أخر الاخبار

رواية قريبا ستفرج الفصل الحادي عشر 11بقلم شيماء عبد الله

         


 رواية قريبا ستفرج

الفصل الحادي عشر 11

بقلم شيماء عبد الله


نصر الدين :خالتي يجب أن تغسل هداية كي تدفن، هل ستتكلفون بهذا أم أحضر امرأة لتغسلها. 


أردفت خديجة بصوت متعب: لا يا بني، ابنتي لن يغسلها شخص غريب، أنا سأتكلف. 


نظر نصر الدين ليديها اللتان ترجفان وقال :ولكن هل تستطيعين. 


ظلت إيمان تغض بصرها وهتفت: أنا سأساعدها. 


نظر لها نصر الدين يحاول تذكر هذا الصوت، إلى أن رفعت رأسها تنظر لخديجة هاتفة: هداية كانت بمثابة أخت لي، ومن المستحيل أن أتخلى عنها في هكذا ظرف. 


خديجة :حفظك الله يا إبنتي وأسعد قلبك. 


أمنت إيمان ونصر الدين على كلامها وهتف: حينما تنتهون نادوا علي. 


كان ينظر لإيمان موجها حديثه لها، لتومئ له هي الأخرى تؤكد له أنها تعلمه حينما ينتهون، ثم أسندت خديجة متجهين لغرفة هداية، وأخذوا معهم لوازم الغسل، وأغلقوا الباب خلفهم تفاديا لأي شيء، وحينما أنهوا كل شيء وقاموا بلف ذلك الثوب الأبيض حولها ولم يعد يظهر منها سوى وجهها، سمعوا صوتا أنثويا يبكي، فضبت إيمان كل شيء ووضعته في الخزانة، ثم أغلقتها بالمفتاح وخبأته، بعدها فتحت الباب لتدلف فتاة تمتلك شبها كبيرا من ملامح هداية. 


الفتاة :أختي الحبيبة ذهبت وتركتني بمفردي، يا رب من سيصبرني على فراقك، قلبي يتمزق من أجلك، ذهبت وأنت في عز شبابك يا أختي. 


إيمان :استغفري الله يا كريمة، وادعي معها بالرحمة، روحها الان عن الأفضل مني ومنك، وبدموعك هذه تزيدين من عذابها، يفضل أن تدعي لها بنيل الجنة. 


نزلت دموع كريمة هاتفة :قلبي يؤلمني، رحلت دون أن أودعها، لمن سأشكي همومي بعد الآن. 


إيمان :مهما طال مكوثنا في هذه الحياة سيأتي يوم ونموت ونفترق، لكن يوجد واحد يبقى دائما معنا، هو الله عز وجل، اشكي له همومك ودعي ثقلك يقع أثناء سجودك، وقتها ستتذوقين طعم الراحة الحقيقية، والآن ادعي من أختك أن يمحي الله ذنوبها. 


مسحت كريمة دموعها تحاول أن تتماسك، وفعلت خديجة الشيء ذاته، وأكملوا ما بدأوه وحينما وصل الوقت الذي سيأخذون فيه هداية للدفن، ذهبت إيمان باحثة عن نصر الدين إلى أن وجدته بجانب السيد علي. 


كان أشرف يعمل في مكتبه حينما سمع صوت طرقات على الباب، فسمح للطارق بالدخول، ورأى إحدى العاملات تدخل وهي تمسح دموعها فهتف: نعم. 


العاملة :سيد أشرف سألتني من قبل على غياب هداية. 


أشرف :أجل لكنني علمت أنها تعرضت لحادث في الفترة الأخيرة. 


العاملة :أجل ولكن هذا قبل اليوم، إتصلت بي والدتي للتو وأخبرتني أن هداية ماتت، و أردت أن أخذ منك الإذن لأذهب لعزائها. 


صدم أشرف وهتف: ماذا؟ بالأمس فقط كانت بخير.


العاملة: انقضى عمرها. 


أشرف :حسنا يمكنك الذهاب الان. 


العاملة :شكرا لك. 


راقبها أشرف حتى خرجت، وأخرج هاتفه متصلا بنصر الدين الذي كان يستمع للحوار الدائر بين إيمان والسيد علي.


إيمان :عمي لقد غسلت هداية، تعالى لتودعها. 


علي :أخبريني يا إبنتي كيف أتحمل وأودعها، هي جزء من كبدي، دائما ما كانت تخبرني إذا لم أجد حلا ألجأ لك، ماذا أفعل أنا. 


