أخر الاخبار

رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ندي محمود توفيق

  

 رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني 

الفصل السابع والعشرون 27

بقلم ندي محمود توفيق




وصل عمران بسيارته أمام مخزن السمك الخاص بعائلة الصاوي، وخرج من السيارة ثم قادر خطواته مسرعًا للداخل يضرب الأرض بقدمه في كل قوة وثقة، وفور دخوله وجد جميع العمال ومساعدينه الشباب يجلسون على الأرض وحولهم صناديق السمك الممتلئة، وقف مكانه وراح ينقل نظره بين الصناديق يتفحص السمك بعينه فوجده في حالة جيدة، ثم رفع نظره للشبابوصاح به بصوت جهوري نفضهم في الأرض:

_ماهو كل حاچة زين، امال چايبني على ملا وشي ليه منك له 

استقام أحد الشباب واقفًا وقال بخوف شديد:

_يامعلم السمك كله مدسوس چوا بطنه كياس بودرة

اتسعت عيني عمران بصدمة واحتدمت نظراته في لحظة واشتعلت بنيران الغضب المرعبة وصاح وهوويندفع تجاه الصناديق:

_بودرة إيه انتوا اتخبلتوا في نافخوكم چات من وين البودرة دي انتوا عاوزين تلبسونا تهمة! 

رد نفس الشاب بتوتر وارتيعاد:

_منعرفش يامعلم احنا الطلبية وصلت لينا إكده ولما چينا نحسبها ونعد الصناديق ونطمن أن السمك طازة ومش بايظ لقيناه كله بودرة

جلس عمران أمام الصناديق على الأرض القرفصاء وراح يمسك بالأسماك بين يديه ويفتح بطن كل واحدة تلو الأخرى فيجد داخلها أكياس صغيرة من المخدرات، فصرخ بهم بصوت جهوري وانفعال:

_وانتوا كيف تعدي عليكم حاچة كيف إكده، انا منبه أن البضاعة تتشيك عليها زين قبل ما التچار يمشوا ولو فيها أي حاچة ترچع معاهم تاني 

رد أحد الشباب بنظرة نارية ومحتقنة بالغيظ:

_يامعلم ده باينله ملعوب وحد قاصد يعمل إكده ويلبسك تهمة 

التفت عمران برأسه تجاه الشاب تطالعها مطولًا يفكر في استنتاجه الذي غاب عن عقله، وأنه على حق فبالتأكيد أن " صابر " هو الذي فعل هذا، ولم يلبث لدقيقة حتى سمع صوت رنين هاتفه فأخرجه وأحال على رقم مجهول ليأتيه صوت صابر الضاحك وهو يقول بشيطانية:

_إيه رأيك يامعلم في السمك؟.. الحچ ابراهيم الله يرحمه كان دائمًا توصله الطلبية إكده مني ومعاها الحلاوة في الدرا كان يوزعها على حبايبه ويستفاد منها بس أنت عاد ملكش في الطيب نصيب والحلاوة دي مبصوص فيها عشان إكده مش ليك وهتروح للحكومة اللي زمانها على وصول دلوك واعتبر ده بداية تصفية حسابي طالما أنت مش عاوز تصفيه برضاك، هتصفيه بطريقتي أنا عاد

صر عمران على أسنانه محاولًا تمالك انفعالاته رغم أن عينيه أظلمت وتلونت بالأحمر من فرط الغضب، ثم خرج صوته الرجولي الخافت الأشبه بصوت فحيح الأفعى وهو يتوعد لصابر بكل شر وغل:

_بتلعب بالنار وأنت مش فاهملها وهتطولك وتحرقك، لو فاكر أنك إكده كسرت دراعي وهتخليني اطاطي لك تبقى متعرفنيش واصل، اللي عملته ده مش هيعدي على خير ياصابر وهدفعك تمنه غالي قوي وخليك فاكر حدثني ده زين، عشان قريب هعرفك على المعلم عمران الصاوي على حق

لم ينتظر عمران أن يسمع منه رد حيث أنهى كلماته وانزل الهاتف ثم انهى الاتصال وتحدث للعمال بعصبية صائحًا:

_لموا الصناديق دي يلا بسرعة واطلعوا بيها من الباب الوراني على المخزن التاني من غير ما حد ياخد باله منكم، يلا اتحركوا الحكومة ممكن تطب علينا في أي لحظة

هرولوا مفزوعين عند ذكره الشرطة وبدأ كل منهم يحمل صندوق بين يديه ويهرول به تجاه الباب الخلفي لينقله إلى المخزن الثاني وعمران يتتبعهم ويراقبهم بنظراته ورغم ثباته الظاهر إلا أنه كان مضطرب أن يتم الإمساك بهم، فلن يكون وحده هو الضحية بل حتى هؤلاء الشباب الأبرياء.

