رواية تزوجت مـدمـنا الفصل الخامس عشر 15 والسادس عشر 16بقلم نوران شعبان

 

رواية تزوجت مـدمـنا
الفصل الخامس عشر 15 
والسادس عشر 16
بقلم نوران شعبان


الفصل الخامس عشر✨
لم يطول الوقت كثيرا، بضع دقائق و صارا اثناهما في المنزل.. 
ألقى كريم بسلسلة مفاتيحه على المنضدة الصغيرة البنية.. 
وفرك كف يده متأهبا للآتي !! 
إبتسامة صغيرة تصنعت على ثغره، ليبث فقط شعور الاطمئنان في روح حياه.. و يجعلها تقص ما تكنه دون رهبة.. أسلوب تغفيلي إذا.! 
كريم -: احكي.! احكي و متخافيش.. 
حياه وهى تتقدم لداخل المنزل متخبطة الأقدام.. 
" بص يا عزيزي،، اولا هتواجه بعضا من الانفعال الحاد.. حاول تتحكم في أعصابك، ابوس ايدك حاول تتحكم في أعصابك عشان مش ناقصة تشوهات جثمانية.. 
ثانيا هتفكر في الإنتقام انا عارفة، ابوس ايدك مرة كمان اصرف نظر عن الفكرة دي و خليك الكبير العاقل! " 
كانت تتكلم بهدوء تارة، و تتكلم بسرعة تارة أخرى بصوت مرتفع سريع.. 
كريم مصطنعا الدهشة و الاستنكار 
" توء توء توء.!! ليه بس بتقولي كدة.؟ انتقام و رد فعل حاد.! واضح انك عملتي حاجة خطيرة على كدة.؟ " 
صمت ثوان محدقا بها، قبل ان يبتسم بحب " بس حتى لو عملتي ايه، متخافيش مش هئذيكي.!! " 
تأملته حياه بمقلتيها الواسعتين، قبل ان تبتسم بصبيانية.. 
" طيب إذا كان كدة بقى،، ف بصراحة بصراحة بصراحة.. 
كريم مشجعا -: بصراحة ايه.؟! 
أكملت وهى تضع كفوفها على وجهها.. 
" مفيش عفاريت ولا حاجة.! و صوت الخبط الي على الباب ده انا الي كنت بعمله.! " 
أغمض عيناه جازا على أسنانه.. 
ولكن سرعان ما أخفى غضبه و عادت الابتسامة تزين ثغره.. 
" اممم حلو، عملتي كدة ازاي و ليه.؟! " 
هدوء كريم اعطى حياه الثقة لإكمال حديثها.. فأكملت بسرور أحمق.. 
" لما مرضتش تخرج معايا و قعدت تقولي ان كلمتك هى الي بتمشى.. حبيت اخليك تخرج و في نفس الوقت تسمع كلامي.!! فأخترعت حكاية العفاريت و إبراهيم،، حبيت ازود حتة ساسبينس شوية ف جت في بالي فكرة الخبط الي على الباب و الكهربا الي تتقطع عملت شغل عالي صح.؟ " 
كريم ضاحكا على حماقتها 
" آه جدا، بردو موضحتيش.. ازاي عملتي صوت الخبط.؟ " 
حياه ساخرة 
"سماعة بلوتوث موصلاها للموبايل.! حاجة معروفة يعني.! " 
كريم -: بس الصوت كان مستمر حتى و انت مش موجودة.! 
حياه -: أيوة قولتلك سماعة واحدة عند بابك متخفية و التانية تحت السرير و كنت بصدر الأمر من موبايلي.! و بحدد الوقت كمان دي حاجة بدائية جدا.!
كريم -: ممممم و النور طبعا انت الي كنت مظبطاها.! 
حياه بغرور بعد ان تناست فعلتها -: اكيد ! 
كريم -: ولما شديتي في شعري و تصرخي و تجري على برا !! 
حياه -: كل ده تمثيل يا حبيبي ! أنفع ممثلة أكثر ولا مؤلفة أكتر بقى.؟ 
كريم وهو يضع سبابته أعلى أنفه متأملا الأرضية المغلفة بالسيراميك.. 
"هنحدد ده بعدين.." 
