أخر الاخبار

رواية قريبا ستفرج الفصل الرابع 4بقلم شيماء عبد الله

         


 رواية قريبا ستفرج

الفصل الرابع 4

بقلم شيماء عبد الله

 


عند إيمان، استيقظت في العاشرة صباحا لأول مرة، لأنها كانت شبه غائبة عن الوعي، ولهذا تركتها أمل تنام حتى هذا الوقت، ولو كانت في حالة أفضل كانت ستوقظها غصبا عنها. قامت إيمان لتتوضأ وصلت صلاتها بعد أن علمت أن والدها غادر لعمله، وأختها ذهبت للمدرسة، ثم ذهبت للمطبخ لتصدم من كمية الأواني الغير النظيفة، فبدأت في جليهم وفي نفس الوقت تشرب قهوتها التي أعدتها، وما إن أنهت جلي الأواني جلست فوق مقعد بعد أن تعبت، ولم تعد رجليها تحملها، وبدأت في تنقية الخضر وهي جالسة. 


دخل مراد في هذه الأثناء، وما إن رأى إيمان ارتسمت بسمة واسعة على محياه قائلا: صباح الخير أيتها الجميلة. 


إيمان :أخي! صباح الخير. 


مراد: هل يوجد إفطار أم لا. 


إيمان :إنه موجود، أنت اذهب لغرفة الجلوس وأنا سأحضره لك. 


جلس مراد على مقعد مقابل لها وقال: سأفطر هنا. 


قامت إيمان تحضر له إفطاره وهي في غاية التوتر، وقد لاحظ مراد أيضا هذا ليقول :أختي ربما لا زلت مريضة، حينما عدت بالأمس كنت غائبة عن الوعي. 


إيمان :الحمد لله أصبحت بخير الان. 


مراد: أريد أن أطلب منك شيئا لو كان ممكنا. 


بلعت إيمان ريقها قائلة :أكيد تفضل يا أخي. 


مراد :أريد منك القليل من النقود، أنت تعلمين أنني خرجت للتو من السجن ولا أملك شيئا. 


إيمان: لكنني لا أملك شيئا. 


قام مراد وأخد معه ملعقة، ثم وضعها فوق النار قائلا بابتسامة خبيثة: وماذا الان. 


عادت إيمان بضع خطوات للخلف قائلة: أخي رجاءا لا تفعل هذا. 


مراد :القرار يعود لك، إما النقود أو.. 


ترك كلامه معلقا وهو ينظر لتلك الملعقة التي أصبحت ساخنة، وبدأ يتجه نحوها قائلا :ما رأيك، يدك أم وجهك. 


نزلت دموع إيمان وهي تترجاه قائلة :لا تفعل بي هذا يا أخي رجاءا. 


جذب يدها بقوة، ثم لمسها بتلك الملعقة الساخنة وأزالها سريعا، إلا أن حرارتها سببت في ألم لها، وقالت :سأعطيك إياهم فقط دع يدي. 


تركها مراد فأخذت علبة في الرف الثاني من المطبخ؛ حيث كانت تجمع النقود التي تتبقى في كل مرة تحضر مستلزمات المنزل، وبعد أن كانت تنوي إعطاءه القليل فقط، سحب منها العلبة وأخذ كل ما بها من نقود. 


مراد :يا لك من ذكية، تخفين كل هذه النقود ولا ترغبين في إعطائي ولو القليل. 


خافت إيمان أن يحرقها مجددا لتقول: تلك النقود تبقت حينما كنت أذهب لشراء لوازم البيت، وكنت أجمعهم هنا. 


مراد: هذا لا يهمني، ما يهمني حقا هو حينما أحتاج للنقود يجب أن أجدهم، والان سأذهب لأستمتع بوقتي. 


خرج مراد بعد أن رمى تلك الملعقة التي بردت في الأرض، فأخذتها إيمان ووضعتها فوق الطاولة، ثم جلست تبكي على حالها وحال جسدها الذي كان أخوها يحرقه في كل فرصة أتيحت له، ورغم أنها الكبيرة إلا أن بنيته الجسمانية تبينه أكبر منها، وهو يستغل هذا حسن استغلال ليتحكم بها. 


إيمان :يا رب لقد تعبت كثيرا، انظر لحالي وفرج علي فلم أعد أستطيع تحمل كل هذا، أخي من جهة، وأبي من جهة، وزوجته من جهة، والناس من جهة رابعة، أصبحت كمسجونة وسط أربعة جدران، وحتى السجن أرحم مما أنا عليه الآن. 


