رواية التل الفصل الخامس عشر 15 بقلم رانيا الخولي

        

رواية التل بقلم

الفصل الخامس عشر 15 

 رانيا الخولي 


لم تفهم سهر معنى حديثه وسألته بتوجس

_ يعني ايه؟

أجاب بانفعال

_ اللي فهمتيه، تروحي تعتذري ليها دلوجت وعلى كل تصرف سئ حصل منيكي يا إكدة يا إما تروحي بيت أبوكي ومترچعيش أهنه تاني 

اتسعت عينيها بصدمة وكأنه شخص آخر غير مؤيد الذي عرفته وأحبته بصدق

_ يعني بتتخلي عن ام أبنك وحبيبتك عشان واحدة لسة عارفينها من شهرين ولا تلاتة؟

صحح لها بحدة

_ دي مش واحدة، دي امانة أخويا وأم ابنه ولازمن تعيش في البيت ده معززة مكرمة زيها زييكم واللي مش عاچبه يتفضل برة بيتنا.

رمشت بعينيها مرات متتالية تحاول استيعاب ما سمعته 

_ ده آخر كلام عندك؟

_ ده اللي عندي

__________


نهض جواد من فراشه وهو يشعر بحنين جارف إلى حصانه

مر اسبوع كامل ولم يراه فيهما مرة واحدة

ابدل ملابسه وذهب إلى الإسطبل فيصهل الحصان بسعادة فور رؤيته

ابتسم جواد برتابة وقام بأخراجه وجذبه حتى وصل به إلى السياج

ثم ملس على رأس فأخذ يهز رأسه بغنج على صاحبه 

ابتسم جواد لكنها تلاشت فور أن وجد ذلك الطيف الذي سار يدنو منه وفي كل خطوة ينبض قلبه بهدر جعل انفاسه تتثاقل

ها قد اكتملت أمامه بذلك النقاب الذي أخفى وجهها الندي لكن أظهر تلك الشموس الليلية فتضيئ بضياءها الخافت ظلام عشق حكم عليه بالموت لكن جاءت نظرة الحياة لتدب فيه الروح من جديد


ازدرد جفاف حلقه وهو ينظر لعينيها وقد عاد المشهد يتكرر الآن وهي تسير بخطوات تدعس بها على قلبه فتشفي بسحرها عليله


اقتربت من السياج وهي تشعر بالندم لتسرعها لكنها ارادت السير خلف قلبها للمرة الأولى وقد تبدو الأخيرة

تريد أن تنعم وينعم معها قلبه الذي عانى مرارة الشوق وها هو يحلق باجنحته في سماء العشق بعد شفاءهم ونسيم الشوق يداعب أحلامهم.


لم يتحرك من مكانه رغم صهيل الحصانه كأنه يطالبه بالصعود على ظهره لكنه لم يبالي سوى بوجودها

تذكر ذلك اليوم الذي رآها فيه أول مرة فجذبته باهتمامها بهوايته

لم يجد من يشاركه حب الخيل سواها ولذلك تجاوبت معه بالحديث رغم خجلها

تذكر عندما نادتها صديقتها وقطعت حبل وصالهم وكم شعر بالاستياء لذهابها

لم يكن العشق قد تملك منه حينها لكن عندما أخبره السائس بما حدث لحصانه انقبض قلبه  حتى كادت روحه ان تسلب منه خوفًا عليها حتى أنه لم يبالي بمن معه واسرع إلى الإسطبل كي ينقذها

وكم هاله الوقف وهو يراها تتقدم منه فيثور بها لولا يده التي انتشلتها من أمامه.

نظر إلى يدها التي تركت ندبتها ولم توافق على محوها بعملية التجميل على يد تلك الطبيبة واكتفت فقط بالندبة التي بوجهها.


تقدم منها بحصانه وقلبها لا يرأف بها وهو ينبض بعنف حتى كاد أن يزهق روحها وهي تراه يدنو منها

توقف على بعد بسيط كي لا يجعلها تجفل منه وغمغم بلهجة يشوبها العتاب 

_ منستش اللحظة دي ولا هنساها

اخجلها بحديثه فتهربت بعينيها ونظرت إلى رماح وتمتمت بخفوت وعتاب خفي

_ وعدتني وقتها إنك هتخليني المسه، وجيت المسه جرحني.

