أخر الاخبار

رواية ضروب العشق الفصل الثالث والاربعون 43 بقلم ندي محمود توفيق



رواية ضروب العشق 

الفصل الثالث والاربعون 43 

بقلم ندي محمود توفيق 


عاصفة ثلجية ضربت قلبه فأنشأت صقيع لن يمحوه سوى دفء الشمس ، وهذا لا يُسميه بمعنى الهروب من الواقع كما يظنون ، هو فقط بحاجة لفترة نقاء بعيدًا عن الكل ؛ حتى يتمكن من التسامح مع نفسه أولًا ويقبلها بأخطائها الشنيعة ! .

كان جالسًا بشرفة أحد المنازل الأرضية التي استأجرها موخرًا لقضاء فترة نقائه فيها ، قرر أن يفعل كما اعتاد قديمًا أن يخلو بنفسه كل فترة والأخرى ويتفرغ فقط لعبادة ربه ، يبتعد عن كل شيء يشغله عن التفرغ التام لربه في هذه الفترة ، بلا هاتف ، بلا عمل ، بلا تلفاز ، وأخيرًا بلا أي وسائل تكنولوجية حديثة .. كان المنزل يعطي وجهه إلى البحر مباشرة وبمنطقة شبه معزولة قليلًا عن المنطقة المكتظة بالسكان ، مما سيوفر له الراحة النفسية وعدم الأزعاج الذي يحتاجه ، وبيده مسبحته الخاصة يذكر الله بقلبه قبل لسانه وشفتيه ، وكلما يهمس بالذكر يرجع بإحدى حباتها إلى الخلف بينما عيناه معلقة على منظر المياه أمامه . 

اشتاق لزوجته كثيرًا خلال فترة غيابه عن المنزل ، لكن هذا هو أفضل حل لكليهما فإن عاد لها وهو مشوش ذهنيًا وليس بحالته الطبيعية لن يتمكن من مواجهتها بالطريقة الصحيحة والأمور ستزداد سوءًا بينهما بعدما يخبرها بكل شيء ! .


بينما بمصر تحديدًا داخلة غرفتها ، وساوسها تنهشها نهش ولا تتوقف عن اسئلتها التي تتكرر بنفس المعنى في ذهنها ، وهي لماذا لم يعود معهم ولما هاتفه مغلق ؟! ، تحاول إجاد سبب مقنع لبقائه هناك فما العمل الذي سينهيه ويعود بعد ذلك ؟! هو أساسًا لم يخبرها قط من قبل بأنه لديه أعمال في لندن !! .

فتحت أمها الباب بعد طرقها الذي لم تسمعه بسبب شرودها واقتربت منها تهتف باستغراب :

_ مالك ياملاذ دخلتي الاوضة وقفلتي على نفسك ليه ؟!!


نظرت لأمها بأعين موهومة وغمغمت :

_ برن على زين تلفونه مقفول ياماما .. ومش عارفة خايفة ومش مطمنة !


_ يمكن تلفونه فاصل شحن يابنتي بلاش توهمي نفسك بحجات ملهاش لزمة .. اصبري شوية وجربي ورني عليه تاني


رمقت أمها بشرود وتفكير ثم استقامت واقفة بعد ثواني وتمتمت :

_ طيب ياماما اسبقيني برا وأنا هغير هدومي واطلعلكم


هزت الأم رأسها بالموافقة وهي تبتسم بعذوبة ثم استدارت ورحلت وتركتها في أفكارها التساؤلية التي لا تتوقف !!! ....


                                ***

وقف علاء خلف والده ينتظره أن يخرج المفتاح ليفتح الباب ويدخلوا ، ثواني قليلة ووضع طاهر المفتاح في القفل ثم اداره فانفتح الباب ودخل ومن بعده علاء .. الذي توقف بمجرد دخوله عندما انتبه لصوت الضحك المنبعث من المطبخ .. تبادل هو وطاهر نفس النظرات المستغربة والمدهوشة بنفس اللحظة بعدما سمعوا أصوات الكركرة ! .

تمتم طاهر قاطبًا حاجبيه : 

_ دي مش ميار اللي قاعدة مع امك جوا وبتضحك معاها ؟!!! 


هز علاء رأسه بالإيجاب وقد اتخذت معالمه الصدمة ، فلا يصدق أن تكون نجحت بكل هذه السهولة أن تحسن علاقتها بأمه من مرة واحدة ويصل الوضع إلى الضحك والمزاح كما يسمعون الآن !! .

تقدم هو أولًا نحو المطبخ ولحق به طاهر ، اقتحموا عليهم جلستهم النسائية وضحكهم .. ليتوقفوا عن الضحك وتستقر عيناهم عليهم فيجدوا أنهم يقفون كالبُلهاء لا يفهموا شيء ولا يستوعبوا ما يروه ! .

تحدث طاهر وهو يضحك على كم الود والحب الذي يراه أمامه بين زوجته وابنة أخيه : 

_ خير إن شاء الله ضحكونا معاكم ؟! 


