
رواية كبرياء صعيدي الفصل الثالث والعشرون23 والرابع والعشرون24 بقلم نورا عبد العزيز
الفصل الثالث والعشرون (23) بعنــــــــــوان "ما بين القلب والعقل"
خرجت "ذهب" إلى الحديقة الخلفية من السرايا تحمل صينية بها كوبين من المشروبات الساخنة، وضعتها على الطاولة أمام "فيروزة" و"عطر"، أخذت "عطر" الكوب ثم قدمته إلى "فيروزة" التى تنظر فى هاتفها بعيني باكية ووجه شاحب:-
-أشربي يا فيروزة وبطلى تستني منه يتصل
أخذت "فيروزة" الكوب منها وهى جالسة على الأريكة وتطوي قدميها على الأريكة مُرتدية بيجامتها السوداء وعليها حبيبات كرز أحمر بأكمام وتضع على أقدامها شال من الصوف أصفر اللون، تنهدت بحزن مُحتل قلبها وهى تضع خصلات شعرها الأسود خلف أذنها مُتمتمة بهدوء:-
-لسه تليفونه مقفول يا عطر
تنهدت "عطر" بهدوء شديد، أرتشفت القليل من كوبها قبل أن تتحدث ثم حدقت بوجه "فيروزة" لتقول بنبرة دافئة:-
-فيروزة، أنا عارفة أنك مجروحة وأوى كمان لكن كلمة الحق تتقال وخلي بالك أن كلمة الحق بتزعل ومع ذلك هقولهالك، عامر سابك وأتخلى عنك وسورى يعنى أتخلى عنك بفضيحة وأى أن كان سببه فهو عمل كدة ولو فرضنا أنه كان عنده سبب مقنع لكن أى أن كان السبب المقنع دا فهو ضحي بيكي من غير ما يرجع لك أو يكلم أخوكي مع أنه كان ممكن يأجل الفرح أهون، ودلوقتي أنتِ على ذمة راجل تاني، راجل محترم على حد علمي به ، سترك ورفع رأسك وأسمك وسمعتك قصاد العالم كله
تنحنحت "فيروزة" بخفوت ثم قالت بتعلثم:-
-الغايب حجته معاه
تأففت "عطر" من رقة قلب هذه الفتاة التى ما زالت تختلق الأعذار لأختفاءه وتبرر موقفه، تحدثت بجدية:-
-غايب!! ما تفوقي يا فيروزة وتبصي حولك دا الست الوالدة خالتك أول ما الفرح بدأ والناس جت فص ملح وداب، دا مخطط لكل حاجة مع ابنها يا حبيبتي، متفاجئتش يعنى بغياب أبنها اللى تليفونه مقفول، فوقى لنفسك يا فيروزة... ونصيحة منى ليكي زى ما غيرتي لون شعرك وبقي شكلك أحلى غيري قلبك وهتبقي أحلى برضو
أومأت "فيروزة" لها بنعم وألتزمت الصمت تكبح ألمها ووجعها بداخلها وتكتفي بالبوح للجميع
_____________________________________
وصل "حامد" للمنزل بعد غياب ليلة الأمس كلها وفور أن فتح باب الغرفة بدأت "خديجة" فى البكاء مُصطنع الحزن والألم، عقد حاجبيه مُندهشًا من نوبة البكاء التى أصابتها فأقترب منها وهو يرتدك سترته على المقعد ويقول:-
-جرا يا جميل؟
جففت دموعها المُصطنعة وحدقت به بتعابير وجهه بريئة لتُثير غضب عقله وتسيطر على قلبه، تمتمت بصوت مبحوح:-
-جول مجراش أي، جول فى أي بنتك معملتهوش فيا، أنا كنت فاكرة أنى هتجوزك غصب عنى بس هتحمينى ومش هتجبل أن حاجة تزعلني، كنت فاكرة أن مع الأيام هتعود عليك وهنعيش أيامنا فى سعادة تيجى بنتك تكرهني فى البيت وفى حياتي.. لا مشيني من هنا، طلجنى وأرجع لمرتك وبنتك أنا ميرضنيش أكون السبب فى خراب بيتك
تبسم بلطف إليها ووضع يده على وجنتها يمسح دموعها بدلال ثم قال بنبرة قوية:-
-لا يا حبيبي متجوليش أكيد هنعيش أسعد أيام حياتنا وهدلعك وأحميكي، تحبي أجوم أعلمها الأدب
هزت "خديجة" رأسها بالإيجاب ببراءة وقالت بعفوية بعد أن تشبثت بذراعيه:-
-أيوة جوم علمها الأدب دا مسكتني ضربتني علجة موت وكانت روحي هتطلع فى يدها وحتى اسأل الخدم اللى شغالين عندك ولو أنا بكدب أبجى علمنى أنا الأدب، لكن أنا عارف أن مهيهونش عليك تجعد ودودي حبيبتك مجهورة وحجها ضايع اكدة
تبسم بعفوية على حديثها الذى يعطيه الأمل فى تصليح علاقتهما وكلماتها توحي له انها ستفتح باب قلبها إليه، أومأ إليها بنعم وأخذها من يدها للأسفل وهو ينادي على ابنته بنبرة قوية خشنة:-
-كارما... كارما
دلفت "كارما" من الاحديقة على صوت والدها المرتفع فرأته ينزل على الدرج ويمسك يد "خديجة" فى راحة يده كأميرة مُدللة تبكي بهدوء وترمق "كارما" بنبرة مكر فهمتها "كارما" من ملامح والدها الحادة، رمق فتاته الصغيرة بضيق ثم قال:-
-ينفع اللى عملتيه دا يا كارما
تحدثت "كارما" بغضب سافر قائلة:-
-معملتش حاجة يا بابا دى بتكذب.....
صرخ بوجهها مُنفعلًا من حديثها عن "خديجة" ليقول بعناد:-
-أتأدبي يا كارما لما جصادي بتجولى على مرت أبوكي كاذبة أمال فى غيابي بتجولى أي وبتعملى أي؟
-يا بابا محصلش....