بسط يده لرماح بقطع السكر فالتهمها بروية وأجاب جواد بشجى

_ كان غصب عنه، الجواد المجروح مبيجدرش يشكي ألمه فغصب عنه بيچرح اللي جدامه وكأنه بيشكيه بچرحه لجل ما يحس اللي معاه، داعب صفحة وجهه وتابع

_ بس دلوجت جروحه شفيت ومبجاش مضطر يجرح عشان يحسس اللي جدامه بجرحه

_ بس الجرح كان كبير أوي لدرجة إن اللي قدامه خايف يقرب وينجرح من تاني.

تقابلت نظراتهم والتي كانت تحكي وتخبر كل منهما الآخر " لم تكن وحدك بل تذوقت من ذلك الكأس حتى ارتوى القلب من مرارته "

رفعت اناملها بتردد كي تضعها على وجه الحصان بعد أن طمئنتها عين جواد فصهل الحصان بصوته جعلها تجفل وترتد للوراء.


ضحك جواد مما جعلها تغتاظ منه وقال بسعادة

_ أومال ايه بحب الخيال والكلام ده.

عادت تتقدم من السياج لتستند بيدها عليه وتمتمت باحتدام

_ اه بحبهم بس اول مرة اقرب منهم.

طمئنها بعينيه وقال بلهجة بثت بداخلها الأمان 

_ جربي ومتخافيش 

تقدمت منه بحذر ورفعت يدها ذي الندبة الواضحة عليها لتتلمس وجه الحصان ولم يخيفها تلك المرة بل ظل هادئًا 

_ تعرفي إن الحصان ده بطبعه مش بيجبل حد غيري؟

حتى أنا استمر فترة طويلة يهاجمني بس أنا فضلت أحاول معاه لحد ما رضخ في الآخر.

تطلع إليها بعشق وتابع

_ انتي الوحيدة اللي قدرتي تروضيه من نظرة واحدة، أول ما شافك هديتي الجدار اللي كان بانيه بين قلبه وبين العشق بس أول ما شافك كل حاچة رضخت ليكي بكل سهولة وكأنه كان منتظرك من سنين.

تهربت بعينيها من نظراته التي تخجلها وسألته 

_ كل ده حس بيه الحصان؟

أومأ لها بتأكيد

_ وأكتر كمان، تحبي تسمعي اعترافه كامل؟

حمدت ربها أنها ارتدت النقاب كي يخفي احمرار وجهها فهزت رأسها بنفي 

_ لأ أنا عارفة كل اللي جواه ومقدرة شعوره.

حاول السيطرة على دقات قلبه التي تهدر بعنف وتمتم بروية 

_ افهم من كدة أنه لو حاول يقرب مش هتترددي؟ 

_ لأ

_ مهما كانت الأسباب؟

علمت أنه يقصد اعاقته فرفعت عينيها إلى عينيه التي تنتظر إجابتها بفارغ الصبر 

وقالت بصدق

_ مفيش حاجة تخلينني اتردد ثانية واحدة، مهما كانت الأسباب.


أراحت قلبه بحديثها فتقدم منها ليقول بعشق

_ وهو مش هيخليكي تندمي لحظة واحدة إنك سمحتيله يچرب


❈-❈-❈


وقفت نور أمام مؤيد وسهر لا تفهم سبب استدعاءها 

نظرت إلى سلمى التي اندهشت بدورها لكن مراد كان يجلس بأريحية على المقعد وكأنه يعلم ما يدور.

بعد تردد كثير استطاعت سهر ايجاد صوتها وتمتمت رغماً عنها 

_ انا …أنا أسفة لو كنتي فهمتيني غلط بس اني كنت جلجانة على ولدي مش أكتر وجومت عشان أشوفه.


تحدثت امال بطيبة

_ عادي يا بنتي انتو أخوات ربنا يديم المحبة بينكم ويبعد عنكم شر النفوس.


علمت نور انها تعتذر بأمر من مؤيد وهذا جعل شعورها بالاستياء يزداد ويزداد

ثم نظرت لسهر وتمتمت 

_ بس انا اللي مفروض اتأسف مش انتي، انا اللي لغبطت حياتكم وعملتلكم مشاكل انتو في غنى عنها.


رد مؤيد بهدوء 

_ ولا مشاكل ولا حاجة، البيت ده بقى بيتك وبيت ابنك وأي حاجة تطلبيها هنكون تحت أمرك.