تنهدت ومسحت دموعها، وقامت لتكمل أشغالها حيث حضرت الغداء، وسخنت الخبز الذي تبقى من الأمس، كونها لا تستطيع عجن خبز جديد من شدة تعبها، وبعد أن غسلت الأواني التي استعملتها، أخذت مصحفا صغيرا كانت تضعه فوق الثلاجة، وبدأت تقرأ فيه بعض السور، لتشعر براحة تتغلغل داخل قلبها وروحها، وظلت على ذلك الحال حتى عادت أختها من المدرسة وأصبح الغداء جاهزا. 


عند نصر الدين الذي خرج بعد أن اكتشفوا أن الفتاة هي من رمت نفسها أمام سيارته،ومن حسن حظه وجود كاميرات في ذلك المكان، لكن هذه التجربة تركت داخله أثرا عميقا، وأصبح شخصا آخر غير نصر الدين السابق، أصبح شخصا محطما ومدمرا، ورغم براءته إلا أنه يحمل نفسه مسؤولية تلك الفتاة وحالتها الحرجة. 


احتضنه عمر قائلا :ماذا فعلت بي يا ابني، كان قلبي على وشك التوقف لولا دعم أشرف لي. 


نصر الدين :أنا بخير يا أبي.. كيف حال تلك الفتاة. 


المحامي :حسب ما أخبرني أحد الضباط أن حالتها حرجة، وربما تموت في أية لحظة. 


نصر الدين :أنا السبب وراء ما حدث، لو انتبهت أكثر ما كان ليحدث كل هذا. 


أشرف :لا ذنب لك يا أخي فيما حدث، الفتاة هي التي رمت نفسها أمام سيارتك. 


 نصر الدين :حديثك لن يريحني من تأنيب الضمير الذي سيلاحقني إلى أن تتحسن حالة الفتاة 


عمر :حسنا يا ابني، هيا بنا نعود للمنزل لترتاح قليلا الان. 


نصر الدين :أنا سأوصلك للمنزل ثم أذهب لزيارة الفتاة وأطمئن على حالتها، وأيضا السيارة التي أخذوها مني يجب أن أعلم متى يمكنني استرجاعها. 


أشرف :أنا سأوصلكم، وبالنسبة لسيارتك أعرف شخصا سيتكلف بالموضوع ويعيدها لك سريعا. 


استقلوا سيارة أشرف، ومنذ ركوب نصر الدين وهو ساكت، وعقله يعج بالأفكار، وما إن مر بجانب منزل دعاء ضغط على يديها هامسا: كنت مخطئا بخصوصك، وأخيرا اكتشفت حقيقتك الحقيرة.


أشرف :نصر الدين على قلت شيئا. 


نصر الدين :لا أنا سأدخل والدي للمنزل، وأنت يا أشرف يمكنك المغادرة، لا تتأخر أكثر عن عملك. 


أشرف :سأنتظرك وأرافقك لزيارة تلك الفتاة، أما العمل تركت شخصا ليتكلف به. 


نزل نصر الدين وأدخل والده للمنزل، وبعد أن تأكد أنه نام خرج وركب مع أشرف الذي توجه للمستشفى، وداخله يدعوا الله أن تطل تلك الفتاة على قيد الحياة، ولا تنتهي حياتها بهذا الشكل السيء. 


وصلوا أمام المستشفى، ثم ترجلوا من السيارة ودلفوا للداخل؛ حيث سألوا موظفة الاستقبال عن الفتاة، وعلموا أنها في غرفة العناية المركزة، وقبل أن يصلوا أمام تلك الغرفة لمحوا أمامها امرأة كبيرة في السن تبكي وتردد: لماذا فعلت بي هذا يا إبنتي؟ لماذا ذهبت للموت برجليك؟ يا رب خذ حق ابنتي من السبب وراء حالتها، يا رب أنزل عليه لعنة تصيبه مدى الحياة، ألم يكفيه شرفها الذي سلبه منها، والان سيأخذ روحها أيضا، يا رب اشفي لي ابنتي. 


أشفق على حالتها كل من أشرف ونصر الدين، فاتجخ ناحيتها هذا الأخير، ووضع يده على كتفها قائلا؛ ستستيقظ بإذن الله. 


المرأة :إن شاء الله.. لكن لحظة من أنت؟ 


صمت نصر الدين وهو غير قادر على مواجهتها بالحقيقة، لا يعلم كيف يخبرها أنه هو السبب في نوم ابنتها في المستشفى، فتحدث عنه أشرف قائلا: هذا صديقي وهو من رمت ابنتك نفسها أمام سيارته. 


ازدادت المرأة في وثيرة بكائها قائلة: وكلت أمر الفاعل لله عز وجل، حسبي الله ونعم الوكيل عليه. 


