أخر الاخبار

رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ندي محمود توفيق

    

 رواية وبالعشق اهتدى من ميثاق الحرب والغفران الجزء الثاني 

الفصل الرابع والعشرون 24 

بقلم ندي محمود توفيق



ثم سار بها لخارج الغرفة وعندما مروا من جانب جليلة صاحت على أمها المبتسمة لتنقذها وهي تترجاها:

_ياما الحقيني

اتسعت ابتسامة جليلة أكثر لدرجة أن آسيا ظنت أمها تشمت فيها فجحظت عيناها بدهشة وراحت تنظر لعمران وتصرخ به بغضب وهو يسير بها وينزل الدرج:

_نزلني ياعمران

رمقها بنظرة مميتة وتحذيرية ثم همس بصوت منخفض ولكنه مرعب: 

_أنا مش قولتلك وطي حسك الناس نايمة في البيت

انكمشت بين يديه خوفًا من نظراته ونبرته المهيبة فالتزمت الصمت رغمًا عنها وهش تشتعل من الغيظ، ارتخت عضلاتها المتشنجة واعلنت استسلامها المؤقت وبقت تنتظر أن يخرج بها من المنزل، وعندما وقف أمام سيارته انزلها على الأرض وفتح الباب ثم أشار لها بعينه على المقعد ووجه لها الأمر بحزم:

_اركبي يلا

نظرت له مطولًا في تردد ورفض يلوح في نظراتها بوضوح فقابلها هو بنظراته الصارمة وهو يعيد عليها أمره ثانية:

_اركبي يا آسيا يلا بدل ما اركبك بنفسي كيف ما نزلتك من اوضتك

أصدرت تأففًا قوي في نفاذ صبر ثم استقلت بالمقعد فأغلق الباب وسمعها تهتف من الداخل مغتاظة:

_ولدي فين ولا ناوي تاخدني من غيره! 

انحنى عليها واطل برأسه من نافذة المقعد ليهمس لها مبتسمًا ببرود استفزها:

_اسمه ولدنا.. وأمك نازلة بيه دلوك هتاخديه في حضنك وهتناموا الليلة دي انتوا الاتنين في حضني

مال ثغرها للجانب في ابتسامة كنت شبه ساخرة رغم شعورها بالرضا الداخلي إلا أنها أبت إظهاره له وابتسمت بسخرية تقول له:

_تبقى بتحلم يامعلم

ابتسم عمران لها وقال بثقة تامة:

_وماله نخلي الحلم حقيقة 

مالت بوجهها للجانب الآخر وهي تبتسم مغلوبة بينما هو فانتصب واقفًا وكان في طريقه للداخل ليجلب طفله لكن جليلة خرجت وهي تحمل بين ذراعيها ثم اتجهت نحو ابنتها بعدما عمران لها الباب ووضعت حفيدها بين ذراعين أمها التي نظرت لها مغتاظة وقالت معاتبة:

_اتفقتي مع ولد الصاوي على بتك ياما!!! 

التفتت جليلة لعمران الذي رفع حاجبه مستنكرًا نعتها له بـ ( ابن الصاوي ) وكأنه رجل غريب عنها ولا تريده ولا تحبه بينما جليلة فابتسمت وردت على ابنتها بذكاء:

_وهو مش ولد الصاوي ده چوزك وأبو ولدك اللي أنتي رفضتي  ترچعلينا وصممتي أنك هتفضلي چاره

رمقت آسيا عمران بطرف عينها وقد رأت البسمة والانتشاء على تعبيراته من رد جليلة الذي ارضى غروره، فقررت آسيا أن تكيده وقالت باستهزاء متصنعة الندم:

_كان طيش شباب عاد ياما 

وبالفعل رأت تعبيراته تتبدل وينظر لها بغيظ متوعدًا فتحول الانتشاء والتلذذ لصدرها هي، بينما جليلة فانحنت على أذن آسيا وهمست لها بخبث ومكر أنثوي:

_متهمليش چوزك يابت وتخلي إخلاص تنول مرادها، بالعند فيها أفضلي چاره وطالما هو رايدك وبيحبك ملكيش صالح بيها الحرباية دي، كيديها كيف ما كانت بتكيدك

ابتسمت آسيا ابتسامة شيطانية على نصيحة أمها ونظرت لعمران الذي كان يراقبهم بنظراته المستفهمة لأنه لا يسمع ما يتهامسون به سرًا عنه، ثم انتصبت جليلة في وقفتها بقوة ونظرت لعمران تقول فيجدية: 

_يلا ياولد الصاوي خد مرتك وولدك وروحوا على بيتكم وخد بالك منها

ابتسم لها عمران بامتنان على وقوفها بصفه هذه الليلة ورد عليها بأدب:

_تصبحي على خير ياحچة

ثم تحرك والتفت حول السيارة ليستقل بها وردت إخلاص بصوت منخفض وهي تراهم ينطلقون بها في طريقهم إلى منزلهم:

_وأنتوا من أهل الخير

داخل السيارة كانت آسيا تضم صغيرها بين ذراعيه وتنظر لعمران مغتاظة أنه اخذها عنوة بل خطفها حرفيًا من قلب غرفتها، خرج صوتها المحتقن:

_أنتي لا أخدت ليا هدوم ولا لولدك ولا في أي حاچة معانا هنقعد من غير هدوم عاد ولا إيه

كان يدرك محاولاتها لاافتعال مشكلة بينهم فكان يقابل ثورانها ببروده وهو يبتسم ويرد:

_لا ياغزال بكرا الصبح هاچي بيت أبوكي واخد هدومك وشنطك أنتي وسليم، يعني معلش مشي نفسي الليلة دي بأي حاچة أو نامي باللي لبساه ده ولو على الواد هشتريله البامبرز والأكل والحاچة اللي محتاچها ولغاية الصبح ربنا يحلها

تريد أن تضع له عقدة في كل شيء أي شيء حيث قالت ببرود مماثل له:

_لا أنا مبعرفش أنام بالهدوم دي بليل لازم البس هدوم مريحة وأنت عارف إكده لكن أنت مش هامك غير روحك طبعًا مش بتفكر فيا

تظن انها ستسفزه وتغضبه هكذا ولكن العكس تمامًا كان يستمتع ويتلذذ بنواحها وشكوتها حيث رد عليه بجرأة لم تكن تتوقعها:

_وماله أنتي عاملة مشكلة إكده ليه ياغزالة، اقلعيها ونامي براحتك

اتسعت عيناها بدهشة وخجل شديد من تلمحيه الوقح والصريح فراحت توبخه مغتاظة:

_انا غلطانة أني بتكلم معاك، معرفش إيه اللي يخليني اتكلم مع راچل أنا متخانقة معاه وهو واخدني وخاطفني من بيت أبوي، وفوق ده كله قليل الأدب

نظر لها بطرف عينه وفد بدا وكأنه على وشك الانزعاج أخيرًا منها فقال مبتسمة بنظرة منذرة:

_طاب بزيادة عاد بدل ما اوريكي قلة الأدب على حق لما نوصل، اقفلي خشمك وخليكي هادية يابت الناس لغاية ما نوصل بالسلامة، ربنا يهديكي ياغالية

لوت فمها في نفاذ صبر والتزمت الصمت كما أمرها مرغمة ثم انزلت رأسها لطفلها تتأمله وهي تبتسم له بحنو أمومي...

                                    ***

 داخل الفندق الذي تبقى فيه خلود......

اتسعت عيناها بذهول ورأت على معالم وجه مروان نظرات مرعبة وابتسامة مغتاظة تزين ثغره فخافت منه أكثر وبسرعة راحت تهم بغلق الباب ثانية حتى لا يكون له فرصة في الدخول لكنه وضع قدمه بين الباب وأحال دون إغلاقه يقول لها مبتسمًا في غيظ:

_هي وصلت لدرجة تقفلي الباب في وشي!! 