بتر حديثها مرة أخرى مُدافعًا عن زوجته الخبيثة بحدة صارمة:-
-أنا معاوزش أسمع كلمة واحدة منك غير الأعتذار .. تعتذري حالًا وجصادي وتوعدينى أنه ميتكررش تاني
رمقت "كارما" هذه المرأة بدهشة من تحكمها فى والدها وكيف تسيطر عليه كاملًا بهذا القدر؟ لتتذكر حديث الخادمة وأن والدها عاشقها لهذه الفتاة بجنون، دمعت عينيها من الحزن وقلبها خُذل فى والدها الذي سمع لحديث زوجته وأبي أن يسمع منها كلمة واحدة ويجبرها على الأعتذار الآن فقالت بنبرة خافتة بحسرة:-
-آسفة
صعدت لغرفتها باكية وتشعر بظلم يجتاحها بعد أن نصر والدها هذه الزوجة على ابنته، ألتف "حامد" إلى "خديجة" ببسمة خافتة وقال بلطف:-
-مبسوطة يا حبيبتى
أومأت إليه بنعم بدلال ثم رفعت جسدها على أطراف أصابع قدميها ووضعت قبلة على وجنته أذبته كليًا وقالت بحُبٍ مزيفٍ:-
-اه يا حبيبي
وضع يده على وجنته لم يُصدق ما فعلته وتساءل هل هى نفس الفتاة التى تهدده بالسكين إذا أقترب منها؟ تبسم بعفوية وقلبه يتراقص فرحًا لأجلها بينما "خديجة" تبسمت بحماس وأنتصار من نجاحها فى السيطرة على هذا الرجل وببسمة منها جعلته يقف أمام أبنته فماذا سيفعل إذا قدمت له المزيد من البسمات؟ وأدركت للتو أنها أصبحت تملك سلاح لمحاربة "عيسي" الذي خطفها وهدد بقتلها ودهس قلبها ومشاعر وهذا السلاح سيكون "حامد" زوجها المهوس بيها.....
________________________________________
فى منزل "سكينة" بمنتصف البلد بحي سكني للطبقة متوسطة الدخل، صنعت كوب من الشاي بنفسها وخرجت من المطبخ تحمله فى يد وفى الأخرى تحدث "عامر" فى الهاتف قائلة:-
-عيسي هيتجنن ويوصلك يا عامر؟ أنا من الأول جولتلك بلاش الفكرة دى ، كان فى ألف فكرة تانية تأخد بيها حجك
أجابها "عامر"من اليخت الذي يختبيء به فى وسط البحر خوفًا من "عيسي" قائلًا:-
-ألف فكرة زى أى؟ أنا معاوزش حجي فلوس ، أنا حجي كان فى جهرة جلوبهم كلهم وذُلهم جصاد البلد كلتها، علية الدسوجى مهيوجعهاش الفلوس، فرد فرد فيهم ميفارجش ويهم المال لأن معندهمش أكتر منه
تحدث "سكينة" بنبرة خافتة وعقلها لا يتوقف عن التفكير قائلة:-
-أديك عملت اللى فى رأسك يا ولدي ومتجهروش ولا أتذلوا ومصطفى أتجوزها واليوم عد عادي جدًا والناس كلها باركت وفرحت ومشيوا ومأخدتش أنت حاجة غير كسبت عداوة عيسي وربنا يستر من اللى جاى
أتسعت عيني "عامر" على مصراعيها بصدمة لجمت قلبه للتو وعقله الذى خطط للأنتقام شَل محله بعد أن تزوج "مصطفى" منها فقال بصدمة مُنفعلًا:-
-أتجوزها كيف؟ يعنى بعد كل دا وتعدى أكدة؟ يعنى فؤاد يخسر أبويا اللى ماله فى المقاولة وأستن تسع سنين وأخطط وأخليها تحبنى وفى الأخر تجوليلى محصلش حاجة
-أمال أنت كنت فاكر أي يا ولدي؟ كنت فاكر أنك لما متجيش الفرح عيسي الدسوقى هيهمل أخته تتفضح
قالتها بسخرية من عقل ابنها الذي فكر فى الأنتقام وأنتظر لسنوات حتى تسنح له الفرصة، أجابها بغضب سافر قائلًا:-
-أيوة كان لازم أتجوزها وأحضر الفرح وأطلجها فى ليلتها وأرجعها لدار أخوها بفستانها.. وجتها بس كان هيبجى فضيحتهم بجلاجل
-مع علينا يا عامر اللى حُصل خلاص حُصل، الفلوس اللى وياك تسافر بيها برا البلد وتتجي شر عيسي ومتحرجش جلبي عليك فاهم يا عامر
اومأ إليها بنعم ثم قال بضيق شديد يتملكه:-
-أنا حجزت على طيارة إيطاليا السبوع الجاى وهبعت أخدك ويايا يا أمي
وافقته الرأى قائلة بثقة:-
-ماشي يا ولدي ولحد ما تخرج من البلد دى أوعى تتصل بحدة من رجمك الجديد ولا تفتح الجديم، فاهم كيف لحد أكدة
أغلقت الخط معه وظلت تفكر فيما هو قادم خلال الأيام القليلة البقية قبل مغادرتهم من البلد.......