بينما كانوا على وشك نقل آخر صندوق دخل أحد الشاب من الخارج وهو يركض ويلهث هاتفًا:

_الحكومة وصلت يامعلم

التفت عمران حوله ونقل نظره بين العمال ثم صرخت بهم بصوت افزعهم في ارضهم:

_محدش منكم يفضل واقف كله يطلع من الباب الوراني يلا، هموا كله يطلع يلااا

رد أحدهم بخوف وقلق عليه:

_طيب والصندوق اللي قاعد ده يامعلم

عمران بغضب:

_ملكمش صالح قلت اطلعوا يلا

جميعهم انتقلوا لأوامره وخرجوا فارين زعاربين من الشرطة باستثناء واحد الذي قرر أن يأخذ الصندوق معه ويضعه مع بقية الصناديق، حتى لا يترك عمران طعمًا وتأخذه الشرطة، وبينما كان على وشك أن يحمل الصندوق انفتح الباب واقتحمت الشرطة المخزن، تجمد ذلك الشاب مكانه بارتيعاد ونقل نظره بين الضابط وعمران الذي رمله بعتاب أنه لم يسمع كلامه وغادر، اقترب منه الضابط وسأله مبتسمًا بسخرية:

_واخد الصندوق ده ورايح بيه على فين؟

وقف عمران بكل وقار وهيبة وقال للضابط يجيب بدلًا من الشاب الصغير الذي يرتجف:

_خير ياباشا إيه سبب الزيارة؟!! 

التفت له الضابط وقال مبتسمًا بثقة:

_خير أن شاء الله

ثم التفت برأسه للخلف إلى العساكر وهتف بحزم:

_تعالي يابني شوفلي السمك ده كويس وفتشوا المخزن كله

كان عمران يقف بكل ثبات انفعالي ونظراته الثاقبة تثبت برائته وعدم احترامه بأي شيء سيجدوه، فور تفتيشهم لصندوق السمك اخرجوا اكياس المخدرات الصغيرة من داخله، فأمسك بأحدهم الضابط ورفعه أمام عمران يسأله باستهزاء وحدة:

_بودرة مرة واحدة يامعلم.. وياترى بقية الصناديق فين؟!!

بالله عمران نظرة الاستهزاء وقال بكل برود:

_اهي الصناديق قدامك ياباشا

استشاط الضابط غيظًا منه وصرخ على العساكر:

_لقيتوا حاجة يابني انت وهو 

خرج أحد العساكر من أحد الغرفة الصغيرة بالمخزن وقال للضابط نافيًا:

_لا ياباشا مفيش حاجة المخزن كله نضيف

التفت الضابط الي عمران بحقد وصاح بعصبية:

_بقية الشحنة والصناديق فين يامعلم عمران إكده أنت هتلبس نفسك في تهمة أكبر 

ابتسم عمران بكل ثقة وقال بنظرة مميتة وصوت رجولي مهيب:

_هو ده كل اللي وصل قصادك ياحضرة الظابط، أنت عايز إيه تاني اكتر من إكده!!

 صر الضابط على أسنانه محاولًا تمالك انفعالاته ثم قال لعمران متوعدًا:

_هتعرف في القسم أن شاء الله

ثم التفت العساكر واشارلهم بعينه أن يأخذوه هو وذلك الشاب الذي معه على سيارة الشرطة، وقف عمران ثابتًا وبسط ذراعيه أمامه للعسكري الذي قيد يديه وجذبه للسيارة، وهو يسير بكل برود وثقة على الرغم من النيران الملتهبة في صدره وهو يتوعد لصابر بأنه سيذيقه من العذاب الوانًا.

                                        ***

التفتت حور برأسها تجاه زوجها بعد سؤال "عمرو " المحرج وكأنها تراقب تعبيرات وجه بلال بعد ذلك السؤال، فوجدت نظراته مشتعلة ومغتاظة ثم يجيب على عمرو بحدة:

_اه كنا وحدينا في حاچة ولا إيه!! 

التفت عمرو لحور وقال بحزم:

_هي حور عارفة في إيه كويس وان مهما كان مينفعش تقعد معاك في شقة وحدكم ولسا الفرح متمش

خجلت بشدة من جرأة ابن عمتها في الحديث عنها هكذا أمام زوجها وأمامه وراحت تميل بوجهها للجهة الأخرى تتفادى النظر لكلاهما، أما بلال فقد طفح كيله واندفع إلى عمرو يهتف بصوت رجولي مرتفع وهو على وشك الانقضاض عليه:

_وانت مالك وبصفتك إيه تقولها ينفع ومينفعش وهي معايا.. مع جوزها.. سامع جوزها دي حطها في عقلك زين ومتنسهاش لمصلحتك

ابتسم عمرو ساخرًا ورد يجيب على بلال بغضب:

_الأصول متزعلش.. ولا إيه يا ابن الأصول ومينفعش تطلع وتدخل معاك الشقة كدا ولسا الفرح متمش

استشاط بلال غيظًا وغار عليه يجذبه من باقة ملابسه صارخًا به:

_أنت هتعملني الأصول يعني ولا إيه، دي مرتي واللي يفكر يدخل بينا ولا يقولي اعمل ايه ومعملش إيه ولا يحاسبها قصادي يبقى يقول على نفسه يارحمن يارحيم، فاهم ولا لا

ارتعدت حور وخشيت أن يزداد الجدال والأشجار بينهم أكثر ويصبح خطرًا وعنيفًا، فأسرعت تفرق بينهم وتبعد زوجها عن ابن عمتها هاتفة لبلال:

_خلاص يابلال عشان خاطري بلاش مشاكل اهدى هو مش قصده أكيد زي ما فهمت

التفت لها بلال ورمقها بنظرة قاتلة ارعبتها:

_قصده أنا فاهمه زين قوي

التفتت حور إلى عمرو وصاحت به بارتباك شديد وخوف:

_امشي ياعمرو أنت لسا واقف ليه.. امشي بالله عليك.. امشي بقى بلاش مشاكل  

تنهد الصعداء بخنق ثم امتثل لطلبها وألقى نظرة ملتهبة على بلال قبل أن يستدير ويقترب من دراجته النارية ويركب فوق مقعدها ثم يرحل، اللافت بلال لحور فور انصرافه وهتف بانفعال:

_شافنا كيف وامتى ده.. وهو إيه دخله بينا لا وواقف قصادي يحاسبك

ردت حور محاولة تهدأته بلطف:

_يابلال عمرو مش قصده هو بس بيعزني وخاف الناس تفهم غلط عشان كدا ببعاتبني ويقولي ده غلط

بلال بعصبية صائحًا:

_ما اللي يفهم يفهم ملناش صالح، احنا مش بتعمل حاچة غلط وانتي مرتي، اقسم بالله لو كان كتر في الكلام كلمة زيادة معايا لكنت قطعت لسانه في يدي وخليته يطلع على المستشفى طوالي

اقتربت منه أكثر وامسكت بكفه في نعومة وضغطت عليه برقة وهي تنظر لعينيه وتترجاه بحب:

_خلاص بقى حصل خير يابلال عشان خاطري اهدى ومتعصبش نفسك، وخلينا نروح يلا 

ضعف أمام نظراتها وخبرتها فهدأت نفسها الثائرة ورفع يده يمسح على وجهه متأففًا ثم بجيبها باستسلام وهدوء محذرًا إياها:

ماشي ياحور هعديها عشان خاطرك، بس الواد ده ميبقاش ليكي حديت معاه واصل وياويلك لو ادتيله وش واتكلمتي معاه، مفهووم 

هزت رأسها له بالموافقة في خنوع تام وقالت بنبرة مطيعة:

_حاضر زي ما أنت عايز.. يلا بقى

ابتسم بحب على إطاعتها له دون أي جدال ثم مد يده واحتضن كفها الناعم بين كفه الكبير ثم جذبها معه باتجاه السيارة وفتح لها باب المقعد المجاور له فاستقلت به وهي تنظر له مبتسمة بغرام، اغلق الباب بعدم جلست في المقعد والتف من الجهة الأخرى ليستقل هو بمقعده وينطلق بالسيارة عائدًا إلى منزلها.

                                         ***

داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بغرفة خلود........

فتحت إنصاف باب الغرفة لابنتها التي بقت متسمرة أمام الباب دون حركة وهي تستعيد كل الذكريات التي مرت بها داخل تلك الغرفة بعدما اكتشفت عائلتها علاقتها بزوجها، امتلأت عيناها بعبرات الندم والكسرة، ليتها لم تخن ثقة عائلتها وتغضب ربها فقد خسرت نفسها من أجل ذلك الوغد الذي لا يستحق حتى حبها له.

تنحت إنصاف جانبًا تفسح الطريق لخلود لكي تعبر وتدخل، لكنها وجدتها ثابتة في أرضها لا تتحرك وتنظر للغرفة بأسى ودموعها تسيل فوق وجنتيها بغزارة دون توقف، فخرج صوت إنصاف الحازم:

_ادخلي

رفعت خلود نظرها لأمها وطالعتها بحسرة وعجز ثم امتثلت لأمرها ودخلت الغرفة بخطوات متعثرة وفور دخولها ارتفع صوت محبيها وبكائها، ثم استدارت إلى أمها ونظرت لها بكل ندم وأسف وإذا بها تسرع عليها وتجلس على الأرض بجوار قدمها وتهم بالانحناء لتقبيل قدمها وهي تبكي بحرقة تطلب العفو والسماح من أمها هاتفة:

_سامحيني ياما.. بتك غلطت وعرفت غلطها وندمانة والله العظيم.. سامحيني

سحبت إنصاف قدمها للخلف بسرعة قبل أن تطولها خلود وتقبلها، رغم غضبها الشديد وانزعاجها منها إلا أنها تعلم أن شوقها وحبها لابنتها سيغلبها.

استقامت خلود واقفة بعدما سحبت أمها قدمها وانحنت على يدها تمسكها وتقبلها وهي تشهق بصوت مرتفع وتهتف:

_اتوحشتك قوي ياما.. واتبهدلت قوي من بعدكم، أنا ربنا عاقبني وتوبت وندمت، لو تعرفي الـ**** سمير ده كان بيعمل فيا إيه، بصي على وشي وانتي تعرفي العذاب اللي كان بيعذبه ليا، أنا محتچاكي قوي سامحيني ياما ومتدنيش انتي كمان ضهرك أنا معدش ليا حد خلاص

دققت إنصاف النظر في وجه ابنتها وقرأت علامات التعذيب الجسدي التي كانت تتعرض له، ورأت نظرات الندم والشوق في عينيها، فلم تتمكن من حجب نفسها عنها وتمثيل القسوة أكثر، فقلبها يحترق شوقًا وخوفًا عليها كل ليلة وهي تفكر وتتساءل كيف حال ابنتي الآن وماذا تفعل مع ذلك الرجل وكيف يعاملها، والآن كيف تصمد أمامها وهي بهذه الحالة بينما هي كانت تتمنى رؤيتها وضمها لصدرها.