ابتسمت إيمان هاتفة: وكل أمرك لله عز وجل، وادعي مع ابنتك أن يرزقك الله الجنة، ويوميا صلي قيام الليل وادعي معها، وأنصحك أن تقرأ يوميا في مصحفها على الأقل صفحة واحدة، وكن على يقين مع كل حرف تقرأه لن تأخذ أنت فقط الأجر، وإنما حتى ابنتك ستنال أجرها، وقم بتوزيع صدقة من أجلها بين كل فترة وأخرى، وقتها قارن إحساسك بمشاعرك الأن، ستشعر بسعادة تغمرك مع كل دعوة تخرج من أفواه الناس. 


رسمت البسمة بشكل تلقائي على وجه نصر الدين، ونظر لهذه الشخصية التي أمامه والتي اتضح أنها فتاة صبورة وتثق في الله عز وجل، وتستطيع إقناع الجميع بأي شيء، إلى أن أيقظه صوت الهاتف، فابتعد عنهم مجيبا. 


نصر الدين :السلام عليكم.


أشرف :وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نصر الدين هل ما سمعته صحيح، هداية..


فهمه نصر الدين وقال: أجل ماتت هذا الصباح. 


أشرف :إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمها الله. 


نصر الدين :آمين يا رب. 


أشرف :هل تحتاج لمساعدتي لأتي لك. 


نصر الدين :أريد منك أن تزور أبي حينما تنهي عملك لأنني سأتأخر. 


أشرف :كن مرتاحا سأطمئن عليه وأتي عندك. 


عاد نصر الدين ليجد السيد علي وإيمان ولجوا داخل المنزل، وانتظر في الخارج حتى نادوا عليه، ورافق الرجال لدفن هداية، وكان برفقتهم أشرف الذي وصل في وقت خروجهم، وظلت النساء في المنزل الذي امتلأ، فهمست أمل لإيمان هاتفة :امتلأ المنزل ولا بد من شيء ليتناولوه. 


إيمان :بعض النساء ذهبن لتحضير الأكل، وأنا سأذهب للمنزل أحضر الكسكس وأعود. 


أمل :حسنا لكن حاولي أن لا تتأخري. 


ذهبت إيمان للمنزل الذي كان فارغا، وبدأت تحضر الكسكس وصوت القرآن صادح في أرجاء المنزل، ودعواتها تلاحق هداية، وما إن أنهت من تحضيره رتبته في طبق كبير، وعدلت حجابها ثم غطته وحملته خارجة متجهة لمنزل العزاء، وفي نفس الوقت كان نصر الدين مع أشرف والسيد على متجهون للمنزل، وما إن لمحها وجه حديثه لأشرف قائلا :أشرف اذهب مع عمي علي وأنا سألحق بكم بعد قليل. 


أشرف :حسنا.


ولج الاثنان للمنزل، بينما اتجه نصر الدين ناحية إيمان التي لم تشعر له إلا وهو واقف أمامها هاتفا: أعطني ذلك الطبق أحمله عنك. 


إيمان :لا سأحمله أنا. 


نصر الدين :لا أحب أن يرفض أحد طلبا لي، من الأفضل أن تقدميه لي فهو ثقيل عليك. 


قدمت له إيمان ذلك الطبق، ولأنه يعلم بموضوع إعاقتها بدأ يمشي بخطوات بطيئة كي لا تشعر بالنقصان، وقد شعرت إيمان بالراحة في مشيتها، وما إن وصلوا أمام بابا المنزل وجدوا فاطمة التي قالت: إيمان هل أحضرت الكسكس. 


إيمان :أجل ها هو.


كادت إيمان أن تحمل الطبق من نصر الدين، فمنعتها فاطمة حينما هتفت :دعيه عنده ليأخذه لطاولة السيد علي فهم من ظلوا بلا أكل. 


نصر الدين :حسنا.


نزعت إيمان ذلك الغطاء الذي كانت تضعه فوق الطبق، فأخذه نصر الدين للطاولة، ووجد مقعدا فارغا فجلس معهم وبدأ يتناول الكسكس، وقد نال إعجابه كان أعجبته رائحته حينما شمها، ولو كان في مناسبة أخرى لظل يتلذذ بمذاقه. 


انقضى ذلك اليوم، وما إن بدأ الظلام يسدل ستائره، عاد كل شخص لمنزله، وإيمان أيضا عادت رفقة أمل وسلمى التي لحقت عليهم، ومن حسن حضها أنها لم تصطدم بنصر الدين. 


مضى أسبوع، كان يذهب نصر الدين فيه كل يوم لزيارة خديجة وزوجها، ليأتي يوم جديد استيقظ فيه مصر الدين في وقت متأخر بعض الشيء فأفطر ثم اتجه لإحدى الحدائق العمومية حيث يمارس رياضته ككل يوم أحد، كب يخفف ضغط الأسبوع. 


