أخر الاخبار

رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني الفصل السابع عشر 17 بقلم ندي محمود توفيق

        

 رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني 

الفصل السابع عشر 17

بقلم ندي محمود توفيق



منذ أن اكتشف حيلتها وهو يقود السيارة بطريق منزلها دون محادثتها بكلمة واحدة وهي محاولاتها مستمرة في الاعتذار ونيل السماح منه، لكنه يجيب على كل محاولاتها بالامبالاة والصمت وتعبيراته تظهر الغضب الحقيقي الذي يستحوذه.

زمت حور شفتيها بيأس وقالت:

_هتفضل متردش عليا لغاية ما نوصل يعني ولا إيه؟! 

تجاهل سؤالها والتزم الصمت فهتفت مغتاظة بضيق حقيقي:

_بلال خلاص بقى قولتلك أنا آسفة مليون مرة اعمل إيه تاني، وبعدين أنت اللي اضطرتني إني اعمل كدا 

بعد عبارتها الأخيرة وجدت ملامحه تبدلت ورمقها بنظرة نارية أرعبتها وباللحظة التالية فورًا كان يقف بالسيارة على جانب الرصيف في قوة جعلتها ترتد للأمام وانفجر بها صائحًا:

_متعلقيش شماعة أخطائك عليا

ارتجف جسدها فزعًا من صيحته بها وثواني بالضبط حتى اختفت تعبيرات الدهشة وتبدلت الغيظ وهي تصيح مثله:

_أنا ليا يومين بحاول اكلمك وأنت مش بترد عليا ولو رديت بتقولي أنا في شغل مش فاضي ومش عارفة حتى اعتذر منك واصالحك، ملقتش حل عشان اخليكم تجيني ونعرف نتكلم غير ده، وكمان أنت اللي مضايق أني فارق معايا زعلك وعايزة اصالحك وبحاول بكل الطرق

بلال جازًا على أسنانه وهو يحاول التحكم في انفعالاته:

_كل طرقك دي اللي هي تچبيني على ملى وشي مفزوع وملهوف عليكي بعد ما تقوليلي أن واحد سرقك وخبطك بالموتسيكل

مالت بوجهها للجانب الآخر وقالت بصوت مبحوح معتذرة:

_أنا آسفة يا بلال المرة الجاية لو حاولت اصالحك ابقي اضربني بالجزمة عشان أنا استاهل

مسح على وجهه مستغفرًا ربه، ثم طال النظر بها بأعين ثاقبة تحمل الثقة التامة في شكوكه وهو يسألها بنظرة حادة:

_دي مش دماغك اللي تفكر في الأفكار دي، مين اللي اقترح عليكي الفكرة دي ياحور، ومن غير لف ودوران مفهوم 

عادت بوجهها نحوه ببطء وأخذت تحدق في ملامحه بارتباك وصمت، تخشى أن تخبره أنها فكرة شقيقتها الصغرى فينفجر بها أكثر، بينما هو فكان يتمعنها بنظراته القوية ويحثها على التحدث بسرعة وبسبابته يشير لها أن تسرع في إفراغ جوفها لها وأخباره بالحقيقة، تنحنحت حور بخوف بسيط وقالت في صوت يكاد لا يُسمع:

_نور 

هتف وهو يميل بإذنه لها ليسمع ما قالته بوضوح أكثر:

_مين؟!! 

حور بقلق ملحوظ وصوت واضح قليلًا:

 _احم، نــور

هز رأسه مغتاظًا وهو يتمتم:

_نور اختك الصغيرة.. اممم ما أنا كنت متوقع أصل الأفكار دي متچيش من واحدة عاقلة ومسئولة واصل

لمعت عين حور بلهفة طفولية وهي تقول مبتسمة في حب:

_بس تقدر تنكر أن خطتها جابتك على ملى وشك زي ما بتقول ولا لا ونجحت لولا أني بس مبعرفش اكدب وفاشلة كنت مش هتكتشف حاجة

رمقها بغضب وقال متوعدًا لشقيقتها الصغيرة:

_أنا لما أشوفها اختك المفعوصة دي هعلقها في السقف، وأنتي يارب تسمعي كلامها تاني وتعملي كل حاچة أي حد يقولها عليها كيف العيل الصغير اللي مش عارف الصُح من الغلط

تهللت اساريرها وامسكت بكف يده الكبير في نعومة وهي تنظر لعينيه بفرحة وتقول:

