رواية وعود الليل الفصل السابع عشر17والثامن عشر18 بقلم نداء علي


رواية وعود الليل الفصل السابع عشر17 والثامن عشر18 بقلم نداء علي


وكلما اقتربنا نبتعد وكلما تشابكت أرواحنا تقطعت أوردة الوصال وكأننا بلا حيلة، مسيرون نحو فراق حتمي.

المحامي كان بيبشره برجوع هدى للحياة لكنه كان تايه وسط أفكاره المتخبطة، جزء منه سعيد، العنف أساساً مش جزء من شخصية ثابت ولا تركيبته لكن الجزء الأكبر من تفكيره كان غاضب، هايج زي البحر الغضبان، موتها كان هيريحه، لكن رجوعها من تاني هيفكره بخيانتها له، ياترى هيقولها إيه لما يشوفها.

خرج ثابت من السجن، المحامي كان معاه في كل خطوة، اتأكد إن الموضوع هينتهي لكن كل شيء معتمد على هدى، هي اتكلمت وقالت إن ثابت بريء، قالت إنه لما ضرب النار مكنش قصده يأذيها، كل اللي حصل صدفة مش أكتر، لكنها صممت تشوفه الأول قبل ما توقع أوراق التحقيقات.

وصل ثابت لغرفتها، كانت نايمة وأول ما دخل فتحت عنيها بتعب لكنها كانت منتظرة مواجهتها معاه من أول ما فاقت، عارفة إنها غلطت بس من وجهة نظرها اخدت جزاءها، هتكلمه وتحاول تطلب منه السماح يمكن قلبه يحن ويرجعوا عيلة من تاني.

المحامي استأذن منهم وثابت فضل واقف مكانه، رافض يرفع عيونه ناحيتها، كاره يشوفها وخايف من نفسه لو شافها، اتكلمت هي بصوت ضعيف :

ثابت، لو سمحت قرب مني، عاوزة اتكلم معاك.

ثابت متحركش، لكن بصلها، نظرة كلها نفور خلتها تفقد الأمل من جديد، اتنهدت وسألته

لسه كارهني للدرجة دي ؟

ثابت : وإيه اللي اتغير، انتِ زي ما انتِ، ست خاينة و...

هدى : أرجوك بلاش الكلام ده، أنا اخدت عقابي وبزيادة ومع ذلك سامحتك، قولت إنك ملكش ذنب وطلعتك من السجن.

ثابت بسخرية : متشكر جدا، حقيقي كرم أخلاق منك.

هدى غمضت عنيها من تاني، بتحاول تجمع أفكارها وتطول بالها أد ما تقدر، حاولت تلين قلبه :

ماري فين، وحشتني أوي ونفسي أشوفها.

ثابت كان منتظر سؤالها ده من البداية، نفسه يقهرها ويشوف حسرتها لما تعرف ان مارية اتجوزت وسافرت، قرب منها ووقف قصادها وقال :

عارفه، أنا مفرحتش بولادة كاريمان أد ما فرحت بماري، يمكن لأن كاريمان اتولدت في ظروف صعبة وكنت حامل همها، حسيت إنها مسؤولية مش هكون ادها، ويمكن لأني مكنتش بحب والدتها كفاية، لكن مارية اتولدت وروحي اتعلقت بيها، ويمكن ده كان عقابي، بعد خيانتك شكيت في نسب بنتي ، اتجننت لما تخيلت مجرد تخيل إنها مش بنتي واني طول السنين دي بربي بنت مش من صلبي.

هدى اتفزعت، عيونها كانت بتصرخ برفضها لكلامه وجسمها اتشنج من الخوف، همست بصدق :

لأ يا ثابت، اقسم بالله بنتك، حتة منك ومني.

ثابت بضحكة وجع

اتأكدت بنفسي، عملت تحليل DNA.

هدي دموعها انهمرت بغزارة ،وقالت بصوت مرهق :

فين البنت يا ثابت، انت عاوز توصل لايه؟

ثابت : ولا حاجة، لما اتأكدت إنها بنتي حاولت احافظ عليها، لأن العرق دساس وممكن لو سبتها لوحدها وسط المجتمع ده تبقى زيك.

هدى كانت محتارة، هتتجنن من تلميحاته وهو كان سعيد جدا بملامح وشها، اتكلم ببرود وقالها:

جوزتها وسافرت مع جوزها، وطلبت منه يحميها ويحافظ عليها، أنا كنت مفكر إني هقضي عمري كله في السجن وانك هتموتي، لكن للأسف عمرك طويل ورجعتي من تاني.

