أخر الاخبار

رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني الفصل الثاني عشر 12 بقلم ندي محمود توفيق

      

 رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني 

الفصل الثاني عشر 12

بقلم ندي محمود توفيق



انتفضت خلود واقفة بفزع وراحت تحدق في وجه مروان بصدمة مماثلة له، وبعقلها تطرح سؤال واحد كيف عثر عليها!.

ردت على سؤاله بسؤال في اندهاش:

_أنت اللي بتعمل إيه إهنه.. وكيف لقيتيني؟! 

رفع مروان حاجبه مستنكرًا ثم قال بحزم:

_أنا ساكن هنا في العمارة

أغلقت عيناها وهي تزفر بخنق وتتحدث مع نفسها بخنق ويأس:

_هو أنا ملقيتش غير العمارة دي يعني اللي اقعد فيها

كان يراقبها بنظراته محاولًا تخمين ما الذي تفكر به، لكنها لم تقف كثيرًا حيث استدارت وانحنت على حقيبتها لتحملها وتحركت خطوتين بالضبط وتوقفت فجأة بعدما صابها دوار عنيف، جعل كل شيء يدور من حولها وكأنها داخل دوامة ولم يدم ذلك الهبوط كثيرًا حتى أغلقت عيناها وسقطت فاقدة الوعي.

اسرع نحوها والتقطتها قبل أن تصطدم رأسها بالأرض، وظل بيده الأخرى يضرب على وجهها بلطف هاتفًا بقلق:

_ياآنسة.. فوقي.. ردي عليا.. انتي سمعاني طيب؟

ولكنها لم تفق فظل يتلفت برأسه يمينًا ويسارًا يحاول التفكير في حل، شعر بأن عقله مشتت ولا يستطيع حتى التفكير بطريقة سليمة، ينبغى عليها إنقاذها وبنفس اللحظة لا يعرف كيف يتصرف، وبالنهاية لم يجد سوى حل واحد حتى لو كان لن يعجبها عندما تستيقظ لكنه لم يعثر على طريقة أخرى الآن، مال قليلًا بجزعة للأمام وحملها بين ذراعيه واتجه نحو المصعد الكهربائي ليفتحه ويدخل ويدفع حقيبتها بقدمه ليدخلها المصعد معه وبعد دخوله ضغط على زر الطابق الرابع وبعد لحظات قصيرة انفتح الباب أمام الطابق فخرج وتحرك نحو باب منزله، واجه صعوبة بالبداية في إخراج مفتاح الباب وفتحه وهو يحملها بين ذراعيه لكنه فعلها.

قاد خطواته السريعة نحو الأريكة الكبيرة بالصالة ووضعها فوقه برفق شديد ودخل لغرفته مسرعًا وعاد لها وبيده زجاجة عطر عله يستطيع أن يعيدها لوعيها، وبالفعل ثواني طويلة نسبية وبدأت تستعيد وعيها، فأطلق زفيرًا حارًا بارتياح وهو يشكر ربه وظل يحدق بها بترقب حتى فتحت عيناها كلها، وإذا به يجدها تنتفض جالسة بفزع فور رؤيتها لوجهه أمامها وهي تقول:

_أنت إيه بتعمل؟! 

تجاهل سؤالها واعتدل في جلسته ليجيبها بجدية:

_انتي كويسة المهم؟

دارت بنظرها في أرجاء المكان من حولها وأدركت أنها بمنزل مجهول فصابها الزعر ووثبت واقفة وهي تقول بارتيعاد:

_أنا وين؟

حاول تهدأتها بنبرة رخيمة وهو يقول:

_اهدى أنا ملقيتش حل والله لما أغمى عليكي وطلعتك شقتي لغاية ما تفوقي

اتسعت عيني خلود بصدمة فور معرفتها أنها بمنزل رجل غريب وارتجف جسدها رعبًا ولا إراديًا ابتعدت عنه وهرولت تبحث عن الباب هاتفة:

 _أنا عاوزة امشي.. الباب وين.. الباب؟ 

قالت عبارتها الأخير بصراخ وصوت ترتجف فأسرع مروان خلفها وقال بكل رزانة ولطف ليقنعها بأنه لن يأذيها متمتمًا:

_متخافيش أنا والله ما هعملك حاجة.. اهدى 

استدارت له والتصقت بالحائط وهي تضم ذراعيها أمامها كنوع من أنواع الدفاع وتبكي بحرقة هاتفة وهي تتوسله:

_خليني امشي ابوس يدك.. ومتأذنيش أنا معملتكش حاچة.. خليني امشي

طالعها بكل دفء وهمس بنبرة تشبه نظرته تمامًا:

_أنا مش هأذيكي والله متخافيش.. بالعكس أنا عايز اساعدك.. انتي مدركة إنك الليل كله كنتي قاعدة في الشوارع وفي مدخل العمارة تحت مستخبية.. أنا فضلت ادور عليكي امبارح بعد ما سبتك ملقتكيش

رمقته خلود بعينان دامعة وهي تترجاه كالطفلة الصغيرة وتهمس بصوت ضعيف وعاجز:

_أنا عاوزة امشي.. خليني امشي

تنهد مروان الصعداء بقوة وقال لها بنظرة يملأها السكينة والآمان ويقول:

_هخليكي تمشي اوعدك.. بس ممكن تقوليلي انتي هتروحي فين وانتي هربانة من أهلك

أغلقت خلود عيناها بألم وردت عليه في خفوت وهي تبكي بوجع:

_أنا مش هربانة من ناسي

ضيق عينيه باستغراب وسألها بفضول:

_امال من مين؟! 

انهارت باكية بشدة وهي تجيبه:

_من چوزي

اتسعت عيني مروان بصدمة بعدما اكتشف أنها متزوجة، واستحوذ الصمت عليه للحظات قصيرة قبل أن يقول بجدية:

_طيب وليه مروحتيش لأهلك؟!! 

بدأ بكائها يصبح عنيفًا وصوتها ارتفع وهي ترتجف وتشهق بقوة عندما تذكرت أهلها، فابتعد مروان عنها واتجه للمطبخ وبعد برهة عاد وبيد كوب ماء بارد ومده لها بنظرة إشفاق، فجذبته من يده واجترعت كوب الماء كله دفعة واحدة وهي تحاول التقاط أنفاسها المتسارعة بسبب البكاء، فزم مروان شفتيه بحزن ورأفة بحال تلك المسكينة وهمس لها بصوت رجولي كله صدق وآمان:

_واضح أنك ملكيش حد واكيد جوزك ده انسان زبالة عشان يوصلك إنك تهربي منه في نص الليل كدا، والصراحة أنا حابب اساعدك يعني ضميري مش هيريحني لو سبتك تمشي وانتي في الوضع ده.. فـ من فضلك احكيلي ايه مشكلتك عشان على الأقل احاول اساعدك على قد ما اقدر

رفعت رأسها وتطلعت إليه بوجه وعينان الغارقة بالدموع في وهن وقلة حيلة، وتحاول اتحاذ قرارها هل تثق به أم لا.

                                        ***

توقف عمران بسيارته أمام أحد المنازل المكونة من طابق واحد، فتح باب السيارة ونزل وأخذ يتلفت برأسه حوله يتفقد المكان والمنطقة جيدًا يحاول التأكد أن المكان والعنوان صحيح، ثم تحرك بخطوات واثقة نحو ذلك المنزل ووقف أمامه ثم رفع يده وأخذ يضرب فوق الباب بقوة، لكن طال انتظاره ولم يحصل على رد، فازداد اشتعال لهيبه وراح يصرخ عليه من الخارج بصوت جهوري:

_افتح الباب يامنصور بدل ما اطربقه فوق نافوخك! 

والنتيجة كما هي.. دون رد، فتقوست تعابير وجهه وظهر الجموح الحقيقي عليه، فأخذ يدفع الباب بكتفه ليكسره وبعد وقت قصير تمكن من كسره وانفتح على مصراعيه، فدخل بكل وقار للداخل وهو ينوى الشر لمنصور، لكن اندهش عندما وجد المنزل فارغ، دار في أرجاء المنزل كله يبحث عنه لكن لا يوجد أثر له ولا لأي شخص، فقط وجد بعض الملابس والأشياء الخاصة به في غرفة النوم التي أكدت له أنه كان بالمنزل هنا لكن غادر.

سمع صوت بشار من الخارج يصيح مناديًا عليه بقلق:

_عمران أنت وين؟!

