رواية إعلان ممول
الفصل العشرون 20 والواحد والعشرون 21
بقلم رحمة نبيل & فاطمة طه سلطان
صلوا على نبي الرحمة.
________________
تقف معه أمام سيارته والتي استقرت جوار مبنى كبير لا تعلم له هوية، زفرت أفكار للمرة التي لا تعلم عددها وهي تستدير صوب داوود :
_ احنا جايين هنا ليه ؟؟
_ هو مش احنا اتفقنا أنك تتعلمي ؟؟
نظرت له ثواني ثم هتفت باستنكار :
_ طب ما أنا امتحنت ونجحت عايزين ايه تاني ؟؟
تشنج وجه داوود بسخرية كبيرة من كلماتها، بالله هذه الفتاة لن تريحه ابدًا، تجادل في كل شيء وأي شيء، تود أن يسير الكون حسب تفكيرها .
_ ده كان تحديد مستوى يا أفكار وسقطتي فيه مش نجحتي للعلم يعني، والمفروض كنا نعرف منه هنبدأ معاكِ منين، والحمدلله هنبدأ من حروف الهجاء، اتفضلي بقى قدامي عشان المدرس مستنيكِ .
استنكرت أفكار واعترضت على كل ما يصدر منه، لا تقبل أن تُعامل معاملة الصغار :
_ يعني ايه مدرس ويذاكرلي دي ؟؟ هو بعد ما شاب نوديه الكتاب ؟! اقولك حاجة هاتلي شغل، لافيني شغل وأنا هفرجك على دماغي ولا تقولي تعليم ولا دروس ..
ابتسم داوود ينتظر أن تنتهي من كل ذلك، ثم هتف ببساطة :
_ خلصتي ؟؟ يلا عشان منتأخرش.
_ هو ايه اللي منتأخرش هو احنا رايحين مدرسة، بعدين يا خويا ما توفر فلوسك شوية، دول بتوع الدروس دول بياخدوا على قلبهم قد كده، اقولك طلعهم صدقة بنية أن ربنا يكرمني ويديني الصحة .
أشار لها داوود أن تسير أمامه وبالفعل سارت بضعة خطوات، فهو وجد أن الاقناع ليس سبيلًا للتحدث معها :
_ حاضر هطلع فلوس لله عشان يكرمك ويهديكِ، ويديني أنا الصحة عشان اعرف اتعامل معاكِ.
نظرت له أفكار ولم تكد تتحدث حتى سمعت صوتًا رجوليًا يقول :
_ أستاذ داوود، كنت مستني حضرتك .
ابتسم داوود يصافح المعلم وهو يرى أفكار تتحرك لتختبأ خلفه وكأنه أحضرها لمسؤول المذبح كي يتخلص منها.
_ اهلا بحضرتك، معلش اتأخرت بس الطريق كان زحمة شوية.
_ لا ولا يهمك، جبت الآنسة أفكار؟!.
ابتعد داوود من أمام أفكار يشير لها ببسمة :
_ أيوة اهي، عايزك يا أستاذ رأفت تبدأ معاها من الاول وكل شيء تشرحه ليها، وهي أفكار ما شاء الله عليها ذكية وعقلها نضيف وبتفهم بسرعة.
هزت أفكار رأسها بتكبر تردد :
_ أيوة امال ايه، ده انا عقلي يوزن بلد .
ضحك المدرس وهو يشير لها أن تسبقة صوب الغرفة المجاورة والتي كان يقبع بها بعض الكبار في العمر الذين تأخروا عن الالتحاق بالتعليم، حالهم كحال افكار :
_ واضح فعلا، طب يا آنسة افكار ممكن تنتظريني مع زملائك في الغرفة دي ؟!
هزت أفكار رأسها وهي تنظر لداوود، ثم همست له قبل أن تتحرك :
_ لو معجبنيش الموضوع مش هاجي تاني أنا بقولك اهو .
رد عليها بكلمات خافتة وهو يضغط على أسنانه:
_ حاضر يبقى نشوف، روحي يلا يا افكار .
تحركت أفكار تزفر بغيظ وغضب لا تقبل ما يحدث بها في هذه اللحظة، بينما المدرس ابتسم وأخذ يتحدث مع داوود حول ما يجب فعله، وفي النهاية صافحه داوود بود قائلًا :
_ تمام يافندم بإذن الله هبقى اتواصل معاك كل فترة عشان اعرف التطورات في مستواها.
ابتسم له المعلم، ثم ودعه ليرحل داوود متنفسًا الصعداء، ولم يكد يخرج من المكان حتى وجد أفكار تطل برأسها من النافذة وهي تقول :
_ داوود أنت رايح فين مش هتستنى لما اخلص ؟!
_ استنى ايه؟! أنتِ ايه اللي خرجك، ادخلي يا افكار هبقى اجي اخدك لما تخلصي يلا ادخلي عشان المدرس هيبدأ .
هزت رأسها موافقة :
_ ماشي بس متتأخرش لأني مش هستحمل كتير .
ابتسم لها يودعها وخرج ركضًا من المكان، ثم تحرك بسيارته صوب محل بيعه، وحينما دخل واستقر على مقعده تنهد براحة وبدأ يركز بأعماله المؤجلة لظروف خطبته ..
وأخيرا وبعد نص ساعة قد بدأ يندمج في العمل، سمع صوت رنين هاتفه، نظر له بعدم اهتمام في البداية قبل أن يرى اسم المعلم الذي أرسل له أفكار يلوح على هاتفه، أجاب بتعجب :
_ أيوة يا أستاذ رأفت، خير فيه حاجة ولا ايه ؟!
_ هي الآنسة أفكار مع حضرتك يا استاذ داوود ؟؟
انتفض جسد داوود بعدم فهم :
_ يعني ايه مع حضرتي ؟! أنا سيبتها في السنتر من نص ساعة ؟!
وصل له صوت المدرس يقول بعدم فهم :
_ اصل هي بعد ما حضرتك مشيت بعشر دقايق قالت خارجة تجيب عصير وراجعة ومن وقتها مجتش..
تلقى داوود صدمته وقد شعر بالصدمة يهمس بعدم تصديق :
_ هربت ؟؟؟؟
_________________
شعرت أن الدنيا تدور بها، هي تحلم بالطبع تحلم، لا لا بل كابوس، هي في كابوس، شعرت روضة أن المكان يدور بها، جسدها يرتجف ويختض كما لو اصابتها حمى عنيفة، ترى الجميع حولها من خلف سحابة ضباب، لكنها لا تسمع شيئًا، ترى صديقتها تصرخ لكن الصرخات لا تصل...
خدعها ؟؟ خدعها وهي من تخلت عن كل شيء لأجله ؟؟ تنازلت عن كل حقوقها بزفافٍ عادل لأجله ؟؟ وعدها واخلى بوعده، لا لا بالطبع لن يفعل بها هذا، هي زوجته وابنة خاله، لن يتجرأ على ذلك بالطبع لا لن يفعل، يجب أن تتحدث لياسر، هو لن يفعل بها ذلك.
ولم تكن روضة تدري أنها خلال كل تلك الأفكار تبكي بقوة وصوت شهقاتها يرن في المكان، حتى أن حسن نظر لها بريبة وقد شعر بفداحة ما فعل، ياالله هو لم يقصد، هو لم يعلم أن ياسر كذب بشأن ما فعلوه هناك ..
_ أنا آسف يا روضة والله العظيم ما اعرف أن ياسر محكاش ليكِ .
لكن روضة في ذلك الوقت، كانت مسجونة هناك في اللحظات التي مرت عليها منذ تقدم لخطبتها حتى الآن، تراجع شريط غبائها، كم إشارة ظهرت أمامها وهي من تعامت عنها ؟! هروبه في كل مرة يخرجون سويًا وقت الدفع بأي حجة كانت، يوم انتقاء الذهب، والشقة ...الشقة ؟؟
شهقت بصوت مرتفع وقد اتضح لها الآن أنها تلقت أكبر صفعة قد تتلقاها في حياتها، لا يوجد خليج ولا أموال ولا شقة فاخرة، ولا المزيد من الذهب كما وعدها، لا يوجد سوى المزيد والمزيد من تلال هيبتها، هي الآن ستتزوج شاب مُعدم .