رغم اندلاع الغيرة في قلب سهر الا انها وقفت ثابته كي لا تعرض نفسها لذلك الموقف مرة أخرى وخاصة عندما نهض مراد وتقدم منها ليقول بمثابرة

_ وچودك مش مضايجنا ولا حاچة كل الحكاية إننا كنا مستنين نتأكد لأن مش أي حد هيخبط على بيتنا ويجول أنه تابع لاخونا هنصدجه، صحيح في حاچات اني مغيرتش رأيي فيها بس ده ميمنعش إنك بجتي مننا وزي ما جال اخوي طلباتك اوامر عندينا.


شتان بين الاثنين حتى إنها لا تصدق بأنهم إخوة 

مؤيد ببساطته للأمور وكلماته الحانية

ومراد بعنجهيته وتعقيده لكل شيء غير اسلوبه الذي يجعل من أمامه ينفر منه، ظلت تنظر إليه وهو يصعد للأعلى بعد أن ألقى كلماته السامة وذهب 

وهنا استئذنت سهر وصعدت لغرفتها بعد ان رمقت مؤيد بعتاب فعلمت حينها بأنه من أجبرها على ذلك

انسحب مؤيد بدوره وخرج من المنزل وسلمى صعدت خلف زوجها ولم يبقى سواها 

صعدت هي أيضًا إلى غرفتها لكن عندما مرت أمام غرفة سهر لم تستطيع منع نفسها من الطرق على بابها وعندما فتحت سهر اندهشت من وجودها وخاصة عندما تحدثت باعتذار

_ انا جاية اقولك لو شايفة وجودي في حياتكم هيكون سبب في اي مشاكل بينك وبين جوزك فأنا هنسحب بهدوء، انا صحيح مليش اخوات بس كنت اتمنى إني اعوض معاكم الحرمان ده، بش مهندس مؤيد فعلاً حسسني بأخوته ليا وسلمى كمان بس ده ميمنعش إني عايزة وجودك انتي كمان في حياتي.

التزمت الصمت عندما لم تجد رد فعل منها فقررت الانسحاب بهدوء وتمتمت بخفوت 

_ اسفة مرة تاني.

استدارت لتمضي لكن صوت سهر أوقفها

_ بس انا مش اخت كيوت زي اللي بتشوفيهم أني اخواتي نفسهم ما صدجوا وچوزوني عشان يخلصوا مني.

نظرت إليها نور بابتسامة صادقة

_ وانا معنديش مانع.

بادلتها سهر الابتسام 

_ إن كان إكدة ماشي.

انتبهوا لخروج مراد من غرفته ومر من جوارهم وهو يلقى السلام بفتوره المعتاد 

فيردوا بثبات رغم ضيقها منه وأخذت تنظر إليه حتى اختفى من أمامهم فقالت سهر بتعاطف

_ متزعليش من دكتور مراد هو إكدة معانا كلنا بس جلبه ابيض ويعتمد عليه.

اومأت نور بصمت ثم استئذنت وعادت لغرفتها.


مرت الأيام على الأبطال بهدوء وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة

لم يهدئ جواد منذ ان علم بالحقيقة وظل يتابع مع المحاميين لكنهم اجمعوا أن عودة ذلك الرجل سيعزز من موقف القضية والسبب في ذلك هروبها 

فطلب المحامي الخاص بهم الجلوس معها كي يفهم منها الموقف بكل تفصيله

وافق جواد على مضد وبعث إليها فور مجئ المحامي 

دلفت توليب ومعها ياسمين 

_ السلام عليكم.

_ وعليكم السلام

تابع جواد

_ اتفضلي اجعدي

جلست توليب بالمقعد المقابل لهم وجلست ياسمين على الأريكة بجوار أخيها وبدأ المحامي اسألته

_ اتفضلي يا آنسة توليب احكيلنا اللي حصل بالظبط

شعرت بالاحراج من تواجد جواد لكنها مجبرة على ذلك فبدأت تحكي كل شيء منذ البداية وتعرضه لها في كل مكان حتى يوم الحادث 

كانت تراقب تعبيرات جواد ويديه التي يقبضها ويبسطها دلالة على مدى غضبه او بشكل أدق غيرته 

فعاد المحامي يسألها

_ عفواً في السؤال بس هو ترك اي علامات على جسمك؟

لم يتقبل جواد سؤاله وقال بانفعال 

_ جرا ايه يا متر ايه لزمته السؤال ده؟

_ كيف ده سؤال مهم چدا في الجضية 

عاد المحامي سؤاله وجواد ينتظر إجابتها مجبرًا 

تمتمت توليب باقتضاب

_ لأ

لم تستطيع التطلع إليه ولم تقوى على ذلك 

اما هو فقد وقف ينهى ذلك اللقاء

_ طيب محتاچهم في حاچة تاني.

