رواية كبرياء صعيدي الفصل الثالث عشر13 والرابع عشر14 بقلم نورا عبد العزيز


 رواية كبرياء صعيدي الفصل الثالث عشر13 والرابع عشر14 بقلم نورا عبد العزيز


الفصل الثالث عشر (13) بعنــــــــــوان " ربــــاط القـــدر "

نظرت "هدى" إلي وجه "عطر" بحزن ولم تصدق أن ابنها دُمر زواجه وكأن الحزن كتب على جدران هذا المنزل كتعويذة لا يمكن الفرار منها، تحدثت "عطر" بهدوء شديد قائلة:-
-معلش يا مرات عمي أنا كدة هكون مرتاحة 

قاطع "عيسي" حديثها بنبرة قوية قائلًا:-
-خلاص يا أمى كفاياكي بكى، عطر عندها امتحانات وجامعة ولازم تسافر عشان مصلحتها 

نظرت "عطر" له بصمت ولم تعقب، جاءت "دهب" من الخارج وقالت بهدوء:-
-أنا حطيت الشنط فى العربية، والله هنتوحشك جوي يا ست عطر

تبسمت "عطر" بعفوية ثم قالت بحزن على رحيلها:-
-وأنتِ كمان يا دهب هتوحشينى، هونتي عليا كتير هنا 

دمعت عيني "دهب" حزنًا لتعانقها "عطر" بلطف وربتت على ظهرها ثم ألتفت إلى "فيروزة" وقالت:-
-هتوحشينى يا فيروزة، أبقي قوليلى على فرحك عشان أجي

أجابتها "فيروزة" ببكاء شديد على فراق "عطر" وهى كانت بمثابة الأخت والصديقة لها هنا قائلة:-
-أكيد أنا مش هتجوز من غيرك يا عطر خلى بالك ولازم تيجي عشان تشتري معايا الفستان وتكوني جنبي

أومأت إليها "عطر" بنعم ثم خرجت للخارج مع "حِنة" التى صعدت للسيارة أولًا،نظرت "عطر" إلى "عيسي" زوجها الواقف صامدًا أمامها ولا يبالي برحيلها عنه وشعرت بوخزة فى قلبها تؤلمها بسبب الفراق الذي فتحت بابه بينهما فقالت بلطف:-
-خلى بالك من نفسك يا عيسي وشكرا على كل حاجة عملتها عشاني

لم يقوى على الرد عليها وهو الآن يودعها ولا يعرف متى سيراها من جديد، فتاته الصغيرة التى سرقت قلبه والآن ترحل دون أن ترد هذا القلب لصاحبه، تأمل عينيها الزرقاء وملامحها كأنه يحفورها بداخل قلبه المُلتهب الذي يصرخ بالداخل لأجلها فقال بجحود مصطنعًا القوى وكبريائه يتملكه:-
-أنا معملتش غير الواجب يا بت عمي 

تألمت كثيرًا من تلقيبه لها وحتى اسمها لم يلفظه بشفتيه مُعلنٍ عن غضبه من قرارها بالرحيل عنه وطلبها للطلاق منه، تأملته وهو يقف أمامها يمسك نبوته بيديه الأثنين بقوة وملامحه باردة لا تبدي أى رد فعل على رحيلها فقالت بضيق من كلماته الأخيرة:-
-أنا فعلًا كنت بنت عمك 

ألتفت لكي تصعد للسيارة مع "منصور" أحد رجاله الموثقين وأغلقت الباب مُتجاهلة النظر إليه فنظرت "حِنة" عليه مُتعجبة صموده وكبريائه الذي يراها ترحل عنه ولم يوقفها أو يمنعها بل فتح لها باب الرحيل برحب شديد، أنطلق "منصور" بالسيارة لتخرج تنهيدة قوية من بين ضلوع "عيسي" على رحيلها مُعباة بالإنكسارات والخذلان الذي أحتله حين تخلت زوجته عنه من أول عقبة واجهتهما فى طريقهما ورحلة زواجهما..

دلف إلى مكتبه صامتًا والجميع مندهشون من صموده هكذا وهدوئه، دمعت عينيه حين أصبح وحده فى الغرفة ووضع يده على قلبه يقاوم هذا الألم والغصة الموجودة بين أوردة قلبه العاشق، دق باب المكتب ليمسح دموعه سريعًا وأذن بالدخول وكان "مصطفي" مساعده الذي قال فور الدخول:-
-وصلت لمرت السواق اللى خبط عربية أبا الحج 

أومأ "عيسي" بنعم وخرج معه ليذهب إلى هذه المرأة ......

____________________ 
ترجل "ناجى" مع "خديجة" ابنته من سيارة الأجرة بعد عودتهما من النيابة، نظر مطولًا للمطعم وقال بهدوء:-
-أستن أهنا يا خديجة دقيقة وطالع

أومأت إليه بنعم ووقفت محلها تنتظره بعد أن دخل "ناجي" المطعم ووقع نظره على الطاولة الخاصة بـ"حامد"فأسرع نحوه بلهفة وصدمة القبض على أولاده ما زالت تتملكه وقال بضيق:-
-عاوزك تساعدني يا بيه 

نظر "حامد" إلى "ناجي" بأشمئزاز وترك الشوكة من يده ثم قال بغضب سافر:-
-أساعدك، ما انا ساعدت جبل سابج لما خلصتك من أبوك وأخوك وأنت طلعت عيل ومخلصتش اللى عليك

جلس "ناجي" على المقعد المقابل للطاولة بتوتر بعد القبض على أولاده وقال بأرتباك:-
-أعتبرها خدمة انا مستعد أدفع أى حاجة تمنها، عيسي بلغ عن ولادي التينن وأتجبض عليهم ، ساعدني الله يخليك وأنا هعملك اللى عايزه كله

عاد "حامد" بظهره من الخلف بلا مبالاة ولا يهتم لأى شيء أخر وقال ببرود سافر:-
-أسف انا مفتحهاش ملجأ ولا عاشجك فى الضلمة عشان أفضل أعملك وأنت نايم فى العسل 