_ لا ..لا اكيد أنا في كابوس ..لا لا .
تدخلت سيدة في المركز وهي تقول :
_ خير يا حسن حصل ايه ؟؟ مالها العروسة ؟؟
نفى حسن علاقته بالأمر خوفًا أن يُطرد :
_ أنا معرفش يا مدام اجلال، هي مرة واحدة كده لقيتها بالحالة دي .
تدخلت السيدة تحاول أن تتحدث مع روضة والتي انفجرت في بكاء حار ورثاء وندب، واستمر الأمر لساعات حتى استطاعوا إقناعها بإنهاء طلتها قبل حلول وقت رحيلها، وجارتها أخذت تتحدث لها باكية :
_ يا روضة متعمليش كده اهلك ذنبهم ايه وابوكِ اللي دفع دم قلبه في الجواز، خلصي ياقلبي وافهمي منه يمكن فيه سوء تفاهم .
وهي هدأت، هدأت تعطي نفسها املًا زائفًا أنه لن يخدعها، وفي قرارة نفسها تدرك أنه استهلك مخزون أملها ..
وفي المساء سمعت صوت الأبواق تصدر من الخارج والغناء والزغاريد، وعلى عكس المتوقع شعرت بانقباضة صدر مرعبة كما لو جاءوا ليسوقوها صوب مذبحها ..
لحظات ورأت والدتها تدخل المكان بالزغاريد والاغاني والسعادة، وهي تنظر لها بندم شديد تتمنى لو صدقت للحظة أن هناك شيء مريب يحدث، لكنها كانت عمياء.
اقتربت منها والدتها تبتسم :
_ ايه يا حبيبتي القمر ده، بسم الله ماشاء الله، خسارة في الواد ياسر وامه .
وحينما اقتربت لتضمها انفجرت روضة في بكاء عنيف جعل السيدة التي زينتها تدخل :
_ لا لا ارجوكِ هتبهدلي الميكب كله يا عروسة، فيه ايه كده افرحي ده النهاردة يومك .
نظرت لها والدتها بعدم فهم وهي ترى الشحوب يعلو وجهها رغم كل تلك الألوان التي تغطيه، وعيونها كانت حمراء وكأنها قضت ليلتها تبكي :
_ ايه ده ؟؟ مالك يا بنتي ؟؟ فيه حاجة زعلتك ؟؟
نطقت روضة من بين شهقاتها ولم تتمكن من الصمت وكأنها كانت تنتظر وصول والدتها لتشكوها غبائها :
_ ضحك عليا يا ماما، كان عندك حق، ضحك عليا هو وأمه، أنا مش عايزة اتجوز، ابوس ايدك روحيني معاكِ أنتِ وبابا .
شهقت والدتها بفزع وهي تنظر حولها مخافة أن يسمعهم أحد:
_ أنتِ اتجننتي يا روضة ؟! تروحي فين؟! انهاردة فرحك والناس كلها وعريسك مستنيين برة، أنتِ بتهرجي جاية تقولي كده دلوقتي؟!! استهدي بالله يا بنتي ده شيطان و ...
قاطعتها روضة بفزع وهي تقول ببكاء عنيف :
_ لا لا يا ماما ده ...ده كدب عليا، ده خسر كل فلوسه في الامارات ومش معاه شلن أساسا، ورجع مفلس، مش معاه حاجة، ونصب علينا هو وعمتي .
ضربت والدتها صدرها شاهقة :
_ أنتِ بتقولي ايه يا بنتي ؟؟
_ حسن ...حسن جارنا اللي كان مسافر معاه بيشتغل هنا وقالي كل حاجة، ابوس ايدك روحيني مش عايزة اتجوز الكداب ده .
_ وأنتِ جاية تقولي كده انهاردة ؟! يوم فرحك ؟! عشان ابوكِ يروح فيها بسببك ؟؟ لا يا بنت بطني خلاص أنتِ مراته والموضوع خلصان وقت التراجع خلص، استهدي بالله واخرجي دلوقتي عشان الناس وبعدين يبقى نشوف المصيبة دي .
فتحت روضة فمها للحديث، لكن فجأة قاطعهم صوت زغاريد تخرج من فم عمتها وهي تسبق ياسر والذي دخل مبتسمًا لهم كي يأخذها للسيارة .
نظرت له روضة كما لو كان وحشًا، تشعر بالكره داخلها يزداد تجاهه، تنفست بعنف وهي تسمع صوت والدها تقول :
_ اهدي كده وعدي ليلتك لابوكِ يحصله حاجة ويروح فيها يا روضة..
نظرت لها روضة بقهر تشعر بنيران تحرقها حينما مال ياسر وقبل جبينها، ارتجف قلبها وهو يمسك يدها ويتحرك بها، وهي تسير معه بلا إرادة، تسمع صوت والدتها يخبر الجميع أنها تبكي لأنها ستتركهم، والحقيقة هي أنها تبكي حياتها والجحيم الذي ألقت نفسها به لجشعها .....
_____________
نهضت مبكرًا على غير العادة وقامت بتحضير الفطار له تحاول كسب وده وجذب اهتمامه لها كما كان في السابق، وقامت بإيقاظه واخبرته بأنها قامت بتحضير الفطور له حاولت اللعب على تلك النقاط التي هزت زيجته السابقة هو عدم شعوره بالاهتمام منها وحاولت أن تفعل هي العكس، بائسة لتفعل ذلك .
بالفعل جلس حامد على المقعد ناظرًا لها باستغراب فقامت بوضع مساحيق التجميل البسيطة وغيرت ملابسها وقامت بإعداد الفطور من أجله، إذ توقفت عن تلك العادة بعد أيام زواجهما الأولى، أخذ يتناول الطعام بشهية لأنه يشعر بالجوع وحتى لا تشعر بأنه لا يهتم بما تحاول فعله فهو ليس جاحدًا إلى تلك الدرجة.
قاطعت أمنية هذا الصمت في لطف متبعة خطة جديدة:
_ما تجيب الولاد يقعدوا معانا كام يوم يعني هنا برضو بيت أبوهم وأهي فرصة يتعرفوا عليا وأنا أتعرف عليهم كويس لازم يكون في علاقة كويسة ما بينا.
ابتسم حامد بتوتر وتوقف عن الطعام قائلا بهدوء:
_ملهوش لزوم يا أمنية.
نظرت له أمنية في استنكار مغمغمة:
_هو أيه اللي ملهوش لزوم يا حامد؟! مش المفروض العيال يعرفوني وأعرفهم وأنا بعمل كده علشانك علشان ميحسوش أنك انشغلت عنهم.
حاول حامد الحديث موضحًا:
_يا حبيبتي أنا فاهم قصدك بس العيال أشقية جدًا امي نفسها مش بتقدر عليهم، وأنا قصدي انك مش هتستحمليهم فمش عايزين مشاكل أقصد ولا أنتِ تضايقي ولا غيره.
أردفت أمنية بإصرار:
_لا أنا هتحمل أي حاجة علشانك ومدام هما ولادك لازم اتحملهم، وأحسن علاقتي بيهم وأنا كمان عايزة أنزل أجيب ليهم شوية هدايا.
تمتم حامد باستسلام وحتى لا يفتعل شجار في الصباح فهو يعلم أنها لن تتحملهم ولا يعلم هل ألاء ستوافق على ذلك أم لا خصوصًا أنهم يجلسون معها تلك الأيام..
_خلاص نكمل الفطار ونشوف الموضوع ده بعدين.
_ماشي يا حبيبي، هنتكلم بعدين بس علشان تبقى عارف أنا مصممة مش بقول عزومة مراكبية.
قال حامد في موافقة وهو يقوم بنزع القشرة الخاصة بالبيض المسلوق المتواجد أمامه:
_حاضر يا حبيبتي هكلم ألاء اقولها لأن الولاد عندها الفترة دي.
رفضت أمنية الأمر قائلة وهي تحاول أن تتحكم في أعصابها بصعوبة:
_اسمها هكلم ماما تكلم ألاء.
