رواية المعلم الفصل السادس عشر 16بقلم تسنيم المرشدي

      

رواية المعلم

الفصل السادس عشر 16

بقلم تسنيم المرشدي


_ مسح قطرات عينيه بأنامله التي لم تتوقف منذ عودته لمنزله مرة أخري وقال بصوت مهزوم :-

_ أنا مش عارف هعرف أسامحكم ولا لأ مش عارف أصلا أنا ممكن أثق في حد تاني ولا خلاص مش هعرف ، انتو دمرتوني انتو اهلي وخلتوني أفقد ثقتي فيكم تفتكري هقدر أثق في حد غريب ؟! 


_ ازداد نحيب سعاد علي حالته وقالت في محاولة منها أن تهون أمره قليلاً :- 

_ أنا عارفة أن اللي عملناه ده غلط كبير بس اهو حصل وخلاص مش هنقدر نصلحه بس انا اتعملت ولا يمكن اكرر غلطتي مرتين انت بس تشاور علي أجدعها بنت وانا بنفسي هروح أخطبهالك أنا هعمل اي حاجة تطلبها بس متكنش زعلان مني يا ياسر !!


_ رفع عيناه عليها وضحك بسخرية مؤلمة :-

_ أخطب! وانتي فاكرة إن حد ممكن يقبل بيا بعد ما يعرفوا اني عشمت بنت وخليت بيها ، تفتكري ممكن واحد يأمن يديني بنته بعد كده ؟


_ ربتت سعاد علي كتفيه وهتفت بحنو امومي :-

_ انت زينة الشباب وألف مين يتمناك ولو عليا أنا بنفسي هقول اني أنا السبب وانا وقفت الجوازة طلاما هيكون في مصلحتك يا حبيبي ، 


_ سحب زفيراً وقال وهو يعود برأسه علي مسند الأريكة بإرهاق وقال بمزاج غير سوي :- 

_ معتش ينفع ندم !


_ نهضت سعاد واقتربت منه وانحنت بجسدها لتكون في مستواه وقامت بتقيبل جبينه بندم شديد وأردفت :- 

_ حقك عليا يا بني يارتني مت قبل ما اعمل اللي عملته ده ! 


_ عدل ياسر سريعاً من وضعية جسده وقبل يدها وأردف :- 

_ بعد الشر عنك يا امي ، لو سمحتي متقوليش كده لو ليا نصيب فيها كنت خدتها الحمدلله ! 


_ ربتت سعاد بحنو علي ظهره ودعت  الله أن يفرج كربه ويجمع شتاته ويرزقه نصيباً من الراحة والسعادة ..


_________________________________________________


_ أنهت عنود اول محاضرة لها وقد ازدادت حماس عن ذي قبل ، جمعت اشيائها سريعا ثم هرولت إلي الخارج هاربة من  تلك المتطفلة الثرثارة ، جلست في أحد مقاهي الجامعة وسحبت نفساً عميق وظلت تجوب المكان بأنظارها لكي تتعرف علي أرجائه أكثر ، تذكرت وضع ريان لـ شيء ما في حقيبتها ، أسرعت في فتحها وتفاجئت بحزمة نقود موضوعة بجوار أحد دفاترها ، أبتسمت بسعادة قد تسللت إلي قلبها لإهتمامه ثم أغلقت الحقيبة وعادت لإكتشاف معالم الجامعة بإهتمام ، 


_ تفاجئت بـ مداهمة يحيي لـ طاولتها دون استئذان ، بينما ألقي هو ببعض الكتب علي الطاولة ثم جلس بجوارها وقال :- 

_ ها عملتي ايه في أول محاضرة ؟ 


_ نظرت إليه عنود بغرابة من أمره ، كيف يسمح لنفسه بالجلوس معها علي طاولة واحدة دون خجل كما أنهم بين حشد هائل من الطلبة ، سحبت نفساً عميق وحاولت كبح غضبها وهتفت بحنق :-

_ مينفعش تقعد معايا علي نفس الطرابيزة لو سمحت قوم وياريت متتكررش تاني !


_ عقد يحيي ما بين حاجبيه وهتف مندهشاً :-

_ نعم ! ليه يعني انتي في مقام بنت عمي ومرات أخويا ..


_ حافظت عنود علي هدوئها واجابته بهدوء لم يخلو منه الحدة :- 

_ ده مش مبرر لإنك تسمح لنفسك تقعد معايا لوحدنا ، يحيي لو سمحت أنا مبحبش الجو ده لازم تحط حدود بينا ..