وقف "حامد" من مكانه ليغادر المكان وخلفه مساعده بينما هرع "ناجي" خلفه وكاد "حامد" أن يصعد السيارة، رأت "خديجة" والدها وهو يتحدث مع هذا الرجل وشبه يترجاه فغضبت كثيرًا من هذا الرجل وإذلال والدها فذهبت نحوه وقالت:-
-بابا

ألتف "حامد" إلى الصوت وهكذا "ناجي" ليُدهش عندما رأى "خديجة" فتاة متوسطة الطول ليست بقصيرة وبجسد ممشوق ترتدي فستان وردي اللون ضيق وفوقه طبقة أخر كالقفطان المفتوح وردي وترتدي حذاء أبيض اللون، ذات العيون العسلية الفاتحة كأشعة الشمس الذهبية وبشرة متوسطة البياض يحتل خدودها الممتلئة نقط بنية (نمش)تُزيدها جمالًا على جمالها وشعر بني طويل مسدولًا على ظهرها وتضع حجاب بمنتصف رأسها كرابطة لها، تحدث "ناجي" بنبرة جادة قائلًا:-
-أستن يا خديجة بس.. 

قاطعه "حامد" الذي لم يرفع نظره عن هذه الفتاة قائلًا:-
-بنتك !!

أومأ "ناجي" بنعم له فتبسم "حامد" بمكر وعينيه الخبيثتين تلتهم هذه الفتاة من الرأس لأخمص القدم، أبتلعت "خديجة" لعابها بأرتباك من نظرات هذا الرجل لها وأغلقت القفطان بيديها مُشمئزة من نظراته وكيف لرجل بعمر والدها أن يحدق بها بهذا النظرات التى قرأتها "خديجة" جيدًا فهي نظرات رجل يطمع بهذه الفتاة التى أمامه وقال:-
-أركب يا ناجي

صعد "حامد" بالمقعد الخلفي فتشبثت "خديجة" بيد والدها وقالت:-
-بلاش يا بابا

تحدث "ناجي" بضيق شديد من عناد ابنته وتذمرها قائلًا:-
-محدش هيساعدنا ويطلع أخواتك غير الراجل دا 

 أنهي "ناجي" حديثه وصعد بالسيارة بجانب "حامد فتأففت "خديجة" بضيق وصعدت بالمقعد الأمامي جوار السائق فقال:-
-ولادك أتقبض عليهم كيف؟ وليه؟

كانت "خديجة" تحدق بالشوارع من النافذة بينما "حامد" يتحدث وعينيه تتفحصها جيدًا وكأنه سُحر بجمال هذه الفتاة أو لم يري أنثي من قبل، لم يستمع لكلمة واحدة مما قالها "ناجي" وهو شاردًا بها حتى وصلوا لشركة "حامد" وأتجه إلى مكتبه وبعد أن جلسوا جميعًا قال "حامد" وعينيه تحدق بمساعده :-
-عز ، خد ناجي بيه يجعد وي المحامي وشوفه الجضية هتوصل لأي 

فهم "عز" نظرات رئيسه فقال بهدوء:-
-أتفضل يا ناجي بيه 

نظر "ناجي" لأبنته وقال بجدية مُتحمسًا لمساعدة أولاده:-
-مهتأخرش عليكي

أومأت إليه بنعم رغم خوفها من البقاء فى هذا المكتب مع هذا الرجل المختل، خرج "ناجي" مع "عز" وظل "حامد" يرمقها بنظراته وهو جالسًا على مقعده خلف المكتب فقال:-
-تشربي أي؟

-شكرًا 
قالتها "خديجة" وهى تجلس على الأريكة بعيدًا عنه، تبسم "حامد" وهو يرفع سماعة الهاتف وقال بعفوية:-
-هاتلي الجهوة بتاعتي وواحد عصير برتقال فريش وأى كيك او أى حاجة على ذوجك

وضع السماعة محلها ووقف من مكانه ليذهب نحو "خديجة" ثم جلس على المقعد المجاور للأريكة وقال:-
-جولتلي أسمك اي؟

تأففت "خديجة" بجدية وقالت:-
-مجولتلكش ... واسمي خديجة 

تبسم على جرائتها وقوتها فوضع قدم على الأخري بغرور ثم قال:-
-عاشت الأسامي يا جميل

أندهشت من أحتكاكه بها ورمقته بنظرة ثاقبة رجل بعمر والدها تقريبًا لكنه فى الشكل أصبي بكثير من والدها شعره الأسود الكثيف وعينيه البنية بدون لحية مما يجعله أصغر سنًا بجسد رياضي كأنه يحافظ على صحته ويرتدي بدلته الزرقاء بقميص أبيض ورابطة عنق مخططة بألوان كثير، تبسم "حامد" وهو يري عينيها تتفحصه ثم قال:-
-أنتِ خريجة اي؟

تنهدت بضيق وقالت بملل:-
-دبلوم تجارة 

دلفت السكرتيرة بالقهوة ووضعت الصينية أمامه على الطاولة وغادرت فتابع حديثه وهو يأخذ فنجان القهوة بيده:-
-ليه أنتِ عندك كام سنة

تنهدت "خديجة" بضيق شديد ثم قالت بعبوس من أسئلته:-
-24 سنة ومش متجوزة ولا مخطوبة وبحب عيسي ولد عمي تحب تسأل حاجة تانية

ضحك "حامد" على ذكائها وقد فهمت معني نظراته وخمنت جيدًا السؤال القادمة عن حالتها الاجتماعية ثم قال بعد أن ارتشف رشفة من قهوته:-
-ههههه وذكية 

نظرت للجهة الأخري بضيق شديد من هذا الرجل .........

