أخر الاخبار

رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني الفصل الثلاثون 30 بقلم ندي محمود توفيق

  

 رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني 

الفصل الثلاثون 30 

بقلم ندي محمود توفيق



داخل المقهى حيث يجلس كل من مروان و " علي " حول إحدى الطاولات الصغيرة وأمام كل واحد منهم كأس شاي صغير الحجم، بعد مرور دقيقتين تقريبًا منذ وصول مروان رفع " علي " الكأس لفمه وارتشف رشفة من الشاي ثم انزله ونظر لمروان يقول بخشونة:

_طلبت تقابلني وتتكلم معايا وأنا سامعك أهو

اخذ مروان نفسًا عميق قبل أن يبدأ حديثه بسؤال استفتاحي:

_خلود بلغتك وقالتلك إني كنت موكل محامي عشان تتطلق من سمير وده كان قبل ما اعرف أنه ابن عمي.. ودلوقتي طلبت اقابلك عشان اتكلم معاك في النقطة دي؟

هز " على " رأسه بالإيجاب مجيبًا على سؤاله فرجع مروان يأخذ نفسًا مرة أخرى ويطلقه زفيرًا متهملًا، ثم مال للأمام على " علي " واستند بساعديه على سطح الطاولة وقال بجدية:

_أنا متأكد أنك مستحيل ترجع اختك للبني آدم ده تاني وزي ما هي عايزة تطلق منه أنت كمان عايز تطلقها، وأنا اقدر من غير حوارات كتير ومحامين وغيره اخليه يطلقها وتاخد حقوقها منه كاملة

طالت نظرة " علي " المستفهمة لمروان ثم سأله باهتمام ملحوظ في نبرته ونظراته:

_كيف؟ 

مروان بابتسامة جانبية خبيثة:

_تقدر تقول همسكه من أيده اللي بتوجعه، بس أنا قولت أبلغك الأول واخد رأيك واشوفك موافق ولا لا أني أتدخل واساعدكم، وليك عليا أنه في ظرف يوم مش يومين كمان يكون مستنيكم عند باب المأذون عشان يطلقها

حدقه " علي " بنظرة ثاقبة للحظات، وتعابير وجهه تبدلت من الاهتمام والفضول الذي كان قبل قليل لحدة وغلظة، يتطلع لمروان بشك واستفهام حتى سأله بغضب مكتوم:

_وأنت بتعمل كل ده ليه، وإيه اللي يخليك تدخل في مشاكل مع ناسك؟! 

رفع مروان يده ومسح على وجهه متنهدًا ثم أجاب برزانة:

_اسمع يا " علي " انا مقدر كويس أوي نظرتك ليا وعدم ثقتك والصراحة عندك حق أنا لو مكانك هبقى كدا واكتر، بس ربنا يشهد عليا، اختك أنا مكنش في نيتي حاجة من اول ما قابلتها غير اني اساعدها لما حسيت انها فعلًا مظلومة وملهاش حد زي ما قالتلي

التهبت نيران " علي " وبدأ الشر يتطاير في عينيه وظهر بوضوح عندما مال على مروان وقال بنظرة نارية:

_وبعدين إيه نيتك اتغيرت؟!

رد مروان بكل هدوء وحكمة:

_لا لسا زي ماهي، الفرق اللي مش هخبيه عليك أن خلود معزتها زادت عندي واصراري على اني اساعدها واخلصها من سمير زاد كمان، وخصوصًا بعد ما عرفت أنه ابن عمي

رفع " علي " يده على وجهه ومسح عليه نزولًا للحيته مطلقًا زفيرًا حارًا، رغم الغضب الذي يستحوذه إلا أنه تحكم به بمهارة وتصرف بهدوء مرعب وهو يوجه تحذيراته لمروان:

_طيب اسمعني أنت عاد يابشمهندس، لو فاكر أنك هتضحك عليا بالكلمتين دول وأنا هصدقك كيف العبيط تبقى لا مؤاخذة أنت اللي مش عارف تحبكها صُح عليا، أنا فاهمك وفاهم اختي زين وعارف اللي داير فمتضحكش عليا وتقولي نيتك صافية، عشان أنا فاهم نيتك زي قوي، بس تقدر تقول إكده هسوق العبط قصادك واعمل نفسي مصدقك وانك عاوز تساعدها صُح وأنا هقدر الخدمة اللي كنت عاوز تقدمها لنا على طبق من دهب وهشكرك على تفكيرك كمان، بس الحمدلله احنا مش محتاچين لخدمات حد، رچالتنا مخلصتش يعني ولما نحتاچ نعلم على حد بنعلم عليه زين

أنهى " علي " كلامه وهي واقفًا كدليل على إنهاء المقابلة ورغبته في الرحيل، فهب مروان هو الآخر واقفًا وقال بجدية ولهجة قوية:

_" علي " انا مكنش قصدي كدا أنت فهمتني غلط، أنا عارف ومتأكد انك تقدر تطلق اختك منه، بس أنا كمان عارف ابن عمي وأنه ***** وشيطان وهيعملكم مشاكل كتير لغاية ما يطلقها، عشان كدا عرضت عليك المساعدة لاني هخليه يطلقها بكل سهولة ودون أي مشاكل

ابتسم " علي " بثقة وراح يربت على كتف مروان بامتنان متصنع وهو يجيبه:

_تسلم يابشمهندس، أنا لو احتچتك في أي حاچة هبقى اكلمك

لوى مروان فمه بحنق بينما " علي " فتوقف والتفت بعدما ابتعد بخطواته عن مروان وعاد له مجددًا بيوجع له تحذيراته الثانية التي كانت مريبة:

_أنت شكلك إكده ابن ناس ومحترم يامروان وأنا مش عاوز ادخل في مشاكل معاك خصوصًا إنك قدمت معروف لأختي وحميتها، أنا اتكلمت معاك وفهمتك إني فاهم زين انتي بتفكر ازاي، اتمنى عاد تتصرف على هذا الأساس، لانك أكيد فاهم أننا صعايدة ودمنا حامي يعني خليك بعيد عن خلود وشغل الاتصالات والمكالمات ده مينفعش، لو عاوز تقولها حاچة رقم تلفوني معاك تقدر تكلمني أنا، وبعدين أنت شكلك إكده لساتك متعرفش حاچة واصل ونصيحتي ليك خليك بعيد عن الموضوع ده لأن في حچات أنت متعرفهاش في القصة دي

تسمر مروان بأرضه مندهشًا بعد كلمات " علي " وتابعه بنظراته وهو يبتعد عنه ويغادر المقهى بأكمله، وبعقله لا يدور سوى سؤال واحد ( ماهي الأسرار والأشياء التي لا يعرفها عن خلود وابن عمه ).