_يعني خلاص مش زعلان مني، صافي يا لبن

طال النظر في عينيها بهيام وهو يحاول الصمود أمامها ويقول بنظرة لعوب:

_ماشي صافي يا لبن بس بشرط

قالت بلهفة وحماس طفولي:

_إيه هو الشرط؟ 

رسم الجدية على ملامحه وقال بحزم:

_بس قبل ما اقول الشرط لازم تكوني قد كلمتك يعني تنفذيه وإلا الخصام هيطول قوي، متفقين؟ 

حور بنفاذ صبر وفضول لمعرفة شرطه:

_ماشي متفقين يابلال يلا بقى قول

دام تمعنه الخبيث بها وهو يبتسم للحظات قبل أن يهمس وهو يغمز بلؤم:

_عاوز البوسة بتاعت يوم كتب الكتاب

فغرت شفتيها وعينيها بصدمة وفورًا انتشلت يدها من قبضته بقوة ووجنتيها تلونا بالأحمر القاتم من فرط الخجل وصاحت به:

_أنت مش هتبطل سفالة، أنا غلطانة إني عايزة اصالحك، اقولك على حاجة روحني البيت وخلينا متخاصمين

لعبه برجولية مميزة وقال متلذذًا:

_بس أنا عاد طبت في نافوخي وعاوز اتصالح دلوك 

اشاحت بوجهها بعيدًا عنه وهتفت في استحياء شديد تتوسله:

_بلال بس بقى أبوس ايدك، روحني بدل ما اصرخ والم عليك الناس

استمر في ضحكه القوي عليها وقال في النهاية رافعًا راية الاستسلام مؤقتًا:

_ماشي هروحك البيت دلوك واسيبك تفكري إكده على رواق تصالحيني أنتي برضاكي ولا أنا اصالح نفسي بنفسي عاد

التفتت له ورمقته بذهول وعدم استيعاب لما يتفوه به وتلمحياته الوقحة أنه سيفعلها رغمًا عنها أن لن تفعلها هي بكامل رغبتها، وجدته يحدقها بطرف عينه في خبث مبتسمًا وقد بدأ يحرك محرك السيارة لينطلق بها عائدًا لمنزلها.

                                     ***

داخل قسم الشرطة.....

توقف سيارة أجرة أمام القسم وخرجت منها فريال وهرولت للداخل وهي تسرع في خطتها التي كانت أشبه بالركض وعيناها حمراء من فرط البكاء الشديد على زوجها، لم تكترث للمجرمين والضباط من حولها الذي ينظرون لها بتفحص وكان همها الوحيد هو العثور على زوجها وكانت تتلفت حولها كالمجنونة، حتى رأت حمزة وعلي يتجهون نحوها بخطوات سريعة ويصيح بها حمزة غاضبًا:

_بتعملي إيه إهنه في القسم؟ 

فريال بعينان دامعة:

_فين چلال أنا عاوزة اشوفه ياعمي، إيه اللي حصل معاه؟ 

حمزة بعصبية ونظرة خذي:

_يعني انتي مش عارفة إيه اللي حُصل يابت ابراهيم، هو مش أنتي برضك اللي بلغتي على چوزك چاية تبكي عليه ليه دلوك قصادنا

اتسعت عيني فريال بصدمة وأشارت على نفسها بسبابتها وهي تبكي بحرقة وتقول:

_أنا!!.. أنا أبلغ على چوزي كيف، ده أنا عملت إكده عشانه هو 

ابتسم حمزة بسخرية وقال بعدم تصديق:

_أه بلغتي عنه هو ومنصور عشان خاطره صُح! 

صاحت فريال بغضب ونظرة حادة وقد أظهرت عن أنيابها الشرسة:

_لا أنا مبلغتش عن چوزي، أنا بلغت على منصور اللي أذنب ولازم يتحاكم ومكنتش هفضل حاطة رچل على رچل مستنية لغاية ما الحكومة تعرف مكانه وچوزي يتمسك معاه، عشان إكده بلغت عنه

حمزة بنظرة نارية وهو يحاول حجب روحه الثائرة عنها:

_ودلوك چوزك مراحش في الرچلين بسببك يعني واتمسك أهو

تدخل " علي " أخيرًا وربت على كتف جده بلطف ليهدأ من روعه متمتمًا:

_خلاص ياچدي اهدى مش وقته الكلام ده دلوك احنا في القسم، وأنتي يافريال تعالي معايا يلا 