شعر المحامي بغيرته وقال بهدوء 

_ لأ يا سيدي كفاية كدة

أشار لهم بالخروج وبدأ المحامي يضع اوراقه في حقيبته وقال لجواد

_ متجلجش القضية هتكون دفاع عن الشرف وفي نفس الوجت دفاع عن النفس ومش بعيد تخرج من النيابة على طول 

_ أني مش عايزها تاخد يوم واحد في الحبس.

حمل الرجل حقيبته وقال 

_ حاجة زي دي هتكون صعب أوي لأنها قضية قـ ـتل أقل حبس بيكون ١٥ يوم على ذمة التحقيق، وده اللي خلى عمها يرفض يسلمها مع إن القضية في الوقت ده كانت هتسهل كتير أوي ومع الاثبات كانت هتخرج على طول

أني هسافر بكرة القاهرة واتابع القضية واشوف وصلت لفين، وانت خليك متابع الامين ده لحد ما نشوف هيعمل ايه

خرج المحامي وظل جواد في مكانه يفكر في حل لتلك المعضلة 

فقد أصبح وجودها في المزرعة مقلق بعد معرفة الجميع بها 

ولن ترحمها السنتهم بعد الآن 

وبالأخص خالد الذي سيتخذها فرصة لتشوية سمعتهم.

دلفت ياسمين المكتب تسأله

_ عملت أيه؟

تنهد بتعب وهو يعود بظهره للوراء 

_ ولا حاچة 

_ طب هتعمل ايه معها وانت خابر إن ولاد عمك عرفوا بوچودها إهنه وكريمة هتاخدها فرصة عشان تشوة اسمك جدام جدي.

_ ده اللي كنت بفكر فيه.

نظر إليها ليسألها

_ هي عارفة حاچة عن الحادثة؟

ردت عليه باحراج

_ انا حكتلها على كل حاچة لما چات.

_ وكان رأيها أيه؟

_ جواد متديش الموضوع أكبر من حجمه أني شايفة إنها حاچة عادية وخاصة مع واحدة زي توليب اچعد اتحدت معها واعرف رأيها واني واثچة انها مش هترفض بعد الحب اللي حبته ليك.

تنهد جواد بتعب وقرر المضي قدماً فيما انتوى فعله.


❈-❈-❈


بدأت نور تتأقلم على الحياة معهم وأصبح الجميع يعتاد وجودها 

استطاعت بكلمات طيبة أن تخمد غيرة سهر والتي أصبحت صديقة لها 

بدأت آمال تسترد صحتها بذلك العوض 

أما مراد فقد كان يبات ليالية في زهاد

وشعور الخيانة بداخله لا يرحمه

فقد طرق الحب قلبه لأول مرة وذلك شيء خارج عن إرادته

لم يكن يود إهانة سلمى والتي تعد شيئاً همًا بحياته لكن ليس على القلب سلطان 

كانت مستلقية بجواره واضعه رأسها على كتفه لكن قلبه الخائن ينبض لأخرى.

يعلم جيدًا مدى طيبتها وأنها لن تمانع لكن هو يعلم مدى صعوبة الأمر عليها.

ليست وحدها بل أي أمرأة لا تتحمل مساركة أخرى زوجها، وخاصة إذا كانت بظروف سلمى.

أقسم أنه حارب ذلك العشق كثيرًا وتعامل معها بكل قسوة كي لا يترك قلبه لغزو ذلك العشق لكنها استطاعت هدم حصونه وتمكنت منه

انسل بهدوء من جوارها وسحب قميصه القطني ليترديه ثم توجه إلى الشرفة ربما هواءها يساعده على النوم

لكنه تفاجئ بمن خطفت النوم من عينيه تجلس على الأريكة في حديقة المنزل.

ويبدو عليها التعب.

تمكن القلق منه وقرر الذهاب إليها كي يطمئن عليها، او هكذا وجد مبرر للتحدث معها


خرج من الباب الخلفي ليجدها جالسة على الأريكة في وجوم 

_ السلام عليكم.

قالها بصوت خفيض كي لا يفزعها فالتفتت لتنظر ناحيته واندهشت من وجوده حاولت النهوض لكنه منعها 

_ خليكي زي ما انتي.

