رواية عشق الغرام
الفصل الثالث3
بقلم ندي ممدوح
_أنا يمان.. يمان عبد الرحمن
حملقت غرام في يمان في دهشة، وأخذت تتأمله في صمت، وعلى وجهها علامة استفهامٍ عميقة، ترجمها فمها سريعًا، فسألته:
_يمان مين؟
تَنَهّدْ يمان تَنَهُّدًا عميقًا، وقال في هدوء:
_ممكن أأقابل والد حضرتك؟
فغمغمت مندهشة:
_في الوقت ده؟
ثم لاحظت آثار السَّفر التي تبدو جلية عليه، وقبل أن ينبس يمان ببنتِ شفة، انبعث صوت عبد السلام وهو يقول:
_مين يا غرام في الوقت ده؟
فالتفتت غرام إلى أبيها، وهزت منكبيها في حيرة، وقالت:
_واحد بيقول إن اسمه يمان عبد الرحمن!
فهتف عبد السلام متعجبًا:
_يمان عبد الرحمن؟!!
هنالك إشرأب يمان برأسه، وصاح:
_أنا يمان ابن أخت مختار العزيزي صديق حضرتك.
لانت ملامح عبد السلام وأشرقت، وهو يتقدم إليه وصافحه في حرارة، قائلًا:
_يا أهلًا يا أهلًا بريحة الحبايب، تعالى أدخل يا ولدي أتفضل.
وقاده إلى صَحْنِ الدَّار، بينما يمان يقول:
_الحقيقية إني جاي لحضرتك في موضوع مهم جدًا يخص خالي...
فلم يتمم عبارته بسبب مقاطعة عبد السلام له، وهو يهتف في حماس:
_مستعجل ليه يا ولدي تريح الأول من السفر وبعدين تقولي كل اللي جاي علشانه.
وحاول يمان أن يتكلم لكن محاولته ذهبت سدى، عندما ارتفع صوت الرجل يأمر ابنته:
_حضرلي أكل يا غرام بسرعة.
وفي حنق توجهت غرام للمطبخ، وقد كانت تتمنى الأستبقاء لمعرفة سر قدوم ذاك الشاب لوالدها.
لكنها أسترقت السمع وهو يقول لأبيها:
_حضرتك مفيش وقت انا مش عاوز أكل ولا استريح ولا حاجة.
ومجددًا قاطعه أبيها، قائلًا:
_مينفعش يا ولدي لازم تاكل حاجة و...
هنا صاح يمان ليكف عبد السلام من الاسترسال:
_مينفعش وخالي في المستشفى وطالب يشوفك ضروري.
وشحب وجه عبد السلام في شدة، واكتسى بصدمة هائلة، وهو يقول:
_إيه؟ مختار في المستشفى، ليه؟ إيه اللي حصل؟
همس يمان بصوتٍ هاديء يطمئنه:
_كالعادة جت له الأزمة مرة تانية، أنت عارف قلبه تعبان الفترة دي ومستحملش اللي حصل لغادة أختي.
فقطب عبد السلام جبينه، وتساءل في اهتمام:
_وإيه اللي حصل لأختك سبب لمختار تعب جامد؟
أشاح يمان بوجهه بعيدًا، وغمغم في ضيق:
_موضوع خاص.
"دا عريس ليَّ يا عبد السلام مش كدا؟"
ألقت بتلك العبارة والدة عبد السلام وهي تبرز فجأة من العدم، لتقف وهي مرتكزة على عصاها خلف ولدها في خجلٍ كأنما هي عروسٌ تزف للمرة الأولى.
وضحك عبد السلام في توتر، ونظر ليمان وهو يقول في خجل:
_دي أمي معلش وست كبيرة وعقلها فوت.
هز يمان رأسه في بساطة، وهمس بارتياح:
_لا، لا عادي ولا يهمك أنا مقدر.
هوت والدت عبد السلام على كتفه بالعصاة، وهي تأنبه في حدة:
_انا عقلي فوت يا عبد السلام؟ طب ماشي.
وشهقت شهقاتٍ متتالية، وهي تتجه لتجلس بجوار يمان، وتلصق جسدها في جسده، وأخذت تشكي إليه حالها:
_شوفت، شوفت بيعاملني إزاي؟ هنتجوز ونمشي إمتى؟
ازدرد يمان لعابه في قلق، وهو يبتعد بجسده عنها، بينما هي قد تشبثت بذراعه وألتصقت اكثر به، وتابعت:
_إوعى تكون جاي للبت الخادمة اللي جوة؟
فهز يمان رأسه سريعًا وهو لا يدرك من تلك الخادمة التي تتحدث عنها؟!
