أخر الاخبار

رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني الفصل السابع والثلاثون 37 والأخير بقلم ندي محمود توفيق

  

 رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني 

الفصل السابع والثلاثون 37 والأخير 

بقلم ندي محمود توفيق


رفع حاجبه بابتسامة جانبية يثبت لها إدراكه لما تحاول فعله رغم إعجابه بأسلوبها الجديد في إرضائه إلا أنه يريد أن يطيل ذلك الخصام ليرى محاولاته المختلفة ودلالها عليه، قال بخبث ونظرة شبه ساخرة:

_وهتدلعيني كيف عاد؟!

حدقته بنظرة أنثوية مثيرة وقالت غامزة له:

_زي ما تحب يامعلم

زادت ابتسامته اتساعًا ومازالت الدهشة تظهر على صفحة وجهه، ثم وجدها تميل عليه أكثر وتطبع قبلة حميمية فوق وجنته بشفتيها الناعمتين وسط همسها:

_هو أنا ليا مين غيرك ياعمراني، مقدرش على زعلك مني

اغلق عينيه محاولًا التحكم في شهواته التي اشعلتها تلك الساحرة بقبلاتها وهمساتها وتغزلها به، ثم أخذ نفسًا عميقًا وأطلق زفيرًا ناريًا ونظر لها بحدة مزيفة وقال:

_طيب بعدي شوية لحد يدخل، احنا مش في البيت

انحنت عليه مجددًا غير مكترثة بتنبهاته وقبلته بعمق أكثر متمتمة في لؤم:

_وأنت من امتى بيهمك حد، ولا عشان لقيت نفسك ضعفت قصاد غزالتك

عمران بنظرة صارمة وصوت رجولي بعد قبلتها الثانية:

_آسيا وبعدين

قهقهت عاليًا على محاولاته الفاشلة في الصمود أمامها وإظهار ثبات مشاعره ورغباته بها، فهزت رأسها بالموافقة وقالت وهي تغمز له بثقة:

_حاضر لما نروح البيت هنشوف هتصمد قصاد الغزال قد إيه

ثم استقامت واقفة واتجهت إلى الحمام وهي تتمايل في سيرها أمامه عمدًا وتهتز منحنيات جسدها مع تمايلها وقبل دخولها الحمام التفتت له وهي تبتسم بساحرية ثم توارت داخل الحمام وأغلقت الباب لتتركه هو يشتعل ويهمس متوعدًا لها:

_ماشي يا آسيا اصبري عليا لما نروح

                                          ***

 بعد مرور ثلاث ساعات تقريبًا كان بشار في منزل مريم بعد انتهائه من إجراءات خروج عمران، ذهب لمنزل خطيبته ليتفق مع والدها على ميعاد زفافهم، دامت جلسته مع والد مريم لساعة وهم يتحدثون عن تجهيزات الزفاف وميعاده وأحاديث إخرى مختلفة تخص العمل وغيره.

وبالداخل كانت مريم تجلس والقلق يستحوذها كليًا، فضولها سيقتلها لتعرف ماهي القرارات التي اتخذوها ومتى سيتم الزفاف، رغم كل ما حدث بينهم ومروا به إلا أن حبها له يجعلها في قمة السعادة أنها ستصبح زوجته أخيرًا وأنها نجحت في الحصول على قلبه وأصبح ملكًا لها وحدها.

بعد نصف ساعة أخرى من الانتظار دخلت أمها وهي تخبرها بأن حديث والدها وبشار انتهي وهو ينتظرها ليتحدث معها قبل رحيله، فتسارعت نبضات قلبها ولمعت عيناها بفرحة وراحت تسأل أمها بفضول:

_متعرفيش طيب حددوا الفرح امتى ياماما؟

هزت رأسها بالنفي وقالت مبتسمة على لهفة ابنتها:

_لا لسا ملحقتش اتكلم مع أبوكي هروح أكلمه دلوقتي وانتي اطلعي لخطيبك وهو هيقولك أكيد

اماءت بالموافقة واسرعت للخارج حيث يجلس في غرفة الضيوف، فوجدته جالسًا فوق الأريكة وبيده كأس الشاي يشرب بهدوء، وقفت بجوار الباب وتمعنته بغرام لثواني دون أن يلاحظ وجودها، انزل هو الكأس ووضعه بمكانه ثم التفت بمحض الصدفة تجاه الباب فاندهش برؤيتها تقف تتأمله بشرود، ابتسم بحب وغمز لها هاتفًا:

_أنا مش متعود على الحب ده كله!! 

انتبهت لصوته وتنحنحت بخجل شديد وهي تطرق رأسها أرضًا ثم اقتربت منه وجلست بجواره وكان أول سؤال تطرحه هو:

_حددت الفرح امتى مع بابا؟ 

قهقه بهدوء عليه وقال في نظرة عاشقة:

_والله صدقيني بعد اللي شفته دلوك ده وبعد لهفتك دي أنا مستعد اچيب المأذون حالًا ونتچوز

اشاحت بوجهها بعيدًا عنه في خجل وقالت متصنعة عدم المبالاة بثبات:

_لهفة إيه، أنا مش ملهوفة ده فضول بس مش اكتر

 مال بوجهه عليها قليلًا وهمس في عين تنضج بالحب:

_هو أنا قولتلك قبل إكده أني بحبك؟

اجفلت نظرها عنه خجلًا مبتسمة ثم هزت رأسها بالنفي ردًا على سؤاله، اطال هو التمعن في خجلها الجميل وهمس غامزًا:

_معقول!!.. ازاي مقولكيش أني بحبك وأنك اچمل هدية في حياتي واني بحمد ربنا كل ليلة أنه رزقني بيكي

تلونت وجنتيها بحمرة الخجل واتسعت ابتسامتها حبًا واستحياءًا من تغزله بها، لتسمعه يسألها بتعجب:

_إيه مش هتقولي أي حاچة؟

همسات بصوت خافت بالكاد يُسمع من فرط خجلها:

_اقول إيه؟!

بشار مبتسمًا بمرح ومشاكسة:

_يعني أي كلمة حلوة كدا منك

نظرت له وقالت بدلع مبتسمة في ثقة:

_تؤتؤ الكلام ده بعد ما نتجوز أن شاء الله 

ضحك عاليًا ثم غمز لها وقال في خبث:

_وماله الحلال احلى برضوا، واحنا مش هنستنى كتير هي كلها اسبوع

فغرت شفتيها وعيناها بصدمة وراحت تسأله:

_الفرح بعد اسبوع!

أجابها ضاحكًا يحاول تهدئة روعها:

_في إيه مالك مفزوعة إكده ليه، كل ما في الموضوع إني هخطفك بس لمدة شهر إكده ننعزل عن الناس واصل ونقضي شهر العسل في المكان اللي تحبيه، الموضوع مش مخيف للدرچة يعني

ابتسمت مغلوبة منه وقالت في عتاب بسيط:

_أنت بتهزر.. اسبوع قريبة أوي يابشار مش هلحق اجهز نفسي وبابا ازاي وافقك على الكلام ده

بشار بتصنع البراءة والحزن:

_الحچ الله يباركله حس أني غلبان ودايب في حبك ومش قادر اصبر اكتر من إكده في بعادك فرأف بحالي ووافق أننا نعمل الفرح بعد اسبوع 

_يعني هو رأف بحالك أنت ومرأفش بحال بنته!!