عند إيمان ظلت تنتظر حتى عاد أختها للمدرسة، ولم يتبقى في المنزل سواها هي وأمل، لتذهب لها للصالون حيث كانت تشاهد التلفاز وقالت: خالتي هل أستطيع أخذ القليل من وقتك لنتحدث. 


أمل : ما الذي تريدينه يا وجه المصائب. 


إيمان :أرغب في سؤالك عن شيء. 


أمل :إسألي لأرى ما هذا الموضوع المهم. 


حمحمت إيمان وهي تنظر لأمل، وهي على يقين تام أن سؤالها سيجعلها تقيم بردة فعل كبيرة ثم قالت: ماذا تعرفين عن أمي. 


التفت ناحيتها سريعا بعد أن كانت تشاهد التلفاز غير مبالية لها، واتضحت صدمتها من السؤال في ملامحها التي عقدت وفمها الذي فتحته من الصدمة، لتقول: صفاء.. أنت لماذا تسألين عنها بعد كل هذه السنوات. 


إيمان :هذا شيء طبيعي، ومن حقي أن أعلم هوية أمي. 


أمل :لماذا سألتيني أنا بالذات. 


إيمان :لأنني أعلم أنك ستجيبيني بكل صراحة، ولن تخفي شيئا عني. 


أردفت أمل بلا مبالاة :والديك تزوجوا عن إعجاب، فوالدك هو من اختارها، وطلبها للزواج، وبعد مرور سنة ولدت أنت، وكانوا سعيدين جدا، وكانت حياتهم جيدة إلى أن بدأت المشي والجميع لاحظ عيبك، وصفاء لم تعد تستطيع الصبر أكثر؛ حيث كنت كل يوم تجرحين والناس ضحكوا عليها، واستهزاءهم وشفقتهم كانت ترافقها أينما ذهبت، فرفعت دعوة الطلاق بعد أن كانت تتناقش يوميا مع والدك، وتركت حضانتك لعبد الرحمان. 


  أغلقت إيمان عينيها وهي تحاول كتم حرقة قلبها، إلا أن صوتها كان يصف حالتها حينما قالت بصوت متحشرج: وأين هي الأن؟ 


رفعت أمل كتفيها بعدم معرفة قائلة: لا أعلم.. كل ما أعرفه أنها تزوجت مجددا بعد سنة تقريبا من طلاقها، وسافرت مع زوجها، وفي نفس الوقت تزوجت أنا وعبد الرحمان. 


قامت إيمان متجهة لغرفتها، وتركت دموعها تسيل بكل هدوء على وجنتيها. ذلك الهدوء الذي لم تذق طعمه في حياتها التي كانت عبارة عن مشاكل وضرب وتنمر ودموع. 


مرت الليلة سوداء على إيمان كالعادة منذ وفاة جديها، إلا أن نصر الدين كان يشاركها سواد هذه الليلة، فهو قضى وقته كاملا في المستشفى رافضا ترك تلك المرأة بمفردها، خاصة بعد أن علم أن زوجها رفض زيارة إبنته. 


   أشرقت الشمس معلنة عن يوم جديد، ليستيقظ نصر الدين الذي كان نائما في أحد المقاعد، ووجد تلك المرأة لا زالت نائمة، فذهب وأحضر القهوة وإفطارا قدمه لها حينما استيقظت. 


المرأة :شكرا لك يا ابني على مساندتك لي. 


نصر الدين :يا خالتي أنا السبب وراء حالة ابنتك، ومن الواجب علي أن أساندكم حتى تتعافى. 


المرأة :لا يا ابني، أنت لم تفعل شيئا، ابنتي المسكينة تعبت مما مر بها، وسمحت للشيطان أن يعبث بعقلها. 


نصر الدين :هل أستطيع أن أعلم ما حدث إن أردت. 


المرأة :ما الذي سأقوله لك يا ابني، قبل شهر خرجت ابنتي بعد المغرب لتحضر دواء والدها، وكان من الضروري أن يشربه، وحينما كانت في طريق عودتها أوقفها شخص حقير واغتصبها، ومنذ تلك اللحظة لم تعد قادرة على رفع عينيها في وجه الناس، ووالدها كاد أن يتعرض لأزمة قلبية حينما علم بماذا حدث، وقبل يومين علمنا أنها حامل. 


تألم نصر الدين على حالتهم، وظل ساكتا وهو يفكر في هذه الفتاة التي دمرت حياتها وقال:هل قدمتم شكوى بذلك الحقير. 


المرأة :وأين سنجده يا ابني لنقدوم شكوى ضده، هو هرب ومن الأساس الشارع الذي مرت منه ابنتي كان مظلما ولم ترى وجهه، وحتى لو بلغنا سنزيد من سوء سمعة الفتاة، ولن يرغب أحد في الزواج منها. 


