أخر الاخبار

رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني الفصل الخامس 5 بقلم ندي محمود توفيق

      

رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني 

الفصل الخامس 5

بقلم ندي محمود توفيق





طالت نظراتها الملتهبة على منيرة وراحت تتجول بنظرها على وجوه الأثنين بحقد وغضب، كيف لها أن تجلس بكل أريحية هكذا وكأنه منزلها، هل مازالت تصدق أن هناك فرصة لها للعودة، أم تظن أن فريال الساذجة لا تزال موجودة، يبدو أنها لم تتمكن من شرح نفسها جيدًا لها في آخر مرة بالمعرض.. والآن ستفعل.

صاحت فريال بانفعال مرعب:

_أنتي بتعملي إيه إهنه، لساتك محرمتيش بعد اللي عملته فيكي في المعرض

استقامت جليلة واقفة بعدما رأت اندفاع فريال الثائر باتجاه منيرة، وقبضت على ذراعها توقفها وهي تهتف لها برزانة:

_اهدي يافريال

رمقتها فريال باشمئزاز وخذي ثم صاحت بها بعدما دفعت يدها بعيدًا عنها:

_وأنتي عاملة روحك بتحبي ولدك وعايزاه يطلقني عشان بتحبيله الخير وعايزاله الأفضل مني، هي دي الخير اللي أفضل مني؟ 

أنهت كلماتها وهي تشير بتهكم على منيرة ثم أردفت بعصبية ونقم حقيقي:

_أنتي مبتحبيش غير نفسك، لو كنتي بتحبي ولدك عمرك ما كنتي هتدخلي العقربة دي بيتك واصل بعد ما كانت بتأذي ولدك وكان هيموت بسببها

وباللحظة التالية فورًا كانت تندفع نحو منيرة وهي ترمقها بنظرة شيطانية وعلى حين غرة جذبتها من حجابها وشعرها والقتها على الأرض بكل قوتها ثم جثت فوقها وجدتها من حجابها ثم قبضت على شعرها وامسمت بخصلاتها في عنف كادت أن تقتلعه من جذوره وسط صراخ منيرة ومحاولاتها للفرار من بين براثن فريال التي لم تكترث لحملها ولا شيء آخر وأخذت تصرخ بها وهي تلقي عليها تهديداتها:

_ده أنا هخلص عليكي واصل يا **** فكراني فريال القديمة اللي هتسكتلك، داخلة بيتي بتعملي إيه يا أم أربعة وأربعين انطقي ورد عليا 

استمرت منيرة في الصراخ وهي تستنجد بجليلة هاتفة:

_الحقيني ياما چليلة أبوس يدك من المچنونة دي

كانت جليلة تقف ساكنة تمامًا دون حركة تتابع ما تفعله بها فريال وتمتع نظرها، أما فريال فقد استشاطت واشتعلت نيرانها أكثر بعدما وصفتها بمجنونة فقبضت على فكها وهي تزيد من ضغطها على شعرها وشدها منه صارخة بها:

_أنا هوريكي المجنونة دي هتعمل فيكي إيه ياكسر الحريم

اخذت فريال تضربها بغل تفرغ بها كل شحنة غضبها ونقمها منها وسط صراخها وكلماتها:

_يارب اشوفك بتحومي حوالين چوزي وبيتي وعيالي تاني ياحية

وصل على صوت الصراخ والشحار العنيف المتقد بين فريال منيرة إنصاف وغزل التي وقفت مندهشةعندما رأت ذلك المشهد الوحشي وكتمت شهقتها بيدها وهي تشاهد بعينيها مشهد أشبه بالأفلام، وبتلك اللحظات اقتحم الغرفة جلال الذي فور وصوله من الخارج اخترق أذنه صوت الصراخ فهرول مفزوعًا للداخل وعندما رأى زوجته فوق منيرة بهذا الشكل أول شيء خطر في ذهنه احتمالية أذية منيرة لها وهي حامل، اسرع نحوهم وجذب فريال من فوق الأخرى وبصعوبة استطاع افلاتها للدرجة التي جعلت فريال عندما تركت شعرها عنوة بسبب جذب زوجها لها، وجدت يدها ممتلئة بخصلات شعر منيرة التي اقتلعتهم بيدها والأخرى لا تتوقف عن الصراخ والبكاء، نظرت فريال لكف يدها وشعر منيرة وهي تبتسم بغل وتشفي والتفتت على صوت جلال وهو يسألها بنظرة قلقة ومحبة:

_أنتي كويسة؟

هزت رأسها بالإيجاب في هدوء، فانتقل هو بنظره باتجاه منيرة وطالعها بأعين دبت الرعب في أوصالها، أحستها نظرات وحش مفترس وهي فريسته الذي سيلتهمها الآن، فتقهقهرت للخلف بخوف شديد ملحوظ على محياها وفجأة انتفض جسدها كله زعرًا على أثر صرخته الجهورية بها:

_بتعملي إيه إهنه

لم تتمكن من الرد عليه بسبب ارتجاف جسدها ولسانها وعجزها عن لفظ كلمة واحدة حتى، بينما هو فاندفع نحوها ثائرًا وجذبها من ذراعها بعنف مكملًا صراخه بها:

_أنا مش قولتلك رجلك النجسة دي متعتبش عتبة بيتي تاني واصل ولا لا، ولا أنتي مبتفهميش بالحسنى ولازمك قلة الأدب والو*** عشان تفهمي

خرج صوتها المرتجف أخيرًا ممتزجًا ببكائها الشديد:

_أنـ..ا بحبـ...ك ياچلال والله 

ثارت فريال وهاجت مجددًا فور سماعها لاعترافها له أمام الجميع بحبها المزيف له وكادت أن تندفع نحوها مجددًا كالثور الهائج لكن أمسكت بها جليلة وكبلتها جيدًا بذراعيها حتى لا تتحرك وتترك الأمر لزوجها يتصرف هو معها.