_ سيعفو عن أسلوبها الفظ معه فقط لنطقها إسمه بتلك الرقة ، ابتسم ثم لملم كتبه ونهض ورفع أحد إصبعيه بجوار جبينه ثم رفعهم للأعلي تماماً كما فعل ريان مسبقاً ، كادت أن تسأله عن معني تلك الحركة لكنه غادر..


_ جذبت أحد كتبها لإكتشاف المزيد حول هندسة العمارة ، وتفاجئت بأحدهم يقتحم خصوصيتها ويجلس معها ، ازفرت أنفاسها بضيق ورفعت عينيها علي ذاك الـ يحيي الذي لا يحترم خصوصيتها ، لكنها تفاجئت بتلك الفتاة التي تُدعي هالة هي من جلست معها ، 


_ حتماً ستصاب بألم في رأسها من خلف ثرثرتها الحمقاء ، تنهدت ونظرت إليها في إنتظار تفسير واضح لإقتحامها خصوصياتها بدون استئذان ،

_ أبتسمت هالة ببلاهة وأردفت :-

_ ها ، قوليلي بقا بتتكلمي مصري ازاي ، بصي احكي لي تفاصيل حياتك كلها !


_ اتسعت حدقتي عنود بذهول لتطفلها الجرئ ذاك ، اعتدلت في جلستها ووضعت الكتاب جانباً وكادت أن تجيبها لكن اقتحام شخص ما للمرة الثالثة في هذا اليوم تعدي حدود الوقاحة ، رفعت بندقيتاها عليه كي تفرغ به غضبها التي تحاول كبحها منذ الصباح لكنها بلغت ذروة تحملها ، يكفي لهذا الحد !


_ ريان!! 

_ هتفت بحروف إسمه داخلها ، شعرت برجفة قوية أثر تفاجئها بوجوده ، لما كل ذلك التوتر يا فتاة لابد وأن يوجد هناك سبب كبير لانتظاره كل تلك الفترة ، لكن قلبها يخفق بصورة قاسية ، يزداد معدل ضرباته بسرعة فائقة ، لما كل ذلك ؟ ماذا يحدث بربك يا عنود ؟! 


_ جلس ريان بعد أن وضع كوبين من النسكافيه علي الطاولة ورمق هالة بحرج بائن واردف :-

_ معلش مختش بالي ان في حد قاعد معاها ثواني هجبلك واحد واجي 


_ اجابته عنود مسرعة وهي ترمق هالة بتهكم :-

_ لا هي أصلا كانت هتمشي !


_ تعجب ريان من نبرتها الحادة بينما شعرت هالة بالحرج الشديد ونهضت ورددت بتلعثم :-

_ اه انا فعلا كنت ماشية 


_ أولتهم ظهرها وهرولت مسرعة وقدماها تتعثر في خُطاها من شدة الخجل ، التفتت عنود حيث يجلس ريان وتفاجئت بنظراته تخترقها بذهول ، شعرت بالخجل من نظراته عليها بينما صاح هو متسائلاً :-

_ ليه عملتي كده أحرجتيها !


_ مشاعر كثيرة عصفت بها بعد جملته تلك ، شعرت بالندم لأنها تعمدت أن تخجلها فقط لكي تنفر منها كما شعرت بالغيرة لأنه يتحدث عن امرأة أخري حتي وان كان الحديث عابر ، ماذاااا ؟ غيرة ! لا لا بالتأكيد ليست غيرة ..


_ طردت أفكارها سريعاً وحولت مسار الحوار قائلة :- 

_ انت بتعمل إيه هنا ؟


_ تقوس ثغر ريان بإبتسامة وناولها كوبها وهتف بنبرة رخيمة :- 

_ اشربي النسكافيه الأول 


_ أخذت منه الكوب وارتشفت منه القليل ثم نظرت إليه بغرابة وأردفت متسائلة بفضول :-

_ عرفت منين اني بحب النسكافيه ؟


_ ارتشف ريان ثم أجابها بتريث :-

_ انتي مكنتيش بتعملي حاجة طول الاسبوعين اللي فاتوا غير انك بتشربي نسكافيه !


_ شعرت عنود بالخجل وقد توردت وجنتيها بالحُمرة الصريحة لتركيزه معها أو ثانية، ماذا يقصد بذلك ؟!


_ تركت الكوب الورقي من يدها والتفتت إليه وهتفت بإقضتاب :-

_  انت ، انت قصدك ايه ؟


_ نظر ريان إلي الاعلي في محاولة لاثارة جدلها وقال مازحاً :- 

_ مش بتقومي بواجبك كـ زوجة والمفروض تطبخيلي ومقضياها آكل جاهز حتي النسكافيه بتعملي لنفسك بس مش بتعزمي عليا .. 