ثابت خلص كلامه لكن غضبه ورفضه للواقع مخلصش نفسه يمحي كل خطواته الماضيه، يمحيها وينسى معاها هدى وسنين حياته معاها لكن ساعات التمنى ألم ووجع مفيش حاجة تقدر تسكنه.

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

احساسها بالملل كان مؤذي، مؤلم محير زي كل شيء في حياتها، مش قادرة تتعود على الهدوء الزائد عن حده في بيت جاسم، في البداية كان عاجبها اللعبة، شعورها إن حد محاوطها برعايته واهتمامه كان احساس جديد، أول مره تجربه وتستطعم مذاقه لكن فجأة عادت لشخصيتها، مارية القوية، اللي اتعودت تعتمد على نفسها وتهتم بنفسها.

لبست سووت رياضية ورفعت شعرها لفوق، خدت نفس عميق وطلعت من الفيلا، لبست الهاند فري وشغلت موسيقى حماسية وبدأت تجري، كانت بتجري والموسيقى وخداها بعيد عن العالم، منتبهتش لكم النظرات والدهشة المحيطة بها، بلد جاسم ريف متطور، مش من عادتهم يشوفوا بنت لبسها بالشكل ده وبتجري في مطلع النهار قدام الكل ومش هاممها حد، البعض منهم فكرها أجنبية وده زود فضولهم ناحيتها.

بتجري يمكن تتخلص من الحمل الثقيل اللي شيلاه، بتدعي البرود وهي جواها نار الفقد، كانت فين ومع مين وبقت فين ومع مين، فين أبوها وامها وحياتها، فين طموحها وتطلعاتها للمستقبل، كل حاجة بقت باهتة، رماد وبس، من غير ما تنتبه خبطت في حجر على الأرض ووقعت بقوة، صرخت من الوجع والخوف والمفاجأة ، ومع صرختها قرب منها عدد من الناس، مارية أول ما شافتهم متجمعين حواليها أصابها حالة رعب شبيه بالفوببا وقبل ما يفهموا منها هي مين وبنت مين في البلد فقدت وعيها قدامهم.

مقدروش يسيبوها، واحد منهم شالها واخذها على الوحدة الصحية علشان الدكتور يشوفها، الدكتور أول ما شافها اتأملها بدهشة، البنت جميلة، ملامحها جذابة لكن لبسها بيقول إنها غريبة، هو بقاله سنين شغال في القرية وحافظ ناسها وأهلها، كشف عليها، اطمن إنها سليمة ومحصلهاش شيء، بعد دقايق فاقت وبصت حواليها وزاد رعيها، مكان متواضع جدا رغم انه مستشفى، بصت على الدكتور وقالتله :

انت مين، حصل إيه؟

الدكتور من لهجتها ضحك بخفة :

أنا دكتور صالح، ومحصلش حاجة الحمد لله كدمة بسيطة بس واضح إنك خوافة بزيادة يا آنسة...

مارية قالتله بهدوء : ماريا، أنا ماري.

الدكتور : انتِ أجنبية، صح، اقصد يعني مش من هنا؟!

مارية كانت بتكلمه وعيونها بتتفحص المكان، شافت موبايل الدكتور علي المكتب سألته بلهفة :

ممكن استخدم موبايلك، في نت؟!

الدكتور قالها :

اكيد عاوزة تطمني اهلك، قوليلي الرقم وأنا هتصلك عليهم

مارية : لأ، أنا مش حافظة أرقام، أنا بس اعرف الفيس بتاع بابي، هكلمه عليه، أنا معرفش حد في البلد دي، جيت مع ناس قرايبي ومش عارفه ارقامهم ولا أي حاجة عنهم. 

الدكتور فتحلها موبايله، فتحت الاكونت بتاعها وبعتت رسالة لصديقها اللي فرح جدا ومصدقش نفسه لما شاف رسالتها، بلغته بكل حاجة حصلت ووعدها إنه هيتصرف وينقذها من جاسم ويرجعها ألمانيا في أقرب وقت ممكن.

مارية خلصت كلامها معاه، كانت متوقعة إنها هتطير من السعادة لكنها حست بندم غريب، اتجاهلت احساسها ده وقالت للدكتور :

أنا آسفه، مفيش حد بيرد، في رقم تاني ممكن اتصل عليه 

الدكتور قالها

ولا يهمك، أنا معاكي لحد ما توصلي بالسلامة.