_____________________________ 
وصل "عيسي" مع "مصطفي" إلى منزل السائق واستقبلته السيدة بوجه مُنهك من الحزن فقال "عيسي" بهدوء:-
-جوزك ميت كيف؟

-ولاد الحرام كتير يا بيه، منه لله

سألها "عيسي" بهدوء ما قبل العاصفة وبداخله بركانٍ ناريٍ فقال بحدٍ وتحدٍ:-
-جصدك اي؟ جوزك أتجتل ليه؟ جولي متخافيش أنا هحميكي أنتِ وعيالك ولا مش خايفة على عيالك؟

تنهدت بهدوء شديد ثم قالت:-
-مخرباش يا بيه أنا كل اللى أعرفه أن فى واحد أديله فلوس كتير جوى عشان ...

صمتت ولم تكمل الحديث فتابع "عيسي" بثقة قائلًا:-
-عشان يجتل نصر الدسوقي مش دا جصدك

أتسعت اعين هذه المرأة وقالت بثقة شديدة:-
-لا يا بيه، جوزي جالي أن اللى دفع له ..دفع له عشان يجتل كبير بلد جنبينا أهنا وهيدفع له اكتر لما يخلص وهيسفرنا مصر 

أتسعت أعين "عيسي" على مصراعيها وهو يستمع لهذا الحديث المختلف عن حديث "رؤية" حين أخبرته أن "خالد" أراد أن يتخلص من أخيه "نصر" فقالت المرأة مُتابعة الحديث:-
-أنا حذرته أن بلاش يجري وراء الفلوس ما دام الرجل دا كبير ومهم هيفتح علينا نار وإحنا غلابة مإحناش جد الناس دى بس هو مسمعش منى والفلوس لمعت فى عينيه وطلع عشان يجتله ومرجعش وبعدها الناس لاجوا جتته على الطريق واللى دفعله مظهروش تاني وراح هو 

سألها "عيسي" حيرة مما يسمعه:-
-متعرفيش مين الناس دول؟ مجالش جصادك اسمهم أو رجم تليفونهم أى حاجة توصلني ليهم 

-لحظة واحدة
قالتها ووقفت من مكانها تحضر هاتفها وهى تتحدث بثقة :-
-مرة رن علي الرجل من تليفوني عشان معهوش رصيد 

أخذ "عيسي" الهاتف وحفظ الرقم فى هاتفه ثم رحل بعد أن ترك المال لهذه المرأة.....

__________________________ 

أوصلها "منصور" إلى شقة جديدة وكانت مفروشة بأثاث جميل وألوانها الجميل ثم أعطها المفتاح وقال:-
-أتفضلي المفتاح، عيسي بيه أشتري الشجة دى وفرشها وسجلها باسمك 

نظرت للعقد والمفتاح بأندهاش ثم أخذتهم ورحل "منصور"، سقطت دمعة من عيني "عطر" بأختناق كأنها لم تتحمل البقاء هنا دونه فقالت "حِنة":-
-كان لازمته أي الفراق ما دام تعبك أوى كدة

لم تُجيبها "عطر"، بل دلفت إلى الغرفة وحدها وجلست على الفراش بحزن خيم على قلبها دون أن تتجول فى الشقة وكأن روحها لا تقوي على فعل شيء، ظلت على الفراش حزينة ومسكت هاتفها ثم فتحت صندوق المرسلات بينهما ولم تقوى على كتابة رسالة له فألقت بالهاتف على الفراش وهكذا جسدها وبدأت نوبة البكاء فى هدوء و"حِنة" تستمع لبكاءها من الخارج ولا تعلم لما قررت هذه الفراق ما دامت أصبحت تكن له المشاعر الآن ويحتل قلبها .....
بدأت تتأقلم على حياتها بدونه فى شقتها الجديدة وعادت لجامعتها بعد أن خسرت سنة جديدة بسبب مرضها الذي أخرها عن الامتحانات ...

_________________________ 

جلس "عيسي" على الفراش بغرفته ويمرر يديه على الفراش بلطف مُشتاقًا لها ولوجهها ورائحتها، لا يصدق بأنه لم يستطيع ضمها سوى ليلة واحدة وفارقته بعدها، أشتاق لعناقها وعبيرها وضحكتها، فتح هاتفه على صورة الانستجرام الخاصة بها وظل ينظر إليها بأشتياق واليوم شاركت صورة جديدة لها وهى تحمل كوب نسكافيه ورقي داخل الجامعة وبين يديها كتبها وترتدي نظارة نظر دائرية جميلة، كانت مُنهكة فى الصورة وكتبت على الصورة (أول امتحان ميد ترم ) لم يصدق أن اليوم بدأت امتحاناتها، صُدم عندما وجد شاب كتب لها تعليقًا على صورتها بدعوة مما أفزعه واشتعلت نيران الغيرة بداخله مما جعله يغادر الغرفة كالثور الهائج ...

_____________________ 

خرجت "عطر" من غرفتها تحمل كوب من الكاكاو الساخنة فسألتها "حِنة" بدهشة:-
-أنتِ مش هتروحي المراجعة 

أجابتها "عطر" بتعب وخمول فى جسدها قائلة:-
-لا ، جسمي تاعبني شوية هذاكر هنا 

أومأت إليها "حِنة" بنعم وهى جالسة على السفرة تقطع البطاطس شرائح، شعرت "عطر" بدوران فى رأسها وأهتز جسدها على سهو ليسقط منها الكوب أرضًا مما جعل "حِنة" تفزع من مكانها وقالت بلهفة:-
-حصل أي؟

مسكت "عطر" رأسها بألم وقالت:-
-دوخت شوية، أنا هنضفها 

أخذتها "حِنة" من يدها بقلق وقالت:-
-أنا هنضف، طمنني عليكي بس أنتِ كويسة

أومأت إليها بنعم وجلست على الأريكة لتنظف "حِنة" الأرضية وألتفت لترى "عطر" غاصت فى نومها على الأريكة فتركتها محلها ووضعت غطاء عليها ربما حصلت على حمي بسبب تغير الجو وقدوم الشتاء وأعدت الغداء لأاجلهما وصنعت حساء دافئ لها، جهزت السفرة وأقتربت تقظ "عطر" برفق وقالت:-
-عطر، يا توتا يلا أصحي عشان تأكلي

