وفاة زوجته أم أولاده ،وكبرسنه ،احتاج ممرضة اكثر من احتياجه لزوجة ،وضيق ذات يد والدي جعله يقدمني له مقابل مساعدات مالية مستمرة اخذت هيئة عمل بمصنع الأقمشة ،عمل وهمي براتب شهري ،استمر حتى بعد وفاة والدي .

المهم انه كان ثريا جدا ،سكنت فيلا من الأحلام يكاليفورنيا ارقى حي بالدار البيضاء ،رفض ان اشتغل ،فكنت  اقضي يومي بملل ،الخدم يقومون بكل عمل البيت ،ودوري اختصر على تذكيره بالدواء ومراقبة اكله حسب اوامر الطبيب ،عشت معه ثلاث سنوات رزقت بليلى في السنة الثانية ،ولما توفاه الله كان عمرها لايتجاوز السنة ،فتاة خرجت من الطفولة لتتزوج وتصبح أرملة مسؤولة عن طفلة .

-طبعا اولاده سيخرجونك من الفيلا .

-العكس ،أظهروا شهامة وكرما لا يقلان عن شهامة وكرم أبيهم ،ليلى هي أختهم الوحيدة ،بعد العزاء ،كلمني كبيرهم .

-انت أم اختنا ،لحمنا وشرفنا ،طلباتك أوامر ،يمكنك ان تبقي ببيتك هنا ،وكل ما تحتاجينه سيصلك 

-أشكركم ،ولكنني لن استطيع العيش وحدي هنا ،الفيلا كبيرة جدا .

-يمكنك ان تطلبي من اسرتك العيش معك ،حتى تفكري فيما ستفعلين .

-أفعل في ماذا ؟

-نصيبك ونصيب ليلى من الإرث .

صدمت لقوله ،لأنني لصغر سني ما كنت اعرف انني سأرث من زوجي ،وحتى أنني لم أكن أعلم مدى غناه ،ولا عدد أولاده. بعد حديثنا طلبت ان تعيش معي حياة اختي ،فأمي كانت متوفية منذ زمن وابي مات بعد زواجي بسنة ،وباقي إخوتي متزوجون ولم تبق الا حياة ،جاء خالي ليوضح لي أنني حسب قانون الأسرة آنذاك سآخذ نصيبي من تركة زوجي ،أما نصيب ليلى فقاضي الأسرة سيكون وصيا عليه ،يعني انه سيدخر لها بأمر منه حتى تصل السن القانوني ،إلا إذا قسم الإرث بعيدا عن المحكمة وديا .

طلبت اخ ليلى ،وطلبت أن يعرفني بنصيبي ونصيب ابنتي 

-سآتيك بأوراق الممتلكات كلها ،ويمكنك أن تطالبي بها بالمحكمة إذا لم تثقي بنا .

-لا،لا ،انا اثق بكم ،لا اريد محاكم ولا مشاكل .

-ولا نحن ،سأعرفك على باقي إخوتي ،ونقسم التركة بالتراضي بيننا .

فعل كما قال ،كانوا أربعة رجال ماشاء الله ،متزوجون وناجحون في حياتهم ،يبدو ان الحاج رباهم على تقوى الله ومكارم الأخلاق ،عاملوني كأنني اكبر منهم سنا ،وعرضوا علي أن تكون الفيلا ضمن نصيبي فرفضت 

-وكيف ترفضين فيلا في اغلى منطقة بأكبر مدينة .

-لأنها أكبر من ان أعيش فيها وحدي ،ثم ان العناية بها ستستنزف باقي الإرث ،حدائق تسقى، مسبح يجب العناية به ،خدم لكل واحد وظيفة ومرتب ،وانا مازلت لا اعمل ولا اكسب ،فإذا حسبناها ،سأصرف على الفيلا من باقي نصيبنا ،وقد اتعود على الكسل والإنفاق، والمثل يقول :خذ لا ترد للقاع توصل (خذ ولا تعد ما اخذته تصل القاع ،حكاية المثل ان احدهم كثيرا مايقترض من رجل ويرد الدين ليستدين مرة اخرى ،فجعل له الرجل صندوقا ،ذهب كعادته ليستدين فأشار الى الصندوق :خذ ما تحتاج .ولما جاء ليعيد القرض ،اشار له مرة اخرى الى الصندوق ،ضعه من حيث اخذته ،وفعل الامر ذاته عدة مرات الا ان المدين طمع واصبح يتظاهر انه يرد المال ولا يفعل ،وفي يوم جاء ليستدين كعادته ولما فتح الصندوق وجده فارغا فقال :الصندوق فارغ ،فاجابه لو كنت ترد لما رأيت القاع ،خذ لا ترد للقاع توصل ،هذه حكاية من ثراتنا المغربي لكن اخواتي )

-وماذا فعلت مع ربائبك .