ادتله رقم جاسم وانتظرت يروحلها علشان ياخدها وجهزت نفسها لصدام جديد بينها وبينه.

♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️

جاسم رجع البيت دور عليها في كل مكان زي المجنون، عقله مش قادر يستوعب إنها هربت، هتهرب ازاي وتروح فين، يمكن حد خطفها، طيب حصلها إيه؟!، طلع يسأل الحراس، واحد منهم قاله إنها خرجت الصبح بدري وطلبت منهم يسيبوها لوحدها، اتعصب عليهم وكان على وشك طردهم لكن اتصال الدكتور خلاه يجري على عربيته علشان يروحلها ويطمن عليها.

أول ما شافها التقط أنفاسه وغمض عنيه بقوة بيحاول يهدي انفعاله، لعن نفسه وضعفه قدام ثابت، ياريته ما كان وافق على طلبه، ماريا مش بس بنت مدلله لكنها ذكية ومتمردة، طول عمرها شخصيتها قوية حتى وهي طفلة، كانت بتروح الشركة مع أمها وكان بيشوفها طفلة بعقل بنت في العشرين.

استعاد ثباته وشكر الدكتور بابتسامة هادية، وقرب من ماريا اللي كانت منتظرة منه رد فعل على الموقف ككل لكنه متكلمش، خذها ومشيوا في صمت حذر.

اول ما وصلوا البيت زقها جاسم بغيظ، سألها بتعجب وسخط

ناوية على إيه يابت انتِ، أنا وعدت أبوكي أحافظ عليكي متخلنيش أنسى وعدي واستخدم معاكي أسلوب مش هيعجبك، جاسم رفع ايده وكان ناوي يضربها بالقلم لكنه تراجع في آخر لحظة.

ماريا كانت هتقع من قوة دفعه لها، لكنها قدرت تتحكم في نفسها بصعوبة، وقفت قدامه بغضب ورفض لأسلوبه الهمجي من وجهة نظرها وصرخت بحدة :

احترم نفسك يا جاسم، انت اتجننت عاوز تضربني؟

جاسم: اضربك! ده أنا هموتك يا بنت ثابت، طالعة في وسط البلد، بين الشغالين والرجالة الغريبة بالمنظر ده! 

ماريا يتعجب : إيه المشكلة، ده لبس الrunning.

جاسم : الله يرحمه جدك، نقول إيه ماهو للأسف الكلام معاكي زي عدمه، الهانم فاكرة نفسها لسه في ألمانيا، احنا هنا في قرية وناسها بسيطة مش متعودين على قلة الأدب دي، لبسك مجسم كأنك مش لابسه. 

مارية : أنا حرة، فاهم ولا لأ ، الزم حدودك احسنلك.

جاسم : أنا جوزك، ومن حقي تسمعي الكلام بالذوق أو بالعافية.

مارية بتحدي : بالذوق مستحيل، بالعافية ممكن نجرب، اتفضل وريني.

جاسم عجبه عنادها ورغم غضبه الشديد منها ابتسم بمكر وقرب منها بخطوات أشبه بخطوات الفهد المتربص بفريسة، خلع حزامه ولفه على ايده وقالها

شكلك مجربتيش تتمدي على رجليكي وانتِ صغيرة يا ماري، تعالي بقى وأنا هعرفك.

في لحظة واحدة هربت من قدامه بسرعة جنونية وملامحها مرعوبة، جاسم مقدرش يتمالك نفسه وفضل يضحك على شكلها وحالها المتقلب.

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

خرج ثابت من السجن، وظهرت معاه هدى في لقاء مصور لقناة كبيرة، اتكلم بثقة قدام الملايين إنه بريء، وكلامه كان حقيقي لأنه فعلاً مقتنع ببراءته ،وهدى رغم خوفها منه وحقدها عليه بسبب ماريا أكدت كلامه بصدق لأن كل مشاكلهم كانت بسببها هي وبس.

اتذاع اللقاء ووصل لمشاهدات عالمية، رجل أعمال مشهور دخل السجن ظلم وخرج بعد رجوع زوجته للحياة وكان الأمر أشبه بالمعجزة.