_________________________________
تبسمت "عطر" بسعادة تغمرها أثناء نومها على الفراش الصغير أمام الطبيبة التى تحرك الجهاز الطبى على بطنها وترى طفلها فى الشاشة، تسمع صوت نبضات قلبه وترى رأسه أمامها، لم تصدق أنها تملك هذا الطفل بداخلها حقًا، تحدثت الطبيبة بلطف قائلة:-
-لا دا إحنا بجينا عال أوى... تعال أستاذ عيسي شوف ابنك
تنحنح "عيسي" بلطف قبل أن يدخل حتى ولج ورأى طفله الصغير الموجود بداخل أحشاءها ورأسه واضحة جدًا فى الشاشة ويسمع صوت نبضات قلبه فنظر إلى "عطر" ببسمة خافتة ورأى بسمتها كشروق الشمس تملأ المكان وعينيها تضحك فرحًا فربت على يدها بحنان وقال:-
-ربنا يقومها بالسلامة
تبسمت "عطر" بسعادة عليه فتابعت الطبيبة الحديث بلطف بعد وقوفها قائلة:-
-أعدلى هدومك، إحنا هنمشي على الفيتامينات ونخلى بالنا كويس من الأكل، تحليل الأنميا مش أحسن حاجة مش عاوزين أى مضاعفات أثناء الولادة ولا عايزين نعلق محاليل، الأكل يا مدام عطر ثم الأكل ثم الأكل
أومأت إليها بنعم ببسمة دافئة ثم غادرت مع "عيسي" مُبتسمة وقالت:-
-أنا فرحانة أوى أن البيبي ولد
تبسم "عيسي" بعفوية إليها وأخذ يدها تتبأطأ ذراعه حتى وصلوا إلى السيارة، فتح لها الباب لتصعد أولًا ثم رفع طرف تنورتها ليغلق الباب فتبسمت "عطر" على لطفه ومعاملته الرقيقة لها، صعد بمقعد السائق وأنطلق بسيارته يشعر بنظراتها الحادقة به فنظر إليها وقال:-
-بتبصيلي أكدة ليه؟
ضحكت "عطر" عليه ببراءة وقالت بحُب:-
-أنت جميل أوى يا عيسي، عارف أنا نفسي فى أيه؟
نظر إليها تارة وإلى الطريق تارة ثم قال بفضول لمعرفة ما تتمناه:-
-اي يا عطري؟
-أن مصطفى بنفس الحنية دى مع فيروزة، وأنها تفتح له باب حياتها ويكون عوض ربنا ليها
قالتها بحُب ممزوج بالخوف على "فيروزة" فتنهد بهدوء صامتًا دون أن يجيب عليها، شعرت بحركة طفلها بداخلها لتتضحك بقوة رغم ألمها الخافتة فنظر إليها لتقول بحماس:-
-بيتحرك يا عيسي، أتحرك والله
ضحك على عفوية فتاته، وصل إلى السرايا ليرى "مصطفى" جالسًا مع الرجال عند بوابة السرايا فأوقف السيارة أمامهم وقال:-
-تعال يا مصطفى عايزك
قاد سيارته إلى السرايا وأنزل زوجته ثم قال بجدية:-
-أطلعي أنتِ يا عطر
أومأت إليه بنعم ثم وقف ينتظر "مصطفى" وجلسوا معًا فى الحديقة ليقول:-
-مرتك عاملة أى دلوجت؟
نظر "مصطفى" له بحيرة وتعابير وجهه أخبرت "عيسي" بالجواب قبل أن يتحدث ليقول "مصطفى" بهدوء:-
-مطلعتش الأوضة الصراحة ومشوفتهاش بجالى يومين، معاوزش أضغط عليها ومعاوزش شوفتي توجعها أكتر وتفكرها باللى حصل
تبسم "عيسي" بخفة على معاملة "مصطفى" إلى أخته وكم يخشي عليها الوجع فى حين أن محبوبها من دب الوجع بها ليقول بجدية:-
-طيب أطلع أتكلم وياها، أنا بفكر أخليها تنزل الشركة ويايا أهو تشغل وجتها فى حاجة بدل التفكير، شوف لو هى عايزة ولو أنت كجوزها موافج تشغلها بلغنى وأخلى السكرتير يشوف لها شغل بسيط تضيع فيه وجتها
أومأ "مصطفى" له بنعم مُدركًا أن "عيسي" يصنع لهم الموقف حتى يقترب من أخته، نظرة "عيسي" له جعلته يُدرك أن "عيسي" يخطط لأستكمال هذا الزواج دون أنفصال بعد شهر أو أى فترة أخرى، صعد "عيسي" معه إلى الأعلى ليدق "مصطفى" الباب بلطف قبل أن يدخل وظل واقفًا حتى أذنت له من الداخل بالدخول، تنحنح بحرج بعد أن دخل وقال:-
-السلام عليكم
نظرت "فيروزة" إليه وهى جالسة على الأريكة التى خصصها له وتحمل فى يدها هاتفها مُرتدية بيجامة زرقاء اللون من الحرير وشعرها الأسود مسدول على الجانبين، رمقها "مصطفى" بحرج وما زال لا يُصدق أن له الحق بالنظر إليها كانت جميلة مع ضوء الغرفة الخافت ودموعها التى تسيل على وجنتيها بهدوء أكثر من السابق ودون رجفة، وقفت من فوق الأريكة بعد رؤيتها له وكأنها تترك له مكانه المخصص مُتمتمة بهدوء:-
-أتفضل
سارت إلى الشرفة هاربة من النظر إليه، قلبه مُثقل بأوجاعه ولم تتحمل على البقاء مع أحد، تحتاج للوحدة والعُزلة الآن، أتكأت بذراعيها على الداربزين الحديدية وخرج من صدرها تنهيدة قوية مُعبأة بالإنكسارات والخيبات التى تعرضت لها مُغمضة العينين حتى شعرت بشيء يحتضنها من الخلف، فتحت عينيها لترى "مصطفى" يقف جوارها ووضع شالها الصوف على أكتافها يحميها من البرد القارس، نظر بعينيها الباكيتين بحزن شديد وغصة فى قلبه تألمه من رؤيتها ضعيفة هكذا ليقول:-
-متزعليش حالك، هو الخسران
نظرت للأمام بحزن شديد لتقول بسخرية من كلمته:-
-هو الخسران وأنا المجهورة والموجوعة
أحتدت نبرته أكثر وقال بأنفعال شديد من كلماتها:-
-ما عاش ولا كان اللى يجهرك ورب العرش لأجبهولك راكع على رجله وأرمي تحت رجلك يا أنسة فيروزة تعملي فيه اللى تعوزيه
ألتفت إليه بدهشة من أنفعاله وعهده إليها فتبسمت بإنكسار شديد وذرفت دمعتها حين قالت بألم:-
-أنسة فيروزة!! أنت كمان ممصدجش أنك أتجوزتني، بجيت مدام يا مصطفى ، بجيت مدام