هتفت خلود في خوف حقيقي منه وغضب وهي تنظر من طرف الباب:

_مروان امشي من غير مشاكل أبوس يدك 

اعتدل في وقفته وانتصب وقد ظهر على وجهه السخط الحقيقي الذي قد يكون مخيفًا حقًا وقال لها رغم غضبه بنبرة مهذبة وهادئة:

_مشاكل إيه ياخلود إيه اللي بتقوليه ده!!.. ممكن تفتحي الباب وتخليني ادخل ونتكلم ولا ادخل بالغصب

أحست أنه لا مجال من الهرب منه الليلة حقًا فاستسلمت وفتحت الباب كله لتسمح له بالداخل، وفور دخوله اغلق الباب ورمقها باستياء شديد ثم أشار لها بكفه تجاه الداخل تحديدًا الي الفراش المكان الوحيد في الغرفة الذي يمكنها الجلوس عليه، فسارت مغلوبة على أمرها تجاه الفراش وجلست على طرفه ثم وجدته يتقدم نحوها ليقف أمامها وينظر لها كالصقر وهي تحاول تفادي نظراته خوفًا منها دون أن تتفوه بكلمة واحدة لكنه هتف بعصبية بسيطة:

_ساكتة ليه اتكلمي يلا، أنا سامعك ومستني منك تفسير لكل اللي عملتيه ومازالتي بتعمليه ده

عندما كانت تفكر في لقائهم كانت قد جهزت في عقلها حديث وكلام ستقوله وتوبيخ عنيف ستلقيه عليه، لكن فجأة كل هذا تبعثر وانقعد لسانها وكأنها لا تجيد الكلام حتى للرد عليه فهتف ثانية وقد ارتفعت نبرته وصوته الرجولي أصبح غليظًا أكثر:

_خلود ردي عليا أنا بسألك؟!! 

رفعت رأسها له ورمقته مطولًا بتفكير، للحظة عاد عقلها برأسها وراحت تتساءل كيف لرجل أظنه خان ثقتي فيه ويكن لي السوء أن يقف أمامي بكل هذه الثقة والغضب وهو ينتظر مني تفسير على تصرفاتي الهوجاء، ترى هل ظلمته؟.

وقد كان ذلك آخر سؤال تطرحه على نفسها قبل أن تجيبه بغضب فرغم شعورها بأنه ربنا قد تكون ظلمته لكن شيطانها لا يزال يسيطر عليها:

_أنا اللي المفروض أسألك السؤال ده واستنى منك تفسير!! 

ضيق عينيه باستغراب وقال بوقار وثقة بنفسه بأنه لن يرتكب خطأ في حقها:

_تفسير لإيه بقى بظبط؟! 

جمعت خلود شجاعتها كلها وصاحت به بعصبية:

_أنت إيه علاقتك بسمير يامروان؟ 

غضن حاجبيه بتعجب وقال بعدم فهم، فهو لهذه الدرجة حتى لم يستوعب بعد من تقصد بسمير: 

_سمير!!! 

تابعت هي وهي تصب به كامل نقمها وسخطها منه:

_أنا وثقت فيك واديتك الأمان وأنت طعنتني في ضهري وخدعتني وطلعت متفق مع الخـ**** چوزي ده، الله اعلم كنتوا ناويلي على إيه أنت وهو 

انفعل من اتهماتها البشعة في حقه وهو حتى لا يفهم شيء مما تقوله فصاح بها لا إراديًا:

_أنتي بتتهميني بحاجة أنا مش فاهمها أصلًا، طعنتك وخدعتك إيه!!!.. بعدين أنا مالي ومال الـ***** جوزك ده ، هعمل معاه إيه.. وإيه ليا شغل معاه 

ابتسمت بسخرية وراحت تصرخ به مثلما فعل هو:

_أسأل روحك يابشمهندش إيه ليك شغل معاه، أنا شوفتك امبارح وأنت واقف معاه تحت العمارة وبتتكلموا وبعدين ركبتوا العربية 

تجمدت جسد مروان للحظة وهو يحاول استيعاب ما تقوله وربط الأمور والأحداث ببعضها البعض، ثم فغر شفتيه وعينيه بصدمة بعدما أدرك الحقيقة التي كان لا يراها طوال هذه الفترة، وأظلمت عينيه فجأة وتشجنت عضلات وجهه حتى أنه اغلق على قبضتيه بقوة ثم نظر في عين خلود بطريقة مخيفة قليلًا وسألها:

_هو سمير اللي شوفتيني معاه امبارح ده كان جوزك؟!