بنفاذ صبر كان يجيب عليها:
_حاضر اللي تشوفيه.
____________
صراخات جنونية انتابتها منذ دخولها إلى المنزل بعد كلمات هذا الرجل واعترافاته كانت على وشك الجنون، طوال الحفل كانت حزينة وغاضبة لم تفرح كأي عروس لم تستطع الرقص مع أصدقائها أو التقاط الصور الفوتغرافية التي كانت تحلم بها، قد دُمرت أحلامها بمنتهى السهولة..
لم يكن حفل زفاف من وجهة نظرها بل كارثة حلت عليها.
جلس ياسر على الأريكة ينظر لها في غضب وبدأ الوجة الأخر في الظهور:
_ده أنتِ بومة قسمًا بالله بومة، وتقفلي الواحد من حياته طول الفرح مكشرة ومصدرة الوش الغضب مش عارف أيه القرف اللي ابتليت بيه دا.
كانت والدته تمكث تلك الليلة في منزل أحد الأقارب تاركة أياهم بحرية في أيام زواجهما الأولى...
تمتمت روضة وقد أحتدم غيظها على أخره:
_أنا جبت أخري منك يا ياسر، ده أنتَ بجح بقولك عرفت كل حاجة عرفت كدبك عليا وازاي كنت بتسرح بيا، عرفت أنه ولا في فلوس ولا غيره...
قاطعها ياسر وهو يضع قدم فوق الأخرى أثناء جلسته وينظر لها بتسلية أثناء وقوفها بفستانها زفافها وهي تضع يديها في جانبيها:
_عرفتي طب كويس ها قوليلي هتعملي أيه؟!..
نظرت له روضة بعدم تصديق وقاحته:
_هو أيه اللي هتعملي أيه؟!..
بكل بساطة كان يجيبها:
_يعني أديكي عرفتي وأعلى ما في خيلك أركبيه يا روضة أحنا اتجوزنا يا حبيبتي والنهاردة كان فرحنا، تحبي أطلقك يوم فرحك؟!.
ثم أسترسل حديثه بجدية:
_عارفة اللي بتطلق ليلة دخلتها بيقولوا عليها أيه؟! متخربيش على نفسك عيشي يا حبيبتي وأرضي بنصيبك وأنا نصيبك.
هبطت الدموع من عيناها في ألم رهيب...
_أنتَ واحد كداب وملهوش أمان و....
قاطعها بنبرة صارخة أخافتها حينما نهض ووقف أمامها:
_أياكي تغلطي يا روضة وإلا مش هكون مسؤول عن اللي هعمله، أنا مضربتكيش على ايدك يا حبيبتي أنتِ اللي عينك لمعت أنتِ وأبوكي وحبيتوا تتعشوا بيا بس أنا اتغديت بيكم الأول وكملت في لعبتكم وخليتك تحسي أنك عرفتي توقعي ابن عمتك اللي لسه جاي من السفر وعامل خميرة قد كده كنتم رُخاص وبدوروا على الفلوس وأنا كملت السيناريو اللي أنتم رسمتوه فزعلانة ليه بقا دلوقتي؟!..
نظرت له بخجل رهيب فقد أشتعل جسدها بأكمله بسبب كلماته، لا تصدق ما يحدث لها وما تسمعه في ليلة زفافها، اهانها ووالدها بشكل جعل سواد عيونها يشتد ...
لكن لم تجد حتى كلمات مناسبة تستطيع الرد عليها بها...
فأسترسل هو حديثه بعد أن أقترب منها واضعًا يده على كتفها يراقب دموعها التي تسيل من عيناها بلا مبالاة:
_يلا ادخلي يا حبيبتي كده امسحي وشك وغيري هدومك علشان الشيطان اللي ماسكنا ده يبعد عننا نصلي ركعتين علشان ربنا يكرمنا، هي عين وصابتنا أنا عارف، يا قلبي يلا....
____________
فتحت أفكار الباب بعد أن قُرع الجرس لتجد داوود أمامها، كانت على وشك أن تغلق الباب في وجهه بسرعة من الصدمة فهو لم يخبرها بأنه سيأتي..
تمتم داوود في ضيقٍ:
_أنتِ بتهربي يا أفكار منهم؟!.
ضيقت أفكار عينيها وقالت في نفي كاذب:
_أنا برضو ههرب يا داوود والله عيب عليك تقول عني كده زعلتني والله كده أفكار زعلت.
عقد داوود ساعديه وهو يسألها منتظرًا الإجابة التي ستبهره بها:
_قولي بقا اشجيني.
جاءت سكر من الداخل وهي تستند على عكازها التي أحيانًا تقوم باستخدامه حينما تشعر بأنها تحتاجه، وصاحت في غضب :
_في أيه يابت الزبال جه ولا أيه؟!.
أستدارت أفكار وهي تنظر إلى والدتها بضيقٍ، ما كان ينقصها حقًا هو تصرفات والدتها الغير محسوبة مثلها تمامًا يكفي ما تفعله هي..
ابتلعت سكر ريقها وقالت بترحاب شديد حينما شعرت بأنها قامت بتخريب الوضع ووجدت أمامها داوود:
_أيه دا داوود؟!! خش يا ابني.
ثم وجهت حديثها إلى أفكار بعتاب:
-موقفة خطيبك على الباب والله عيب عليكي..
أفسحت أفكار له الطريق وبالفعل ولج داوود وجلس على الأريكة وذهبت أفكار لتصنع له عصير طازج فهى علمت أنه ليس من محبي المشروبات الساخنة ولا يفضلها..
وضعت كوب العصير أمامه وهو يجلس بجانب والدتها التي قالت:
_متأخذنيش يا ابني أنتَ جيت من غير ميعاد والساعة لسه ٧ وأحنا عيلة ملهاش إلا سمعتها.
سخر داوود بكلمات مقتضبة يائسة من سكر :
_بس نرجع ١٢ عادي؟؟
هزت سكر رأسها ضاحكة وهي تقول:
_مدام برا البيت والحارة أنتَ في الأمان.
ضحك داوود رغمًا عنه فتلك المرأة عجيبة على أي حال لا يعلم متى تتحدث بجدية ومتى تمزح..
وبعد أن توقف عن ضحكاته وتذكر ما فعلته أفكار تغيرت ملامحه مرة واحدة مما جعل سكر تنظر له في ريبة:
_والله أنا بحس أن الواد ده بيتحول لو بس يسمع كلامي ويروح السيدة زينب.
تحدث داوود متجاهلا أياها:
_أنتِ مشيتي ليه يا أفكار؟!..
تنهدت أفكار بضيق وبنبرة جادة:
_بصراحة بقا أنا كبرت على اللي بيحصل ده ومش عاجبني مش كل حاجة العلام ما أنا بعرف أقرأ وأكتب وعارفة كل حاجة وبعرف اشغل ودماغي أحسن من دماغ أي حد، وبعدين مش عاجبني أنك بتتشرط عليا.
عقب داوود على حديثها في نبرة هادئة وجادة تحت مراقبة سكر لهما:
_أنا مش بتشرط عليكي يا أفكار قولتلك كده كذا مرة، أنا عايزك للأحسن مش ده اللي هيخليني أشوفك زوجة صالحة ليا أو لا، بس التعليم شيء مهم بالاضافة لكل حاجة فيكي، يعني التعليم ده هيفيدك وهيفيد عيالنا في المستقبل ان شاء الله وكمان في مدارس معينة ممكن ميرضوش يدخلوا فيها عيالنا لأن الاب والأم بيخضعوا لاختبارات وأنا عايز أكمل أي حاجة ناقصة في حياتك يا أفكار عشان نفسك قبلي..
تنهد ثم قال حتى لا يزعجها مستسلمًا:
_لكن لو ده شيء هيضايقك ومش متحملاه خلاص مش هغصب عليكي براحتك أنسي الموضوع أهم حاجة تكوني مرتاحة.
لا تدري لما شعرت بالراحة وأنها بالفعل ترغب في فعل ذلك من أجل مستقبلها فهي مرت بكل تلك الصعوبات لأنها ليست معها شهادة تثبت أنها حاصلة على مؤهل ولأنها تريد مستقبل جيد من أجل أولادها..