                                   ***

داخل سيارة بشار، كانت رحاب تنقل نظرها بين الطريق أمامها وبينه تراقب تعابير وجهه المريبة، تملكها الشك والخوف منه وتأكدت أن ظنونها حول عودتها له خاطئة وربما هو ينوى لها عقاب عسير الآن، ولكن المرعب أكثر أنها لا تعرف لأي سبب هو غاضب منها وماذا سيفعل وإلى أين سيأخذها؟

خرج صوت رحاب المضطرب وهي تسأله:

_بشار أنت واخدني وين.. وليه متعصب إكده؟

التفت لها ورمقها بقسوة ثم قال:

_واخدك عند أبوكي عشان هو اللي يربيكي زين طالما عمتي معرفتش

وكأن دلو من المياه الباردة سكبه فوق جسدها حيث انتفضت في مقعده عند ذكره والدها، وراحت تصيح به بسرعة متوسلة إياه برعب:

_لا أبوس يدك يا بشار متودنيش لأبويا أنت عارفه صعب وقاسي كيف، قولي بس أنا عملت إيه وأنا هعتذر منك واعملك كل اللي أنت عاوزه، بس بالله عليك ما توصل أي حاچة لأبويا وتعمل مشاكل

صرخ بها بصوت جهوري نفضها في مقعدها:

_والمشاكل اللي عملتيها ليا ده أنتي هتحليها كمان!!! 

أدركت أنه يتحدث عن خطيبته، وأن علاقتهم فسدت بسبب ما قالته لها وربما تكون قد تركته أيضًا بما أنه غاضب لهذه الدرجة، تلألأت الدموع في عيناها خوفًا من أبيها الذي سيأخذها إليه ويخبره بكل شيء وراحت تمسك بذراع بشار وهو يقود وتتوسله ببكاء حتى لو كان صعب عليها أن تتوسله بهذه الطريقة لكنها فعلت لكي تنفذ نفسها من بطش والدها:

_بشار متخدنيش لأبويا وغلاوة مريم عندك!

ارتدت للأمام على أثر توقف السيارة فجأة بعد جملتها ونظر لها بعصبية صائحًا:

_متچبيش سيرة مريم على لسانك

انهارت باكية وهي تهز رأسها بالموافقة خوفًا منه، بينما هو فراقب انهيارها وبكائها وللحظة أشفق عليها وشعر بحجم الخطأ الذي كان سيرتكبه إذا أخذها لوالدها منعدم الرحمة، رفع يده ومسح على وجهه متأففًا بغيظ ثم نظر لها باشمئزاز وقال لها:

_مع كل تصرف بتعمليه بتنزلي من نظري اكتر واكتر يارحاب، وبتثبتيلي قد إيه أنا كنت مغفل وغبي أني حبيتك، وبحمد ربنا أنه كشفلي حقيقتك قبل ما اتخدع فيكي اكتر واتچوزك واتخلي عن مريم

رفعت نظرها لها وقالت بعينان دامعة:

_أنا بحبك يابشار والله

غلت دمائه في عروقه وانفجر بها صارخًا:

_بزيادكِ كذب عاد.. ملعون أبو الحب اللي بتحبهولي، بتحبيني وتستغفليني وترچعي تكلمي خطيبك الو**** ده، بتحبيني وبتاخديني كوبري عشان تعملي روحك مظلومة من خطيبك واني أنا اللي دايب في حبك وعاوزك، أنا لغاية دلوك مش عارف دماغي كانت وين لما كنت مهووس بيكي

اجشهت في البكاء بصوت مرتفع وراحت تدافع عن نفسها وتكذب من جديد:

_لا أنا مرچعتش أكلمه عشان عاوزاه أنا كنت عاوزة اخليك تغير عليا وترچعلي

ضحك بشار بصمت في استهزاء مما قالته، مازالت تظنه أحمق وسيصدق تلك التراهات، نظر لها وقال بخزي وقرف:

_أنتي عاوزة إيه مني مكفكيش اللي عملتيه فيا والعذاب اللي عذبتهولي طول السنين اللي فاتت وأنتي كنتي عارفة أني بحبك ومكملة مع خطيبك الو*** ده عشان فلوسه بس، ودلوك شوفتي السعادة كتيرة عليا وخربتي بيني وبين مريم بعد ما حبيتها هي كمان

وكأن عقرب لدغتها حيث انتفضت وراحت تصيح به بالرفض التام لهذه الحقيقة:

_لا أنت مش بتحبها، أنت بتحبني أنا

رقمها بنظرة مميتة وقال وهو يهددها دون رحمة أو شفقة:

_بحبها يارحاب وهتچوزها، وأنتي قدرتي تخليني اكرهك بسبب عمايلك، واقسم بالله لو حاولتي بس تقربي من مريم وتخربي بينا تاني سعتها مش هيهمني حاچة وهقول للكل على عمايلك مش ابوكي بس، حطي عقلك في راسك تعرفي خلاصك، بلاش تخليني اوريكي وشي العفش ولساني الزفر، لو عندك شوية من الأحمر وشوية كرامة هتخافي على روحك مني وهتبعدي عني وعن خطيبتي أو قولي مرتي المستقبلية

كانت تتطلع إليه فاغرة عيناها وشفتيها بصدمة من تهديداته القاسية والصريحة لها، ولم تلبث لتفق من صدمة كلماته حتى بلغتها بعبارة أخرى وهو يقول بعدم مبالاة دون أن ينظر لوجهها:

_يلا انزلي من العربية

رحاب بذهول وعدم استيعاب لما قاله:

_انزل من العربية!!.. انزل اروح وين؟! 

التفت لها ورمقها بحدة يقول بنقم حقيقي في نظراته لها:

_ترچعي البيت، ولا أنتي فاكرة أني كمان هرچعك البيت بعد كل ده، انتي احمدي ربك أني مخدتكيش لأبوكي

كان ذلك التصرف إهانة حقيقية منه لها، والمها بشدة حيث نظرت له بانكسار وقالت في أسى واستسلام بعدما قررت التخلي عنه والحفاظ على ما تبقى من كرامتها:

_ماشي يابشار هنزل، هقولك حاچة واحدة قبل ما امشي بس، أنا صحيح غلطانة في حچات كتير بس كنت بحبك وحبي ليك خلاني اعمل كل ده، عمومًا أنا هحافظ على اللي باقيلي وهبعد عنك وعن خطيبتك مش هچبرك تتچوزني ولا تحبني، كل حاچة انتهت من اللحظة دي ومن إهنه ورايح أنت ابن خالي وبس، وحقك عليا سامحني لو كنت السبب أنك تخسر مريم

أنهت حديثها ثم فتحت باب السيارة ونزلت وراحت تقف على جانب الطريق في انتظار سيارة أجرة لكي تأخذها للمنزل أما هو فرد بغيظ ووعيد نابع من تمسكه وحبه:

_مخسرتهاش ولا عمري هخسرها، مش انتي اللي تخليني اخسرها يارحاب

                                   ***

داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بغرفة خلود....