ضمتها إنصاف لحضنها وراحت تشاركها البكاء الشديد متمتمة وسط صوتها المتقطع:

_بتي.. بتي 

انهارت خلود قواها بين ذراعين أمها وارتفع صوتها أكثر وأكثر ومستمرة في ترديد كلمات الاعتذار والندم، أما إنصاف فكانت مكتفية بالبكاء وضمها فقط وبعد دقائق ابعدتها عنها واحاضنت وجهها بين كفيها وهي تنظر له بدقة وتقول في ألم:

_كان بيعمل فيكي إيه يابتي، ليه بس عملتي في روحك إكده وضيعتي نفسك وضعيتينا معاكي

ردت خلود بأسف وصوت مبحوح يكاد لا يسمع من فرط بكائها:

_حقكم عليا ياما، أنا حطيت راسكم في الطين وخنت ثقتكم فيا، وليكم حق تعملوا فيا اللي تعملوه، بس أنا دلوك ندمت ومش طالبة منكم غير أنكم بس تحموني منه، انا لو رچعتله تاني هيقتلني ويخلص عليا واصل

رفعت إنصاف يده تمسح دموعها بنظرة قوية وترد على ابنتها بحدة وجبروت:

_بعد الشر متقوليش إكده.. يقتل مين هي سايبة ولا إيه.. ده أنا اخد روحه بيدي مش كفاية اللي عمله فيكي وأنه ضحك عليكي، متخافيش أخوكي چارك ومحدش يقدر يقربلك وأنا معاكي وهتفضلي إهنه في بيت أبوكي وچدك في الحما والصون

ابتسمت خلود بفرحة واطمئنان ثم انحنت على يد أمها تقبلها ثانية وهي تقول بشكر وامتنان وحب صادق:

_ربنا ما يحرمني منكم ياما أنتي و" علي " واصل

مسحت إنصاف على ذراع خلود بلطف ثم قالت لها بهدوء:

_يلا غيري هدومك وارتاحي وأنا هنزل اشوف أخوكي عمل إيه مع چدك

هزت خلود رأسها بالموافقة وهي ترسم على ثغرها ابتسامة منطفئة، أما إنصاف فقد استدارت وغادرت الغرفة وأغلقت الباب خلفها لتتركها بمفردها وحيدة وهي تفكر بألف سؤال، وأولهم كان مروان.. ماذا فعل مع سمير وكيف تتواصل معه وتطمئنه عليها.

                                     ***

داخل منزل جلال......

كانت فريال بغرفتها تجلس فوق الفراش وساكنة تحدق في الفراغ بوجه عابس وشارد بعدما تركوها اولادها وذهبوا للنوم، بقت هي بمفردها لدقائق طويلة نسبيًا حتى دخل الغرفة جلال وهو يحمل فوق يديه صينية فوقها صحون من الطعام المختلف، اقترب منها وجلس بجوارها ثم وضع الصينية أمامها على الفراش وتمتم في حب:

_يلا يافريال أنا چبتلك الوكل لغاية عندك أهو اتعشى عاد وكُلي 

هزت رأسها بالرفض وأشارت بيدها بالنفي قائلة:

_معوزاش آكل يا چلال مليش نفس

لوى فمه بضيق ثم أجاب بنبرة حازمة قليلًا نابعة من اهتمامه وقلقه عليها:

_مغبش حاجة اسمها مليش نفس، لازم تاكلي وأنا هاكل معاكي كمان

نظرت الطعام بانعدام شهية ثم اشاحت بوجهها بعيدًا وقال بصوت ضعيف ووجه ذابل:

_لا مش قادرة شيله من قصادي 

تنهد الصعداء بحنق من عنادها ورفضها الطعام، لكنه رسم البسمة المحبة على ثغره وراح يفرد ذراعه ويلفه حول كتفيها ثم يضمها إلى صدره متمتمًا بحنو مقبلًا رأسها:

_طب حتى كلي عشان خاطري ده أنا عامله بيدي ليكي، اهون عليكي تضيعي تعبي إكده عشانك ومتكليش لقمة حتى!! 

التفتت له بدفء لكن تلألأت العبرات في عينها وقالت له بأسى:

_مليش نفس لأي حاچة ياچلال! 

