
رواية شاهد ومشهود
الفصل السادس6الاخير
بقلم سارة نيل
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ الله بَعَّدَ الله وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) وهذا لفظ البخاري, ، وفي لفظ مسلم: (باعَد)
متفق عليه
========================
دوار تملك سيراي وعقلها يعمل سريعًا في شتى الجهات.
أحلام!! كيف؟ ولماذا؟.
هل هي مصادفة أم ماذا..
حاولت أنا تبدو طبيعية وبالأخص عندما لاحظت أحلام شحوب وجهها على الضوء النقي وتسائلت:-
- سيراي .. مالك لونك اتخطف كدا ليه..!
ابتلعت ريقها بتوتر وهتفت بثبات ظاهري:-
- لا أبدًا .. بس اتخضيت بس لما النور قطع .. أنا كويسة..
- ااه شكلك بتخافي من الضلمة .. طب كويس إنك نزلتي..
ابتسمت سيراي وهتفت بتصنع مدهوش وهي تتلمس القلادة بانبهار:-
- أيه الجمال ده .. أول مرة أعرف إن سلسلتك بتنور..
ابتعدت أحلام قليلًا عن مرمي يديّ سيراي وتحسست قلادتها بأيدي مرتعشة لم تغيب عن أعين سيراي المراقبة ثم أخرجت صوتها متذبذبًا مرتعش:-
- أصل .. أصل أكيد يعني عارفة المعلومة دي يا سيراي .. يعني دا غاز الميثان .. إنتِ عارفة إن ببعض التفاعلات بيضيء في الظلام .. يعني زي الحشرات إللي بتبقى تضيء في الريف وعند البِرك كدا والمستنقعات..
هتفت سيراي بعدم إقتناع:-
- ااه ااه بس دا خطر عليكِ يا أحلام إنتِ عارفة إن غاز الميثان ليه خواص خطيرة وومكن يأثر عليكِ ويإذيكِ..
- مش للدرجة دي يا سيراي .. دا كمية بسيطة، المهم تعالي مش تقفي على السلم لغاية ما يصلحوا الكهربا يلا تعالي..
طاوعتها سيراي وسارت حتى ولجوا إلى الشقة وعقلها يعمل بجِد كيف تأخذ منها القلادة!!
جلست على الأريكة بعقل لا يصمت بينما قالت أحلام:-
- هعمل حاجة سخنة نشربها وفشار علشان نتسلى شوية..
ابتسمت سيراي بمجاملة وقالت:-
- استني أجي أساعدك..
قالت أحلام بإعتراض:-
- لا يا بنتي خليكِ ارتاحي مش مستاهله، حتى روحك ترجعلك من الخضة..
- طب خلاص على ما تخلصي أدور على فيلم كرتون حلو نتفرج عليه .. كان في فيلم اسمه لوكا يارب ألاقيه.
- دوري .. عندك أفلام بجميع الأنواع بس بصراحة مش جربت أشغل منهم..
وتوارت خلف جدار المطبخ تعد بعض المسليات بينما جلست سيراي عازمة أن تصل إلى طريقة لأخذ القلادة من أحلام..
بعد قليل أتت أحلام بما حضرته وجلست بجانب سيراي التي كانت تنظر لشاشة التلفاز بعقل شارد..
- للدرجة دي بتحبي الإنمي يا سيراي ...يا بنتي إكبري بقاا وخلينا نشوف فيلم أجنبي كدا جامد..
انتبهت لها سيراي وابتسمت تقول:-
- هي أذواق بقا يا ست أحلام، وأنا بحب الكرتون جدًا.
بحس كدا إن بيحمسني وبيعطني أمان..
صمتت أحلام قليلًا وقالت:-
- أنا بقى بحب الأفلام إللي كلها قوة وانتقام وشر، وبالذات لما تكون البطلة قوية كدا وكل إللي هي عيزاه تاخده ولو مجاش بالسهل يبقى بالقوة..
عقدت سيراي حاجبيها بتسائل وهتفت:-
- شكلك كدا .. شجاعة وكل إللي إنتِ عيزاه بتاخديه..
شردت أحلام قليلًا وهتفت بقوة من بين أسنانها:-
- أنا إللي عيزاه باخده .. محدش يقدر يقف قدامي ولو وقف لازم أنا إللي أفوز يا سيراي .. أنا لازم أكسب..
محدش يقدر يقولي لأ مهما كان هو..
تعجبت سيراي من كلماتها كثيرًا والتي تُبطن الكثير والكثير خلفها، لكنها قررت أن تُجاريها فيما تقول، فقالت:-
- هي الدنيا بقت عايزه كدا .. وبحيكِ إنتِ شجاعة وتستاهلي يا أحلام..