اكتفوا بالتحديق في بعضهم وهم يبتسموا ثم هتفت الأم بإشراقة وجه جميلة : 

_ كويس إنكم جيتوا بدري كنا مستنينكم عشان الغدا .. يلا روحوا غيروا هدومكم وأنا وميار هنحط الأكل على السفرة على ماتنزلوا 


نظر طاهر ناحية ابنه الذي لا يزال يرمقهم ببلاهة فقبض على ذراعه ساحبًا إياه معه للخارج وهو يهمس بالقرب من أذنه مبتسمًا :

_ تعالي تعالي متشغلش دماغك بمواضيع الحريم يابني عشان متتعبش


كتم علاء ضحكته وهمس مداعبًا :

_ أهاا احنا خلينا في بطننا أهم حاجة الأكل ياحج


قهقه طاهر عاليًا وهو يجيبه بتأييد:

_ بالظبط


نصف ساعة تقريبًا مرت حتى التف الجميع حول مائدة الطعام ، فكل من طاهر وعلاء أخذوا حمامًا دافئًا قبل أن ينزلوا ؛ حتى ينعشوا جسدهم المرهق من ضغط العمل .

بدأ علاء بتناول طعامه وكذلك الجميع باستثناء ميار التي ذهبت للمطبخ حتى تجلب الملح بعدما نسيت أن تضعه زوجة عمها على المائدة ، عادت لها وناولتها ( الملاحة ) وهي تهتف بصوت عذب وتلقائي :

_ اتفضلي ياماما


بنفس اللحظة التي نطقت فيها هذه الجملة كان علاء يذهب بيده إلى فمه حتى يضع فيه اللقمة لكن يده وقفت في منتصف الطريق ورفع نظره يحدق بزوجته وأمه منذهلًا ، وفمه كان لا يزال فيه الطعام الذي لم ينتهي من مضغه جيدًا فنزل  في حلقه ووقف ! ، فانتفض الجميع جالسًا بزعر على صوت سعاله العنيف فجاة ، لترتب أمه على ظهره هاتفة بقلق :

_ اسم الله عليك ياحبيبي


رفع نظره إلى ميار التي تقف متسمرة بأرضها مخضوضة من سعاله القوي وأشار لها بيده على فمه وهو يضم أصابعه على شكل كأس الماء ، ففهمت والتقطت زجاجة الماء الموضوعة على منضدة صغيرة بجانب المائدة وسكبت في الكأس الموجود بجانبها ثم مسكته وهرولت به إليه ليجذبه من يدها ويشربه كله دفعة واحدة ، وهي تراقبه بعيناها ألى أن انزل الكأس من فمه وسنده على سطح المائدة ورمقها بنظرة ثاقبة اربكتها ! ، وبلحظة غير متوقعة منه جذبها من ذراعها لتنحني عليه ويهمس هو بجانب أذنها : 

_ إنتي عملتي إيه في ماما ؟!


كانت ستنطلق منها ضحكة ولكنها تمالكت نفسها واعتدلت واقفة وهي تزغره بنظرها أن يهدأ إلى حين ذهابهم لمنزلهم وهي ستشرح له كل شيء ، شد جسده في مقعده وجلس باعتدال ليحدق أمه بنظرات مريبة وهو يبتسم بتكلف حتى لا يوتر الأجواء أكثر من ذلك !! .


                             ***

في تمام الساعة التاسعة مساءًا .....

كان حسن بمكتبه الخاص في المنزل ينهي الأعمال المتبقية وغير منتبهًا للساعة وأنه استغرق حتى الآن ثلاث ساعات وربما أكثر وهو يعمل !! . فصك سمعه صياحها وهي تنده عليه بعصبية ليرفع نظره عن الورق ويقطب جبينه بتعجب وسرعان ما هب واقفًا وغادر المكتب متجهًا لها فيجدها تمسك بهاتفه بيد واليد الاخرى تعقدها في وسطها وقسمات وجهها تبشر بطوفان عاتي قادم ، عيناها حمراء كالدم .. كل هذا لم يكن سوى علامات لتفسير شيء واحد وهو الغيرة ، فهو يحفظ هذه الحركات جيدًا عن ظهر قلب .. رفعت الهاتف وادارته لناحيته تهتف بغضب : 

_ مين دي ؟!


كان بالهاتف صورة تجمعه مع امرأة .. لا تبدو أبدًا كصورة تسكع أو أي شيء آخر كما تتوقع ، بل بالعكس كانت صورة رسمية والمرأة التي تشاركه إياها كانت بملامح حازمة وتقف بثبات وشموخ ، وفوق كل هذا المسافة بينهم كانت قرابة نصف متر !!! .

حسن باستنكار :

_ طاب أنا راضي زمتك .. هي دي صورة تغيري منها ياشيخة اتقي الله 


_ مليش دعوة .. أنا سألتك مين دي وبتتصور معاك ليه ومستنية الرد ياحسن 


_ يسر إنتي هرمونات الحمل مأثرة عليكي أوي والله بجد .. أصل مش معقول تصرفاتك دي ! 


صرخت باندفاع تحذره بوضوح : 

_ لا دي مش هرمونات الحمل .. وجاوب على السؤال متتهربش ياحسن ، أصل إنت شكلك وحشتك يسر القديمة


رفع حاجبه متعجبًا من ردها ثم تقدم نحوها بخطواط بطيئة متمتمًا بأعين صارمة ونبرة رجولية خشنة : 

_ وهتعملي إيه بقى لو مجاوبتش ؟! 


