رواية لاجلك احيا
الفصل الرابع عشر 14
والخامس عشر 15
بقلم اميرة مدحت
جحظت عيناه بذهول وهو يحدق في والدته بنظراتٍ مصدومة، حرك رأسه بالسلب وهو يشعر بأنه بداخل دوامة كبيرة، أدمعت عيناه وهو يهتف بألم:
-إيه اللي بتقوليه ده يا أمي؟؟.. إنتي عارفة إنتي بتقولي إيه؟؟.. جاسم مش كده، جاسم أخويا لا يمكن يبقى كده.
إبتسمت بتهكم وهي تقول بثباتٍ زائف:
-في ألف طريقة تقدر تتأكد من اللي بقوله.
صرخ "ساهد" بعصبية:
-ليه مقولتيش الكلام ده من الأول، ليــــه ملحقتنيش!!!!!.. ليه يا أمي؟؟.. ليه تعملي فيا كده، ليه تحمليني ذنب وجريمة أنا مش أدها!!!..
هدرت "نجوى" بغضبٍ جامح:
-أنا مكنتش فاهمة حاجة يوم ما تقبض عليه، معرفتش غير لما هي جتلي ومعاها ظابط اللي قالها على كل حاجة، جت تحاول تشرحلي كل حاجة، للأسف مكنتش قادرة أصدق، وإنت رجعت من السفر يوم اللي هرب فيه وحاول يقتل تيجان، بس فالآخر هي قتلته، إنت شوفتها من بعيد، وملحقتش تعرف الحقيقة!!!..
أشارت بيدها وهي تقول بحرقة بعدما هبطت دموعها:
-كنت عوزاك متعرفش عن حقيقة أخوك، كنت مش قادرة أستوعب موته في البداية، ناسي إني فقدت النطق بعد موته لمدة 9 شهور!!!!.. ومش بتحرك من مكاني يعتبر من كتر الصدمة اللي عشتها!!!!..
كفكفت دموعها بظهر يدها وهي تتابع بألم شديد في روحها:
-الفترة دي أنتهزت إنت الفرصة وفضلت تقرب منها، ولما رجعلي النطق وبقيت بتكلم، قولت بلاش أقولك على إللي حصل عشان متشوفش أخوك بالصورة السيئة دي، وبعد ما بقيت بعرف أتكلم بشهر لقيتك بتبلغني بإنتقامك، وقفت قصادك وقولت لأ.
إبتسمت بتهكم وهي تحدجه بنظراتٍ غاضبة:
-بس خدتني على أد عقلي، وقولت مش هعمل كده، وفـ الآخر بعدها بكام يوم أسمع الخبر من أهل القرية بإللي حصل لتيجان!!!..
رمقها بألم وهو يتراجع للخلف، هز رأسه بعدم تصديق وهو يقول:
-إنتي بتحمليني أنا الغلط!!.. يعني أنا إللي غلطان.
مسح على وجهه بقوة وهو يهمس بجنون:
-أنا فعلاً غلطان، أنا قتلتها!!.. أنا إللي قتلتها، سلمتها للموت بإيديا!!!
تحرك بخطى متثاقلة وهو يهمس بتلك الكلمات بجنون، تلك الصاعقة التي أخذها فجأة جعلته في حالة من الصدمة، تابعته "نجوى" بعينين دامعتين قبل أن تهمس بشرود:
-يارب خدني قبل ما أشوف إبني التاني وهو بياخد عقابه بعد الجريمة إللي عملها!!.. لأني مش هستحمل خلاص.
*****
تابعته بنظراتٍ ممعنة وهي تراه يتوجه نحو الأريكة حتى يمدد جسده عليها، شعر بنظراتها فإلتفت بوجهه نحوها يحدجها بعينين قاسيتين، رفعت حاجبيهــا للأعلى وهي تبتسم له ببلاهة، ضيق "أصهب" حاجبيه وهو ينظر لها بغرابة، تسائل بصوتٍ خشن:
-بتبصيلي كده ليه؟؟..
ردت "تيجان" عليه بهدوء:
-مستغربة بس، شخصية زيك إزاي تصدقني، أنا أوقات بقلق منك وبحس إنك بترتب ليا حاجة تأذيني، وأوقات بحس أنك مهتم بـ إظهار برائتي، فإنت إيه منهم؟؟..
سحب "أصهب" نفسًا حادًا وهو يقول بضيق:
-أنا شخصيًا مش عارف، وقلقان من نفسي، مش فاهم ليه بعمل كده وبساعدك، بس إللي أقدر أقوله إني مش هسيبك إلا وإنتي رافعة راسك قدام الناس كلهم، وحقك تكوني خدتيه.
تنهد وهو يُضيف بقوة:
-ده إللي أقدر أعمله، فـ ماتقلقيش يا تيجان، إنتي هتفضلي فـ أمان، وهفضل فضهرك لغاية ما هسلمك لأخوكي.
إبتسمت إبتسامة جميلة وهي تقول برقة:
-ربنا يخليك يا أصهب، شكرًا على كل إللي هتعمله عشاني.