خرج صوت عمران من الغرفة يجيب بنبرته الرجولية:

_تعالى يابشار 

اتبع بشار الصوت واسرع نحو عمران إلى الغرفة وعندما وصل قال بتعجب:

_منصور وين؟ 

عمران بعين ملتهبة:

_هرب شكله عرف أننا عرفنا مكانه وهرب

رفع بشار يده يمسح علي شعره نزولًا لوجهه وهو يطلق تأففًا قوي بغضب ويردد متوعدًا:

_هيفضل هربان لغاية ميتا يعني مسيره يقع تحت يدنا

هز رأسه عمران مؤيدًا لكلامه رغم أنه كان يشتعل من الداخل لكن كان يظهر ثبات انفعالي غريب أمام بشار ويهتف بنبرة جادة:

_تعالى يلا نمشي ملوش لزوم قعادنا إهنه

اماء له بشار بالموافقة وخرج خلفه وكل منهم استقل بسيارته بعدما غادروا المنزل.....

                                     ***

بمكان آخر تحديدًا بمكان أشبه بنادي ترفيهي وتجاري وبداخله بعض محلات ملابس السيدات ومستلزماتهم المختلفة من كل شيء، كل " علي"  يجلس على أحد الطاولات بالخارج وهو يزفر بخنق بعدما الحت عليه غزل كالاطفال فور رؤيتها لذلك النادي وهو استسلم أمام الحاحها الطفولي.

كان أمامه فنجان من القهوة ويرتشف منه ببطء وتأني وسط متابعته للناس من حوله ومشاهدته لأفعالهم ليتسلى إلى حين عودتها، وبعد وقت طويل كان هو قد فقد صبره في الانتظار أكثر من ذلك وبينما كان على وشك النهوض والذهاب لها وحدها تقترب نحوه من بعيد وهي تحمل بيديها أكياس كثير، فضيق عيناه باستغراب وانتظرها حتى وصلت إليه ليسألها بحيرة: 

_إيه الأكياس دي كلها؟!! 

ردت عليه بوجه مشرق وحماس جميل وهي تضع الأكياس فوق الطاولة أمامه وتجلس على المقعد المقابل له:

_عملت shopping بما إني أول مرة أنزل مصر بعد ما كبرت، وحبيت clothes هنا جدًا وفي حجات كتير تاني كانت روعة 

لوى " على " فمه بملل وهو يقول ساخرًا:

_أنتي بتعملي شوبينچ ولطعاني إهنه كيف خيال مآتة

غضنت حاجبيها بتعجب وسألت بفضول:

_إيه خيال مآته ده؟!!

مسح على وجهه وهو يتنهد بنفاذ صبر ثم استقام واقفًا وقال بحزم:

_يلا ياغندورة لو خلصتي اللف والشوبينچ بتاعك عشان نرچع البيت

استشاطت غيظًا منه وقال بحدة رقيقة مثلها:

_متقوليش ياغندورة دي قولتلك مية مرة.. وبعدين أنا مش همشي أنا حبيت المكان هنا جدًا وحابة اقعد شوية، وكمان وهطلب coffee زيك.. أنت لو حابب تمشي you can go

جز على أسنانه يحاول تمالك انفعالاته وتجاهل تلك الكلمات السخيفة كلها من وجهة نظره ليثبت نظره على اكتافها العارية من جديد وهتف بغضب حقيقي هذه المرة وهو يندفع نحوها ويرفع ثوبها على كتفيها:

_أنا مش قولتلك متنزليش الزفت ده وارفعيه إكده

صاحت به منفعلة في حقد شديد:

_وأنا قولتلك ملكش دعوة بيا.. ومتلمسنيش تاني

رمقها " على " بنظرة مميتة وهتف لها بلهجة منذرة اربعتها:

_وطي حسك ده احنا في الشارع.. وإلا اقسم بالله اخليكي تشوفي الهمچية على حق

امتلأت عيناها بالعبارات وكادت أن تجيب عليه لكن صوت رنين هاتفها اوقف ذلك الشجار وأنقذها من بين براثينه فالتقطت هاتفها فورًا وابتعدت عنه لتجيب على المتصل وهي تحاول إظهار صوتها طبيعيًا له، أما هو فحركته غيرته وقاده اهتمامه بها لمعرفة مع من تتحدث، فاقترب منها بخطواته حتى وقف خلفها واستمع لحديثها الذي كان باللغة الإنجليزية، وتمكن من فهم أنها تتحدث مع رجل وكان حديثها معه حميمي، مما اشعل نيران صدره أكثر والتهبت عينيه بشكل مخيف ليخرج صوته الغليظ والمستاء من خلفها يقول:

_بتكلمي مين؟ 

أنهت غزل الاتصال مع ذلك الرجل واستدارت بجسدها إليه، تحدقه مطولًا بتحدى ونقم قبل أن تقول عنادًا به متعمدة إثارة جنونه أكثر:

_بكلم My boyfriend 

شعرت بلهيب النيران يخرج منه ويلسعها من فرط سطخه ونظراته المظلمة لها، وللحظة ندمت على شجاعتها وتحديها السخيف له وظنته سينفجر بها كالقنبلة لكنه صدمها بصمته وثباته المزيف وهو يهتف بصوت صارم:

_خدي حاچتك ويلا على العربية

ظلت متسمرة مكانها مندهشة من ردة فعله الهادئة، حتى باغتها بصرخته التي نفضتها بأرضها:

_ ما تتحركي واقفة إكده ليه 

عادت إلى الطاولة دون أي اعتراض وحملت أكياسها واتجهت نحو سيارته بالخارج وهي تتساءل عن سبب سكوته المريب، بينما هو فكانت عروقه تغلي لكنه يتقن الثبات باحترافية.

وصل للسيارة واستقل بمقعده وهي كانت بجواره، انطلق بالسيارة وهو ساكن لا يتحدث بكلمة واحدة وهي تراقبه بفضول وتنتظر منه أي كلمة لكنه خيب ظنها، فتنهدت الصعداء مغلوبة وعاد تلفونها يصدح صوت رنينه مجددًا وعندما نظرت في شاشته وجدته حبيبها فألقت بطرف عيناها نظرة على " علي " تترقب ردة فعله وهذه المرة سمعت صوته الغليظ يقول بلهجة آمرة:

_اقفلي التلفون ده ومترديش علي حد

غزل باستغراب ودهشة:

_نعم!! 

على بغضب مرعب:

_كيف ما سمعتي

ألقت بهاتفها بجوارها والتفتت له لتصبح في جلستها مقابلة له مباشرة وتهتف باستياء شديد منه:

_أنت بتتدخل فيا ليه.. وإيه اللي مضايقك في لبسي وطريقة كلامي وحياتي وإن معايا boyfriend، لو بتكرهني قول وأنا مش هقرب ناحيتك أبدًا مع أنك أنت اللي دايمًا بتتخانق معايا مش أنا بس قولي وفهمني

زادت من هجيانه مع تأكيدها له بأن لديها حبيب، وهو كان ينوي التريث حتى يتثنى له التفكير بعقلانية كيف سيتصرف معها بذلك الأمر لكنها تصر على انفجار بركانه الذي يحاول كبحه داخله.

فجأة ارتدت للأمام بقوة مع إيقافه للسيارة فجأة وصياحه المخيف بها الذي جعلها تنكمش على نفسها في المقعد:

_إهنه معندناش بنات تقول عندي حبيب والكلام الـ*** ده وإلا بيتقطع رقبتها.. وإهنه احنا رچالة ودمنا حامي وبنغير على حريمنا وشرفنا وعرض بيتنا، مش كيف اللي تعرفيهم في أمريكا وبتسموهم رچالة واحنا بنقول عليهم إهنه لفظ تاني، عرفتي كلنا محدش عاچبه لبسك ولا طريقتك ليه

ابتلعت ريقها بخوف منه وحبيت أنفاسها في صدرها حتى عاد لوضعه الطبيعي وانكلق بالسيارة من جديد، فتركت أنفاسها وتنفست بقوة في ارتيعاد، بعد دقائق قصيرة تمتمت بصوت خافت يحمل الحيرة والجدية:

_اوكي أنا فهمت من كلامك أن جدو ممكن يكون بيخاف عليا وبيحبني وعايز يحميني وده السبب اللي مخليه مش عايزني البس كدا 

وجدته لم يعيبها اهتمام ومثبت نظره على الطريق حتى طرحت سؤالها الجديد وهي متأكدة أنها ستجذب اهتمامه وستثير الجدل:

_أنت بقى إيه يا علي؟! 