زم شفتيه بعبوس ثم أخذ نفسًا عميقًا وانحنى عليها بقبل شعرها ووجهها بقبلات دافئة وهو يهمس لها بصوت رخيم ويبعث الطمأنينة والراحة في القلب:

_معلش ياحبيبتي لازم تاكلي عشان تقدري تسندي طولك وتقفي، لو فاكرة أني ليا نفس تبقي غلطانة أنا هاكل عشان خاطرك وعشان خاطر العيال، انتي شوفتيهم كيف زعلانين عليكي وعلى اختهم، شدي حيلك عاد ومتعمليش في روحك إكده

مالت برأسها على صدره وارتاحت عليها ثم لفت ذراعيها حوله تعانقه بقوة وتقول بنبرة احتياج:

_أنت مش عاوزة وكل، عاوزاك چاري ياچلال

ابتسم لها بعاطفة وراح يلثم رأسها بعدة قبلات متتالية ويهمس بخفوت جميل:

_أنا چارك أهو يافريالي، متقلقيش طول ما أنتي محتچاني أنا هكون چمبك

أغلقت عيناها داخل أحضانه وهي تستنشق رائحته وتتشبث به بقوة كأنها تستمد القوة منه ورغم أن عيناها تذرف الدموع لا إراديًا لكنها مطمئنة وساكنة بين ذراعيه، وهو لم يضغط عليه أكثر في الطعام، وتركها تنعم بشعور الراحة بين ذراعيه وبحضنه حتى تهدأ ومن ثم يعيد الحاحه عليها ثانية من أجل الطعام.

                                     ***

داخل قسم الشرطة تحديدًا بغرفة أحد ضباط القسم، كان عمران يجلس على المقعد المقابل لمكتب الضابط ويتعرض للأسئلة المختلفة والمتكررة من الضابط وهو يجيب عليه بنفس الردود في ذكاء دون أن يعطيه الإجابة التي يريدها، فهتف الضابط بالنهاية في غضب:

_ياعمران ردودك ده مش هتفيدك كدا، الافضل أنك تعترف على نفسك وتقول وديت بقية الصناديق فين ومين مشترك معاه وبيمولك ويبعتلك المخدرات دي في السمك، ومن امتى كلها دي اجابات هتدعم موقفك

رد عمران مبتسمًا بثبات ووقار:

_ياباشا اجاوب واعترف على حاچة أنا عملتها لكن حاچة مليش يد فيها اقول إيه، ولا أنت عاد عاوز تسمع مني رد معين!!

تأفف الضابط بنفاذ صبر وقال بحدة:

_أنت عايز تفهمني أن الشحنة اللي وصلتك كانت الصندوق ده بس ومفيش صناديق تاني أنت مخبيها

أخذ عمران نفسًا طويل بكل ثقة ثم اعتدل في جلسته وهندم من عبائته قائلًا بهدوء مثير للأعصاب:

_هو أنا لو وصلت ليا صناديق تاني هداريها ليه ما أنا إكده أو إكده اتمسكت فخلاص عاد كل المستخبي انكشف، ثم أن أنا قولتلك أنا لو بتاجر صُح في المخدرات مكنتش هغلط الغلطة دي واصل اللي تخلي الحكومة تكشفني واتمسك

رد الضابط بنظرة دقيقة واهتمام:

_قصدك يعني أن كل ده متلفقلك وحد عايز يلبسك تهمة ويأذيك!!

ابتسم عمران ساخرًا وقال بنظرة كلها دهاء ووقار:

_هتفرق إيه لو قولتلك أنه متلفق صُح.. طول ما أنا معيش دليل أبقى متهم قصاد القانون مش إكده ولا إيه! 

بالله الضابط الابتسامة وقال باستغراب ونفاذ صبر:

_عليك نور أهو أنت فاهم كويس أوي كدا.. مع أن أنا مش فاهم أنت يتبرأ نفسك ولا بتتهمها مرة تقول مش بتاعتي ومرة تقول معيش دليل كلامك متناقض

أخذ عمران نفسًا طويلًا وأخرجه زفيرًا متهملًا ثم أجاب على الضابط بكل ثقة ورزانة:

_مسير الحق يظهر ياحضرة الظابط وأنا مش هطول إهنه كتير متقلقش، اللي عمل إكده هيكشف نفسه بنفسه، هو محسبهاش صُح لما لفقلي تهمة إكده

راقب الضابط تعبيرات وجه عمران الغريبة ودقق النظر في وجهه بحنق ثم نظر الرجل الذي بجواره وطلب منه أن يكتب في الدفتر أنه سيتم سجن عمران ثلاث إيام إلى أن يتم نقله إلى المحكمة ويتم الحكم عليه في تهمته المتوجهة إليه في الإتجار بالمواد الممنوعة.

كان عمران يستمع إلى كلام الضابط بكل ثبات ونظرات ثاقبة وطبيعية وكان الأمور كلها تسير على ما يرام!!.. ثم استقام واقفًا عندما طلب الضابط من العسكري أن يأخذ عمران إلى زنزانة الحجز، فهب واقفًا ومد يده العسكري الذي قيديها وجذبه معه للخارج، فور خروجه قابل كل من بشار وبلال الذي أسرع إلى أخيه وسأله بقلق:

_إيه اللي حُصل؟! 