تقدم ليجلس بالقرب منها سألها باهتمام 

_ ايه اللي مجعدك لوحدك في وجت زي ده.

عاد الألم إليها وتمتمت بثبات

_ مفيش، مجليش نوم قلت اقعد في الجنينة شوية.

ابتسم مراد رغماً عنه وتحدث بتروي

_ نفس شعوري، مش جيلي نوم جلت أجعد في الچنينة شوية.

_ لو هضايقك ارجع اوضتي عادي.

قالتها نور وهي تهم بالنهوض لكنه منعها 

_ لأ خليكي 

عادت لتجلس مكانها وشعرت بأن هناك أسئلة كثيرة يود التحدث بشأنها 

فقالت برتابة

_ عارفة إن أسئلة كثيرة جواك وعايز تعرف إجابتها 

اشاح بوجهه بعيدًا عنها ورد بهدوء 

_ مش كتيرة ولا حاچة هو سؤال واحد محيرني

إزاي انسانة متعلمة وواعية زيك يتضحك عليها بالسهولة دي؟

ابتسمت بمرارة وردت بحزن

_ ده لأني عيشت وحيدة بمعنى الكلمة 

لما ماما اشتغلت في بيت عاصم بيه ادانا اوضة صغيرة في الجنينة مكتش مسمحلي أخرج براها

كان اخري اخرج منها للمدرسة وأرجع تاني 

ولما كبرت وخلصت الثانوية ماما قررت إننا نرجع لشقتنا عشان حتى اكون قريبة من الجامعة

كانت بتشتغل طول النهار وترجع بالليل واحيانا ترجع الفجر لو عندهم حفلة او غيره

مطنش ليا اصدقاء نهائي غير لبنى حتى مكنتش بعرف اقعد معها لأني بخلص المحاضرات وارجع فوراً على البيت، مكنش عندي خبرة في الحياة والناس كلها طيبة زيي والشر ده نسمع عنه في الافلام بس، دي كانت الحياة بالنسبة ليا 

وفي اليوم اللي آسر رجع فيه كنت في آخر سنة في الجامعة وقتها عاصم بيه عمل حفلة كبيرة اوي بمناسبة رجوعه 

سهام طلبت من ماما إني اروح اساعدهم.


لاح الحزن بعينيها وتابعت بمرارة 

_ روحت وكان مطلوب مني اقدم المشروبات للضيوف، وللأسف الحفلة كان فيها كتير أوي من زمايلي وفضلوا يضحكوا عليا ويطلبوا طلبات كتير وبعدين بطلبوا يغيروها 

واحدة منهم وقعت الچاكت بتاعها في الأرض وطلبت مني ارفعه وادهولها 

مقدرتش اتحمل وجريت وقتها وقعدت قدام اوضتنا اللي في الجنينة وفضلت أعيط

لحد ما لقيت اللي جاه قعد جانبي وقالي متعيطيش انا أخدتلك حقك وطردتهم 

رفعت عينيه لقيته آسر الغربية انه سابني ومشي ومضافش كلمة زيادة وبعدها اكتشفت انه فعلا طردهم من الفيلا 

بعدها روحت عشان اشكره وكانت البداية

كأنه عارف انا محتاجة ايه وعوضني بيه

اي مشكلة كانت بتواجهني كان هو اللي بيحلها بدور اخوكي الكبير واي مشكلة تتعرضلك تعالي وانا احلها 

الأخ الكبير اتبدل وبقى يمثل دور الحبيب وبما إني لا املك خبرة في الحياة صدقت التمثيل ده ووقعت فيه

ووهو كان ممثل بارع 

لما كان يصر أننا نتقابل كنت بخاف لماما تعرف وكنت برفض وفي يوم طلبني للجواز.


اغمضت عينيها تحاول الثبات أمامه وتابعت

_ جاه بعدها يقولي أنه رفض بس مش هيقدر يتخلى عني 

رفضت وبعدت لكن مسبتيش وفضل يقنع فيا أننا نتجوز عرفي 

وقتها رفضت واصريت أبعد وامتنعت عن الخروج عشان ميشفنيش 

بس جاني البيت وأجبرني إن موافقتش اخرج معاه هيفضل قاعد لحد ماما ما ترجع

خفت ووافقت واتقابلنا برة قالي أنه هيتجوزني عند مأذون يعني مش هنعمل حاجة غلط بحيث انه يحط ابوه قدام الأمر الواقع 

تدحرجت دموعها بغزارة وتابعت

_ وافقت بس قالي أنه جواز شرعي والموضوع مسألة وقت وهيشهر جوازنا.