كما توقعت تمامًا وجدته يلتفت لها ويرمقها بحدة وعيناه نارية، فدققت النظر بعينيه في ذكاء أنثوي تحاول اختراق عقله وفهم ما يدور داخله حتى وجدته بتهرب من الأجوبة ويشيح بوجهه بعيدًا عنها مجددًا مثبتًا نظره من جديد على الطريق فتمتمت بابتسامة ثقة:

_Okay, i got my answer ( حسنًا ، لقد حصلت على الإجابة)

تجاهل عبارتها وكأنه لم يسمعها وتابع قيادته للسيارة وسط نظراتها المندهشة له وهي تبتسم بين كل آن والآخر...

                                        ***

داخل منزل خليل صفوان بتمام الساعة السابعة مساءًا بعد عودة عمران وآسيا من التسوق، كان هو يجلس بغرفته الخاصة بالطابق الثالث يفكر بحلول لمشاكله واموره المعقدة، وإذا به فجأة سمع صوت طرق الباب ثم انفتح ودخلت منى.

حافظ على وجهه الخالي من التعابير وهو يراقبها حتى وجدها تقترب منها وتجلس على الأريكة المجاورة له وتهمس بصوت رقيق:

_أنا كنت حابة اتكلم معاك شوية ياعمران لو فاضي يعني ومش هسببلك إزعاچ ولا حاچة

رد عليها ببرود تام  ونبرة جادة:

_اتكلمي يامنى.. خير؟! 

تنحنحت بخجل ملحوظ وتنفست الصعداء مطولًا قبل أن تهمس له في أسف وعينان دامعة:

_أنا عارفة أنك مش حابب قعادي إهنه وفاكر أني عاوزة اعمل مشاكل بينك وبين مرتك كيف الأول بس أنا ندمت على اللي عملته، شيطاني وزني وخلاني اعمل تصرفات غلط واخسرك كأخ قبل ابن الخال، حقك عليا ياعمران متزعلش مني أنا عاوزة اعتذر منك بس واخليك تسامحني

طال صمته وهو يحدقها بنظرة تثبت عدم تصديقها لها فقررت تصنع البراءة أكثر وإتقان دورها باحترافية حيث انهمرت دموعها وهي تكمل برجاء:

_صدقني انا نيتي المرة دي مش وحشة واللي چابني بس أن مرت خالي كانت محتچاني عشان إكده چيت، لكن مش عاوزة اكون سبب في أي مشكلة تحصل بينك أنت ومرتك 

اطلق عمران زفيرًا قوي بعدما احس بصدق تعبيرها وأنها قد تكون حقًا ندمت فأجابه بنبرة رخيمة:

_خلاص يامنى اللي حُصل حُصل طالما أنتي عرفتي غلطك وندمتي، يبقى خلاص انسي اللي فات 

استقام واقفًا بعد عبارته وهو ينوي الرحيل لكن هبت واقفة ولحقت به تقول له بحماس وعينان لامعة:

_يعتي خلاص مسامحني 

التفت لها ورد عليها بحزم بسيط:

_معرفش يامنى معرفش

دقق النظر بها بعد عبارته فوجدها تضع يدها على رأسها وتغلق عيناها وتفتحها بصعوبة وقد بدا عليها أن دوار شديد داهمها، فتقدم خطوة نحوها وقال بقلق:

_مالك يامنى ؟ 

ردت عليه بصوت ضعيف وهي تجاهد لتظل صامدة وواقفة على قدميها:

_الدنيا بتدور بيا ودوخت مرة واحدة

اقترب منها ومد يده لها ليسندها حتى تجلس على الأريكة مجددًا لكن جسدها ارتخي تمامًا وسقطت عليه فاقدة وعيها، تصلب عمران مكانه عندما وجدها بين ذراعيه وهي فاقدة الوعي، لكن ذهوله لم يكن طويلًا حيث اسندها بذراع وبذراعه الآخر راح يضرب على وجهها بلطف هاتفًا:

_منى.. فوقي.. مـنـي

التفت برأسه للخلف عندما سمع صوت الباب وهو ينفتح وتظهر من خلفه آسيا التي دخلت وعلى ثغرها ابتسامة مشرقة وحماسية لكن سرعان ما اختفت بعدما وقع نظرها عليهم.