حياه وهى تتنحنح بعد ان عادت متذكرة خطورة موقفها 
" على فكرة انا عملت ده عشان تخرج معايا، و تخرج عن حالة الانطوائية الي كنت فيها دائما.. عشان تشوف الجانب الحلو في الحياه و تبعد عن المخدرات الي لهياك كتير عن حاجات حلوة المفروض تستمتع بيها.! " 
احمرت وجنتيه كريم بغضب عقب جملتها الأخيرة.. " مخدرات.؟! " الحكاية هكذا إذا.؟! 
" مخدرات.؟ عملتي كدة عشان المخدرات.! فاكرة انك هتلهيني عنها مثلا.؟ فاكرة اني هتسحر معاكي و انسى مخدرات عادي كدة.؟ (صمت ثوان يحدق بها، يستكشف أثر حديثه عليها) كنت فاكرك ذكية، بس طلعتي غبية و مش فاهمة حاجة !! 
كان يلقى حديثه و كل كلمة تنزل على مسامع حياه بقنبلة ذرية.. كل كلمة تغرز سهما حاد بفؤادها.. كل كلمة تنبع من أنهار كلماته تخبرها بأعلى صوت أنها فشلت.! 
كانت تعتبرها اول محاولة.. و كانت ترى تطور حالته لنتيجة أفضل و تأمل بنسبة كبيرة في علاجه تماما.. و لكن جاء حاملا شوال كلماته اللاذعة صاببا إياه في طبول اذنها، قائلا بعلو صوت 
" طلعتي غبية.. غبية.. غبية !! " 
شرودها و حالتها التي تحولت لحزن صغير الآن لهتها عنه.. لهتها عن كريم الذي تحرك رويدا رويدا صوبها.. حتى بات أمامها مباشرة و رغم ذلك لم تنتبه له.. 
و لم تع شيئا بعدها..!! 
رائحة كريهة تسللت لأنفها غدرا.. 
لتجبرها عمدا بأن تستيقظ و تفيق من إغمائتها الآن.! 
ظهرت تعابير الاشمئزاز على وجهها من تلك الرائحة البشعة.. و حاولت فتح أعينها،، أصابتها أولا شعاعات ضوء قوية فرت لعقلها متضاربة.. 
فأغمضت عينيها بتأفف مرة ثانية.. 
مع زيادة نسبة تلك الرائحة كشفت ستائر جفونها عن كواكب عينيها.. 
لم يكن هناك ضوء،، فوجهه بمنكبيه العريضين كانا كافيلين لصد اي شعاعات ضوء موجودة.. 
بدأت بالإفاقة شئ فشئ.. استطاعت رؤية موضعها الشنيئ.. فهى معلقة على الحائط من كلتي ساعديها !! 
إتسعت مقلتاها بعدم تصديق وهى تحدق أكثر في المكان حولها... 
كل شئ طبيعي إلا إثنين..
ذلك الشرس الجالس أمامها ببرود واضعا قدم على الاخرى، مدخنا سيكاره بنهم..

و تلك القيود الحديدية المعلقة بالسقف تشل حركة يدها و قدماها تماما.! 
حتى قدماها لا يلمسا الأرض.! 
صاحت واعرة و تعابير الصدمة و الاستنكار محل اقامتهما وجهاا.. 
" عااااااااااااااا ايه ده.!! ايه الي انت بتعمله ده.؟! " 
" قولتلك اني مش هئذيكي، وانا مش هئذيكي فعلا انا هسيبك زي ما انت كدة.! " 
تفوه بها كريم ببرود.. وهو يقذف تلك "البصلة" في الهواء و يمسكها ثانيا.. 
حياه بحدة-: انت مجنون.؟ معلقني في الحيطة و بتقولي مش هئذيكي.؟! و بعدين عملتها ازاي دي انت عملت فيا ايه.! 
كريم -: مجنون أيوة.. أصل انا الي قعدت أخترع في قصص و حواديت و جو كفر دلهاب عشان عايز اتفسح مجنون فعلا !! 
و متهيئلي ياستي اعلقك في الحيطة احسن ما انزلك و اضربك و اغتصبك و ارميكي لحمة حمرا في الشارع.! 
* تنهد قصيراا قبل ان يكمل * 
أما بالنسبة بقى جيبتك هنا ازاي فأنتي مأخدتيش منى كف واحد و كنتي مغمى عليكي في الأرض بس المرحلة الصعبة فعلا ف فشيلك لازم تخسي شوية مش كدة.! 