تقهقهرت للخلف ورفعت سبابتها تهتف بارتباك وتهديد مصتنع : 

_ خليك مكانك ومتتحركش احسلك .. لاحسن والله اتعصب بجد وإنت حر بقى 


مالت شفتيه لليسار في شبه ابتسامة وأكمل تقدمه نحوها هامسًا : 

_ اتعصبي 


ظلت تتراجع للخلف حتى اصطدمت بالأريكة فجلست عليها ورمقته بشجاعة وعدم مبالاة مزيفين ، بالأخص عندما انحنى عليها بجسده وحاوطها بكلتا ذراعيه من الجهتين مستندًا بكفيه على الأريكة ، فتراجعت عن طريقتها وقالت بلطافة غير معهودة منها في مثل هذه المواقف : 

_ على فكرة أنا كنت بس عايزة اعرف مين دي .. مكنش في نيتي حاجة تاني ، إنت بس اللي كبرت الموضوع 


رأته ينفجر ضاحكًا بصوته الرجولي ويهتف ساخرًا : 

_ بقى هي دي يسر القديمة !! 


شدت عضلاتها وهمست أمام وجهه مباشرة وتحديدًا شفتيه بمكر أنوثي ونظرات مثيرة تحمل الشراسة : 

_ ما أنا لو عايزة اورهالك هورهالك ياحبيبي .. بس مفيش واحدة تستاهل إننا نتخانق مع بعض عشانها ، لأن باختصار شديد إنت ليا ومفيش مخلوقة تقدر تقرب منك لأن سعتها هتكون جنت على نفسها 


أثارت رجولته وأذابته فجعلته مغيب وفقط يحدجها بهيام وبأعين راغبة ، فبآخر كلماتها تمكنت من ايقاظ نيران شهوته .. رأته يميل برأسه إليها مختلسًا المسافة القصيرة بينهم فرجعت برأسها للخلف هاتفة بلؤم رافضة : 

_ تؤتؤ لما تقول مين دي الأول ؟! 


فتح عيناه على وسعهم وصاح بها منفعلًا على افسادها للحظتهم واندماجه بالتركيز على خطوته القادمة : 

_ ماتتحرق بجاز معفن أنا مالي بيها ، امال هو مفيش واحدة تستاهل نتخانق عشانها لكن في واحدة تستاهل نهدم لذاتنا عشانها 


اغمضت عيناها كدليل علي رفضها للاستسلام له ، وهزت رأسها نافية تهدر بإصرار : 

_ هو ده اللي عندي .. تقولي مين دي الأول وبعدين افكر في الموضوع التاني 


_ ومين قالك إني هستناكي تفكري أصلًا .. وإن مكنش بالذوق يبقى بالعافية 


انحنى عليها مجددًا حتى يحصل على مبتغاه وهو القبلة ولكنها اخفت شفتيها بكفيها وهي تضحك بمشاكسة ، فيجيبها مغتاظًا وبوعيد حقيقي : 

_ يعني مش هتيجي بالذوق .. تماما براحتك !


حملها على ظهره وسار بها باتجاه غرفتهم ، ظلت تلوح بقدماها في الهواء وتهتف ضاحكة :

_ طيب خلاص نزلني وهنتفاهم والله 


لم يجيبها فعادت تهتف من جديد : 

_ طب أنت ماخدني الأوضة ليه دلوقتي ؟!


استنكر سؤالها واجابها باستهزاء منها :

_ هنشرب كوبايتين شاي في الهواء الطلق 


حاولت أن تعدل جسدها ولكن دون جدوي لتجيبه باقتضاب :

_ إنت كل المشروبات بنسبالك شاي .. امتى هتفهم اني مبحبهوش ؟!! 


هتف بكل بساطة وبرود بعدما وصل إلى الغرفة : 

_ لما تحبيه ! 


دخل واغلق الباب خلفه لتبدأ ليلتهم الغرامية التي لا يوجد فيها سوى عشقهم المُتيم ! ...


                               ***

الأضواء الهادئة في كل جزء والصمت القاتل يملأ المنزل كله .. وكانت هي تسير بخطوات خفيفة في الطرقة الطويلة المؤدية في آخرها إلى غرفة مكتبه ، وقفت أمام الباب ثم مدت يدها لمقبض الباب وانزلته لأسفل فانفتح .. دفعت الباب ببطء ودخلت بهدوء ، رأته يجلس على مقعد وثير في آخر الغرفة وعلى حجره يضع جهازه النقال ، وبمجرد دخولها اغلق الحاسوب فورًا ، فقطبت مابين حاجبيها باستغراب لكنها لم تظهر له اكتراثها بالأمر حيث تصرفت بطبيعية واقتربت منه لتجلس على ذراع المقعد الجالس عليه وتلف ذراعها حوله هامسة بابتسامة رقيقة : 

_ بتعمل إيه ياحبيبي ؟ 


أجابها وهو يبتسم بأسى وبنظرات زائغة : 

_ كنت بتفرج على الصور القديمة 


مدت كفها للحاسوب ورفعت غطائه وهي تهمس بنعومة : 

_ طيب ماتخليني اتفرج معاك 


ادار وجهه للجهة الأخرى وهي يتنهد مغلوبًا على أمره .. فلم يكن يريدها أن ترى الصور خشية  لتنجرح نفسيًا وتفهم الأمر بشكل خاطيء أو تنزعج بعض الشيء ! .

