أخر الاخبار

رواية تراتيل الهوي الفصل الثالث والعشرون23والرابع والعشرون24بقلم ديانا ماريا


رواية تراتيل الهوي
 الفصل الثالث والعشرون23
والرابع والعشرون24
بقلم ديانا ماريا
في نفس الوقت كانت سميحة تساعد نصير على تناول الطعام حين شعرت بنغزة مفاجئة في قلبها وفجأة سقطت الملعقة من يدها في طبق الحساء مسببة تناثر بضعة قطرات منه خارج الطبق.

ناظرها نصير باستغراب: مالك يا سميحة؟

وضعت سميحة يدها على قلبها وهى تقول بقلق ممزوج بالتعجب: مش عارفة يا نصير فجأة كدة قلبي وجعني ومش مطمنة.

تنهد نصير وعيناه تشرد أمامه، عاد ببصره لسميحة التي كانت شاردة أمامها بقلق.

قال بصوت متردد منخفض: س...سميحة هو أنتِ تعرفي أخبار عن...عن سروة؟

نطق الإسم وهو يشعر بغصة تؤلم حلقه، تطلعت له سميحة بحزن ووضعت يدها على يده: متخافش يا نصير تاج بيطمني عليها علطول، هو مستني بس وضعها يبقى كويس وهيجبهالك هنا.

تجمعت الدموع في عيون نصير وتهدج صوته حين تكلم بخزي كأنه يلوم ذاته: هقابلها بأنهي وش يا سميحة؟ هقولها إيه؟ هقدر أحط عيني في عينها إزاي؟ ياترى هتقدر تنسى أنها وقفت قدامي وأنا بقول عليها ميتة يا سميحة؟

أجهش بالبكاء فاحتضنته سميحة وهى تواسيه بعطف ممزوج بالحزن: اه والله كل حاجة هتبقى كويسة وسروة هترجع لحضنك تاني، أنت عارف سروة مبتحبش في الدنيا حد قدك، وأنت كان ليك عذرك لما عرفت بس المهم أنه الحقيقة اتكشفت خلاص.

تنهد نصير بحرقة قلب أب مكلوم على ابنته: اه لو أعرف هو مين اللي عمل فيها كدة كنت قتلته وشربت من دمه!

ردت سميحة بفزع: لا يا نصير أنت عايز تضيع عمرك على واحد خسيس زي ده! إن شاء الله بكرة البوليس يجيبه وحق سروة يرجع.

حدق نصير إلى سميحة بامتنان ممزوج بالخجل: فضلك أنتِ وابنك كبير أوي يا سميحة لولاكم بعد ربنا معرفش كان ممكن يحصل إيه.

عقدت سميحة حاجبيها بعدم إعجاب للحديث الذي تسمعه وردت بعتاب: فضل؟ فضل إيه اللي بين الأخوات ده بس! وبعدين احنا معملناش حاجة، تاج وسروة دلوقتي خلاص متجوزين وتاج عارف كل حاجة هى بقت مراته فواجبه يقف جنبها.

وكأنها انتبهت لأمر ما فتابعت: صحيح ده أنا مكلمتش تاج من امبارح هتصل أشوف الأخبار وبالمرة نطمن عليهم.

نهضت بسرعة لتحضر هاتفها وتتصل بتاج إلا أن لهفتها وانتظارها تحولوا للقلق حين وجدت أن هاتف تلج مغلق، حاولت مرة أخرى ليُعطي نفس النتيجة فهمست لنفسها بتوتر: جيب العواقب سليمة يارب، أنا قلبي بيوجعني من الصبح.

أفاقت سروة توزع نظراتها بإرهاق وتستوعب أين هى، حين عادت الذكريات لها وتذكرت ماحدث قبل أن تفقد الوعي هبت على الفور واقفة مما أدى لاصابتها بالدوار فتوقفت وهى تستند على حافة الأريكة، ولجت الجارة للغرفة وأسرعت إليها تساندها بقلق: اقعدي يا حبيبتي أنتِ واقفة ليه؟ أنتِ لسة تعبانة.

استندت سروة بيدها في يد المرأة حتى تستعيد توازنها ثم قالت بجمود: شكرا بس أنا لازم أمشي.

سألتها المرأة بحيرة: وهتروحي فين بس في حالتك دي؟

تشدقت سروة بإيجاز وهى تحدق إليها بثبات: هروح لجوزي.