تنحنح بهدوء من ذلة لسانه وكأنه كما قالت لم يُستوعب أنها الآن زوجته حقًا، لم يقوى على لفظ أسمها دون لقب قلبه، ما زال الجندي لا يصدق أنه تزوج الملكة وبات ملكًا وليس جنديًا فى أرضها، ألتف لكي يغادر مُحرجًا من كلماتها وبمجرد مغادرته للشرفة سمع صوت بكاءها تجهش بألم شديد يُمزقها من الداخل فوقف خلف الباب يسترق السمع لبكاءها فى هدوء دون أن يزعجها أو يمنعها من الفيض بأوجاعها وطأطأ رأسه حزنًا على حالها لكنه سمع صوت أرتطام شيء قوي ليمد رأسه لكنه صُدم عندما رأها على الأرض فاقدة للوعي من الوجع، هرع إليها ثم حمل رأسها على ذراعه وبيده يدلك وجنتها مُناديها بخوف:-
-أنسة فيروزة.... فيروزة ردي عليا
لم تُجيب عليه فحملها على ذراعيه بخوف أن يُصيبها شيء ودلف بها إلى الفراش ثم وضعها برفق وأحضر زجاجة عطرها وبدأ يمسح بيده على أنفها لتستعيد وعيها بصعوبة بعد أن فزع قلبه وأرتجف خوفًا عليها، رأته جوارها على الفراش يمسك فى يده زجاجة العطر، سمعت صوته الدافئ يقول:-
-أوديكي مستشفى؟
لم تُجيب عليه فتنفس الصعداء بأريحية ثم وقف من مكانه ليضع الغطاء عليها بينما يقول بخفوت:-
-هخلى دهب تعملك حاجة تأكليها
-ماليش نفس
قالتها بتعب شديد وهى تعتدل فى جلستها ليصرخ بغضب لأول مرة بها:-
-وأخرتها أيه؟ أديكى وجعتي من طولك وليه عشان واحد ميستاهلش هتهملى حالك وصحتك لحد متى، لحد ما تروحي مننا وعشان أى؟
نظرت إليه بدهشة من صراخه وأنفعال بها، أبتلع لعابه غاضبًا مما ألت إليه الأمور وحدته معها فغادر الغرفة صامتًا، عقدت "فيروزة" ذراعيها أمام صدرها بحزن يستحوذ عليها وعادت للبكاء بأنهيار، مر ساعة كاملة فى نوبة بكاءها حتى قاطعها دقات على الباب لتدرك أنه عاد إليها فجففت دموعها سريعًا وأذنت له بالدخول مما أدهشها حين ولج يحمل فى يديه جميع أنواع الأكل ووضع كل الأكياس أمامها على الفراش فقالت بذهول:-
-أنت طلبت كل دا عشاني
بدأ يفتح الأكياس لها ووجدت طعام صيني ودجاج مقرمش وبيتزا الجمبري ومكرونة إيطالي ومعظم المعلبات التى تفضلها، ظلت ترمق الأكياس التى يفتحها واحدة تلو الأخرى فسألته بفضول:-
-حتى الأكل الصينى، أنت عرفت منين أنى بحب كل دا؟
-أنتِ ناسية أنى كنت مرافجك كل ما بتطلعي من السرايا، كنت بطلبك الأكل فى المطاعم بنفسي
قالها ويديه تفتح الأطباق لها، رفعت "فيروزة" نظرها إلى وجهه ترمقه بأندهاش من ذاكرته التى حفظت كل شيء عنها، تحدث بهدوء قائلًا:-
-تسمحيلي
نظرت إليه بصمت دون أن تفهم ولا ترغب بالسؤال فأخذ يدها واحدة تلو الأخرى يضع لها قفازات الطعام، تابع حديثه قائلًا:-
-ههملك تأكلى على راحتك
وقف من أمامها ليذهب إلى أريكته الصغيرة ونظر فى هاتفه، أبتلعت "فيروزة" لعابها بحيرة وبدأت تتناول الطعام وعينيها تراقب "مصطفى"، تبسم بخفة حين رأها تأكل وتراقص قلبه بأنتصار بسبب نجاحه فى مهمة أطعامها ......
____________________________________
فتحت "فادية" باب المنزل لتجد "خيرية" أمامها، دلفت "خيرية" مُتسائلة عن والدتها:-
-أمى فين يا زفتة أنتِ؟
أجابتها "فادية" بنبرة غليظة من أسلوبها فى الحديث:-
-جوا اتفضلي
دلفت "خيرية" إلى الصالون حيث والدتها فقالت بضيق:-
-رنت عليكي كتير وأنتِ مبترديش وكمان خالد ونصر فى أي؟
رمقتها "خضرة" بعيني ثاقبة وتذكرت أولادها المُختفيين مُنذ خروجهم من النيابة وقالت:-
-خالد ونصر
-أيوة خالد ونصر اللى جوزتوا خديجة بالغصب عشان يطلعوا، هم فين الرجالة بجي؟
قالتها "خيرية" بضيق عاقدة كفيها ببعضهم من الغيظ، فسألت "خضرة" بدهشة من غضب ابنتها:-
-هو فى أي يا بت مالك؟ داخلة شايطة عليا ليه؟ يكنش أخواتك لسه بيحبوا وضاعوا منى
-لا، بس أنتوا جبرتوا خديجة تتجوز الرجل العجوز دا عشان الرجالة تطلع، ولما أتخنجت وي جوزى وأحتجتهم رجالة ملاجتهمش
رفعت "خضرة" حاجبها بدهشة وقربت رأسها لأمام غاضبة من حديث ابنتها:-
-جولتى أيه؟ أتخنجتى وي جوزك؟ ليه يا ست الحُسن؟
نزعت "خيرية" حجابها بضيق وبداخلها بركان ناري من زوجها وقالت:-
-أبدًا أمه جبتله عروسة عشان يخلف وهو وافج، وأنا جولتله يا أنا يا هى ووافج برضو
كزت "خضرة" على أسنانها من الغيظ الشديد وقالت بضيق يتمالكها:-
-ما حجه يتجوز، الراجل حجه يخلف وكتر خيره أنه أستحملك السنين دى كلتها من غير خلفة، معجدها ليه؟
ضحكت "خيرية" بسخرية من حديث والدتها وتذكرت زواج "خديجة" فأدركت أن وأهلها لن يعززوها كما توقعت بل سيقبلون بأى شيء، فتأففت بضيق وقالت بغيظ:-
-أنا رايحة أشوف نصر فين؟ هو اللى هيجبلى حجى؟ مش هو اللى جوزنى الثور دا
حاولت الأتصال به كثيرًا لكنها لم تجد جوابًا على كل مكالماتها، نظر الرجل على هاتفه الذي يدق منذ الصباح كثيرًا ثم إلى "نصر" المُعلق من ذراعيه فى الحجر وكان كالجسد بلا روح من الضرب المبرح الذي يتعرض له ولم يجد سبيل للهرب من هؤلاء المطاريد ووكرهم بباطن الجبل وما زال ينتظر الأمر من "عيسي" حتى يُرحم جسده من العذاب، أقترب رجل أخر يحمل فى يده أبرة طبية معبأة بمواد مخدرة لغرسها بعروق ذراعه وجسده يتصبب عرقًا مُنهكًا من كثر المواد المُخدرة التى تسير فى عروقه أكثر من دماءه...