اضاءت الشاشة فاظهرت عن صورته مع أروى ! ، حولت رأسها نحوه ترمقه بنظرة ظن أنها ستغضب لكنها لم تفعل .. حيث حملت الحاسوب على حجرها وهي تسأله بابتسامة نقية : 

_ دي اروى مش كدا ؟ 


تلقت الرد منه بالصمت وهو يحدجها بحيرة من ردة فعلها ، بينما هي فجعلت تشاهد صورهم كلها وهي تبتسم بعدما فهمت لماذا اغلقه بمجرد دخولها عليه المكتب ! ، تمتم كرم بشيء من الريبة ليوضح لها الأمر أكثر : 

_ كنت بتفرج على صوري أنا وسيف الله يرحمه ، ولقيت صورنا أنا وهي في نفس الملف 


همست بعذوبة وصوت يفيض رقة وحنانًا مع ابتسامتها اللطيفة التي تحمل القليل من المكر : 

_ إنت كنت فاكر إني لما اشوف صوركم هضايق وهغير ؟!


ران عليه السكون يطالعها بترقب لحركتها القادمة بعد ردها الغريب ، بالفعل استقامت وتحركت خطوتين بعيدًا عنه حتى تضع الحاسوب على سطح المكتب ثم عادت له وجلست على حجره تلف كلتا ذراعيها حول رقبته مهمهة بصوت رحب وأعين دافئة وصافية : 

_ أولًا أنا مش من حقي امنعك إنك تحبها وعارفة إنها وحشتك ، ومش من حقي ازعل منك .. ثم إني أكيد مش هغير من واحدة ميتة .. إن جيت للحق أنا شخصيًا لما بتاجي على بالي احيانًا بتصعب عليا وبعذرك ، الطريقة اللي ماتت بيها بشعة ، بالأخص وأنا متخيلة اللي حست بيه وقتها .. كم الخوف والرعب ومشاعر كتير مش هعرف اوصفها لكن كلها أنا حسيت بيها لما حاول الحيوان ده يقرب مني مش بس يلمسني ، ولولا إن ربنا نقذني الحمدلله وإنت كنت معايا وقدرت تحميني منه كنت ممكن أكون ميتة زيها دلوقتي .. صدقني أنا اكتر واحدة فهماك ياكرم ، فمتخفش تحكيلي أي حاجة مهما كانت .. وكن متأكد إني هفهمك صح وهتلاقيني جمبك وبساندك 


لمعت عيناه بوميض العشق النقي ، فهي كما وصفها بالضبط ( طوق النجاة ) .. ربما لن تصدق إذا أخبرها أنه أحيانًا يظنها ليست حقيقية ، ذهنه يوهمه بأفكار ساذجة حول الملاك غير البشري الذي ارسله الله له ليخرجه من محيط أحزانه .. قد تكون أفكار سخيفة وحمقاء لكنه رغمًا عنه يتخيلها هكذا كلما يفكر في نعيم الحياة التي يعيشها مع امرأة لا يوجد لها مثيل بين كل نساء العالم في نظره !! .

تمتم بنبرة هائمة ومسلوبة السيطرة : 

_ إنتي إزاي كدا ؟!!


ابتسمت بحب وهمهمت ببساطة : 

_ إزاي كدا عشان لو كنت إنت مكاني مكنتش هتتصرف بالشكل ده يعني ؟! 


_ أكيد مكنتش هستحمل فكرة إن في مكان لراجل غيري في قلبك حتى لو كان ميت 


رفعت كتفيها لأعلى بريبة وهي تضحك بخفة وتجيبه بعذوبة وصوت لين به براءة يعشقها : 

_ معرفش أنا إزاي كدا ياكرم .. اروى هي الوحيدة اللي مبغيرش منها ممكن اغير لو شفتك مع أي واحدة تاني لكن هي لا ، بالرغم من إني عارفة إنها لسا مستحوذة على جزء من قلبك 


لحظة عابرة مرت بعد توقفها عن الكلام وهي تطالعه بغرام ، ثم وضعت كفها على منطقة قلبه واستكملت حديثها بمشاعر جيَّاشة :

_ بس يمكن ده عشان أنا كمان عارفة مكانتي في قلبك فين بظبط ، ومتأكدة إنك لو كنت بتشتقالها قراط فأنا عشرة ، ولو بتحبها فأنا بتعشقني .. يعني من الأخر أنا مرتاحة لإني ضامنة عرشي في قلبك وإن لا يمكن تعتلي العرش ده ملكة غيري 


اتسع بؤبؤي عيناه وهو يثبته عليها كدليل على السيل الجارف من المشاعر التي تتملكه الآن ، أو بالمعنى الأدق هو الخادم الذي يخر خاضعًا ومطيعًا أمام ملكة عرشه التي أثرته كليًا ، ليس عاطفيًا فقط بل ذهنيًا وجسديًا أيضًا .. همس بصوت خافض وذائبًا : 

_ شفق هو إنتي حقيقية ؟!


انفرجت شفتيها في ابتسامة واسعة لتلتصق به أكثر وتهدر بدلال مغري : 

_ إنت شايف إيه !! 


كرم بصوت يقطر حبًا وحنانًا وبنظرات كلها رومانسية جميلة : 

_ أنا شايف ملاك قدامي .. ربنا بعتهولي من السما ، وشايف اجمل ست في الوجود لدرجة إني مش قادر استوعب إن اللي بيحصل معايا ده حقيقي ، إنتي لما بتكوني في حضني وجمبي بحس باحساس غريب وكأن بين ايديا الكون كله .. بكون في قمة سعادتي لما اشوف ضحكتك ولم نكون مع بعض ..