فتحت "عطر" عينيها بتعب شديد وخمول فى جسدها وقالت:-
-كُلي أنتِ يا حِنة

أوقفتها "حِنة" بالقوة رغمًا عنها وأخذتها للمرحاض تغسل وجهها، جاءت "عطر" للسفرة وهى تنظر إلى ساعة الحائط قائلة:-
-يا أنا نمت كل دا 

نظرت "حِنة" إلى الحائط وكانت الساعة الرابعة عصرًا فتبسمت بخفوت وقالت :-
-أقعدي كُلي عشان أعملك كوباية ينسون

جلست "عطر" على مقعدها جوار "حِنة" وأخذت الملعقة لكن سرعان ما تركت الملعقة ووضعت يدها على فمها بأشئمزاز من رائحة الطعام فنظرت "حِنة" لها وقالت:-
-مالك...

لم تكمل كلمتها حين هرعت "عطر" إلى المرحاض تستفرغ ما فى معدتها فدُهشت "حِنة" من تصرفاتها وبدأت تشك فى الأمر، خرجت "عطر" من المرحاض تلتقط أنفاسها بصعوبة ووجهها شاحبًا فقالت "حِنة":-
-تعالي أقعدي، بقيتي أحسن دلوقت 

أتكأت "عطر" برأسها على الأريكة بتعب فتابعت "حِنة" بقلق:-
-لا كدة كتير قومي ننزل نحلل

دُهشت "عطر" من كلمتها وقالت بفضول وتساؤل:-
-نحلل ليه؟

أجابتها "حِنة" وهى تقف من مكانها:-
-عشان اللى عندك دى أعراض حمل يا عطر ... قومي

وقفت "عطر" بدهشة من كلمتها وأتسعت عينيها على مصراعيها وهى لا تستوعب الأمر وكلمة الحمل، رغم دهشتها لكنها لم تعارض قرار "حِنة" بل تحمست للنزول وعقلها يسأل هل تحمل بداخلها جزءًا من هذا الرجل الذي سكن قلبها وفارقته رغم العشق، ذهبت لأقرب معمل تحاليل من الشقة وأجرت تحليل دم وجلست تنتظر مع "حِنة" تضع يدها على بطنها بقلق وتفكر ماذا ستفعل إذا كان بداخلها طفلًا منه؟ وماذا إذا تحمست ولم تكن حامل؟ خرجت الموظفة تقطع تساؤلات وتقطع شكوكها باليقين حين تبسمت وقالت:-
-مبروك 

لأم تشعر بأي شيء أخر ولا حتى بعناق "حِنة" لها، بل ذهب عقلها فى غيبوبة من هول الدهشة ولا تصدق بأنها تحمل طفله الآن بداخلها وكأن القدر عقد رباطًا بينهما حتى تلغي قرار الانفصال عنه بهذا الطفل، عادت للشقة وما زالت لا تستوعب الأمر وفكرت كثيرًا كيف تخبره؟ أم تخفي الأمر عنه؟ هزت رأسها بالنفى تهرب من أفكارها وجلست على مكتبها فى الغرفة وفتحت الكتاب هاربة من أفكارها بالمذاكرة، دلفت "حِنة" إليها تقول:-
-أنا هنزل أشتري حاجات وقولتلك متقعديش على الكرسي كدة، قومي أرتاحي فى السرير

أومأت إليها بنعم فغادرت "حِنة"، فتحت الكتاب وعقلها لم يقبل بهذا الهرب وظل يفكر فى جنينها وبسمتها رُسمت على شفتيها كأنها قبلت بهذا القدر وكونها عالقة معه، فتحت هاتفها على اسمه وحاولت الاتصال به لكنها صُدمت عندما سمعت صوت رنين هاتف امام غرفتها فوقفت من مكانها بالهاتف والكتاب فى يديها، فتحت الباب وصُدمت بوجوده أمامها، تأملها "عيسي" باشتياق ورغم ذبولها ونحافتها أكثر، وجهها شاحبًا، أقترب أكثر وهى ما زالت لا تستوعب وجوده حتى وصل أمامها تمامًا فرفعت يدها تلمس وجنته ففزعت حين أدركت أنه حقيقي فعلًا وهرعت للداخل ...
دخل "عيسي" خلفها فقالت:-
-أنت دخلت أزاى؟

-معايا مفتاح مش شجتي؟

تمتمت بدهشة من وجوده وقلبها على وشك الأنفجار للتو داخلها من سرعة نبضاته المجنونة لأجله قائلة:-
-أزاى دى شقتي أنت سجلتها باسمي مينفعش تدخل كدة

أقترب أكثر منها وهى ترمقه بنظرها فى صمت فتراجعت للخلف حتى وصلت للحائط وتراه يقترب منها فتنحنحت بحرج من قربه حتى حصرها فى الحائط ونظراته تلتهمها ويتأملها وهى تقف أمامه مُرتدية عباءة بيتي قصيرة تصل لركبتها وبنصف كم زرقاء تليق بعينيها الزرقاء، خجلت من نظراته وتوردت وجنتيها فتمتمت بخفوت وصوت يكاد يخرج من حنجرتها وأنفاسه الدافئة تضرب وجهها وعنقها من قربه قائلة:-
-عيسي!! 