سمعت خلود صوت طرق الباب فسمحت للطارق فورًا بالدخول ظنًا منها أنها أمها أو أخيها لأن لا احد يدخل عليها غرفتها سواهم، لكن انفتح الباب ببطء وظهر من خلفه جسد جميل وناعم بملابس غريبة ومتحررة لا ترتديها النساء هنا أبدًا، وعلى وجهها ابتسامة رقيقة مثلها وهي تنظر لخلود وتسأله بأدب:

_ممكن ادخل؟ 

نظرت لها خلود بتعجب فهي تقريبًا لم ترى تلك الفتاة سوى مرة واحدة عندما وصلت المنزل مع أخيها ولم تسأل حتى من هي ولم تهتم لأمرها، لكن اتضح الآن لها أنها تعيش معهم بالمنزل فسألتها:

_أنتي مين؟!!

غزل مبتسمة بعذوبة ومرح:

_طيب ممكن ادخل الأول وبعدين افهمك أنا مين! 

هزت خلود رأسها بالموافقة رغم نظراتها الحائرة لغزل وتفحصها لملابسها وهيئتها التي لا تشبههم أبدًا، أما غزل فاقتربت منها وجلست بجوارها على الفراش ثم بدأت حديثها بالسؤال عن حالها في لطف:

_عاملة إيه؟ 

أجابت خلود وهي مازالت تتفحص جسد غزل وملابسها:

_كويسة الحمدلله 

تنهدت غزل مبتسمة وهي تكبت ضحكتها على نظرات خلود وقالت لها مازحة:

_نظراتك دي أجمل وارحم بكتير من النظرات اللي كانت على وشك اخوكي وجدو وجلال لما شافوني أول مرة

 رددت خلود خلفها باستغراب وعدم فهم:

_چدو!!!

بسطت غزل كفها أمام خلود في دعوة للمصافحة والترحيب وهي تقول لها بحماس:

_أنا غزل بنت عمتك ورد،  انتي هتعرفيني وتفتكري ماما ولا لا I dont know، بس عمومًا أنا كنت عايشة مع بابا في امريكا وجيت هنا مصر من فترة وقاعدة في البيت

رفعت خلود حاجبها مندهشة بعدما اكتشفت أن تلك الفتاة ابنة عمتها، ثم نظرت ليدها وراحت هي أيضًا تمد يدها وتصافحها  بسؤال لم يكن في محله:

_وانتي مش هترچعي تاني يعني خلاص؟! 

غضنت غزل حاجبيها بتعجب من سؤالها لكنها ضحكت وتصرفت بلطف مازحة:

_ايه هو أنتي زهقتي مني من قبل ما تتعرفي عليا ومش عايزاني اقعد معاكم ياخلود

ابتسمت لها خلود بنقاء وقالت بدفء:

_انتي عارفة اسمي كمان!!.. لا انا مش قصدي يعني بس استغربت إنك چيتي فچأة، يعني ايه اللي يخليكي تسيبي امريكا وتاچي إهنه مصر وفي الصعيد كمان!

زمت غزل شفتيها بعبوس وقالت في ضيق:

_تقدري تقولي الظروف اجبرتني، انا ماما طبعًا متوفية من وانا صغيرة وبابا دلوقتي قرر يتجوز وأنا متقبلتش الفكرة ورفضت اني اعيش معاه هو ومراته وقررت اني اجي اعيش مع جدو هنا واتفقت معاه إني هسافر امريكا زيارات اشوفه

هزت خلود رأسها بتفهم وهي تبتسم لغزل التي قالت لها بنظرة كلها دفء:

_تعرفي أنا فرحت أوي لما شوفت " علي " جايبك معاه، محدش كان متوقع أن " علي " يعمل حاجة زي كدا وياخد الخطوة دي

رمقتها خلود باستغراب وقلق من كلماتها التي تدل على أنها تعرف قصتها، تفهمت غزل نظراتها وقالت لها مبتسمة تشرح لها الأمر:

_أنا عارفة كل حاجة يعني آسيا حكتلي عنك، وحتى اني مكنتش موافقة ولا عاجبني أبدًا اللي عملوه معاكي، انتي حتى لو غلطتي مينفعش يسبوكي مع انسان مريض زي ده وخصوصًا إنك ندمتي على غلطك، بس الحمدلله أن ربنا خلصك منه واخوكي معاكي دلوقتي وقريب تتطلقي منه أن شاء الله كمان

رددت خلود " يارب " من صميم قلبها ثم نظرت لغزل ورفعت حاجبها وقالت لها مبتسمة:

_سيبك مني أنا مبحبش اتكلم في الموضوع ده كتير كيف ما قولتي من كتر ندمي على غلطي وذنبي مبحبش حتى افتكره، احكيلي أنتي عاد چدي والرچال اللي في البيت كيف سايبنك باللبس ده 

ضحكت غزل وقالت مازحة:

_كنت منتظرة السؤال ده منك على فكرة.. بصي هما مش عاجبهم بس محدش قادر يتدخل أو هو مفيش غير " علي " بس اللي بيتدخل ومش عاجبه وجدو رغم أنه مش عاجبه بس قرر يسيبني على راحتي، لكن اعتقد هو سايبني كدا مؤقتًا الآن

بادلتها خلود الضحك وهتفت:

_دي معچزة أنه سايبنك إكده أصلًا، لكن هو " علي " بيتدخل ليه وايه ليه عشان ميعچبهوش لبسك!

لوت غزل فمها باستحياء بسيط من أن تخبرها بنية شقيقها وقبل أن تجيب قطع حديثها صوت طرق الباب الذي لحقه فتحه وظهور " علي" من خلفه، توقف متسمرًا بتعجب بعدما رأى غزل مع أخته وسألها بجدية:

_أنتي بتعملي إيه إهنه؟!

