رواية تزوجت مـدمـنا
الفصل الثالث والعشرون 23
والرابع والعشرون 24
بقلم نوران شعبان
كريم بجمود وهو يحدق بوجهها -: مراتي بس ، يعني الي بيجمعني بيكي سرير وبس.!
رعشة أصابت جسدها كزلزال اصاب الأرض ، نظرت حولها مشتتة، تحاول استجماع كلماتها او التفكير في رد فعل صائب .. إقتربت خطوة تجاهه تحدقه بنظرات الغرور و التكبر ، شامخة الرأس مرفوعة الجبين
" اولا و اخيرا مراتك، يعني اي تصرف قذر منك ممكن يضر بسمعتي و مركز بابا .. ابقى روح اي مزبلة تلمك انت و نسوان قضايا الآداب و الدعارة بتوعك .. مش هستنى الي يسوى و الي ميسواش يوجهلي كلمة بسببك.! "
لم تمهله فرصة للحديث، لقد جهل من الأساس لهجة الكلام بعد جلسة الدفاع تلك .. ولته ظهرها لترتطم انامل شعرها بوجهه، و رحلت تاركة إياه منصدما..
~~
جلست في سيارتها متئكة عليها بألم..
تلوم نفسها على كل شئ ..
" غلطانة،، غبية.! كل حاجة عملتها غلط، علاجته غلط، رخصت من جسمي.. انا الي كنت بعارض و بثور ضد اي كائن بيقول ان الستات لتقضية الشهوات و بس، و ان مهما حصل المفروض كرامتي في الحفاظ على جسمي حتى لو قدام جوزي.! بقيت سلعة، رديئة، رخيصة.!
كلو كان في سبيل علاجه، و اهو اتعالج و اتمرد.! "
دمعة ساخنة فرت من مقلتيها الدامعتين، و هى تتذكر براحها في الحديث، حثه على القضاء معها وقت لطيف ليتخلص من همومه، و صب شحنة غضبه فيها ..
تنهدت بألم وهى تلوم نفسها ثانية
" و كمان كان المفروض اسمعه، اسيبله فرصة يدافع عن نفسه .. مكنش المفروض ابدا اتكلم و انا متعصبة.!
انا الي غلطانة علشان مسمعتلهوش من الأول .! عمري كله اتسخر في دراسات علم نفس و فلسفة عشان اجي في موقف تافه مقدرش اتحكم في نفسي فيه .!! "
ضربت بيدها على المقود عقب جملتها الأخيرة ، لتهتف بإنهزام و انسكار بعدها
" بس غيرت.! مكنتش متخيلة لمسته لحد غيري .! "
~~
على الجانب الآخر ،،
جلس محتويا رأسه بين كفيه بتعب .. داخله محتوي ادرينالين عال يكفي لتدمير ذلك المبنى فورا، يريد ذلك و بشدة.. يريد ان يهدم المبنى كاملا و لكن فوقه هو فقط ..!
كان يحدث نفسه لائما أيضا ..
يتذكر وقفتها دائما جواره، ملسها على وجنتيه كالصغير، تقويته بالكلمات الحنونة و الجمل الشاعرية الفائقة ..
هو أيضا يحبها، بل يعشقها.!
لا يعلم سبب تفوهه بتلك الحماقات و لكن دوما يكره ان يظلم، دوما يكره ان يتحكم به أحد.!
انتبه لصوت الاهتزاز تحت مرفقيه المتأكين على المكتب .. نظر بإهمال صوب الشاشة ليجد المتصل والده " أحمد "
زفر بإختناق وهو يضغط زر الاستجابة ..
" من غير ولا كلمة، تعالى على البيت فورا .!! دلوقتي حالا سيب الي في ايدك، سامع .؟! "
أغلق الهاتف دون ان يفه كريم بحرف..
احتلت معالم الدهشة وجهه وهو يتخيل السبب
" معقول حياه راحت اشتكتله.؟! "
~~
مازالت على وضعها، تجز على أسنانها بغيظ، لوم، عتاب، ندم.!