على حسب كلامك بقاا، تخيلي لو واحد إتقدم لبنت ورفضها، لو الكل عنده نفس مبدأك ده كانت محيته من الوجود..
اتقد'ت نظرات أحلام بالجمر، وكأنها ضغطت على جرحها، ثم قالت بنبرة شديدة قوية من بين أسنانها:-
- إنتِ بتقولي فيها يا سيراي، دا أن أمحيه من الوجود، ومش يبقى ليه أي أثر..
أنا بحب نفسي أوي يا سيراي ومش بحب أخذلها ولا أبكيها، إللي بيجي عليا مش برحمه ومش بيهمني..
مش غلط إن أقول كدا، إحنا كلنا بنحب نفسنا، وأنا مستعدة علشان راحتي أعمل أي حاجة..
تعجبت سيراي من نبرتها وشرد عقلها في مغزى كلامها، فماذا تقصد بهذا الحديث؟!
وهل يرتبط بِعمران!!
- ربنا مايجيبش لقلبك أي حزن ولا وجع يا أحلام..
ألا قوليلي .. إنتِ كنتِ بتدرسي في الجامعة إللي فيها دكتور عمران صح.؟
ابتسمت أحلام وهتفت بشرود:-
- لحظي الجميل، وكمان كان بيعطينا محاضرات..
ااه هي كانت محاضرة واحدة في الإسبوع بس كانت كفيلة..
- كفيلة!!
- أيوا .. هتتعجبي من كلامي ده، بس دكتور عمران كان قاهر قلوب البنات ..كل البنات كانت مجنونة بيه..
بس هو للأسف مكانش أبدًا عنده الوقت إن يلتفت لحد.
كان هو ودكتور أكرم، بس دكتور أكرم كان فرفوش شوية، على الرغم من إن هو شخص صعب وقلبه أسود.
تسائلت سيراي بحيرة:-
- صعب .. وقلبه اسود! طب ليه.؟
- كان أبدًا مش بيحب الدكتور عمران، شكله كان بيغير منه كتير، ودايمًا كنا نسمع مشاكل ملهاش أول من أخر بينهم..
صمتت سيراي، وقد علمت أن أحلام تكذب وتختلق الأكاذيب، لقد أخبرها عمران بنفسه أن علاقته بِأكرم كانت جيدة جدًا وكانوا أكثر من أخوة..
حتى بقية الطُلاب ممن درسوا في نفس الجامعة قالوا أن صداقة عمران وأكرم يُضرب بها المثل..
لكن لماذا تكذب، لماذا تؤلف هذه الحكاية؟!
فردت أحلام ذراعيها بكسل ثم قالت:-
- الواحد عايز ياخد دوش دافي كدا وينام بهدوء، بكرا عندنا يوم مُتعب، البيت بيتك يا سيراي هاخد دوش وجيالك..
حركت سيراي رأسها ببهوت، فقط ما تُفكر به كيف تأخذ القلادة..
ظلت بضع دقائق شاردة، لكن فجأة أنارت فكرة بعقلها..
قامت بهدوء تسير ببطء نحو غرفتها على أطراف أصابعها حتى وصلت للغرفة المنشودة، وجدت الباب نصف مغلق، ولجت للغرفة بحذر لتسمع صوت الماء الجاري لتنفرج أساريرها وهي تركض باحثة في كافة أرجاء الغرفة علها تكون تركتها فليس من الآمان أخذها لغاز مثل الميثان معها أو أي شيء من هذا القبيل..
ظلت تبحث وهي تدعو الله بداخلها برجاء أن تجدها..
وقفت بيأس حائرة ليدب الرعب بقلبها حين سمعت صوت توقف الماء..
ظلت تدور بيأس حتى لمحت تدلي السلسال من أحد الكُتب، ركضت نحوه بلهفة، لتجد أنها القلادة المنشودة..
سحبتها مسرعة وخرجت من الغرفة ومن الشقة بأكملها راكضة للأعلى حيث شقتها..
نادت بلهاث ملهوف:-
- عمران .. عمران، إنت فين..
خرج من أحد الغرف وهو يتكأ بضعف على الجدار لتصدم سيراي حين رأته بهذه الحالة .. معظم أعضاءه تختفي .
ركضت إليه بلهفة وأعينها مليئة بالدموع:-
- عمران .. عمران..
يلا تماسك، أنا لقيت المركب المضاد .. شوف شوف هو ده..
وقبل أن يأخذها أتاهم صوت راعد يأتي من خلفهم:-
- أيوا هو يا سيراي .. هو إللي يقدر يرجعه تاني..
- أحلام..!!