لم يتمالك أعصابه أكثر أمام جمالها ونبرتها الدافئة المُثيرة وهى تلفظ أسمه فأقترب أكثر حتى التصق صدره الصلب القوية بجسدها وشعر برجفتها، عينيه لم تقطع عناق عينيها الزرقاء الساحرة ويده اليمنى ما زالت تحتضن خصرها النحيل باستماتة متشبثٍ بها، رفع يده اليسري إلى جبينها الملتهب من حرارة المرتفعة بسبب ربكتها وهى بين ذراعي هذا الأسد، أبعد خصلات شعرها الحرير حتى تركها أسيرة خلف أذنيها فقال بهمس دافئ:-
-أتوحشتك يا عطري 
أبتلعت لعابها مُرتبكة وهذا الرجل كأنه أعلن الحرب عليها حتى يفقدها كل قواها وصمودها أمام بدءًا بمحاصرتها بين قبضتيه وشعورها بضربات قلبه المتسارعة والآن كلمته الناعمة المذيبة لجليد قلبها وأشعال نيران الشوق بها فهى الأخري مشتاقة لها حد الجنون فقالت بتلعثم مُرتبكة:-
-عيسي أنا... هو أنت... أحم أنت جاي لحد القاهرة... عشان تقولى أتوحشتك 
ترك أسر خصرها وأخذ يدهافى كفه البارد ورفعها إلى فمه ووضع قبلة على أناملها الصغيرة أذبت كل جمودها وسرقت كل صمودها أمامه من رقة قبلته ثم قال بخفوت:-
-وأجيلك أخر العالم يا عطري لو تحبي، أنا جلبي ميت بلاكي 
لم تتحمل مقاومته أكثر فسقط الكتاب من يدها الأخري أرضًا وأرتمت بين ذراعيه لتبدأ هي بأطفاء هذه النيران المُشتعلة بداخلهما بعناقها، طوقها بقوة حتى تخمد نيران الشوق بداخله لأجلها، معوضًا ليالى الفراق بينهما ليخرجها من بين ضلوعه ورفع رأسها للأعلى لتتقابل عيونهما من جديد وهمس نبرة لم يسمعها سواها:-
-بحبك يا عطري، بحبك جوي 
أجابته بنفس دفء النبرة ويديها مُتشبثة بعباءته قائلة:-
-وأنا بحبك يا عيسي... بحبك ومكنتش أعرف أني....... 
قاطعها هذه المرة بقبلته التى أعلنت الانتصار على حرب الفراق الدائمة بينهما ووصل الوصال المقطوع بين قلوبهما وروحهما.......... 

______________________ 

تابع "حامد" التحقيقات كاملة لمدة الشهر ونصف مع المحامي وحدد موعد المحاكمة فجلس "حامد" مع "ناجي" بمكر وقال:-
-أظن أنى عملت اللى عليا والمحامي حضر التحجيجات كلتها وطمنك أن فى المحكمة هيطلع نصر براءة وخالد هكذا 

أومأ "ناجي" بنعم وقال بإمتنان:-
-أنا معارفش أشكرك أزاى وأنا لسه عند كلامي، أنا مستعدة أعمل أى حد عشان اردلك الجميل

تبسم "حامد" بخبث شيطاني وقال بنبرة تهديد واضح:-
-جميل أي؟ أسمع يا ناجي أنا راجل عملي ومبعملش حاجة لله ولا للجمايل ، كل حاجة عندي وليها تمن وتمن اللى عملته خديجة

أتسعت أعين "ناجي" على مصراعيها بصدمة ألجمته فى محله ولم يستوعب الكلمة الأخيرة وذكر اسم ابنته من هذا الرجل فقال بتلعثم وهو لا يفهم ما يرمي له هذا الرجل:-
-خديجة!! مش فاهم 

وضع "حامد" قدم على الأخري بغرور قاتل وقال:-
-تجوزني خديجة بكرة ، تاني يوم الصبح تلاجي المحامي فى المحكمة ويجيبلك البراءة 

كاد "ناجي" ان يتحدث معترضًا :-
-بس...

قاطعه "حامد" بنبرة غليظة وتهديد واضح مُتحدثًا:-
-بس اي؟ أنت هتضحي ببنتك مجابل ولادك الرجالة، فكر زين يا ناجي بنتك جصاد عيالك التينن الرجالة 

أبتلع "ناجي" لعابه بصمت لا يملك جواب وهو امام خيارن أم أن يضحي بابنته أو بأولاده "خالد" و"نصر" وقد فهم الآن لما غير "حامد" رأيه حين رأي "خديجة" بصحبته وهذا الرجل الماكر قد حدد ثمن المساعدة قبل أن يفعل شيء وهو الجاهل الذي تلاعب به كدمية وعليه أن ينفذ الآن أمر صاحبه الذي يملك خيوط الدمية فى يده.......


كبرياء صعيدي
الفصل الرابـــع عشر (14) بعنــــــــــوان " ألعيب القـــدر"

جهزت "حِنة" الإفطار على السفرة فى العاشرة صباحًا ونظرت نحو المرآة المعلقة على الحائط وكانت "عطر" تصفف شعرها المبلل فقالت بعفوية:-
-أدخلى يا عطر صحي عيسي عشان يفطر 

أومأت "عطر" لها وأتجهت نحو الغرفة وكانت مُرتدية بيجامة بيتى بنصف كم بيضاء وبيها الكثير من الكرز، فتحت باب غرفتها برفق والضوء ثم أقتربت إلى الفراش وجلست جواره بخفوت، تأملت وجهه وكان نائمًا يحتضن الوسادة بذراعيه وشعره الطويل فوضوي مررت أصابعها على شعرها لتغلغل أصابعها بين خصلات شعرها لتتذكر "عطر" جنينها فوضعت يدها الأخري على بطنها ببسمة مُبهجة تنير وجهها وقالت بلطف:-
-الله يكون شبهك كدة 

ربتت على كتفه بخفة وقالت برقة خافتة:-
-عيسي، عيسي أصحي

فتح عينيه بتعب على صوتها وفور رؤيتها تبسم بشغف وهو يتذكر أيامه الماضية دونها وكم كان مُشتاقًا لهذه اللحظة حين تفتح عينيه ويراها أمامه أول شيء، رائحتها الوردي بسبب استحمامها تغتصب أنفه ضحكت عطر" على نظراته وقالت:-
-مالك يا عيسي متنح ليا كدة ليه؟ أقوم أفطر

أخذ يدها بلطف قبل أن تغادر الفراش وشعر ببرودتها ثم قال بنبرة دافئة:-
-خليكي يا عطر جاري، خليكي جاري شوية 