ثابت طول فترة وجوده في السجن كان وحيد تمامآ، مفيش حد سأل عنه من كل معارفه وشركاءه غير جاسم، الكل سقطت عن وجوههم الاقنعة، وكان لازم أول خطوة يعملها بعد خروجه إنه يعيد ترتيب حساباته وتقييمه للناس.

فكر يكلم ماريا ويطمن عليها لكنه خاف يضعف لو طلبت منه الرجوع، وكالعادة نسي أو تناسى كاريمان واقنع نفسه إنها مع سميرة وأكيد مش محتاجة وجوده ولا اتصاله، هيقولها إيه ويبدأ منين، هيعتذر! طيب اعتذاره هيفرق، مقدرش يفكر كل شيء حصل معاه الفترة الماضية أثر على تفكيره ومشاعره، اتنهد وهو على يقين إن الرجوع لمصر خطوة لا مفر منها، لازم يطلق هدي رسمي وينهي أي أعمال بينهم، ياخذ نصيبه من الشركات ويحاول يبعد، يمكن يقدر يصلح علاقته مع بناته ويبدأ من جديد. 

................................

شافت كاريمان اللقاء زيها زي ناس كثير لكن مشاعرها تختلف عنهم، أد إيه محتاجة لأبوها في الوقت ده احتياج صعب حد يفهمه، غصن ضعيف محتاج لجذوره وللأسف جذوره بعيده، نسيته من سنين، غمضت عنيها بضعف واستسلام وكالعادة اتصل بها أكرم في اللحظة المنتظرة؛ كأن أكرم هو الحياة والجذور والبديل لكل معاني الحب.

صوتها كان بيحكي من غير ما تتكلم وقلبه كان مقدر حزنها وضعفها، سألها بهدوء وكأنه بيسأل بنته الصغيرة.

انتِ بتبكي، حد زعلك؟

انهارت كاريمان وقالت بصوت مهزوز :

أنا محتاجة لحضنك أوي، ارجوك يا أكرم خلينا نتجوز وتفضل جنبي، بلاش تسافر.

مقدرش يجادل ولا يتناقش لأنه هيخسر قدام دموعها وصوتها المنكسر، حاول يكذب كذبة جديدة تريحه وتعيشها في أمان مؤقت،

وعدها بحب وقال:

صدقيني لما نتجوز لو قدرنا نمشي حياتنا كويس عمري ما هبعد، انتِ متخيلة إني بعد ما المسك وتبقي بين ايديا هقدر أبعد.

كاريمان : أنا بخاف لما بتبعد عني، بحس إني مطمنة معاك يا أكرم، يمكن من أول يوم شوفتك فيه حسيت معاك بالأمان اللي طول عمري مش حساه.

طالت مكالمتهم، كانت حلم ووهم لذيذ، كل حرف كان بيزيد من عشقهم ورغبتهم في القرب وانتهت المكالمة بتحديد موعد زواحهم بعد شهر.

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

وعد كانت بتتكلم قدام الكاميرا وهي مغيبة، بتحكي تجربتها مع أمجد بقهر ووجع وحنين حقيقي، ألم الناس حسته واتعاطفوا معاها بشكل جنوني، الفيديو من أول ما سجلته بريق ونزلته بقى تريند، الكل بيشير ويتكلم عن البنت البريئة اللي كل ذنبها في الحياة إنها حبت إنسان ووثقت فيه، وفي ناس ثانية حملت أهل وعد مسؤولية اللي حصلها، لو مكنش أبوها اتخلى عنها وجوزها في سن صغير يمكن حياتها كانت كلها اختلفت، وعد بعد ما صورت الفيديو انعزلت عن الكل من جديد وكأن كلامها عن علاقتها بأمجد رجعها لنقطة البداية، كان جواها نار بتزيد كل لحظة، نفسها تاخد حق وجعها لكن هتاخده إزاي ومن مين.

بريق كانت هتطير من السعادة، نظرتها من البداية كانت صح، وعد هي الحصان الرابح الفترة الجاية، بنت بتجتمع فيها كل صفات النجومية، جمال ورقة وكاريزما خاصة هتخلي الكل يتعاطف معاها، وحتى المعارضين لكلامها هيرفعوا نسبة المشاهدات وفي كل الحالات هي الكسبانة، لكن علشان تستمر وعد وتفضل طول الوقت معاها وتحت عنيها لازم تثبت لها خوفها عليها وحرصها على مصلحتها.