 أنا سألتك السؤال ده قبل كدا وهسأله تاني دلوقتي .. إنتي عملتي فيا إيه ياشفق ؟ 


تلألأت الدموع العاشقة في عيناها فانحنت عليه واستندت بجبهتها على جبهته تجيبه بهمس اشبه بلحن غرام مميز وهي مغمضة عيناها : 

 _ حبيتك !


كلمة واحدة كان لها دورها في هدم جميع اسوار صموده أمام كتلة الجمال الصارخ هذه ، ليخر مهزومًا مستسلمًا لعواطفه المتيمة وشهواته تجاهها .. سمعت همسه الرجولي والمتملك يقول : 

_ أميرتي 


فتحت عيناها ورفعت جبهتها من عليه لتسلط عيناها على خاصته في لحظات مرت كالسهم قبل أن يأخذها معه ويبحر بها في عالهم الخاص .. مختسلين الوقت من الزمن لينعموا بلحظات رومانسية ليست الأولى ولا الأخيرة ......


                               ***

نزع القميص عنه ثم التقط التيشرت المنزلي وارتداه ، وهي كانت جالسة على الفراش تتفحص هاتفها بتركيز .. بينما هو فانتهي من تبديل ملابسه واقترب ليشاركها الفراش هاتفًا بفضول : 

_ هااا قوليلي بقى عملتي إيه مع ماما ؟


ميار بهدوء تام : 

_ اتكلمت معاها 


_ اتكلمتي معاها إيه ياميار ..ده إنتي لسا كنتي مكلماني وبتقوليلي هروح واحاول اصلح علاقتي بمامتك ، مش معقول بالسرعة دي ، ياشيخة ده أنا فكرتك عملتيلها عمل ولا حاجة !! 


قهقهت ببساطة وتركت الهاتف من يدها ثم اعتدلت جالسة لتصبح في مواجهته تمامًا وتهمس برزانة : 

_ لا مفيش سرعة ولا حاجة ياعلاء .. إنت عارف مامتك كانت بتكرهني إزاي ولما كنا قاعدين في البيت معاها حاولت كذا مرة اتكلم معاها واخليها تحبني معرفتش وكنت بفشل .. بس المرة دي تقدر تقول اتصرفت بذكاء معاها وقدرت اكسبها 


غمغم علاء بعدم فهم ونظرات مستنكرة : 

_ أيوة برضوا ما أنا مفهمتش إنتي عملتي إيه ولا قولتيلها إيه ؟!


غمزت بعيناها في لؤم أنوثي  تجيبه برفض : 

_ لا ملكش دعوة بقى قولتلها إيه .. دي حاجة بيني وبينها 


هتف ساخرًا رافعًا حاجبه : 

_ لا والله !! 


نكزته في كتفه بخفة وهي تهتف ضاحكة بمداعبة : 

_ خلاص بقى ياعلاء ، إنت شاغل دماغك ليه مش المهم إننا اتصالحنا خلاص والمشاكل اتحلت 


_ تصدقي عندك حق .. أنا مالي بمواضيعكم دي ما تعملوا اللي تعملوه ، ابعدي كدا وفسحي شوية خليني انام 


تراجعت بجسدها للخلف في الفراش وهي تجيبه بتعجب : 

_ افسح !! 


لم يعيرها اهتمام وسحب الغطاء على جسده ثم مد يده لكبس الكهرباء ليطفأ الضوء ، فتلفتت هي حولها في الظلام الداس الذي كسا الغرفة بأكملها ، أصدرت تنهيدة حارة ودخلت اسفل الغطاء معه لتعانقه من الخلف هامسة بأنفاسها الحارة التي لفحت عنقه : 

_ علاء أنا عايزة أنام في حضنك طيب 


هدر بنبرة عادية دون أن يفتح عينه أو حتى يلتفت لها : 

_ بكرا بكرا ياميار .. مش كفاية لازقة في ضهري زي الجرادة !


لوت فمها بتذمر وغيظ ، فضربته على ذراعه بشبه قوة وهتفت وهي تبتعد عنه وتوليه ظهرها : 

_ إنت أصلًا بارد .. أهو بعدت عنك نام واشبع نوم 


فتح عيناه وبقى على وضعه ينتظر أن يسمع أي حركة أو صوت منها لكنها سكنت تمامًا ، مما أكد له أنها تضايقت كثيرًا حقًا .. تأفف بعدم حيلة واستدار بجسده ناحيتها ليجده متمددة بجواره وتوليه ظهرها ، اقترب منها وفعل مثل فعلت عندما عانقته من الخلف وهمس معتذرًا بلطافة : 

_ متزعليش مكنش قصدي والله .. أنا كنت بهزر وإنتي اخدتي الموضوع بجد وزعلتي ! 


تملصت من بين محاصرته لها وابعدته عنها متشدقة بقرف مصتنع : 

_ لو سمحت متلزقش فيا زي الجراد عشان مبحبوش وبخاف منه 


كركر بصوته الرجولي عاليًا وعاد يجذبها إليه مجددًا وهو يقول مشاكسًا إياها : 

_ ماهو الجراد لما بيمسك في حاجة مش بيسبها بسهولة ، وأنا خلاص مش هسيبك 


ميار بوجه عابس ومختنق : 

_ ابعد ياعلاء عشان بجد أنا مضايقة مش بهزر  


دغدغها في أعلى وسطها فانتفضت بمكانها وهتفت بنظرة منذرة تتصنع من خلالها الحدة المزيفة وهي تكتم ابتسامتها : 

_ لا بص اوعى ! 