قهقه بخفة ثم قال في مكر وعينان تلمع بوميض العشق:

_مالها بته ده أنا هدلعها آخر دلع هي بس تبقى على ذمتي وتدخل بيتي وهخليها تعيش ملكة

ضحكت بخجل من مغازلته المستمرة لها وقالت في قلة حيلة:

_بكاش أوي

ارتخى جسده على الأريكة بإريحية أكثر وقال بثقة تامة وهو يحدقها بطرف عينه في خبث:

_كلها اسبوع وتشوفي بعينك إذا كنت بكاش ولا لا

راقبته بابتسامة مغرمة وهو يجلس أمامها بعنجهية وثقة جميلة، وفي داخلها ألف شعور واقواهم كان الهوى والفرحة باقتراب زواجها من حبيبها.

                                       ***

داخل منزل جلال صفوان....

فتح جلال الباب ودخل وهو يحمل بيديه أكياس ممتلئة بألعاب مختلفة لأولاده وملابس ومستلزمات أخرى تحتاجها فريال، اتجه نحو الأريكة في الصالة وجلس فوقها ثم وضع الأكياس في الأرض وصاح مناديًا على أولاده وزوجته:

_معاذ.. عمار تعالوا عاوزكم.. فريال 

ركض الأولاد من غرفتهم وخرجوا لوالدهم ركضًا فوجدوه يشير لهم بعيناه غامزًا على الأكياس فلمعت عيناها بوميض الفضول والفرحة واسرعوا إليه لينقضوا على الأكياس ويكتشفوا محتواها لكنه اوقفهم بعباراته الحازمة:

_استنوا كل واحد ليه كيسه وحاجته ولعبه عشان ميحصلش خناق

التقط أحد الاكياس الكبيرة واعطاها لمعاذ وثم التقط كيس مماثل في الحجم وأعطاه لعمار، لينقضوا على اكياسهم ويفرغوا محتوياتها وهم يضحكون بفرحة غامرة والاندهاش يستحوذ على وجوههم من كثر الألعاب وجمالها، بتلك اللحظات كانت تقف فريال بجوارهم وتراقب تعبيرات وجه اولادها وفرحتهم وهي تضحك، لتجد جلال يلتقط أحد الأكياس مختلفة الشكل وجميلة يبدو أنها من أحد المحلات الغالية وأعطاها إياه فاتسعت عيناها بدهشة وقالت في فرحة طفولية:

_وأنا كمان چايبلي منستنيش يعني

جلال في حنو:

_برضوا يافريالي هو أنا أقدر انساكي ياحبيبتي ده أنتي الكل في الكل إهنه وقبل العيال دول ذات نفسهم

كان معاذ وعمار منشغلين بالعابهم غير منتخبين للحوار الدائر بين والديهم وكل منهم يتفقد العاب الآخر ليرى ما الألعاب الذي اشتراها لهم والدهم، أما فريال فهمت بفتح ذلك الكيس المميز لتكتشف محتواه فوجدته يمنعها وهو يبتسم بخبث ويقول:

_لا مش إهنه الكيس ده مينفعش يتفتح قصاد العيال

ضيقت عيناها باستغراب ثم خمنت من نظراته اللعوب أن هناك أشياء حميمية وخاصة بالداخل، فرمقته بقلة حيلة ضاحكة وهمست:

_مش مطمنالك

جلال بحماس وعينان تشتعل بالرغبة:

_هنسيب العيال الليلة دي في بيت أبوي بعد كتب كتاب " علي " واحنا نقضي الليلة وحدنا يا فريالي

قهقهت فريال بقوة وقالت في إشفاق:

_حرام عليك نسيبهم إيه.. " علي " أكيد هيبقى حابب يقعد مع مراته والعيال هيعملوا صداع في البيت

جلال بعدم اكتراث وهو يضحك:

_واحنا مالنا، بعدين خليه يشرب شوية انتي مش فاكرة كان بيعمل فينا إيه واحنا مخطوبين ده أنا هوصي العيال عليه وصاية

انطلقت ضحكتها المرتفعة ثم قالت:

_انت لسا فاكر ده من عشر سنين ياچلال الكلام ده

أجابها بكل بساطة وابتسامة شيطانية:

_الحچات دي انتوا تنسوها الستات عادي لكن احنا الرچالة مننسهاش، لأن اللحظات دي بتبقى مميزة بنسبالنا وبنستناها بفارغ الصبر، وأنا چه الوقت دلوك اخد حقي

ضحكت هزت كتفيها بقلة حيلة منه، تتركه يفعل ما يريد مع ابن عمه ثم عادت تنظر لأولادها المنشغلين في اللعب وجلست بجوار زوجها الذيضمها لصدره وقال مغتاظًا بضحك:

_شايفة ولاد **** ولا حتى قالوا شكرا لأبوهم

ضحكت فريال عليه بين ذراعيه وقالت مدافعة عن أولادها:

_عچباهم اللعب خليهم يفوقوا من الصدمة والفرحة الأول حتى ياچلال

مال على رأسها مبتسمًا بدفء وقبلها وهو يهمس:

_ربنا ما يحرمني منكم أبدًا ياحبيبتي 

                                    ***

داخل منزل بلال الصاوي بتمام الساعة الثامنة مساءًا....

كان جالسًا بالصالة يشاهد التلفاز إلى حين انتهاء زوجته من تجهيز نفسها، لكن طال انتظاره حتى ضجر فهب واقفًا واتجه إلى غرفتهم وهو منزعج فوجدها تقف إمام المرآة تضع اللمسات الأخيرة في حجابها وهي ترتدي ثوب فضفاض متدرج من إحدى درجات اللون الأخضر ويزينه بعض الفصوص والبيضاء والفراشات الصغيرة، فابتسم بعينان لامعة ثم تقدم نحوها بخطواتها الهادئة حتى وقف خلفها مباشرة ولف ذراعيه حول خصرها وجذبها إليه يعانقه من الخلف وينحني برأسه عليه ويرفع حجابها عن رقبتها قليلًا ليطبع قبلاته الحارة وسط همسه وانفاسه الساخنة:

_إيه الچمال ده ياحوريتي

نظرت له في انعكاس المرآة وابتسمت بحب ثم احتضنت ذراعيه الملتفين حول خصره وقات له بدلع:

_يعني الفستان حلو فيا بجد أنا كنت خايفة يبقى شكله وحش

بلال مبتسمًا وهو يتغزل بها:

_انتي أي حاچة بتلبسيها بتحليها ياحبيبتي مش هي اللي بتحليكي

ضحكت بخجل وقالت وهي تميل برأسها للجانب في دلال لطيف:

_الله بقى يابلال متكسفنيش اكتر من كدا

قهقه عليه بخفة ثم رمقها بعين لامعة بمكر وعاد يوزع قبلاته على رقبتها ووجهها مجددًا ويهمس لها:

_إيه رأيك نكنسل الطلعة دي وافسحك انا احلى فسحة إهنه بين الأربع حطيان في مملكتنا الصغيرة

لوت فمها بضيق وقوست حاجبيها مغتاظة كدليل على اعتراضها التام على ذلك الاقتراح فانفجر ضاحكًا وقال باستسلام تام:

_في إيه أنا كنت بهزر بس، هنطلع متخافيش بس علي اتفاقنا كيف ما أنا هدلعك برا وافسحك انتي كمان تدلعيني في البيت لما نرچع

عادت البسمة الواسعة تشق ثغرها مجددًا كالطفل الصغير وقالت بدلع:

_اوكي هو أنا ليا مين غيرك ادلعه يابلبلتي 

لوى فمه بقرف من ذلك الدلع السمج الذي تستمر في قوله وابتعد عنها وقال بهدوء مزيف وهو يتجه لخارج الغرفة:

_أنا مستنيكي برا يلا خلصي بسرعة

فهمت سبب ذلك التحول فكتمت ضحكتها وردت عليه بابتسامة عريضة متعمدة إثارة غيظه أكثر:

_حاضر يابلبلتي 

توقف والتفت لها يرمقها بنارية فانفجرت ضاحكة بقوة ورفعت كفها تشير له أنها الأخيرة دون أن تتوقف عن الضحك الهستيري، فيهز هو رأسه بنفاذ صبر ويكمل طريقه للخارج مبتسمًا على طفوليتها التي يعشقها.