هدأت ثورتها وعلت علامات الاستفهام على وجهها بعد سؤال فسكتت لا تعرف بماذا تجيب، فسؤاله وحالته أثبتت لها شكوكها حول ظلمها له، لكن لا تزال الأسئلة تدور في ذهنها إن لم يكن يعرف أنه زوجها حقًا فماذا يفعل معه!!.

انتفضت على أثر صوته الغاضب والمرعب وهو يعيد عليها سؤاله للمرة الثانية:

_ردي عليه الراجل ده جوزك!!! 

هزت رأسها له بالإيجاب في نظرات مضطربة، بينما فتحول لجمرة من النيران أو قنبلة موقوتة على وشك الانفجار وراح يتحرك أمامها يمينًا ويسارًا وهو يمسح على شعره نزولًا لوجهه بقوة ولم تفهم ما الذي يحول في عقله بتلك اللحظة حتى وجدته ينفجر بها كالثور ويصيح:

_وأنتي طبعًا أول ما شوفتيني معاه لميتي هدومك ومشيتي أو هربتي بمعنى أصح، قبل ما أعمل فيكي حاجة افتكرتيني زيه، من غير ما تسأليني ولا تواجهيني وتسمعي ردي سبتيني ومشيتي رغم كل اللي عملته معاكي 

اطرقت رأسها أرضًا ندمًا بعدما أدركت خطأها ثم ردت عليه بغضب بسيط وهي تحاول الدفاع عن نفسها:

_حط نفسك مكاني يامروان، أنا وقتها مكنش في راسي حاچة غير ده ومن كتر خوفي منه أنه وصل لمكاني ملقيتش قصادي حل غير أني امشي طوالي

اقترب منها وهو ثائرًا يكمل صياحه بها وهو في أشد حالاته انفعالًا لم تراه هكذا منذ أن تعرفت عليه:

_وأنتي مفكرتيش بعقلك ده أبدًا، أن هل ممكن مروان يكون شخص مش كويس وعايز يأذيني فعلًا، راجل دخلني بيته وحماني وبيحاول ينقذني ويطلقني من الراجل اللي بيهيني ويعذبني، وفوق كل ده عمره ما حاول يقرب مني ولا يبصلي بنظرة مش كويسة حتى، هل ممكن أنا فعلًا أذيكي وأكون بخدعك بعد كل ده، عقلك كان فين لما ظينتي بيا بالشكل ده ياخلود!!! 

امتلأت عيناها بعبارات الأسف ونظرت له بضعف وتمتمت:

_متلومنيش أنا مليش ذنب ومعذورة بعد كل اللي چرالي، أنا وثقت فيك بصعوبة وخوفت أكون اخترت غلط للمرة الثانية

ابتسم مروان بمرارة وضيق ثم هتف بنظرة كلها خزي:

_عارفة إيه اللي قاهرني أنك حتى مدتنيش فرصة افهمك واتكلم وادافع، أنا الليل كله كنت بفكر فيكي وقلقان عليكي وأنتي كنتي بتشكي أني متفق مع جوزك وعايز أذيكي 

توقف عن الكلام للحظة ثم تابع وهو ينظر لها بقوة ويقول بنبرة رجولية خشنة:

_عارفة سمير ده مين؟!

ضيقت عيناها بتعجب ولاحت نظرات الاستفهام في عقلها فأكمل هو بغضب:

_ابن عمي

فغرت شفتيها وعيناها بصدمة وانعقد لسانها حتى أنها فقدت القدرة على النطق لكن هو تابع مبتسمًا بمرارة:

_سبحان القدر، عمري ما كنت اتخيل أنه يكون هو أو يحصل معايا كدا، أنا كنت هساعدك ترفعي القضية عليه.. على ابن عمي متخيلة وانتي بتقوليلي متفق معاه!!