جذبها جلال معه وهو يجرها كالبهيمة صائحًا: 

_طالما الأدب مش نافع أنا هتصرف معاكي بالطريقة اللي بتفهمي بيها أنتي وناسك اللي معروفش يربوا بتهم دول

وقبل أن يغادر الغرفة التفت برأسه لنساء عائلته وصاح بعصبية:

_فتشوا في البيت زين واتأكدوا أنها محطتش حاچة من ال**** اللي بتعملها دي

هزوا رأسهم بالموافقة وفور رحيله بدأ الجميع يفتش في المنزل ويبحث عن أي شيء غريب قد تكون وضعته،وغزل وقفت تشاهدهم باستغراب وعدم فهم تتساءل بينها وبين نفسها، ما ذلك الشيء الذي يبحثوا عنه؟! .

                                       ***

توقف بشار بعد سير طويل نسبيًا انتهي بأحدى الشوارع الجانبية الخالية من الناس ورأى رحاب تتجه بخطواتها نحوه شاب طويل واسمر لكن مظهره لم يبدو جيدًا وكان يقف بعدم اتزان وينظر لها بأعين غريبة لم يفهمها سوى رجل مثله، بعد لحظات من متابعتهم لهم استنتج أن ذلك الشاب خطيبها، رغم أنه لم يسمع شيء من حديثهم لكنه كان يرى جيدًا تعبيرات وجهه الغاضب والحديث القاسي بينهم الذي اوشك على شجار.

على المقابل صاحت به رحاب ساخطة:

_أنا قولتلك اللي عندي ياسالم وخلاص كل حاچة خلصت بينا

هتف الأخر منفعلًا:

_خلصت كيف يعني هي بمزاچك ولا إيه؟ 

إجابته بشجاعة وشراسة غريبة غير مألوفة على شخصيتها:

_أيوة بمزاچي طبعًا.. أنا مش عاوزاك وكل واحد فينا هيروح لحاله وأنا لو وافقت آچي اقابلك النهاردة من ورا ناسي فـ بس عشان عاملة حساب للعشرة اللي كانت بينا وقولت اودعك غير إكده مكنتش شوفت وشي واصل

ابتسم لها سالم مستهزءًا وقال بنظرة لا تبشر بالخير أبدًا:

_رحاب أنتي عارفة زين أني بحبك ومستحيل اسيبك

صرخت في نفاذ صبر وحزن:

_متحبنيش أنا معاوزاكش تحبني.. هملني عاد وسيبني في حالي أبوس يدك

اختفت ابتسامته وقال بنبرة ارعبتها:

_مقدرش اهملك قولتلك

دققت النظر به جيدًا ولاحظت أنه ليس بوعيه وربما يكون تعاطي بعض الممنوعات التي يشربها دومًا، فانتفض قلبها رعبًا وندمت أنها وافقت على مقابلته وجاءت له ولا إداريًا اخذت قدامها تتقهقهر للخلف في أعين مرتعدة بينما هو فقال لها بوعيد شيطاني:

_طالما مصممة على إنك تسبيني ومفيش فايدة معاكي من الكلام.. أنا هخليكي متنفعيش لحد واصل غيري وهتتچوزيني غصب عنك

اتسعت عيناها برعب وبدأ جسدها يرتجف وبينما كانت على وشك الركض والفرار منه وجدته يقبض على ذراعها ويجذبها له ولم يمهلها الفرصة للصراخ حيث كتم فمها بيده الأخرى ليمنع صوتها من الخروج واخرج من جيب سكين صغير ووضعه بجانب بطنها وهمس لها بأذنها محذرًا إياها:

_امشي بسكات معايا ياحبيبتي.. انتي أكيد مش هتبقي عاوزة تموتي عشان بس متتچوزنيش، لو طلعتي حس ولا حاولتي تعملي أي حركة هقتلك واقتل نفسي وراكي

هزت رأسها له بالموافقة في خوف ودموعها بدأت تنهمر غزيرة فوق وجنتيها وعلى كفه فسمعت همسه وهو يقول لها بحزن:

_متبكيش عاد متخافيش أنا مش هعملك حاچة، أنا بحبك وعازاك تفضلي دايمًا معايا.. يلا امشي