شعرت بالاختناق، ترجلت من السيارة لاستنشاق هواء الشتاء البديع..
لاحظت بعد قليل صوت قهقهات و ضحكات رقيعة تدوي في الشارع..
صوبت بصرها نحو مصدر الصوت لتجد ما غير تفكيرها تماما.!
" محسن " يسير مترنحا، على يمينه فتاه، و يساره فتاة
و كلتاهما ذوات ملابس فاضحة.!
لم تعبأ كثيرا بالوضع و لكن ما شغل تفكيرها حقا..
" هل اخبر أحد بشأن إدمان كريم.؟ ام تناسى الموضوع.؟! "
لم تفكر كثيرا، قادت سيارتها متوجهة لمنزل " أحمد.! "
~~
وصلت بعد دقائق امام البوابة ..
كادت ان تضغط على الجرز و لكن استوقفها أصوات شبيهة بالعراك و الالتحام العنيف.!
استطاعت إدراك ان محسن اخبر أحمد بالفعل بشأن إدمان كريم.!!
" إطلع برا بيتي،، ما شوفش وشك تاني ولو بالصدفة..! انت فاهم.!! أنسى إنك ليك أب، غور، غور برا غور بعيد عني هتجيبلي العار و الكلام.! واحد ***..!! "
وقفت تتصنت من بعيد على الحديث، لم تريد الدخول فيزداد الوضع أزمة..
" ولا لأ.. امثالك دول لعنة، لازم تنتهى.! هقتلك و اخلص من جنانك الي عيشتني فيه طول عمري.!! "
كانت هذه آخر جملة استطاعت سماعها.. و بعدها أصوات صاخبة كثيرة .. انتهت بصوت زناد المسدس يدوي في ارجاء المكان ، تليه صوت طلقة نارية..!!!
شهقت برعب، أصابتها حالة من فقدان السيطرة ..
سقطت على الأرض متسعة المقلتان، فاغرة الثغر ..
شعلة الأمل انبعث من جديد، استطاعت عودة التنفس طبيعيا عندما وجدته يخرج مندفعا متصوب نحو سيارته..
لم يراها، فقد سار كالطائش ..
لحقته هى أيضا بسيارتها، و سارتت تتبعه..
~~
" ذلك المكان .. اول مقابلة على انفراد بينهما كانت في ذلك المكان..! تلك المقابلة الملعونة أجل.. تلك المركب اتتها من قبل معه.! "
ترجلت من السيارة و ركضت تجاهه..
" كريم.. كريم استنى.!! "
كان يسير أشبه للركض على ذلك السطح الخشبي ..
إلتف فجأة عند سماع صوتها، و بكل قوة دفعها من كتفها دفعة اسقطتها أيضا متألمة
" قولتيله.؟ خدتي بتارك و انتقمتي.؟!
عرفتيه اني كنت مدمن خلاص و ارتاحتي.؟ غوري بقى و سيبيني عايزة مني ايه تاني.؟! انتي اذتيني اكتر ما نفعتيني غوري .!! "
ظلت تتأوه و تإن على الأرض بألم بسبب تلك الدفعة ، رأته يلتف مرة أخرى و يعاود مسيرته، تحاملت على نفسها و على آلامها و نهضت تركض خلفه
" كريم اسمعني بس .! انا مقولتش حاجة والله مقولتش حاجة.! "الفصل السابع عشر
تلك الخشبة العملاقة المتواجدة في منتصف المركب،، حلت عن عقالها بسبب سوء الظروف المناخية و سقطت مباشرة على رأس كريم ..
ليترنح على أثرها و يرتطم بجدار المركب الحديدي القصير، لم يكن في وعيه ليحتفظ على توازنه، بل سقط في البحار الحالكة .!!!
تسمرت حياه في مكانها بصدمة،، لم يكن الوقت في صالحها لتتذكر ذكرياتها معه و تعيش حالة درامية هندية ..