غزل ببساطة شديدة وثقة:

_زي ما أنت شايف قاعدة مع خلود بتعرف عليها وبنتكلم

تقدم نحوهم بخطواته ونظراته المغتاظة من غزل لعدم موافقتها على طلبه للزواج منها حتى الآن وقال وهو يجز على أسنانه:

_آه وانتي ماشاء الله اچتماعية مع الخلق كلها ولطيفة معاهم

رسمت ابتسامة صفراء على وجهها وردت عليه ببرود:

_sure عندك شك في كدا 

تمالك أعصابه بصعوبة وقال وهو يطلق زفيرًا حارًا:

_طيب اطلعي ياغزل استنيني برا وأنا هوريكي عندي شك ولا لا

التفتت غزل لخلود التي كانت تتابع الحديث الدائر بينهم بعدم فهم وحيرة، فابتسمت لها وودعتها بنظراتها ثم استقامت واقفة وتحركت باتجاه الباب لتغادر لكن أثناء مرورها من جانبه توقفت وهمست له بصوت لم يسمعه سواهم في دلع متعمدة إثارة جنونه:

_استمر في معاملتك ليا بهذا الشكل عشان انا أفضل مصممة على رفضي

رفع يده ومسح على وجهه متأففًا بغيظ وهو يرد بصوت منخفض ومحتقن:

_يارب الصبر من عندك

ضحكت غزل بتلذذ وخبث ثم ابتعدت عنه ورحلت لتتركه مع خلود التي كانت تراقبهم بشك واستغراب، لكنها قررت التريث وستعرف ما الذي يدور بينهم فيما بعد، وراحت تسأل أخيها بلهفة حاولت عدم إظهارها:

_قابلت مروان يا " علي " ؟

علي بنظرة صارمة وهو يوجه تحذيراته لها:

_آه قابلته وقولتله مش محتاچين المساعدة الحمدلله، ونبهت عليه زي ما هنبه عليكي دلوك ياخلود، من إهنه ورايح مفيش المكالمات والاتصالات اللي بينكم دي، هو لو عاوز حاچة يتصل بيا أنا، متفكرنيش مش فاهم ولا مغفل أنا فاهمك كويس وفاهمه، اعتبريه أول وآخر تحذير لأن المرة الچاية مش هيكون كلام كيف ما بتكلم معاكي إكده لا هيبقى فعل ومش هيعچبك، بزيادة اللي عملتيه قبل سابق مش هنرچع نعيد الكرة من أول وچديد

هزت خلود رأسها بالموافقة امتثالًا لأوامره رغم عيناها الممتلئة بالدموع لعدم ثقته بها وخوفه من أن ترتكب نفس الخطأ مجددًا وتنجرف وراء مشاعرها تجاه مروان، وتحذيره لها بأن هذه المرة سيكون العقاب حياتها.

                                      ***

داخل منزل عمران الصاوي......

وصلت آسيا إلى الباب لتفتح وعلى وجهها ابتسامة مشرقة تستقبل بها زوجها بعد عودته من العمل، جذبت الباب نحوها وهي مازالت محتفظة ببسمتها التي سرعان ما تلاشت فورًا عندما رأت " سمير " أمامها، تسارعت نبضات قلبها خوفًا من ذلك المعتوه أن يحاول أذيتها هي وابنها لكنها لم تشعره بذلك ووقفت بكل ثبات وهتفت بغضب:

_انت بتعمل إيه إهنه وكيف عرفت بيتي! 

سمير مبتسمًا ببرود مستفز:

_مش هيغلب عليا اعرف بيت المعلم عمران بقدره يعني يا آسيا

رمقته شزرًا وقالت له بغيظ محذرة إياه:

_طب كويس أنك عارف أنه بيت عمران، اتكل على الله من إهنه لو باقي على روحك

رد ببرود اكثر وهو مازال محتفظ ببسمته:

_هتكل على الله متقلقيش، أنتي سبق وحرضتي مرتي على الهرب وهربت وأنا سكت، ودلوك روحتي وقولتي لاخوها عشان يطلقها مني، مع اني حذرتك ونبهت عليكي ملكيش صالح بخلود وابعدي عنها يا آسيا

ابتسمت آسيا بتشفي وفرحة إن " علي " أخذ خطوة ووقف بصف شقيقته وقالت لسمير بعدم اكتراث:

_طب كويس أن واد عمي نقذ أخته من يدك 

اختفت بسمة سمير وقال لها بغل وحقد مرعب:

_هو مش انتي اللي كنتي السبب في چوازنا برضوا عاوزة تخلصيها مني ليه دلوك، فكرك أني هطلقها وأسيبها عشان تروح لمروان، خلود بتاعتي وملكي أنا بس

آسيا بثقة وغضب:

_هطلقها غصب عنك.. وامشي يلا من إهنه

سمير بنظرة شيطانية كلها وعيد وتوضح نواياه السيئة قال وهو يتقدم إليها ينوي دخول المنزل:

_امشي ده إيه.. مش قبل ما ترچعيلي مرتي كيف ما كنتي السبب أنهم ياخدوها مني

ارتعدت آسيا خوفًا منه عندما وجدته يتقدم نحوها وفجأة سمعت صوت صراخ ابنها، فارتجفت أكثر عندما رأت نظراته التي اخترقت للداخل من حيث يأتي صوت سليم وهو يبتسم بخبث، راحت بسرعة تغلق الباب في وجهه تصرخ به:

_امشي من إهنه ياسمير وإلا والله العظيم اتصل بعمران وهيخلص عليك 

وضع قدمه بين الباب ليمنع غلقه وقال مبتسمًا بلؤم وشر:

_انتي خايفة إكده ليه ده انا هدخل بس اشوف الواد اللي بيبكي ده

أدركت أنه يحاول اقتحام المنزل عليها، ورغم خوفها لكنها أظهرت قوتها وجبروتها عندما التقطت عصاة صغيرة كانت بجوار الباب وغرزتها في قدمه التي تحول اغلاق الباب فاطلق هو صرخة متألمة وسحب قدمه فورًا كرد فعل على الألم، فأغلقت هي الباب بسرعة بالمفتاح لتسمعه يقول لها من الخارج متوعدًا:

_ماشي يا آسيا ورحمة أمي ما هسيبك إلا لما ترچعيلي خلود كيف ما خلتيهم ياخدوها مني

كانت تقف خلف الباب بالداخل وممسكة بالمفتاح وهي تتنفس بسرعة وارتيعاد وصوت بكاء صغيرها لا يتوقف، أما سمير فقد نزل الدرج ثائرًا ليصطدم بعمران أمامه الذي نظر لها باستغراب على تعجله وغضبه الشديد، أما سمير فرمق عمران مبتسمًا بخبث ثم ابتعد من أمامه وغادر، ليلتفت عمران خلفه يراقب سمير وهو ينزل الدرج بنظرات ثاقبة ومتعجبة من ابتسامته المريبة له، لكنه لم يهتم كثيرًا له وظنه مجنون أو معتوه وأكمل طريقه لمنزله، وقف أمام باب الشقة وطرق عدة طرقات فيأتيه صوت زوجته المرتعد من الداخل وهي تصيح:

_اقسم بالله لو ممشيت من إهنه لاتصل بالبوليس

غضن عمران حاجبيه بتعجب وقلق من ردها فهتف بسرعة بصوته الغليظ:

_افتحي يا آسيا أنا عمران! 