تحركت معه بخطوات متعثرة وجسدها كله يرتجف خوفًا وعيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع، رفعت رأسها للسماء وتوسلت ربها أن يحميها من بين براثن ذلك الذئب، واستجاب ربها لها وبنفس الوقت وجدت نفسها متحررة من قبضته وعندما التفتت للخلف رأت بشار وهو يقبض على يد سالم ويجذب السكين منه ثم يليقها بعيدًا واسقطه على الأرض ثم جثى فوقه وراح يوجه له اللكلمات العنيفة وكان الآخر ضعيفًا لا يقوي على مواجهة بشار بسبب عدم اتزانه وفقدانه اوعيه بسبب الممنوعات فاستسلم لهجوم بشار عليه حتى امتلأ وجهه كله بالدماء وأصبح شبه فاقدًا الوعي، استقام واقفًا وابتعد عنه هاتفًا باشمئزاز وغضب:

_خليك إكده للكلاب اللي كيفك عشان تنهش فيك وتخلص عليك واصل

ثم رفع رأسه نحو رحاب التي تقف مندهشة وتبكي بصمت فبسط ذراعه وكفه لها هاتفًا بحدة:

_تعالي يلا 

لم تتردد للحظة وفورًا وضعت يدها بكفه الضخم وامسكت به بكل قوة.. فهو ملاذها الآمن الوحيد الآن، تحركت مسرعة ووقفت بجواره فوجدته ينظر لها باهتمام ويسألها:

_أنتي كويسة؟ 

اماءت له بالإيجاب، فألقى هو نظرة أخيرة ساخطة على سالم الملقي على الأرض وفاقد وعيه ثم تحرك وجذب رحاب معه وهو مازال يحتضن كفها الناعم بين يده، كان الصمت يستحوذ عليهم وهو يجذبها معه وهي تسير خلفه بخطوة واحدة، رفعت أناملها تجفف دموعها وهي تنظر له وتبتسم بلوعة رغم رؤيتها الغضب الذي يحتل معالم وجهه وكان واضح أنه ينتظر المكان المناسب لينفجر بها ويفرغ شحنته المكتظة لكنها لم تهتم وذلك لم يمنعها عن تأمله بشغف.

وصلا أخيرًا لسيارته ولن يكن يفصل بينهم وبين السيارة سوى خطوات بسيطة لكن فجأة لمحوا فتحية وهي على بداية الشارع وتتجه نحوهم بعدما رأتهم، فجذبت رحاب يدها من كف بشار بسرعة في ارتباك واخفت يديها خلف ظهرها وكأن أمها أذا نظرت بيدها ستعرف أنها كانت يدًا بيد معه.

وصلت فتحية لهم ووقفت أمامهم هاتفة بتعجب:

_انتي بتعملي إيه إهنه يارحاب ومقولتيش يعني إنك طالعة؟! 

التزم بشار الصمت وراح يتمعن في رحاب بغضب ينتظر منها سماع الرد على سؤال أمها فهو نفسه كان سيسأل نفس السؤال إذا لم تصل أمها قبله، ردت هي باضطراب وصوت مبحوح:

_ولا حاچة ياما انا طلعت اشتري كام حاچة وكنت راچعة البيت دلوك 

نظرت فتحية لابن أخيها الغاضب باستغراب وراحت تتجول بنظرها بينهم في عدم فهم وشك فأسرعت رحاب تهتف مرة أخرى موضحة لأمها الأمر حتى لا تشك بأمرهم:

_أنا قابلت بشار بالصدفة ياما وهو أصر يوصلني البيت

رمقها بشار بنظرة محتقنة وهو يصر على أسنانه مغتاظًا، ثم عاد برأسه لعمته وانحنى عليها يمسك بيدها يقبل ظاهرها هاتفًا بلطف:

_عاملة إيه ياعمتي؟ 

ابتسمت له فتحية بحب صافي ورتبت فوق كتفه بحنو متمتمة:

_بخير الحمدلله ياولدي.. روح أنت خلاص على شغلك عشان منعطلكش وأنا ورحاب هنرچع وحدينا، أنا لسا عاوزة اشتري كام حاچة تاني

أجاب بالموافقة في هدوء:

_طيب ياعمتي ولو عوزتوا حاجة ابقي كلميني 

فتحية بحنان:

_عاوزين سلامتك ياولدي ربنا يبارك فيك

بادلها الابتسامة الدافئة ثم التفت برأسه نحو رحاب ورمقها بنظرة حازمة يخبرها من خلالها أن ذلك الأمر لم ينتهي هنا ومازال هناك حديث بينهم لم يبدأ بعد، بينما هي فقد أجفلت نظرها عنه ارتباكًا وخوف وانتظر حتى سار بطريقه سيرًا عائدًا نحو الوكالة حتى رفعت رأسها وتمعنته وهو يبتعد عنهم ولم تفق سوى على صوت أمها وهي تحسها على السير معها.

                                      ***

توقفت خلود أمام باب الشقة وهي تبكي بصمت وترتجف خوفًا من زوجها القابض على ذراعها بيد واليد الأخرى يفتح الباب وهو يتوعد لها بعقاب مميت فور دخولهم المنزل، حاولت الهرب منه عندما رآها بمدخل البناية لكنها فشلت وسقطت مجددًا بين براثينه.