_خلاص يا داوود اوعدك أني هلتزم بجد علشان نفسي قبل أي حاجة أوعدك من بكرا هتكون بداية جديدة ان شاء الله، بس هقول لوردة صاحبتي ممكن تيجي معايا صح؟!
_أكيد ممكن لو هي عايزة وأهو تشجعوا بعض.
بعد وقتٍ..
خرج داوود من منزلها وهو يبتسم ببلاهة، لا يصدق حقًا ما تفعله تلك الفتاة، هو يومًا لن يفهم ما تفكر به أو ما يدور داخل عقلها، امرأة معقدة ذات أفكار متطرفة عن الجميع .
تنهد يخرج مفاتيح سيارته التي يصفها خارج الزقاق الضيق، إذ لا يسمح له الشارع الذي يسبق شارع افكار بالدخول بسيارة كخاصته لضيقه، أخرج هاتفه يسمع صوت رنينه، ولم يكد يضعه أعلى أذنه ليجيب حتى سمع صوت بوق مزعج خلفه يليه سباب لاذع، وقبل أن يستدير ليعلم ما يحدث لم يشعر سوى بشيء يصدمه بقوة مسقطًا إياه ارضًا لتصدح صرخات داوود في المكان بأكمله ويتحمع حوله العديد من الرجال ....
_____________
في الصباح التالي استيقظت أفكار بفزع على صراخ والدتها وهي تولول وتندب وتصرخ بصوت مرتفع حتى كادت تحطم المنزل فوق رأسها .
_ اه يا غالية ياللي انخطفتي خطف، دي لسه كانت معايا امبارح، اه يا حبيبتي اه .
خرجت أفكار من غرفتها تفرك عيونها بنعاس لم يذهب عنها بعد :
_ ايه ياما بتندبي من الصبح كده ليه ؟! ايه اللي حصل بس ؟؟
نظرت لها سكر بلهفة تقول من بين بكائها :
_ شوقية، شوقية الانتيمة بتاعتي يا أفكار ماتت، صحيت الصبح على خبر موتها، دي كانت لسه معايا امبارح .
_ لا حول ولا قوة إلا بالله، الله يرحمها يا اما، هي كانت تعبانة ولا حاجة ؟!
نظرت له سكر باكية :
_ لا ولا كان فيها حاجة، حتى امبارح شربت كوباية القهوة وبعد ما خلصت قرأتلها الفنجان زي كل مرة عادي، وكان منور على الاخر .
فركت أفكار خصلات شعرها تردد وهي تتحرك صوب الزجاجة كي تشرب بعض المياه :
_ تلاقيه كان النور الاخير يا حاجة، يلا اهي استريحت .
_ أنتِ بتعملي ايه، روحي البسي أي عباية سودة من جوا عشان نروح نعزي .
نظرت لها أفكار بتعب شديد :
_ يا حاجة طب دي صاحبتك رحمة الله عليها، أنا اروح أعزي فيها ليه أنا مش فاضية والله، بعدين داوود ..
قاطعتها سكر بسرعة حانقة :
_ أيوة داوود ...قولي كده بقى اتخطبتي ونسيتي امك عشان الجدع خطيبك ده .
_ ياما أنا نطقت بحاجة ؟؟ أنا بس مشغولة و..
نظرت لها سكر بحدة لتزفر أفكار وتقول بغضب مغلقة الثلاجة بقوة :
_حاضر هروح اتنيل اياكش نخلص.
_ أيوة أيوة خبطي في التلاجة حلو، أنتِ عارفة تجيبي ليا راديو لما تجيبي تلاجة، جاتك الهم عيلة خنيقة .
توقفت فجأة عن التذمر، ثم انفجرت في البكاء والعويل مجددًا :
_ اه يا شويقة يا حبيبتي اه ...
_____________
كانت أفكار وبعد نصف ساعة تجلس بين النساء داخل العزاء، تسمع احاديث مترامية للبعض، منهم من يتحدث عن زفاف جارتهم، والآخر يتكلم عن الاسعار، ليس وكأنهم في جنازة .
تنهدت بتعب وهي تفكر بالنهوض والرحيل يكفيها ذلك، لكن فجأة سمعت صوتًا جوارها يقول :
_ خير يا أفكار يا بنتي طمنيني ايه اللي حصل امبارح ده ؟!
نظرت لها أفكار بعدم فهم تفكر إن كان داوود نشر أمر هروبها في المنطقة بأكملها ؟؟
_ ايه اللي حصل يا ام احمد ؟؟ مش فاهمة .
_ هو ايه اللي مش فاهمة، يا ختي مش اسم الله عليه خطيبك هو اللي الواد حماصة خبطه بالتوكتوك امبارح؟! وقتها الواد ناجي ابني حبيب امه ما أنتِ عارفاه جدع وابن بلد و...
اشتد غضب أفكار وقد شعرت أن أعصابها بدأت تحترق:
_ اخلصي يا أحمد عرفنا أن ابنك ماشاء الله عليه، قولي ماله داوود ؟؟
_ يووه ايه يا ختي بتزعقي كده ليه وأنا ايش عرفني أنك نايمة على ودانك ومتعرفيش اللي حصل، هو الواد حماصة خبطه بالتوكتوك والرجالة اخدوه امبارح على المستشفى .
اتسعت أعين افكار بصدمة كبيرة تشعر بالرعب قد بدأ يسير في جسدها تنتفض بقوة راكضة خارج المكان بأكمله وقد نسيت والدتها وهي تصرخ بخوف تخرج هاتفها :
_ داوود ....
_____________
لا تدري كيف اوصلتها قدمها إلى هنا سالمة، كانت تتحرك بين الطرقات كالمجنونة وهي تشعر بالرعب عليه، ولم تمتلك حتى وقت لتبديل ثيابها إلى ثياب أخرى، بل جاءت له بثياب جنازة رفيقة والدتها ..
لم تعتقد يومًا أنها قد تتعلق بداوود بهذا الشكل، لكن يبدو أن الفترة التي قضتها معه كانت أكثر من كافية لتفعل .
طرقت الباب بلهفة شديد تنتظر ردًا من قاطنيه، ولم تهدأ إلا حينما سمعت صوت جيهان تقول :
_ والله لاكسر دماغك ياللي بتخبط، ايه فاكرنا قاعدين ورا الباب و...
وقبل أن تكمل كلماتها صُدمت لرؤية افكار تندفع للداخل خايفة :
_ داوود ماله يا جيجي، حادثة ايه دي اللي عملها امبارح ومحدش قالي ؟؟
كانت تتحدث باكية دون أن تشعر وتشكر حظها أنها قد أخذت سهوًا تلك المناديل الورقية التي اوصتها والدتها بها قبل الذهاب للعزاء حتى تستخدمها عند البكاء على رفيقتها وقت حمل كفنها، والآن افكار هي من تستخدمها تاركة والدتها تجفف دموعها في ثيابها ..
_ ايه يا بنتي اهدي هو كويس بس امبارح فيه عيل خبطه بالتوكتوك، رجله اتكسرت بس و..
وقبل أن تكمل كلماتها قالت افكار :
_ رجله انكسرت ؟! طب والله لاكسر رقبة اللي اسمه حماصة الشمام ده، طب هو فين يا جيجي؟؟ ينفع اشوفه ؟! هو كويس؟
هز جيهان رأسها بتعجب من لهفة افكار، ترشدها صوب غرفة داوود التي يجلس بها حانقًا مرغمًا ..
وبمجرد أن دخلوا اندفعت افكار صوب داوود تنتحب وتولول وتندب حظها وحظه، وقد ساعدت ثيابها السوداء بالكامل وهيئتها في رسم صورة كاملة للتعاسة..
اتسعت أعين داوود دون فهم لما يرى :
_ ايه فيه ايه ؟! عاملين المناحة دي ليه ؟!
اقتربت منه افكار لينتبه لها قائلًا باستنكار :
_ لابسة اسود في اسود يا افكار ؟! بتفولي عليا يا مصيبة ؟؟ مكانتش خبطة عربية دي .