وكأن الله أرسله لها بالوقت المناسب، ردت روحها إليها وفتحت الباب بتلهف وهي تهمس باحتياج:

_عمران

ثم ارتمت عليه تعانقه بقوة وتتشبث بجلبابه الصعيدي، كانت تحتاج لملاذها الآمن وها هي بين يديه الآن تلقي عن صدرها شعور الخوف والقلق الذي كان يستحوذها للتو، أما هو فهتف باهتمام وحدة يسألها:

_هو مين ده اللي كان إهنه وهتتصلي بالبوليس يچيله

ابتعدت عنه وهي تتفادى النظر لوجهه باضطراب وخوف من أن تخبره بالحقيقة فتواجه جموحه وسخطه المرعب، وقررت أن تكذب عليه وتقنعه برد يخالف الحقيقة:

_أصل كان في واحد غريب إكده شغال يرن الجرس وأنا خوفت منه وقولتله هتصل بالبوليس عشان يمشي افتكرتك هو لما رنيت

عمران بنظرة مرعبة وغاضبة:

_مين ده أصلًا وبيرن على الباب ليه ويعرفك من وين؟ 

آسيا بارتباك ملحوظ وانزعاج من أسلوبه الفظ:

_هو ايه اللي يعرفني من وين يا عمران، وأنا إيه عرفني أنا معرفهوش أصلًا اهو تلاقيه واحد سافل ومش محترم بيرن على الأبواب وخلاص

عمران بصوت غليظ يقذف الرعب في البدن:

_أنا شوفت واحد أنا وطالع وكان بيبصلي ويضحك يعني باين عليه قوي أنه يعرفني 

تلعثمت وردت مبتسمة برقة محاولة تغير الموضوع:

_أه تلاقيه هو، بس صدقني ده شكله واحد مچنون أصلًا أنت هتاخد على واحد مچنون، المهم تعالي يلا ادخل وغير هدومك لغاية ما احضرلك الغدا

رمقها عمران بنظرة جعلت قلبها يرتجف خوفًا منه، ثم سمعت صوته الرجولي المميت الذي لا ينم عن خير أبدًا:

_قصادك عشر دقايق أكون أنا دخلت وغيرت هدومي، لو ملقتكيش عندي في الأوضة وبتقوليلي مين ده وكان بيعمل إيه إهنه، سعتها ملتومنيش على اللي هعمله معاكي فاهمة ولا لا.. فــاهــــمــة؟ 

انتفضت فزعًا على أثر صرخته الأخيرة بها وهزت رأسها له بالموافقة فورًا دون أي جدال أو كلمة أخرى، بينما هو فاندفع للداخل إلي غرفته وهو مشتعل من الغيظ والغضب.

                                    *** 

بمدينة مرسى مطروح تحديدًا على شاطيء البحر......

كانت فريال جالسة على أحد مقاعد الاسترخاء الطويلة امام البحر على الشاطئ، وتراقب زوجها وأولادها وهم في المياه، كان معاذ يسبح بمفرده وعمار مع والده الذي يعلمه السباحة، كانت تراقب تفاعلات عمار المضحكة مع والده وخوفه من المياه وتشبثه بأبيه خوفًا من الغرق، كانت تسمع توسلاته الكوميدية لأبيه لكي ينهي هذا التدريب ويتركه يلعب في المياه على الشط دون أن يسبح كأخيه الكبير، لكن جلال كان مُصر أن يعلمه السباحة، وبين كل دقيقة والأخرى يرفع نظره إلى فريال يطمئن عليها فيجدها تضحك على ابنها، بتلك الأثناء خرج معاذ من المياه ليستريح قليلًا وجلس بجوار أمه بعدما التقط المنشفة ولفها حول صدره وراح يتابع أخيه الصغير وأبيه بجوار أمه ويضحك عاليًا على أخيه.

التقطت عين فريال بالصدفة البحتة نظرات ثلاث فتيات يتهامسون ويضحكون مع بعضهم وهم ينظرون لزوجها، كانت عيناهم تلمع بالإعجاب وهم يحدقون ويتأملون جلال بكل وقاحة وجرأة، فرفعت عيناها عن تلك الفتاة وراحت تنظر لزوجها محاولة فهم ما الذي جذبهم إليه، ربما لأنه زوجها ومعتادة عليه لا تركز كثيرًا في كل شيء لكن عندما تفحصته بتدقيق أنه يرتدي سروال قصير من اللون الاسود وعاري الصدر مما أبرز فتولة عضلاته وجسده الرياضي، رغم أنه لا يمارس الرياضة لكن جسده قوي ورياضي بشكل مثير، كل هذا كان مع بشرته البرونزية واشعة الشمس التي تضرب عليه تجعله أكثر إثارة.

اشتعلت نيران الغيرة في صدر فريال وعادت تنظر للفتيات بنارية وهم مازالوا لا يزيحون أنظارهم عن زوجها ويتهامسون ويتغزلون به، فمالت فريال على معاذ وقالت له بحدة:

_روح انده أبوك وقوله أمي بتقولك كفاية هي تعبت وعاوزة تطلع الأوضة

زم معاذ شفتيه بعبوس وقال بحزن متوسلًا أمه:

_ليه ياما خلينا كمان شوية عشان خاطري

فريال بعصبية ونظرة صارمة:

_معاذ اسمع الكلام، قوم يلا انده أبوك

 تأفف الصغير بيأس ثم هب واقفًا واتجه نحو أبيه ممتثلًا لأوامر أمه، وعندما وصل له داخل المياه وانحنى على أذنه وهمس له بما قالته له فريال، رفع جلال نظره وحدق بها بقلق ثم خرج من الماء فورًا هو والأولاد، في تلك اللحظة كانت فريال عيناها ثابتة على الفتيات تراقبهم وهم يتابعون زوجها في خطواته إليها، كانت على وشك أن تهب واقفة وتنقض عليهم وتلقنهم درسًا لن ينسوه بعدما طفح كيلها لكن وصول جلال إليها وجلوسه بجوارها وهو يحتضن كفيها وينظر في عيناها باهتمام وحنو:

_مالك يافريالي أنتي كويسة؟

ردت فريال بنبرة متقضبة:

_كويسة بس زهقت وتعبت من القعدة عاوزة اطلع اريح في الأوضة، يلا بينا

ضيق عينيه باستغراب من تعبيراتها المنزعجة ولن يلبث ليسألها ماذا حدث ولماذا غاضبة حتى وجدتها تلتقط المنشفة وتلفها حول صدره بإحكام كأنها تخفيه عن الإنظار وتقول مغتاظة بغضب:

_حط ده على اكتافك إكده، أنت منزلتش المايه بالتيشرت بتاعك ليه؟!