بينما ارتفع صوت عبد السلام، وهو يصرخ:
_تعالي خدي ستك يا غرام من هنا.
وأقبلت غرام ركضًا من الداخل، وحاولت بشتى الطرق أخذ جدتها، التي راحت تولول:
_أهي جت الخادمة اللي ابني سايبني معاها طول النهار تعذب فيَّ.
وكظم يمان ضحكته في صعوبة، بينما غرام تقول في ضجر:
_ يا تيتا عيب اللي بتعمليه ده، قومي تعالي معايا.
فرفعت جدتها العصاة ولوحت بها في وجهها، وهي تقول:
_أبعدي عني يا بت أنتِ بدل ما اضربك وافتح رأسك.
وأطرق عبد السلام رأسه في خجل، بينما نهض يمان مدافعًا عن الجدة، وهو يسحبها لتجلس بجانبه ويبعد العصاه لأسفل، قائلًا:
_خلاص خلاص متضربيش حد، تعالي اقعدي.
وتبسمت الجدة في استحياء، وأخرجت لسانها لغرام، قائلة:
_شوفي بيحبني إزاي؟
كتم يمان ضحكة كادت تفلت منه، ثم استأذن من عبد السلام، قائلًا:
_سيبها تقعد معانا، هي مش مضايقاني ولا حاجة...
لكن بتر عبارته صوت الجدة، وهي تقول بصوتٍ خفيض خجل:
_هنتجوز إمتى؟ عشان زهقت من القعدة في البيت ده!
وضرب عبد السلام جبهته بكفه في غلظة، وهو يكبح غضبه كلا يثور عليها، بينما والدته تسأل يمان الذي أولاها اهتمامه، قائلة:
_أنت شفتني فين وعجبتك؟! ولا أأقولك مش عايزة اعرف خلاص، قولي أنت ساكن فين؟
ظل يمان يساير الجدة في حديثها، حتى تجهز عبد السلام للسفر لرؤية صديقه...
ليلبي نداء الصداقة..
ذاك النداء الذي لا يلبيه إلا الصديق الوفي..
وقبل أن يذهبا، أخذَ ينصح غرام، قائلًا:
_مش هغيب كتير كلها كام يوم اطمن فيهم على عمك مختار وهرجع، خلي بالك من نفسك ومن جدتك، وهكلمك كل يوم اطمن عليكم.
وودعها وأنصرف هو ويمان الذي أبى أن يرتاح وخاله طريح فراش المرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غادر عبد السلام السيارة التي توقفت أمام بوابة المستشفى، بعد ساعاتٍ من السفر الشاق الذي أبى بعده أن يستريح قبل أن يطمئن على صديقه، وأجتاز مدخل المستشفى برفقة يمان الذي قاده إلى حجرة خاله مختار، الذي تهلل وجهه كالبدر وقد زال كل أثر للإعياء فوق ملامحه، واستوى في فراشه مرحبًا بصديقه، قائلًا:
_عبد السلام، كويس إنك جيت، خوفت أموت من غير ما أشوفك!
فنهره عبد السلام، قائلًا وهو يعانقه في وِد:
_بعد الشر عنك يا مختار، وبعدين أنت لسه شباب..
وغمز له، وهو يضيف:
_وممكن أجوزك لو عايز.
فضحك مختار بخفة، وقال:
_مش للدرجة دي الصحة مبقاش فيها، والسنين رايحة بينا مش راجعة، وإحنا النهاردة على وش الدنيا وبكرا تحتها.
فربت عبد السلام على كتفه، مردفًا في حنو:
_ربنا يديك طولة العمر يا أخ عمري..
واعتدل وهو يسأل:
_هاا طمنيني عليك، عامل إيه دلوقتي؟
هز مختار رأسه وهو يحمد ربه، قائلًا في صوتٍ خفيض:
_الحمد لله ربنا أداني عمر جديد.
ثم رفع بصره إلى يمان، وأردف قائلًا:
_روح أطلب لنا أكل عشان عمك عبد السلام.
ونظر إلى عبد السلام، متابعًا:
_طبعاً مش هقدر أشاركك الأكل بتاع بره عشان ده محرم على قلبي...