سألت بريق عن أمجد ومن خلال معارفها قدرت تعرف إنه اتجوز، ابتسمت بسعادة لإن الموضوع ده هيضرب عصفورين بحجر واحد، هتضمن ان وعد مستحيل ترجع لامجد وإن المشاهدات هتزيد الآيام الجاية بعد ما تقول لوعد الخبر وتشوف الناس رد الفعل على الهوا.

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

أكرم وكاريمان بيجهزوا الأشياء الاساسية لجوازهم، والدته بتساعده وسميرة بتساعدها، ومهما حاولوا الإثنين يقللوا المصروفات ويشتروا أبسط الأساسيات بتخرج الأمور عن السيطرة وتتضاعف المصاريف من غير ما يفهموا فين المشكلة ومع ذلك السعادة احتلت كيانهم، مفيش ذرة ندم على القرار ده ولا رغبة في الرجوع لكن وقت كتب الكتاب حصل مشكلة كبيرة بسبب أخوات جليلة اللي اعترضوا بمنتهى الحدة خاصة أخوها الكبير، رفض فكرة كتابة قائمة منقولات وقال لأكرم

وتكتب قايمة ليه، انت مجهز شقتك بنفسك وهي ملزمة تجيب رفايعها وطالما هتسافر يبقى القايمة لوي ذراع عالفاضي.

أكرم كان محرج من موقف خاله ومش فاهمه، من امتى بيهتم لأمره من الأساس، وفي نفس الوقت ناس كتير حذرته من القايمة، مش بس خاله، لأ زمايله وجيرانه ويمكن ده كان سبب تخبطه في اللحظة دي وسكوته، قطع الصمت ده كلام كاريمان لما قالت :

هو في ايه يا أكرم، أنا مش فاهمه إيه المشكلة!

أكرم فاق من لحظة الشرود والتردد، نظرات كاريمان وخوفها الواضح من سؤالها البريء خلوه يقف قدام الكل بثقة وثبات، ابتسم لخاله وهو بيقول

متقلقش يا خالي، إحنا متفقين على كل حاجة، كاريمان تستاهل الدنيا كلها وزيادة، والقايمة دي ولا حاجة بالنسبة ليا، مجرد شكليات.

خال أكرم : ازاي الكلام ده، دي وصل أمانة ووقت الجد...

أكرم اتخلى عن ابتسامته الهادئة والمرة دي كلم خاله بحزم

حضرتك عارف إني راجل ومسؤول عن تصرفاتي، وبعدين مفروض هما اللي يقلقوا، أنا لا عملت فرح ولا حتى جهزت شقة تليق بها، اعتقد ان الموضوع انتهى وحضرتك اطمنت، نكمل بقى كتب الكتاب.

خال أكرم قعد مكانه وسكت، لكن خالته قربت من جليلة وقالتلها بصوت هامس

ماشاء الله، العروسة مبرمجة ابنك من دلوقت ياختي، ربنا يعينك بعد كده، دي كأنها سحراله.

جليلة مهتمتش لكلام أختها، فرحتها كانت طاغية على أي شيء وكل شيء، سعادة اتحرمت منها من صغرها ولقتها أول ما اتولد أكرم، واليوم ده هو أسعد يوم في حياتها، أخيراً هتفرح بابنها، هتشوفه عريس ويكون أسرة، قامت جليلة واتحركت بخطوات خفيفة، قربت من أكرم ووقفت جنب منه وكأنها بتقوله أنا بساندك ومعاك، أول ما المأذون انتهى من عقد القرآن زغرطت جليلة بسعادة رفرفت في المكان، حتى أخواتها مشاعرهم اتحركت مع نظرات الفرحة المرسومة في عيون وحركات جليلة.






الفصل الثامن عشر 


حملها ودار بها في سعادة وكأنها حلم السنين الأوحد، حلم لما مضى وما يتمناه أن يأتي، تعالت دقات قلبها فباتت مسموعة للجميع، تشبثبت به خوفاً أن تسقط فهمس إليها بعشق

متخافيش، طول ما أنا معاكي اوعي تخافي.

غمضت عيونها باستمتاع، إحساس الأمان ده عمرها ما اتمنت أكثر منه،

نزلها برفق وضمها بحميمية وقوة لكنها حست بالخجل فبعدت عنه برقة، دورت بعيونها على سميرة لكنها مشافتهاش، سألت اكرم بحيرة

ماما سميرة فين يا أكرم، أنا مش شيفاها؟

أكرم : اكيد موجودة، بس يمكن بتعمل حاجة وراجعة ثاني.