فتح سمير الباب ودفعها بكل عنف للداخل حتى أنها سقطت على الأرض وصرخت من الألم، دخل هو خلفها ودفع حقيبتها بقدمه للداخل ثم صفع الباب بكل قوته، واندفع نحوها كالثور الهائج يقبض على شعرها ويجرها منه كالبهيمة وهي تصرخ متوسلة بصوتها الباكي:

_ابوس يدك ياسمير سيبني والله ما هعمل إكده تاني.. آاااه سيب شعري حرام عليك 

لم يكترث لها ولم يشفق عليها حتى فقد انتزعت الرحمة من قلبه، واصل جره لها من شعرها حتى وصل لغرفة مغلقة لا أحد يدخلها كثيرًا ودفعها للداخل صارخًا بها وهو ينحني عليها ويقبض على فكها بقوة كادت أن تكسره:

_بتحاولي تهربي مني أنا ياخلود.. فاكرة نفسك هتعرفي تخلصي مني

صاحت به ببكاء وضعف:

_لما أنت مش عاوزاني ولا بتحبني يا سمير بتعمل فيا إكده ليه سيبني امشي وارتاح مني

فهقه بقوة ورد عليها ساخرًا:

_لساتك بتسألي بعمل فيكي إكده ليه.. قولتلك أنا بنتقم منك بسببك وبسبب العيل الـ**** اللي كان في بطنك وأنا قولتلك نزليه وانتي مرضتيش،  دمرتي حياتي كلها وناسك چبروني اتچوزك، لازم تستحملي عاد

تعلقت بقدمه وراحت تتوسله بعجز:

_طيب سامحني أبوس يدك وطلقني واوعدك انك مش هتشوف وشي تاني واصل

طالعها بتهكم ثم دفعها بعيدًا عن قدمه كالحشرة وقال لها بعدم رحمة:

_المرة دي أنا هرحمك شوية عشان متقوليش عليا أني حيوان، يعني مش هضربك على غلطك بس عقابًا ليكي هتتحبسي في الأوضة دي من غير وكل ولا شرب لغاية ما تعرفي غلطك زين

التزمت الصمت ليس علامة الرضا ولكن كان انعدام حيلة ومراقبته بعينها الغارقة بالعبرات وهو يغادر الغرفة ويغلقها بالمفتاح عليها ليتركها حبيسة دون طعام أو ماء، القت بجسدها فوق الأرض ودخلت في نوبة بكاء هستيرية تتوسل ربها أن يرحمها ويغفر لها ويسامحها على ذنوبها.

                                       ***

 خرجت آسيا أولًا من غرفة الطبيبة بعدما انتهت من فحصها الروتيني وخرج خلفها عمران، سبقته هي بخطواتها للخارج باتجاه السيارة دون تبادل أي أطراف حديث معه كما فعلوا أثناء طريقهم في الذهاب للطبيبة لكن هل سيكون الأمر مشابه أثناء عودتهم.

استقلت بالسيارة واستقل هو بجوارها بمقعده المخصص للقيادة ولا يستطيع اخفاء مشاعر السعادة من على وجهه بعدما أكدت لهم الطبيبة أن مولدهم الأول سيكون ولد، أما هي فكانت ساكنة تمامًا لا يظهر على وجهها أي تعبير فقط تتأمل الشارع من زجاج السيارة، ولم ترفع نظرها عنه إلا عندما سمعت صوته الغليظ يهتف بعدما انطلق بالسيارة:

_اشكري فريال هي اللي هدتني عليكي وعلى لسانك الطويل

ابتسمت بتهكم مجيبة عليه في قوة تلقي تلمحيات صريحة دون أن تنظر له:

_عيوني وهشكرها كمان عشان مصدقتنيش وچات عليا وأنا مش فارقة معاها ولا مهتمة لأمري 

فهم ما ترمي إليه وأنها تتحدث عنه فقال بحزم وانزعاج:

_لو مكنتش مهتم لأمرك مكنتش اتصلت بيكي امبارح ولا سألت فيكي لكن الهانم معاوزاش ترد عليا وبتتچاهلني

التفتت له ورمقته شزرًا ثم هتفت بعصبية شديدة:

_مردتش عشان معاوزاش اتكلم معاك ولا اسمع صوتك بعد اللي عملته

حدقها بنظرة مشتعلة وقال بصوت غريب آثار الرهبة في نفسها:

_يعني معترفة إنك كنتي سامعة الرن وطنشتي قصد؟! 

لم تجيب واكتفت بإشاحة وجهها للجهة الأخرى بعيدًا عنه كرد بالإيجاب على سؤاله، فضغط بيده على مقود السيارة محاولًا تمالك أعصابه حتى لا يفقد السيطرة على روحه الثائرة وقال بهدوء مزيف:

_ماشي يا آسيا أنا هفضل وراكي للآخر لغاية ما اشوف اخرتها معاكي، بس أنا صبري ليه حدود خلي في علمك ولو صبرت عليكي يومين كمان فبس عشان فريال لكن اقسم بالله لو بعد اليومين قولتي مش راچعة سعتها متلومنيش على اللي هعمله معاكي مفهووم 

عقدت ذراعيها أسفل صدرها وردت عليه بعناد دون أن تنظر في وجهه:

_وأنا مش راچعة ياعمران لا دلوقتي ولا بعدين

 استشاط غضبًا وفقد ثباته الانفعالي المزيف فتوقف السيارة فجأة على جانب الطريق وراح يصرخ بها منفعلًا:

_إنتي عاوزة تجننيني عليكي يعني ولا إيه! 