مازالت في حالة الذهول وعدم القدرة على الرد فتابع هو بآخر عباراته المتوعدة:

_بس أنا عارف هعمل إيه وهتصرف ازاي كويس أوي

ثم اندفع ثائرًا لخارج الغرفة وهو كالبركان الذي على وشك الانفجار، ركضت خلفه ولحقت به لتقبض على ذراعه وتوقفه بالقوة وهي تسأله بقلق:

_رايح وين وهتعمل إيه؟ 

التفت لها وقال بنظرة نارية وهو يوعدها بالخلاص من ذلك الجلاد الذي يضع سيفه على رقبتها:

_هخلصك منه مش هو ده اللي أنتي عايزاه

خافت عليه وارتعدت من أن يقحم نفسه في مشكلة كبيرة بسببها مع عائلته فقالت له وهي تترجاه:

_عشان خاطري أبوس يدك اهدى واقعد وفهمني كل حاچة وعاوز تعمل إيه، أنا لساتني مش مستوعبة اللي قولته من شوية ودلوك بتقولي هخلصك منه، تعالي يامروان ادخل ومتتصرفش وأنت متعصب إكده.. عشان خاطري! 

كان على وشك أن يهدأ ثورانه بعد كلامها وتوسلها لكنه ثار أكثر وغليت دمائه وزاد حقده على ابن عمه عندما انتبه لرسغها الذي يلاحظه لأول مرة وكان عليه علامات تعذيب بالحبال،فأغلق عينيه وحاول تمتلك انفعالاته ثم أبعد يدها عن ذراعه بلطف ونظر في عينيها بقوة وقال بنظرة رجولية مخيفة رغم أنها كانت كلها آمان وحب:

_مهو عشان خاطرك مينفعش اهدى

ألقى عبارته ثم اندفع لخارج الغرفة وتركها من بين ذهول من الحقيقة التي عرفتها وبين خوف وقلق عليه، وراحت تجلس على فراشها وهي تدعي ربها أن تمر الأمور بسلام.

                                     ***

داخل منزل خليل صفوان.........

فتح " علي " باب المنزل بعد عودته من الخارج وقاد خطواته للأعلى حيث غرفته ليريح جسده ويأخذ قسطه من الراحة إلى الصباح، لكنه سمع صوت جده من غرفة الجلوس الخاصة وهو يتحدث مع أحد الرجال ويتبادلون أطراف الحديث بصوت مسموع وبجدية وعندما تطرق لمعرفة موضوع حديثهم وجد أن يتحدثون عن العمل وأمور عادية في الحياة، فتجاهل تمامًا وأكمل طريقه على الدرج لغرفته فهو ليس في حال يسمح له أن يدخل في حوار مع أي أحد من فرط الإرهاق.

عند وصوله للطابق التاني وكان سيكمل طريقه لغرفته بالطابق الثالث لكن اصطدم بغزل التي كانت تنزل الدرج، فنظر لها مطولًا للحظات وهي تبادله النظرات المستغربة من تمعنه بها، ثم راحت تتنحى يمينًا لتعبر وبنفس اللحظة كان هو يتنحى في نفس الاتجاه ليتركها تعبر لكنهم اصطدموا مجددًا فأطلقت زفيرًا مغلوبًا وبنفس اللحظة معًا تنحوا يسارًا فوقفت هي ونظرت له بنفاذ صبر وقالت:

_إيه يا " علي " عديني وبعدين بقى! 

كبح ابتسامته بصعوبة وقال لها في قوة وهو يهز كتفيه بتعجب:

_ما تعدي هو أنا حايشك يعني! 