ضحكت عليه وظلت محلها تنظر إليه بسعادة وأفكارها الآن مُشتتة فى كيفية أخباره بحملها وكيف سيكون رد فعله عندما يعلم أنه سيكون أب؟، فاقت من شرودها عندما شعرت بقبلته فى قلب كفها فسألته بفضول من هذا الدفء والحنان الذي تشعر به معه:-
-انت بتحبني قد أي يا عيسي؟

أعتدل فى جلسته على الفراش جوارها وتطلع بها، ما زالت يده تعانق يدها ولم تترك أسرها بعدها وحدق مُطولًا بها ثم قال بلطف:-
-جد أى؟ معرفش 

عقدت حاجبيها بدهشة من رده وسحبت يدها غاضبة من هذا الرد فكان عليه أن يجيب برد عاطفي أو بسمة فقالت:-
-عنك ما عرفت 

ألتفت لكي تذهب لكنه مسكها من جديد من ذراعها وقال بحب:-
-أستني بس، ميبجاش خلجك ضيجك اكدة ، أنا بجد معرفش بحبك جد أي، بس أعرف أنك الست الوحيدة اللى غلبت كبريائي وبسببها جيت جري فى نص الليل من الغيرة، أعرف أنك أجمل ست شافتها عيني وخطفت جلبي من أول مرة، أستغربت جلبي جوى لما وقع فى حب بنت غرجانة فى البكى .. أنا أعرف أن الرجالة بتعشج البنت من ضحكتها وخفة دمها أنا بجي لاجيتني بدوب فى بنت بتبكي بحرجة ونار مخابرش كيف؟ أعرف أنك الست الوحيدة اللى هزت كياني وهدوئي، أنا دايما بسمع وعندي طولة بال وبفكر جبل ما أعمل الحاجة لكن معاكي يا عطر أنا معنديش عجل يفكر .. جلبي هو اللى بيحركني وسايجني معاكي، أعرف أنى كنت هموت لما لاجيتي فى غيبوبة وكنت مرعوب يجرالك حاجة

تبسمت مع سماع كلماته وظلت ساكنة محلها جواره، مُستمعة لهذا الحديث فقالت  بدلال:-
-كل دا 

جذبها إليه لتنتقل من أمامه إلى بجانبه ووضع رأسه على كتفها فتبسمت بعفوية أكثر ليتابع الحديث:-
-إحساس أن فى حد جارك ويشاركك كل حاجة جميل أوى يا عطر

تبسمت إليه ثم قالت بلطف:-
- طيب يلا بقي عشان الفطار حِنة مستنية وأنا عندي جامعة 

أومأ إليها بنعم فخرجت هى أولًا وقفت أمام السفرة تأكل القليل من شرائح الطماطم، نظرت "حِنة" إلى الرواق بقلق ثم همست إليها :-
-قولتله

ألتفت "عطر" سريعًا إلى الرواق بقلق ان يسمعها "عيسي" وقالت بخفوت:-
-لا، لسه.. مكسوفة أقوله ومتوترة معرفش رد فعل هيكون أي

تبسمت "حِنة" بلطف شديد وربتت على يدها تطمئن هذه الفتاة من حملها الأول وتجربتها الأولي ثم قالت:-
-متقلقيش يا عطر، أى راجل فى الدنيا بيطير من الفرحة لما بيعرف أن مراته حامل، دا بيكون يوم سعده قوليله أنتِ بس ومتخافيش وبعدين عايزين نروح للدكتور نطمن عليه ولا مش عاوزة أنتِ بقي تطمني على ابنك

زادت بسمتها أشراقًا أكثر ولمست بطنها بخفة وهذا الشعور الذي يتملكها مختلف كليًا عن أى شعور شعرت به من قبل، هزت رأسها بنعم وهى تقول بحماس:-
-حاضر .. حاضر هقوله 

خرج "عيسي" من الداخل فجلست "عطر" على الكرسي بتعجل وجلس جوارها يتناولوا الإفطار معًا وعقلها شاردًا يفكر كيف ستخبره؟ وبأى طريقة ستقدم له هذا الخبر؟ قاطعها "حِنة" حين ركلت قدمها من أسفل السفرة خلسًا حتى لا ينتبه "عيسي" لها فنظرت إليها وتابعت تناول الطعام، جهزت "عطر" ملابسها على الفراش لكي تستعد للذهاب إلى الجامعة لكن قلبها كان مُشتاقًا لهذا الرجل ولا تقوى على الذهاب إلى الجامعة وتركه هنا وحده وتغيب عنه لساعات، جلست على الفراش وراسلت صديقتها برسالة (أنا تعبانة مش هقدر أجي النهاردة صوري ليا المراجعة متنسيش) تركت الهاتف على الفراش بملل وخرجت إلى الخارج رأته يقف فى المطبخ ويصنع كوب من القهوة ويمسك الهاتف بكتفه على أذنه ويتحدث مع "مصطفي" قائلًا:-
-أعرف الرجم دا بتاع مين؟ ولو حجيجي أن فى حد غير خالد اللى عملها ليه رؤية جالت أنه عمل أكدة، جول لمنصور إياك رؤية تطلع من الدار لحد ما اجي ومتغبش عن نظركم ما دام كذبت يبجي وراها مصيبة 

أخذت "عطر" الكوب من يده ليمسك الهاتف بيده جيدًا، نظر إليه بعفوية وهى تقف جواره وتصنع له كوب النسكافية باللبن ورفعت الغطاء عن الطاجن ووضعت قطع من الكيك وبعض المخبوزات فى طبق وعينيه لا تفارقها حتى أنه شرد بها ولم يستمع لحديث "مصطفي" الذي رفع نبرته أكثر بسبب عدم جواب "عيسي" ليقول بحرج:-
-خلاص يا مصطفي كيف ما جولتلك؟ أنا شوية أكدة وهكلمك تاني 