_ شهقت عنود بصدمة وأردفت بتهكم :- 

_ What a con man you are 

( يا لك من رجل محتال )


_ ضيق ريان عينيه عليها وهتف بحدة زائفة :- 

_ لأ أنا مقبلش بالشتيمة !!


_ تعالت قهقهات عنود عالياً ولم تستطيع توقف ضحكاتها التي تزداد مع نظراته لها ، تفاجئت به ينهض ويقترب منها ووضع كف يده علي فمها لكي يجبرها علي التوقف عن الضحك وهو يرمقها بنظرات مشتعلة :-

_ علي فكرة انتي قاعدة وسط ناس يعني متضحكيش طول ما انتي برا البيت !


_ ابتلعت ريقها بخجل وأخفضت رأسها بحياء ، أزاح هو يده وعاد لجلسته مرة أخري بينما وضحت هي بحرج :-

_ بس انا صوتي مش عالي انت بس اللي سمعته !


_ تنهد ريان مستاءً من تصرفها وقد تحولت تعابير وجهه الي الحدة القاسية وأردف بإختصار لكي ينهي ذاك الحوار :- 

_  أنا بتكلم علي الضحك نفسه ، متضحكيش نهائي طول ما انتي برة البيت يعني صوتك ده مفروغ منع أساساً 


_ رمقته هي بغيظ ولم تعقب علي ما قاله ، بعدت بنظرها بعيداً عنه ، ثم تذكرت حوارهم الذي لم ينهياه بعد وصاحت بعدما الفتت إليه عاقدة حاجبيها :- 

_ مش انت اللي اقترحت بإنك تشتري الاكل من برا !


_ مال ريان رأسه وهي ينظر إليها بمكر وهتف مازحاً :-

_ أنا اقترحت ده ذوقياً مني وانتي بقا ما صدقتي !


_ صعقت عنود للمرة الثانية من حديثه ، حيث فغرت فاها بصدمة جلية ، مرت ثواني عليها تحاول فيهما استيعاب ما قاله أو ربما هضمه ، سحبت نفساً عميق وصاحت بغيظ :-

_ أنا عايزة اعرف انت هنا بتعمل ايه ؟ 


_ تنهد ريان واجابها وهو ينهض من علي مقعده :-

_ هقولك بس مش الوقتي ؟


_ كادت أن تتحدث لكن دخول يحيي قاطعها واجبرها علي الصمت ناهيك عن رمقها له بنظرات مشتعلة ممزوجة باللوم لعودته قبل أن تنهي حوارها مع ريان ، تنهدت بضيق بائن للجميع بينما هتف يحيي موجهاً حديثه إلي ريان :- 

_ ايه ده ريان انت بتعمل ايه هنا ؟


_ ابتسم ريان واجابه بمزاح وهو يسحب هاتفه من علي الطاولة :- 

_ واحد جاي لمراته انت مالك انت !


_ لا يدري لما تملكه الضيق بعد اعترافه الصريح بأنها زوجته ، أين معاهدته لنفسه ؟ أليس هو من عزم علي ترك الأمر وعدم دخوله في تلك العلاقة المتناهية ؟! ماذا يحدث إذاً ؟


_ أخرج تنهيدة بطيئة وحاول أن يبدو طبيعياً لكن لم يفشل في إخفاء حدته :- 

_ أنا كنت جاي اقولها إن المحاضرة التانية هتبدأ !


_ أماء ريان رأسه بتفهم ثم فعل تلك الحركة بإصبعيه فاثارت فضولها حولها بشدة ، نهضت مسرعة وقالت متسائلة قبل أن يبتعد عنهم :-

_ هتقولي انت هنا ليه امتي ؟ 


_ أبتسم ريان وغمز إليها وقال بمكر :-

_  ليا عندك حاجة لما تجيبهالي وقتها بس هقولك !


_ قطبت عنود جبينها بغرابة فهي لم تستعير منه شئ هما لم يتحدثا من الأساس طيلة الاسبوعين الماضيين ليكون بحوزتها شئ له ، خرجت من شرودها علي صوت يحيي وهو يقول بغيظ يحاول إخفائه :- 

_ حاجة ايه اللي بيقولك عليها ؟!


_ رفعت عنود بندقيتاها عليه بعدم تصديق لهذا المتطفل وهزت رأسها في إنكار لتصرفاته التي لا تروق لها بالمرة ثم تركته وغادرت ..