كبرياء صعيدي
الفصل الرابع والعشرون (24) بعنــــــــــوان " للقلب دقات مُختلفة "
فى الصباح اليوم التالي، أخترقت أشعة الشمس نافذة الغرفة المُطلة بزواياها على الحديقة والهواء الطليق يخترقها، فركت "عطر" عينيها بتعب مُنزعجة من ضوء الشمس الذى يقظها من نومتها فى العاشرة صباحًا، ألتفت بجسدها فى الفراش مُتذمرة على هذا الضوء حتى سمع صوت أغلاق الستائر تجحب الضوء وثواني معدودة وشعرت بقبلته الدافئة على شعرها ودفء جسده خلفها، همس فى أذنيه بخفوت:-
_ أنا طالع يا حبيبي، لما تصحى كلمينى
أومأت إليه بنعم ليغادر "عيسي" الفراش وتوجه إلى باب الغرفة مُستعدًا لبدء يوم عمل طويل لكن أستوقفته "عطر" بنبرة صوتها الخافت تقول:-
_ عيسي لو قابلت حِنة تحت أبعتهالي
_ حاضر يا حبيبتى
قالها بهدوء مُغادرٍ الغرفة، ترجل للأسفل ووجد "هدى" جالسة على السفرة تتناول الإفطار مع "مصطفى" فأقترب "عيسي" منهما ليسمع جزءٍ من حديثهما ووالدته تقول:-
_ معلش يا ولدى تعالى على نفسك شوية وحاول تخرجها توديها فى أى مكان تفك عن نفسها شوية بدل حسبة الأوضة دى، أنا خايفة عليها جوى
أومأ "مصطفى" لها بنعم، قبل "عيسي" رأس والدته وهو يقول:-
_ صباح الخير يا أمي
_ صباحك رضا وهنا يا حبيب جلب أمك، أجعد أفطر ويانا
قالتها بسعادة وهى تربت على يده بحُب، جلس على مقعده وحدق بوجه "مصطفى" ليشير له بلا ففهم "عيسي" أن "مصطفى" لم يُحدثها فى موضوع العمل بالشركة ليقول بجدية:-
_ دهب!! يا دهب
جاءته الفتاة بتعجل من سماع صوته القوي فقال بحدة:-
_ أطلعى جولى يا ستك فيروزة أنى عاوزها
رمقته والدته بحيرة من رغبته فى الحديث معها مُنذ زواجها وحادثة حفل الزفاف، دقائق معدودة وترجلت "فيروزة" خلف "ذهب" فنظر "عيسي" إليها مُندهشٍ من حال أخته وتحدث بتلعثم:-
_ وااو مالك خسيتى النص أكدة ليه؟ كل دا على واحد خسيس زى عامر
تنحنحت "فيروزة" بهدوء تكبح ألمها أكثر بينما هو يزيد من جرحها بضغط حديثه على قلبها المُنهك من الوجع لتقول:-
_ أكيد مش منزلني من فوج أكدة عشان تتكلم على خسيس ولا لا
_ صُح، أجعدي عاوزك فى حاجة
قالها بضيق بينما يعتدل فى مقعده ليتناول فطاره، جلست "فيروزة" بجوار والدتها بفضول عما يُريد رغم كونها باهتة وحزينة لكن قلبها ما زال عالقًا فى بئر وجعه، رمقها "عيسي" قبل أن يتحدث بوجه جاد وقلبه يتألم لرؤية أختها بهذه الحال وتشبثها برجل تخلى عنها، تحدث بنبرة قوية:-
_ أسمعى يا فيروزة، أنتِ كنتي فتحتي موضوع الشغل وجت ما أتخرجتي وأنا رفضت
نظرت "فيروزة" له بدهشة من حديثه عن العمل ليتابع حديثه بنبروة قوية:-
_ أنا موافج تنزلى تشتغلي فى الشركة ويانا، شوفي لو تحبي أخلى مصطفى يشوفلك وظيفة مستريحة
_ كنت عاوزة أشتغل يا عيسي ودلوجت معاوزاش حاجة
قالتها بنبرة واهنة وعينيها مطفأة وباهتة بعد أن أصاب بشرتها الأصفرار ثم وقفت من مقعدها وغادرت من أمامهم، حدق "مصطفى" بها ثم غادر هو الآخر المكان فتأفف "عيسي" وقال بهدوء:-
_ أمي عجلى بنتك، مصطفى فى الأول وفى الأخر راجل وهى مرته وميصحش أكدة وأنا لو مكانه مهسكتش كتير ... عن أذنك
أتجه إلى باب السرايا كي يُغادر للعمل فصعد إلى سيارته وأنطلق "عبدالجواد" معه وبصحبته "مصطفى" الذى بدأ يتحدث بنبرة قوية:-
_ لحد دلوجت الحج ناجي مأخدتش خطوة، تفتكر كان عنده علم باللى بيحصل من البداية
صمت "عيسي" قليلًا يفكر فى الحديث ثم قال:-
_ خلى عينيك عليه بس معاوزش أتحرك فى كل الإتجاهات مرة واحدة عشان مغلطش، خلينا دلوجت فى عامر وبعدها نوفج بجى لعمى ومرته وبلاويهم
أومأ إليه بنعم وأوصله إلى الشركة بينما ذهب "مصطفى" إلى التجار يستلم منهم الشيكات حتى رن الهاتف يقاطع عمله الشاق باسم "فيروزة" مما أدهشه اتصالها الآن فخرج من وكالة الفاكهة ليقف أمامها ثم وضع الهاتف على أذنه يقول:-
_ ألو
_ مصطفى، كنت عاوزة منك خدمة كدة
قالتها "فيروزة" بصوت مبحوح هادئ فهز "مصطفى" رأسه بنعم ولسانه يتفوه بالحديث:-
-عيني ليكي يا أنسة فيروزة
ضحكت هذه المرة من قلبها حقًا بعفوية جعلت قهقهتها تسلل إلى قلبه الهادئ تشعل به فتلة الإعجاب مُتمتمة بعفويتها وسط ضحكاتها القوية:-
-برضو أنسة فيروزة!! أنت مش مصدج نفسك يا مصطفى ولا أي
تنحنح بهدوء ثم جمع شجاعته ليُحدثها بما لا يقوى على البوح به أمام عينيها يقول:-
-عايزة الصراحة ممصدجش حالى فعلًا، ممصدجش أن مصطفى اللى شغال عندكم أتجوز الأميرة، الأميرة اللى ميجرأش أكبر شنب فى البلد يرفع عينيه فيها ويتمنى نظرة واحدة منها، لا مجادرش أستوعب أن ست البنات اللى حفى وراها رجالة البلد كلتها بجت مرتي أنا وبعد ما كنت بخدم على طلباتها وأنفذ أوامرها بجيت أنا الوحيدة اللى ليا كلمة عليها، مش جادر أتخيل أن جوهرة البلد كلتها بجيت ملكي أنا وحدي