مكملش كلامه وقربت منهم سميرة، كانت شايلة علبة مخمل لونها أحمر، فتحتها قدام المعازيم وقالت لكاريمان :

دي شبكة مامتك الله يرحمها، ذهبها ياحبيبتي، كانت شيلاه علشان تديهولك يوم فرحك، لكن ربنا ما أرادش تشوفك عروسة زي القمر، اتفضلي يا حبيبتي تعيشي وتتهني يا كاريمان.

رمت نفسها في حضن سميرة، هي مش فاكرة أمها ولا قادرة تحس إنها يتيمة الأم، سميرة النهاردة هي الأم والأب والسند الحقيقي، المعازيم كلهم كانوا فرحانين لفرحتهم إلا عدد قليل كان شايف ان السعادة دي كثير على كاريمان، محظوظة البنت دي بخالة زي سميرة وزوج وسيم زي أكرم ده غير إنها مهندسة ناجحة.

جليلة زغرطت علشان تقلل جو التوتر والحزن اللي خيم على المكان بسبب كلام سميرة وحبها الواضح للعروسة، سميرة ابتسمت لأكرم وقالتله بشيء من المزاح

خد بالك من العروسة، اوعي تزعلها

أكرم كانت عيونه بتلمع، لمعة صافية ونادرة مبتحصلش في العمر غير مرة واحدة ومع شخص واحد، مد ايده وسحب كاريمان ناحيته برقة، ضمها جوة حضنه من تاني وقال لسميرة

اطمني، أنا مقدرش ازعلها، ولا أقدر على زعلها.

انتهت الحفلة البسيطة الجميلة ببساطتها، مشيوا الناس واستعدت كاريمان علشان تروح مع أكرم، هيبدؤا أول أيام حياتهم مع بعض، هتسيب وراها حياة وبيت وعمر بحاله وتبدأ معاه من الأول، حياة مختلفة بكل ما فيها، سميرة كانت مجهزة كل حاجة تخصها، أبسط التفاصيل كانت مهتمة بها وده المعتاد منها، ودعتها كاريمان وأكرم ونزلوا من البيت واتوجهوا للمطار، أكرم حجز اسبوعين في فندق في الساحل يقضوا شهر العسل كتعويض عن الفرح والتجهيزات الأساسية.

وفضلت سميرة لوحدها، برودة المكان كانت صعبة، فوق تحملها لكنها كانت سعيدة، سعادة إنسان اتحمل أمانة غالية سنين طوال، طول الوقت كان خايف على الأمانة دي بيجاهد الحياة وظروفها وبيسعى يحفظ الأمانة ويحميها من الأذى والنهاردة قدرت تسلم أمانتها، بكت بحرقة لما افتكرت أختها ودعت لها بالرحمة وسألتها وكأنها معاها وواقفة قدامها

راضية عني يا حبيبتي، اطمني بقى كاريمان كبرت وبقت عروسة، سلمتها بأيدي لعريسها، حبيبها، وعدتك اراعيها لحد ما يجي اليوم ده والحمد لله النهاردة نفذت وعدي يا قلب أختك.

جليلة نزلت من البيت مع أخواتها، يمكن ما بينهم خلافات اختلافات لكن وجودهم معاها فرق كثير، عالأقل وضعها أفضل من سميرة، هتلاقي حد يونسها اليومين دول، مش هتفضل لوحدها بعد ما أكرم سافر، غمضت عينيها بارتياح ونامت في السيارة بعمق وكأن تعب الأيام والشهور اللي فاتت حل عليها في اللحظة دي.

❤️❤️♥️❤️♥️❤️♥️❤️❤️♥️♥️❤️❤️♥️♥️

هدى كانت هتموت من القلق والخوف، شوقها لرؤية ماريا كان أشد ألم من كل شيء، تعمل إيه وتطمن على بنتها إزاي، راحت لثابت حاولت تستعطفه لكنه ابتسم بتشفي وقالها

أنا ممكن اقولك على مكانها بس بشرط واحد.

هدى بدون تردد قالتله

أنا موافقة، أي حاجة تطلبها هعملها، حتى لو عاوز تنازل عن كل فلوسي واملاكي أنا جاهزة.

ثابت : فلوسك! ياه فاكرة أول ما اتجوزتك كنتي إيه.

هدى : فاكرة يا ثابت، كنت بنت من بيت بسيط، لكني مكنتش شحاته ولا متشردة فبلاش النغمة بتاعتك دي.