مسحت افكار دموعها وهي تبكي :
_ لا يا خويا ده بعد الشر عليك كنت مع سكر في عزا صاحبتها وجيتلك بطقم العزا من خوفي، بعدين عربية ايه هو مش أنت اللي خبطك الواد حماصة بتاع التوكتوك ؟؟
نظر داوود بحدة صوب والدته ولوم شديد إذ أخبر الجميع أن يذكروا أنها حادثة سيارة وليس توكتوك، فأن يقضي ايامًا على فراشه فقط بسبب ذلك الشيء الصغير الذي يشبه الحشرة، لهو أمر سخيف محرج من رأيه.
اقتربت افكار تجلس على مقعد أمام الفراش بينما جلست جيهان على الفراش جوار ولدها تسمع صوت افكار تقول بلوم وعتاب واضح :
_ كده يا جيجي ؟؟ مكانش العشم والله، بقى اعرف من الناس في الحارة أن داوود عمل حادثة امبارح والواد حماصة خبطه بالتوكتوك بتاعه، وانا زي الاطرش في الزفة ؟؟ يعني محدش كلف خاطره يتصل بيا يقولي إن الواد حماصة خبطه بالتوكتوك ؟؟ افرضوا يعني الواد حماصة ...
قاطعها داوود حانقًا :
_ ايه يا امي ايه ؟! أنت فرحانة فيا ؟! كل شوية الواد حماصة خبطه بالتوكتوك، خلاص عرفنا أن حماصة خبطني بالتوكتوك، يعني أنا مش عايز حد يقول توكتوك ولا نيلة عشان الموضوع يعر لوحده وأنتِ ذكرتيه تلات مرات في جملة واحدة .
نظرت له افكار بعدم فهم :
_ يووه وأنت زعلان عشان حماصة ولا التوكتوك؟؟
_ أنا زعلان على حالي والله اني خطبتك يا افكار .
نظرت له افكار باستنكار شديد وهو رمقها بغيظ مقابل لتصرخ فجأة في وجهه :
_ يعني متعظتش من اللي حصل فيك امبارح لما جيت عليا وزعقتلي عشان موضوع الدرس، ويادوبك ملحقتش تخرج كنت واقع على الأرض مكسور، ودلوقتي بتزعق ليا عشان خايفة عليك، مش بعيد تتسخط قرد وأنت قاعد .
_ ليه يا ختي ؟! بتكلم مع دجالة ولا مشعوذة .
ابتسمت افكار باستفزاز :
_ لا مع واحدة بركة وصافية وسالكة وقلبها ابيض زي البفتة، عشان كده ربك بينصرني دايما ..
رمقها داوود بحدة وغضب شديد لكنها لم تهتم لتقول مبتسمة :
_ تعالي يا جيجي معايا عشان عايزاكِ .
ومن ثم سحبت جيهان خلفها كي تساعدها في إعداد الطعام دون أن تظهر لداوود الذي بالتأكيد سيرفض بينما داوود رمق رحيلها بغيظ شديد :
_ هي بلوة وانا رميت فيها نفسي أنا عارف ...
____________
منذ ليلة أمس...
تجلس في غرفتها تغلق الباب على نفسها، أصيبت بحالة هستيريا بعد كلماته، ولولا صراخها وجنونها لكان لن يعبأ بها، ولكنه تركها حتى لا تقوم بفضحه فهي كانت في أشد حالاتها الجنونية..
بدلت فستان زفافها وأرتدت منامة قطنية لم يكن بوسعها الاختيار أو البحث في الملابس المختلفة بل ما خرج من الخزانة في يديها قامت بارتداءه، هي ليست لديها طاقة للاختيار أو التركيز تقسم بأنها على وشك أن تُصاب بأزمة قلبية..
لم تستطع أن تغلق عينيها طوال الليل تبكي فقط وتلعن نفسها على ما فعلته وما أوقعت نفسها فيه
ولم يحاول ياسر الاقتراب منها فهو لا يتحمل صراخات جنونها، بل تركها في الغرفة بمفردها وقام بالنوم في غرفة والدته حتى أشرقت الشمس وبعدها بعدة ساعات أستيقظ ياسر من نومته على صوت جرس الباب الذي قام أحدهم بقرعه، خرج من غرفة النوم وبعدها توجه صوب باب الشقة ليدخل ويفتح الباب ليجد أمامه والدة زوجته ومعها والدته، ولم يأتي والد روضة رأي أن هذا اليوم قد يخص النساء أكثر منه..
على الرغم من عدم الوفاق المعروف بين الاثنين إلا أن الزغاريط كانت تخرج من فمهما منذ أن ولجا من باب البناية، تمتمت والدته بحماس وحب:
_ألف مبروك يا نن عين أمك، صباحية مباركة يا ابني.
تمتم ياسر على مضض :
_الله يبارك فيكي يا ماما.
تحدثت والدة روضة بهدوء:
_روضة فين يا ياسر!!
_في اوضتها.
عقب وهو يكز على أسنانه، بينما والدته تحدث في إشراقة وحب:
_ادخلي يا ام روضة ليها جوا هتلاقيها مكسوفة تخرج.
بالفعل وضعت والدة روضة الطعام والأواني التي أتت بها على الطاولة ثم توجهت إلى نهاية الرواق الذي يتواجد فيه غرفتهم.
تحدث والدة ياسر في حماس:
_ها عملت أيه؟!.
تحدث ياسر منفعلًا:
_هعمل ايه في أيه يا أمي دي بومة ونكدية عرفت اللي فيها ونكدت عليا في ليلة فرحي وسيبتها في اوضتي تهري مع نفسها لغاية الصبح..
قالت والدته بسخرية وهي ترمقه بشذر:
_يعني مش عارف تلاين دماغ البت يا غبي؟! ما تقول أي كلمتين.
_ألاين أيه وأنيل أيه بقولك فضلت تصوت وكانت هتفضحني وطول الليل تزعق انا خدعتها وأنا نيلتها أعلى ما في خيلها تركبه هو أنا ناقص وجع دماغ.
_لا لازم تصالحها..
"داخل الغرفة"
كانت تبكي في أحضان والدتها التي تحاول أن تصبرها، فهي علمت كل شيء ليلة أمس ولكن كان قد تأخر كل شيء...
ليس بوسعها المساعدة...
تمتمت روضة في قهر بعد أن ابتعدت عن أحضان والدتها ونظرت لها:
_ماما خديني معاكي أنا لازم أطلق مليش فيه.
وضعت والدتها يدها على فمها قائلة في قسوة لابد منها:
_اخرسي تطلقي أيه في يوم صباحيتك أنتِ عارفة الناس هتقول عليكي أيه؟!!!!!...
_مش مهم الناس.
صاحت والدتها في عنف وهي تتحدث:
_بقولك أيه يا بت أنتِ كل اللي فات كان بمزاجك وأنا ياما قولتلك لا ياما قولتلك مينفعكيش، واديه كان بيحور عليكي بس الوقت عدى، أنك تقوليلي خديني معاكي، أنتِ بقيتي مراتك مش هتفضحينا على أخر الزمن أرضي بنصيبك واختيارك..
قاطعتها روضة في جنون ونبرة مرتفعة وصلت لمن يقفا أمام باب الغرفة:
_لا مش هسمع الكلام أنا لازم أطلق استحالة أعيش يوم واحد مع البني أدم ال*** ده.
أقترب ياسر منهما وبدون سابق أنذار صفعها صفعة دوى صوتها في جميع أركان الغرفة تحت شهقة خرجت من والدتها لا تصدق مما جعلها تصيح بغضب :
_عيب كده يا ابني أنتَ اتجننت؟!! أعمل حساب أني موجودة آمال هتعمل ايه لما امشي،
غمغم ياسر بجنون:
_العيب أنك تسمعي بنتك بتتكلم كده على جوزها ومتديهاش أنتِ القلم ده يا مرات خالي، بنتك متربتش ولو معرفتوش أنتم تربوها ياريت تسيبوها ليا..
كانت روضة تبكي ولكنها لم تستطع أن تعقب بشيء بسبب الصدمة التي تملكتها، بينما تحدثت عمتها في خبثٍ:
_سيطر على أعصابك شوية يا ابني وبعدين دي روضة عاقلة وراسية وأكيد هتهدي وتعرف أنها غلطانة في حقك دي غلبانة وبتحبك.