حياه بنبرة اشبه ببكاء الأطفال و صياح -: و كمان بتقول عليا تقيلة يعني انا تخينة.؟! قصدك اني تخينة صح.! ما انت لو فيك صحة كنت شيلت عدل بس انت لامؤخذة خرعع !! 
كريم مصدوما مستنكرا رافعا إحدى حاجبيه -: خرعع.؟! 
حياه بإصرار -: أيوة خرعع.. اتفضل نزلني بقى يا خرع من الي انت عمله ده.! 
كريم بحدة -: لاااا.. انا قولت اعلقك شوية تتعاقبي بس شكلك عايزة تتعلقي و تضربي زي البهايم ! 
حياه -: البهايم دول الي ملهمش لسان ياخدو حقهم بيه فبيتجرجروا للضرب و الحزمة !! 
وقف يجز على أسنانه بعد ان برزت عروقه بشدة.. و كأن صف أسنانه السفلى سوف ينهدم بعد قليل.! 
أما حياه فكانت تشعر بالظفر لردها رد حكيم اصمته.. و تشعر بالخيبة و الغباء لأستفزازه فهو سيصب كل غضبه فيها الآن.! 
كريم بشراسة من بين أسنانه 
" تمام.. نشوف مين هيطلع بهيم في الآخر.! " 
بدء يفك حزام بنطاله وهو يلف نصفه حول كفه.. و يقترب رويدا منها.. 
اقترب أكثر و أكثر حتى صار أمامها، أستعد للصفعة الأولى التي حتما تصبح اقواهم.! 
قطع تلك اللحظة صوت هاتفه "حماه " والد حياه يتصل عليه.. 
كريم -: ابوكي بيتصل،، اقسم بالله لو فتحتي بؤك بحرف واحد ما هخلى شبر في جسمك سليم.! هخلي الحزام ده يتقطع على جسمك انت حرة.!
اومأت حياه رأسها إيجابيا ببرود..

و تكلم كريم مع "صديق" 
كريم -: الو.؟ أيوة يا عمي.. انا تمام،، كلو تمام يا عمي.. حياه.؟ حياه كويسة جدا.. ثواني و هتبقى معاك.. 
شاور كريم لحياه بعلامة "الذبح" إذا تفوهت بحرف.. 
و ضحكت حياه على تلك الدراما الذي يصنعها.. وضع الهاتف على اذنها و.. 
حياه -: الو.؟ أيوة يا بابا.! 
صديق -: الو يا حبيبتي، عاملة ايه يا روح بابا.! 
حياه -: انا تمام الحمدلله، انت عامل ايه و صحتك أخبارها.؟! 
صديق-: كلو شغال نحمد ربنا.. عاملة ايه مع جوزك يا حياه.؟ 
حياه -: كريم.؟ كريم ده ملاك يا بابا والله.! 
صديق -: يعني مبسوطة معاه يا حياه.؟ 
حياه بسخرية -: ايه الي مبسوطة معاه.؟ ده انا متعلقة من الفرحة يا بابا اقسم بالله.! 
صديق-: الحمدلله.. يارب يهديكي يا بنتي و يبعد عنك ولاد الحرام و يسلكلك طريقك.! 
حياه -: يارب يا بابا ادعيلي محتاجة دعوتك.! 
صديق -: و يهديكي الذرية الصالحة، و يخليلك جوزك دايما و تعيشو في تباات و نبات.. و... 
حياه -: خلاص يا بابا ابقى ادعيلي في سرك مش لازم تشحت في التليفون.! 
صديق -: انا غلطان اني عبرت اهلك اصلا يا بنت الكلب.! 
حياه -: اقلب بقى و شرشحلي !! 
صديق-: بعدين، بعدين يا لمضة عشان مش فاضي ورايا شغل.! 
حياه-: طيب، ربنا معاك.! وزي ما قولتلك ادعيلي ربنا يبعد عني ولاد الحرام !! 
اغلق كريم الهاتف.. وهو يرجع عائدا على مقعده.. أمسك بالكيس البلاستيكي الصغير الموضوع على المنضدة وهو يقفذه في الهواء و يمسكه.. كيس يحتوي على بودرة الهيرويين.. 