فقط رنت في اذنها آخر جملة تفوه بها " المرحوم بإذن الله 😂😂 "
-- انا محتاجلك..! انا عايزكك يا حياه ..!! --
و لم تأخذ وقتا في التفكير، قفزت في المياه فورا لتنجد معشوقها الهالك من حوافر السمك الجائع.!
البحر كان شديد السواد حالك، الموج في حالة قسوة و شراسة، المطر يهب بغزارة فائقة لم تعتاد عليها مصر قبلا..
غاصت للأسفل باحثة عنه و لكن تلك المياه المالحة تأذت عيناها منها كثيرا ..
إرتقت لسطح المياه مرة ثانية تلهث برعب و خوف، مسحت شعرها المتلاصق على وجهها بفوضوية، و تنهدت طويلا قبل ان تغوص ثانية مصممة على إيجاده ..
- احست بجسم يرتطم بأسفل قدمها، لم تحاول ان تفكر فقط أمسكت بذلك الجسم، ارتقت سطح المياه ثانية وهى تلهث فرحة مطمئنة، انه كريم..!!! وجدته اخيرا .!
تنهدت بحرارة بصوت مرتفع أكثر من مرة وهى تحيط به في وسط المياه، كانت تبحث و لم تمهل لنفسها فرصة لاتفكير في شئ فقط وجوده قبل اي شئ، رغم انه كان فاقدا للوعى ألا رؤيته فقط بعثت الطمأنينة في روحها ..
جذبته حتى المركب و حاولت جاهدة رفعه عليها، رفعته بصعوبة بالغة حتى نجحت ، و قفزت هى أيضا على سطح المركب ..
تجسست نبضه و تنفسه لتجد كل شئ طبيعي يسير على ما يرام ، و لكن المشكلة تكمن في الدماء المنبعثة من أعلى رأسه ..
خلعت سترتها وهى تعقدها حول رأسه جيدا ، و بقت ب" تيشيرت " من خامة ' الجيل' الخفيفة ..
نظرت حولها تفكر ماذا تفعل الآن.؟!
المركب تترنح يمينا و يسارا و البقاء على ذلك الوضع ليس آمنا ابدا.!
خاب املها أيضا عندما تذكرت ان حقيبتها في السيارة لم تجلبها معها.! لن تستطيع مهاتفة أحد لإنقاذهما.!
بحثت عن هاتف كريم و لكن يبدو انه سقط في البحار عقب سقوط صاحبه ..
الوقت يمر،، منسوب المياه يرتفع، الأمواج أصبحت قاسية و عنيفة أكثر و أكثر ، صوت الرعد يدوي بالمكان ملعنا الملحمة .! وهى تحتضن كريم بخوف على كليهما.!
تركته ووقفت على سطح المركب تنظر لمرمى بصرها،، حسنا الفكرة مجنونة الي حد كبير و لكن ليس يوجد سواها.!
عاينت المسافة بين المركب و بين البر،، ليست بعيدة كثيرا..!! ستقفز في المياه مع كريم و تسبح للبر إذا..!!
بدأت المركب تترنح أكثر و أكثر و الوضع أصبح خطيرا.!
لم تمهل نفسها وقتا للتفكير، نهضت وهى تحث نفسها " خطوة للامام خير من خطوة للخلف..! "
نهضت تبحث في انحاء المركب عن " اللايف جاكيت " لترتديه هى و كريم احتياطيا حتى تتجنب الكوارث ..
بالفعل وجدت ما تبحث عنه.. اقتربت من كريم مرة أخرى وهى تكسيه إياه، و ترتدي واحداا..
بدأت في تنفيذ فكرتها، ألقت بكريم في المياه بحذر ، و قفزت خلفه ..
أمسكت بكف يديه و بدأت بالسباحة ببساطة ..
~~
شعر بثقل في جفنيه، و نقاط سوداء تحتل بصره عندما يحاول فتح عيناه ..
هز رأسه يمينا و يسارا بتآوه، شئ بداخله يجبره على الافاقة الآن.. بدء يستدرجه هذا الشعور تصاعديا، و لبى النداء كريم و فتح عيناه اخيرا بتعب..