ظلت فريال ثابتة بأرضها ترفض الحركة فتابع " علي " بلهجة رجولية آمرة ونظرة مخيفة:

_فريال بقولك اتحركي يلا، هتفضلي قاعدة إهنه في القسم ولا إيه وسط الحشاشين والـ**** دول

لوت فمها بحنق وتحركت مع " علي " مجبرة وهي تمسح دموعها بظهر يدها حتى وصلوا لخارج القسم وقال له بصرامة:

_هوقفلك تاكسي وترچعي بيتك لعيالك ومتچيش إهنه تاني

قالت بعناد ووجه غارق بالدموع:

_لا أنا مش هتحرك من إهنه غير لما اطمن على چلال

مسح " علي " على وجهه متأففًا بنفاذ صبر وقال بغضب بسيط:

_فريال اسمعي الكلام الله يهديكي، چلال كويس اطمني كلها كام ساعة ويطلع ولو طول بالكتير هياخد الليلة بس

تقدمت خطوة من " علي " ونظرت في عينه بتوسل وهي تهتف بألم:

_ابوس يدك ياعلي قولي الحقيقة متكدبش عليا

علي بحدة:

_هي دي الحقيقة يافريال أنا هكدب عليكي ليه، يلا بس اتحركي يابت الناس مينفعش وقفتك إهنه بالمنظر ده

فريال باهتمام وقلق:

_هو ازاي اتمسك عليه؟ 

علي بغضب:

_الحكومة راحت على المكان اللي بلغتي عنه طبعًا وأبوي مكنش هناك واللي كان قاعد چلال واتمسك

وضعت كفها على فمها تكتم صوتها بكائها القوي، بينما " علي " فأوقف سيارة أجرة بإشارة من يده والتفت لفريال يحثها على الركوب بعدما فتح لها باب المقعد الخلفي، فتحركت مغلوبة على أمرها واستقلت بالمقعد لكن قبل أن يغلق الباب قالت برجاء:

_اتصل بيا وطمني يا " علي " أبوس يدك

لم يجيبها وتجاهل عبارتها ثم اغلق الباب وأشار للسائق بأن يتحرك.

                                     ***

داخل منزل مروان، عادت خلود من المطبخ وهي تحمل فوق يديها أكواب العصير الطازج وقدمته لكل من مروان وريهام، ثم جلست على اقرب مقعد بجوارهم وراحت تصغي لحديثهم باهتمام حتى وجدت ريهام تسألها بجدية:

_أنتي حابة تبلغي جوزك ياخلود أنك هترفعي عليه قضية خلع ولا لا 

علت علامات الاستفهام على وجه خلود ثم سألتها بعدم فهم:

_هو أنا ينفع ارفعها من غير ما أقوله أصلًا؟! 

تنهدت ريهام بقوة وقالت في حزم:

_ ينفع وفي حالتك دي الافضل أنك متبلغهوش دلوقتي لأن ممكن يعمل أي حاجة ويقلب الطرابيزة علينا أو حتى يأذيكي، بعد ما نكسب القضية وقتها بلغيه بحيث أنه وقتها هتكوني اطلقتي منه ولو حاول أن يستخدم معاكي أي عنف أو يأذيكي وقتها فورًا هنرفع محضر تعدي وهيتحبس

كانت عين خلود متسعة وهي تستمع لريهام وعلامات الاندهاش تظهر بوضوح على وجهها، ثم التفتت تجاه مروان ورمقته بعين لامعة بالفرحة والطمأنينة وهزت رأسها بالموافقة وقالت:

_تمام انا موافقة المهم اخلص منه ومشوفش خلقته دي تاني واصل 

ضحكت ريهام بلطف وهتفت متوعدة:

_هتخلصي منه متقلقيش، وكمان أنتي معاكي مروان أهو يعني مش هيقدر يقرب منك ولا يأذيكي اطلاقًا 

تفوهت بكلماتها الأخيرة وهي ترمق مروان بنظرة ماكرة تلقي بتلمحياتها الذي يفهمها جيدًا، فحدقها بغيظ متوعدًا لها بينما خلود فأطرقت رأسها أرضًا خجلًا دون أن تقوي على رفع نظرها بنظر مروان.