_ وقف يحيي يتأكل غيظا علي تلك الهمهمات الغامضة ، ثم جر قدميه أمامه وعاد الي مدرجه قبل أن تبدأ المحاضرة الثانية ، 


_ لمحت عنود تلك الفتاة المدعية هالة من علي بعد منها ، شعرت بالندم حيالها لتعمدها إحراجها أمام ريان ، سارت بخطوات متهملة نحوها لكي تعتذر منها ..


_ كانت تجلس برفقة بعض الفتيات يتعرفن علي هويتهن الجديدة ، لكن لم تخلو جلستهم من النميمة حيث قالت إحداهن ( لقاء ) بخبث :-

_ شوفتوا بنت المحظوظة اللي كانت قاعدة علي الطرابيزة اللي قدامنا دي الشباب كانوا بيهطلوا عليها زي المطر من اول يوم وقعت شابين ..


_هتفت فتاة أخري تُدعي ( ثريا ) بحقد :-

_ ربنا يوعدنا بنص حظها ! 


_ تفاجئت الفتيات بثورة هالة واندفاعها عليهن قائلة :-

_  علي فكرة مينفعش نجيب في سيرة حد الله أعلم ما يمكن يكونوا قرايبها وبعدين هي شكلها محترم ومش بتاعت الكلام ده !


_ تبادلن الفتيات النظرات بتعجب ثم أردفت لقاء بسخرية :- 

_ ايه يا هالة يا حبيبتي هي قريبتك ولا حاجة ؟


_ بلغت هالة ذورة تحملها ونهضت بإندفاع وصاحت بها هدراً :-

_ مش لازم تكون قريبتي عشان ادافع عنها وبعدين اللي انتو بتعملوه ده اسمه نميمة عارفين عقوبتها ايه ؟!


_ شكلت ثريا ابتسامة متهكمة علي ثغرها وأردفت بإقتضاب :- 

_ مش عايزين نعرف !


_ تأففت هالة بضجر بائن ثم سحبت حقيبتها من علي الطاولة وابتعدت عنهم مهرولة ، اصطدمت بشخص ما وقف أمامها فجاءة ، كادت أن تنفجر به لكنها تفاجئت بعنود هي من تقف أمامها ، ارتخت ملامحها براحة لكن سرعان ما تحولت إلي الحزن عندما تذكرت تصرفها ، 


_ استشعرت عنود حزنها وأردفت بنبرة نادمة ممزوجة بالخجل :-

_ أنا آسفة I was a little slut 

( كنت وقحة قليلا )


_ رمقتها هالة لبرهة ثم شكلت علي ثغرها ابتسامة وهتفت مازحة :-

_ لا مش لدرجة وقحة يعني 


_ بادلتها عنود ابتسامة عذبة ثم واصلت هالة حديثها قائلة بتفهم :- 

_ طبيعي تصرفك معايا ، فجاءة لقيتي واحدة بتقتحم خصوصياتك أنا لو منك كنت ضربتني قلمين 


_ انفجرت الفتاتان في الضحك ثم توقفت هالة وأردفت بنبرة مليئة بالشغف :- 

_ بس انا بكون عفوية اوي مع اللي برتاح لهم ! 


_ أبتسمت عنود بحب وتسائلت مازحة :-

_ ممم وايه اللى ريحك فيا وانتي متعرفنيش ؟


_ أجابتها هالة بتلقائية عابثة :- 

_ سيماهم في وجوههم!


_ اتسع ثغر عنود بإبتسامة أكبر وقالت ممتنة :-

_ شكراً لأنك رديتي غيبتي !


_ تفاجئت هالة بحديثها ، لم تكن علي علم بأنها صغت لحوارهن ، بينما تابعت عنود مضيفة :- 

_ مش قصدي أسمعكم بس انا كنت جاية اعتذر لك وسمعت غصب عني !


_ لم تجيبها هالة بل احتضنتها بعاطفة كبيرة ، شدت علي ظهرها بقوة حتي شعرت عنود بصدق مشاعرها وطيب نواياها ، بادلتها عنود العناق ثم افترقا حيث تفاجئت عنود بترقرق دموع هالة من عينيها 

_ تعجبت من حالتها وهتفت متسائلة بإهتمام :-

_ بتعيطي ليه ؟


_ مسحت هالة دموعها ورسمت ابتسامة علي ثغرها وهي تعلق يدها بذراع عنود قائلة بمزاح :-

_ تعالي نحضر المحاضرة بدل ما نطرد من أول يوم وبعد كده نشوف حكايتنا دي بعدين !


_ تبادلا الضحكات ثم هموا مسرعين الي المدرج لكي لا يتآخرن أكثر من ذلك ..