أغلق الهاتف معه ووضعه فى جيب بنطلونه وقال بعفوية:-
-أصبلك نسكافيه ويايا 

هزت رأسها بلا وفتحت الثلاجة وأخرجت العصير لتسكب كأس لها، تعجب "عيسي" لتفضيلاتها لطالما فضلت القهوة والمشروبات الساخنة ، أخذ من يدها الصينية وخرجوا للتراس معًا وكان به أريكة أرجوحية من المعدن وبها وسادة قطنية وطاولة دائرية فى المنتصف، وضع الصينية ثم أخذ يدها لتجلس جواره فجلست "عطر" بلطف وبسمة دافئة تنير وجهها ليقول:-
-مروحتيش الجامعة لي بجي

خجلت "عطر" من سؤاله وكيف تخبره أنها فضلت البقاء معه عن الذهاب إلى جامعتها، طأطأت رأسها مُتحاشية النظر إليه ، رفع رأسها بسبابته بدلال وتأمل وجهها الوردي بسبب خجلها وعينيها الزرقاء اللامعة ببريق العشق والشوق فقال:-
-تحبي أخرجك ، أنا خابر أن فترة الإمتحانات بتكون ضغط وتوتر، تيجي اخرجك شوية 

أومأت إليه بحماس شديد ليضحك على سعادتها مما جعلها تقفز فرحًا وهى لاول مرة ستخرج فى جولة معه، كانت متحمسة أكثر منه بكثير وتطو الأرض طيًا من فرحتها كأنها تصبو نحو نهاية العالم، أرتدت تنورة سوداء اللون فضفاضة وقميص نسائي أبيض اللون وسترة جلدية زرقاء وحذاء رياضي أبيض ولفت خمارها الأبيض مع الورود السوداء والزرقاء وأخذت حقيبة صغيرة بحجم كف يدها تكفي لهاتفها فقط وأرتدي "عيسي" عباءته السوداء وقفطان جملي اللون صفف شعره الأسود للأعلي، أخذها لأحد المراكز التجارية الموجودة فى أكتوبر، بسمتها لم تفارق وجهها ربما البعض نظروا على ملابسه المختلفة عن الجميع لكن "عطر" كانت قد بلغت قمة سعادتها وهى تمسك يده وتسبقه بخطوة كطفلة تسحب والدها لأكتشاف هذا المكان بكل أرجاءه، أشتري لها الكثير من حلوي الكاندي والمقرمشات فحملتهما "عطر" بسعادة كأنه أدرك طريقة سرقة قلبها بلطفه ، فتحت هاتفها لكي تلتقط الكثير من الصور معه وكأنها توثق كل لحظة بهذا اليوم، ركبت معه القطار وبدأت جولتهما السريعة داخل المكان و"عيسي" عينيه لا ترفع عنها وبسمتها تسرق ما تبقي من قلبه وكيانه، نظر إلى يدها المُتشابكة بيده دون خجل أو حرج، أشتري بالونات مختلفة الأشكال لها كالدمية والقلب والعرائس وملأ بغاز الهيليوم...

_____________________________ 

وقفت "خديجة" من مكانها بصدمة ألجمتها وصرخت بوالدها غاضبة:-
-أتجوز مين ؟ دا راجل قد أبويا، أنت مشوفتوش ولا أي، هتجوزني راجل أكبر مني ب35 سنة دا أنا عمري كله 24 سنة ... حرام عليك يا أبويا، أنت كدة بترميني لا بترمينى أي أنت كدة بتجتلني بالحيى

وقفت والدتها من مكانها بإشفاق على ابنتها وربتت على كتفها قائلة:-
-معلش يا بتى عشان خاطر أخوكي 

أنفعلت "خديجة" أكثر من حديثها وقالت باستياء شديد:-
-ما يولعوا أخواتي مش هم اللى عملوا أكدة فى حالهم، وأنا كنت جولت لخالد يسرج ولا لنصر يجتل أنا مالى ما يدفعوا هم ثمن غلطهم أنا ليه أدفعه 

تأففت "خضرة" بضيق وهى تعلم بأن "عيسي" أختلق هذه الجرائم لتخلص من أولادها وفى حقيقة الأمر هي من أمرت بقتله وليس "نصر" فقالت بحزن:-
-أسمعي الكلام أمال يا خديجة وجصري الشر يا بتى، لأجل أخواتك

دمعت عيني "خديجة" بحزن من رؤيتها لأهلها يضحوا بها لأجل رجالهم فقالت:-
-أخواتي أول ناس هيدوسوا عليا لو جتهم الفرصة ، أنتوا بترموني عشان بت لكن هم لا رجالة متفرطوش فيهم ، أنا عمري ما هسامحكم والجوازة دى مش هتم حتى لو على موتي

غادرت من أمامهم حزينة وتجهش فى البكاء من الخذلان الذي تشعر به من والديها، أستدارت "خضرة" إلى زوجها وقالت بحيرة:-
-هتعمل أي؟

تنحنح "ناجي" بضيق بعد أن وقف وقال بحدة:-
-هعمل اي، هجوزها له أنا معنديش حل حتى لو غصب عنها 

غادر المنزل غاضبًا والضيق يحتل صدره مُعتقدًا أنه يفعل الصواب رغمًا عن تضحية بطفلته .....