جلال متعجبًا تصرفاتها المريبة وانفعالها عليه:

_مالك يافريال متعصبة إكده ليه؟!!

فريال بمضض محاولة التصرف بطبيعية:

_مليش، بغطيك احسن تستهوى وتتعب

لوى فمه بنفاذ صبر وحنق من أسلوبها لكنه لم يغضب عليها وتمتلك أعصابه ثم استقام واقفًا وقال بخشونة:

_طيب قومي يلا عشان نطلع اوضتنا طالما عاوزة تطلعي

استقامت واقفة فورًا دون أي اعتراض، لتجده يسبقها هو والأولاد إلى الفندق وهي لحقت بهم بعدما التفتت برأسها والقت نظرة ملتهبة ومخيفة على الفتيات فزاحوا نظراتهم عنها وعن جلال فور إدراكهم أنها انتبهت لهم.

                                    ***

داخل احدى متاجر فساتين الزفاف كانت تقف حور بجوار شقيقتها و التي تساعدها في اختيار فستان زفاف الذي لم يتبقى عليه سوى أيامًا معدودة، بعد وقت طويل من البحث والتفكير والتردد وهي مازالت لا تجد ما تريده أو شيءيناسب زوقها، توقفت هي وشقيقتها خارج المتجر بعدما خرجت منه وتأففت عبوس شديد وقالت منفعلة:

_وبعدين بقى أنا زهقت ومش لاقية حاجة عجباني والفرح خلاص بعد كام يوم اعمل إيه؟!

ردت عليها شقيقتها برفق وحب متمتمة في نبرة مفعمة بالأمل:

_هتعملي إيه يعني ياحور هنكمل لف احنا لسا في اتاليهات كتير مروحنهاش وأن شاء الله هنلاقي فستان يعجبك

زمت حور شفتيها بيأس وأخذت تفكر في متجر جيد يمكنها أن تجد فيه الفستان الذي تريده، لكن قطع حبل أفكارها صوت رنين هاتفها وعندما نظرت لهاتفها رأت اسم زوجها ولم تتردد في الإجابة وأن تشكو له بحزن أنها لا تستطيع شراء فستان زفافهم.

ابتعدت عنها شقيقتها بعد الخطوات لكي تتمكن من التحدث مع زوجها براحة وراحت حور تهتف لبلال بحزن شديد:

_بلال كويس أنك اتصلت

ضيق عينيه باستغراب وسألها بقلق:

_ليه في حاچة حصلت معاكي ولا إيه؟!! 

أجابته في صوت شبه باكي من فرط الحزن:

_ايوة من الصبح بلف أنا واختي عشان فستان الفرح ومش لاقية حاجة عجباني قربت اخلص كل الاتاليهات اللي اعرفها

ضحك بلال بدفء واجابها في غرام:

_وانتي هو ده الي مزعلك إكده، چيتي في چمل يعني ولا تزعلي روحك ياحوريتي، أنا أعرف واحد صاحبي معاه اتاليه وتقريبًا عنده شغل حلو قوي، اجيلك واوديكي ليه وتنقي براحتك هناك

تهللت اسراريها واتسعت بسمتها وهي تجيبه بفرحة:

_بجد يابلال 

لكن سرعان ما تراجعت وتبدلت ملامحها للحزم وهي تقول:

_لا بس أنت مينفعش تشوف الفستان غير يوم الفرح

قهقه عاليًا ورد عليها ببساطة:

_ياستي هستناكي برا لغاية ما تخلصي

تنهدت الصعداء وعادت بسمتها لوجهها من جديد وهتفت:

_آه إذا كان كدا ماشي يلا بقى تعالي مستنياك أنا عند (.........) 

_تمام جايلك مسافة السكة واكون عندك 

أنهت الاتصال معه ونظرت لشقيقتها وهي في غاية السعادة وراحت تسرد لها حديثها معه وأنه سيأتي ليأخذهم لأحد المتاجر التي تحتوى على فساتين جميلة.

وقفوا بانتظاره لدقائق طويلة حتى أخيرًا وصل لهم، فاستقلت حور بالمقعد المجاور له وشقيقتها بالمقعد الخلفي ثم انطلق بهم إلى المتجر، وظل ينتظرهم بالخارج داخل السيارة وهم بالداخل يختارون.

مر ما يقارب من نصف ساعة وهو بانتظارهم حتى كاد يفقد صبره من طول الانتظار وينزعج، فأخرج هاتفه ينوي الاتصال بزوجته لكنه توقف عندما رآها تخرج من المتجر مع شقيقتها وهي تحمل بيدها كيس بني كبير وداخله فستان الزفاف حتى أن شقيقتها كانت تساعدها في حمله، وعلى ثغرها ابتسامة عريضة تكاد تشق طريقها إلى أذنها من فرط سعادتها، ففتح هو باب السيارة وخرج وهو يبتسم بحب على سعادتها ثم التف حول السيارة وفتح حقيبتها من الخلف لكي يضع فيه الفستان ونظر لها بغرام وهو يضحك وقال غامزًا لها:

_مبروووك ياعروسة

ردت حور بفرحة وابتسامة استحياء بسيط:

_الله يبارك فيك مش مصدقة اني لقيت أخيرًا حاجة عجبتني 

ردد بلال بصوت رخيم " الحمدلله " بينما شقيقة حور فانحنت على أذنها وهمست لها بجدية:

_حور أنا هروح بقى لصحبتي زي ما قولتلك طالما خلصنا بدري

نظرت لها وهزت رأسها بالموافقة وقالت في صرامة:

_ماشي بس متتأخريش

_حاضر مش هتأخر يلا سلام 

ودعت شقيقتها وكذلك لوحت لبلال قبل أن تغادر وتتركهم، فور رحيل اختها ودخولها السيارة بجوار زوجها وجدتها ينحني عليها ويغمز لها مبتسمًا بعاطفة:

_إيه رأيك اعزمك النهاردة على الغدا ياست البنات

ابتسمت حور بخجل يمتزج بغرور مزيف وهي تدلل عليه بطريقة مرحة:

_اوكي مفيش مشكلة

راقب تعبيراتها وردها وهو يضحك بصمت ثم مد يده والتقط كفها وانحنى عليه يلثم باطنه بحب هامسًا لها في لهفة وشوق:

_امتى عاد يتقفل علينا باب واحد ياحوريتي خلاص معدتش مستحمل، أنا خايف تحصل حاچة تاني قبل الفرح ويتأچل تاني بس صدقيني المرة دي هاخدك من يدك على بيتنا طوالي

حور بخوف وحزن:

_لا متقولش كدا يابلال انا زهقت اكتر منك والله ونفسي نعمل الفرح بقى وان شاء الله مش هيحصل حاجة وهنتجوز على خير 

عاد يلثم كفها مجددًا هامسًا:

_يارب ياحبيبتي يارب

                                    ***

داخل منزل عمران الصاوي........