_________________________________________________


_ عاد ريان الي معرضه بعد قضاء ساعتين في الشهر العقاري ، آمر أحد عماله بحضور خالد صديقه ، جلس علي مقعده قيد انتظار وصول صديقه ، انهمر في قراءة الأوراق التي أمامه بإهتمام وحماس شديد لكي يشغل وقته لحين إتمام الأمر لطلاما عزم علي فعله ، 


_ ولج خالد إلي المكتب بعدما طرق علي بابه وأسرع خُطاه الي ريان بقلق :- 

_ في أيه يا ريان انت كويس ؟


_ نهض ريان واقترب منه وهو يبتسم وقام بجذبه من ذراعه وأجبره علي الجلوس كما جلس هو الآخر مقابله وسحب الاوراق من علي المكتب ووضعها أمام خالد علي الطاولة وأردف :-

_  اتفضل ..


_ عقد خالد حاجبيه بغرابة من أمره ناهيك عن تصرفاته المريبة وما تلك الأوراق إذا ؟ 


_ سحب نفساً عميق وبدأ يقرأ الاوراق بتوجس ، اتسعت مقلتي خالد بذهول عندما علم بشأن الأوراق ثم هب واقفاً وصاح بإندفاع :-

_ ريان قولتلك قبل كده انا مش موافق ولسه مش موافق والتوكيل ده تقطعه ترميه بس انا مش هاخده !


_ نهض ريان ورسم علي ملامحه علامات التوسل وأردف برجاء :- 

_ خالد عشان خاطري ساعدني اعيش الباقي من حياتي ، انا مش هعرف اعمل كده طول ما كل الحِمل ده علي اكتافي لوحدي ، خليك جدع وشيل عني شوية ! 


_ هز خالد رأسه بعدم فهم وصاح بحنق :-

_ يعني ايه تعيش الباقي من عمرك اومال اللي فات ده كان ايه ؟


_ شهيق وزفير فعل ريان واجابه بإختصار :-

_ اكتشفت اني مكنتش عايش !


_ تشنجت ملامح خالد واردف بنبرة تريد الخلاص :- 

_ أنا مش فاهم اي حاجة بس أياً يكن أنا مش هاخد التوكيل ده شوف حد غيري يا ريان الحِمل ده تقيل اوي وانا مش قد مسؤليته ..


_ تنهد ريان بضيق وجلس علي الأريكة وهتف بعد صمت ساد لبرهة :- 

_ مفيش حد بثق فيه غيرك ، أكيد يعني مش هروح أعمل توكيل لـ هاني ! ولا هعمل توكيل لـ يحيي اللي لسه بيدرس ومش عارف الشغل ماشي ازاي ، انما انت فاهم الشغل بيمشي ازاي وانت اللي بتخلص كل حاجة من غيري يعني الفرق الوحيد أن هيكون معاك توكيل تعمل كل حاجة من غير ما ترجع لي ، خالد عشان خاطري وافق يا اخي عايز اعوض كل اللي ضاع مني ولا مش من حقي اتبسط ؟!


_ أخذ خالد نفساً وأخرجه ببطئ ثم جلس ونظر الي ريان :-

_  وأن مكنتش جدير بالمسؤلية دي ، ريان انت فاهم انت بتعمل ايه ؟ انت بتحط مصنع وشركة ومعارض وورش وغيرهم كتير بين ايديا ، ريان انت بتحط مملكتك كلها بين ايديا انت متخيل انت بتعمل ايه ، متصور حجم الكارثة اللي ممكن تحصل من ورا اللي بتعمله ده ! اخواتك مش هيسكتوا ، الدنيا كلها مش هتسكت هيقولوا اشمعنا أنا ، بلاش ، أنت بتقول اني بخلص كل حاجة بس مش يمكن ده عشان المِلك نفسه مش ليا وممكن لما يكون بين ايديا أكسل ومقومش بشغلي زي ما انت متوقع !


_ تنهد ريان ورسم ابتسامة علي ثغره وهتف بتريث :-

_ أنا واثق فيك وثقتي كفيلة تخليك تعمل اللي عليك وزيادة عشان تقوم بكل المسئولية دي ومتهزش ثقتي فيك وعلي فكرة حتي لو مقدرتش أنا عمري ما هندم اني عملت كده في يوم ، عشان خاطري وافق !


_ ساد الصمت بينهما لفترة تعدت الخمسة عشرة دقيقة ، ثم قاطع ذاك الصمت خالد حينما أردف :-

_ وانا موافق ..