اتسعت عيني عمران بدهشة وهو يحدق بزوجته ونظراتها النارية، واخفض نظره إلى منى التي بين ذراعيه وعاد ينظر لآسيا مجددًا ولا إراديًا ارتخت عضلات يده فورًا وترك منى قلقًا وخوفًا من ردة فعل زوجته، فسقطت فوق الأرض والتقطت أذنه تأوهًا مرتفعًا صدر عن منى بعد سقوطها مما جعله ينظر لها بدهشة وقد اتضح أنها كانت تمثل المرض، أظلمت عينيه وهو يحدقها بنظرات مرعبة.

أما آسيا فقد ظلت مكانها كما هي وكأنها تجمدت بأرضها وعيناها لا تحيد عن زوجها وتلك السحلية، ترمقهم بنظرات كلها شر ونقم وقد بدا عليها ملامح الساحرة الشريرة الحقيقية، لم يلبث عمران كي ينفجر بمنى لكذبها واستغلالها لها حتى وجد آسيا تندفع نحوها كالثور الهائج وهي تصرخ بها:

_ده أنا هخلص عليكي واصل المرة دي

جذبها عمران وكبلها ليمنعها عن منى هاتفًا:

_آسيا خلاص اهدى.. آسيا 

التفتت له ورمقته بعين مشتعلة ثم دفعت يده بعيدًا عنها صارخة به:

_أنت ملكش صالح بيا ولا تتكلم معايا أبدًا 

فغر عينيه بدهشة من ردها الشرس عليه، وإذا به يجدها تجذب منى من شعرها وسط صراخ الأخرى وهي تصيح بها بجنون هستيري:

_العيب عليا أني سبتك تقعدي إهنه يا*** مبقاش أنا بت خليل صفوان أما ندمتك على اليوم اللي فكرتي فيه أنك تبصي لچوزي 

حاول عمران انتشال آسيا عنها لكن دون جدوى فقد كانت تصرخ به كلما يقترب منها ولم يوقفها سوى يديه القوية وهو يكبلها من ذراعيها ويصرخ بها:

_آسيا خلاص قولتلك كفاية

حاولت التملص من بين ذراعيه لتنقض على منى مجددًا لكن عمران صرخ بمنى في صوت جهوري:

_اطلعي برا يلا

أسرعت منى للخارج ركضًا تفر هاربة من بين براثن آسيا، التي استطاعت التملص من قبضة عمران أخيرًا وصرخت به بغضب وحقد:

_متلمسنيش واصل فاهم ولا لا

ثم اندفعت لخارج الغرفة بخطواتها السريعة وهي ثائرة ولحق هو بها يحاول إيقافها لكنها لا تسمع له...

                                   ***

داخل منزل جلال...

اتجهت فريال لتفتح الباب وهي ترتدي حجابها وقول فضفاض، فجتمدت مكانها بدهشة عندما رأت جليلة أمامها وهي تبتسم وتقول:

_كيفك يافريال 

افسحت لها الطريق لتعبر وهي تجيبها مبتسمة:

_الحمدلله بخير يامرت عمي ادخلي اتفضلي.. انتي ليه مقولتيش إنك چاية

دخلت جليلة وهي تحمل بيديها أكياس بها فواكه مختلفة وتقول مبتسمة بلهجة مستنكرة كلها قوة:

_ليه هو انا محتاچة معاد قبل ما آحي بيت ولدي الچديد واشوفه

ردت عليها فريال بلطف رغم ضيقها من ردها الفظ:

_لا مقصدش يامرت عمي.. بيتك ومطرحك طبعًا

قادت جليلة خطواتها للداخل وهي تتجول بنظرها وتتلخص منزل ابنها لأول مرة بانبهار وتكثر من قول " ماشاء الله " حتى قالت باهتمام:

_امال چلال والعيال وين 

لم تلبث لتسمع الإجابة منها حتى وجدت الأولاد يخرجون من غرفتهم ويركضون تجاه جدتهم فرحًا وهو يصيحون باسمها بسعادة ويرتمون بين ذراعيها فتضمهم هي بدورها في حب متبادل، ثم أخذ تتبادل معك أطراف الحديث وهي تسألهم عن حالهم وتقول لهم:

_إيه البيت إهنه احلى ولا بيت چدكم

مطوا شفتيهم بحرج من جدتهم وخوفًا من الإجابة أن تجرحها لكن عمار تجرأ ورد بحماس طفولي:

_الصراحة إهنه احلى ياچدتي

اتسعت عين جليلة بدهشة وهي تجربه مغتاظة وسط ضحكها:

_وه شوف قلة الأصل، أخص عليكم طب چاملوني حتى

بادلوا جدتهم الضحك الممتع وفريال تتابعهم بدفء رغم استغرابها من تبدل حال حماتها وتقبلها للوضع بهذه السرعة، انضم لهم أخيرًا جلال الذي خرج من غرفته بعدما انتهى من حمامه واقترب من أمه ليعانقها ويهتف بحنو:

_أهلًا وسهلًا ياما نورتي البيت كله.. مش تقوليلي إنك چاية طيب كنت چيت بنفسي اخدتك 

ردت على ابنها وهي تلقي بنظرة كلها كيد على فريال:

_قولت اعملها مفاچاة ياولدي واهو منها اشوف بيتك الجديد، بس شكلها مرتك معجبتهاش المفاچأة بتقولي إيه اللي چابك!! 

اتسعت عين فريال بدهشة.. منذ لحظة كانت تتساءل أين ذهبت حماتها التي اعتادت عليها وها هي عادت الآن، بينما جلال فالتفت تجاه زوجته وطالعها بعتاب بسيط قبل أن يعود بنظره لأمه ويقال بلطف وحنو:

_فريال متقصدش ياما طبعًا، متزعليش منها

ردت جليلة بعبوس بسيط وهي تتصنع البراءة:

_لا وازعل منها ليه مرتك ياولدي أنا اتعودت عليها خلاص

استشاطت فريال غيظًا وطفح كيلها فقالت بصوت محتقن بالدماء:

_أنا هروح اعملك حاجة تسريبها يامرت عمي.. منورة البيت كله

أجابت جليلة على مضض وهي تبتسم بتكلف:

_منور بصاحبه وسيد الرچال ولدي

فهم جلال ما ترمي إليه أمها ومحاولاتها لإثارة غيرة وخنق زوجته فتنهد الصعداء مغلوبًا، وراح يتبادل معها أطراف الحديث المختلف حتى يشغلها عن زوجته قليلًا.

وبعد دقائق قصيرة ترك أمه مع أولاده وذهب لفريال بالمطبخ فوجدها غاضبة وتتمتم بعبارات غير مفهومة وهي تقوم بتحضير العصير لهم، فتقدم نحوها ووقف خلفها هامسًا:

_فريال! 

التفتت له برأسها ثم استدارت بجسدها كله وقالت بضيق تشكيه من أمه:

_شايف أمك بتقول إيه ياچلال.. أنا والله ما قولتلها إيه اللي چابك أبدًا ولا طلعت من خشمي!! 

تمتم بهدوء وهو يحاول امتصاص غضبها ويملس على ذراعيها بحب:

_شايف ياحبيبتي معلش عديها.. أنتي عارفة أمي وعارف أنك مقولتيش إكده وحتى لو قولتي أكيد مكنتيش تقصدي.. وطي صوتك عشان متسمعش عاد وعدي الليلة معلش عشان خاطري

فريال بانزعاج شديد وحزن:

_ما أنا معدياها ياچلال شايفنا مسكنا في خناق بعض، ده أنا كنت بدأت أتأمل أنها اتغيرت لما دخلت ولقيتها بتهزر مع العيال ومبسوطة بالبيت لكن أول ماطلعت أنت رچعت كيف ما كانت، أنا معرفش عملتلها إيه عشان تكرهني إكده

انحنى عليها وقبل جبهتها ووجنتها بغرام متمتمًا بكل دفء:

_ربنا يهديها يافريال.. معلش استحميلها ومتخلهاش تمشي زعلانة هي باين عليها فرحانة بالبيت حتى لو لساتها مضايقة إني سبتها ومشيت وانك اخدتيني منها كيف ما بتفكر

هزت فريال رأسها بالموافقة في قلة حيلة مجيبة عليه بود:

_حاصر ياچلال رغم كل اللي عملته معايا بس هتفضل أمك وأنا مش هقدر ازعلك

عاد يلثم وجنتها مجددًا وهو يبتسم لها باتساع وعشق ويهمس بعدما ضمها لصدره:

_بت أصول يا أم معاذ ربنا ما يحرمني منك واصل ياحبيبتي

ابتسمت بسكينة وراحة وهي بين ذراعيه ثم ابتعدت عنه لتكمل تحضير العصير وهو تركها وغادر ليعود لأمه وأولاده مجددًا...