هبت ريهام واقفة وهي تضحك بعدما أدركت الوضع المحرج الذي وضعتهم به وقالت مبتسمة:

_أنا همسي عشان معايا شغل ولو احتجتي أي حاجة اتصلي بيا، رقمي معاكي طبعًا وبالذات لو البشامهندس ضايقك قوليلي بس واحنا نرفع عليه قضية علطول 

مروان بنظرة ملتهبة ومتوعدة لها:

_يلا ياريهام عشان متتأخريش على شغلك يلا

انفجرت ضاحكة بقوة بعدما تأكدت من أنها نجحت في إشعال فتيل غيظه، بينما خلود فودعتها بلطافة ورقة ومراقبتها وهي تتجه أولًا إلى باب المنزل وكان مروان خلفها وأثناء مروره من جانبها انحنى على خلود وهتف بحزم:

_لسا حسابنا مخلصش، لما ارجع هتبقى نتكلم على موضوع خروجك وانك مش حابة تابعني وتشتري الحاجة بنفسك وانتي عارفة اكتر مني أن الـ**** ده ممكن يشوفك في أي مكان

ابتسمت بحياء وعينان لامعة بوميض مختلف ثم قالت له في نعومة متجاهلة كل كلماته الحادة:

_شكرًا يامروان

ارتخت عضلات وجهه لا إراديًا وحدقها بنظرة دافئة ثم همس بصوت رجولي يذهب العقل:

_مبقيش في شكر بينا خلاص بقى ياخلود

اجفلت نظرها أرضًا خجلًا واكتفت بالصمت فرمقها بأعين تحمل معاني مميزة ثم تحرك وأكمل طريقه ليلحق بصديقته.

                                      ***

داخل منزل ابراهيم الصاوي.....

خرجت آسيا من الحمام بعدما انتهت من حمامها الدافيء واتجهت نحو هاتفها الذي لا يتوقف عن الرنين منذ عشر دقائق، التقطته من فوق الفراش وأجابت على أمها هاتفة:

_أيوة ياما عاملة إيه؟

هتفت جليلة باكية وهي تصيح بصوت أشبه بالعائلة:

_شوفتي اللي چرا لأخوكي يا آسيا، أخوكي اتمسك الحكومة مسكته وفي القسم دلوك والله اعلم هيطلع ولا لا منها 

ضربت آسيا على صدرها مندهشة وصاحت بزعر وعدم استيعاب:

_إيه اللي بتقوليه ده ياما، اتمسك كيف وليه؟!! 

هتفت جليلة بغل وحقد وهي تبكي وتشهق بقوة:

_مرته الحرباية اللي انتي كنتي بتحوشيني عنها، بلغت عن عمك وعن أخوكي 

آسيا هزت رأسها بالرفض وقالت بعدم تصديق:

_لا ياما فريال متعملش إكده

صاحت جليلة مستاءة من دفاع ابنتها عنها:

_أنت بقولك عملت وهي بنفسها قالت لچدك وواد عمك إكده 

مسحت آسيا على وجهها وهي تتأفف بقوة وقلق على أخيها ثم قالت لأمها بجدية:

_طيب اقفلي ياما دلوك وهبقى اتصل بيكي تاني

 أنهت الاتصال مع أمها وشرعت فورًا في ارتداء ملابسها واستغلت فرصة خروج عمران، فهي لا تريد أخباره بأن شقيقته عرفت مكان منصور وإلا لن تكون النتائج مرضية، دقائق معدودة وانتهت من ارتداء ملابسها وخرجت من الغرفة وهي تتلفت حولها حتى لا تقع فريسة أمام أعين إخلاص التي حتمًا ستفشي بها لزوجها، سارت بحرص شديد دون أن يلاحظها أحد حتى غادرت المنزل بسلام واستقلت بسيارة أجرة لتأخذها إلى منزل أخيها.

نصف ساعة بالضبط وتوقفت السيارة أمام البناية، نزلت آسيا من السيارة بعدما دفعت الأجرة للسائق، وقادت خطواتها لداخل البناية واستقلت بالمصعد الكهربائى وبعد لحظات توقف بها أمام الطابق المطلوب، خرجت وتحركت حتى أصبحت أمام باب المنزل وطرقت عدة طرقات متتالية.