توقفت "فيروزة" عن الضحك تسمع كلماته مُندهشة من جمال حديثه ووصف لها بأميرة ونظرت إلى "عطر" التى تجلس جوارها على الأريكة تستمع للمكالمة، أبتلعت لعابها بلطف وقالت:-
-كنت محتاجة كام كتاب أكدة، ينفع تجبهملى وأنت جاى عشان مش جادرة أخرج خالص الفترة دى
أومأ إليها بنعم وقال:-
-طبعًا، جوليلى أساميهم أيه ويكونوا عندك النهار دا
_ شكرًا يا مصطفى، هبعتهم لك على الواتس
أغلقت الخط معه ونظرت إلى "عطر" مُندهشة فقالت "عطر" بهدوء:-
-شوفتي الموضوع بسيط أزاى، سمعتي بودنك بقى أنتِ أيه يا فيروزة، أنتِ جوهرة وست بنات البلد دى وأنا لو مكانك هدوس على قلبي دا وأبنى حياتى مع مصطفى عشان بس أقهر عامر وأعرفه أنه خسر جوهرة زى ما مصطفى قال
تنهدت "فيروزة" بهدوء مقتنعة حديث "عطر" هذه المرة، ربتت "عطر" على يدها بلطف وقالت:-
-يلا أدخلى على النت وشوفى كام كتاب كدة وأبعتهم له، ولا أقولك والله فكرة أدخلى دورى على كُتب للتعافى من العلاقات المؤذية والسامة وخلى مصطفى يجبهم لك وهو جاى
-جرا أي يا عطر أنا سمعت كلامك لما جولتى كلميه عشان تشكريه على اللى عمله أمبارح
قالتها "فيروزة" بتذمر من "عطر" التى تسعى لفتح أبواب قلبها إلى "مصطفى" وبناء علاقة قوية بينهما، ضربتها "عطر" بقوة على قدمها بغيظ من عناد "فيروزة" التى تشبه أخاها جدًا وقالت بجدية ولهجة غليظة:-
-أسمعى الكلام أمال، وبعدين أنا مسمعتش ولا كلمة يعنى فيها شكرًا ولا تسلم أيدك على الأكل، يلا بلاش دلع بنات أبعتي لجوزك زى ما فهمتك
كادت "فيروزة" أن تعترض على الحديث لترفع "عطر" حاجبها بتهديد واضح وأتسعت عينيها بنظرة ثاقبة حادة مما أربك "فيروزة" ونفذت ما طلبته "عطر"، تبسمت "عطر" بسعادة من نجاح أول خطوة فى خطتها ثم وقفت من فوق الأريكة تقول:-
-يلا قومي كدة حركي نفسك وأعملينا شوية فشار وكوبايتين عصير عشان نتفرج على فيلم، وأنا هروح أغير هدومي دى
هزت "فيروزة" رأسها بنعم ثم نزلت للطابق الأول ودلفت إلى المطبخ تصنع الفشار ويتردد فى أذنها حديث "مصطفى" عنها، هى الفتاة التى تمناها رجال البلد جميعهم وسعوا جاهدين للحصول على موافقتها من الزواج لكن بسذاجتها تعلقت بأسوءهم والوحيد بينهم مُنعدم الرجولة، ظلت تفكر فى كل شيء شاردة الذهن ليقاطعهم صوت "ذهب" تقول بهلع:-
-عنك يا ست فيروزة ...
نظرت "فيروزة" للبوتاجاز ورأت الفشار أحترقت منها فدمعت عينيها من الحزن لتربت "ذهب" على كتفها بلطف وقالت بنبرة خافتة:-
-متزعليش نفسك، أنا هعملك غيره والله يا ست البنات، ممستاهلش دموعك دى
-ربنا يخليك يا دهب، أنتِ طيبة جوى
قالتها بلطف مع بسمة خافتة ووقفت بجوار "ذهب" التى بدأت تعد الفشار لها ففتحت "فيروزة" هاتفها وهى تجلس على المقعد على السفرة الصغيرة الموجودة داخل المطبخ وبحثت بالفعل عن كُتب كثير للتعافي من العلاقات وكيفية التخطي ثم أرسلتهم "مصطفى"، أتاها صوت "ذهب" من خلفها تقول:-
-وجلب
ألتفت "فيروزة" بدهشة من كلمتها ثم قالت بذهول:-
-نعم!!
جلست "ذهب" بجوارها وبدأت وصلة حديثها المبالغ تقول:-
-أيوة أبعتي وياهم جلب، البنات اليومين دول بيعملوا أكدة حطي جلوب جلوب كتير جوى ، أنتِ متعرفيش البنات التانيين بيبعتوله أي؟
أتسعت عيني "فيروزة" مُندهشة ثم أبتلعت لعابها وهى تضع خصلات شعرها خلف أذنها بقلق طرق باب عقلها بهذه اللحظة فتمتمت بحرج:-
-لا، مصطفى ميعملش كدة... أستني يا دهب هو ممكن يكون عنده بنات ؟
-طبعًا مش راجل كيف بجية الرجالة، وسي مصطفى مش أى حد دا كيف الجمر وطلته أكدة ترد الروح ، دا البنات بتشوفه فى السوج معدي بعربيته بيغمي عليهم
أجابتها "ذهب" بجدية مما أدهش "فيروزة" وهذه الفتاة تخبرها أن الرجل الذى ترفضه رفض قاطع تتمناه الفتيات وربما يسرقوا منها، أغتاظت "فيروزة" بشدة من حديثها فضربت الطاولة بيديها غاضبة وتصرخ بـخادمتها قائلة:-
-جومي يا دهب، جومي من خلجتي لأرتكب فيكي جناية دلوجت وأطلع كل اللى جوايا فيك، ولا أجولك أنا اللى جايمة ومهملكي لحالك
غادرت المطبخ فتبسمت "ذهب" بسعادة وأنتصار ثم اخذت كوب من الشاى الأخضر وصعدت إلى غرفة "هدى" تقدم لها الشاى وقالت بسعادة:-
-عملت كيف ما جولتي يا ستي، مهملتهاش ألا وهى بتصوت فيا
أخذت"هدى" كوب الشاى فى يديها وتبسمت من حديث "ذهب" بسعادة تغمرها ثم قالت بحماس:-
-جدعة يا بت يا دهب، تربيتي.. ، عاوزكي كل ما تشوفيها تدوسي أكتر ولما تطلعي السوج ترجعي تألفي عليها أى حوار أن واحدة سألتك عنه متجوز ولا لا، واحد جايبله عروسة، عاوزة تعرف جيمة الراجل اللى وياها وتفكر كيف تحاجي عليه لواحدة تانية تلهفه منها
تبسمت "ذهب" وهى تضع البخور فى المبخرة ثم قالت بحماس:-
-متجلجيش يا ستي هدى، أنا وراها وأنتِ خابراني زين بموت فى الرغي
-هتجوليلى، خابرة عشان أكدة طلبت منك الطلب دا
قالتها "هدى" بسعادة وهى تقدم مبلغ من المال إلى "ذهب" فتبسمت الثانية بسعادة تغمرها وغادرت الغرفة...