ثابت ملامحه اتبدلت في لحظة، نظرانه كانت انتقاص ونفور، شاورلها على صورة مرسومة بحرفية شديدة أشبه بالواقع، الصورة كانت لهدى وهي شايلة ماريا وقت ما كانت بيبي صغيرة،

اتحرك بخطوات سريعة ونزل البرواز ورماه بكل قوته على الأرض، اتحطم الإطار وشظايا الزجاج غرقت المكان، هدى بعدت مسافة كبيرة ودقات قلبها زادت من الفزع، لكن ثابت وقف مكانه وكأنه معملش حاجة، شاورلها تقرب لكنها حركت رأسها بخوف وقالتله

قولي على مكان بنتي أرجوك، أنا اعترفت بخطئي وطلبت من ربنا يغفرلي، وطلبت منك تسامحني، أنا عارفه إنك مجروح مني لكن صدقني والله أنا ندمانة، ليل نهار الندم هيقتلني.

ثابت متأثرش بأي كلمة سمعها من هدى، غمض عيونه بملل وبعد لحظات قالها

الشرط الوحيد علشان ماريا ترجع هو إنك تقوليلها الحقيقه، وقدام عنيا.

هدى بحذر : حقيفة إيه؟!

ثابت : نقولها إنك خاينة، ست باعت شرفها مع الراجل اللي كنت معتبره صاحبي، إيه رأيك!

مشيت هدى من غير ما تتكلم، مفيش رد تقوله، ثابت مصمم يقضي عليها، سواء ببعدها عن بنتها أو رجوعها ومعرفتها الحقيقة، في الحالتين وجع قلب وألم ملوش نهاية 

♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️

ماريا من خوفها وحيرتها أصابها حالة من الحزن الكئيب، هي طول عمرها مفتقدة نفسها فيه بينها وبين داخلها سدود، عاجزة عن فهم مشاعرها، جاسم ده نهايته معاها إيه، حقيقي هو شخص مجمله جذاب لكنه أبعد ما يكون عن شخصيتها، هو وهي شروق و غروب، جاسم خبط على باب الغرفة واستأذن في الدخول، اتعدلت ماريا وقالتله

ادخل يا جاسم.

قرب منها وبسمة لطيفه مرسومة على ملامح وجهه الجذاب، مد لها ايده بعلبة شوكلاته، نوعها المفضل، صرخت ماريا بسعادة وحماس واخذت منه العلبة، ضمتها لحضنها وكأنها مفتقداها بشدة، بصتله بامتنان وقالتله 

ياه يا جاسم، حقيقي كان نفسي فيها، شكرأ بجد. 

جاسم : اعتبريها هدية صلح مني، أنا آسف على طريقتي معاكي امبارح. 

ماريا : اممم، يعني دي رشوة. 

جاسم : لأ اعتذار، أنا اتعصبت بزيادة بس صدقيني كنت خايف عليكي 

ماريا : خلاص، حصل خير. 

جاسم شعر بالارتياح، هو كان حزين لأنه زعلها، سألها بترقب

تحبي نسافر يومين نغير جو في اي مكان.

ماريا : ياريت، أنا حقيقي زهقت ونفسي اشوف أماكن جديدة. 

جاسم خرج من جيبه تذكرتين طيران للساحل، ادالها التذاكر وقالها 

بكرة ان شاء الله نتحرك الصبح بدري.

♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️

 

رغم انبهار وعد بكمية المشاهدات والتعليقات المساندة لها، وكم العروض اللي جتلها في يوم واحد لكنها كانت خايفة، مترددة، حاسة إنها اتسرعت، خرجت من قوقعتها وراحت لعالم غريب عنها، قربت منها بريق وقدرت بذكائها تفهم تخبط وعد، قعدت جنبها وطبطبت عليها بود وقالتلها بحزن مصطنع

على فكرة نجاحك ده تعويض من ربنا على ظلم أمجد ليكي، صدقيني ده إنسان خاين ومفتري، ومع الأيام هيندم ويعرف إنه باعك علشان واحدة متستاهلش

وعد قلبها انقبض وبلعت ريقها بصعوبة، عقلها فهم معنى كلام بريق لكن قلبها رفض يصدق سألتها بحذر

تقصدي إيه، هو أمجد عمل حاجة جديدة؟

بريق : للأسف أنا كلمت حد يجيبلي أخباره وقالي ان أمجد اتجوز، ست كده سمعتها مش تمام، وعايش في بيتها، لو تحبي أنا اقدر بمكالمة واحدة أخلي الشرطة تروح تاخده من عندها ووقتها هتقدري ترفعي قضية طلاق وتاخدي منه كل حقوقك.