-قلت لهم أن يثمنوا نصيبي ونصيب ليلى ،نصيبي اشتروا لي به الشقة حيث اعيش الآن ،ونصيب ليلى وضعته وديعة بالبنك وانا وصية عليه ،على أن آخذ منه لدراستها، ولكنهم بعد أن عاملتهم باحترام عاملوني بالحسنى ،فكانوا نعم الإخوة لها ومازلت لم المس وديعتها بفضلهم بعد الله .

-ألم تتزوجي بعد اب ليلى وقد ترملت صبية .

-بلى ،تزوجت بعد ان اشتغلت بالتمريض، وتسجلت للتخصص في التوليد ،عرفت طبيب طوارئ ،تزوجنا عشر سنوات وانفصلنا .

-هكذا ،دون سبب .

شردت قبل ان تجيب 

-هكذا دون سبب .

المرأة خزان الأحزان وبئر الأسرار،نظرة عينيها تنبئ أن السبب كبير ومؤلم ،ولكنها تؤثر أن يبقى هناك ،في ذاك الركن المظلم البعيد من القلب ومن الذاكرة،انتبهت قائلة:

-هيا احكي لنا عنك ،متى عرسك .

-قريبا ،قررنا أن يكون ببداية الربيع بشهر مارس ،الطقس سيكون رائعا هنا وبتازة ،سنقيم حفل الحناء هنا بالفيلا الكبيرة والعرس بتازة .

-واين ستقضيان شهر العسل .

-هو أسبوع فقط ام نسيتن عملي ،سنقضيه بشقتنا ،سوف نؤجل السفر .

-حبيبتي ،ليس السفر ضرورة لشهر العسل ،المهم ان تقضيه سعيدة مع زوجك اما المكان فلا يهم .

-صدقيني مدام أمينة ،بل اِسمعنني كلكن ،بعد تجربتي الاولى لا يهمني عرس ولا شهر عسل ،انتظر مايكون بعدهما ،وهذا هو المهم ،ماذا بعد فرحة الناس في عرسي هل سأفرح انا بحياتي ،ماذا بعد أيام عسل يجب ان تسمى ايام الاكتشاف ،هل سيجد في السكن ، وتوقعات رغباته،وهل سيكون لي الأمان والحنان كما أريد، هذا ما يؤرقني .

-ألا تحبينه ؟

سألت أميمة .

-ماهذا السؤال ، هل كانت ستتزوجه لو لم تحبه .

-ليس هذا ما أعني ،اعني كلاما قالته لي مرة اتذكرينه يا حورية ؟

-نعم أذكره ،لما حكيت لي عن تخوفاتك من الزواج بعد توأمك يرحمها الله .

-قلت لي ،يوم تحبين ،يوم تلاقين الرجل الذي تعشقين ستنسين خوفك واوهامك ،وتسامحين نفسك وأيامك ،هل عشقته فنسيت خوفك وسامحت أيامك .

-احببته نعم ،ولكنني لم أصل العشق بعد ،لو كان يعشقني كما يقول ،لو صدقت وعوده فسأعرف معه مراتب العشق والهوى وانسى به مخاوفي.

-انت لا ترفعين سقف توقعاتك .

-نعم ،حتى اسعد بالقليل .

-اسمعيني حورية ،انتن بناتي ،مثل ليلى ،ارفعي سقف توقعاتك ليس منه فحسب ،بل منك أيضا ،عامليه كما تحبين أن يعاملك ،لا تكوني ضعيفة أمامه ،فالرجل لا يريد زوجة ضعيفة ،اختارك من بين النساء لتكوني أم أولاده ،فكيف يطمئن عليهم مع ام ضعيفة ،لا تكوني قوية اكثر من اللازم فهو يحب ان يرى اعتمادك عليه وحاجتك إليه ،لا تكوني باردة ولا قليلة الحياء ،البرود يطفئ الرغبة ،وقلة الخجل تزرع الشك .اجعلي علاقتك به نصفها حب ونصفها احترام ،كوني امه وصديقته ،انصتي له بعقلك ،وإذا غضبت منه اسكتي قلبك وعاطفتك، وحكمي عقلك ،لما يسيء لك تذكري لما احسن اليك ،لا تقفي له على الكلمة ،تجاوزي لكن ليس كثيرا ،سامحي لكن ليس دائما ،والأهم ،مهما حصل بينكما خير او شر ،يبقى بينكما ،فالخير يحسد والشر يكبر بالجهر.

-وإذا اساء اليها تكتم وتقهر نفسها .