تحدث ياسر في تهديد واضح وصريح:
_عقلوها وخلوها تحترم نفسها وتعرف ازاي تحترم جوزها وإلا والله العظيم أنفذ اللي هي عايزاه وأطلقها وخلي اللي ميشتري يتفرج وتشوف الناس هيقولوا عليها أيه..
قاطعته والدته بمكرٍ شديد وهي تلمح نظرة الانكسار في وجه زوجة أخيها:
_لا ربنا ما يجيب طلاق يا ابني أطلع أنتَ بس كده وأنا وامها هنهديها ونفهمها كل حاجة أصل الست لازم تقف جنب جوزها في كل الأوقات الوحشة قبل الحلوة مش كده يا مرات اخويا؟!
____________
ينادي عليها بل كاد ان يصرخ باسمها....
جاءت أفكار من المطبخ تلبي ندائه أثناء جلوسة على الأريكة ويضع ساقه على المقعد الخشبي، تمتمت أفكار بلهفة حقيقية:
_في حاجة يا داوود؟! محتاج حاجة؟!.
تحدث داوود بغضب فهو لا يقبل هذا وأخبرها ألف مرة وأخبر والدته أيضًا التي مازالت تقف في المطبخ بجانب الأواني:
_هو مش أنا قولتلك من بدري روحي، خلاص اطمنتي عليا؟! قاعدة ليه لغاية دلوقتي؟!.
عقبت أفكار على حديثه في عتاب وهي تنظر له:
_والله عيب عليك يا داوود يعني بتطردني؟؟
صاح داوود في نبرة مرتفعة فلا تفقده أعصابه:
_أفكار أبوس أيدك بلاش الطريقة دي أنتِ عارفة أنا بتكلم عن أيه.
أبتلعت أفكار ريقها وقالت بجدية حقيقية:
_مهو ازاي امشي وأسيب الست جيجي لوحدها في البيت من غير ما أساعدها في الأكل على الأقل ويعدين الأكل ده أحنا بنعمله لمين يعني؟! ما أحنا بنعمله ليك وبعدين الست جيهان محتاسة وأنتَ مجبتش حد يساعدها لسه....
قاطعها داوود بعدم تصديق لتلك القصص التي تستطيع أن تختلقها في ثواني معدودة:
_ هو ايه اللي الست جيهان محتاسة مهي طول عمرها كده محسساني أن علشان رجلي أتكسرت الدنيا وقفت على أساس أن أنا اللي كنت بقوم ليها بالبيت مثلا؟!!.
تحدثت أفكار في نبرة مرتفعة متجاهلة حديثه:
_جيجي أطفي على الرقاق اللي في الفُرن.
ليأتيها رد جيهان في الحال بأنها ستفعل، فقالت أفكار بنبرة هادئة:
_خلاص متزعلش نفسك بُص، تأكل وأطمن انك كلت وأخدت علاجك وأن جيجي مش محتاجة حاجة وهمشي علطول مش هطول.
قال داوود باستسلام:
_ماشي يا أفكار النهاردة وبس.
_حاضر..
بعد وقت كانت جيهان تجلس على السفرة، وأمامها جيهان ويترأس الطاولة داوود والجميع يتناول الطعام، تضع جيهان قطعة في طبقه من العديد من الأصنفة التي صنعتها أفكار؛ ثم تقوم أفكار بوضع شيء أخر من صنف أخر...
_خلاص يا جماعة في أيه مكنتش رجل اتكسرت ده أنا على نظامكم ده هتخن عشرين كيلو عقبال ما أفك الجبس.
تمتمت أفكار بهدوء:
_لا لا أبدًا المهم كل واتغذى وبعدين مقولتش رأيك في أكلي يعني؟!.
رمقتها جيهان بتحذير مما جعل أفكار تحاول تصحيح حديثها:
_أقصد أكل جيجي يعني.
ضحك داوود فهو يقرأ نظرات والدته التي تحولت بعد تعقيب افكار الأخير إلى أخرى لينة..
_تسلم أيديكم أنتم الاتنين.
فُتح باب الشقة ليلج حامد، ثم أغلق الباب خلفه برغم زواجه مازال يعتاد على تلك الحركة، بأن يدخل المنزل وكأنه مازال يقيم فيه تحديدًا أثناء زيجته الثانية..
تمتم حامد في ترحاب:
_ازيك يا أنسة أفكار عاملة أيه؟!
كان ردها بسيط وهي تقول:
_الحمدلله.
ثم وجه حامد سؤاله إلى داوود:
_أيه يا داوود عامل ايه دلوقتي؟!.
رد عليه داوود في سخرية من حالة:
_زي ما أنتَ شايف عاملين مسابقة مين فيهم اللي هتخليني أتخن أسرع..
ضحك حامد، ثم توجه ليجلس بجانب والدته وهو يقول:
_ممكن أنضم للمسابقة.
تحدثت جيهان في رفض:
_أنتَ ايه اللي جابك يا ابني؟!.
تعقيب حامد كان بسيط وتلقائي جدًا:
_جيت علشان اتغدى معاكم، قولت أسيب المعرض ساعة أرجع.
ضيقت جيهان عيناها في شكٍ:
_تيجي تأكل معانا أحنا؟! ما تروح تأكل مع مراتك يا ابني هي مش في البيت ولا أيه؟!.
أبتلع حامد ريقه قائلا في خجل:
_لا في البيت يا ماما.
تمتمت والدته في عتاب:
_يبقى روح اتغدى معاها مش لازم تخرب بيتك التاني يا ابني البت على تكة...
قاطع حديثهما رنين الجرس مما جعل أفكار تنهض وتتوجه صوب الباب لتقوم بفتحه وتجد أمامها أمنية فقالت بعفوية:
_والله فيكِ الخير لسه كنا بنجيب في سيرتك.
أبتسمت أمنية بعفوية وقالت وهي مازالت تقف عند الباب:
_تخيلي وأنتِ كنتِ على بالي يا أفكار، حامد قالي في التليفون أن داوود رجله اتكسرت فقولت أجي أطمن عليه.
أفسحت لها أفكار الطريق مغمغمة:
_فيكِ الخير والله خشي ده حامد هنا..
رددت أمنية كلمات أفكار ببلاهة وهي تلج إلى الداخل وتتضح لها الرؤية:
_حامد هنا؟!!........
فهي خرجت من المنزل قاصدة الذهاب إلى داوود أولا وبعدها ستمر عليه في المعرض وتعطيه الطعام الذي قامت بتحضيره من أجله فهو أخبرها بأنه جالسٌ في المعرض لن يستطيع الإتيان وقررت أن تقوم بمفاجاة من أجله وتذهب هي لتناول الطعام معه مدام مشغولًا لكن الآن هو بيده الملعقة ويجلس على طاولة والدته؟!.........
دخلت تطيل النظر بزوجها مستنكرة أفعاله معها، وحامد مستمر في تناول الطعام دون أن ينتبه لوجودها في الجوار، فجأة سقطت الملعقة من يده حينما سمع صوتها تردد بسخرية لاذعة :
_ ما أنت فاضي اهو يا حامد وجاي تاكل، امال لما كلمتك قولت الشغل كله فوق دماغك واحتمال تاكل هناك في المعرض ليه ؟؟
ارتفعت رأس حامد عن طبقه بسرعة شديد وقد غص أثناء بلعه للطعام، نظر حوله للجميع الذي يتابعون ما يحدث جاهلين الوضع .
ابتلع حامد الطعام بصعوبة يقول :
_ اصل ...اصل امي هي ...امي كلمتني وقالتلي أنها عاملة ليا الاكل اللي بحبه فاقترحت يعني اجي أكل مع داوود واهو بالمرة اشوفه.
كان يكذب والجميع حوله يعلمون ذلك، لكن لم يتحدث أحدهم بكلمة، لم ينفوا ولم يثبتوا حديثه، بينما أمنية حاولت أن تصدقه، فقط كي تخمد الصرخات المقهورة داخلها :
_ وماله يا حامد ..