_ صاح ريان مهللاً بسعادة قد تسللت لأعماق قلبه ، لم يتصور خالد أن موافقته ستُسبب كل هذا الجدل ، لم يري ريان بتلك الحالة من قبل ، شعر بالندم لطلاما رفض هذا التوكيل مراراً ، لو يعلم أنه  بموافقته سيدخل السرور علي قلبه لفعلها فقط من أجل أن يري تلك الإبتسامة علي وجهه ، لم يمنع ابتسامته المتبادلة معه وهتف متسائلاً :-

_ للدرجة دي فرحان ؟


_ رمقه ريان لبرهة ثم وقف في منتصف المكتب وفتح ذراعيه وأوصد عينيه وسحب نفساً عميق وأخرجه ببطئ وصاح بصوت عالٍ :- 

_ اوووووف 


_ التفت الي خالد وقال براحة :- 

_ دلوقتي بس أقدر أقول إني مبسوط ومرتاح 


_ جذب مفاتيحه وهاتفه من علي مكتبه بينما تسائل خالد بإهتمام :-

_  انت رايح فين ؟


_ أجابه ريان وهو يغمز إليه بعيناه :-

_ رايح اعيش !!


_ أنهي جملته وأوصد الباب خلفه أسفل نظرات خالد المتعجبة من حالته المبهمة بالنسبة إليه ، ابتسم ثم جلس علي  الأريكة وهاتف زوجته أية قائلا :-

_ مش هتصدقي حصل ايه !


_________________________________________________


_ أنهيَا جميع دروسهم وقد إنهال التعب منهم كما ظهرت علامات الإرهاق علي وجوههم لقد كان يوماً عصيب وملئ بالمحاضرات الثمينة ،  تنهدت هالة  بتعب وأردفت :- 

_ أخيراً خلصنا ، كان نفسي اقولك تعالي نقعد في مكان ونتعرف علي بعض أكتر بس أنا يدوب ألحق أروح عشان اطبخ قبل ما بابا يرجع من شغله 


_ تعجبت عنود من حديثها وسألتها بعفوية :-

_ ووالدتك فين ؟


_ شعرت هالة وكأنه خنجر غرز في قلبها أثر سؤال عنود ، لكنها تماسكت واجابتها بنبرة موجوعة :-

_ متوفية 


_ كم من الندم شعرت عنود وتمنت لو يعود بها الزمن لكي لا تسبب الألم لكليهما ، ترقرقت الدموع في عينيها وقالت بألم :- 

_ ربنا يرحمها ، أنا برده اهلي متوفيين 


_ اتسعت حدقتي هالة واقتربت منها وعانقتها حتي اجهشت كلاً منهما باكياً ، لم يتسع لكليهما عناق صادق يخفف من آلام قلوبهم المحطمة ولا وقت يستيطعان فيه عيش حدادهم علي من فارقوا الحياة ..


_ صف ريان سيارته جانباً ودلف للخارج في إنتظار قدومها ، آثار انتباهه كلتي الفتاتان اللتان تعانقا بعضهما بحميمية في منتصف الطريق 


_ تفاجئ بها تفترق عن الفتاة الأخري وتودعها ،  أسرع خطاه نحوها حيث وقف أمامها مباشرةً ، تفاجئت عنود بشئ صلب اصطدمت به ، كادت أن تخلق شجاراً لكنها صمتت عندما تأكدت من هويته ، لكن لم تتركها نبضات قلبها وشأنها فقط زاد معدلها عن الطبيعي  ، كما كان تأثيرها شديد وقاسي علي ريان ، شعر بتوتر وارتباك لم يشعر بهما من قبل كما لو أنه لأول مرة يري فتاة أمامه 


_ سحب نفساً عميق وأردف بنبرة هادئة لكنها لم تخلو من الحدة :- 

_ تاني مرة أوعي تقفي في نص الشارع حاضنة حد بالشكل ده ، متحضنيش حد أصلا !


_ رفعت رأسها نحوه بتعجب لكنها لم تعترضه علي الرغم من عدم استيعابها لحقيقة أمره لكنها ستمثله بطاعة ، ربما عليها أن تصبر قليلاً لكي تعلم حقيقة الأمر لاحقاً ..


_ تفاجئت بيده تجبرها علي التعلق بذراعه ثم توجه نحو السيارة وفتح بابها انسدلت هي بجسدها وجلست علي المقعد كما هم هو بالجلوس علي مقعده وشرع في القيادة بهدوء ، 


_ ساد الصمت بينهم إلي أن وصلا كليهما الي منطقتهم ، صف ريان السيارة أسفل البناية ، ترجل كليهما منها وتفاجئت عنود للمرة الثانية به يمسك يدها ، شعر ريان برجفة يديها بين قبضته وظهرت علي ثغره إبتسامة ماكرة لا يعلم تفسيرها لكنه مستمتع بإرتباكها المتسبب هو به !