دخلت آسيا الغرفة ورأت عمران يجلس على مقعد خشبي مبطن من اللون الأسود وينظر لها بطريقة مرعبة، فتزدىدت ريقها باضطراب وتقدمت نحوه في خطوات بطيئة ثم جلست على المقعد المجاور له وراحت تنظر إليه في صمت وارتباك من هيئته المخيفة حتى وجدته يرفع يده ويشير لها بأصبعه أن تبدأ في الحديث وتخبره بكل شيء، تنهدت الصعداء بقلق من ردة فعله ثم بدأت في سرد حديثها مع سمير وماذا حدث معها، وعندما انتهت رأت تعبيراته أصبحت مميتة وأظلمت عينيه وفجاة صرخ بها منفعلًا:

_هو أنا مش سبق ونبهت عليكي ملكيش صالح بخلود وجوزها الـ**** ده تاني يا آسيا وحصلت مشاكل كبيرة بينا

انتفضت فزعًا من صراخه وقالت له مسرعة بخوف مدافعة عن نفسها:

_والله أنا ما كسرت كلمتك ونفذت كلامك بالحرف وبعدت عنهم، بس أنا معرفش هو عرف البيت كيف ومين اللي فهمه أني أنا اللي خليت " علي " ياخد خلود منه، ده أنا حتى معرفش أن ده كله حصل غير منه دلوك 

رمقها عمران بعيناه الملتهبة وقال في صوت رجولي يشيب الرأس:

_ده على أساس أنك مروحتيش لـ " علي " وطلبتي منه يروح ينقذ أخته

ابتلعت ريقها بصعوبة وردت متلعثمة بارتباك:

_طلبت منه بس ده كان من بدري والله قبل ما أنت تنبه عليا وأنا ابعد عنهم خالص، ووقتها " علي " مسمعش مني الكلام ولا وافق حتى

 رفع عمران يده لوجهه وراح يمسح على شعره ولحيته وهو يطلق زفيرًا ملتهبًا من فرط الغيظ والعصبية، فاقتربت منه آسيا بندم وحزن وراحت تمسح على ذراعه برقة تعتذر منه:

_حقك عليا ياعمران متزعلش مني عشان خاطري، أنا آسفة

ابعد يده عن وجهه وحدقها بنظرة جعلتها تتقهقهر للخلف خطوة خوفًا منه، ثم سمعته يهتف بصوت محتقن محاولًا التحكم بانفعالاته:

_لولا أني شكيت وشوفته وأنا طالع واستخدمت اسلوبي معاكي كنتي هتكذبي عليا وتخبي والله اعلم خبيتي إيه عني قبل إكده كمان ومخبية إيه دلوك وأنا مش داري

هزت رأسها بالنفي عدة مرات في أسى شديد من انزعاجه وامتعاضه منها وراحت تحتضن كفه وتنظر له برجاء متأسفة:

_لا وغلاوتك مش مدارية أي حاچة عنك، أنا بس كذبت عليك عشان الصراحة خوفت منك وفي نفس الوقت خوفت عليك مش عاوزاك تدخل في مشاكل

أجابها عمران بعين تنضج بوميض الشر والغضب:

_واحد وقف قصاد بيتي وبيهدد مرتي وحاول يتهچم عليها وأنا مش قاعد، وأنتي تقوليلي مش عاوزاك تدخل في مشاكل!

هتفت بقلق محاولة إقناعه بعدم الاصطدام مع ذلك المعتوه:

_ده كلب ولا يسوى ياعمران هتدخل روحك في مشاكل معاه على الفاضي

مال ثغره ببسمة شيطانية وقال في نظرة جعلتها تخشاه للحظة:

_الكلب اللي يتجرأ النهاردة عليكي ويرفع صوته وينبح بكرا تطلعله سنان ويعض، والحل مع الكلب ده أن يتقطع حسه واصل عشان بعد إكده ميفكرش يتجرأ عليكي تاني

طالعته آسيا بدهشة بسيطة وقلق من جموحه الذي سيقوده لطرق خطرة، بينما هو فاستقام واقفًا وهم بالانصراف لولا أنها أوقفته بصوتها المرتعد:

_رايح وين؟ 

رد بصوت مهيب ونظرة متوعدة لا تنم عن خير أبدًا:

_رايح أرد الزيارة

ثم استدار وأكمل طريقه وصاح عليها بحدة وهو مازال مستمرًا في سيره لباب المنزل:

_اقفلي الباب زين بالمفتاح واياكي تفتحي لحد لغاية ما ارچع

وقفت على بعد مسافة قصيرة من الباب بعد رحيله وهي تتأفف بضيق وخوف شديد عليه امتزج بندمها أنها السبب في كل المصائب التي تسقط فوق رأسه.

                                      ***

بمرسى مطروح داخل الفندق تحديدًا بالجناح الذي حجزه جلال لهم خلال الرحلة........

فور دخولهم الجناح قالت فريال للأولاد بحدة وغضب:

_يلا ادخلوا الأوضة بتاعتكم وغيروا هدومكم

تبادلا الطفلين النظرات بين بعضهم باستغراب من غضب أمهم الذي ظهر فجأة ولكنهم لم يعترضوا وامتثلوا لأمرها ودخلوا الغرفة الداخلية الخاصة بهم ليبدلوا ملابسهم ويرتدوا أخرى نظيفة، أما جلال فبقى بالخارج جالسًا فوق الفراش يراقب تصرفات فريال التي لا تعجبه ولا يفهم سببها بانزعاج، عندما التقت أعينهم مع بعضهم هزت راسها له بتعجب وراحت تسأله:

_مالك بتبصلي إكده ليه؟!!

جلال بغضب وحزم:

_أنتي اللي مالك مش شايفة روحك بتتكلمي مع العيال ومعايا كيف

نظرت له بغيظ ثم اقتربت منه أكثر حتى أصبحت شبه ملاصقة له وثبتت عيناها على خاصته وقالت بصوت ملتهب بنيران الغيرة:

_أصل كان في شوية بنات مش محترمين بيتغزلوا في چوزي قصادي ومشالوش عينهم من عليه طول الوقت وأنا اتعصبت وطلبت نمشي ونطلع الأوضة، معلش زودتها وافسدت عليكم المتعة أنت والعيال مش إكده!!