رمقته بطرف نظرها في قلة حيلة ولأنها لم تكن في مزاج الشجار معه لم تعقب عليه وتجاهلته وراحت تتنحى يمينًا مجددًا لتمر وتذهب لكنه هذه المرة هو من اعترض طريقها ومنعها من العبور قصدًا ونظر لها في عبث وهو يسألها:

_رايحة وين؟ 

قلبت عيناها للأعلى في نفاذ صبر منه، ثم نظرت له وقالت مغلوبة في رقة:

_رايحة عند جدو هتكلم معاه شوية في موضوع، ممكن بقى تعديني! 

هز رأسه بالرفض وبنظرة حازمة أجابها في غلظة:

_لا مش ممكن لأن چدو مش فاضي ومعاه ضيف تحت في المندرة بيتكلموا

سألت بفضول وحيرة من ذلك الضيف الذي يأتي في الليل هكذا:

_ضيف مين؟!! 

تجاهل " علي " سؤالها وأخفض نظرها بجسدها يتفحص ملابسها التي كعادتها لا تعجبه لأنها تظهر مفاتنها ومحاسنها، وهذه المرة غيرته أصبحت الضعف عندما تذكر أنها قريبًا قد تصبح زوجته، هل سيتركها تخرج أمام الرجال هكذا ليرى الجميع مهو ملكه وحده، اشتعلت النيران في صدره ورفع عينه يرمقها بنارية وهو يوبخها في صيغة سؤال:

_إيه اللي لبساه ده! 

لم تستغرب من سؤاله فـ فالواقع كانت ستستغرب أن لم يسأل كعادته ويتشاجر معها، تنفست الصعداء وأجابته بكل برود وهي تبتسم:

_دي clothes يا " علي " تخيل، أنت ليه مش عايز تقتنع أن ده لبسي وطريقتي! 

تجاهل سخافة كلماتها حتى لا يفقد السيطرة على نفسه وقال بهدوء متصنع:

_طيب اطلعي غيري هدومك دي يلا

اتسعت ابتسامتها بكل استفزاز وسألته في سخرية:

_why?

مازال يحافظ على هدوئه أمامها ورد بكل رزانة:

_عشان مش عاچبني!! 

ضحكت غزل باستهزاء وقالت:

_وهو أنت إيه اللي بيعجبك أصلا يا علي، أنا مفيش حاجة لبستها معترضتش عليها أو عجبتك 

ابتسم أخيرًا ولاحت في عينه نظرة مغرمة وهو يهمس في مكر:

_لا الفستان اللي كنتي لبساه امبارح عچبني قوي وكان محترم وحشم، مخليكي كيف الأميرة

تذكرت الثوب الذي كانت ترتديه أمس وأنه رآها به عندما دخلت إلى جدها لتعطيه الشاي وكان هو يجلس معه، أعجبها الاطراء الذي ألقاه على سمعها الآن وأنه يتغزل بها بشكل غير مباشر، فارتفعت بسمتها إلى ثغرها لا إراديًا وراحت تسأله بعفوية كالأطفال وهي خجلة:

_بجد كان شكله حلو عليا؟

حرك حاجبيه بالإيجاب ردًا على سؤالها وهو يبتسم بحنو ويتأمل خجلها الجميل، بينما هي فازاحت نظرها بعيدًا عنه خجلًا حتى وجدته ينحنى عليها ويهمس في أذنها مبتسمًا:

_انتي كل حاچة بتلبسيها حلوة ياغندورة ولكن في حچات مبحبش حد يشوفك بيها غيري، كيف اللي أنتي لبساه ده

نزلت بنظرها إلى ملابسها بتلقائية في دهشة وخجل شديد ثم نظرت له بارتباك مطولًا حتى قالت له وهي تتقهقهر للخلف:

_أنت مش طبيعي وفيك حاجة غريبة

ألقت عباراتها على مسامعه ثم استدارت وانطلقت مسرعة إلى غرفتها مجددًا تهرب من نظراته وتلمحياته الجريئة، وتركته هو يقف مكانه يبتسم على ما قالته للتو.

                                        ***

داخل منزل عمران الصاوي.......