وقهق في مرحٍ، فتبسم عبد السلام وقد أستشف من طلبه من يمان إنه يود أن يختلي به بمفرده فلم يعقب.
وعندما خرج يمان تاركًا الصديقان بمفردهما، اعتدل مختار ليواجه عبد السلام، وهو يقول:
_بصراحه كنت عايز اشوفك عشان أوصيك!
فتساءل عبد السلام مندهشًا:
_توصيني على أيه؟
فتنهد مختار تنهدًا عميقًا، وأردف:
_أنت عارف إن أنا إللي مربي اولاد أختي يمان وغادة بعد وفاتها هي وزوجها في حادث القطر اللي حصلت.
وأومأ عبد السلام برأسه ولم ينبس، فتابع مختار بنبرة تقطر حزنًا:
_غادة كانت مخطوبة لابن شاب من شباب رجال الأعمال، وكنت شايفه حد كويس وابن ناس محترمين، لحد ما اكتشف يمان اخوها إنه بيتعطى مخدرات وماشي شمال في كل حاجة.. وفكرت أنها كانت هتتجوزه بسببي دي بتعذبني.
وأطرق برأسه، وتنهد في حزن يفلق القلب، وقال:
_مش كدا وبس، ابني زكريا كمان مبقاش زي الأول، بقي بعيد عني شبه مبعرفش عنه حاجه وطول الوقت برا البيت وخروجات وفسح وسايب الشركة والشغل مش بيقرب منه.
ورفع بصره إلى عبد السلام، وأستطرد:
_تخيل أموت وهما يضيعوا من بعدي؟!
وبلهفة ضم كف عبد السلام بين راحتيه، وقال برجاء:
_عبد السلام انا مش هوصيك لو حصل ليّ حاجه فالتلاتة أمانة في رقبتك..وخاصةً غادة.
ربت عبد السلام على كف صديقه، وقال في ثقة:
_عيب عليك يا مختار عيالك هما عيالي وزي غرام بالضبط انت مش محتاج توصيني، ومتقولش كدا ربنا ان شاء الله يطول في عمرك ويحفظك لينا وتجوز التلاتة وتفرح بيهم.
وضحك قائلًا:
_وفي ليلة واحدة كمان.
وأتبع يقول في حماس:
_وشد حيلك كدا وأخرج من المستشفى بخير عشان هتنزل معايا أسيوط تغير جو أنت والولاد، ولا البلد موحشتكش؟
غمغم مختار في بهجة:
_ولا وحشتني، فاكر يا عبد السلام أيام الغيط و....
وأخذا الصديقان يتجذبان اطراف الحديث، ويسترجعوا ذكريات الطفولة..
ومرت الأيام رتيبة دون احداثٍ تذكر، سوا إن عبد السلام ظل رفيق مختار في المستشفى وأبى ان يغادرها إلا برفقته، حتى سمح له الأطباء بالخروج وخرجوا جميعًا إلى منزله وقد قرروا السفر إلى أسيوط مع عبد السلام ليروحوا عن أنفسهم.
ولكن يمان أصر على عدم الذهاب أمام خاله، الذي قال له في حدة:
_لو مرحتش أنت فغادة هتروح لإنها محتاجة تغير جوا وتتعرف على صحبة جديدة ومفيش اجمل من هوا أسيوط وصحبة ناسها الطيبين.
فغمغم يمان في تأدب:
_يا خالي اسمعني أنا مقدرش اسيب غادة لوحدها.
فأنبه مختار في حدة صارمة:
_وأنا روحت فين؟ مش انا معاها وزكريا!
فازدرد يمان لعابه، وقال في همس:
_ما هو عشان زكريا مستحيل اسيبها معاه في مكان واحد!!
لم يعي خاله ما فاه به، فسأل:
_أنت بتقول إيه؟
أجابه يمان بضيق:
_بقول إني حاسس إني محتاج أغير جو انا كمان وأروح معاكم.
وتبسم خاله في سعادة، وقال في سرور:
_طب يلا روح على الشركة ألغي كل مواعيد اليومين اللي جايين وسيب غادة تجهز شنطتك يلا روح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هبطت غادة من السيارة أمام البناية التي تقطن فيها لتجلب بعض الأشياء، لكن مجيئها بالأساس كان بسبب حاجة في نفسها قضتها...
وهي رؤية الشاب الذي ساعدها!