                                   ***

بمنزل ابراهيم الصاوي.. تحديدًا بغرفة بشار، كان يضع الهاتف على أذنه وهو يستمع لصوت رنين الاتصال وينتظر الرد، فطال انتظاره حتى وصله أخيرًا صوتها الناعم وهي تجيب:

_الو

تهللت اساريره وهتف بحب:

_أيوة يارحاب.. كيفك؟ 

ردت رحاب بصوت خافت:

_الحمدلله يابشار.. هو في حاچة ولا إيه؟ 

تنحنح بحرج بسيط فهو حتى لم يفكر في حجة يخبرها بها عندما تسأله عن سبب اتصاله، لكن اخترع واحدة وهتف بثقة تامة:

_لا مفيش أنا حبيت اتصل وواطمن عليكي أنت وعمتي عشان برن عليها ومش بترد عليا فقلقت وقولت اتصل بيكي اطمن

سكنت للحظة قبل أن تجيبه بتفهم وهي تبتسم، بعدما أدركت أنه يختلق اعذار كاذبة ليبرر اتصاله بها النابع من اهتمامه:

_احنا كويسين الحمدلله متقلقش واطمن

ردد خلفها بابتسامته المحبة:

_طب الحمدلله متنسيش تسلميلي عليها 

_ يوصل أن شاء الله 

اطلق زفيرًا قوى وصل لأذنها على الطرف الآخر من الهاتف ثم هتف بصوت اسندل دافئًا على صدرها:

_طيب أنا كنت عاوز اسألك.. لو طلبت منك نتقابل بكرا هتقدري ولا لا؟! 

توردت وجنتيها بحمرة الخجل، وسمع صوتها بصعوبة وهي تتمتم:

_ليه عاوز نتقابل؟ 

بشار بكل جدية ونبرة واثقة:

_عاوز اتكلم معاكي في كام موضوع إكده وكمان عاملك مفاجأة.. هااا قولتي إيه؟! 

التزمت رحاب الصمت للحظات قبل أن نجيب أخير؟ا بالموافقة وبصوت خافت يثبت مدى خجلها الآن:

_ماشي يابشار موافقة.. هنتقابل فين؟ 

ظهر شبح ابتسامته على ثغره وقال بحماس جميل:

_أنا هتصل بيكي بكرا وتعدي عليكي اخدك 

التزمت الصمت كإجابة بالرضا على ما قاله وهي تبتسم باستحياء شديد منه، ليردف هو:

_يلا تصبحي على خير عاد.. وبكرا ان شاء الله نكمل كلامنا 

رحاب بخفوت أنثوي ساحر:

_وأنت من أهله 

كل واحد منهم انخرط في عالمه الخاص وأحلامه بعدما انتهت المكالمة لكنهم اشتركوا في تلك الابتسامة الفرحة التي كانت تزين وجهيهم....

                                    ***

عودة لغرفة عمران وآسيا...

لحق بها عمران حتى غرفتهم وكان على وشك أن يدخل خلفها للغرفة ليحاول تصحيح موقفه واقناعها بأن كل هذا حدث بظرف لحظة ولم يكن هو مدرك لأي شيء، حتى أنه فجأة وجدها بين ذراعيه وهو لا يعرف كيف حدث!...

لكنه ارتد للخلف بصدمة عندما وجدها تصفع الباب في وجهه صارخة به من الداخل:

_مش عاوزة اشوفك ولا طايقة اتكلم معاك واسمع صوتك حتى

مسح على وجهه متأففًا بخنق ثم اقترب من الباب وراح يهتف لها محاولًا استمالتها وامتصاص غضبها:

_ افتحي الباب ياغزالي وأنا هفهمك اللي حُصل كله.. افتحي عشان خاطري

صرخت به بعصبية وانفعال أشد بنبرة قاسية وجبروت:

_مس عاوزة افهم حاچة.. ومش هتدخل الأوضة دي ولا هتشوفني ولا هتقرب مني غير لما اشوفك بنفسك وأنت بتطرد السحلية دي من البيت، كيف ما وافقت أنها تدخل البيت أنت اللي هتطلعها ياعمران وإلا تنساني واصل ومنتنظرش مني أني أبص في وشك حتى بعد إكده


الفصل الثالث عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

لقراءة الجزء الاول من رواية ميثاق الحرب والغفران من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close