أرتبك "أصهب" حينما ألتقطت أذنيه أسمه من بين شفتيها، لأول مرة يشعر بجمال نطق أسمه، أطرق رأسه وهو يشعر بنبضات قلبه التي تتزايد بعنف، ضيق حاجبيه وهو يهمس بإضطراب:
-هو في إيه؟؟.. إيه إللي بيحصل ده؟؟..
*****
جلس "ساهد" أمام قبر "تيجان" يحدق فيه بعينين مذهولتين، حرك شفتيه بصعوبة وهو ينطق إسمها، ألم أجتاح قلبه فـ طأطأ رأسه يبكي بصمتٍ، وجد نفسه يبكي بكاءً حارًا، قبل أن يهتف بصوتٍ متحشرج:
-أنا آسف يا تيجان، أنا عارف إنك مش هتسامحيني، إيه إللي أنا عملته فيكي ده؟؟.. أنتقمت منك من غير سبب، أذيتك وسلمتك للموت بإيديا من غير ذنب!!..
تقوس فمه بإبتسامة مريرة قبل أن يقول:
-أنا مش عاوزك تسامحيني، لأن أنا مضربتكيش على إيديكي، لأ أنا سرقت أعز حاجة تملكيها وسلمتك للموت، دوست على حبي ليكي في البداية عشان أعرف أنتقم.
أعتدل في جلسته وهو يُضيف بصوت خالٍ من الحياة:
-أنا هفضل هنا، قاعد قدام قبرك، هستنى عقابي على اللي عملته، عاوزك تشوفيني يا تيجان وأنا بتعاقب، لازم أدفع تمن غلطتي، لازم.
*****
بعد مرور خمسة أيام، وقفت "تيجان" أمام المرآة تحدق في نفسها بنظراتٍ شامخة، رفعت ذقنها قليلاً وهي تبتسم في شئ من القسوة، حاولت أن تتخيل مشهد "ساهد" حينما يراها تقف أمامه بشموخها المعتاد، ولا تزال على قيد الحياة، رفعت عينيها قليلاً في المرآة حينما وجدت "أصهب" يقترب منها بخطى هادئة، يضع يديه بداخل جيبي بنطاله الأسود، حدجها بعينين مُظلمتين قبل أن يتمتم:
-في حاجة لازم تعرفيها.
أستدارت له وهي تسأله بإهتمام:
-خير؟؟..
رد عليها بعد صمتٍ طويل بصوته العميق:
-أنا مخلي حد يراقب ساهد من ساعة ما دخل المستشفى، وإللي عرفته أنه بقاله 6 أيام دلوقتي قاعد قدام قبرك، مرة يعيط وأوقات كتير يفضل يبص على قبرك وكأنه فعالم تاني.
أتسعت عيناها بصدمة وهي تبتسم بسخرية قائلة:
-نعم؟!!.. معناه إيه الكلام ده؟؟..
رد "أصهب" عليها بثقة:
-أنه عرف كل حاجة، والندم بياكله.
صمت طويل حلّ على المكان، ونظراته القاسية تتلقى إشارات من نظراتها الميتة، إبتسمت بألم وهي تتسائل:
-يعني صدقتني خلاص؟؟..
أجاب بهدوئه البارد:
-كنت مصدقك، بس كده أنا أتأكدت، لو عاوزة توجهيه، مش همنعك.
حركت رأسها إيجابيًا وهي تقول بقوة:
-هقابله.
إبتسم لها بزواية فمه وهو يفكر في أمرًا ما، هتف بعد ثوانٍ وهو يشير بعينيه القاسيتين:
-جاهزة؟؟..
حركت رأسها بإيماءة خفيفة قبل تتحرك بخطوات هادئة نحو الباب، تابعها "أصهب" وهو يخبر ذاته بصوتٍ شارد:
-أستعد يا أصهب للجحيم اللي هتشوفه.
****
ظل جالسًا أمام قبرها، ذقنه غير حليقة، عينيه حمراوتين، ملامحه باهتة وواهنة، شعر بخطوات من خلفه فلم يعيرها أي إهتمام، ولكن ذلك الصوت الذي يحفظه جعله يلتفت برأسه سريعًا:
-إيه أخبارك بعد ما حققت إنتقامك؟؟..
خفق قلبه بعنف وعينيه تتسع أكثر وأكثر، وقف ببطء شديد وهو يحاول تصديق ما يراه، هي تقف أمامه بشموخها مبتسمة له بثقة بالغة، دنا منها وهو يهمس بصدمة:
-إنتي عايشة؟؟.. تيجان ده إنتي بجد!!..
إبتسمت له بقسوة قبل أن تخرج سلاحها وتصوبه نحوه ببرودٍ قاتل، لم تتغير نظراته بل إبتسامة واهنة شقت شفتيه وهو يقول:
-الحمدلله إنك عايشة، بس إزاي ده حصل؟؟..
ردت عليه "تيجان" بثبات:
-أنا رجعت من الموت عشان أخد روحك.
لم يتحرك من مكانه، في حين ضغطت "تيجان" على الزناد بغلٍ كبير، بينما هو أغمض عينيه وفتح ذراعيـه كي يستقبل تلك الرصاصة التي ستريحه من هموم الحياة،