_ وقف كليهما امام المصعد ، نظر إليها ريان وهتف بمزاح :- 

_ مين هيطلع علي السلم أنا ولا انتي ؟


_ حاولت منع ابتسامتها وعندما فشلت هربت بنظرها بعيداً عنه لكي لا يراها ، لا تعلم أن هناك مرايا عدة في مدخل البناية وتعكس وجهها له بوضوح ، انتبهت لصورته المنعكسة التي تبتسم لها فشعرت بحرارة قاسية في وجهها حتماً تحول الي بندورة من شدة خجلها ، سحبت يدها سريعاً وركضت الي الاعلي هاربة منه ، 


_ قهقه ريان علي تصرفها الطفولي وصعد خلفها بخطوات سريعة متريسة ، فُتح باب منزل والد ريان ودلف هو منه محاولاً الهبوط الي الأسفل بمفرده ، رأته عنود ووقفت أمامه لا تدري ما عليها فعله وعندما أيقنت من عدم نجاحه في الهبوط بمفرده أسرعت نحوه ومدت له يد العون حيث تسائل ماهر قائلا :-

_ مين ؟


_ ابتسمت عنود واجابته برقة :-

_  أنا عنود ..


_ ابتسم ماهر واردف بنبرة رخيمة :- 

_ ملناش نصيب نقعد مع بعض يا بنتي بس خير اني قابلتك واطمنت عليكي 


_ وصل ريان إليهما وتعجب من وقوف والده خارج المنزل وأسرع نحوه بتوجس وتسائل بقلق :- 

_ خير يا حج في حاجة ؟


_ تنهد ماهر بضيق بائن ثم أردف بتهكم :-

_ اتخنقت من قاعدة البيت بقالي اسبوعين مش بشوفك ويحيي علي طول مش في البيت والتاني مقضيها خناق مع مراته قولت أخرج اشم شوية هوا بدل ما اموت مكاني 


_ أجاباه ريان وعنود في نفس واحد :-

_  ربنا يبارك في عمرك 


_ تابع ريان حديثه بندم شديد لأنه ترك والده وتسبب في حالته تلك :- 

_ أنا عارف اني مقصر معاك بس كنت مشغول بميت حاجة مكنتش لاقي نفسي أصلا حقك عليا 


_ ابتسم ماهر وربت علي يد عنود وهتف :- 

_ ربنا يهني اللي شاغلك يابني !


_ شعر ريان بالحرج لكنه لم يستطع منع ابتسامته التي غزت شفاه بالكامل ، لقد فهمه والده وهذا أمر مخجل للغاية من المفترض أنه رجل كبير عاقل ولا يليق به مثل تلك الأشياء التي بدي وكأنه طفل صغير لكن ليس بيده..


_ تعجبت عنود من ضحكاتهم المريبة وشعرت أن أمر تلك الضحكات يحول خلفها ، زادت الأسئلة في رأسها ويجب أن ترضي فضولها وتأتي بإجابات صريحة لجميع أسئلتها في أقرب وقت ..


_ تنهد ريان ثم قال بصوت متحشرج :-

_ تعالي يا حج أنا هنزلك 


_ هز ماهر رأسه برفض وأردف مسرعاً :- 

_ لا لا اطلع انت علي بيتك أنا هنزل اقعد مع جلال تحت ولما ازهق هطلع تاني ..


_ هز ريان رأسه بتفهم ثم نادي بصوته الجهوري علي عم جلال ( حارس البناية ) أتاه بعد دقائق قليلة وساعد ماهر علي النزول للاسفل ، بينما صعد الآخرين الي منزلهم .. 


_ أمسك ريان بذراع عنود وأجبرها علي التوقف قبل أن تولج داخل الغرفة ، الفتت اليه بحرج فأسرع هو بالحديث بصوته الرجولي لطلاما حفظت هي نبرته جيداً :- 

_ محتاج أتكلم معاكي 


_ رفعت بندقيتاها اليه ثم أماءت رأسها بالايجاب ، بينما سار هو بإتجاه غرفتها ومازال يمسك بيدها ، توجست خيفة من تصرفه المريب ، خفق قلبها بشدة وهي تراه يقترب من الفراش لكنها لم تظهر خوفها ، وبدت طبيعية بالنسبة له بينما جلس ريان علي الفراش وأجبرها علي الجلوس مقابله ، 