فتحت فريال الباب متلهفة ظنًا منها أن زوجها عاد لكن خاب أملها عندما رأت آسيا أمامها ولا إراديًا أدمعت عيناها وسالت دموعها وهي تهتف لها باكية:

_أنا بلغت على عمك والله عشان خايفة على چلال يا آسيا متوقعتش أن ده يُحصل

دخلت آسيا من باب المنزل واغلقته ثم هتفت لها بغضب:

_وأنتي عرفتي مكان عمي كيف يافريال أصلًا 

هتفت فريال وهي تبكي بحرقة وصوت متقطع:

_راقبت چلال وعرفت المكان  

تحركت آسيا للداخل وجلست فوق الأريكة وهي تتأفف بقلة حيلة وتتمتم:

_وادي چوزك هو اللي وقع في الرچلين، حاچة كيف إكده بتتصرفي فيها من نفسك ليه يافريال

جلست فريال على المقعد المقابل لها وانخرطا في نوبة بكاء قوية وهي تهتف:

_معرفش أن ده هيحصل يا آسيا، أنا كنت خايفة على چلال وبلغت على عمك عشانه هو مش عشان تار أبويا، أنا كل اللي كان فارق معايا چوزي أنه ميتخدش في الرچلين مع عمه وهو ملوش ذنب

مسحت آسيا على وجهها وتنهدت مغلوبة ثم اقتربت من فريال ورتبت على كتفها بحنو متمتمة:

_طيب خلاص اهدى وچلال هيطلع منها أن شاء الله أكيد متقلقيش

نظرت فريال لوجه آسيا وتطلعتها بعينان عاجزة وهمست:

_تفتكري چلال لما يطلع ويعرف أني اللي بلغت هيسامحني؟!! 

مسحت آسيا على كتفها وظهرها بلطف وهتفت بجدية:

_متفكريش دلوك في الكلام ده، يطلع هو الأول وبعد إكده كل المشاكل تتحل بإذن الله، وأنتي اتعلمتي الدرس زين إنك متتصىفيش من دماغك تاني

ارتمت فريال بين ذراعين آسيا وانفجرت في البكاء بحرقة فأخذت آسيا تربت على ظهرها بدفء لتهدأها ولكنها كانت في حالة مزرية.

                                     ***

في تمام الساعة الثامنة مساءًا.......

وصل علي للمنزل أخيرًا بعد انتهاء ذلك اليوم الشاق والصعب وكان بطريقه لداخل المنزل لكنه توقف واصطدم بغزل قبل أن   يتخطى عتبة الباب، اخفض نظره لملابسها واستشاط غضبًا.. كانت ترتدي تنورة قصيرة تظهر ساقيها كلها تقريبًا وبالأعلى بلوزة بحمالات رفيعة وتنحدر للأسفل بفتحة مثلثية عند الصدر تكاد تظهر داخلها وتترك العنان لشعرها يتطاير فوق كتفيها وظهرها بحرية ويقدمها ترتدي حذاء ذو كعب عالي.

كانت تقف أمامه بكل ثبات وتنظر في عينيه بتحدي مما أثار جنونه أكثر وجعله يسألها منفعلًا:

_إيه اللي لبساه ده وإيه اللي مطلعك برا إكده 

قالت غزل بكل برود متعمدة اشعال نيران غيظه أكثر:

_هو أنت متعرفش ولا إيه I think أن أنت كنت موجود الصبح لما قولت لجدو أني عايزة اروح استقبل my friend من المطار وهو accepted 

رسم على ابتسامة صفراء على ثغره محاولًا التحكم بانفعالاته فهو قضى يوم طويل ومليء بالأحداث الموترة العصاب ولا يريد الآن أن يكون نصيب من ذلك اليوم العصيب:

_ أه بس أنا مأكسبتش ياغندورة! 

لم تفهم كلمته التي بالمنتصف وهتفت بعدم فهم:

_what ?!!

علي بلهجة آمرة ونظرة مرعبة:

_يعني ادخلي چوا ورجلك دي متعتبش برا عتبة البيت فاهمة ولا لا

غزل بغيظ من تحكماته بها والأوامر التي يلقيها عليها باستمرار:

_No مش هدخل ياعلي وأنت مش هتتحكم فيا وهروح المطار

أنهت عباراتها وتحركت خطوة بالضبط بعدما دفعته من أمامها تنوي عدم الانصياع لأوامره والذهاب عنادًا به، فوجدته يقبض على ذراعها بقسوة غريبة وينظر لها محذرًا إياها:

_غزل متخلنيش استخدم معاكي اسلوب مش هيعچبك يابت الناس، ادخلي وغيري الخلچات اللي كيف قِلتها دي قبل ما حد يلمحك، عشان لو حد لمحك بيها هتشوفي مني النچوم في عز الضهر

صاحت به منفعلة بعناد شديد وعدم اكتراث لتحذيراته:

_ قولتلك مش هدخل وأنا مش خايفة منك 

ودت الفرار من قبضته وتنفيذ رغبتها رغمًا عنه، فمال بوجهه للجانب بعدما مصمص شفتيه بنفاذ صبر وقد طفح كيله منها ولم يتبقى سوى حل واحد مع تلك المتمردة، بحركة احترافية منه لفها فأصبح ظهرها مقابل لظهره ولف ذراعيها خلف ظهرها وأمسك بهم بأحكام وباليد الأخرى كتم بها على فمها وهتف له بصرامة:

_اتحركي يلا على چوا قصادي 

تمنعت وحاولت التحدث لكن صوتها لا يخرج بسبب يده، ظل تتلوى بين ذراعيه رافضة التحرك فارغمها هو على الحركة وسارت معه مجبرة وهي تتلوى في سيرها تحاول الإفلات من قبضته.

أطلق علي تأوهًا بعلم عندما شعر بأسنانها الحادة تغرز في باطن كفه ولا إراديًا رفع يده عن فمها متأوها بينما هو فاستغلت الفرصة وهرولت راكضة باتجاه الباب لتهرب منه، لكنه ركض خلفه ولحق بها وبظرف لحظة كانت فوق كتفه وتلكمه في ظهره بغضب صائحة به:

_نزلني يابربري ياهمجي، هصوت والم عليك البيت كله

لم يكترث لها لعمله بأن لا يوجد بالمنزل أحد سوى أمه فالجميع خرج ليطمئن على جلال ومازالوا بالخارج، قاد خطواته الأعلى يصعد الدرج بها بكل برود وهي تصرخ بعصبية:

_"علي" نزلني أنت مجنون إيه اللي بتعمله ده!

قال متوعدًا لها بحنق:

_أنتي لساتك مشوفتيش الچنان اللي على حق مني

أدركت أن لا جدوى من المحاولة معه فلا يوجد أحد لينقذها من بين براثن ذلك البربري فحتى والدته نائمة بغرفتها ولن تسمعها أبدًا، ارتخت عضلاتها واستسلمت له وهي تشتمه باللغة الأنجليزي في كلمات وصلت لأذنه وفهمها جيدًا فقال لها برجولية:

_لمي لسانك بدل ما اقصهولك

تأففت بصوت عالي منزعجة وانزلها أخيرًا داخل غرفتها ورفع سبابته في وجهها يحذرها بحدة:

_غيري اللي لبساه ده وياويلك وسواد ليلك ياغزل لو شفتك لابسة كيف الخلچات دي تاني وطالعة بيهم قصاد حد

تقدمت خطوة إليه ووقفت أمامه مباشرة لعيناه بخبث:

_ليه هو أنت بتغير عليا!!!! 

ارتبك بالقوانين الأولى واختار بماذا يجيبها لكنه قال بثبات مزيف:

_أنا نبهتك وعملت اللي عليا

أنهى كلماتها واستدار ينوي الرحيل بينما هي فعقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بلؤم:

_طالما مش بتغير عليا يبقى براحتي بقى وعود نفسك أنك هتشوفني باللبس المخلع ده كتير 

ضغطت على كلمة " مخلع " بشدة لتذكره به فالتفت هو لها ثانية ورميها بنارية وعاد يندفع نحوها ثائرًا مجددًا فترتدت هي للخلف خوفًا منه ووجدته يهتف بوعيد حقيقي:

_طب ابقي البسيه إكده واعمليها وخليني اشوف هتقدري تعمليها كيف قصادي

ابتسمت بمكر وعينان تلمع بوميض التحدي والاستمتاع ثم قالت له في برود مستفز:

_ممكن تطلع عشان اغير خلجاتي المخلعة احسن اطلع بيا تاني قدام الناس ويشوفوني يا.... بتقولوها إيه عندكم.. آه.. يا أبو علي 

جز على أسنانه مغتاظًا منها لكنه هذه المرة لم يعقب واكتفى بالصمت ونظرات الوعيد والتحذير لها، ثم استدار وغادر الغرفة وتركها تقف مكانها كما هي تعقد ذراعيها أسفل صدرها وتبتسم بلؤم.

                                    ***

داخل المستشفى....