بعد فترة استطاع ان يتغلب على آلام عيناه، و ميز جيدا سقف الغرفة الأبيض أمامه ..
حرك بصره تدريجيا حتى وقع على حياه الجالسة على يمينه ..
" حياه .! "
هتف بها بصوت مبحوح ،، إبتسمت هى ابتسامة صغيرة مقتربة منه..
حياه -: هتفضل توقف قلبي من الخوف عليك كدة كتير.؟!
كريم بصوت متقطع -: ايه الي حصل.؟
إبتسمت حياه أكثر وهى تنهض بحماس -: لا حصل كتير، كتير اووويي.!! كان نفسي حد يشوفني و يسجل امجادي كأنثى..!!
و انا بنط في البحر و انقذك، و انط في البحر تاني و اعوم بيك للبر في عز الشتا و الرعد و الرعب.! و أفضل اجرك زي اسرى الحرب كدة لغاية العربية و تقعد تقع مني على وشك.! و اشيلك ازنقك في العربية و انزلك من العربية و اقعد اجرك للمستشفى لا انا عملت عمل بطولي الحقيقة.!
بس الصراحة انت صعبت عليا يعني مرمطتك معايا الصراحة و انت بتتجر من رجليك زي الفسيخة الميتة كدة..!!
كانت تتحدث بلهجة كوميدية ضاحكة،، و تتملص ملامح كريم باندهاش.!
كريم بصدمة -: ايه الي انتي بتقوليه ده.؟
إبتسمت بحنو مرة ثانية، وهى تربت على وجنته بخفة -: مش بقول حاجة، أستريح بس انت لازم تستريح و تريح أعصابك على الآخر، الخبطة على دماغك مكنتش سهلة .!
تململ كريم في فراش المشفى وهو يحاول الجلوس -: انا مش تعبان خالص.!
أخذ كريم يتململ أكثر و أكثر بإرهاق وصوت الهاثه يعلى -: انا مش عارف اتحرك..!!
( أعاد الكرة بصوت مرتفع أكثر) " حياه انا مش عارف اتحرك مش عارف اقعد..!!
وقعت جملته كالصاعقة على مسامع حياه، وهرولت للخارج منادية الطبيب..
" كدة انا اتأكدت،، أستاذ كريم من الواضح انك اتخبطت على ضهرك جامد، الخبطة دي أثرت تأثير بسيط على عامودك الفقري.. للأسف مش هتعرف تتحرك دلوقتي خالص حركتك اتشلت..!! بس متقلقش مع العلاج الطبيعي و المداومة على العلاج هتقدر ترجع تتحرك و احسن من الأول.! "
خرج الطبيب و ترك كريم في حالة يأس ..
هتف بصدمة " يعني ايه.؟ يعني اتشليت خلاص.؟! بقيت مشلول..!! "
جلست حياه على الفراش مقابله تهز رأسها نفيا -: لا لا متشلتش..!! دي مجرد إصابة و هتتعالج وتبقى احسن من الأول ده مش شلل يا كريم.!!
اشاح بوجهه بعيدا، و هو يغلق ستائر جفنيه بألم ، متنهدا تنهيدة حارة ..
رنت في أذنه جملة حياه
""و وقتها و انا واخدة عهد على نفسي ان مفيش حاجة حلوة او وحشة تحصلي غير لما أحمده.!""
ضغط على شفتيه السفلى باستسلام ويأس..
إبتسم ابتسامة صغيرة بألم هاتفا
" الحمد لله ،، الحمد لله..!! "
لم يعبأ بها، قفز دفعة واحدة على سطح المركب و اسقط الحبال في البحار معلنا عن رحلة صغيرة في وسط البحر
الفصل الرابع والعشرون✨
ظلت تتأوه و تإن على الأرض بألم بسبب تلك الدفعة ، رأته يلتف مرة أخرى و يعاود مسيرته، تحاملت على نفسها و على آلامها و نهضت تركض خلفه
" كريم اسمعني بس .! انا مقولتش حاجة والله مقولتش حاجة.! "
لم يعبأ بها، قفز دفعة واحدة على سطح المركب و اسقط الحبال في البحار معلنا عن جولة قصيرة في وسط البحر.!