" انا خارج اتفسح و معايا مخدرات، بعمل الاتنين في نفس الوقت و مبسوط جدا.. خليكي انت كدة لغاية ما تتجمدي.! " 
حياه -: ايه انت هتسيبني كدة.؟ طب انا عايزة اخش الحمام طيب.! 
كريم -: اعملي على روحكك !! 
خرج من المنزل تاركا إياها تلوم نفسها على قرارها بالاستمرار معه من البداية.. 
حياه -: واضح ان دعائك استجاب يا والدي.. انصرف خلاص.!! 
خرج و لكن عقله لم يطرد صورتها قط.. 
عاد بعد فترة طويلة.. أكثر من ثمان ساعات !! 
وجدها على نفس وضعها.. لكن نائمة مرهقة.. وجهها مائل للأسفل بذبول.. 
إقترب وهو يتحسس جبينها، ضربها على وجنتها بخفة و لكن لم تجيب.. فقط آهه أصدرتها بألم..
فزع على حالتها البائسة و سارع في فك القيود و حملها بين ذراعيه العريضين..

ظلت تتأوه بين ذراعيه.. نثر القليل من الماء على وجهها لتتململ متآوهة.. 
قالت بصوتها الضعيف المبحوح 
" كل ده سايبني..! " 
كريم بلهفة -: حسا بايه.؟! 
دفنت وجهها في صدره الدافئ..وهى تجيب بضعف و تألم 
" مش حسا بحاجة.. خالص مش حسا.! " 
تلك الغصة المتألمة وقفت في حلقه بألم.. شعر بإنقباض لأول وهلة يشعر بها.. أدمعت عيناه ببساطة و خفة فقط لمعان زينهما.. و ضمها أكثر لأعناقه مربت على شعرها.. 
" ياريتني كنت جيبت هيموكلار معايا !! " 
تفوهت بها بنفس النبرة الباكية.. ضحك بخفة رغم الألم الذي يغرز قلبه.. 
ابعدها قليلا ليتأمل ملامح وجهها الباهتة.. و اقترب أكثر.. وطبع قبلة على وجنتها..! 
كريم بضعف و عيون لامعة -: انا آسف.. آسف على وجعكك الي سببته.! 
إبتسمت بحب وهى تتحسس وجنته الخشنة.. 
" فداكك.. فداكك كل حاجة.!! " 
عناق اخير حميم كاد يعصر ضلوعها معه.. قبل ان يحملها متوجها للمرحاض.. 
أنزلها بخفة وهو يضمها 
" خديلك دش سخن و ناميلك شوية.. بكرة هحضرلك برنامج فسحة هيبسطك.!! " 
~~ 
ذهبت حياه لغرفة كريم بعد ان انتقت فستان أنيق يليق بسهرة مميزة،، كان للمياه الدافئة و النوم أثر إيجابي معها.. 
طرقت الباب أولا ولا إجابة.. و ثانيا و لا إجابة أيضا.. 
فتحت باب غرفة كريم ببطئ، وقعت عيناها عليه راقد في الفراش.. 
إقتربت رويدا رويدا.. 
باتت على مسافة قصيرة منه.. 
و في لحظة أقل من الثانية، كانت حياه تشهق منتفضة للخلف.. 
لحظة من الجمود و الرعب سيطرت عليها وهى ترى حالة تشبه الصرع تسيطر على كريم كليا،، حالة من التشنجات سرت في جسده لتصفع حياه صفعة خارسة.. 
زادت التشنجات و زاد معها شحوب وجه حياه..
بقت جامدة كذلك جاهلة ماذا تفعل،، استجمعت رباط شجاعتها متوجهة لكريم و تحاول تثبيته و لكن مهلا.. التشنجات تزيد أكثر و أكثر مصاحبة صيحات و صريخ ينبعث من كريم.. 
زحفت للخلف ملتصقة بالحائط، و قمران عيناها اصبحا أوسع من كوكب المريخ.! 
لوهلة خطر ببالها "محسن" ذلك رفيق والد زوجها الذي احضرهما لذلك المنزل.! 
هبت مندفعة باحثة عن هاتف كريم فللأسف لم تحظى برقم هاتفه.. 
اتصلت بالفعل ب"محسن".. 