وعد قامت من مكانها، مقدرتش ترد ولا تسمع حاجة ثانية، حركت رأسها برفض وقالتلها

. لأ، انا هتصرف يا بريق، مفيش داعي للمشاكل أنا في كل الاحوال هتطلق منه.

اتحركت بخطوات ثقيلة، كل لحظة قضتها معاه، جوة حضنه ، بتصرخ من الألم، ياما وعدها إن حضنه ملكها لوحدها للأبد لكنه خان الوعد ونساه، استبدلها بست ثانيه بمنتهى البساطة. 

وعد أول ما روحت البيت قابلها أمها وأبوها وغضبهم واضح على ملامحهم، أمها اتحركت ناحيتها بغضب وصفعتها بقوة لكن وعد متحركتش من مكانها. 

صرخت سعاد وهي بتقولها : فضحتينا يا وعد، مفكرة نفسك ممثلة ولا مذيعة ورايحة تعملي برنامج على النت وتفرجي الناس عليكي وعلينا، بتفضحي أمجد، ده ابو ابنك يعني اللي يأذيه يأذي يوسف. 

ابتسمت  وعد  بسخرية رغم ان وشها اتأثر من قوة الضربة، التفتت لأبوها وقالتله

تحب تكمل ضرب معاها ولا هتكتفي بالمشاهدة؟!

ممدوح نكس رأسه، هو عمره ما مد ايده على حد من ولاده خاصة وعد، لكن كلامها على الملأ عن أمجد وعن حياتها معاه كان أكبر من طاقتهم وقدرتهم على التحمل، دلوقت هتبقى سيرتهم على لسان الكل. 

وعد وقفت في وش والدتها وقالتلها بقهر 

بتضربيني ليه، فكراني لسه عيلة صغيرة، أنا كبيرة، كبرت أوي لو مش واخدة بالك ومش هسمح لحد فيكم يمد ايده عليا فاهمة؟ 

سعاد رفعت وجهها وبصلتلها بصدمة : انتِ بتعلي صوتك عليا يا وعد، وإيه كبرتي دي، هتكبري عليا، على أمك. 

وعد : أمي! أنا من وقت ما اتجوزت أمجد وأنا بدور عليكم، انتِ وجوزك، لو فعلآ انتِ أمي كنتي هتحسي بيا، هتعرفي أنا عايشة ازاي من غير ما اشتكي، لكن للأسف أنا كنت لوحدي، عايشة ومكملة علشان الناس وكلامهم، لكن كل ده انتهى، من النهاردة مش مسموح لحد يتدخل في حياتي، هعمل اللي يريحني أنا وبس، وعلى فكرة أنا أجرت شقة برة وهاخذ ابني وأعيش فيها. 

وعد كملت كلامها بألم وانكسار

طبعا انت وهي عرفتوا ان أمجد اتجوز، صح! 

سكتوا الاثنين وهي غمضت عنيها بحزن، اتنهدت بقوة ودخلت غرفتها وسابتهم واقفين عاجزين عن الرد أو حتى عن منعها، هي معاها حق لكن ساعات بيكون الحق مقيد بالعادات والتقاليد المقيتة، قعد ممدوح على أقرب كرسي ورجع رأسه للخلف بندم على ضعفه وقلة حيلته ووقفت سعاد في مكانها مش عارفة تعمل ايه. 

♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️

أكرم كانت لمساته لكاريمان سحر من نوع خاص، سحر خلاها مغيبة بين ايديه، كان بيعبرلها عن عشقه بطريقته الخاصة، همس ولمسات عاشق حلم سنين بلحظات اللقاء الأول، نفسه يروي ظمأه لكنه كل ما يقرب منها بيعطش اكثر، بعد عنها بعد وقت كان نعيمه صعب يتوصف ومبعدش غير لما بقت زوجته وملكه بكل كيانها، ضمها لحضنه بقوة واستسلمت هي لرغبتها في النوم بعد رحلة طويلة من السفر والعشق المجنون وفضل هو صاحي بيتمنى الأيام تقف عند اللحظة دي وميبعدش عن حبيبته ولو يوم واحد. 

تعليقات



<>