رد عمران بوجه خالي من التعبيرات:

_تلات أيام سجن لغاية ما اتعرض على المحكمة

هتف بشار بغضب وغل من صابر وهو يتوعد لها:

_متقلقش ياولد عمي هتطلع من هنسيبك إهنه، وصابر الـ **** ده ليه حساب تقيل قوي معانا

ابتسم عمران بنظرة شيطانية كلها خبث وشر ثم رد على كل من أخيه وابن عمه:

_تقيل معايا أنا لما اطلع وأنا مش هطول إهنه

ثم انحنى على بشار وراح يعانقه متصنعًا الشوق والحزن على الفراق ولكنه في الواقع كان عناقه له لغرض آخر حيث مسك يده ودس بها ورقه وأشار له بعينه في حدة أن يغلق قبضته ولا يظهر شيء ففعل بشار وابتسم لعمران الذي ابتعد عنه وقال لبلال بجدية وقلق:

_روح لآسيا البيت يابلال وخدها ووديها بيت أبوي تقعد چاركم ومعاكم وخلوا بالكم عليها وعلى الواد لغاية ما اطلع، وأن قاوحت معاك وقالت لا قولها أن اللي أمرت، ومتخلهاش تروح بين خليل هناك مش آمان

ربت بلال على كتفه أخيه بحكمة وقال بصوت غليظ ورجولي:

_متقلقش مرتك وولدك هيبقوا في الحفظ والصون ياخوي لغاية ما تطلع بالسلامة أن شاء الله، خد بالك من روحك أنت بس والمحامي على وصول دلوك وكل حاچة هتتحل

هز رأسه لهم بالإيجار ثم أرسل له بعينه مودعًا إياهم قبل أن يستدير ويغادر مع العسكري، وكان يسير مع العسكري وهو يتذكر اللحظة التي غادر بها الضابط الغرفة وتركها لدقائق بمفردها في الداخل فاستغل عمران الفرصة وأخذ ورقة من فوق مكتب الضابط والتقط القلم وكتب تلك الرسالة التي أعطاها لبشار، وفور مغادرته نظر بشار للورقة التي وضعها عمران في يده فرأى بلال ينظر له باستغراب واستفهام فقال له بحزم:

_تعالي برا القسم مش هينفع إهنه! 

قادوا خطواتهم إلى الخارج وعند مغادرتهم فتح بشار الورقة ليقرأ ما دونه بها عمران، وبعد انتهائهم من القراءة تبادلوا هم الاثنين النظرات مع بعضهم بابتسامة واسعة التي تحولت لضحكة شيطانية وخبيثة ثم هتف بلال متوعدًا:

_محدش قاله يلعب مع المعلم، يستحمل عاد اللي هيحصل فيه

قال بشار ضاحكًا وهو يتحرك باتجاه السيارة ويسير بجواره بلال:

_كنسل المحامي يابلال بعد تخطيط عمران مش هنحتاجه

فتح بلال باب السيارة بعد وصولهم وقال وهو يستقل بها يكمل المزاح مع بشار:

_عندك حق

                                     ***

عودة لمنزل خليل صفوان.......

كانت غزل تنتظر خروج " علي " من غرفة الجلوس بعد انتهاء حديثه مع جده، وهي تبتسم كلما تتذكر حديث آسيا عندما سردت لها قصة خلود كاملة، مشاعرها الآن اختلفت تمامًا وربما يراودها شعور الحماس الشديد للتعرف على خلود بعدما رأتها، فقد اشتقت عليها وعلى حالها وشعرت بأنها مغلوبة الحال وليست سيئة كما كانت تظنها.

أخيرًا خرج " علي " من الغرفة رغم أن إنصاف ظلت بالداخل مع حمزة، كان " علي " لا يرى أمامه من انزعاجه وضيقه لدرجة أنه لم يراها واندفع إلى الدرج يقصد غرفته بالأعلى بعدما نجح في إقناع جده بصعوبة في ابقاء شقيقته معهم بالمنزل، هرولت غزل خلفه تصعد الدرج ثم أوقفته عند الطابق الثاني بالقرب من غرفته بعدما صاحت منادية عليه:

_ علي!

توقف على أثر صوتها الناعم والتفت لها بجسده كاملًا فوجدها تطالعه بابتسامة ساحرة تسلب العقل ثم تقدمت إليها حتى وقفت أمامه مباشرة وسألته برقة واهتمام:

_جدو قال إيه وافق أن خلود تفضل هنا؟!

ضيق "علي" نظراته من سؤالها ثم هتف بجدية:

_وأنتي عرفتي موضوع خلود وقصتها كيف؟

تنحنت غزل بإحراج بسيط وقالت في خفوت:

_آسيا حكتلي قبل كدا من فترة

هز "علي" رأسه بتفهم ثم تمتم متنهدًا:

_اممممم

نظرت له مطولًا بعين لامعة ثم قالت بابتسامة جذابة:

_تعرف أنت كبرت أوي في نظري النهاردة

رفع حاجبه بتعجب ثم مال ثغره للجانب بابتسامة إعجاب من  مدحها له وقال:

_وياترى إيه السبب عاد ياست البنات!

ضحكت بخفة وقالت في نظرة ناعمة ومعجبة:

_هو اللي أنت عملته مع أختك ده مش كفاية يعني أنك تكبر في نظري

مال بوجهه للجهة الأخرى وهو يضحك عليها ثم التفت لها مجددًا وقال مبتسمًا في نظرة مريبة بعض الشيء:

_اللي عملته بس عشان رچولتي مسمحتش إني اسيبها تتعذب إكده ومتربتش على إكده، لكن لو فاكرة إني سامحتها تبقى غلطانة، اللي عملته خلود ميتغفرش في عرفنا

أنهى كلماته واستدار ثم قاد خطواته إلى غرفته فقالت غول بصوت منخفض وثقة تامة:

_هتسامحها

ثم صاحت منادية عليه قبل أن يدخل غرفته فتوقف هو والتفت له يقول مازحًا وهو يتصنع الحنق منها:

_وبعدين معاكي عاد أنا تعبان وعاوز ارتاح

زمت شفتيها بعبوس بعدما ظنت أن منزعج منها حقًا وقالت بتراجع:

_كنت هقولك على حاجة مهمة على فكرة

قهقه بخفة وتمتم في لطف:

_قولي ياغندورة أنا كنت بهزر معاكي

تقدمت إليها حتى أصبحت لا يفصلها عنه سوى سنتي مترات وقالت مبتسمة في خجل وهي تتفادى النظر لوجهه:

_أنا معنديش boyfriend، اللي كنت بكلمه ده كان صديقي بس مش اكتر

رفع حاجبه ومال ثغره في ابتسامة ماكرة ثم تمتم بإعجاب:

_وأنتي بتقوليلي الكلام ده دلوك ليه؟! 

غزل باستحياء بسيط:

_عشان أنت كنت مضايق من الموضوع وبتتخانق معايا بسببه

تجاهل الرسالة التي اوصلتها له من خلال اعترافها بأنها ليست في علاقة مع ذلك الشاب أنها مهتمة بانزعاجه منه ولا تريده أن يغضب وتحاول ارضائه وقال غامزًا لها بضحكة رجولية ساحرة:

_طب ما أنا عارف أنه مش boyfriend

اتسعت عيني غول بصدمة وسألته بفضول وعدم فهم:

_what, عارف ازاي يعني ?!

طالعها بطرف عينه وهو يستدير ليكمل طريقه لغرفته وقال بعبث مفضلًا الاحتفاظ بالإجابة لنفسه:

_تصبحي على خير ياغندورة

بقت متسمرة مكانها تراقبه وهو يتجه لغرفته حتى توارى عن انتظارها داخل الغرفة، وهي تتساءل بفضول وحيرة شديدة.. كيف عرف ومتى ولماذا لم يخبرها؟!.

                                     ***

كانت آسيا داخل المنزل تجوب الصالة إيابًا وذهابًا وتحمل بين ذراعيها طفلها الصغير الذي يبكي وتحاول اسكاته بهزها له وضمه لصدرها، وبين كل هذا كان قلبها يرتجف خوفًا عن زوجها الذي لم تحصل على خبر منه حتى الآن وهاتفه مغلق، تلك الوسواس الشيطانية لا تغادر عقلها وهي لا تريد الاستماع إليها وتصديقها، وتحاول تهدأ روعها مرددة أنه بخير وسيعود سالمًا لها ولابنه، وسط الضغط وتفكيرها بعمران وخوفها عليه واهتمامها بابنه انهارت باكية بعجز وراحت تنظر لابنها تحدثه كأنها ناضج ويسمعها ويفهمها:

_أبوك بخير ياسليم مش إكده.. أنا خايفة قوي عليه ومش عارفة اعمل إيه.. اتصل بمين طيب ولا اطمن عليه ازاي.. بس هو أبوك كويس أنا متأكدة وكمان شوية هيرچع البيت ولما يرچع أنا هزعل وهاخد منه موقف شديد على القلق اللي هو سايبني فيه، بس أنا كمان غلطانة إني مقولتهوش على الراچل اللي بيراقب البيت وبيراقبه، أنا السبب ياسليم

صك سمعها صوت طرق الباب فتهللت أسرارها واتسعت عيناها بفرحة وقالت لابنها بحماس شديد وسعادة:

_أهو أبوك چه أنا مش قولتلك هيرچع

وضعت ابنها في سريره الهزار برفق وهرولت مسرعة تجاه الباب في شوق وحماس وفتحت الباب وهي تضحك باتساع ووجه مشرق مستعدة لاستقبال زوجها، لكنها صدمت برؤية بلال أمامها فتلاشت ابتسامتها تدريجيًا وتجمدت تعبيراتها واحتل محلها الارتيعاد والقلق فراحت تسأل بلال بصوت مرتجف:

_عمران بخير صُح، طمني وقولي أنه كويس يابلال أبوس يدك

هتف بلال فورًا مبتسمًا ليهدأ من روعًا ويطمئنها:

_عمران زي الفل والله اهدى متخافيش

ارتخت عضلاتها المتشنجة وسألته باستغراب وعدم فهم:

_امال هو فين مرچعش البيت ليه؟!! 

قبل أن يجيبها سمع صوت بكاء ابن أخيه الصغير فقال له بحنو:

_روحي شوفي الواد وهقولك كل حاچة چوا وافهمك

 دخلت إلى الصالة لتحمل طفلها بين ذراعيها من جديد وهي مازال القلق والخوف مستحوذ على قلبها طالما لم ترى زوجها بعينها حتى الآن، راحت تنظر لبلال بترقب منتظرة منه أن يبدأ في أخبارها بكل شيء وأين زوجها، فتنهد هو الصعداء مطولًا وقال بهدوء ليجعلها تشعر أن الأمر ليس بالخطورة التي ستظنها:

_ في وراچل بينه وبين عمران مشاكل وبيكرهه وعاوز يأذيه، فعمله كمين ولفقله تهمة بودرة ومخدرات في السمك اللي وصل امبارح، وبلغ عليه والحكومة أخدت عمران...