قضى ما يقارب الساعتين في ممارسة الرياضة، ثم عاد للمنزل مشيا على رجليه، فالتقطت أذنيه صوت الزغاريد في منزل دعاء ورأى سيارة مصطفة أمام المنزل، فوقف عليه شاب يظهر الحسد جليا في عينيه وقال: لطالما كنت مغرورا مغترا بنفسك، واليوم أضعت جوهرة من بين يديك.. انظر الان ها هي عقدت قرانها على من يستحقها. 


نصر الدين :هذا جيد، أتمنى أن يسعدها زوجها. 


الشاب: فلتستمر بالتخفيف عن نفسك بهذا الحديث. 


نصر الدين :الحمد لله أنا لست مهتما بأي شيء، فقط أنت من تتخيل هذا، وحينما رأيتني لا أستحقها لما لم تتقدم لها أنت، أم أنك مثلي لا تستحقها. 


أراد ذلك الشاب ضربه من شدة الغضب الذي شعر به في تلك اللحظة، إلا أنه خاف على نفسه كونه يعلم مدى قوة نصر الدين، وقدرته على التغلب عليه بسهولة، وكذلك نصر الدين لم يضع وقته معه أكثر، وإنما اتجه لمنزله متجاهلا إياه، وبعد أن استحم وجد والده حضر الغداء. 


نصر الدين :ماذا فعلت يا أبي، ألم أخبرك من قبل أن لا تتعب نفسك في وجودي. 


عمر :وماذا فعلت أنا، حضرت الغداء فقط. 


نصر الدين :حتى لو كان كذلك، لا تتعب نفسك، أنا سأفعل كل شيء. 


عمر: رضي الله عنك يا بني، أنا الآن في حالة جيدة، ولا زالت لدي طاقة لأفعل كل شيء، حينما لا أستطيع القيام بأشياء كهذه تستطيع أن تفعلها أنت. 


قبل له نصر الدين رأسه هاتفا :لا تكرر هذا الحديث، أنا سأخدمك بعيني الأن ومستقبلا. 


عمر :أخبرني ماذا فعلت في الموضوع الذي اقترحته علي من قبل. 


نصر الدين :لا تقلق لقد حدثت خالتي خديجة وزوجها ولم يحزنوا، بالعكس كانوا سعيدين لي، وشكروها كثيرا، حتى أنهم قالوا جملة أثارت استغرابي. 


عمر :ماذا قالوا.


نصر الدين :أخبروني أنني سأفعل خيرا في تلك الفتاة إذا تزوجتها. 


عمر :حديثهم صحيح، فأنت ستفعل خيرا عظيما بحقها.. المسكينة تعيش في جحيم ولا زالت تتحمل. 


نصر الدين :لا أعلم لما لا ترغب في إخباري عن ما يحدث معها. 


عمر: لأنها وثقت بي وأخبرتني بكل شيء، وهي تعلم أنني لن أخبر أحدا بشيء، ولكن لو أخبرتك بقصتها سأكون خنت العهد في ذلك الوقت. 


نصر الدين :حسنا يا أبي لن أضغط عليك، المهم أن تحضر نفسك الليلة سنذهب للتقدم لها. 


عمر: حسنا يا ابني. 


جلسوا يتناولون غذاءهم، وفضول نصر الدين زاد لمعرفة قصة إيمان، لكنه قرر أن يدع الأمر في يد الله عز وجل، وسيعلم كل شيء مع مرور الأيام إن أرادت إيمان أن تخبره بكل شيء. 


عند إيمان كانت هي الأخرى جالسة تتناول الغذاء مع عائلتها، إلا مراد الذي أصبح يتناول الغذاء في الخارج كونه وجد عملا، وأصبح عاملا يصلح السيارات والدراجات. 


عبد الرحمان :لدينا ضيوف هذه الليلة. 


أمل :من سيأتي. 


عبد الرحمان :شخص يرغب الزواج من إيمان. 


ما إن سمعت إيمان حديثه توقف الأكل في حلقها، فبدأت تكح بقوة لتقدم لها سلمى كأس ماء، وظلت تتنفس بقوة حتى استعادت أنفاسها، ثم قالت أمل :هل تقول الحقيقة، أقصد أنك تعلم وضع إيمان. 


عبد الرحمان :هذا لا يهمني، الشاب أتى عندي وقال أنه يرغب في الزواج بها، هل تريدينني أن أطرده. 


أمل :لم أقصد هذا، فقط أخاف أن لا تتفاهموا. 


عبد الرحمان :أنت لا دخل لك في هذا، فقط جهزي عشاءا يليق بهم. 


غادر عبد الرحمن متجاهلا مشاعر إبنته التي جرحت بعد سماعها لحديث أمل الذي أثر بها، فقامت واتجهت سريعا لغرفتها، وهي تتخبط بين أفكارها، وتشعر بالحيرة والخوف من الآتي. 