ذاك الذي ظهر فجأة وأختفى فجأة دون أن يذر أثرٌ وراءه!
لكنها كانت منجذبة لمعرفة من يكون؟ ما اسمه؟ وكيف كان على معرفة باسمها واسم شقيقها وعنوانهما؟
كان يثير حريتها
ويشغل تفكيرها..
وحاولت جاهدة معرفة اي شيء عنه فلم تفلح في معرفة حتى اسمه!
وكان هذا يحزن فؤادها، ويجعل الفضول يأكل قلبها ويلتهمه التهامًا!
توقفت أمام مدخل البناية، بأعين تجول في المكان على أمل أن يبرز بغتة، وظلت في مكمنها لردحًا من الزمن حتى يأست وأصابها الأحباط..
كانت تمني نفسها بحضوره..
إنه سيأتي حتمًا..
ستقابله مجددًا يومًا ما..
وأرتقت الدرج صوب شقتها وقد جهزت ما تحتاج إليه وحين فرغت غادرت الشقة والبناية كلها لكنَّ!
راعها إن وجدته فجأة مرتكنًا بظهره على سيارة سوداء اللون، ويرتدي حُله سوداء زادته جمالًا، فتسمرت مكانها وهي تتأمله في صمت، ورغم إنه كان يرتدي نظارة اخفت عينيه إلا إنها أحست ان عيناه تثقبانها، فدنت منه، وهي تقول بصوت متوتر رقيق:
_هاي.
فرد عليها بما فاجآها:
_سمعت إنك بتسألي عليَّ فقولت آجي أشوفك؟!
واعتدل في وقفته، وسألها في حنان:
_طمنيني عليكِ عاملة إيه دلوقتي؟
فهزت رأسها في خجل، وقالت:
_كويسة الحمد لله.
فبادرها قائلًا:
_هاا قولي كنتِ عايزاني في إيه؟
ففركت غادة أصابعها في استحياء، وقالت وهي مطرقة في خجل:
_ كنت عايزة أشكرك...
فخلع نظارته وشملها بنظرة حانية، وهو يتمتم:
_على إيه؟
فهمست بصوتٍ خفيض:
_على انقاذك ليَّ!
ثم استدركت تقول:
_أنا سألت عليك كتير ولكن محدش يعرف عنك حاجه.
فتبسم في بساطة، وهو يقول:
_متسأليش عني تاني، أنا عارف إمتى اظهر وإمتى اختفي!
قطبت غادة حاجبيها متعجبة، وقالت في دهشة:
_يعني إيه؟
فرد عليها بصوتٍ رخيم:
_متشغليش بالك، خلي بالك من نفسك أهم حاجة لحد ما نتقابل تاني..
فقاطعته قائلة:
_إحنا هنتقابل تاني؟
فأعاد نظارته على عيناه، واعتدل في وقفته وهو يتمتم في حنو:
_أكيد، مع أنك معايا.
فتساءلت في غرابة، وقد استرابت جملته:
_معاك؟
فتبسمت شفتاه وهو يمد يده مصافحًا، وقال:
_خلي بالك من نفسك لما تسافري، وقريب هنتقايل تاني.. سلام.
فغمغمت غادة:
_أنتَ عرفت أزاي إني مسافرة؟
ففتح باب سيارته ودون أن يدلف لداخلها اجابها دون ان يستدير:
_أنا لما أكون عايز اعرف حاجة بعرفها، فما بالك بحاجة خاصة بيكِ؟!
وألتفت برأسه وخطف نظرة سريعة تجاهها، ثم جلس أمام عجلة القيادة وانطلق، تاركًا إياها تفكر في كلامه الغريب المحير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصل الجميع إلى محافظة أسيوط، وتوجهوا إلى منزل عبد السلام الذي كان يعد الدقائق والثوان ليصل كي يطمئن على ابنته ووالدته.
لم يلاحظ عبد السلام وهو يسير برفقة مختار يتهامسون، تجهم زكريا الذي مال على أذن يمان، وهو يقول في غضب:
_هو خالك اتجن عشان يجيبنا هنا؟ ولو هو عايز يغير جو وياخد غادة معاه جيبنا ليه معاه ويقرفنا؟! دي أماكن الناس تفسح فيها، إيه القرف ده؟ بقا انا اسيب صحابي وخروجة كانت في الغردقة عشان آجي المكان المقرف ده!