كان نصر الدين سيتحدث، ولكن قاطعهم الطبيب الذي وقف أمامهم قائلا :الحمد لله على سلامة ابنتك، لقد تخطت مرحلة الخطر، وبعد قليل سننقلها لغرفة عادية، ولكن وللأسف الشديد بعد تعرضها لذلك الحادث وإجهاضها أصبحت إحتمالية حملها ضعيفة جدا، ويبدو أن نفسيتها مدمرة حتى لجأ عقلها للدخول في غيبوبة. 


أغمضت تلك المرأة عينيها بحرقة على فلذة كبدها، فقال نصر الدين: متى ستستيقظ. 


الطبيب: لا نستطيع تحديد هذا، فهذا يعتمد على المريضة إن كانت ترغب في العيش أو أنها فقدت الأمل في الحياة، ونحن سنقوم بواجبنا ونعرضها على طبيب نفسي. 


نصر الدين :قوموا بكل جهدكم أيها الطبيب كي تتحسن حالة المريضة، وبخصوص المصاريف أنا سأتكلف بها. 


الطبيب :نحن سنقوم بكل ما نستطيع فعله، والباقي دعه على الله عز وجل. 


نصر الدين :والنعم بالله.


غادر الطبيب والتفت نصر الدين ناحية تلك المرأة حاضنا إياها، وطبطب على ظهرها عله يخفف عنها، بينما هي كانت تبكي فقط، ولكن جزء منها ارتاح بعد أن وجدت شخصا يساندها في هذه الأزمة. 


ركز نصر الدين نظره على نقطة واحدة، ومن نظرته يتضح أنه يخطط لشيء ما، وقال: كل شيء سيصبح جيدا. 


استيقظت إيمان باكرا تعد الإفطار حينما وقفت عليها أمل قائلة :أنت يا فتاة حضري "المسمن" و"البغرير"، وقومي بترتيب الصالون، وأيضا ضاعفي كمية أكل الغذاء لخمسة أشخاص إضافيين، فالنساء سيأتين ليباركوا لي خروج إبني. 


إيمان بهدوء :حسنا يا خالتي.


خرجت أمل لتتنهد إيمان، ثم بدأت تعد المطلوب منها، وفي نفس الوقت ترتب الصالون، وفتحت النوافذ أيضا، وعادت بعدها للمطبخ حيث أخذت كأس حليب شربته كاملا، ووضعت الإفطار فوق الطاولة وعادت للمطبخ تحضر الغداء. 


أنهت إيمان إعداد "المسمن"، وكانت تنوي الذهاب لجمع أواني الإفطار حينما دخلت سلمى وهي تحملهم، فقالت: دعيهم أنا سأجمعهم. 


سلمى :دعيني أساعدك قليلا، في الأصل لدي عطلة هذا الأسبوع وليس لدي ما أفعله، ومن الأفضل أن أساعدك. 


إيمان بابتسامة :كما تريدين. 


ظلت إيمان تتحرك وسط المطبخ إلى أن أنهت كل شيء، وحضرت النساء التي بدأت تخدمهم، وكانت أمل تستغل الوضع لتقلل من قيمتها، وتسممها بكلامها حتى أنهوا أكلهم. 


وضعت لهم إيمان الشاي، ثم تركتهم يتحدثن، وهي غسلت الأواني ورتبت المطبخ وذهبت لغرفتها مغلقة الباب خلفها، وقامت بنزع حجابها الذي تجبرها أمل على ارتدائه حتى في المنزل، ثم فردت شعرها الطويل. 


سلمى :أختي شعرك تقصف من الأسفل مجددا. 


إيمان :سأقوم بتسريحه، وأقوم بقص القليل منه.. هل تستطيعين إحضار المقص لي. 


سلمى :بكل تأكيد. 


كانت إيمان تمشط شعرها وهي مولية ظهرها للباب، وحينما ذهبت سلمى لتحضر المقص الذي كان في الحمام نست الباب محلولا، ورأت بعض النساء شعر إيمان الطويل والرطب. 


تحدث إحدى النساء موجهة كلامها لأمل قائلة: شعر إيمان جميل ما شاء الله، ألا تعلمين ماذا تستعمل له. 


عقدت أمل حاجبيها قائلة :أين رأيت شعرها. 


المرأة :انظري خلفك إنها تمشطه. 


التفت إيمان ورأتها تسرح شعرها، فعضت على شفتيها وهي غاضبة ثم قالت :ذلك ليس شعرها الحقيقي، إنه شعر مستعار رأته يوما ونال إعجابها فاشترته، وأحيانا ترتديه في المنزل، أما شعرها الحقيقي فهو سيء. 


                الفصل الخامس من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close