                                    ***

داخل منزل خليل صفوان.....

كانت العائلة بأكملها مجتمعة في الصالة الكبيرة بالمنزل بالطابق الأرضي وبانتظار وصول المأذون، كان " علي " يجلس مع الرجال ويتحدثون في أمور مختلفة وهو يرتدي جلباب صعيدي أبيض اللون ويلف حول رقبته شالًا رجالي من اللون البني زاده وسامة ورجولة، أما غزل فمازالت بالأعلى ومعها كل من خلود وآسيا يساعدونها في تجهيز نفسها.

بعد مرور نصف ساعة تقريبًا وصل المأذون أخيرًا وصعدت إنصاف لغرفة غزل لتطلب منها النزول، كانت ترتدي ثوب بسيط وفضفاض باللون الأبيض أيضًا مثله، بأكمام طويلة وعريضة وتركت العنان لشعرها الحريري ينسدل على ظهرها وكتفيها بعدما جهزته بإحدى التسريحات المفضلة لديها، وفي قدمها حذاء عالي من نفس اللون تنزل به الدرج فيصدر صوتًا ناعمًا مثلها جعل الجميع يلتفت لها وينبهر بجمالها الساحر، تعالت الزغاريد من النساء فور رؤية العروس وهي كانت تسير بخطوات رقيقة مبتسمة في خجل وهي مجفلة نظرها أرضًا حتى وصلت لتلك الطاولة التي يجلس حولها كل من المأذون وأبيها وجدها وجلال و " علي" وكان مكانها بجواره هو، وفور جلوسها انحنى عليها وهمس في أذنها بصوت أصاب فؤادها:

_كلها دقايق وتبقى مرتى ياغندورة

لم تنظر له وظلت مطرقة رأسها أرضًا والإبتسامة الخجلة لا تفارق ثغرها، حتى وجدت المأذون يبدأ في اجراءات الزواج ووضع " علي " يده في يده والدها وبدأ كل منهم يردد خلف المأذون ما يقوله، وبعد مرور دقائق طويلة نسبيًا بعد انتهاء كافة الإجراءات هتف المأذون بابتسامة صافية وهو يهئنهم:

_بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.. مبروك

تلك العبارة سقطت عليها كقطع الثلج التي أصبحت جسدها كله وبلحظة مر أمامها شريطها الكامل منذ قدومها لذلك المنزل، كيف كان حالها عند دخولها وكيف هو حالها الآن، لو أخبرها أحدهم أنها ستتزوج " علي " لكانت اتهمته بالخرف، لا تستوعب أنها أصبحت زوجته حقًا، شعور متضارب بين الرعب والفرح، التردد والحماس، لكن كل هذا لا يهم ولا مجال للصدمة الآن فهي تتلقي التهنئات من جميع العائلة بالفعل والجميع يحتضنها ويهنئها بزواجها وسط الزغاريد وأصوات الأغاني المرتفعة والأطفال من حولها يرقصون ويلعبون، وعندما التفتت برأسها للخلف إلى " علي " كان على عكسها تمامًا في قمة سعادته وهو أيضًا يتلقى التهنئات لكن ضحكاته تستطيع سماعها رغم ضجيج الأغاني وصخبها.

انحنت عليها آسيا التي لاحظت ذهولها وتوترها من ذلك الوضع وهمست في أذنها ضاحكة:

_اضحكي وفكي احسن الناس تفتكرك مغصوبة 

نظرت لآسيا بنظرة طفولية وقالت في ارتباك شديد:

_أنا خايفة 

قهقهت آسيا عاليًا وردت عليها في قلة حيلة:

_صدق اللي قال عليكي هبلة

 جربتها النساء بجوارهم وتعالت ضحكاتهم مع بعضهم فاندمجت معهم مع مرور الوقت ونست توترها وحتى بدأت تشاركهم في الرقص، ولا تعرف لماذا أو ما السبب لكن عيناها كانت دائمة البحث عنه، بين كل لحظة والأخرى تلتفت وتبحث عنه وعندما تراه يقف بين الرجال تعود وتكمل رقصها وضحكها من النساء، هي نفسها لا تدري هل بحثها عنه يبثها  بالآمان أم ارتباك وتوتر.

بعد انتهاء تلك الليلة الجميلة ورحيل جميع المدعوين لم يتبقى سوى اهل المنزل فقط وهي كانت تجلس بين نساء العائلة تستمع لمزاحهم واحاديثهم ثم استقام كل من جلال وفريال وآسيا ليرحلوا وأصبح المنزل فارغ تقريبًا، وتسارعت نبضات قلبها بشدة عندما رأته يقترب منها ثم ينحني عليها ويمسك بيدها ثم ينظر لوالدها وجده ويطلب الأذن منهم بأدب ضاحكًا:

_عن أذنكم عاد هاخد مرتي ونقعد شوية على انفراد

رمقته غزل بحدة من كلماته الجريئة أمام الجميع لكنه لم يبالي بها وجذبها معه إلى غرفة الجلوس الخاصة بجدهم واغلق الباب، فالتفتت له وقالت بخجل:

_عيب يا "علي " بتقفل الباب ليه الكل قاعد برا إيه يقولوا دلوقتي

علي بعدم اكتراث وضحكة واسعة وهو يقترب منها بتريث:

_يقولوا اللي يقولوه مليش صالح مرتي وأنا حر محدش له حاچة عندي

تقهقهرت للخلف بارتباك من تقدمه الخبيث نحوها ورفعت سبابتها في وجهه وقالت محذرة إياه:

_ " علي " أنت بتقرب كدا ليه عارف لو فكرت تعمل أي حاجة هصوت و أنت عارفني انا مجنونة واعملها

كبح ضحكاته بصعوبة وهو مستمر في التقدم نحوها ويقول بجدية ليطمئنها:

_يابت هعمل إيه أنا بس هاخدك بالحضن واقولك مبروك

أجابته بتوتر وخجل حقيقي وهي مازالت تتراجع قبل أن يصل لها:

_قولي مبروك بدون touch

تصنع الغيظ والضيق وقال بحدة:

_طيب ما تثبتي عشان اعرف اتكلم كلمتين على بعضهم معاكي

توقفت مكانها بعدما نجح في اخافتها بنظراته الحادة، وقف أمامها مباشرة وهو يتمعنها بحب مبتسمًا ثم انحنى عليها ينوي أن يضمها احضنه ويقبلها من شعرها لكنها ظنته ينوي شيء آخر ودون أن تردد انطلقت منها صرخة لكنها اسرع وكتم على فمها قبل أن تلتقط آذانهم في الخارج تلك الصرخة، ورمقها مغتاظًا ثم هتف:

_إيه الچنان وشغل الفضايح ده! 

دفعت يده عن فمها بعيدًا وهتفت بتحدي وشماتة:

_عشان قولتلك وحذرتك لو عملت أي حاجة هصوت

عض على شفاه مغتاظًا منها ثم قال بعين تلمع بشيطانية:

_طب أنا كنت ناوي احضنك بس وعشان اللي عملتيه ده لازم تاخدي عقابك

لم يمهلها اللحظة لتستوعب ما قاله حيث دنى منها وابحر معها في لحظاتهم الخاصة الأولى، يعيشون اولى أحزانهم الغرامية كزوجين.