انكمشت على نفسها حتى لا تدع له مساحة ليكي يدغدغها فيها ولكن قوته الجسمانية فاقت جسدها الناعم ، حيث اغار عليه يدغدغها بيديه الأثنين في أماكن متفرقة من جسدها ودفن وجهه بين ثنايا رقبتها يلثمها وهي تتلوي بين يديه محاولة التملص منه وتضحك بهستريا صائحة به : 

_ بس ياعلاء خلاص ابوس إيدك مش قادرة والله .. علااااء 


انفجر هو الآخر ضاحكًا على ضحكها الهستيري ورغم ذلك لا يحررها من بين براثينه !! .....


                               ***

في تمام الساعة العاشرة صباحًا من يوم جديد .....

كانت تقف أمام المرآة وترتدي حجابها ونقابها بعد أن انتهت من ارتداء ملابسها بالكامل ولم يتبقى سوى حجابها .

الأمر أصبح ليس مطمئنًا أبدًا ، فمنذ صباح الأمس وهي تحاول الوصول له ولكن هاتفه مغلق ، مما جعل الشك والوساوس السيئة تجد طريقًا للولوج إلى ذهنها ، تتساءل عن سبب عدم عودته ! ، هل عرف بأنها عرفت الحقيقة ويخشي أن يأتي حتى لا يواجهها ؟! ، أم لديه أسبابًا أخرى ؟ ، أو أنه أصاب بمكروه ؟ .. وهذه كانت أكثر فكرة ترعبها !! .

فتحت أمها الباب ودخلت لتندهش بها وتهتف بريبة : 

_ رايحة فين ياملاذ ؟! 


ملاذ بخوف يعتيلها وقلق : 

_ ماما زين تلفونه مغلق من إمبارح وأنا هتجن من القلق عليه .. هروح عند طنط هدى يمكن يكونوا عارفين أو اتصل بحد من اخواته 


 _ وهو هيتصل ياخواته وأمه وميتصلش بيكي ليه يعني ياملاذ .. ماهو أكيد هيطمنك زي ماهيطمنهم ، ارتاحي يابنتي واتصلي بيهم من البيت هنا اسأليهم .. متتعبيش نفسك وإنتي حامل لتأذي نفسك وابنك 


اجابت بإصرار : 

_ معلش ياماما خليني اروح بنفسي .. كدا هرتاح أكتر ومتخافيش عليا أنا كويسة ومش هتعب نفسي 


قالت أمها بنفاذ صبر من عنادها : 

_ طيب استني هقول لأخوكي يوصلك متروحيش وحدك 


_ لا لا أنا هروح وحدي بعدين إسلام متفق مع خطيبته هيروح يشوفها .. بلاش اخره على معاده مع رفيف ، يلا مع السلامة 


سحبت حقيبة يدها واندفعت إلى الخارج لتغادر المنزل بأكمله ، فتقف أمها بمكانها مسلوبة الحيلة وهي تزفر بقوة ! ...


                                 ***

داخل مقر شركة عائلة العمايري ....

طرق عدة طرقات خفيفة على الباب ولم يدخل إلا عندما سمع صوته الغليظ يسمح للطارق بالدخول ، خطي إلى داخل الغرفة واغلق الباب خلفه بهدوء تام .. وكان طاهر نظره ثابت على الاوراق التي أمامه فهتف بصوت جاد بعدما ظن أن الذي دخل هو ابنه : 

_ هااا ياعلاء عملت إيه في اللي قولتلك عليه ؟! 


 أخذ حسن نفسًا عميقًا واخرجه زفيرًا متهملًا باضطراب ، وهو متصلب بمكانه لا يصدر أي صوت ينتظر من عمه أن يرفع عيناه عن الورق ، وبمجرد ما أن رفعها ورآه تهجمت ملامحه وتقوست لتأخذ ملامح الغضب .

عاد يخفض نظره للورق مجددًا وهو يهتف بصرامة واستياء : 

_ إنت لسا ليك عين تاجي تقف قدامي !! 


تنهد حسن الصعداء واقترب خطوتين نحو مكتبه وهو يقول بندم صادق : 

_ عمي إنت في مقام بابا الله يرحمه بنسبالنا ، وصدقني مش هقدر اخسرك لا إنت ولا علاء .. أنا آسف سامحني .. عارف إن اللي عملته ملوش مبرر ومتستاهلش تسامحني عليه ، بس والله أنا ندمان وعرفت غلطتي وعقلت وفهمت ولا يمكن اغلط غلطة زي دي تاني 


طاهر بجفاء وعصبية : 

_ اوعي تفتكر إني خلاص نسيت موضوع الطلاق عشان يسر عايزاك .. أنا لسا عند قراري  


حسن بشجن ويأس :

_ أنا كلمتك لما كنت في امريكا .. ولو فاكر قولتلك إني بحب مراتي ومش هطلقها ، عندي استعداد احلفلك على المصحف إني لا يمكن أذيها تاني وإني هشيلها في عيني وقلبي .. أنا عرفت قيمة يسر ياعمي ولا يمكن اعمل حركة غبية تاني تضيعها مني 


هب طاهر واقفًا وهو يصرخ به بانفعال : 

_ بعد كل اللي حكيته لينا مستني مني استأمنك على بنتي تاني إزاي !! 