ثم شكرت المرأة مرة أخرى قبل أن تتحامل على نفسها وتسير للشقة مرة أخرى، توقفت مترددة للحظات على باب الشقة قبل أن تتذكر تضحية تاج من أجلها، شددت على يدها وتقدمت لغرفة النوم بخطوات ثابتة، لم تنظر لمكان عصام أو الدماء بس توجهت مباشرة للخزانة وبدلت ملابسها، بدلت ملابسها وهى تنظر لنفسها في المرآة، كانت تمشط شعرها وعيونها تحدق لانعكاسها في المرآة، يجب عليها أن تتوقف عن ذلك الضعف الذي سيطر عليها وتبعده عنها، يجب أن تستعيد سيطرتها على نفسها وحياتها مرة أخرى وتعود سروة القوية مجددًا وإن لم يكن من أجلها فلأجل تاج الذي يحارب من حريته ومستقبله الآن.

أخذت حقيبتها وخرجت من الشقة، لم تدري إلى أين عليها أن تتوجه، فهل تذهب لتاج مباشرة أو تذهب لعمتها وتُعلمها بما حدث، حين تذكرت والدها شعرت بالتردد يعود لها، إلا أنها أخبرت ذاتها إن ذلك أمرُ طارئ وستخبر عمتها دون أن يراها والدها.

توجهت إليهم والتوتر يسيطر عليها طول الطريق، دمعت عيناها ولكنها مسحت دموعها بقوة، يجب أن تكون قوية لأجل تاج، حين وصلت تطلعت للمبنى الذي تسكن به هى ووالدها بألم وحسرة، المكان الذي كان دائمًا ملاذًا لها وبها كل ذكرياتها السعيدة.

صعدت السلالم بسرعة وطرقت الباب منتظرة، فتحت عمتها وهى تحدق إليها بدهشة: سروة! 

أومأت سروة برأسها قبل أن تقول بهدوء: عايزاكِ في حاجة مهمة يا عمتو.

كانت سميحة مازالت تحدق إليها بعدم تصديق ثم نظرت حولها وهى تتسائل باستغراب: أمال فين تاج؟

شحب وجه سروة وتزايدت نبضات قلبها وهى لا تعلم كيف ستخبرها إلا أنها قبل أن تتكلم قاطعها خروج والدها من غرفته وهو يوجه حديثه لسميحة بنبرة عادية: مين اللي جه يا سميحة؟

توقف حين رأى سروة أمامه، ارتبكت سروة وأشاحت بنظراتها بعيدًا وهى لا تجرؤ على النظر إلى والدها.

قالت سروة بتوتر: أنا... أنا ماشية.

ثم استدارت لتغادر إلا أن صوت نصير أوقفها مكانها وهو يقول بصوت عالي: استني!

تجمدت سروة مكانها وأغمضت عينيها بقوة تفرك يديها بعصبية.

تقدم نصير بخطوات بطيئة وهو يقول بصوت مرتجف: أدخلي.

كانت سميحة تنظر لكليهما بإشفاق فسحبت سروة من ذراعها وأدخلتها إلى الشقة وأغلقت الباب حتى لا يرى أحد من الجيران ما يحدث.

وقفت سروة أمام والدها الذي تقدم حتى أصبح أمامها،مازالت تُغمض عينيها خائفة مما قد تراه في نظراتها من ازدراء لها.

رفع نصير يد مرتجفة وضعها أسفل ذقن سروة ورفع وجهها إليه.

قال بصوت متحشرج: المفروض أنا اللي ميبقاش ليا عين ابص في وشك يا بنتي بعد اللي حصل وقولته وعملته، المفروض أنتِ اللي ترفعي رأسك وأنا أوطيها لأني مسمعتكيش، دلوقتي أنا اللي خايف ابص في عينيكِ ملاقيش أي حاجة ليا تاني يا بنتي.

فتحت سروة عينيها وهى تنظر لوالدها بعدم تصديق، كلماته ونظرات عيونه أزالت أخر مخاوف لديها بعدم قبوله لها، صوته المرتجف وعينيه الدامعتان اللتان تنظرات إليها بندم أذابت الجليد الذي يغلف روحها لوقت طويل.

ارتمت في أحضانه تضمه بقوة وهى تنهار بين ذراعيه اللذان كانت في شوق لهما: بابا!

احتضنها نصير بشدة إليها وهو يقول بندم: سامحيني يا بنتي، أنا مش عارف إزاي محسيتش بيكِ كل ده عيشتيه لوحدك وأنا مش داري عنك.

هزت سروة رأسها بقوة: متحملش نفسك ذنب حاجة يا بابا، أنا مكنتش عايزة اقلقك ولا أزعلك مقدرتش أقف قدامك وأواجهك بحاجة زي دي، دي كانت غلطتي أنا.