__________________________________________
فى منزل "خضرة"
دلفت "خيرية" إلى غرفة أخاها "خالد" لتراه حزين مهمومًا على فراشه بعد موت "رؤية" كأنه كُسر أو سبلت الروح منه، يدخن بشراسةٍ مُنهكٍ فسألته بنبرة خافتة:-
-خالد، ما لك يا حبيب خيتك؟
-مفيش
قالها بنبرة باردة فتمتمت بهدوء قائلة:-
-طب متعرفش نصر فين؟ مختفي من ساعة ما طلعتوا من المحكمة وأنا محتاجاه ضروري
نظر إلى أخته مُندهشًا من تغيب أخاه و"نصر" الوحيد الذى لم يختفي يومًا أو بقى خارج المنزل لليالي ، لطالمًا كان مُنضبطًا لينافس "عيسي" فى صلاح الحال حتى أنه لم يترك فرضًا من صلواته، تحدث بتلعثم شديد:-
-نصر مُختفي، أول مرة يعملها؟
ضربت كفيها ببعضهما وقالت بحيرة:-
-ودا اللى جلجني عليه، مش من عوايده يبات برا البيت وبكلمه مبيردش وشوية وتليفونه يتجفل، جلبي بدأ يجلج عليه
تنهد بضيق من فراق "رؤية" وهو لم يقوى على البوح للجميع أن زوجته توفيت ويكبح حزنه وتعاسته بقلبه وحده، هز رأسه بنعم يقول بحيرة:-
-حاضر هبجى أدور عليه عند أصحابه
_ اللهى يستر يا خالد دنيا وأخرة
قالتها بجدية ثم غادرت ليضحك بسخرية من أخته التى لم تبالى بحاله ولم تسأل عن حالته وحزن قلبه وتهتم فقط بـ "نصر" ....
_____________________________________
ترجلت "عطر" الدرج وهى تُحدثه فى الهاتف بنبرة دافئة قائلة:-
-وأنت كمان وحشتني يا حبيبي، هترجع أمتى؟
-وحشتك جوى يعنى
أومأت إليه بنعم وتابعت الحديث بنبرة هامسة خجلًا من أن يسمعها أحد:-
-أوى يا عيسي أنا ....
شهقت "عطر" بدهشة حين سحبها من ذراعها للخلف، نظرت إليه مذهولة من تصرف زوجها الذي يترأس عائلة كاملة ويسحبها لأسفل السُلم كالمراهق، رمقته بعيني واسعة وفمها يتحدث بجدية بعد أن شعرت بيديه تحيط بخصرها قائلة:-
_ جرا أي يا عيسي ما لك؟ قالب على عيل صغير كدة ليه؟
أخذ خطوة واحدة نحوها بعينيه الهائمة ببحر عينيها الزرقاء ونبضات قلبه تتسارع بجنون كأنه داخل سباق ويهرع حتى يفوز بقلبها الصغير رغم علمه إن هذا القلب الذى يصبو إليه عاشقٍ له، أبتلعت لعابها خجلًا من تصرفاته كمراهق رغم سنه وهيبته الذي يخشاها الجميع لكن أمامها الآن هذا الأسد غارقًا بعشقها، رفعت يديها حين أقترب تضعهما على صدره تقاوم قُربه أكثر مُتمتمة بنبرة خافتة يكاد يسمعها:-
_ أعقل يا عيسي مش كدة، حد يشوفني ..
أنتفض جسدها برجفة العشق حين لمس عينيها بسبابته يداعب رموشها الناعمة كأنه يسلبها ما تبقي من وعيها أمامه ويغرقها فى بئر عشقهما، دون أن يستمع لحديثها، تبسم على نعومتها ورقة قلبها فهمس بها:-
_ أتوحشتك يا عطري
رفعت رموشها للأعلى مع نظرها به وتشعر بيديه تتسلل من عينيها إلى صدره يجذب يديها التى تقاومه لتتشبث به أكثر مانعة إياه بقولها الحادة:-
_ وبعدين معاك يا عيسي، يلا روح شوف وراك أى وسيبني أخلص أنا كمان اللى ورايا، بلاش شغل مراهقين وأعقل كدة دا أنت هتبقى أب
لم يقوى على ترويض بريته الجميلة رغم عشقه فهندم عباءته مُتذمرًا على حدته معه وألتف كي يغادر من أمامها لكن استوقفه يدها تمسك كُم عباءته ودُهش حين وضعت قبلة على وجنته بلطف ببسمة خافتة وقالت بدلال:-
_ متتأخرش بليل
تنحنح بأرتباك مُبتسم على نيل قبلة منها فأقترب أكثر منها بسعادة تغمره ليوقفه هذه المرة صوت أخته من الخلف تقول:-
_ دا مبجاش بير سلم سرايا....
خجلت "عطر" من كلمتها بينما غادر "عيسي" مُحرجًا من أخته ووجنتيه توردت وعينيه تتجول هنا وهناك مُتحاشيًا النظر إلى أخته فضحكت "عطر" عليه أكثر لتُحدث "فيروزة" قبل أن يخرج من باب السرايا هاتفة:-
_ مش أكدة يا كبير ناسك
لم يبالى لكلمتها وغادر فأقتربت "عطر" منها بلطف بوجنتها المتوردة خجلًا ثم قالت بمرح:-
-حد يخش على حد كدة
-يا أختى وأنا كنت دخلت، أبجى جوليله يتحشم دا كبير العيلة، عيب يجف أكدة فى بير السلم
قالتها "فيروزة" بغيظ شديد مما أضحك "عطر" عليها ثم قالت بلطف:-
-والله أنتِ دمك خفيف، جوليلى بجي عملتى أي النهار دا
-ولا حاجة
قالتها "فيروزة" ببرود شديد لتضربها "عطر" على ظهرها بغيظ يقتلها من برود هذه الفتاة لتقول:-
-مبتفهميش وهتفضلى كدة دبشة، وهتيجي واحدة تانية تسرقه منك وتقف معاه فى بير السلم تغنيله أنا بحبك يا مصطفى ...كتك نيلة، أمشي من وشي
تركتها "عطر" وخرجت إلى الحديقة لتبتلع "فيروزة" لعابها بحرج من حديثها، ظلت واقفة محلها تفكر فى حديث "عطر" حتى قاطعها صوت خطواته على الدرج فألتفت وكان "مصطفى" مُستعد للخروج فتحدثت بغضب قائلة:-
-مصطفى
التف إليها وحدق بها كانت تقف أمامه مُرتدية بيجامتها الخضراء وترفع شعرها على شكل ذيل حصان لتقول بهدوء:-
-أنا عايزة أخرج أشتريت حاجات
-طيب روحي كيف ما تحبي
قالها بهدوء لتتحدث بنبرة قوية غليظة، مُستشاطة غيظًا من بروده وموافقته على كل شيء قائلة:-
-أنا مبأخدش أذنك، انا بسألك هتوصلنى زى المعتاد ولا أخد حد من الرجالة
تنحنح بهدوء شديد ثم قال مُتنهدًا بشجن:-
-عينيا ليكي يا أنسة فيروزة
أغمضت عينيها غاضبة من كلمته المعتادة وهو لا يقوى على نطق اسمها كالبقية، صعدت الدرج للأعلى كى تبدل ملابسها .......