ابتعد عنها بعد لحظات طويلة ورفع شفتيه لجبهتها يطبع قبلة دافئة وهو يهمس:

_مبروك ياغندورتي.. أخيرًا بقيتي ليا وحدي

فتحت عيناها ببطء وحمرة الخجل تملأ وجنتيها وانفاسها متسارعة من فرط الاستحياء والتوتر، ثم راحت تلكزه في صدره بغيظ وتوبخه بلطف هاتفية:

_أنت قليل الأدب على فكرة

قهقه بخفة ثم ضمها لصدره وقال ببرود مبتسمًا:

_وماله صفة حلوة وشغالة برضوا اليومين دول

ضحكت بصمت بين ذراعيه مغلوبة على أمرها منه، رغم كل شيء لكن ربما هي الآن لأول مرة تشعر بالسعادة الحقيقية منذ بداية اليوم، تلك الفراشات التي تحلق في معدتها واجنحتها التي تكاد لا تسع الغرفة من فرحتها وحبها له.

                                  ***

داخل منزل عمران الصاوي....

كانت آسيا تقف في المطبخ تقوم بتحضير العشاء بعد عودتها من زواج " علي " وغزل، وكان عمران بالصالة متسطح فوق الأريكة ويشاهد التلفاز، كانت مازالت تخطط وقد فكرت بأن خطتها في إثارة رغباته فكرة جيدة وتجعلها يخضع ويسامحها.

بعدما انتهت من تحضير الطعام بدأت في نقل الصحون للخارج ووضعهم فوق طاولة الطعام وهي تتعمد تجاهله كأنها منشغلة في الطعام وغير منتبهة له، تتحرك أمامه كالفراشة بخفة وتتغنج في سيرها وتتمايل بذلك الثوب الأسود القصير الذي ترتديه، تخدعه أنها لا تراه لكنها كانت ملاحظتها قوية جدًا وتراقب نظراته المتفحصة لها، بعد انتهائها من نقل الصحون اقتربت منه ومدت له يد المساعدة فطالعها بمكر مبتسمًا ثم قال بين ضحكه:

_انتي بتمارسي عليا تعويذة من تعاويذ سحرك ولا إيه! 

ضحكت بصمت وقالت في شموخ وثقة:

_إيه اللي خلاك تفهم إكده؟!

مسك يدها وساعدته في الوقوف وهو يجيبها بهدوء:

_أنا مش فاهم حاچة واصل

ابتسمت له بلؤم وقال بدلع:

_مش لازم تفهم اهم حاچة الاحساس يامعلم

قهقخ بخفة على عباراتها ثم سار بجوارها حتى وصل لمقعده وجلس عليه وجلست هي بجواره وقبل أن يمد يده للطعام وأوقفته وبدأت هي تطعمه بيدها وسط نظراته الحائرة والمغرمة، كانت لا تجعله يضع يده في الطعام أبدًا بل تطعمه بكل اهتمام وتدلله كابنها الصغير وتعني له غامزة:

_أنا وعدتك أني هدلعك في البيت

فتح فمه ليأخذ اللقمة من يدها ويجيبها مبتسمًا وهو يمضغ الطعام:

_هتفضلي توكليني إكده ومتاكليش انتي

رفعت يدها بلقمة أخرى ومدتها لفمه وهي تجيبه بحب:

_لا أنا شبعانة

ابعد يدها واعادها لفمها هي متمتما بحزم بسيط:

_كلي أنتي يا آسيا كفاية أنا هكمل وكل لوحدي  

همت بأن تعترض لكنه رمقها بنظرة صارمة لا تقبل النقاش جعلها تزم شفتيها بضيق وقلة حيلة وامتثلت لأوامره، وسط تناول الطعام صدح صوت رنين هاتفه فالتقطه وأجاب على بشار بغلظة:

_عملت إيه يابشار؟ 

بشار بنبرة رجولية:

_الرچالة عملوا معاهم الواجب في المخزن وبعدين هما راحوا سلموا نفسهم

عمران بغضب شديد:

_بتخليهم يسلموا نفسهم ليه أنا ما قولتلك عاوز اربيهم بنفسي الأول

هتف بشار باستياء وحدة:

_أنت في إيه ولا إيه ياعمران لساتك طالع من عمليه وفيك جرح في ضهرك وتقولي اربيهم أنا، ملوش لزمة يا ولد عمي أحنا عملنا معاهم الواجب واكتر كمان متقلقش وصابر الـ**** بعد اللي عمله ده معاك وهما هيعترفوا عليه مش هيطلع من السجن غير وهو بالكفن أن شاء الله

مسح عمران على وجهه متأففًا بنفاذ صبر وقال لبشار في صوت محتقن:

_طيب يابشار سلام

ألقى الهاتف بجواره منزعجًا فتمعنته آسيا بحنو وتردد لكن حسمت قرارها ومدت يدها تمسح على ذراعه بدفء وانحنى عليه تُقبّل كتفه هامسة:

_كمل وكلك ياعمران متضايقش نفسك، هما خدوا چزائهم والسچن هيربيهم اكتر، كفاية أنك چاري وبخير يا أبو سليم

رمقها عمران بنظرة مميتة ثم دفع يدها بعيدًا عنه بنفور وقال بقسوة بعدما اشاح بوجهها للجهة الأخرى:

_معاوزش اسمع حسك واصل يا آسيا دلوك

تجمدت تعبيرات وجهها وتملكتها الصدمة من رده القاسي رغم كل ما تفعله من اجله ورغم محاولاتها المستميتة في إرضائه، لكنه القى بجهودها كلها عرض الحائط بتلك العبارة، استقامت واقفة بسخط واندفعت إلى غرفتها ثائرة في أسى.

أطلق تأففًا حارًا بحنق وندم على كلماته السامة، يبدو أنه كسر بخاطرها حقًا هذه المرة، بقى مكانه لدقائق طويلة محاولًا امتصاص ذلك الغضب ليذهب لها ويجبر بخاطر غزاله المنكسر.

استقام واقفًا وسار ببطء شديد وحرص إلى غرفتهم ثم فتح الباب ودخل فوجدها تقف أمام الخزانة وتهم بنزع ذلك الثوب الأسود الذي سحره، فاقترب منها وحاوطها من خصرها بذراعه هامسًا:

_هتغيريه ليه أنا عاچبني

آسيا بامعتاض:

_أنا مش عاچبني

مال ثغره في ابتسامة رجولية ساحرة ثم دنى منها ولثم وجنتها بقبلة عاشقة ثم لف ذراعه الآخر حولها وجذبها إليه لتلتصق بصدره وهمس:

_كل مرة بتسحريني وتسيطري عليا وتقلبي الطرابيزة عليا وفي النهاية أنا اللي آچي اصالحك

ابتسمت وقالت في غرور:

_عشان أنت عارف أني بحبك ومستهلش إكده وأني كنت بعمل كل حاچة عشان ارضيك

مال عليها بوجهه وراح يلثم وجهها بقبلاته المتفرقة في رغبة هامسًا:

_وأنا كمان بحبك ياغزالي، بس ده ميمنعش أن اللي عملتيه الصبح في المستشفى وانتي قاصدة تچننيني عليكي لازم يبقى في رد عليه

رمقته بنظرة جريئة ثم لفت ذراعيها حول رقبته وقالت في غنج:

_وأنا منتظرة ردك يامعلم!

 ضحك وقال في نظرة لعوب:

_أنتي عاوزة إيه بظبط يابت خليل مش شايفة الوضع اللي أنا فيه

قهقهت عاليًا بأنوثة ثم قالت متصنعة البراءة:

_متفهمنيش غلط أنا قصدي نسهر الليلة دي مع بعض ونحكي ونتفرچ سوا على حاچة حلوة احنا من زمان مقعدناش القعدة دي مع بعض

هز رأسه بتفهم وهو يبتسم بخبث ثم قال بوقاحة:

_تمام نقضي الليلة دي محترمين لغاية ما استعيد صحتي بس واربيكي كيف ما اتفقنا

ملست على صدره بدلع وقالت في لؤم:

_أنا من يدك دي ليدك دي ياعمراني

انطلقت ضحكته الرجولية على تدللها المختلف وعاد يقبلها مجددًا ثم يضمها لصدره بعشق...