بلغت المسافة بين المركب و السطح الخشبي بضع أمتار ، بلعت حياه ريقها خائفة وهى ترجع للخلف بضع خطوات، ركضت سريعا قافذة على سطح المركب بسلام .!
إقترب و الشرر يتطاير من عينه، قبض على عنقها بقسوة
" جية ورايا ليه.؟ شكلك وحشك ترقعة الحزام على جسمك مش كدة.؟! "
حاولت التملص من قبضته، و ظلت تلتوي بين كفه تحاول الفرار، او تلتقط حتى أنفاسها التي أصبحت شبه معدومة ..
دفعها بقبضته ثانية مسقطها على الأرض ، جلست تلتقط أنفاسها ثوان قبل ان تنهض متحدثة
" مش انا الي قولت لأحمد على ادمانك، ده محسن والله العظيم محسن.!! "
كريم رافعا حاجباه -: مين محسن.؟!
حياه -: الي كان في باريس الي جابلنا الشقة، لما تعبت انا مكنتش عارفة اتصرف ، ولا عارفة مكان مستشفى او اي حاجة جه في بالي محسن عشان هو الوحيد الي اعرفه هناك .. اتصلت بيه وهو وداك المستشفى و هناك عرف من الدكتور لكن و حياة ربنا انا مقولتلهوش حاجة..!!!
ضغط على فكه السفلى بشراسة، مقتربا منها
" و انتي ليه مقولتليشش. ؟! "
حياه وهى تتراجع للخلف بنظراتها المتوجسة -: كنت عايزة اعالجك و ده كان هيأثر عليك .!
صرخ بوجهها منفعلا..
" يوووووووه،، علاج علاج علاج..!!!
اديني اتعالجت من الزفت المخدرات و حياتي اتخربت من فوق رأسك، عالجتي جسمي بالنسبة للنفسية و الحياه الي خربتيها مش هتعالجيها.؟! "
حياه مستنكرة -: خربت حياتك..؟؟ انت دلوقتي مفيش حاجة تقدر تثبت انك مدمن مخدرات و تقدر تروح تقوله في وشه كدة لو انا معلجتكش كانت هتبقى مصيبتك مصيبتين..!! هتبقى كنت مدمن و لسا مدمن زي ما انت،، بدل ما تشكرني على وقفتي جنبك و استحمالي ليك رغم كل الاهاانات الي اتعرضتلها منك.؟!!
عاد يحدق بها صائحا -: انا استحملت في حياتي كتير، كتير اوي.!
و مش مستعد استحمل تاني .. انا اتخلقت عشان اتعذب و اتذل و بس ..
رفع يداه في الهواء صارخا -: اشمعنا انا، اشمعنا انا بيحصل فيا كدة..!!
حياه -: من ضمن 100 مليون مصري بس .. و 4000 مليون آسيوي ، و 8 مليار في العالم .. فاكر نفسك الوحيد الي بيمر بأزمات و ظروف صعبة.؟
كريم -: طبعا حقكك تقولي كدة ما انتي موصلتيش لنص الي انا فيه..!!
قهقهت حياه ساخرة على جملته الأخيرة
" محدش وصل لنص الي انت وصلتله..؟؟ انا اتعرضت لأزمات اد محنتك دي 100 مرة.! "
كريم ساخرا -: أزمات..؟؟ و يا ترا ايه الأزمات الي اتعرضتي ليها على كدة.؟
شفتي حبيبكك القديم في حضن واحدة تانية ..؟ ما انتو نسوان تافهة و مشاكلكوا اتفه ..!
حياه -: نسوان تافهة.؟ لولا النسوان التافهة دول انت كان زمانك مستخبي ورا باب اوضتك بتشم بودرة.! لولا النسوان دول مكنتش اتولد اصلا.!
كريم -: ياريتني ما اتولدت.! ياريتني ما اتولدت .. كان هيقتلني، ابويا كان هيقتلني.! ياريته قتلني فعلا.!