" المهدئ.!! " 
كذلك هتفت حياه وهى تتذكر حقن المهدئ التي جلبتها معها احتياطيا،، 
اقتربت من كريم بحذر، و غرزت سن الحقن بذراع كريم، و ما هى الا دقائق حتى خمدت قواه بإستسلام.. 
~~ 
وقفت في المشفى تتأك على راحة كفها اليسرى بكفها اليمنى.. تنتظر بفارغ الصبر الطبيب، و محسن بجانبها منتظر أيضا شهادة الطبيب.. 
و خرج الطبيب بالفعل بعد دقائق، قائلا بلهجة فرنسية استطاعا انثيهما ترجمتها بسهولة.. 
" حالة تشنجات، نتيجة لأدمانه نسبة كبيرة من المخدرات كال"هيروين" و ال"كوكاين"..!! النسبة بدأت تتسلل لمخه و ممكن تسبب إتلاف تام، لازم يبدأ العلاج قبل ما الحالة ما تطور.. " 
صعق محسن عندما علم بذلك،، و أبتلعت حياه ريقها بتوجس خائفة من الآتى.! 
التفتت لمحسن المصدوم وهى تتحدث بصوتها المبحوح 
" أستاذ محسن،، اانا بترجاك متقولش حاجة لحد عن الي عرفته.. و اكيد اولهم اونكل أحمد.! " 
نظر لها بإسنتكار تام،، و هتف صائحا بحنق 
" إنت عارفة الموضوع ده من الأول.؟ عارفة و ساكتة.!! " 
صاحت حياه مدافعة مبررة 
" انا عايزة اعالجوا.! اونكل أحمد لو عرف رد فعله هيبقى عصبي، عصبي جدا و مش هيعرف يتعامل معاه.! انا عايزة اعالجه و انقذه من الي هو فيه،، أرجوك.! " 
تمعن محسن بحديثها بدون اقتناع، زفر بضيق وهو يمسح حبات العرق المتجمعة حول جبينه.. 
نظر مرة أخرى لحياه و نظرات الرجاء التي تغلف عينيها، كاد ان يتحدث و لكن قطع ذلك صوت الممرضة مخبرة إياهم عن إفاقة كريم..
الفصل السادس عشر✨
تمعن محسن بحديثها بدون اقتناع، زفر بضيق وهو يمسح حبات العرق المتجمعة حول جبينه.. 
نظر مرة أخرى لحياه و نظرات الرجاء التي تغلف عينيها، كاد ان يتحدث و لكن قطع ذلك صوت الممرضة مخبرة إياهم عن إفاقة كريم.. 
عاودت النظر لمحسن و لكن لم تجده،، لمحت فقط طيفه يسير راحلا.. 
زفرت.. زفرت بضيق، الآن زاد العبئ عليها، هى كانت تنوي بالفعل علاج كريم من الإدمان و لكن طبقا للخطوات المنظمة في عقلها.. 
دخلت بخطى بطيئة،، 
وقع بصرها على كريم الممدد على الفراش بسلام.. بدون تشنجات، بدون صياح و صريخ.. 
تنفست الصعداء وهى تقترب منه أكثر حتى باتت أمامه مباشرة.. 
كان ينظر للجهة الاخرى بشرود، لم ينتبه لها إذا.. 
بكل ضعف و استسلام، مدت كف يدها بلمسة رقيقة حنونة مربتة على وجنته.. 
... كم تعشق تلك الحركة !! 
تعشق ان تربت على وجنتيه كالصغير،، و تنضم لبدنه في عناق حميم متلاحم.. كصغيرته.! 
ظل على وضعه، لم يلتفت لها.. بل أغمض عيناه مستمتعا بتلك اللمسات الساحرة.. 
" ايه الي حصل.؟! " 
قالها بعد دقائق صمت طويلة.. 
لتجيب هى بصوتها المبحوح الهادئ،، ضاغطة على شفتيها السفلى بإنهاك.. 
" محصلش حاجة،، انت بس تعبت شوية.! " 
كريم وهو يتنهد بتعب 
" طيب انا عايز امشي.! " 
فردت كفها بدون اهتمام -: زي ما تحب.. 
أحضرت الأدوية اللازمة.. استمعت للنصائح التي يجب السير عليها.. 