__________________________ 

أنهت "عطر" تناول الغداء فى المطعم ليقول "عيسي" بقل:-
-كُلي يا عطر، مالك؟

تبسمت بعفوية وهى لا تقوي على تناول لقمة أخري ثم قالت:-
-شبعت ي عيسي ، أنت جبتلي حاجات كتير أوى 

تبسم وهو يقترب من الطاولة بنصفه العلوي وقال بهمس:-
-ولو طلبتي أكتر هجبلك، لو عايزة حتة من السماء هجبلك يا عطر 

نظرت إلى عينيه الفاضحة، لم تكتم هذه العيون عشقه لوهلة واحدة، كلما نظرت إليه رأت عشقه واشتياقه فى هذا الزوج من العيون قبل أن تسمع عن عشقه من لسانه، تبسمت "عطر" إليه ورفعت يدها فوق الطاولة فنظر "عيسي" إلي يدها لتبتسم أكبر بإيجابية فوضع يده فى راحتها فضحكت "عطر" بسعادة وقالت بحب:-
-أنت جميل أوي يا عيسي، يمكن أنا كنت غلط لما قررت أسيبك وأمشي وطلبت الطلاق 

عاد بظهره للخلف وحاول سحب يده من يدها لكنه أغلقت قبضتها بأحكام وتابعت الحديث بعفوية:-
-أنا آسفة، والله ما كنت أعرف أني بحبك ولا أنك هتوحشني ، لما قعدت مع نفسي الفترة اللى فاتت عرفت أنى وحشة أوى يا عيسي أزاى أسيبك وأمشي بعد ما وقفت جنبي وأستحملتني فى مرضي وأتجوزتني وأنا عاجزة وقاعدة على كرسي ويا عالم كنت همشي تاني ولا لا، أنت شلتني فى وقت محدش شالني فيه، عززتني وقت ما نصر وأهله كانوا بيدوسوا عليا ، كنت راجلي فى وقت أبويا نفسه مكنش راجل معايا، معقول أكون قليلة الأصل كدة وأسيبك ، أنا آسفة سامحنى وأغفرلى اول غلطة وأخر غلطة والله 

تنهد بهدوء ثم سحب يده من يدها ووقف ليغادر المكان مما جعلها تحزن وتحول وجهها الباسم إلى عبوس، عاد معها للمنزل صامتًا طيلة الوقت وهى تفكر فى هذا الصمت الذي يقتلها، قابلتها "حِنة" على الدرج فسألتها بقلق:-
-رايحة فين؟

-هروح مشوار لجارنا متقلقيش
قالتها "حِنة" وغادرت مع جارة أخر لهما،صعدت للشقة معه وهو ما زال صامتًا بل أتجه للغرفة الأخري يبدل ملابسه، دلفت إلى غرفتها بدلت ملابسها وأرتدي بيجامة وردية بكم وخرجت بشعرها المسدول بحرية على ظهرها لتراه واقفًا فى الشرفة، وضعت يدها على بطنها ثم قالت:-
-وبعدين بقي، هو بابا هيفضل زعلان كدة 

أقتربت خطوة منه وربتت على ظهره ألتف إليها وكان وجهه مُلتهبًا كالجمر وعروق جبينه بارزة والغضب يحتل كل ملامحه حتى عينيه يتطاير منها الشر فأبتلعت لعابها بلطف وقالت بصوت دافئ:-
-عيسي أنا آسفة متزعلش منى

لم يجيب وظل يحدق بها بنظرات ازدراء وأشمئزاز مما جعلها تتعجب من هذه النظرات فتابعت بخفوت خائفة:-
-طب عشان خاطري... عيسي أنا ....

قاطعها بنبرة خشنة مُرعبة وعيني كالصقر:-
-أنتِ حامل مش أكدة؟

دُهشت من معرفته بحملها وغضبت كثيرًا من "حِنة" لأخباره دون علمها رغم أنها حذرتها من فعل ذلك، تحدثت "عطر" بضيق من معرفته وتخريب مفاجأتها:-
-اه، حنة قالتلك مع أني .......

قاطعها هذه المرة بصفعة قوية هزت جسدها من مكانه حين لطم وجهها، خرجت منها صرخة قوية من شدة صفعته وقبل أن تُصدم أو تفهم شيء مسكها من شعرها بقوة جاذبًا إياها إليه:-
-وحامل كيف؟ 

صرخت بألم وهى لا تستوعب ما يحدث قائلة:-
-يعنى أي كيف؟ هى الناس بتحمل أزاى؟

صفعها من جديد على وجنتها الأخري بعد أن ترك شعرها وقال بغضب سافر:-
-بتحمل من أجوازها لكن أنتِ بجي حامل من مين؟ 

أتسعت عينيها على مصراعيها من هول الصدمة وهو يقف أمامها يتهمها أبشع التهم ويطعن بشرفها وحملها، لم تستوعب كلماته وما يخرج من فمه لأجلها فقالت بتلعثم:-
-يعنى ... يعنى أيه ... يعنى أيه من مين؟ أنت واعي أنت بتقول أيه؟

أقترب منها خطوة لتعود للخلف بسرعة خائفة منه وجسدها يرتجف من الفزع ولم تبالي بألم صفعاته بقدر ألم قلبها وعقلها من كلماته وهذه الكلمات قد طعنت قلبها وأوجعتها أكثر من الصفع قالت بخوف يتملكها:-
-أطلع برا يا عيسي؟ أطلع برا بيتى ... لا دا مش بيتي أنا اللى هطلع 

هرعت إلى غرفتها أخضرت عباءتها السوداء وحجابها وهى تسير بأقدام ثقيلة وترتجف، أقترب منها يمنعها من الرحيل حين مسك يدها وقال:-
-أنتِ فاكراها سايبة أكدة، تخونيني وتحملي من راجل غيري وأنتِ على ذمتي وفاكراها هتعدي أكدة بالساهل

صرخت به بأنفعال شديد وقد تحملت الكثير منه قائلة:-
-أخرس قطع لسانك أنت وكل عيلتك أنا أشرف منك ومن عشرة زيك، فوق يا عيسي بيه وشوف أنت بتكلم مين أنا عطر .. عارف يعنى أي عطر ، ملعون أبو دي دنيا اللى دوس عليا وتوجعني كدة عشان ماليش ضهر ، حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا عيسي وفى كل واحد ظلمني حتى لو بكلمة أنا وكيلي وضهري ربنا 

صفعها من جديد ونار تحرق قلبه من الداخل مما جعلها تصرخ بألم وتنتفض فى يده لتدفعه بقوة بعيدًا عنها وخرجت من الشقة هاربة منه وتبكي بألم شديد مُرتجفة حتى فلتت قدميها من الأرتجاف وسقطت عن الدرج ........

تعليقات



<>