فجذبه يمان من ذراعه في حدة، وسحبه مبتعدًا عن غادة، وهو ينهره في حدة:
_أحترم نفسك والمكان اللي إحنا فيه عشان خالي ميقلبش عليك وتعامل حلو مع الناس عشان إحنا ضيوف عندهم.
فزم زكريا شفتيه بضيق، وتوغل بأصابعه في خصلات شعره بنية اللون، وهتف في ضيق:
_يعني يرضيك اسيب حبايبي وآجي هنا؟!
فعصر يمان ذراعه بين أصابعه، وزمجر قائلًا في عصبية:
_لا يا حبيبي الحبايب مش هيروحوا لمكان اول ما هترجع هتلاقيهم مستنينك وياريت تعقل عشان هنا مش في مصر؟!
وربت على كتفه، متابعًا:
_ربنا يتوب عليك، واعتدل عشان خلاص وصلنا.
وكان في آوان ذلك يدق عبد السلام على باب منزله، وسمع صوت خطواتٍ سريعة تأتي أحس أنها لوالدته وقد كانت هي بالفعل...
تطلعت الجدة إلى ابنها بفمٍ مزموم، وهي ترغي وتزبد قائلة:
_من يومك يا عبد السلام يا ولدي وأنت مطفشني ومدوقني المرار وقاعد في الشارع.
فضحك الجميع بينما بادر مختار يمد يده مصافحًا وهو يقول:
_ازيك يا حجة عاملة ايه طمنيني عليكي أنتِ مش فكرني ولا ايه انا مختار العزيزي...
فتقهقرت الجدة للخلف، وهي تبعد كفيها عن مرمى يديه، قائلة بازدراء:
_ودا مين دا كمان؟ شمام من صحابك الشممين؟!
فكوَّر عبد السلام قبضة يده، وهو يصرَّ على أسنانه، قائلًا بغيظ:
_اسكتي يا أمه، عيب كدا.
وفجأة أشرقت ملامح الجدة، وحملقت في يمان بأعين لامعة وهي تقترب منه، قائلة:
_خطيبي!
فأبتعد يمان للخلف في ارتباك، ولحقت به الجدة وتأبطت ذراعه وهي تقول:
_جيت اخيرًا عشان تنقذني من ابني اللي بيعذبني؟!
ومالت برأسها على كتفه، وهي تقول:
_ابن حلال كنت مستنياك من زمان، من زمان اوي.
ونظرت إلى زكريا بوجهٍ غاضب، وهي تشير إليه قائلة بازدراء:
_وأيه اللي جاب الواد ده كمان، الواد ده مش كويس ميدخلش البيت.
فلوى زكريا شفتيه بامتعاض وشوح بكفه لها وهو يتمتم بما يعيبها في همس، بينما ألتفتت الجدة إلى غادة، وربتت على ظهرها في حنو، وقالت:
_متزعليش ربك هيعدلها.
فتبسمت لها غادة في إشراق، ودعاهم عبد السلام للدخول بينا الجدة متشبثة بيمان الذي أخذ يتهامس ويضحك معها في تسلية راقت له.
ونادى عبد السلام على غرام لكن لم يأتيه الرد، فاستأذن منصرفًا لحجرتها فتناهى إليه همسٌ يأتي من وراء الباب المغلق، فاسترق السمع، وأصغى لصوت غرام وهي تقول بضحكة:
_تشوفني إزاي بس؟ مستحيل مش هقدر
وسكتت قليلًا، ثم اردفت:
_مستحيل ابعت لك صورتي..
وعاد السكون يعم المكان، وسمعها تهتف بلهفة:
_أنا بثق فيك طبعًا اكتر من نفسي ولكن مقدرش..
ثم سكتت لهنيهة، وقالت في توتر وبما بدا له بتفكير:
_طب بس سبني افكر وبكرا ارد عليك وممكن ابعتلك.
هنالك فقط تفجر بركان هائل من الغضب في أوصال عبد السلام، وجحظت عيناه في صدمة، وهو يقول بصوتٍ سحيق:
_دي غرام بنتي أنا؟ وتربيتي؟!
وتلاحقت انفاسه بعمق وجز على أسنانه وفتح الباب في عنفٍ وهو يلهث، فـ أُجفلت وهي تهب من فوق الفراش وقد اتسعت عينيها من الرعب على آخرهما، وهمست وهي تتراجع:
_بابا!