و أخيرا ساعدت زوجها المدمن ورحلا للمنزل.. 
~~ 
جلست في ساعة لاحقة من الليل على المقعد الجلدي الضخم.. 
تتأمل القمر المتلألأ فوق سماء باريس الحالكة.. 
تزينت ابتسامة على ثغرها الوردي، فور تذكرها للشخص الذي بات معشوقها السري في الآوان الأخيرة.. 
¤¤ سابقا ¤¤ 
كانا يسيرين بدون وجهة في شوارع باريس الأسطورية مساءا.. 
تضحك وهى تمسك بكفى يديه العملاقين.. 
و تحركهما يمنة و يسرة راقصة على الموسيقى الفرنسية الصخبة المنبعثة من أحد البيوت بالشارع.. 
تتهادى على الألحان متمايلة بين احضانه ولكن ذلك الممل لم يندمج معها، فقط اكتفى بضحكات صغيرة وهو يحاول الفرار من جنونها المعقول.
تبدلت الأغنية الصخبة بأخرى رومانسية هادئة.. توقفت عن الحركة، و انحنت تخلع حذاء قدميها لتسير حافية الأقدام حرة على ذاك الشارع البارق.. 
أمسكت بكفيه مرة ثانية، و بعزم و إصرار أكبر اجبرته عنوة بالرقص معها.. 
" لاا لاا لاا ليلا ليلا للااه للا للاا.! " 
ظلت تدندن ملحنة على عزف الموسيقى.. و هو يرقص معها ضاحكا.! مستسلما لخفة روحها و جمالها !! 
هيهات لمن كان يرقص غصبا.. هو الآن يرقص بخفة معها مبتسما بمرح و حب.! 
ظلت ترقص و تغني رغم انتهاء الموسيقى..~ 
شفتك يوم ~.. وعرفتك في حلم من الأحلام ♫ جيتلي فيه ♫ وعينيك قالت فيه بالشوق لـ عينيه كلام ♫ جايز الأيام مش دايماً بتحقق الأحلام ♫ لكن المقسوم بيجي في يوم ♫ تحبني فيه واعيش معاك فيه أحلى الأيام ♫ ..🌸 
كانت ليلة رائعة، مؤكدا لن تنساها حياه يوما.! ولا كريم أيضا ! 
شق حالة الصموت التي سيطرت مؤخرا بصوته الرخيم.. متأملا بؤبؤي عينيها اللامعين.. 
" إنت عارفة .. كل ما ببص للقمر، بشوف عينيكي.! " 
سمعت تلك الجملة من هنا.. و اشاحت بوجهها بعيدا من هنا.. 
لن أقول توردت وجنتاها خجلا.! بل تورد وجهها كاملا .! 
هربت مزغللة المقلتان لزاوية بعيدة عن مرمى بصره المصوب عليها.. 
" انا مش بجاملكك على فكرة.! ولا بقول أبيات شعر في جمالك.. انا بقول حقيقة شايفها.. بشوف في القمر عينيكي.! 
صحيح عينيكي سود، بس مصدر للبهجة.. بهجة عالية، عالية اوي.!! " 
ظلت صامتة.. تحدق في اللا شئ.. فقط تهرب من مقلتيه العسليتين المتابعان لها.. 
أكمل ضاحكا 
" بحس في عنيكي فيلم 3rd عن الكواكب و الأقمار بجد.! " 
نظرت له من زاوية عينيها، و اكتفت برسم ابتسامة صغيرة على ثغرها.. 
ضحكت بعدها قائلة 
" طب بس عشان انا الكلام حلو بيقلبلي بطني.! " 
¤¤ الآن.! ¤¤ 
ضحكت على تلك الذكرى التي لم يدم عليها وقت طويلا.. فقط في فقرة قص حكاية " إبراهيم " و اعتزالهم عن المنزل.. 
نظرت نظرة طويلة للقمر أمامها.. وهى تتساءل بخيبة 
" طب ايه مش هيجي يعبر القمر.! " 
نهضت تسير يمينا و يسارا بملل.. 
" خلاص اروح انا اعبر بقى.! " 
~~ 
تسللت عبر باب غرفته المفتوح.. 
وتسحبت على قدماها محاولة ان لا تصدر صوت.. 