                                        ***

بينما كان كل من فريال وجلال بطريق عودتهم للمنزل كان هو يقود السيارة وهي تلقي نظرها خارج زجاج السيارة تراقب الطريق بشرود، فجأة وجدته توقف بجانب الرصيف بأحدى المناطق الهادئة المطلة على مياه البحر فالتفتت له وضيقت عيناها باستغراب وراحت تسأله:

_وقفت ليه؟

جلال مبتسمًا بحنو:

_انزلي هنقعد شوية قصاد البحر

بادلته الابتسامة ثم امتثلت لطلبه وفتحت باب السيارة ونزلت، التف هو حول السيارة واحتضن كفها بين كفه الكبير ثم سار معها باتجاه إحدى المقاعد الخشبية العريضة أمام البحر وجلسوا بجوار بعضهم، دام صمتهم لثواني معدودة حتى قطع صمتهم صوتها وهي تقول برقة وعيناها عالقة على المياه أمامها:

_احنا مرينا بحچات كتير قوي مع بعض ياچلال

تنهد الصعداء بحنق بسيط وقال في جدية:

_ليه بتچيبي في سيرة الماضي بس دلوك يافريال

ابتسمت له بحب وقالت في ثبات تام:

_متقلقش أنا مش بفكرك بيه عشان نزعل ونتخانق، أنا بس أدركت قد إيه حبنا لبعض كان اقوي من أي حاچة، لأن برغم كل ده احنا لساتنا مع بعض

أجابها بوجه عابس وصوت يحمل الندم:

_أنا مبحبش افتكره، لأن بفتكر غلطي وقد إيه أنا كنت اعمى ومغفل وازاي أنا ظلمتك وكنت هخسرك بغبائي، مش بفتكره لأني في كل مرة بفتكر الماضي احساس الندم بيقتلني 

 التفتت له وحدقها بدفء وعينان مفعمة بمشاعر العشق ثم وضعت يدها فوق كفه واحتضنته بقوة هامسة في شعور صادق:

_صحيح أنت غلطت بس مفيش حد مبيغلطش ياچلال وأنا مسحماك ياحبيبي ونسيت كل ده كفاية حبك ليا ووچودك چمبي أنت والعيال

امسك هو بكفها ورفعه لفمه واخذ يأثم ظاهره بعدة قبلات دافئة ثم تمتم بعينان تفيض عشقًا:

_ربنا ما يحرمني منك واصل يافريالي

تأملته بهيام ثم عادت بنظرها للمياه تتأمل ذلك المنظر الهادئ أمامها، حتى سمعته يضحك وهو يقول لها:

_قعدتنا دي مفكرتكيش بحاچة؟

التفتت له وحدقته بحيرة وعدم فهم، ثم دققت النظرة بتركيز في نظراته لها محاولة فهم مقصده وإذا بها تنفجر ضاحكة فور تذكرها لذلك اليوم الذي يقصده وقالت بين ضحكها:

_فكرتني ليه حرام عليك ده كان يوم ميتنسيش من كتر المصايب اللي حُصلت فيه

جلال بنظرة تحمل من الهوى ما يكفي لانتشاء روحها:

_بس كان يوم چميل قوي كفاية أنه كان في شهر عسلنا هزت رأسها بالإيجار مبتسمة ثم نظرت له بنعومة وهمست:

_طيب مش يلا بينا الچو برد وكمان عاوزة نروح البيت ونرتاح

غمز لها بخبث وقال متحمسًا:

_صُح عندك حق نروح البيت امال احنا سايبين العيال في بيت أبوي ليه

هبت واقفة وهي تقهقه بخفة ثم قادت خطواتها إلى السيارة وهو لحق بها، بعدما استقلوا بمقاعدهم وقبل أن ينطلق بالسيارة التقط كفها ورفعه لفمه ليقبله مجددًا.

                                       ***

فتح بلال باب المنزل ودخل هو أولًا ثم لحقت به حور التي انتابتها موجة ضحكة هستيري، اغلق الباب فور دخولها ونظر لها بحزم لطيف وقال:

_وبعدين عاد ياحور!! 

اتجهت إلى أقرب مقعد أمامها وجلست فوقه وهي مازالت تضحك بقوة وتقول:

_مش قادرة انسى منظرك لما كنت هتتخانق مع الراجل 

تقدم نحوها وجلس على أقرب مقعد لها ثم قال بغضب حقيقي:

_أنا قومت من چمبك بس روحت الحمام رچعت لقيت واحدة بتتعرف عليكي عاوزاكي لأخوها اللي قاعد بيتفرج عليكي من الطرابيزة اللي چمبنا المفروض كنت اخده بالحضن يعني

حور برقة وهو تحاول تمالك ضحكاتها:

_سوء تفاهم يابلال هي البنت دي أنا اعرفها على فكرة وهي كانت فكراني متجوزتش لسا

بلال بعصبية وحنق شديد:

_فكراكي مش فكراكي ميخصنيش انا غلطان أني طلعتك أصلًا

زمت شفتيها للأمام بعبوس طفولي ثم استقامت من مقعدها واقتربت منها لتجلس فوق قدميه كطفلة صغيرة تجلس بين احضان أبيها، ولفت ذراعيها حول رقبته ثم نظرت له بذلك المنظر البرئ تستعطفه وتثير عواطفه بهمسها الناعم:

_اخص عليك يابلال اهون عليك كنت تكسر بخاطري، أنا أيه عرفني أن الطلعة هتبوظ ويتنكد علينا كدا 

أخفض نظره بجرأة يتفحص ما تفعله وكيف تجلس بين ذراعيه وفوق قدميه بدلال ثم قال متصنعًا الضيق:

_أنا قولتلك بلاش وخلينا في بيتنا وهنتبسط اكتر 

ابتسمت بدلع أنثوي ثم دنت منه وطبعت قبلة حميمية على وجنته وتمتمت بنظرة ساحرة:

_ولا تزعل ياحبيبي أنا هعوضك، ميهنش عليا اشوفك متعصب ومضايق كدا، قولي بس أنت إيه اللي يبسطك وأنا فورًا انفذ

حاول منع ابتسامته لكنه فشل فحدقها بطرف عينها في مكر وهمس:

_كلك نظر ياحورية

فهمت ما يلمح إليه فقهقهت برقة ثم قالت بغنج بعدما نهضت من فوق قدميه:

_عيوني اروح بس اغير هدومي الأول

راقبها وهي تبتعد باتجاه غرفتهم ثم ارسل لها غمزة وقحة فانفجرت ضاحكة على أثرها، غابت داخل الغرفة لدقائق طويلة حتى انتابه الفضول حول سبب تأخرها فاستقام واقفًا واتجه إلى الغرفة، فتح الباب ودخل فوجدها تقف في الشرفة ، غضن حاجبيه بتعجب ثم اقترب منها ووقف بجوارها وراح يلف ذراعه حول خصرها ويجذبها إليه مردفًا ببسمة سخرية:

_امال فين اللي هبسطك وادلعك سيباني وواقفة في البلكونة!!