حاولت البقاء صامدة أمامه رغم اضطرابها وخوفها منه وردت عليها بثبات تام وهدوء غريب على عكس الهيجان الذي بثناياها:

_المرة الي فاتت ربنا سترها ومحصلش حاچة لولدي، المرة الچاية الله اعلم هيحصل إيه.. وأنا مش مستعدة أضحي بولدي وارچع تاني طالما أنا مليش ضهر في البيت اللي هناك ياخدلي حقي ويحميني أنا وولدي يبقى ارچع ليه! 

ارتخت عضلات وجهه بعد كلماتها وراح يتمعنها بدهشة مرددًا ما قالته وهو مثبت نظره عليها بقوة:

_ملكيش ضهر!!!

رأت نظرة الدهشة في عينه ولم تجيبه بل تفادت النظر إليه ليس خوفًا منه ولكن حتى لا تضعف وتتنازل عن حقها، فباغتها بصيحته الغاضبة:

_ما تردي أنتي شيفاني مش ضهرك وسندك ولا اقدر احميكي أنتي وولدي؟!! 

للمرة الثانية تلتزم الصمت ولم تجيبه، ففسر هو صمتها كإجابة بـ ( أجل ) على سؤاله، فأخذ يتمعنها بسكون تام ونظرات خذي ليست غضب هذه المرة ثم انتصب في جلسته وعاد يحرك محرك السيارة مجددًا وهو يجيبها بجفاء مزيف متصنعًا عدم الاهتمام: 

_وأنا مش هقدر اچبرك ترچعي تقعدي مع راچل شيفاه مش ضهر وسند ليكي ولا عارف يحميكي ومش حاسة بالأمان معاه، يعني خليكي قاعدة براحتك في بيت أبوكي يا آسيا

التفتت له ورمقته بصدمة وعينان متسعة، لم تكن أبدًا تتوقع سماع ذلك الرد منه، فطال تأمله له وهي تنتظره أن يلتفت لها ويقول أنه يمزح ولن يستسلم ويتركها بسهولة هكذا لكنه لم يرفع نظره عن الطريق ويلتفت ثانية، فامتلأت عيناها بالدموع وانهمرت فوق وجنتيها غزيرة ثم اشتكت بوجهها بعيدًا عنه وتابعت بكائها الصامت خفية عن أنظاره رغم أنه لا ينظر لها من الأساس.

                                      ***

وقف جلال أمام باب منزل منيرة وهو ممسكًا بها من ذراعها بيده، أخذ يضرب فوق الباب بقوة حتى فتح له أخيها ورأى والدها يجلس على المقعد بالداخل فاندفع جلال للداخل ثائرًا بعدما دفع أخيها من طريقه وعبر وهو يجرها خلفه، ثم توقف بالمنتصف على مسافة قريبة من أبيها والقاها أمامه على الأرض أسفل قدمه بالضبط وهو يصيح بصوت جهوري مخيف:

_لو مش عارف تربي بتك ياحچ سيد قولي وأنا اربهالك زين 

هب الرجل واقفًا بغضب وانحنى على الأرض يساعد ابنته على الوقوف ثم انتصب وصاح بجلال في انفعال:

_إيه اللي بتقوله ده انت ناسي روحك إنك واقف في بيتي ولا إيه وبعدين كيف تمسك بتي إكده

تقدم جلال خطوة من فتراجعت منيرة بسرعة خلف والدها خوفًا منه بينما جلال فهتف بنظرة نارية:

_بتك ناقصة رباية، لما تفضل تحوم حوالين راچل أطلقت منه وهو معاوزهاش وتدخل بيته من تاني بعد ما طردها وتچيله شغله وتقوله أنا لسا مرتك وردني يبقى أنت معرفتش تربي ياحچ سيد 

التفت سيد لمنيرة يرمقها بدهشة وغضب هادر وكذلك كان أخيها الواقف خلف جلال، تابع هو بلهجة محذرة وهو يقف بهيبة وشموخ يليق به:

_ربي بتك زين وشد ودنها شوية، عشان المرة دي أنا چبتهالك لغاية عندك  وتحت رچلك عشان تربيها لكن المرة الچاية هتلاقيني راميهالك قصاد بيتك وقصاد الخلق كلها والفضيحة هتطولك أنت وأنا معدتش حاچة تهمني

اندفع أخيها نحوها ثائرًا بعد عبارات جلال ورافع يصفعها بعنف فوق وجنتها صارخًا بها:

_عاوزة تچبيلنا الفضايح وتحطي راسنا في الطين يا***** 

رمقها جلال بجمود مشاعر ثم هندم عباءته بكل وقار والقى نظرة رجولية جبارة على والدها قبل أن يهتف بعبارته الأخيرة متمتمًا:

_وأنت بتربيها من أول وچديد متنساش تخلي الحچة الوالدة تديها شوية دروس في الكرامة

ثم استدار وقاد خطواتها الواثقة لخارج المنزل تاركًا إياها فريسة بيت براثن والدها وأخيها وهم يمطروها بوابل من صفعاتهم وسبابهم القاسي لها الذي انتهي بأمر سيد لزوجته في غضب مرعب:

_تتحبس في أوضتها ومتشوفش النور واصل لغاية ما تتربى،  وياويله اللي هيفكر يطلعها من الأوضة فاهمين ولا لا

                                     ***

داخل منزل خليل صفوان بعد مرور ساعة تقريبًا.......