ارتخت عضلات وجه جلال المتشنجة من الغضب وتحولت لبسمة جانبية عبيثة وراح يسألها بتلقائية بعدم فهم سبب التحول المفاجئ في مزاجها:

_بنات مين دول؟!

هتفت بعصبية وصرامة:

_وأنت مالك بنات مين عاوز تعرف ليه، أهو بنات متربتش وخلاص

كبح ضحكته بصعوبة حتى لا تنطلق عاليًا واجبها مبتسمًا بمرح:

_طب اهدى خلاص انا مقصدش إكده، ده سؤال فضولي مش اكتر طلع بشكل تلقائي مني

رمقته فريال بنارية وقالت بصوت مريب:

_لا ابقى فكر الأول قبل ما تسأل ياچلال أنا مبحبش التلقائية

لم يتمكن في هذه اللحظة من كبح ضحكته أكثر حيث انفجر ضاحكًا عليها ثم غمز لها بخبث وسألها متعمدًا إثارة جنونها:

_إلا هما كان بيتغزلوا فيا كيف يعني؟!

فريال بنظرة قاتلة صاحت:

_چــــلال

قهقه عاليًا وفورًا تراجع معتذرًا منها وسط ضحكه بعدما ضمها لصدره بحب:

_خلاص اهدى متتعصبيش أنا بنكشك، بعدين مش تقولي من الأولى يافريالي أنك غيرانة عليا كنت اتصرفت واحتويت الموقف بدل ما اتعصبت منك على الفاضي

ابتعدت عنه وقالت مغتاظة وهي تتذكر الفتيات:

_لولا أن بس لا تربيتي ولا اخلاقي تسمحلي  كنت چبتهم من شعرهم إكده وحطيتهم تحت رچلي، دول كانوا هياكلوك بعنيهم ياچلال

ضحك بخفة وقال متصنعًا التواضع أمامها لكي لا تنقض عليه ثانيًا:

_ ده أنا حتى عچزت وكبرت وعيالي كبروا وبقوا رچالة

رفعت فريال حاجبها الأيسر ترمقه بسخرية من تواضعه المزيف، ثم ابتسمت له وراحت تلف ذراعيها حول رقبته وتهمس له بدلال:

_عچزت ده إيه أنتي هتضحك عليا، بعدين الصراحة أنا اكتشفت النهاردة بعد ما بصيت عليك وأنت في المايه أن البنات دول ليهم حق يبصولك بالطريقة دي، وعشان إكده من إهنه ورايح مش هتنزل البحر تاني من غير تيشيرت

رفع حاجبه مستنكرًا طلبها وتحكمها الغريب به فراح يجيبها مازحًا بسخرية:

_ وماله.. متحبيش كمان البس الطرحة واتحچب!!

انفجرت فريال ضاحكة بقوة على مزحته وهزت رأسها بالنفي بين ضحكها وهي تجيبه باقتناع مازحة:

_لا لا أنا مش مفترية مش هكتمك، يعني كفاية عليك ده بس

 أبعدها عنه بعدما رمقها باستهزاء ونفاذ صبر وقال وهو يتجه بخطواته إلى الحمام:

_  ابعدي يافريال، لا حول ولا قوة إلا بالله دي أنتي الغيرة لحست دماغك واصل

ردت عليه بثبات وهي تضحك باستمتاع:

_أيوة چوزي وحبيبي وأبو عيالي وليا الحق اغير عليه وأعمل اللي عاوزاه، ده أنا لو شفت واحدة بتبصلك تاني هقلعلها عيونها الچوز بإيديا

رد عليها وهو يضحك قبل أن يدخل الحمام:

_مچنونة تعمليها أنا عارفك

جلست فريال على الأريكة بعد دخوله للحمام وراحت تتذكر نظرات الفتيات له فاغتاظت مجددًا وأخذت تتحدث مع نفسها بغل:

_البنات البجحين دول حارقين دمي قوي، أنا لو شفتهم هاكلهم بسناني، لكن انتي كمان الغلطانة يافريال تسمحيله ينزل البحر بالشورت بس كيف إكده

                                     ***

في المساء بتمام الساعة السابعة.......

خرجت مريم من غرفتها واتجهت إلى المطبخ حيث تقف والدتها وتقوم بتحضير الطعام ثم سألتها باهتمام:

_بابا فين ياماما؟

أجابتها أمها بإيجاز دون أن تنظر لها بسبب انشغالها:

_معرفش يابنتي تلاقيه في البلكونة زي ما متعود

هزت رأسها موافقة واتجهت إلى أبيها في الشرفة لتتحدث معه عن وضعها مع بشار وتخبره بأنها تريد فسخ الخطوبة والانفصال عنه، لكن توقفت في منتصف الطريق عندما سمعت صوت رنين الجرس وعادت إلى باب المنزل لتفتح للطارق الذي كان بشار يقف أمامها ويحمل بين يديه علبة متوسطة ممتلئة بالحلويات، لم تلبث لتستوعب الموقف حتى سمعت صوت والدها من الداخل وهو يهتف مرحبًا به:

_أهلًا وسهلًا يابني اتفضل، موقفة خطيبك كدا على الباب ليه يابنتي!!

التفتت مريم إلى والدها تنظر له بصدمة حتى سمعت صوت بشار وهو يجيب على أبيها بعد دخوله معتذرًا:

_معلش ياعمي اتأخرت على معادنا

                                    ***

داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بغرفة غزل التي استقامت واقفة من فراشها بعدما سمعت صوت طرق الباب واتجهت لتفتح، وجدت " علي " أمامها ينظر لها بطريقة مريبة ويبتسم فسألته هي بارتباك بسيط:

_ في إيه يا " علي " ؟ 

لم يكترث لسؤالها ثم تلفت يمينًا ويسارًا يتأكد من عدم وجود أحد بالطرقة ثم فجأة وجدته يبعدها عن الطريق ويدخل الغرفة ثم يغلق الباب عليهم، فاتسعت عيناها بصدمة وفغرت شفتيها ثم صاحت به بحدة:

_أنت بتعمل إيه اااا....

بتر بقية عباراتها وكتم على فمها بكفه ثم رفع سبابة يده الأخرى وأشار بها على فمه هامسًا بنظرة محذرة وغاضبة:

_ششششششش


الفصل الواحد والثلاثون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

لقراءة الجزء الاول من رواية ميثاق الحرب والغفران من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close