_ سحب ريان نفساً عميق وتردد كثيراً قبل أن يفعل ما يود فعله ، لكن يجدر عليه فعل ذلك فهو عزم علي مصارحتها بكل شئ وهذا قرار لا رجعة فيه ، تفاجئت عنود به يضع رأسه علي قدميها ويستلقي بجسده علي الفراش ،


_ كتمت أنفاسها لفترة لكي يستوعب عقلها ما فعله ثم أخرجت أنفاسها ببطئ حتي لا يشعر بها ، استكان ريان وهو يشعر بدفئ قدميها أسفله وبدأ حديثه قائلا بنبرة هادئة :- 

_ كنت في نفس عمرك لما والدتي توفت وقتها من شدة زعل والدي عليها لأنه كان بيحبها جدا السكر عليَ عليه ونظره ضعف جدا لحد ما راح خالص ، فجاءة لقيت نفسي مسؤول عن طفلين يحيي سنتين وهاجر ٨ سنين ، واخ أكبر مني بـ ٤ سنين كان المفروض يساعدني بس لقيت أنه هو كمان من ضمن مسؤلياتي ، اشتغلت في اليوم ٤ شغلانات مختلفة مكنتش بنام كان لازم اشتغل اكتر عشان اجيب فلوس أكتر عشان تعليم أخويا الكبير وعلاج ابويا ومسؤولية الباقيين ، مكنتش بنام في البيت عشان مضيعش ساعة في النوم ، لسه فاكر وانا واقف مش قادر من كتر ما ضغطت علي نفسي لقيت المدرس بتاعي في ثانوي جايبلي النتيجة بتاعتي كنت ناقص درجة واحدة بس انا لسه فاكر تنطيطي اليوم ده لسه فاكر دقات قلبي لما تخيلت اني هحقق حلم عمري بس كل اتبخر في ثواني لما اقترحت علي أخويا يشيل معايا في الشغل عشان أوفر وقت لمذاكرتي وهو رفض وقالي لا أنا مش انت ، وقتها اتخليت عن حلمي بسببه وعشانه ، واشتغلت أكتر وأكتر لحد ما بقيت المعلم !! كناية عن مملكتي اللي عملتها بجهدي وذاتي ، كبرت بطريقة تخوف مش عارف إزاي كبرت بالسرعة دي ولحد الآن مش لاقي تفسير واضح ، بس مش حاسس اني مرتاح ، أنا معملتش اي حاجة أنا عايزها ديما بعمل الحاجة اللي مجبر عليها ، عشت حياتي عشان غيري ومحدش فكر لـ لحظة فيا وفي تعبي ، يمكن في الأول كنت بشوف شفقة في عيون الناس ليا بس بعد ما الفلوس كترت معايا الشفقة دي اتحولت لحقد وبغض والمشكلة أن بشوف ده من أقرب الناس ليا ، ولسه مسؤول عنهم كلهم لسه بصرف علي أخويا الكبير ولسه بشوف في عينه نظرة غريبة مش عارف معناها الحقيقي بس اللي عارفه أنه مش بيحبني مش بيتمني لي الخير ، بيعمل كل اللي يقدر عليه عشان يضايقني ، مش عارف أنا عملت له ايه عشان الكره ده ، ديما حاطت نفسه في مقارنة معايا وشايف أن والدي بيحبني اكتر منه عشان كان بيحب والدتي اكتر من والدته ، بس انا عمري ما شوفت الفرق ده بينا وكل اللي عملته واللي بعمله بيثبت حبي ليه ..


_ سحب ريان نفساً عميق وتابع حديثه مضيفاً بألم :- 

_ أنا عشت ١٦ سنة بكافح عشانهم ومشوفتش منهم غير اللوم والعتاب ، محدش صدقني ديما لازم ابرر كل تصرفاتي وبعد التبريرات كلها محدش بيصدقني برده ، لحد ما بقيت عايش عشان لازم اعيش ، مجبر علي اللي أنا فيه ومش بإيدي اوقفه أو اغيره ، كملت حياتي لأنها ماشية ومش بتقف ، مع الوقت بقيت انسان جامد كل حياته روتينة مملة ، اتجوزت عشان لازم اتجوز وأكمل نص ديني ، خلفت عشان لازم اخلف ما طبيعي بعد الجواز لازم خلفة ، المسؤولية كبرت مع كل شخص بيكبر في عيلتي ، كلهم مصدقين الوش الهادي اللي مش بيتشكي لدرجة اني أنا نفسي صدقت اني طبيعي ودي حياة اي حد 


_ رفع ريان رأسه بالقرب منها وأردف بنبرة حنونة معانقة للامتنان :-

_ لوقت ما ظهرتي انتي !


                 الفصل السابع عشر من هنا 

تعليقات