وصل جلال للمنزل وقاد خطواته السريعة باتجاه غرفته بالأعلى متجاهلًا الجميع حتى جده وسط نظراتهم المستفهمة له فكانوا يرغبون في سؤاله ماذا فعل مع منيرة ولكنه لم يترك الفرصة لأحد ليفعل.

فتح باب غرفته بقوة ودخل فوجد فريال تنتظره واقفة وتنظر باتجاه الباب تترقب دخوله، اندفع للداخل بعدما اغلق الباب ونزع عنه عباءته وهو يقول لها بلهجة صارمة:

_جهزي الشنط وكل حاجة ليكي أنتي والعيال في البيت إهنه.. عشان بعد خطوبة أخوكي بليل هننقل على بيتنا

تجمدت فريال في أرضها بصدمة وأخذت وقت ترمقه بعدم استيعاب، وبعد برهة تقدمت نحوه وقالت بخفوت:

_بيت إيه ياچلال؟!

التفت لها ورمقها بجدية في غضب:

_بيتنا يا فريال يعني هيكون بيت إيه! 

كانت تتمعنه بحيرة من سخطه الغريب وقراره المفاجيء في الانتقال، فاقتربت منه أكثر وراحت تسأله وهي ممكسة بذراعه في حنو:

_هو حُصل إيه يا جلال.. وإيه اللي حطها في دماغك مرة واحدة إكده؟! 

صرخ بانفعال مخيف ونفس فاضت بالكيل من كل شيء:

_في أني معدتش متحمل البيت ده وزهقت وقرفت منه، أنا كنت كل ده مستحمل وساكت بس خلاص چبت أخري، عايزة اعيش في بيتي وارتاح أنا وعيالي ومرتي من المشاكل والقرف ده

ردت فريال برزانة وهدوءجميل محاول امتصاص غضبه:

_طيب احنا هننقل دلوك هنروح نقعد كيف ياچلال في الشقة دي فاضية مفيهاش ولا سرير ننام عليه حتى! 

هتف بإصرار وسخط أكثر:

_ننام على الأرض المهم نطلع من البيت ده، انتي مش كنتي عاوزة ننقل ونروح بيت وحدينا وأنا بقولك يلا وملكيش صالح بالباقي أنا هظبط كل حاچة، هااا معايا ولا هتفضلي إهنه؟!

رغم أنها كانت قلقة وحائرة من تحوله الغريب فجأة وإصراره على الانتقال لكن السعادة استحوذت على قلبها أن أخيرًا زوجها هو من أخذ تلك الخطوة وهو من سيتحرك بمفرده دون أي دفعة منها، فارتمت عليه تعانقه وتلف ذراعيها حول رقبته متمتمة في غرام:

_أنا معاك في أي مكان حتى لو كان في آخر الدنيا ياحبيبي

مسح على ظهرها بحنو وظهر شبح ابتسامته الخافتة على ثغره ثم انحنى عليها وقبَّل رقبتها بحنو، بعد لحظات قصيرة أبعدها وقال بحدة:

_متچبيش سيرة لأي حد لغاية ما نمشي ولا حتى آسيا چهزي الشنط وكل حاچة من غير ما حد يحس ولا يشوف حاچة أنا مش متحمل كلمة من أي حد ولا عايز وش ومشاكل تاني بزيادة قوي اللي حصل لغاية دلوك

هزت رأسها له بالموافقة وهي تبتسم باتساع وتهمس له:

_حاضر متقلقش مش هقول لحد حاچة واصل.. هدي نفسك انت بس وروح خدلك دش ومتعصبش روحك احسن تتعب 

تأفف بقوة في خنق ثم جذب ملابسه من الخزانة واتجه نحو الحمام ليأخذ حمامًا دافيء عله يبرد نيران جسده.

                                      ***

خرجت فريال من غرفتها وكانت بطريقها لغرفة أولادها حتى تبدأ في توضيب حقائبهم وهرمون السعادة لديها وصل لأقصى حدوده، وابتسامة ثغرها متسعة تملأ وجهها كله توقفت عندما رأت آسيا تتجه بخطواتها السريعة نحو غرفته، من فرط حماسها وفرحتها لم تتمكن من كبح لسانها فصاحت منادية عليها: 

_آسيا استني 

توقفت آسيا والتفتت لها ترمقها بتعجب فوجدت فريال تسرع نحوها وتجذبها من ذراعها ليدخلوا معًا غرفتها وأغلقت الباب ثم راحت تهتف في فرحة شديدة:

_هننقل لشقتنا يا آسيا! 

ضيقت عيناها بعدم فهم وقالت:

_شقة إيه دي.. وليه إيه اللي حُصل ؟ 

قالت فريال بحماس لسرد الأحداث الأخيرة لها:

_حصل كتير قوي بعد ما أنتي طلعتي مع عمران وروحتوا للدكتور وجلال رجع بعدين زي البركان وقالي هنمشي الليلة بعد خطوبة بلال ومصمم نروح بيتنا وقالي متقوليش لحد بس أنا مقدرتش امسك لساني ومقولكيش

لو كانت في وضع مختلف ربما كانت ستفرح كثيرًا لها هي وأخيها وستتحمس لمعرفة التفاصيل لكنها الآن اكتفت ببستمها الباهتة لها وهي تهمس مهنئة إياها بود:

_مبرووك يافريال ومتخافيش مش هقول لحد حاچة

ثم سكتت للحظة وقالت بمرارة وحزن:

_أنتي هتمشي وشكلي أنا اللي هقعد بدالك إهنه!