______________________________________
فى منزل "حامد"، كان جالسًا مع "خضرة" يتحدثان بهمس شديد فقال بجدية:-
-البضاعة هتوصل بليل وكيف ما أتفجنا هنسلمها وراء الجبل بعيد عن العين
تبسمت "خضرة" بسعادة والآن ستجني الكثير من الملايين وستصبح أغنى من "ناجى" فقالت بحماس:-
-أتفجنا على ميعادنا وأنا كيف ما جولتلك نصيبي أنا اللى هشيله ومالكش صالح به أخزنه كيف ما أحب وأبيع كيف ما أحب
-على راحتك أنا همي عليكي، دى شيالة كبيرة جوى
قالها "حامد" بتوعية لفكرها وهى ترى تجارة الأثار سهلة ويمكنها السير بسيارتها وبداخلها أثار وسط البلد، تحدثت "خضرة" بنبرة جادة قائلة:-
-لا متشلش همي، أنا ست ومحدش واصل هيشك فيا وخصوصًا أنها أول مرة يعنى الحكومة مش بتشمشم ورايا كيف ولا أسمى عندهم
أومأ إليها بنعم فوقفت لكى تغادر بسعادة تغمرها مُنتظرة هذه اللحظة بشدة، قالت بنبرة هادئة:-
_ أشوفك بليل يا جوز بنتي
غادرت الفيلا دون أن تنتبه إلى "كارما" التى تختبي خلف الدرج بعد أن سمعت الحديث الذي دار بينهما وشردت فى الفكر وهى تستمع إلى "حامد" الذى تحدث مع "عز" قائلًا:-
_ خضرة هتروح وياكم فى التسليم وتديها نصيبها، وبتوعنا طبعًا عارف هيروحوا فين؟ وأنا هروح أسهر برا وجتها مع خديجة عشان محدش يشك فيا
تبسمت "كارما" بمكر وقد فكرت فى الإنتقام من "خديجة" بطريقة خبيثة عن طريق الإبلاغ عن والدتها بعد أن تأكدت من عدم ذهاب والدها........
______________________________________
جمعت "سكينة" أغراضها فى الحقيبة وتسللت من منزلها ليلٍ خوفٍ أن يراها أحد أو يترصدها رجالة "عيسي" وأخذت أول سيارة قابلتها إلى محطة القطار....
وقفت "فيروزة" فى محل الأحذية حائرة ماذا تختار؟ و"مصطفى" يقف فى الخارج ينتظرها بملل فجاءت فتاة إليه تُحدثه و"فيروزة" ترمقهما من الداخل بغضب سافر لتترك الحذاء وخرجت لهما تقول بنبرة حادة:-
-مصطفى
ألتف إليها مُندهشًا من نبرتها العالية فأقتربت لتقف جواره وترفع حاجبها للأعلى بغرور قاتل ترمق الفتاة من الرأس لأخمص القدم فقال "مصطفى" بهدوء:-
-أجبلك حاجة يا أنسة فيروزة
ضغطت على قدمه بغيظ شديد من كلمته بحذاءها ذى الكعب العالي مما أدهشه وكبح ألمه بينما يقول:-
-فيروزة مرتي
-اه أهلا وسهلا يا مدام...
قاطعهم صوت رنين هاتف "مصطفى" فأجاب بتعجل حين رأى اسم المتصل وقال:-
-ايوة
-الست سكينة خرجت من دارها ومعاها شنطة سفر وفى طريقها لمحطة القطار
قالها الرجل عقد "مصطفى" حاجبيه بسعادة ممزوجة بالغضب القاتل وقد حدث ما أنتظره لأسبوعين كاملين مُنذ أن تزوجها حتى يقبض على هذا الخائن الذى غدر بقلبها وبسبب لأول مرة يرأى "مصطفى" دموعها، تحدث بنبرة قوية:-
-وراها، إياك عينيك تغيب عنها، تتصرف وتركب القطار معاها فاهم ، شوفها هتوصل فين وتبلغني ولو لمحت عامر تعرفني؟
نظرت "فيروزة" له بصدمة لجمت عقلها وأشعلت نيران قلبها التى أحترقته من ذكر أسمه، أوقفته قبل أن يصعد بسيارته وقالت:-
-مصطفى
نظر إليها بهدوء لتتابع الحديث بنبرة خافتة وعينيه تترجاه بأستماتة:-
-خدني معاك
نظر لها كثيرًا ولا يملك جواب يرضيها ويرضيه فى آن واحد لتقول "فيروزة" بنبرة واهنة وقد تجمعت الدموع فى عينيها من الألم:-
-أرجوك
أبتلع لعابه بحيرة ورؤية دموعها تمزقه لطالما تساءل عقله هذا الوغد يستحق دموعها هذه؟ أومأ إليها بنعم ثم فتح باب سيارته ليأخذها معه خائفًا من هذه اللقاء الذي سيجمعهما معًا وكيف ستقابله؟ وربما تكون عائقًا فى انتقام "مصطفى" به .............
____________________________________________
أستيقظ "عيسي" فجرًا على صوت صراخ "عطر" القوي جواره، فتح الضوء وهو يرمقها بذعر ويقول:-
-ما لك يا عطر؟
لم تتوقف عن الصراخ وهى تضع يديها على بطنها بألم شديد وتكاد تتمكن من التنفس من شدة الألم الذى أصابها، أتكأت بيدها اليمنى على ذراعه من الألم وتقول:-
-ألحقنى يا عيسي... اااااااه .... أنا حاسة البيبي بيخرج
أتسعت عينيه من هول الصدمة وإحساسها بخروج طفلها وهى فى شهرها الخامس، خرج من الغرفة مُسرعًا ينادي على والدته و"حنة" فسمع صرخة قوية منها من الغرفة، أيقظت صرختها الجميع بفزع من منامهم ..............