حسن بنبرة رخيمة وبوعيد رجالي حازم : 

_ عندك حق تخاف عليها مني .. بس اديني فرصة أخيرة واوعدك إني هكون قد الثقة المرة دي ومش هخون الإمانة تاني مهما حصل 


استقرت في عينان طاهر نظرة مريبة وثاقبة كالصقر ، مع قسمات وجه قاسية دون ان يجيبه بأي شيء !! ...


                                ***

قادت هدى خطواتها في الردهة الطويلة المؤدية إلى الباب .. وصلت وفتحت لتجد ملاذ أمامها فتستقبلها بوجه بشوش هاتفة : 

_ ملاذ ! .. أهلا يابنتي ادخلي 


دخلت وتجولت بنظرها في الأرجاء لتتأكد من عدم وجود أحد ، بينما هدى فاغلقت الباب خلفها وتمتمت مبتسمة : 

_ ارفعي النقاب محدش موجود اطمني 


رفعت عن وجهها النقاب ونظرت لها تهدر بابتسامة عذباء : 

_ عاملة إيه ياطنط وحشاني والله 


_ وإنتي اكتر ياحبيبتي والله .. حمدلله على سلامة إسلام 


_ الله يسلمك 


تساءلت هدى بحسن نية وبنبرة طبيعية تمامًا : 

_ امال زين مجاش معاكي ليكي .. ليه اسبوع مسافر وكان قايلي إنه لما يرجع هياجي يشوفني 


اختفت ابتسامة ملاذ تدريجيًا بدهشة وقالت بعبوس وارتيعاد : 

_ هو متصلش بيكي أو بكرم أو حسن حتى ؟!!! 


ضيقت هدى عيناها وقالت بقلق مشابه لها بعدما احست بأن هناك شيء سيء حدث : 

_ لا متصلش .. ليه هو في إيه ؟!!! 


مسحت ملاذ على وجهها متأففة بيأس واتجهت نحو الأريكة لتجلس عليها وتهتف بصوت متلقلق : 

_ زين مرجعش مع بابا وإسلام .. قالهم إنه معاه شغل وهياجي وراهم وميعرفوش حاجة عنه وأنا من إمبارح بحاول اوصله وتلفونه مغلق .. هتجن من الخوف عليه ، قولت اجي هنا يمكن يكون كلمكم 


انقبض قلب هدى زعرًا ، وتسارعت دقاته برعب جلي .. حيث أجابتها بوجه خُطف لونه ونبرة مزعورة :

_  شغل إيه ده اللي معاه هناك ، أنا فكراه رجع من امبارح مع اخوكي وابوكي وكنت مستنياه النهردا ياجيلي ، وهو لو معاه شغل فعلًا قافل تلفونه ليه ؟!!


_ ماهو هو ده اللي هيجنني .. ليه يقفل تلفونه لو معاه شغل فعلًا زي ماقالهم !!!


التقطت هدى هاتفها وقالت بقسمات مرتعدة وصوت ليس عاديًا مطلقًا :

_ لا لا في حاجة مش طبيعية .. زين مش بيقفل تلفونه أبدًا ، أنا هتصل بكرم اخليه يشوف اخوه فين ؟!!


                                ***

فتح كرم عيناه على صوت رنين الهاتف المتكرر ، فتململ في فراشه متأففًا ونظر إلى زوجته النائمة بجواره فمد يده على الهاتف وكتم الصوت حتى لا يوقظها ثم اعتدل جالسًا والتقطت عكازه وسار إلى الخارج مجيبًا على الهاتف بهدوء :

_ أيوة ياماما


هتفت هدى بصوت مرتعد :

_ كرم اخوك متصلش بيك أو قالك حاجة


_ مين حسن ؟!


_ لا زين


أجابها بالنفي ونبرة مستغربة :

_ هو مش مسافر مع إسلام عشان العملية والمفروض يكون رجع إمبارح !!


هدى بخوف جلي وتوتر :

_ مرجعش ياكرم ومش عارفين نوصله .. تلفونه مغلق ومنعرفش بيعمل إيه ، قالهم معاه شغل هناك وهيرجع وراهم .. إنتوا ليكم شغل في بلجيكا ؟!


ابتسم كرم بسخرية وهتف بجدية بعد أن بدأ القلق بتسرب لأعماقه هو أيضًا :

_ شغل إيه ده بس ياماما اللي لينا في بلجيكا !! .. بصي متوتريش نفسك وأنا هكلم حسن وهنتصرف وهنشوفه فين ، أنا مستغرب والله !! .. اصل زين مش بتاع الحركات دي أبدًا !


هدى بنبرة متوسلة وصوت تخنقه العبارات :

_ لو عرفت توصله طمني عليه يابني متسبنيش على اعصابي ياكرم


_ حاضر ياماما هكلمك متقلقيش


اغلق الاتصال وانزل الهاتف من على أذنه وهو يزفر بلا حيلة وهو يتمتم :

_ اووووف يازين .. نفسي افهم بتعمل في نفسك كدا ليه !!


                               ***

السماء غربت وهو لم يتصل بها حتى الآن ولم يعتذر حتى عن تأخره عن موعدهم !! ، اقسمت بين نفسها أنه عندما يتصل ستعنفه بقوة وستتشاجر معه ، فهذا ليس تصرف لائق أبدًا منه أن يتركها بانتظاره كل هذه الساعات وبالأخير لا يأتي ! ، وفوق هذا لم يكلف نفسه حتى ويتصل ليعتذر عن تأخره ويبرر لها موقفه !! .