كان بشار يجلس فوق المقاعد الحديدية وعلى وجهه علامات الراحة بعدما أخبره الطبيب أن " مريم " أصبحت حالتها الصحية مستقرة وسيتم نقلها لغرفة خاصة بناءًا على رغبة بشار وستظل تحت المراقبة الطبية والمتابعة إلى حين استيقاظها من غيبوبتها، وبث الطمأنينة في صدره موضحًا له أنها ربما تفوق خلال أيام قليلة ولن تستمر الغيبوبة لفترة طويلة.

استقام واقفًا بعد وقت طويل من التفكير والشرود عندما أخبرته الممرضة أنه تم نقلها للغرفة الخاصة ويستطيع رؤيتها إذا أراد، فأسرع متلهفًا وكان على وشك دخول الغرفة لكن أوقفه وصول والدها وشقيقها وهم متلهفون ويسأله والدها بقلق:

_إيه يابشار طلعت من العناية

هز بشار رأسه بالإيجار وهتف:

_أه نقلوها وهي كويسة الدكتور طمني متقلقش، ادخل ياعمي شوفها واطمن عليها

نظر شقيقها لوالده وقال بلهجة جادة:

_ادخلها أنت يابابا وأنا هروح اتكلم مع الدكتور واسأله عن كام حاجة وبعدين هجيلك

اماء له أبيه بالموافقة واستدار ليتجه نحو الغرفة ويدخل وأشار لبشار بأن يدخل معه ويطمئن عليها، جلس والدها على مقعد جانب فراشها وأمسك كفها الناعم وراح يتمعن في ملامحها وهي نائمة وحولها الأجهزة وعيناه امتلأت بالدموع رغمًا عنه، بينما بشار فبقى واقفًا يتأملها في حزن وحسرة، فالندم مازال يأكله من الداخل ويلوم نفسه أنه كان سببًا فيما أصابها، قذف بعقله مشهدًا لطيفًا لهم معًا وسرح يتذكره بكل تفاصيله.

كانوا بمكان مفتوح وتحاوطهم المياه من الأربع جهات، وكانت هي بانتظاره تحدق في المياه بفراغ تنتظر انتهائه من مكالمته الهاتفية، حيث كان يقف على مسافة بعيدة نسبيًا عن طاولتهم ويتحدث في الهاتف وهي تنقل نظرها بينه وبين المياه كل لحظة والأخرى لكنها كانت تتأمله وعلى ثغرها ابتسامة مغرمة وهائمة، وما هي إلا دقائق معدودة وانتهى أخيرًا من مكالمته وعندما التفت له ورآه تتمعنه بنظرة ذائبة ابتسم لا إراديًا وتقدم نحوها ثم جلس على مقعده أمامها هامسًا بمداعبة:

_إكده أنا هتغر في نفسي

اشاحت بوجهها عنه وهي تبتسم بخجل بسيط دون أن تجيبه ثم همست بعد ثواني:

_يمكن أول مرة اقولك الكلام ده يابشار بس أنا حقيقي لما بشوفك أو بسمع صوتك برتاح وبنبسط أوي

طالت نظرته الدافئة لها رغم أنها لم تكن مفعمة بالمشاعر كخاصتها لكنها كانت كلها ود وحنو وتمتم له بصوت رجولي هاديء:

_ربنا يقدرني وابسطك دايمًا ياست البنات

لاحت ابتسامة أنثوية ناعمة على ثغرها وهي تردد برقة تليق بها:

_وربنا يديمك ليا وميحرمنيش منك

دام صمتهم لدقائق وهي يتمعنها بلطف وهي تحاول تفادي نظراته استحياء منه، لكن قررت الخروج من فقاعة الصمت والكشف عن مفاجأتها له فقالت له بحماس طفولي جميل:

_هو أنت نسيت ولا إيه أن النهاردة عيد ميلادك؟!

اتسعت عينيه وقال بعد تفكير بسيط وقد اشكر أن يوم يوم مولده بالفعل:

_انا نسيت فعلًا، انتي عارفة أنا مش بفتكر الحجات دي ولا يهتم بيها 

رفعت مريم حاجبيها وابتسمت له هاتفة بدهشة:

_يعني قصدك أن يوم عيد ميلادي مش هتهتم بيا 

قهقه بخفة عليها ورد عليه مغازلًا:

_لا ياست البنات هو أنا أقدر، أنتي غير برضوا

مال ثغرها للجانب بابتسامة دافئة وعاشقة ثم أخرجت من حقيبتها علبة صغيرة مستطيلة وملونة ومدتها له وهي تهمس بحب:

_كل سنة وأنت طيب ومعايا 

اتسعت عيني بشار مندهشًا وظهرت بسمته العريضة  ثم مد يده وجذب العلبة من يدها ليفتحها ويجد ساعة رجالية فاخرة وجميلة فلمعت عينه بفرحة وامتنان واضح ولم يلبث للحظة حتى سمعها تسأله باهتمام وحماس:

_إيه رأيك؟ 

تمتم بشار بحب ونظرة دافئة:

_طالما أنتي اللي چيباها تبقى حلوة زيك ياغالية

قالت بسعادة:

_طيب يلا البسهالك بقى 

اعطاها له ومد رسغه لها لتلبسه الساعة بيدها وهو يراقبها بعينان تفيضان ودًا.