- مش عيب بردوه أما تسرقي حاجتي وتطلعي تجري كدا..
وقفت سيراي بهجوم تصيح بينما عمران سقط يلهث بتعب:-
- ليه الغلّ دا كله يا أحلام، ليه إللي بتعمليه ده كله..
عمل فيكِ أيه علشان إنتقامك ده..
ابتسمت الأخرى بسخرية وسارت حتى توقفت أمام عمران الجاثي على ركبتيه، وقالت:-
- هو فاكر وعارف كويس..
رفع عمران رأسه المتعرق وقال:-
- إنتِ مش معقولة ... إنتِ مجنونة، معقول إنتِ إللي عملتي كدا وخلتيني أشك في صاحب عمري..
وتنهد براحة هامسًا:-
- الحمد لله يعني كرم كدا بريء..
قالت أحلام بقوة وهي ترفع رأسها بشموخ وغرور:-
- أيوا بريء وأنا إللي عملت كدا وخليتها تبان إن دكتور كرم هو إللي عمل كدا..
كنت فاكرني هسكت على رافضك ليا، لما جيت أقولك أنا بحبك يا دكتور وإنت قولتي كدا عيب يا شاطرة وركزي في مستقبلك وشيلي الأوهام دي من راسك..
كنت بتكلمني وكأني طفلة..
راقبت كل حركاتك وسمعتك وإنت بتتكلم مع الدكتور كرم على العقار الجديد واستغليته وضفته للقهوة بتاعتك مش الأكل، علشان مفعوله يكون أقوى..
أحلام مش بتترفض يا دكتور، وإما تكون ليا أو مش لحد خالص..
قال عمران بصدمة:-
- إنتِ مجنونة..
صا'حت سيراي بقوة:-
- مش هخلي باقي خطتك ينجح يا أحلام .. وهيرجع تاني ولازم تاخدي عقابك..
تهجمت أحلام على سيراي حين رأتها تتحرك نحو عمران، لتظل تنشب بيدها حتى تصل للقلادة بينما تحاول سيراي جاهدة، وبين جزر ومد وترقب بينما يتألم عمران والوقت قد أذف..
سقطت الزجاجة متهشمة تحت نظرات الجميع المصدومة، سبيل نجاة عمران الوحيد..
تعلا صرا'خ سيراي وإلى هذا الحد استيقظ عمران من نومة بفزع يلهث بقوة على هذا الكابوس، أو التحذير..
ظلّ يمسح على وجهه بينما ينظر لجسده بإطمئنان، اخترق أذنه نداء والدته اللحوح:-
- يلا يا دكتور عمران .. اتأخرت على الجامعة، أنا جهزت الفطار .. يلا يا ابني..
- جاي يا أمي .. أنا صحيت..
زفر بضيق وهو يهمس:-
- استغفر الله العظيم .. حلم دا ولا كابوس ولا تحذير ولا يكون هلوسة من كتر تفكيري في المركب ده.
نظر للكتب التي انكب عليها ذاهبًا بنومٍ عميق..
قام وسار نحو المرحاض لكنه توقف فجأة وابتسم بحالمية:-
- سيراي .. ياريته مكانش حلم علشان خاطرها بس..
تنهد بحزن وأكمل طقوسه الصباحية ليذهب حيث عمله في الجامعة..
*************************
جلس خلف مكتبه وأتى العامل يحمل كوب قهوته الصباحية ويضعها أمامه ثم قال:-
- دكتور عمران في طالبة برا عايزه حضرتك..
- دخلها يا عم أشرف..
وبعد ما يقارب دقيقتان رفع رأسه ليصدم حين وجدها أحلام..
ظلّ ينظر لها بشرود وتوقع ما تقول حين رأى إحمرار وجهها، فتسائل بفضول وحذر:-
- اتفضلي .. أنا سامعك..
قالت بتلعثم وخجل:-
- دكتور عمران ... بصراحة كنت عايزة أقولك على حاجة .. يعني .. أنا عارفة إن الموضوع صعب..
بس أنا خلاص معدتش قادرة أكتم جوايا..
أنا .. أنا .. أنا بحبك..
أغمض عمران عينيه بحزن وتفاصيل هذا الحُلم تطارده، يبدو أنه سيقع..
لكن تلك المرة لن يقع في الخطأ وسيكون حذرًا، فمقاليد الأمور بيده..
سيرتاد المخاطر لأجل مقابلة سيراي..
في هذه الأثناء وقفت فتاة أمام السكرتير وقالت بهدوء:-
- لو سمحت عندي ميعاد مع الدكتور عمران..
- أقوله مين حضرتك..؟
- المُعيدة إللي من جامعة القاهرة، سيراي طولان..
تمت بحمد الله