للأسف مكنش عندي أب يكون ضهر وسند ويملى عني عن كل الرجالة ولا أم تشاركني مشاكلي وتوعيني 

وطبعاً انت عارف الباقي.

مسحت دموعها بيدها وقالت بثبات زائف

_ دي كل الحكاية وبلاش تسألني عن حاجة تاني

انسحبت بهدوء من جلستهم وعادت لغرفتها 

وتركها مراد كي لا يضغط عليها، فقد عرف ما يود معرفته وانتهى الأمر..


❈-❈-❈


كعادته دائمًا 

يأخذ حصانه داخل السياج ويتركه يمرح وتداعب نسمات الليل العليلة خصلاته السوداء فتتطاير حول عنقه في هيئة تسلب الأنفاس 

تقد منه جواد ليمسك اللجام يوقفه عن الحركة ليصعد على ظهره بمهارة لم تعيقها إعاقته.


وحينها سمح لحصانه بالرمح كيفما يشاء 

وتلك هي أحب الأوقات على قلبه


أما هي فقد أوت للفراش مبكرًا لم تراقبه ككل ليلة بل فضلت النوم بعد ليالي طويلة من الزهاد وكأنها تعوضها بالنوم 


رن هاتف بجوارها فظنته حلم ولم تبالي له

لكن تكرر مرة وأخرى فجذبت الوسادة لتضعها على أذنها فلاحظت رنينه حقًا

نظرت إلى المنضدة بجوارها فوجدته هاتف غريب، ليس هاتفها ولا هاتف ياسمين فقرأت اسم المتصل فتظهر ابتسامة جليلة على ثغرها عندما وجدت اسمه يضئ الهاتف

فتحت بعد محاولات كثيرة منه فترأف بحاله وتجيب بخجل

_ انت اللي بعت الفون ده.

جاءها رده وصوته الرخيم

_ أومال كنتي فاكرة مين؟

اعتدلت في فراشها لتستند بظهرها على ظهر التخت وتمتمت بخفوت 

_ انا لسة شيفاه ملحقتش اخمن.

_ طيب انزلي.

نظرت في ساعة يدها وغمغمت برفض 

_ لأ طبعًا الوقت اخر أوي مش هينفع.

_ بس دي مش خلوة عشان تجلجي منها اني مستنيكي في السياج 

أغلق الهاتف دون أن يستمع لردها 

اختفت رغبتها في النوم ووجدت نفسها تنهض وترتدي نقابها ونظرت من النافذة لتجده يمتطي جواده وينطلق به داخل السياج

آتتها رغبة بالعودة للنوم وألا تنساق خلف مشاعرها لكنها قد تركت الأمر بيد قلبها ولم يعد للعقل مكان 


وما ادهشها حقًا عندما ذهبت إليه ووجدته يضع سرجًا على أحد الأحصنة وكانت بيضاء اللون 

وعندما وجدها تقترب منه 

تقدم هو بدوره وهو يسحب الفرسه ليقربها منها وهي مأخوذه بسحره

فتح لها باب السياج وأشار لها بالدخول ولم تتردد كثيرًا بل وجدت قدمها تسير وفق أوامره ودلفت السياج ليغلق هو الباب خلفها وتتقابل نظراتهم في حديث ابلغ من الكلام

حتى وجدته يخطو خطوة واحدة إليها ليمد يده باللجام وهو يتمتم بصوته النادي

_ دي اكتر فرسة مميزة عندي اتولدت في اليوم اللي شوفتك فيه وجتها حسبت عمرها بعمري لإني اتولدت في اليوم ده زيها بالظبط

الفرسة دي بتحسب بعمرها عمر عشقي ليكي واليوم ده كملت السنتين بس بمناسبة چديدة هتعرفيها لما تجبليها مني.