نظرت صوب داوود تقول بود :
_ ألف سلامة عليك يا داوود
ابتسم لها داوود بهدوء :
_ الله يسلمك يا أمنية، اتفضلي اقعدي كلي معانا .
كادت أمنية ترفض، إلا أن افكار سارعت القول :
_ أيوة اقعدي كلي، الاكل هيعجبك، هروح اجبلك معلقة استني .
وبالفعل ركضت بسرعة تحت نظرات داوود الرافضة، فهو لا يرغب أن تضع نفسها طوال الوقت في إطار مدبرة المنزل لهم، يكره هذا الشيء، من يريد شيئًا فليحضره لنفسه .
وبينما كانت افكار تحضر ادوات الاكل لامنية سمعت صوت جرس المنزل يصدح، تحركت صوبه بتعجب لتستقبل اطفال حامد الذين اندفعوا بسرعة لرؤية عمهم بعدما وصل لهم أمر حادثته عن طريق جدهم.
لحقت بهم افكار وهي تضع أمام أمنية ادوات المطبخ ترى الاطفال ينقضون على داوود مبتسمين وهم يطمئنون أنه بخير .
وهي تراقبهم ببسمة لعلاقة داوود الحسنة مع الاطفال، سيصبح وبحق والد جيد لأطفالهم، داعبت تلك الفكرة عقل افكار، لكن فجأة استفاقت على صوت الأطفال وهم يعانقون والدهم ..
ابتسم لهم حامد يعانقهم بحب بعد غيابهم عن المنزل ايام قصيرة عنت له الكثير :
_ وحشتوني اوي يا حبايبي .
ابتسم له الصغار وأخذوا يقبلون وجنته بحب شديد والجميع يراقبهم بحب شديد .
وفجأة تحدث علي :
_ واحنا كمان يا بابا وحشتنا، أنت ليه لما جيت اخر مرة عند ماما مدخلتش تشوفنا ؟؟ جبت الحاجة ومشيت .
رفعت فجأة أمينة رأسها عن الطعام الذي كانت شاردة به دون وعي لأي شيء حولها، ونظرت نظرات مرعبة صوب حامد الذي ابتلع ريقه بصعوبة :
_ هو يا حبايبي أنا اساسا يعني كنت جاي عشان ...
قاطع حديثه صوت أمنية التي قالت بهدوء يسبق العاصفة وقد شعرت أن كل شيء يضغط عليها حتى كادت تنفجر :
_ مقولتش يعني أنك روحت بيت مراتك القديمة يا حامد .
نظر لها حامد بتحذير ألا تتحدث في شيء الآن لكنها لم تعد تهتم أو تعبأ بأحد أو شيء، وهو فقط صمت لتقول هي ببسمة :
_ ايه ما صدقت أنها فسخت، والطريق خلي ليك فقولت ترجع المايه لمجاريها ؟!
اتسعت أعين حامد من حديثها، في الوقت الذي قال به داوو :
_ علي خد اخوك يا حبيبي وروحوا اوضتكم غيروا لغاية ما تيتة تجهز ليكم الاكل .
هز علي رأسه بطاعة يتحرك للخارج رفقة شقيقه تاركًا الحرب على أوجها، تنفس حامد يقول بهدوء فقط كي يمتص غضبها :
_ مش هنا يا أمنية أي كلام يكون بينا .
ضحكت أمنية بسخرية :
_ وليه مش هنا؟! هو يعني اهلك ميعرفوش قذارتك واللي بتعمله ؟؟
اشتد غضب حامد لينتفض صارخًا :
_ أمنية الزمي حدودك .
وقفت أمنية في المقابل تصرخ بنفس الشكل بل أشد :
_ أنا ملتزمة حدودي يا حامد الدور والباقي على اللي مش عارف يعمل لنفسه حدود وكل يوم والتاني ينط لطليقته ولا كأن فيه واحدة متخلفة قاعدة في البيت قايدة صوابعها العشرة شمع عشانه ..
صمتت تتنفس ثم هتفت بانهيار وقد انفلت عقال صبرها، جُنت وكُسرت وجُرحت أنوثتها، فقدت يومًا الأم داخلها وهو لم يتهاون في إجبارها على فقدان أنوثتها، لتصل لحافة اليأس والوجع، هذه الزيجة استنزفت آخر ما تبقى من اشراقها واملها :
_ كل شوية ادادي فيك وأراضي فيك وأنت اللي فيك فيك، عشت زبالة وهتفضل زبالة يا حامد .
كان داوود في ذلك الوقت يمسك بيد حامد يحاول أن يجذب انتباهه كي يتم حل الأمور وتخفيف الغضب، لكن حامد في تلك اللحظة لم يرى أمامه سوى اللون الاحمر وهو يرفع كفه الحر يصفع به أمنية صارخًا في وجهها :
_ اخرسي، لا عاش ولا كان اللي يقول كلمة عليا، وانتي يا ست هانم لو كنتِ فعلا زي ما بتوصفي كده كنتِ قدرتي تشديني ليكِ، إنما أنتِ عكس كل اللي قولتيه .
ها هو مجددًا يتبع نفس أسلوبه السابق في قلب الطاولة على رأس من يحدثه، ورمي الحمل والذنب كلها على أكتافها .
وأمنية التي كانت في تلك اللحظة تعيش جحيمها قالت بصدمة من تجرأه على لمسها :
_ أنا اللي مش قادرة اشدك ليا، ولا أنت اللي مش حابب اني اشدك ليا ولسه عايش على اطلال الماضي ورايح جاي على حبيبة القلب، ولما أنت لسه بتحبها كده طلقتها ليه وبهدلتني معاك ..
فجأة انقضت عليه تصرخ بكل ما فيها باكية :
_ ليه خليتني كل يوم ابص لنفسي في المرايا وانا بسأل ايه اللي ناقصني ؟؟ ليه مش مهتم بيا ؟؟ طب اعمل ايه عشان ارضيك، ليه تخليني احط نفسي في مقارنة مع واحدة أنا اساسا معرفهاش، وكل يوم أسأل ايه اللي ناقصني عشان تهتم بيا وتعاملني كويس ؟؟ ليه ؟؟ ليه يا حامد ؟؟
صمتت تحاول التنفس، بينما افكار تتابع ما يحدث بصدمة وهي تنظر صوب حامد تستنكر كل ما يفعل، بالله ذلك الرجل من أي طينة خلق ؟؟
_ صحيح راجل واطي .
نظر لها داوود باستنكار لتردد :
_ متبصش كده اخوك اللي زبالة .
تنفست أمنية واخيرًا ثم قالت :
_ أنا خلاص جبت اخري ومش مستعدة اعيش الباقي من عمري عشان اراضي في واحد اناني زيك يا حامد وعشان كده ورقة طلاقي توصلني عند أهلي، عايزة اتنفس واعيش زي البشر .
وبهذه الكلمات ختمت أمنية وجودها في منزل حامد وفي حياته بالكامل تاركة الجميع خلفها يتجرع صدمة ذلك اللقاء الناري ونتيجته التي حلت كالكارثة للمرة الثانية على رأس حامد ........
_____________________
شهر بأكمله مر على ذلك اليوم الذي سقطت فوق رؤوسهم مصيبة طلاق حامد الثانية، شهر ولا يعلم كيف تخطى حامد الأمر وتجرع خسارته الثانية، لكنه ما يزال يحاول أن يتقبل حقيقة كونه المخطئ الأكبر فيما يحدث ..
توقف داوود أمام أحد محلات الأثاث وجواره تجلس افكار والتي كانت مبتسمة بسعادة كبيرة، فها هم يتخذون خطوتهم الاولى في تأسيس منزل الزوجية.
هبطت من السيارة تتبع داوود صوب ذلك المحل وهي تقول :
_ ماشي بس افتكر نروح بدري عشان عندي درس ديني انهاردة مش عايزة أتأخر عليه .
ابتسم داوود يقول بمرح :
_ لا طبعا يا شيخة افكار، هترجعي قبل الدرس متقلقيش .
نعم صدقوا أو لا تصدقوا، افكار في هذا الشهر المنصرم قطعت شوطًا طويلًا في حياتها سواء الدراسية أو التعليمية الدينية، وكان لداوود الفضل الأول من بعد الله في ذلك .