ابتسمت له بحب ثم همست بصوت هائم:

_الجو جميل أوي قولت اقف شوية في الهوا ده

مال على رأسها وطبع قبلة حانية ادفأت جسدها ثم هتف بصوته الرجولي المهتم:

_لا ادخلي احسن تتعبي ياحبيبتي

أغلقت عيناها واخذت نفسًا عميقًا بوجه صافي والسكينة والطمأنينة تنبعث من ملامحها الجميلة، ثم نظرت له بتمعن وغرام ومالت برأسها على صدره وتمتمت في لوعة:

_مبسوطة أوي يابلال أنك معايا وان ربنا رزقني بيك، ومش مصدقة أننا في بيتنا واني واقفة في حضنك، لغاية دلوقتي بفضل افكر كل ده حصل ازاي وامتى، أنا فاكرة لُقانا اول مرة كأنه امبارح، معقول كل ده عدى بالسرعة دي واتجوزنا

لف ذراعه حولها بحميمية وضمها إليه أكثر وعلى ثغره ابتسامة عاشقة ثم أجابها بعين تلمع بوميض جميل:

_الشال بتاعك لغاية دلوك محتفظ بيه

رفعت رأسها عن صدره ونظرت إليه بدهشة وقالت:

_بجد لسا موجود معاك!

بلال بتأكيد وبسمة رجولية جذابة:

_طبعًا لساته معايا ده غالي عليا قوي وكيف ما صاحبته غالية عندي ومقدرش أفرط فيها مقدرش أفرط فيه هو كمان

رفعت جسدها ووقفت على أطراف أصابعها لتصل لطول جسده العريض والطويل وطبعت قبلة قوية بجانب ثغره ثم همست له بنعومة تذهب العقل:

_أنا بحبك أوي

حدثنا مبتسمًا بغرام ثم مال بجزعه للأمام ووضع ذراع أسفل قدميها والأخرى في منتصف ظهرها وحملها بين ذراعيه ليدخل بها إلى غرفتهم هاتفًا بنظرة لعوب:

_دوري عاد ارد عليكي واثبتلك حبي بالأفعال

                                       ***

بعد مرور أسبوع تحديدًا بليلة زفاف بشار ومريم.......

انتهى حفل الزفاف وانتهت بداية ليلتهم مع العائلة وبقاعة الزفاف وسط الفرحة التي تملأ قلوب الجميع وترسم البسمة على وجوههم والزغاريد والرقص والتهنئات من جميع المدعوين للعروسين وهم يتمنون لهم حياة زوجية سعيدة.

كانت تقف مريم خلف بشار الذي يفتح باب منزلهم وهو يلقي عليها مزاحاته التي لا تتوقف منذ بداية اليوم:

_الباب معصلق هي من أولها إكده، شكل عين حد رشقت في ليللتنا

ضحكت مريم بقوة وأخذت تراقبه وهو يحاول مع الباب حتى نجح في فتحه أخيرًا فتنهد الصعداء بابتسامة عريضة وافسح لها الطريق لتدخل هي أولًا ثم دخل خلفها واغلق الباب، وقف خلفها ملتصق بها وهمس لها بحب:

_مالك متصنمة في أرضك إكده ليه ياعروسة

أطرقت مريم رأسها خجلًا وتلك الابتسامة الساحرة تزين ثغرها الناعم فمال عليها من الخلف ولف ذراعيه حول خصرها ثم دفع وجهه بين ثنايا رقبتها هامسًا:

_أخيرًا يامريم اتقفل علينا باب واحد ده أنتي عذبتني لغاية ما رضيتي عني

لمساته العشوائية جعلت القشعريرة تسير في أطراف جسدها كله وتلك الفراشات تحلق في معدتها بقسوة، فازدردت ريقها بتوتر وابعدت ذراعيه عنها ثم استدارت له لتصبح مقابلة له وقالت في ثقة:

_كان لازم تعرف قيمتي واتأكد من حبك ليا

أجابها بغمزة لعوب:

_ودلوك اتأكدتي يعني؟! 

مطت شفتيها للأمام بتردد مزيف وقالت:

_على حسب

مال بوجهه عليها وقال في نظرات جريئة:

_وماله العمر طويل قصادنا وهثبتلك بطرقي الخاصة

 مالت هي لا إراديًا للخلف كردة فعل مرتبكة على دنوه منها فتجده يضحك ثم يفتح لها ذراعيه كاملة ويقترب منها ليلفهم حول ظهرها ويضمها لحضنه وسط قبلاته التي يوزعها على رأسها ووجهها وهمساته الحانية:

_ربنا يقدرني واعوضك عن كل اللي مرينا بيه ياحبيبتي، من إهنه ورايح سعادتك وراحتك هتبقى هي أهم حاچة عندي

ابتعدت عنه ببطء ثم نظرت لوجهه بهيام وعيون تفيض عشقًا:

_وأنا اهم حاجة عندي هي أنت 

رفع كفيه واحتضن وجهها ثم دنى منها وراح يلثم وجنتيها بقبلاته الساخنة ثم ابتعد بشفتيه سنتي مترات عن بشرتها الناعمة وهمس بنظرة تشتعل بالرغبة والحب:

_مش يلا ولا إيه، هو احنا هنقضيها رومانسيات وكلام وبس

اجفلت نظرها عنه أرضًا باستحياء شديد وقد تلونت وجنتيها بحمرة شديدة وظهر الارتباك الحقيقي علي محياها ليضحك هو برجولية ثم يميل بجزعه ويحملها بين ذراعيه متجهًا بها إلى غرفتهم.

                                     ***

على الجانب الآخر داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بغرفة " علي " خرج من الحمام واتجه إلى فراشه ليتلقط هاتفه الذي لا يتوقف عن الرنين منذ وقت طويل، وعندما قرأ اسم المتصل التي كانت زوجته ضيق عينيه باستغراب من اتصالها به وهي بنفس المنزل معه.

أجاب عليها بحنو:

_نعم ياحبيبتي

هتفت غزل برقة تليق بصوتها الأنثوي:

_تعالى عندي في الأوضة يا " علي " مستنياك 

رفع حاجبه مندهشًا وقال مازحًا بضحكة لئيمة:

_وه في الأوضة مرة واحدة، ده احنا اتطورنا عاد!

كتمت ضحكتها المغلوبة منه وقالت بجدية:

_بلاش وقاحة انا مجهزالك مفاجأة هتعجبك أوي يلا تعالى

" علي " بخبث وحماسة:

_اكيد هتعجبني طالما بتقوليلي تعالى الأوضة، جايلك ياغندورة

أغلقت الاتصال والقت بالهاتف على الفراش وهي تتنهد بقلة حيلة وتضحك عليه، ثم جلست على الفراش تنتظره حتى سمعت طرقة خفيفة منه على الباب ولم ينتظر وكان سيهم بفتح الباب لكنها صاحت عليه بسرعة:

_لحظة متدخلش

قرب شفتيه من الباب وهتف بصوت منخفض قليلًا في جرأة:

_انا چوزك وستر وغطا عليكي ياحبيبتي هتتكسفي مني

ضربت على وجهها وهي تضحك بنفاذ صبر منه ثم اقتربت من الباب ووقفت خلفه وفتحت له الباب ببطء ثم قالت بلهجة حازمة:

_ادخل وأنت مغمض عينك عشان المفأجاة، اوعى يا " علي " تفتح عينك okay

اغلق عينيه كما طلبت ودخل وهو يردد خلفها ويقلدها بمزح:

_اوكيييي

فور دخوله اغلق الباب ووقفت أمامه ثم أخذت نفسيًا عميق بحماس شديد وتشويق لردة فعله، وراحت تهتف له بفرحة:

_Open your eyes

فتح عينيه ببطء وهو يضحك ويهز رأسه بطريقة كوميدية ظنًا منه أنها ستكون مفاجأة عادية، لكن تجمدت تعبيرات وجهه فجأة واختفت ابتسامته من أثر الصدمة حتى أنه أخذ يتمعنها فاغرًا شفتيه كالأبله، كانت تقف أمامه ترتدي ثوب فضفاض وساتر لا يظهر من جسدها سنتي واحد وترتدي حجابًا كبيرًا يغطي شعرها وينزل إلى منطقة الصدر يخفيها أيضًا.