لم تصدق توليب ما تسمعه أذناها وكأنها مازالت على فراشها وتتخيل ما يحدث الآن 

فأرادت عيش تلك اللحظات حتى لو كان حلمًا ستنعم به حتى تستيقظ منه

دون إرادتها وجدت يدها تأخذ منه اللجام فتظهر حينها ابتسامته التي تراها لأول مرة منذ أن جاءت لتلك المزرعة 

وتمتمت برهبة 

_ ايه هي؟

تقدم بخطوة أخرى لكنها قابلتها بخطوة أخرى للوراء وتمتم باحتواء 

_ بمناسبة إني هعترف باللي كاتمه چواي السنين دي ومجدرتش حتى أخرچه لحدا

رمشت توليب بعينيها فتخرج من بين أهدابها سربًا من الفراشات رفرفت باجنحتها حولهما وجعلت قلبه يدق بعنف أرهقه وتابع حديثه بوله

_ رايد أخبرك إني…..

زم فمه بضيق عندما قاطعه صوت هاتفه فالقى نظرة عليه ليجده حسان

تردد في القبول لكنه يود حقاً مقابلته

ابتعد عنها قليلًا ورد بإيجاز 

_ خير.

لم يغضب حسان من رده فقد أصبح يعتاد حدته في التعامل معه 

جلس حسان على مقعده في مكتبه وتحدث بثبوت

_ سمعت إنك چيت النهاردة عشان تجابلني بس كنت بعافية شوية، أني مستنيك.

أغلق الهاتف دون أن يستمع رده مما جعل جواد يضغط على الهاتف بسخط


انتابها القلق وهي ترى تعبيرات وجهه ولاحظ هو ذلك 

اعاد الهاتف لجيبه وتحدث بمصابرة

_ أرچعي اوضتك دلوجت.


أرادت ان تطفو جوًا من المرح عليه كي لا يشعر باحراجها وتمتمت بمرح يشوبه بعض الخجل وهي ترفع لجام الفرسة أمامه.

_ هرجع بالفرسة معايا؟


ابتسم رغماً عنه ونادى سائسه

_ حسانين.

اسرع اليه الرجل وهو يقول بطاعه

_ أمرك يا بيه.

أشار له على الأحصنة 

_ رچعهم الأسطبل

أخذهم الرجل وعاد بهم ثم نظر إليها قائلاً 

_ روحي اوضتك دلوجت وأوعاكي تخرچي منيها.

أومأت له وذهبت لينظر هو في اثرها حتى اطمئن عليها ثم ذهب إلى سيارته يستقلها ويتوجه إلى القصر.


        _______________


دلف جواد القصر لتعود تلك الغصة إلى قلبه

مازال يبغض ذلك المكان ويشعر بصعوبة في دخوله 

لكنه مجبر لأجلها

صادف اثناء مروره للمكتب سيلين أخته والتي فرحت جدا برؤيته 

تقدمت منه لتحتضنه بسعادة

_ جواد وحشتني جوي.

حاول الثبات أمامها وتظاهر بالجمود خوفًا عليها من بطش والدتها إن رأتها معه وقال باقتضاب 

_ كيفيك.

ابتعدت عنه قليلًا ولم تغضب من جموده فهي تعذره في كل شيء وتمتمت بابتسامة تدل على مدى سعادتها

_ اني الحمد لله زينة وخلاص فرحي الشهر الچاي أوعاك تكسر فرحتي ومتاچيش.


هز رأسه بتأكيد 

_ هاچي إن شاء الله 


انتفضت بوجل عندما سمعت صوت والدتها 

وابتعدت عنه سريعًا 

_ بتعملي ايه عنديكي؟

ارتبكت سيلين وتمتمت برهبة 

_ أني كنت بسلم على چواد.

تقدمت منهم وهي تنظر إليه بكره دافين وقالت بأمر

_ انجري على اوضتك ومتخرجيش منيها.

أومأت الفتاة بطاعة وذهبت لغرفتها وهي تنظر لأخيها بتأثر 

تطلع إليها جواد بفتور 

_ كيفك يا مرات عمي.

رمقته بسخرية 

_ لساتك بتجولي مرات عمك ومش جادر تعترف بإني أخدتك مكان امك 

ابتسم باستفزاز 

_ مش مهم المكان المهم الجلب وكلنا خابرين زين إن رغم بعدها عنيه إلا أنه لساته عشجانها ولا ايه يا.. مرات عمي.

ازداد سخطها عليه وغمغمت من بين أسنانها

_ ياريتك انت اللي موت مكان بتي كنت خلصت منيك على الأجل بس انت زي الجطط بسبع ارواح كل مرة تخرج منيها.