دخلت معه تنظر حولها بانبهار :
_ بسم الله ماشاء الله كل دي دولابات نختار منها ؟!
حدق بها داوود مستنكرًا :
_ دولابات ؟! ده اللي هو ايه ده ؟!
_ جمع دولاب .
هز رأسه مقتنعًا :
_ اه جمع دولاب، قولتيلي مين اللي بيدرسلك عربي ؟!
ابتسمت وهي تتطلع على كل ما يحيطها تحاول أن تنتقي من بينهم :
_ ميس احلام .
_ ميس احلام اه، ربنا يباركلها ميس احلام .
توقف داوود وهو يرى أحد الرجال يقترب منه مرحبًا به :
_ استاذ داوود ازي حضرتك نورت المعرض كله والله مشوفتش حضرتك من وقت ما جيت مع استاذ حامد عشان يجدد عفشه من سنة .
صمت الرجل ثم قال :
_ ألا هو عامل ايه ؟!
اجاب داوود بهدوء :
_ طلق واتجوز تاني وجه ياخد العفش من عندكم برضو بس حسام اللي كان موجود وقتها .
ابتسم له الرجل يجيب بهدوء :
_ ربنا يعوضه يا رب، ويسعده في التانية وبإذن الله العفش يكون وشه حلو و ..
_ لا مهو طلق التانية برضو .
فجأة شعر داوود بأفكار تقترب منه هامسة بريبة :
_ أنت جايبنا هنا ليه ؟؟ عايزة تقفلهم تلات مرات طلاق ولا ايه ؟؟ الراجل كل ما رجليكم تخطي ليه في جوازة تنتهي بطلاق، أنت مش بتتعظ
نظر لها داوود يكتم ضحكته بصعوبة، افكار ومهما تغيرت أفكارها سيظل هناك جزء داخلها يعود لتلك القديمة التي عرفها .
تنحنح وهو يحاول ألا يضحك أمام الرجل :
_ المهم أنا كنت جايلك عشان يعني فرحي قريب وبدأت اجهز شقتي، فكنت عايز اشوف الاوض كده.
ابتسم له الرجل بسعادة وهو يقوده داخل المحل حيث يعرض اثاثه المبهر :
_ اكيد يا استاذ داوود اتفضل، باذن الله تكون جوازة العمر والخير عليك .
تمتمت افكار بحنق وهي تسير خلفهم:
_ عمر ايه بقى يارب نلحق نوصل للفرح.
نظر لها داوود بتحذير لتصمت، ثم شيئًا فشيء انغمست في انتقاء اثاث منزلها رفقة داوود، الذي ترك لها حرية اختيار ما تشاء دون أي تدخل منه.
وحينما انتهوا، دفع مبلغًا للرجل :
_ تمام يا سليمان، زي ما بلغتك عايز أعلى جودة عندك وخشب يستحمل، بس اهم حاجة الوقت يا سليمان الله يكرمك، عشان عايز اخلص فرش الشقة .
ابتسم له سليمان يلتقط منه الأموال بلهفة :
_ ولا يكون عندك شك يا داوود باشا، باذن الله هتلاقي كل اللي أنت عايزة .
ودعه داوود بهدوء يأخذ معه افكار للخارج، صعدوا للسيارة وهو ينظر لها يقول بهدوء :
_ تحبي نروح في حتة ناكل ؟؟
كادت افكار توافق بلهفة، لكن فجأة صمتت تفكر في شيء ثم نفت :
_ لا معلش أنا يا دوبك ألحق الروح واستريح قبل الدرس بتاعي .
ابتسم لها داوود فخورًا بها، يفكر في افكار التي كانت تهرب من المعلمين في بداية الأمر، والآن تتلهف للذهاب، حسنًا هذا إنجاز يمكن وضعه في قائمة انجازات حياته .
وللحق كانت هي أكبر تلك الإنجازات التي يفتخر بها ....
___________
_السلام عليكم.
خرجت من فم أفكار بعد ولوجها إلى المنزل لتجد والدتها تضع على سور النافذة كوب الشاي الخاص بها..
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
غمغمت أفكار في هدوء وهي تقترب من والدتها:
_عاملة أيه يا اما دلوقتي حضرتك بخير؟!.
ضربت سكر على صدرها قائلة:
_حضرتك؟!! لا الواد ده شقلب حالك ابن جيهان استحالة دي تكون افكار بنتي استحالة.
ضحكت أفكار وهي تقول بنبرة مشاغبة:
_يعني هكون أفكار بنت الجيران يا أما؟! وبعدين هو انا قولت ايه لكل ده؟! كل ده علشان قولت حضرتك؟!.
هزت سكر رأسها في إيجاب:
_أيوة هي حضرتك دي قليلة؟! أنتِ طول عمرك بتناطحي فيا وكمان من ساعة ما جيبتي ليا راديو جديد وأنا قلقانة منك بقيتي بارة بيا وهادية وبتسمعي كلامي من أول مرة.
_يعني هو أنا كنت رميتك في دار مسنين يا أما قبل كده؟! علشان تحسي يعني أني اتغيرت؟!
قالت سكر في رفض لما يحدث:
_لا أنا قلبي مش مطمن الواد ده عملك حاجة شكله بدل ما راح السيدة زينب راح السيدة نفيسة ولا عيشة وعملك حاجة، هي امه يمكن يكون معاها قطرك، خشي أعملي فنجان قهوة بسرعة..
عقبت أفكار على حديث والدتها في رفضٍ صريح:
_ يا اما حرام بقا حوار الفنجان ده بطليه.
أخذت سكر تصيح بجنون:
_يالهوي يا ميلة بختك في بنتك يا سكر، بعد ما تعبتي وشقيتي عليها بتقولك ده حرام وده حلال هو ابن جيهان اللي شقلب كيانك وجننك كده أنا عارفة.
تحدثت أفكار في نبرة هادئة غير مكترثة فهي أعتادت على والدتها التي لن تتغير بعد هذا العمر بسهولة:
_خلاص وطي صوتك يا أما، هخش أخد دش علشان تعبت وهلكت من اللف طول اليوم، وبعدين أجيلك ونشوف حل فيا.
رحلت تحت كلمات سكر المعترضة:
_أيوة طبعا لازم نشوف حل وبسرعة كمان..
بعد وقت أخذت فيه أفكار حمام دافئ بعد عناء اليوم وخرجت من الحمام وأرتدت ملابسها، بعدها قررت أن تخلع الدبلة فهي تشعر بأن أصابعها منتفخة اليوم فقررت أن تضعها في العلبة الخاصة بشبكتها..
لتجدها فارغة شهقت وهي تحاول استيعاب ما يحدث اين الذهب الخاص بها؟!!..
اخذت تعبث بين ملابسها عن شيء، ولكنها لا تجد شيء يبدو أن ما يتواجد بداخلها قد تم أخذه بالكامل فهو ليس مجرد قرط او خاتم فقط تستطيع ان تظن بأنه قد سقط....
خرجت من الغرفة لتجد والدتها تتحدث مع بائع البص من الشرفة التي تطل على الشارع:
_أنتَ مغلواني أوي بقولك خلي الثلاثة كيلو بخمسة وثلاثين كده حلو أوي.
عقب الرجل بعدم رضا:
_لا والله يا حجة كده مينفعش..
أنتفضت سكر على صوت أفكار وهي تقول:
_فيه حرامي يا امي حراميه دخل بيتنا...
صرخت سكر فيها في انفعال مشيرة للبائع:
_ ما أنا بقول من الصبح الراجل ده حرامي ومغلو...
لكن افكار قالت ببكاء ورعب :
_ راجل ايه ؟! الحرامي في بيتنا ...
_حرامي أيه يا بنت المجنونة هو في حرامي هيدخل بيتنا على أيه يا حسرة، وبعدين أنا قولت والله لراضي أختك هتعمل أزعرينا لو أخدت الشاحن بتاعها.
راضي ؟؟؟؟
بدأت الرؤية تضح لها....
مما جعلها تصيح:
_ابنك سرق شبكتي ياما.......