مسح على شعرها بحنان وهو يقبل قمة رأسها من بين دموعه المنهمرة، بقيا على ذلك الوضع لفترة وسميحة تناظرهما بمزيج من الفرح والعطف على حالهم حتى ابتعدت سروة وهى تمسح دموعها.

سألت سميحة فجأة بنبرة متوجسة وهى تلاحظ غياب تاج: صحيح يا سروة تاج فين؟ مجاش معاكِ ليه؟

تجمدت يد سروة مكانها قبل أن تُكمل مسح دموعها، ازدردت ريقها بصعوبة ورفعت بصرها لعمتها.

أطلقت سروة تنهيدة قبل أن تجيبها بنبرة قاتمة: تاج اتقبض عليه النهاردة.

الفصل الرابع والعشرون


شهقت سميحة: اتقبض عليه؟ ليه؟

نظرت لوالدها ثم إلى عمتها قبل أن تقول بتمهل: علشان قتل واحد.

ضربت سميحة على صدرها وعيناها تتسعان من شدة الصدمة: يادي المصيبة!

ردد نصير بعدم تصديق: قتل واحد! إزاي؟

ترددت سروة لوهلة هل تخبرهم الحقيقة أم كما أخبرها تاج أن تقول ولكنها شعرت بنفسها جبانة في تلك اللحظات فانطلقت الكلمات من فمها دون ترتيب: قتل اللي عمل فيا كدة، حاول يتهجم عليا تاني وتاج مش موجود ولما وصل شافه وحصل اللي حصل.

كانت صدمة كل من سميحة ونصير تزداد مع كل كلمة تخرج من فم سروة حتى إذا انتهت ضربت سميحة بقوة على وجهها: يا حبيبي يابني!

لم تجرؤ سروة على النظر إلى عمتها حتى لا تنهار وتعترف بكل شيء، بقيت واقفة تحدق إلى الأرض ثم رفعت رأسها تحاول الكلام بصوت ثابت: لازم نروح له دلوقتي ياعمتو أنا جاهزة.

التفتت لوالدها تسأله بقلق: حضرتك هتقدر تيجي يا بابا؟

رد والدها بصلابة: طبعا ده سؤال! حتى لو مش قادر هدوس على نفسي وأجي علشان خاطر تاج دلوقتي هو محتاجنا كلنا.

استدار نصير وبخطوات بطيئة سار لغرفة النوم حتى يبدل ملابسه فالتفتت سروة لترى عمتها مازالت تقف مكانها تحدق إلى الفراغ بعيون حمراء من الدموع يظهر على وجهها ألم أُم مكلومة على ابنها.

رفعت سروة يدها بروية حتى وصلت لكتف عمتها وهى تقول بخفوت: عمتو مش هتلبسي؟

انتفضت عمتها التي كانت شاردة ونظرت لها بجفاء: هروح ألبس علشان أشوف ابني اللي هيضيع مني ده فين.

غادرت دون كلمة زيادة فتماسكت سروة وهى تحدث نفسها بأن عمتها محقة في جفائها لم تعتب عليها أو تستنكر تصرفها، بل هى تفعل كما كانت أي أم ستفعل لأجل ابنها، فماذا استفادت هى أو تاج من الوضع الحالي بل لقد تأذوا كثيرًا خصوصًا تاج.

في تلك الأثناء كان تاج محتجزًا في مركز الشرطة وقد وضعوه في غرفة لوحده حتى يأتي الضابط ويبدأ التحقيق معه.

دلف الضابط للغرفة فرفع تاج رأسه لا تظهر أي مشاعر عليه، أغلق الضابط الباب ورائه ثم سحب كرسي وجلس أمامه.

وضع الضابط يديه على الطاولة وهو يميل للإمام قائلًا بهدوء: ها؟ حابب أسمع منك اللي حصل.

رفع تاج حاجبه وقال ببرود: مش حضرتك سمعت مني مرة؟ هتسمع مني إيه تاني؟ 

ابتسم الضابط ابتسامة جانبية مجيبًا بتعجب: تفاصيل اللي حصل مثلا؟ أنت عارف أنه الوضع اللي أنت فيه مش سهل، الرجل اللي ضربته حالته خطيرة جدا واحتمال في أي لحظة يموت.

تصلبت ملامح وجه تاج كليًا وحدجه بنظرات حادة: مفيش تفاصيل أكتر من أنه الحيوان ده استغل أني مش موجود ودخل يتهجم على مراتي وأنا لما شوفته زي أي رجل دمي حُر عملت اللازم يموت ولا يغور في داهية أنا ميهمنيش!

استشفى الضابط من حديث تاج وملامحه ما أراد وبحديثه وقسمات وجهه الغاضبة تاكد من صدق حديثه فتنهد: تمام الأمور هتمشي طبيعي لحد ما توصلنا أخبار من المستشفى عن وضع الرجل، هتتحجز هنا معانا لحد ما تنتهي التحقيقات.