 
" في حاجة.؟! "

هتف بها كريم بجهورية مندفعة وهو نائم على الفراش.. فزعت على أثرها حياه 
حياه بتأتأة -: اآ ان انا جية أطمن عليك.. و اشوفكك خدت دواك ولا لسا.. 
كريم بجمود :- مش عايز دوا ولا زفت 
حياه -: طيب.. براحتك 
سحبت حياه المقعد الصغير.. و توجهت أمام كريم و جلست أمامه.. 
حياه -: ممكن تقولي مالك بقى.؟ ليه قلبت عليا كدة.؟!! 
كريم بعد صمت.. -: ليه بتعملي معايا كدة.؟! 
حياه بدهشة -: بعمل ايه.؟! 
كريم بصوت ضعيف.. منكسر.. متقطع 
" ليه بتساعديني.؟ ليه واقفة جنبي رغم كل الي بعمله فيكي.! 
عرفتي اني مدمن.. و كنت تقدري تهربي او تبلغى عني رغم تهديداتي ليكي.. بس معملتيش كدة.! فضلتي جنبي رغم الضرب و العذاب الي سببتهولك.. 
واحدة زيك متعلمة عارفة اني خطر كبير جدا.. 
رغم كل ده مشتكتيش، مهربتيش.. 
ليه بتعملي كدة.! ايه المقابل من واحد مريض شبهى. !! " 
كانت تستمع و كل كلمة تغزو قلبها، تتساءل في نفسها يوما.. ترى ما حجم المشاكل التي قابلها ذلك الشاب ليتحدث بذلك الصوت الواهن الضعيف.؟! 
ما السبب الذي سحبه لذلك الطريق المدمر.؟! هل موت والدته سبب كفيل لأن ينجر في ذلك الطريق الحالك.؟! 
تنهدت طويلا،، قبل ان تستأنف.. 
" ليه حاسب نفسك خطر.؟ ليه فاكر انك مريض و المفروض محدش يقربلك.؟ ليه حاسب نفسك شاذ عن البشر.! 
كريم اول مراحل الضعف انك تقلل من نفسك.! إنت مش وحش.. مش وحش ابدا.! " 
صاح بها غاضبا وهو يجلس على الفراش 
" مش وحش.؟ بعد كل الي عرفتيه و بتقولي مش وحش.؟! لا وحش.. وحش يا حياه.! " 
جلست حياه أمامه على الفراش، و هى تحتوي وجهه بين كفيها 
" حتى لو وحش يا كريم.. انا مراتكك، يعني غصب عن الدنيا بحالها هفضل جنبك.. و هساعدك مهما عملت فيا.! " 
عاد لنبرة صوته الضعيفة المهزوزة 
" إنت جيتي دنيتي غلط.. 
وبقيتي مراتي غلط.. انتي وجودك في حياتي غلط.! 
انا معملتش حاجة حلوة تستحق اني اتكافئ بيكي! " 
حياه مسرعة -: يمكن عشان كدة انا دخلت حياتك.! عشان تعمل حاجة حلوة تستاهل اني أفضل جنبك.! 
حرك رأسه لليمين و لليسار نفيا.. و عاد الجمود يغلب تعابير وجهه وهو يرجع لوضعيته نائما 
" مش فاضي.. مش فاضي اعمل حاجة حلوة.. امشي إنت اسهل.! " 
ابتسمت بذكاء.. وهى تقترب منه حتى لامس جبينها جبينه 
" خلاص، مش لازم تعمل حاجة حلوة.. بس انا هفضل جنبك بردو.! " 
طبعت قبلة عميقة على وجنته، حاول جاهدا بأن يتصنع التجاهل و يتغلب على كمية المشاعر التي اجتاحته لحظتها.. 
تمدتت جانبه وهى تحتويه بذراعها و ضحكت ساخرة وهى تقول 
" اصل العفاريت رجعت تاني.! " 
حاول للمرة الثانية ان يتغلب على ابتسامته بصعوبة بالغة.. 
مرت الدقائق و لازال شارد يفكر.. قطع الصموت بسئاله 
" انت صاحية.؟! " 
حياه-: اهاا.. 
كريم -: مش عايزة تعرفي انا ليه بقيت مدمن.؟! 
رفعت رأسها له -: اكيد عايزة اعرف.! 
كريم -: ...





تعليقات



<>