أومأ مؤكدًا

_ ومش بس إكدة، اني كمان بترصد لشرك وشر ولادك سواء لما بعتوا رچاله تحرج الأرض، ولا لما حاولوا يسمموا الخيل وضربتي وجتها كانت قاضية ليهم وخسرتهم كتير جوي.

قرب وجهه منها ليغمغم بسخط

_ ولسة هيشوفوا كتير لو حاولوا يجربوا مني، انتو اللي خرچتوا شيطاني وانتو اللي هتتحملوا.


تركها تنكوي بغليلها ودلف مكتب جده ليجده جالسًا على مقعده بجمود

تقدم منه ليتبادل كلاهما نفس الجمود وقال جواد

_ أنا چاي لجل مـ اعمل بالأصول واجولك إني هتزوچ.

لم يتفاجئ حسان وكأنه يعلم من قبلها 

ضرب بعصاه الأرض ونهض ليقف أمام حفيده وملامحه لا تظهر شيء ودنى منه حتى لا تفصله عنه سوى خطوة واحدة وتحدث حسان بهدوء

_ وماله من حجك، بس انت مش شايف إنك مستعچل جوي وخصوصاً إن ممكن في أي وجت تروح منيك.

تواجهت النظرات إحداهما ببغض والأخرى بسخرية وكأنه يخبره بأنك مهما كبرت فأنا الأقوى.

       _______________


دلف وهدان المنزل ليجدها جالسة بمفردها ويبدو عليه الوجوم

وضع الأكياس التي يحملها على الطاولة وتقدم منها يسألها

_ مالك يا ست حياة في حاچة حصلت؟

حاولت أن تخفي عبوثها وردت باقتضاب 

_ لأ مفيش.

تلفت حوله يبحث عن بناته ثم عاد يسألها 

_ اومال البنات فين؟

اخفضت عينيها بحزن عميق وتمتمت بخفوت 

_ عند خالتهم.

هذا إذًا ما يحزنها لابد ان تكون ضايقتها بلسانها السليط 

جلس على الأريكة بجوارها وقال بحدة

_ جالتلك ايه؟

رفعت بصرها إليه واندهشت من انفعاله وكأنه يعلم بذلك

_ مجالتش حاچة أني بس هتوحشهم اليومين دول ومكنتش عايزاهم يفارجوني.


يعلم أنها تخفي عليه أمرًا ما فخالتهم تغبض حياة بشدة ولن تسلم من لسانها فقال بجدية

_ أروح أجيبهم؟

نفت مسرعة

_ لاه بلاش تعمل مشاكل ده فرح خالتهم ومن حجها يحضروا انهم يحضروا فرحها وهما برضك من حجهم يفرحوا.

اخفضت عينيها بإحراج عندما عادت تلك النظرة في عينيه والتي تود أخبارها بما لا تستطيع الشفاة التفوه به

حمحمت باحراج وهي تنهض

_ اني هجوم احضرلك العشا


لم يريد الضغط عليها وتركها تتهرب منه ودلف هو غرفته كي يأخذ حماماً دافئ ثم خرج ليجدها اعدت الطعام ووضعته على الطاولة 

جلس على رأس الطاولة وهمت هي بالانصراف لكنه منعها

_ رايحة فين؟

ازدردت لعابها بصعوبة وتمتمت برهبة 

_ أني سبجتك مع البنات لأني مردتش اخليهم يخرچوا من البيت من غير عشا.

ابتسم بامتنان وتحدث برجاء

_ خليكي عشان متعودتش اكل لوحدي.

رغم خجلها منه إلا إنها وافقته وجلست على المقعد بخجل

شرع في تناوله طعامه وعينيه تختلس النظر لها بين الحين والآخر 

تحدث بروية كي يزيل عنها ذلك الحرج

_ اني جلت قمر مش هتجدر تفارج لو خالتهم چات تخدهم.

ابتسمت حياة عندما تذكرت تشبث الفتاة بها وقالت بحبور

_ كانت رافضة وبتطلب مني آجي معها حتى زينة برضك مكنتش رايدة تفارجني.

تبدلت محلامحها عندما تذكرت كلمات خالتهم وهي تتهمها بأنها فرقت بينها وبينهم 

وعندما لاحظ وهدان تبدل ملامحها سألها 

_ جالتلك ايه خلاكي تحزني إكدة

هزت راسها بنفي وقالت 

_ مجالتش حاچة هي بس زعلت لما البنات رفضوا يروحوا معها في الاول وبصراحة حجها تزعل

                الفصل السادس عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا


    

تعليقات