فاق من شروده وعاد لواقعه وهو ينظر ليده والساعة التي يرتديها وابتسم بنظرة مريرة وراح ينقل نظره بينها وبين الساعة، وكأنها اهدته إياها ليحسب الساعات والأيام لحين عودتها له.

                                    ***

عادت آسيا للمنزل ودخلت وهي تتمنى أن لا تقابل أحد لكنها اصطدمت بإخلاص أمامها وهي تبتسم لها بشيطانية وهتف:

_حمدلله على السلامة يامرت الغالي 

رمقتها آسيا مطولًا بحنق وحدة ولم تجيبها ثم تحركت باتجاه الدرج تصعد ببطء وهي تلتفت خلفها كل لحظة والأخرى إلى إخلاص فترى نفس نظرة الشماتة في عينيها، ضيقت عيناها باستغراب ولكنها تجاهلت الأمر ووكانت في قرارة نفسها تقول " لا يهم أي شيء طالما عمران ليس بالمنزل ".

وصلت لغرفتها وفتحت الباب بكل راحة وطمأنينة لكنها تسمرت بأرضها عندما سقط نظرها على عمران الجالس فوق الفراش ينتظرها وهو ينظر باتجاه الباب.. عليها تحديدًا بعين قذفت الرعب في أوصالها.

                                     ***

على الجهة الأخرى كان جلال في طريق عودته للمنزل بعدما أثبتت برائته، وعقله مازال لا يصدق حقيقة أن زوجته وهي التي قدمت بلاغ عنه للشرطة، ويستمر في طرح الأسألة أهمها كيف عرفت بمكان عمه ولماذا فعلت؟!.

توقف بجوار المحل الكبير الذي بالقرب من منزله ونزل ثم اتجه نحوه وهو ينوي التأكد من شكوكه لينهي اسألته ويتأكد بنفسه، رحب به صاحب المحل بحفاوة وهو يهتف:

_أهلًا وسهلًا يامعلم جلال المحل نور والله

ابتسم له جلال بصفاء وهتف:

_بنورك ياعم حامد 

ثم راح يلتفت حوله يتفحصمحتويات المحل وبضاعته ثم قال بأعين مترقبة لسماع الإجابة:

_اديني ياعم حامد من نوع المكرونة اللي اخدت منها أم معاذ امبارح

ضيق الرجل عينيه باستغراب وقال بحيرة:

_بس أم معاذ مچتش اشترت حاچة من عندي من حوالي اسبوع  آخر مرة چات لما كنتوا لساتكم ناقلين چديد

لم تظهر معالم الدهشة على تعبيرات جلال فتلك الإجابة كان يتوقع سماعها، والآن تأكد من شكوكه كلها ووجدت الإجابة على كل اسألته.

ابتسم للرجل وقال له بهدوء:

_يمكن أنا سمعت غلطت منها عاد ، اديني تلات كياس طيب 

_ أجبلك نوع إيه؟ 

أجابه جلال بعدم اهتمام:

_أي حاچة

اعطاه طلبه وحاسبه جلال ثم غادر المحل واستقل بسيارته لينطلق بها حتى وصل أمام بنايته ونزل ثم دخل واستقل بالمصعد الكهربائى، وقف أمام طابقه وخرج ثم اقترب من باب منزل وأخرج المفتاح من جيبه ليفتح الباب وتعبيرات وجهه لا تبشر بالخير أبدًا فعيناه كانت حمراء كالدم من فرط الغضب ويقسم بالعقاب العسير لزوجته على أفعالها.

فور دخوله سمع صوت فريال التي هرولت من الداخل راكضة عندما سمعت صوت الباب ينفتح وتأكدت أن زوجها عاد:

_چلال أنت رچعت


الفصل الثامن عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

لقراءة الجزء الاول من رواية ميثاق الحرب والغفران من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close