أومأ تاج برأسه دون أن يرد فنادى الضابط على العسكري الذي بالخارج وأمره باصطحاب تاج إلى الزنزانة حتى يستدعيه مرة أخرى.

وصلت سروة مع عائلتها إلى مركز الشرطة ليشاهدوا تاج في تلك اللحظة يقتاده العسكري من يده الموضوعة في الأصفاد، توقف تاج بدهشة وقد رآهم، في تلك لم تشعر سروة بنفسها إلا وقدماها تتحرك من مكانها وهى تركض حتى وصلت إلى تاج الذي عانقته بقوة وقد أحكمت ذراعيها حول عنقه.

ضمها تاج إليه بيد واحدة حسب ما يستطيع بسبب يده المقيدة الأخرى وهو يدفن وجهه في شعرها، سمع شهقاتها المنخفضة وصوتها النادم يهمس في أذنه: سامحيني أنا السبب في كل اللي أنت فيه ده.

شدد من احتضانه لها ثم ابتعد عنها وهو يبتسم: مش قولنا هنبطل الكلام ده؟ أنتِ مراتي وده واجبي فاهمة؟

لم تدري سروة لماذا سماعه يدعوها زوجته فعل بها الأفاعيل وقد تسارعت نبضات قلبها وشردت نظراتها في وجهه، الحرارة تغزوها داخليًا حتى انتبهت بسبب عمتها التي تقدمت تعانق تاج وتبكي.

قالت سميحة بحسرة: عامل إيه يا حبيبي؟

ابتسم تاج لها حتى تطمئن: متخافيش يا ماما أنا كويس يا حبيبتي.

انتبه تاج لوجود خاله فنظر لسروة نظرة ذات مغزى قبل أن تبتسم له وهى تومأ برأسها فلمعت عينا تاج بالسعادة.

قال نصير بقلق: عامل إيه يا تاج؟ إحنا كلمنا المحامي وأحنا جايين متقلقش.

قال تاج بامتنان لخاله: أنا بخير يا خالي ومتقلقش القضية مش هتحتاج محامي.

حدق إلى عيون سروة بنظرة تفهمها هى فقط وهو يقول بجدية: أنا عملت اللي المفروض يتعمل مع واحد زي ده ومحدش هيحاسبني أكيد على واجبي.

قال العسكري بحدة: إحنا هنفضل واقفين طول النهار؟ يلا قدامي!

أمسكته سميحة من ذراعه تتمسك بها بلوعة فنظر لها تاج بعطف: هرجع لك علطول يا ماما باذن الله متقلقيش.

ثم أخذه العسكري بعيدا فانهمرت دموع سميحة وهى تستند على كتف نصير بينما تابعت عيون سروة تاج حتى اختفى عن بصرها، تشعر بشيء ثقيل يجثم على صدرها وهى تراه في هذا الوضع وبسببها هى.

استدارت لوالدها وعمتها وقالت بجدية بعد أن سيطرت على مشاعرها: أنا هدخل للضابط علشان أتكلم معاه أكيد محتاجين شهادتي في الموضوع.

لم تنظر لها سميحة بينما أومأ لها والدها فتحركت حتى وصلت لغرفة الضابط وطلبت من العسكري الدخول وأخبرته من هى ولماذا تريده.

دلفت للغرفة بعد أن قام العسكري باستدعائها بناءً على أوامر الضابط.

ولجت سروة إلى غرفة وجلست استجابة لدعوة ضابط الشرطة.

قال لها بجدية: أهلا يا مدام سروة، إحنا كنا لسة هنستدعي حضرتك للشهادة علشان نبدأ التحقيقات الرسمية.

ازدردت ريقها وتحدثت بإيجاز: وأنا جيت علشان كدة يا حضرة الضابط.

شبك الضابط أصابعه ببعضها على الطاولة أمامه وسألها بحسم: ممكن تحكي لي اللي حصل من البداية؟

كانت سروة على وشك الرد حين رن الهاتف فرفع يده يعتذر منها حتى يرد، حين رد على الهاتف تغيرت ملامح وجهه قليلًا وعبس يقول بفهم: اه تمام خلاص فهمت.

أغلق الهاتف وهو يتنهد ثم وجه نظراته لسروة موجهًا كلماته بصوت قاتم: دي كانت المستشفى اللي انتقل عليها الرجل اللي ضربه جوز حضرتك..

صمت لثانية قبل أن يتابع بوجوم: وصلني خبر دلوقتي أنه مات متأثر بالإصابة بتاعته.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close