دام ذهوله للحظات طويلة حتى سألها بعدم استيعاب:

_ده انتي بتچربيه بس وبتورهوني ولا هتلبسيه واتحچبتي صُح

هزت رأسها بالنفي في ابتسامة عريضة وقالت في ترقب لردة فعله الحقيقية:

_لا هلبسه خلاص هتحجب، إيه رأيك في شكلي بقى؟ 

قالت عبارتها الأخيرة وهي تدور أمامه بجسدها لتمكنه من رؤية مظهرها الجديد بوضوح أكثر، فكان هو يتأملها بعينان لامعة بوميض مختلف لأول مرة تراه في عيناه، وعندما توقفت وجدت الرد منه بأنه فتح ذراعيه لها يحثها على الدخول إلى قوقعتها الآمنة، فلبت دعوته بصدر رحب وسعادة ليأخذها هو بين ذراعيه ويضمها بقوة وشفتيه تتنقل على رأسها وجبهتها ووجهها، حتى سمع سؤالها المتعجب:

_أنت ساكت ليه يا علي

أجابها مبتسمًا بغرام والذهول مازال يستحوذه:

_مش عارف ارد اقول إيه من الصدمة ياغزل، الصراحة مكنتش اتوقع ده أبدًا انا كنت لساتني بفكر كيف هقنعك عشان تلبسي الحچاب

ابتعدت عن حضنه ونظرت له بخجل بسيط وقال في وجه صافي وهاديء:

_الصراحة خلود فضلت تتكلم معايا كتير واقنعتني أن لبسي حرام وممكن ادخل النار بسبب لبسي وفي الآخر حبيت الحجاب واقتنعت بيه

رفع حاجبه مندهشًا وقال مبتسمًا بعد تصديق:

_معقول خلود !!

هزت رأسها بالإيجاب له ثم تابعت بعينان تلمع بوميض الحب: _وكمان أنا عارفة أنك بتغير عليا ومش بتحب لبسي ولا أني اطلع قدام حد غريب باللبس بتاعي اللي بيبين جسمي، فحبيت اخليك مبسوط وراضي عني

اتسعت عينيه بدهشة مختلفة هذه المرة فمازالت تدهشه بكلماتها ومن فرط سعادته مال عليها وخطف قبلة سريعة منها وهو يقول:

_الله اكبر على مرتي وحبيبتي اللي مهتمة براحة چوزها وعارفة أنه بيغير عليها وعاوزة تريحيه

لكزته في صدره بخجل بعد قبلته وقالت معاتبة إيه بغيظ:

_بلاش وقاحة بقى وقلة أدب

دنى منها مجددًا واحتضن وجهها بين كفيه وراح يلثم وجنتيها من الجانبين بقبلات قوية وهو يهمس:

_مش قادر من كتر فرحتي بيكي، أنتي مش هتتخيلي أنا مبسوط كيف دلوك

اتسعت ابتسامتها بسعادة على فرحته بها وردة فعله الجميلة وتشجيعها لها ثم راحت تلقي بجسدها عليه وتتعلق في رقبته هاتفة بتلقائية:

_أنا بحبك أوي ياعلي

لا يعرف كم عدد المرات التي أصابته فيها بالدهشة منذ دخوله الغرفة وكانت هذه الأخيرة غالبًا باعترافها بحبها له، فابعدها عنه ونظر في وجهها بعدم تصديق وقال:

_يابركة دعاكي ياما، أخيرًا وداني سمعتها قوليها تاني إكده

ابتسمت بخجل وراحت تهز كتفها بغنج أنثوي وتهمس في نعومة:

_بحبك

غار عليها من فرط فرحته وصدمته وراح يوزع قبلاته على وجهها في كل مكان تطوله شفتيه فدفعته بعيدًا عنها برفق في خجل شديد وقالت بوجنتين تلونوا بالأحمر :

_ "علي " الله في إيه براحة، بعدين راعي أني بتكسف

أجابها وهو يحاول التحكم في رغباته ومشاعره الجيَّاشة تجاهها:

_أنا فعلا لازم اراعي أننا لساتنا معملناش الفرح ولازم امشي لأني لو فضلت إهنه دقيقة كمان مش ضامن روحي ممكن اعمل إيه

فغرت غزل شفتيها وعيناها بصدمة بينما هو فابتعد وفتح باب الغرفة ثم التفت لها قبل رحيله وغمز بعينيه في وقاحة وهمس:

_أنا عاوز اللبس اللي كنتي بتلبسيه لما اجيلك تكوني لبساه كان بيعچبني قوي

التقطت الوسادة من على الفراش والقتها عليه بغيظ وهاتفة بضحكة خجلة:

_اطلع برا ياقليل الادب

تفادى هو اصطدام الوسادة به بذكاء وسط ضحكاته ثم انصرف واغلق الباب ليتركها تبتسم بهيام وهي تتذكر قبلاته وكلماته المعسولة...

                                     ***

بعد مرور سنتين.....

داخل إحدى شركات الديكور والأثاث المشهورة والضخمة كانت خلود تجلس فوق مقعدها داخل غرفة مكتبها الخاص تباشر أعمالها الغير منتهية، وترتدي بنطال فضفاض يعلوه بالطو رسمي من اللون الأخضر ويزينه حجابها الرقيق، فقد حققت مبتغاها منذ سنتين عندما حصلت على تلك الوظيفة وعملت بكل جهدها حتى ترقت إلى أن أصبحت نائب مدير عام، حققت ذاتها والآن هي حرة سيدة نفسها لا يمكن لأحد أن يكسرها أو يحاول تحطيمها، ومن كان لديه الجرأة ليفعل فليحاول ويلقى عقابه.

رفعت رأسها عن الأوراق عندما دخلت مساعدتها الخاصة وقالت:

_في ضيوف مهمين من طرف مستر ادهم يا استاذة خلود وهو قالي اوصلهم لحضرتك وتشوفي هما محتاجين إيه 

ردت خلود بثبات تام ووجه جامد:

_تمام يانورهان خليهم يتفضلوا وابقي بلغي مستر ادهم ينتظرني لغاية ما اخلص لاني عاوز اتكلم معاه

هزت رأسها بالموافقة وخرجت من الغرفة تاركة الباب مفتوح وكانت خلود قد أعادت رأسها تنظر وأوراقها مجددًا إلى حين دخول هؤلاء الضيوف، بعد لحظات سمعت صوت أنثوي يقول:

_استاذة خلود

استقامت خلود واقفة لترحب بالضيوف وهي على ثغرها ابتسامة صادقة لكن سرعان ما تلاشت تدريجيًا عندما سقط نظرها على مروان وهو بجواره تلك المرأة، لم تكن أبدًا تتوقع رؤيته مجددًا وبالأخص بتلك الطريقة، تبادلوا هم الاثنين نظرات الصدمة للحظات فلاحظت حتى لاحظت تلك المرأة فقالت له بتعجب:

_مالك يامروان واقف كدا ليه!

تملكت الصدمة من خلود وللحظة شعرت بأن كل ما بنته بالسنتين دمرهم هو بلحظة واحدة، كانت نظراتها له تحكي ألف كلمة، لكن سرعان ما تمالكت مشاعرها ونجحت في إظهار ثباتها وقوتها التي اكتبستها من نجاحها العملي وتحقيق ذاتها، ووقفت أمامهم بكل ثقة وابتسامة خفيفة، رغم أنه هو كان مازال يتأمل مظهرها المختلف كليًا بذهول.. لولا أنه يحفظ شكلها جيدًا كان ربما لن يعرفها.

نقلت المرأة التي بجوارها نظراتها بينهم بحيرة ثم سألتهم بابتسامة هادئة:

_انتوا تعرفوا بعض ولا إيه؟!