-الإساءة واردة في كل العلاقات ،ولكن تخيلي معي ،إن أساء تصرفا او كلاما ،وتدخل بينهما طرف ثالث ،سيعند، ويدافع عن نفسه وقد يتهمها انها السبب ويقول انها فعلت كذا وكذا ويكبر الموضوع ،اما لو خاصمته في بيتها ،اعتنت بنفسها ،وببيتها، ومنعت عنه نفسها ،لا تحدثه ولا تقترب منه ،سيسألها عن سبب خصامها، فتشكو له منه ،ويصالحها، ويزيد حبا واحتراما لها .

الزواج يا ابنتي ليس كما تتصورن ،زوج يدخل كل يوم بهدية او باقة ورد ،يتذكر عيد ميلادك ويوم رآك ويوم خطبك ويوم تزوجك ،ومنكن من تطمع ان يذكر موعد دورتها الشهرية ،والوانها المفضلة ،ولا الزواج زوجة تهب لتعانق زوجها بمدخل البيت ،وتلبس له كل يوم قميص نوم بلون ،لا ،الزواج رجل يعود منهكا من العمل ،وامرأة اتعبها عمل ووظيفة لتعود الى مطبخ واولاد وثياب تغسل وتكوى، أطفال واحد مريض وآخر عنده واجبات مدرسية ،وبعد ان ينتهي يومك ينتظرك واجبك الشرعي مع زوجك .

-إذا كان هذا هو الزواج فانا لا اريد ان اتزوج .

قالت ليلى ،فهتفت اميمة وحنان 

-ولا أنا 

-ولا أنا 

ضحكت وقلت 

-المجتمع والاهل ،سيوجهونكن نحو الزواج ،امنية الام ،كلام صديقة عن الأولاد ،رؤية عناق طفل لوالدته ،كلام الناس عن خروجك وحدك ،عن عنوستك، ستجعل كل واحدة تفكر في الزواج ،ثم يأتي نصيبك ،رجل ستحبينه بعيوبه ومزاياه، وهوووب، ها أنت متزوجة .

-على ذكر العيوب والمزايا، ارفضي عيب البعد عن الدين ،الإدمان على مسكر او خمر او قمار ،ارفضي حبه للنساء ،وأرفضي الرجل الكسول ،اما المزايا فأهمها قربه من الله وحسن خلقه ،لا تجعلي المال ميزة ،فقد يزول ،النجاح في الحياة لا يقاس بالمال ،بل بمقدار الاستقرار النفسي والاهتمام بالأسرة والحرص على العلاقة الطيبة مع الآخرين .

الرجولة نبل وشهامة وطيبة ،حنو على الضعيف ،وقوة مع القوى ،وقسوة ضد اللؤم، هذا هو الرجل الذي يكون لك الأمان والسند ،يجب الا يوزن الرجل بماله كما يجب ألا توزن المرأة بجمالها فكلاهما قد يزول وقد يبقى ،والشيء غير الثابت لا يثبت ما يبنى عليه .

كنت انصت إلى كلام مدام أمينة ،واتمنى ألا يخذلني طارق ،وأن يكون لي السند والعوض والأمان. 

حل الربيع وهاتفت صديقاتي ادعوهن للعرس ومايزال كلام ونصائح مدام أمينة بمسامعي مازلت ارددها لنفسي لعلني احفظها واعمل بها .

مر عرسي كالحلم الجميل ،ومر اسبوع العسل ،وأسابيع ثم شهور ،مايزال طارق كما عهدته محبا صبورا، وانا ازيد حبا له كل يوم ،واليوم سأسعده بالخبر الذي ينتظره منذ زواجنا ،نعم ،كما قالت مدام أمينة، هو لا يدخل علي كل يوم بهدية ،ولكنه يراضيني إذا غضبت بباقة ورد او بنزهة إذا وافقت ،وانا احبه اجل ،ولكنني لا اعانقه شوقا على مدخل البيت ،ولا أطعمه بيدي ،ولا اقول حبيبي بين كل جملة وأخرى. 

الحب بيننا هادئ ،جميل ،وحتى خصامنا هادئ والجميل فيه انه دائما يصالحني ولو كنت انا المخطئة لانه يعلم أنني اخجل ان أصالحه .

اليوم سأخبره انني حامل ،لا تتوقعوا ان يحملني ويدور بي سبع دورات ،لسنا بطلي رواية ،نحن زوجين في الواقع ،سيفرح لأنه ينتظر ان يكون أبا ،قد يقبلني فهو يحب القبل كثيرا ،وقد ينصحني ان اعتني بنفسي اكثر ،وارتاح اكثر ،والأكيد انه سيخبر امي وامه ومهندسة الديكور صديقتنا المقربة .

                      تمت

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا


تعليقات



<>