اختفت بسمة فريال وظهر العبوس والقلق على محياها وهب تسألها بجدية:

_إيه اللي حصل يا آسيا؟! 

ابتعدت عنها بخطواتها وراحت تجلس فوق الفراش وتهمس بصوت يغلبه البكاء:

_قالي خليكي قاعدة في بيت أبوكي براحتك يا فريال

غضنت حاجبيها باستغراب واقتربت منها لتجلس بجوارها متمتمة:

_طب وانتي إيه اللي مضايقك مش هو ده اللي كنتي عاوزاه؟ 

هزت رأسها بالنفي وسألت دموعها بغزارة على وجهها وسط صوتها المرتجف وهي تجيبها:

_لا مكنتش عاوزة اسمعها منه إكده، هو قالها وكأنه معدش عاوزاني أو بيقولي لو عاوزاني اطلقك كمان موافق! 

شهقت فريال بصدمة وصاحت بها مرتعدة:

_طلاق إيه ده.. انتي قولتيله إيه يا آسيا؟

سكتت وانهارت باكية بقوة وجسدها كله يرتجف من فرط انهيارها العصبي فحاولت فريال تهدأتها وهي تحثها على التحدث لكي تفهم ما الذي حدث فقالت آسيا بصوت مبحوح:

_قولتله إيه اللي هيرچعني بيت مليش ضهر فيه ياخدلي حقي انا وولدي ويحمينا وهو قالي أنا مش هچبرك تقعدي مع راجل شيفاه مش ضهر وسند ليكي خليكي في بيت أبوكي 

لوت فريال فمها بضيق ورمقت آسيا بعتاب تهتف في جدية:

_هو ده كلام يتقال يا آسيا، ليه حق يزعل ويقولك إكده

قالت بقهر وشجن:

_وأنا كمان مش غلطانة يا فريال هو مخدليش حقي أنا وولده، ايه ضمني لما ارچع أمك متحاولش تموت ولدي تاني طالما هو مخدش منها موقف حتى ولا عرفها غلطها

رتبت فريال على ظهرها وضمتها لصدرها بحنو هامسة في ثقة وصوت دافيء:

_خااص بزيادة بكا متزعليش نفسك هو عمران اضايق من كلامك بس عشان إكده قالك الكلام ده لكن صدقيني هو مش هيقدر على بعدك ده روحه فيكي، وبعد اليومين هو بنفسه هيرچع يقولك يلا عشان ترچعي بيتك وإذا كان على أمي متخافيش أنا هتكلم معاها زين النهاردة

 هزت آسيا رأسها بالنفي وسط بكائها الهيستيري:

_مش هيقولي يا فريال خلاص هو معدش عاوزاني 

تنهدت فريال الصعداء بحزن وإشفاق وقالت لها بحكمة وحنو:

_لا هيقولك ثقي فيا ده أخويا وأنا عارفاه، ودلوك متزعليش روحك خلاص وچهزي نفسك يلا عشان تروحي معايا بليل خطوبة بلال

ابتعدت آسيا عنها وهزت رأسها بالرفض متمتمة:

_لا مش عاوزة اروح مكان 

فريال بنظرة جانبية لطيفة وسط ابتسامتها:

_عارفة بلال امبارح هو بنفسه قالي چيبي آسيا معاكي الخطوبة يعني لو مرحتيش هيزعل قوي، تعالي معايا وأهو تفرغي عن نفسك شوية

سكتت آسيا ورفعت أناملها تجفف دموعها وقد بدت وكأنها اقتنعت بكلام فريال ورغبتها في اصطحابها معها.

                                     ***

بتمام الساعة التاسعة مساءًا داخل قاعة صغيرة خاصة بحفلات الأفراح، كان جميع الضيوف جالسين فوق مقاعدهم وبانتظار الوصول العروسين.

وصلت فريال وآسيا قبل وصول العروسين وعند دخولهم القاعة كان عمران يقف بجوار البوابة مباشرة يستقبل الضيوف ويرحب بهم وعلى الجهة الأخرى أمامه كان يقف والد العروس، التقطت عيناه آسيا وهي تسير بجوار شقيقته وترتدي فستان طويل باللون الازرق وحجاب من اللون الأبيض، توقفت فريال وصافحت والد العروس تهنئه على خطبة ابنته وهو فعل المثل معه ثم آسيا فعلت مثل فريال وتجاهلت عمران دون أن تنظر له على عكس أخته التي اقتربت منه وعانقته بحب، وهو عيناه المشتعلة عالقة على زوجته التي قادت خطواتها للداخل فقال لفريال بنبرة منخفضة وساخطة:

_إيه اللي هي لابساه ده!! 

نظرت لها فريال تتفحصها وقالت بتعجب:

_ماله اللي لابساه؟! 

عمران باستياء شديد:

_ضيق يافريال أنتي مش شيفاه يعني! 