فتح عمران باب المنزل ثم تنحى جامبًا وافسح الطريق لآسيا لتدخل أولًا وهي تحمل بين ذراعيها ابنه، دخل خلفهم ثم اغلق الباب، تحركت آسيا بخطواتها دون أن تقف إلى غرفة النوم، لكن عمران لحق بها واوقفها ثم حمل منها طفله حتى لا يتعبها، ضمه إلى حضنه وهو ينظر له مبتسمًا بحنو، أما آسيا فأكملت طريقها إلى الغرفة ودخلت ثم جلست على الفراش لتستريح، وإذا بها تسمع صوت طفلها يبكي ليدخل به عمران وهو يحاول اسكاته، فجلست آسيا على الفراش بالطريقة المناسبة لكي تستطيع إرضاع صغيرها، ثم بسطت ذراعيها لعمران الذي وضع الصغير في حضنها، فأخرجت هي ثديها وبدأت تطعمه، جلس عمران بجوارها وهو ملتصق بها وعيناه عالقة على ابنه الذي سكن وهدأ بين أحضان أمه عندما بدأت في اطعامه، كان يشكر الله ويحمده في تلك اللحظة أنه يرى ذلك المشهد أمام عينيه، وأنه لم يحرمه من زوجته وابنه وهم الآن بجانبه وسيقضي ليلته أخيرًا وهم بحضنه، لن يتقلب طوال الليل في فراشه محاولًا النوم بسبب وحشته وشوقه لغزالته وابنه، ربما الليلة أول ليلة سينام بكل راحة بعد ليالي طويلة من الفراق.

لف ذراعه حول خصر آسيا وضمها إليه برفق وبيده الأخرى كان يحاوط ابنه ثم انحنى عليها ولثم رأسها ورقبتها بقبلات متتالية، حتى سمعته يهمس في أذنها بغرام وصوت رخيم:

_آه لو تعرفي يا آسيا أنا قد إيه مشتاقلك! 

أغلقت عيناها لتشعر بلمساته الدافئة وصوته الذي يستقر في فؤادها، زينت الابتسامة العاشقة ثغرها وودت لو اعترفت له أنها اشتاقت له أيضًا ولكن مازال عنادها يمنعها من الاستسلام، فبقت ساكنة وهي تشعر بأنفاسه تلفح بشرتها الناعمة حتى سمعته يكمل مبتسمًا:

_مكنتش بقدر انام الليل من شوقي ليكي ودلوك العذاب بقى بالضعف بقيت بشتاقلك انتي وولدي

احتفظت بصمتها هذه المرة أيضًا ولم تجبه وكانت تعلق نظرها على ابنها الذي يرضع بكل سكون غير مدرك لما يحدث بين والديه، وللمرة الثالثة أكمل عمران وهذه المرة كان يضحك بخفة وهو يسرد لها سبب ما فعله بهذه الليلة: 

_أنا كنت ناوي اسيبك على راحتك لغاية ما تهدي واحاول اقنعك وارچعك البيت، لكن لقيت روحي مش قادر اتحمل ولا عارف أنام وعشان إكده صممت أني هرچعك حتى بالغصب

هنا نظرت له آسيا وقالت بغيظ بسيط:

_هو اللي عملته فيا ده بتسميه غصب ده أنا حسيتك بتخطفني كان ناقص تحط قماشة على بقي وتكتم نفسي عشان محدش يحس بالچريمة اللي بتعملها

انطلقت ضحكته الرجولية بقوة ثم رد عليها وهو يمكن شفتيه مغلوبًا ويتمتم ببرود:

_أعمل إيه عاد ياغزالي أنتي مكنش ينفع معاكي غير إكده، حاولت اچيلك بالحسنة منفعتش

طالعته بطرف نظرها مبتسمة في خبث ثم نظرت إلى ابنها الذي ترك ثديها بعدما شبع فوضعته فوق الفراش برفق شديد ثم عادت والتفتت لعمران مجددًا لتهمس له بلؤم ودلال وعينان ممتلئة بنظرات الوعيد:

_وماله خليك تعرف قيمتي شوية يامعلم، وعشان تعرف زين أنك متقدرش تعيش من غيري يوم واحد