حياه -: اكذب الكلام الي بيطلع في لحظات غضب، او فرح.!
كان متضايق.. أنت كنت سنده، كنت ابنه الوحيد و اتخدع فيك.! متخيل ان يبقى ملكش حد في الدنيا غير واحد بس و الواحد ده يخيب املك.؟!
نظر كريم حوله بحزن -: مسبليش فرصة أقوله اني اتعالجت و هرفع رأسه من هنا ورايح.!
حياه وهى ترمقه بنظرات التساؤل الاستنكاري
-: و انت جاي هنا ليه.؟ فاكر لما تستخبى و تهرب هتسيبله فرصه انه يصدقك.؟!
وقف يحدق بالبحر أمامه، يفكر شاردا في ثمة شئ .. قال بصوت مبحوح
" مش عايز .. مش عايزه يصدقني، مش عايز أشوفه تاني .. ولا أشوفك.!
انا عايز اموت.. و ابعد عن الدنيا الو*** دي.!! "
عقدت ساعداها تحت صدرها ترمقه نظرات مسلية
" البحر قدامك، رجعني بس للبر و اعمل الي نفسك فيه.!! "
زفر بضيق وهو يستسلم على سطح المركب، جالس منكمشا محتويا رأسه بين كفيه ..
وقفت تحدق به، تشعر بزلزلة في كيانها، براكين تحتل مشاعرها، أمور كثيرة تجتاح تفكيرها .. دوما تعتقد انها أكثر الناس خبثا و ذكائا و حيلة، و لكن ذلك ال" كريم " دوما يقلب موازينها رأس على عقب ..
يلخمها بعسل عينيه المنطفئ دوما ..
يكبل آفاق عقلها بضحكته التي تذيبها عشقا ..
امتد ثغرها بإبتسامة صغيرة حنونة، و قدميها تسير مصوبة نحوه ..
جلست على مقربه منه متربعة، حدقته بهدوء -: " الحمدلله " .. كلمة بسيطة جدا، بس نتيجتها عظيمة.!
كلمة انا لغاية دلوقتي عايشها عليها .. كلمة لولاها كان زمان حالي متغير 180 درجة.!
عمرك ما تشكره و يخذلك ابدا..!!
- مفيش أب يقدر يرمي ابنه في البحر، ما بالك الرب بعبده .!!
كريم بحدة -: لأ فيه، فيه أب يرمي ابنه في البحر فيه.!! و في أب كان هيقتل ابنه من شوية.!!
حياه -: كان، لكن مقتلش.! كان بيهددك، بيعاقبك عشان ترجع من الي انت فيه و تتأسف.!!
انت متخيل ان أب تعب في تربيتك حوالي 30 سنة بيطحن في شغله علشان يصرف عليكي و يعيشك احسن حياه و متحسش انك مختلف عن غيرك هيفرط فيك بسهولة كدة.؟ هيرميك كأنك مش من لحمه ولا دمه.؟
لا فوق.! ده شيطانك بيهيئ لك كدة مش اكتر.!!
ظل ينظر للأسفل بخذلان و حزن ..
تنهد حياه وهى تربت على كتفه
" ليه فاكر الي بيحصل معاك عذاب او انتقام.؟ ليه مش ممكن يكون أزمة عشان تستغفر ربنا و تحمده على كل شئ، ووقتها هيبهرك بعطاءه.؟! "
رفس كفها ، رمقها بنظراته المندفعة
" عملالي فيها شيخة و بتديني محاضرة.؟ روحي استري شعرك الأول علشان تمثيلك يبقى مقبول.! "
نهضت حياه مندفعة ترمقه نظراتها الحادة الغاضبة
" انا مش بمثل ولا بعمل فيها شيخة.! و مهما كان فيا فعلى الأقل مش بنكر.!
انا عيشت طفولة انت مش هتفهم مأساتها لإنك معصرتهاش، أقصى حاجة حصلتلك ايه.؟ امك ماتت صح.؟!