رفعت كتفيها بجهل ثم نظرت له بطرف عيناها في ابتسامة ماكرة متمتمة:

_طب ما تروح تقولها الكلمتين دول بتقولي أنا ليه.. ولا أنتوا ناويين تخلوني وسيط بينكم

حدقها عمران بغيظ بعدما رآها تبتعد عنه بكل برود وهي تضحك وتعمدت إن تترك آسيا بمفردها على الطاولة التي جلست عليها حتى تترك له الساحة فارغة لكي يتحدث مع زوجته عل علاقتهم تتحسن.

وبالفعل ما هي إلا دقائق قصيرة عندما وجد زوجته تجلس وحدها، فتقدم منها بخطواته وهي اشاحت بوجهها بعيدًا عنه عندما رأته يتجه نحوها، لحظات قصيرة ووجدته يجلس على المقعد المجاور لها وهو يهتف بحدة:

_ملقتيش غير ده تلبسيه! 

ردت عليه بخفوت دون أن تنظر له:

_وماله اللي أنا لبساه

عمران بنظرات نارية:

_ماله أنه ضيق مثلًا 

التفتت له آسيا ورمقته بنظراتها المعاتبة والمنزعجة وهي تقول:

_أنت عاوز إيه مني مش الصبح قولتلي مش عاوزاني 

رفع حاجبه بتعجب مجيبًا إياها بصرامة:

_أنا مقولتش مش عاوزاك 

اعتدلت في جلستها بانتصاب وتطلعت في عيناه بقوة هاتفة في غضب وحرقة:

_لا قولت وكلامك كان معناه إكده

 ظهر الانزعاج على محياه وقال بسخط منها وخزي:

_واللي أنتي قولتيه كان معناه إيه!

ابتعدت بنظرها عنه وتطلعت في الفراغ أمامها تقول بقهر وعناد:

_أنا مقولتش حاچة غلط

حدقها بغيظ وهو يحاول التحكم بانفعالاته فهي تنتظر منه اعتذار يرضيها وهي لا تعترف بخطأها حتى في حقه، استقام واقفًا بغضب ثم ضرب بكفه الكبير فوق سطح الطاولة أمامها وانحنى عليها يهتف في نبرة جافة:

_وأنا معملتش حاچة غلط ولكل فعل ردة فعل يا غزال

انهى عبارته وابتعد عنها يقود خطواته عائدًا لمكانه وهو يهمس بغيظ شديد:

_مسيرك تعرفي غلطك وتندمي وتبطلي عنادك ده، وأنا قاعد مستني اشوفك لغاية ميتا هتفضلي إكده، لو أنتي عنيدة أنا اعند منك

                                 ***

داخل منزل خليل صفوان......

كانت تجلس أنصاف بجوار ابنها ( علي ) بعدما انهت حديثها معه، وبعد لحظات قصيرة رأت غزل وهي تنزل الدرج وفور رؤيتها لـ " علي " تحركت باتجاه المطبخ دون أن تنظر له لكن أوقفها صوت إنصاف وهي تقول مبتسمة:

_غزل تعالي ياحبيبتي رايحة وين إكده

التفتت لها برأسها وقالت في رقة بابتسامة تكاد لا ترى:

_رايحة الـ kitchen ياطنط

أشارت لها إنصاف بود متمتمة:

_طيب تعالي الأول أنا عاوزاكي

تنهدت غزل الصعداء بخنق وقادت خطواتها البطيئة باتجاههم بينما إنصاف فمالت على  " علي " تسأله بجهل:

_إيه الكشري ده ياواد اللي رايحاله؟ 

رمق علي أمه بعدم فهم وحيرة وقال بنفاذ صبر فهي تجبره على الجلوس في تلك الجلسة السخيفة:

_كشري إيه.. بتقول مطبخ مطبخ

ابتسمت إنصاف بفخر وراحت تربت فوق كتفه بحنو:

_اسم الله عليك ياحبيب أمك ربنا يحفظك

اشاح بوجهه للجهة الأخرى يمسح عليه وهو يبتسم بقلة حيلة ويتمتم:

_لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 

عندما اقتربت منهم غزل لاحظوا أنها ترتدي ملابس قصيرة تظهر ساقيها مثل التي كانت ترتديها عندما جاءت من السفر، فرفع " علي " حاجبه ودقق النظر بها بحدة، تجاهلت هي نظراته عمدًا وجلست أمامهم بكل ثقة مما أكد له أنها ترتدي تلك الملابس الجريئة عنادًا به لكي تثير خنقه فقط، نظرت لإنصاف وقالت لها بنعومة تليق بها:

_نعم ياطنط اتفضلي I hear you 

مصمصمت إنصاف شفتيها وهي على وجهها ابتسامة صفراء بعدما رأت نظرات ابنها المحتنقة لكنها ردت عليها بعذوبة محاولة تلطيف الأجواء حتى لا تفسد خطتها في إصلاح علاقتهم:

_نعم الله عليكي ياحبيبتي 

ثم راحت تلكز ابنها خفية في قدمه تحثه على فعل ما اتفقا عليه، لكنه لم يجيب عليها وظل معلق نظراته النارية على ابنة عمته فعادت تلكزه مجددًا بقوة مما جعله ينفجر صائحًا بانفعال:

_في إيه ياما!!


الفصل السادس من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

لقراءة الجزء الاول من رواية ميثاق الحرب والغفران من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close