سبقته خلود بالرد في ثبات وقوة شخصية طاغية وهي تمد يدها لتصافح المرأة:

_لا خالص، اهلًا وسهلًا بيكم اتفضلوا

مدت يدها وصافحت خلود ببشاشة ثم جلست على المقعد وجلس بعدها مروان وهو بعالم آخر من أثر الصدمة، أما تلك المرأة فتحدثت وهي تشير إليه بيدها:

_أنا ريم ساهر وده جوزي البشمهندش مروان

التفتت خلود برأسها تنظر لمروان بابتسامة حكت الكثير وقالت مرحبة به:

_اهلًا بخضرتك يابشمهندش

ثم عادت بنظرها إلى زوجته وسألتها بلطافة:

_اقدر تساعدكم ازاي؟

ردت زوجته وهي تمدح خلود بود:

_وااله احنا مستر ادهم شكر في حضرتك كتير أوي ولأنه معاه اجتماع ضروري قال لمروان هو صديق مروان جوزي نيجي عند حضرتك وانتي هتساعدينا، احنا كنا عايشين في ايطاليا وهننقل دلوقتي هنا وعايزين نجهز شقتنا من كل حاجة

رفع مروان يده ومسح على وجهه وهو يتنفس الصعداء بحنق ويحاول تفادى النظر لخلود التي تتصرف كأنها لا تعرفه، وأجابت على زوجته بكل رسمية:

_تحت امرك هفرججك دلوقتي حالًا على التصاميم اللي موجودة عندنا في الشركة وتقدروا تختاروا منها اللي يعجبكم

ثم رفعت هاتفها المتصل بمساعدتها التي أجابت عليها فورًا وقالت لها خلود برسمية:

_ابعتيلي التصميمات الجديدة اللي وصلت يانورهان بسرعة

 أنهت خلود اتصالها ونظرت لمروان الذي يحدقها بتمعن قم عادت بنظرها لزوجته وقالت بابتسامة تحمل خلفها الكثير:

_دي مجموعة جديدة لسا مطلعتش لأي حد حتى، بس عشان حضرتكم ضيوف مستر ادهم وهو غالي عندي طلبت ليكم الأفضل

ردت زوجته بامتنان شديد:

_متشكرين جدًا ليكي 

وصلت المساعدة بالتصميات التي طلبتها منها خلود ثم عرضتها عليهم ودام نقاشهم لنصف ساعة تقريبًا وأغلب الوقت كان مروان يلتزم الصمت ولا يتحدث إلا عندما تطرح زوجته عليه سؤالًا، ولخيرًا بعد انتهائهم والاتفاق على كل شيء استقاموا وودعت تلك المرأة خلود بعذوبة شديدة، وعندما نظرت لمروان قالت له بابتسامة ساخرة لم يفهمه سواهم وكأنها تخبره أنها سعيدة أنهم انفصلوا:

_اتشرفت بحضرتك يا بشمهندس مروان

على النقيض رمقها هو بنظرة اعتذار وندم وأجاب:

_أنا اكتر، عن أذنك

أشارت لهم بكفها باتجاه الباب في ابتسامة صافية، ليلقي هو عليها وعلى مظهرها نظرة أخيرة قبل أن يلحق بزوجته وينصرف، بينما هي فجلست على مقعدها وهي تتنفس الصعداء بحنق ووجع لمجرد تذكرها ذلك الماضي الأليم...

                                        ***

بمكان آخر داخل منزل عمران الصاوي....

كان عمران جالسًا بشرفة غرفته وبيده كأس الشاي المفضل لديه يحتسيه بتلذذ، فقطع تلك الخلوة الهادئة مع نفسه صوت ابنه الصغير وهو يسير بخطواته الغير متوازنة إليه ويصرخ باكيًا:

_بابا

التفت له عمران بفزع وفتح له ذراعيه ليستقبله ويحمل فوق ذراعيه بحنو وقلق وهو يسأله:

_مالك مين اللي زعلك ياحبيب أبوك

نظر له سليم بعينان طفولية دامعة وأشار بأصابعه الصغيرة إلى الخارج حيث توجد أمه وهتف:

_مامي!

وصلت آسيا في تلك اللحظة إليهم وهي غاضبة من ابنها الصغير أما عمران فنظر لها وراح بوبخها مغتاظ:

_عاچبك هتضعيلي الواد وتخليه كيف العيال الفرافير، ميه مرة اقولك متخلهوش يقعد مع بت علي ومراته غزل دي، ده بيقولي مامي

ثم التفت ونظر لابنه بغضب وقال في حدة وهو يوجه تعليماته الصارمة له:

_اوعاك اسمعك بتقول مامي دي تاني ياد، قول أمي، ابوي.. فاهم

رغم أنه لا يفهم الكلام جيدًا لكنه فهم غضب والده وأدرك أنه يوجه له تعليمات من حركة سبابته، فهز رأسه بالموافقة في خوف ليعيد عمران ويسأله بحدة وهو يشير إلى آسيا:

_دي اسمها إيه؟

رد الصغير بطفولية وبراءة:

_مامي!

انفجرت آسيا في تلك اللحظة ضاحكة عاليًا بينما هو فمرقها بغيظ وحمل ابنها واعطاها إياه وهو يقول متوعدًا:

_أنا حسابي مع واد عمك " علي " ده، كمان الواد اللي حيلتي هيضيعوه

ثم نظر لابنه وهتف بغضب يحذره:

_مش عاوز المحك قاعد مع بت "علي" دي تاني ياسليم 

هتفت آسيا بين ضحكها القوي:

_ياعمران ده عيل صغير إيه اللي بتعمله ده هو مش هيفهم الكلام ده دلوك

طالعها بنارية واستياء حقيقي فانزلت ابنها الصغير من فوق ذراعيه وقالت له بحنو:

_روح ياسليم ياحبيبي هات تلفوني من برا

اسرع بخطواتها المضحكة وهي يتمايل لينفذ طلب أمه بينما هي فاقتربت من عمران ولفت ذراعيها حول رقبته هامسة بغرام:

_انا زعلانة منك يامعلم ليك فترة مش مهتم بيا وطول الوقت في الشغل ياما قاعد مع ولدك

ابتسم لها بحب ثم دنى منها وطبع قبلة حارة على وجنتها وهمس:

_وانا ميهنش عليا زعلك ياغزال، بكرا أنا اليوم كله معاكي وهدلعك بس ياحبيبتي

همت بأن تقترب منه وتقبله لكن دخل سليم وهو يركض إلى أمه ممسكًا بهاتفها ويقول:

_مامي خد!

عندما انتبه لنظرة أبيه المشتعلة قهقه بطفولية واختبأ خلف ظهر أمه ليثبت لأبيه أنه قالها عمدًا ليثير غضبه، انطلقت ضحكات آسيا على أفعاله بينما عمران فبرغم غيظه منه إلا أنه ضحك على ضحكاته التي تأثر قلبه وانقض عليه ليحمله وهو يقبله بحنو أبوي، ثم فتح ذراعه الآخر يدعو آسيا لتنضم إليهم ففعلت ودخلت في حضنه هي أيضًا، ليرسموا صورة عائلية دافئة وجميلة.


                 تـــــمـــــت الحمدلله 

 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
   💚 مرحبا بكم ضيوفنا الكرام الرواية كامله💚
ولكن يجب إن اترك 5 تعليقات لكي يفتح الفصول
في كرنفال الروايات ستجد كل ما هوا جديد حصري ورومانسى وشيق فقط ابحث من جوجل باسم 
الروايه علي مدوانة كرنفال الروايات وايضاء اشتركو في قناتنا👈علي التليجرام من هنا يصلك اشعار

 بكل ما هوه جديد من اللينك الظاهر امامك        

🌹🌹🌹🌹 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

لقراءة باقي الفصول من هنا

لقراءة الجزء الاول من رواية ميثاق الحرب والغفران من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close