انا بقى امي ماتت، و أبويا كان في السجن و كنت متشردة في الشوارع و أعداء أبويا بيطاردوني في كل حتة.!
مكنش ليا و لا ليا مكان استخبى فيه.. كنت ببات ليالية في الشارع مش بلاقي لقمة واحدة احطها في بوئي و رغم كدة عمري ما مديت أيدي لحد، اتعرضت للخطف و كنت هغتصب و انا لسا طفلة مكملتش العشر سنين.! كنت هتعرض لتجارة الاعضاء كانوا هيقتلوني حية..!! لبسوني لبس مبهدل و سرحوني في الشوارع علشان اجيب فلوس ، عملوني شحااتة..!!
فاهم انا بقولكك ايه.؟ فاهم المعاناة الي كنت بعيشها فاهم يعني ايه طفلة مكملتش العشر سنين تتعرض لكل ده.؟!!!
و في لحظة واحدة دخلت استخبى في اكتر مكان آمان،، مسجد.!
في وقت المغرب كنت بجري، بهرب منهم .. مكنتش عارفة هما مين من كتر ما قبلت ناس زبالة.!! مش عارفة أعداء بابا ولا العالم المعفنة الي سرحوني في الشارع ولا شوية الشباب السكرانة المسطولة الي كانوا هيغتصبوني !!
دخلت استخبى في ركن من اركان المسجد و لحسن قدري مكنش في حد مركز معايا، كانو ملفوفين حوالين شيخ بيديهم درس إسلامي ..
قعدت مذلولة، مستخبية، مكنتش في وعى اني اعيط حتى.! "
وقفت و تلألأت مقلتاها بالعبرات، و لكن أبت ان تسمح لعبرة واحدة بالسقوط ..
ضغطت على شفتها السفلى بألم،، وهى تتذكر ما حدث معها
~~ سابقا ~~
ركضت، ركضت بأقصى سرعة تمتلكها ..
جاهلة الطريق، جاهلة ايه تذهب و ماذا تفعل في تلك المحنة و لكن واصلت الركض .
وقفت خلف باب بناية قديمة، منها تختبئ و منها تلتقط أنفاسها ..
ظلت تلهث وتلهث، حتى النفس غير قادرة على امتلاكه ..
سقطت على ركبتيها يائسة، فاقدة الأمل حتى في أنفاسها ..!
لمحت من باب البناية المواري ذاك المكعب الحديدي اللامع، كانت الصورة مشوشة لم تضح لها كاملة، بدأت الصورة بالاقتراب رويدا رويدا، وفورا اتضحت لها الصورة.!
" مبرد مياه " يتسرب منه خيط ماء بدا في أعينها كالإلماس حينها ..
زحفت، وواصلت زحفها للخارج غير عابئة بعدو او غيره، فقط تتراقص صورة الماء العذب أمام عينيها ..
أمسكت ذلك الكوب الحديدي بين يديها المرتجفتين، و إرتشفت بضع قطرات صغيرة تروي ظمأها..
لمحت ذلك البناء المتوسط بتزيينه باللون الأخضر الجذاب، و الزخارف الإسلامية البسيطة المحاطة به..
أيقنت انه المكان المناسب لأن تتواجد فيه، ليس استغلال و لكن على الأرجح ستشعر بالراحة و جدار المسجد تحتويها و تحاطها، ستشعر بالراحة و صوت القرآن العذب يتسلل لمسامعها و فورا يمكث في فؤادها فيبعث و يبث شعور الاطمئنان بها ..
راقبت الطريق يمينا و يسارا، و دخلت المسجد بخوف من ان يراها أحد ..
استغلت تجمع غير بكثير امام رجل مسن يبدو انه يلقى درس ديني و ذهبت تختبئ في ركن بعيدا عنهم..
تذكرت وفاة امها، تليها سجن أبيها بكيد من أعدائه .. توالت بعد ذلك التشرد بين القرى و الفرار من هؤلاء البشر الأشرار ..
احتلت مسامعها صوت ذلك الشيخ
" ربنا سبحانه وتعالى قال ¤ و لسوف يعطيك ربك فت