لم تتركه آسيا يكمل سرده لها وراحت تضرب فوق صدرها وتصيح بصدمة وخوف:

_ياتري حكومة إيه اللي اخدته ومخدرات كيف

بلال بجدية:

_عمران كويس يا آسيا قولتلك، وهيطلع منها كلها يومين بالكتير ويكون طلع مش هيلحق يتعرض على النيابة

امتلأت عيناها بالعبرات وقالت مولولة:

_نيابة!!.. ياريتني قولتله وحذرته مكنش ده هيحصل، أنا عاوز اشوفه يابلال 

_ مينفعش دلوك يا آسيا وأنا بقولك يومين ويرچعلك متقلقيش

انهارت باكية وهتفت بارتيعاد حقيقي:

_مقلقش كيف وأنت بتقولي اتقبض عليه ومتلفق ليه تهمة كبيرة

بلال بثقة ونبرة رجولية:

_فكرك أني هسيب أخويا يتسجن عشان اتلفق ليه تهمة وهو مظلوم، اطمنى عليه هو بس طلب مني آجي واخدك ونروح بيت أبوي عشان إهنه مش آمان ليكي أنتي والواد تقعدوا وحدكم

هزت رأسها بالنفي وقالت بصوت مبحوح بسبب بكائها:

_لا أنا مش هروح مكان ولو اتحركت من بيتي هروح بيت ابوي مش هروح بيت الصاوي واقعد فيه من غير چوزي

بلال بحزم محاولًا إقناعه بحكمة:

_يا آسيا عمران اللي منبه إكده عليا، وهو عنده حق الآن ليكي اكتر في بيت أبوي، اسمعي الكلام عاد وروحي يلا لمي هدومك أنتي والواد عشان نمشي

لم تكن في حال لتجادل كثيرًا معه فهمها يكفيها وكل تفكيرها منصب على زوجها وقلبها منفطر عليه من الخوف والحزن، فنظرت لبلال وقالت له برجاء:

_فولي الحقيقة يابلال اوعاك تداري عليا، عمران هيطلع منها صُح؟

أجابها بلال بإيجاب:

_هيطلع أن شاء الله اطمني

رفعت أناملها لوجهها وجففت دموعها ثم استقامت واقفة واتجهت لغرفتها لكي تركي ملابسها وتجمع ملابسها هي وابنها في الحقيبة وتذهب مع بلال امتثالًا لأوامر زوجها، وبينما كانت ترتدي ملابسها انهارت على الأرض تبكي بشدة مرددة اسمه من بين بكائها، وشعور الخوف يأكلها من الداخل أن لا يعود لها ثانية...

                                    ***

بصباح اليوم التالي داخل منزل حور.....

خرجت من غرفتها بعدما استيقظت من نومها وغسلت وجهها وكانت بطريقها للصالون فسمعت صوت رجولي غريب قادم من الخارج وعندما دققت في ذلك الصوت تعرفت عليه أنه كان لابن عمتها عمرو، فغضنت حاجبيها باستغراب من قدومه بذلك الوقت وتحديدًا بعد حادثة الأمس وارتعدت بشدة من أن يكون قد أخبر والدها بشيء، فأسرعت إليهم وعند وصولها وقفت عند بداية الصالة تنقل نظرها بين أبيها وعمرو بارتباك شديد ورعب، ومازادها اضكرابها نظرة والدها الغريبة لها وهو يقول بجدية:

_تعالي ياحور اقعدي!! 

                                ***

منزل خليل بغرفة غزل، خرجت من الحمام على صوت طرق الباب وعندما سألت من الطارق جائها الصوت من إنصاف فسمحت لها بالدخول.

دخلت إنصاف وهي مبتسمة بإشراقة وجه كبيرة ثم قالت لغزل:

_صباح الخير ياحلوة

ابتسمت غزل على طريقتها المختلفة والغريبة وردت عليها برقة:

_صباح النور ياطنط اتفضلي 

دخلت إنصاف وجلست على الفراش ثم أشارت إلى غزل أن تجلس بجوارها، فضيقت غزل عيناها باستغراب لكنها امتثلت وفعلت بصمت دون اعتراض أو حتى سؤال وراحت تجلس بجوارها وهي مازالت تحتفظ بابتسامتها، فوجدت إنصاف تقول لها في حماس:

_أنا چاية اتكلم معاكي في موضوع إكده؟ 

سألت غزل بحيرة:

_موضوع إيه؟! 

تنحنحت إنصاف وهي تبتسم بخبث وتقول لها غامزة:

_خير أن شاء الله.. عريس؟ 

غضنت حاجبيها بعدم فهم وتمتمت ببساطة تحاول الفهم:

_عريس إيه ولمين

إنصاف بضحكة قوية وهي ترد عليها ساخرة:

_ليكي يابت هيكون لمين يعني

غزل بدهشة وهي تضحك بازدراء:

_what, ليا أنا !! .. وياترى مين بقى ده ياطنط؟

إنصاف بثقة في فخر وهي تمدح ابنها بلؤم:

_سيد الرچال كلهم.. " علي " ولدي


الفصل الثامن والعشرون من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

لقراءة الجزء الاول من رواية ميثاق الحرب والغفران من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close