هاهو الهاتف أخيرًا اعلن عن اتصال من أحدهم ، وبالتأكيد هذا المتصل هو .. هرولت ناحية الهاتف والتقطته لتقرأ اسم المتصل وكما توقعت ، اجابت عليه بمضض :

_ نعم


_ أنا آسف


قالها بدون أي مقدمات فقط تفوه بها بعفوية لتهتف هي بضيق وضجر شديد : 

_ أسفك مش مقبول يا إسلام .. إنت كنت عارف إني قلقانة عليك لما كنت قي بلجيكا ومهنش عليك تطمني أو حتى تتصل بيا قبل ما ترجع تقولي إنك راجع ولما رجعت برضوا متصلتش بيا غير النهردا الصبح وقولتلي هتاجيلي في المطعم وهنقعد شوية ونتكلم ، عديتها وقولت مطعم مطعم مش مهم ، لكن إنك متعبرنيش وافضل مستنياك ومتتصلش تقولي حتى اتأخرت ليه كدا زودتها أوي !


إسلام بأسف حقيقي ونفس مختنقة :

_ أنا عارف إني لو قولت أنا آسف من هنا للصبح مش هتكفي يارفيف .. بس احلفلك بإية إني كان معايا مشاكل وكنت مخنوق ومليش نفس اتكلم مع أي حد ، أو بالأخص معاكي إنتي لإني كنت خايف اعمل تصرف غبي أو اجرحك بكلمة من غير ما اقصد فحبيت ابعد شوية عنك لغاية ما اهدى .. والنهردا اللي عملته ملهوش مبرر عارف بس صدقيني حصل معايا ظرف طاريء واتأخرت ومكنش معايا شاحن والتلفون فصل شحن مني برا فمعرفتش اكلمك 


سكنت تمامًا وانتباها الفضول بسبب ما قاله وسط كل هذا الكلام الكثير حول المشاكل وأنه لم يتصل بها هي تحديدًا بسبب مشاكله ، مما جعلها ترجح أن الأمر له علاقه بها بالتأكيد !! .

رفيف بصوت مترقب وجاد : 

_ مشاكل إيه وليه تجرحني بالكلام ؟!! .. مش فاهمة قصدك ؟! 


زفر الهواء بقوة من فمه فبالطبع لن يخبرها بأمر أخيها ، تمتم بخفوت وصوت رخيم مخترعًا شيئًا ليتهرب مما قاله : 

_ قصدي يعني إني كنت مضايق وخوفت اكلمك وأنا مضايق فاقول حاجة من غير ما احس واضايقك مني 


رفيف بصوت مقتضب وواضح عليه الانزعاج :

_ اممممم ماشي يا إسلام أنا هقفل عشان عايزة أنام 


هدر هو معتذرًا للمرة الثالثة بندم : 

_ رفيف أنا آسف ارجوكي مـ.....


قاطعته بلهجة صارمة وجفاء : 

_ مش زعلانة يا إسلام خلاص حصل خير ، تصبح على خير 


ولم تنتظر رده حيث انهت الاتصال فور انتهائه من كلامها ، بينما هو فانزل الهاتف من على أذنه وهو يحدق بشاشته في خنق ، ثم رفع كفه إلى وجهه ومسح عليه متأففًا .. لم يكن يقصد أن يتجاهلها كل هذه الفترة ولكنه حقًا كان منزعجًا من كل شيء ولوهلة فكر بأن يفسخ الخطبة وتراجع باللحظة الأخير ، وكان أفضل حل هو الابتعاد عنها حتى تهدأ نفسه الثائرة ، مثلما يفعل أخيها الآن بالابتعاد عن الجميع !!! ...


                              ***

في إحدى بقاع الأرض تحديدًا بدولة بلجيكا ....

الأشجار الضخمة والعشب يحاوطوه من كل جهة وأمامه مجموعة من الطوب وضعهم بجانب بعضهم ليشكلوا حلقة دائرية وفي نصف هذه الدائرة النار تعلو وتهبط كلما يعبث بها بالخطبة التي في يده ، وتزداد توهجًا وارتفاعًا عندما يلقي المزيد من الخطب بداخلها .

لا يعرف مالذي يفعله فهذه الأفعال ليست من شيمه ولكنه يشعر بالراحة هكذا ، الراحة في البعد عن الجميع حتى عن أحبائه !! .. فقد ادرك قيمة انفراده التي اعادت لنفسه الكثير مما فقدته ، اليومين الذي قضاهم مبتعًدا افادوه وجعلوا من روحه الثائرة والتائهة التي تدور في نفس المتاهة ولا تجد طريقها .. أن تسكن أخيرًا في مستقرها .


الانعزال عن الكل لفترة قد يفيد صاحبه وقد يؤذيه ، لكن الأهم هو عدم الإفراط في العزلة .. فقد تصبح مرضًا لك لن يداويه حتى لو تجمع كل من تعرفه حولك ليخرجونك من ظلمتك ، سيفشلوا ! .


نظر إلى يده وبالأخص اصبعه الذي يحمل خاتم زواجه ، اطال النظر فيه بشرود وهو يعبث بأنامل يده الأخرى في اصبعه والخاتم .. بالأخير اخرجه وقلّبه بين يديه أمام عيناه يمعن النظر فيه ثم القي به بين ثانيا النيران المتعطشة لأي شيء حتى تأكله !!! 


الفصل الرابع والاربعون من هنا 


لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close