أتى الليل ووصل نصر الدين أمام باب منزل إيمان، وأخذ نفسا عميقا قبل أن يطرق الباب، وبعد ثواني فتح مراد الباب، وقد اتضح عليه التغيير بعد أن أصبح هادئا في الفترة الأخيرة. 


مراد :تفضلوا. 


سنح لهم مراد المجال ليدخلوا، ووجههم للصالون فدخل عليهم عبد الرحمان الذي كان مبتسما، وسعيد بزواج إبنته بأستاذ بعد أن كان الجميع يقلل من قيمته بسببها. 


عبد الرحمان :فلتجلسوا.. مراد اذهب أحضر للناس بعض المشروبات، مرحبا بكم. 


عمر :شكرا لك سيد عبد الرحمن. 


مضت بعض الدقائق وأحضر لهم مراد المشروبات، وجلسوا يتحدثون في مواضيع مختلفة، فقال عمر :فلندخل صلب الموضوع مباشرة يا سيد عبد الرحمن، نحن أتينا اليوم لنطلب يد ابنتك لابني نصر الدين إذا وافقت. 


عبد الرحمان :بالتأكيد سأوافق فمن هذا الأحمق الذي سيرفض رجلا مثل ابنك. 


عمر :وهذا ما نريده ولكن قبل هذا نريد أن نرى ابنتك ونسمع رأيها أيضا. 


عبد الرحمان :سأناديها فورا.


ذهب عبد الرحمان لغرفة إيمان، فوجدها متوترة وخائفة، وحينما رأت ملامح والدها الحادة زاد رعبها، ليهتف عبد الرحمان :أنت قومي أمامي، وإياك أن ترفضي، لا أريدك أن تضيعي هذا الرجل من بين يديك. 


إيمان :حسنا يا أبي. 


رافقته إيمان وهي حانية الرأس، وهتفت :السلام عليكم. 


عمر ونصر الدين :وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.


جلست إيمان دون أن تنظر لهم، ولا تعلم حتى الآن هوية الخاطب، فتحدث عمر هاتفا :ابنتي إيمان أتينا اليوم لطلب يدك لابني نصر الدين إذا وافقت، وأيضا والدك وافق ولم يتبقى سوى رأيك. 


رفعت إيمان عينيه المصدومة، ولم تتوقع أن يكون مصر الدين هو من يرغب في الزواج بها، فوجدته يرسم بسمة على وجهه، وعمر الذي كان ينظر لها بحنية كي ترتاح فهتف: ماذا قلت يا إبنتي، هل أنت موافقة أم لا. 


بلعت إيمان ريقها وفكرة وحيدة تدور داخل عقله؛ تفكر أن عمر وابنه أشفقوا عليها، فاستغفرت الله ونظرت لوالدها الذي كانت نظراته حادة، ثم تنفست بقوة قبل أن تهتف: أنا موافقة. 


كانت أمل واقفة أمام الباب، وما إن سمعت موافقتها خرجت الزغاريد من فاهها، وبجانبها سلمى التي صدمت من هوية خطيب أختها، وقبل أن تهرب كان نصر الدين لمحها ولمح الخوف في عينيها، فابتسم لها إلا أن تلك البسمة لم تكفي لإراحتها بالقدر الكافي. 


عمر: ما دامت إيمان موافقة فلنقرأ الفاتحة. 


عبد الرحمان :بسم الله.


قرأوا الفاتحة بينما العديد من المشاعر تتضارب في قلب كل شخص، فنصر الدين سعد بزواجه من إيمان التي كانت ذات شخصية خلوقة، وقام بجذبه غصبا عنه، وفي لحظة قام عقله بمقارنة سريعة بيتها وبين دعاء، ووجد فرقا شاسعا بينهما، فهتف في نفسه :الحمد لله، شكرا لك يا رب على إيقاظي من خطئي، وأتمنى أن تيسر لنا هذا الزواج. 


أما إيمان كان التوتر والخوف يستحوذ عليها، خوف غامض من المستقبل، كانت خائفة من موافقتها التي قد تأخذها لجحيم آخر، خوفها من نصر الدين الذي لم تتعرف عليه، خائفة أن يكون نسخة من والدها، أو أخاها وقتها سيتضاعف ألمها، وفي لحظة انجرف تفكيرها لناحية أخرى، تفكر بشكل إيجابي في شخصية نصر الدين، وتخيلت أن يكون شخصا جيدا، ولكن سريعا ما تذكرت أنها ستصبح أما إذا أراد الله، وقتها سيعاني أطفالها كما تعاني هي، وحينما توصلت لنقطة أن تصبح مصدر معاناة أبنائها شحب وجهها فورا. 


               الفصل الثاني عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close