رفع عمران حاجبه بدهشة من ردها الغير متوقع بينما هي فابتعدت عنه ونهضت من الفراش بكل غنج واتجهت للحمام، اما هو فظل يراقبها بابتسامة جانبية ساحرة وعندما اختفت داخل الحمام تنهد الصعداء بقلة حيلة وانحنى على ابنه ليقبله من رأسه بحنو ويهتف يشتكيه من أمه وهو يضحك:

_احنا ربنا يعينا على أمك دي يا ولدي.. عاچبك اللي بتعمله في أبوك ده!! 

أطلق زفيرًا حارًا بنفاذ صبر وأكمل:

_أنا احترت معاها ومعدتش عارف اعمل معاها إيه

استند برأسه على ظهر الفراش وهو يحدق في الفراغ بشرود، لكنه قطع تفكيره رنين هاتفه فاستقام واقفًا وغادر الغرفة ليجيب على المتصل، خرجت آسيا بعد دقائق طويلة نسبيًا ووجدت سليم الصغير نام وعمران ليس بالغرفة لكن سمعت صوته بالخارج يتحدث في الهاتف، اتجهت إلى المرآة ووقفت أمامها ثم نزعت حجابها وبدأت تطلق شعرها لينساب بحرية على ظهرها، نظرت للعباءة المنزلية التي ترتديها وشعرت بالخنق وهي تفكر كيف ستنام بها، ولحسن الحظ أنها كانت ترتدي أسفلها ثوب حريري ناعم سيساعدها على الاسترخاء والنوم براحة أكثر في هذه الليلة، نزعت العباءة عنها ومدت يدها على طاولة التسريحة عندما وجدت فوقها بعض أنواع العطور المختلفة فالتقطت واحدًا منهم تعرفه باسمه تحديدًا ونثرت على جسدها وملابسها.

تحركت باتجاه الفراش وتمددت بجوار طفلها لكي تنام، فسمعت صوت الباب ينفتح ويدخل عمران، لم تلتفت له وبقت كما هي تولي الباب ظهرها، وتسمع صوت خطواته في الغرفة حتى اقتربت تلك الخطوات منها ووجدته ينضم للفراش بجوارها وبينما كانت على وشك أن تلتفت وتعترض وجدته يلتصق بها ويعانقها من الخلف ويهمس لها مبتسمًا بخبث:

_ما أنتي طلعتي لابسة الهدوم المريحة بتاعتك ياغزال أهو، كنتي عارفة أني هخطفك ولا إيه الليلة دي وعملتي حسابك

التفتت له وحاولت التملص من قبضته والابتعاد عن حضنه هاتفة بغيظ مزيف:

_عمران بعد عني قولتلك مش هتنام چاري

تجاهل كلماتها كأنه لا يسمعها وراح يدفن رأسه في ثنايا شعرها ورقبتها يستنشق رائحتها ويهمس بهيام:

_ريحتك كيف الخمر اللي بيسكر

تنهدت بنفاذ صبر وقالت له منزعجة من تجاهله كلماتها:

_عمران أنا بكلمك! 

تبدلت تعابير وجهه وأخرج وجهه من رقبتها ليرمقها بحزم ويقول في لهجة استياء:

_وأنا كمان بكلمك، أنتي شايفة أن اللي أنتي بتقوليه أهم من اللحظة اللي احنا فيها دي، يعني عنادك ده هل يستحق تخربي علينا سعادتنا

شعرت بالندم قليلًا بعد كلماته ولكنها كانت ستعود وتعاتبه مجددًا لتلقي عليه اللوم فيما حدث وآلت إليه الأوضاع بينهم فقالت بضيق:

_عمران أنت ااااا....

قاطعها ومنعها من استرسال كلماته وتولى هو مهمة تكملتها على طريقته بكل حب وشوق:

_أنا بحبك تعرفي ده ولا متعرفيش!

ابتسمت وقد اختفى كل الضيق الذي كان يحتلها للتو بعد هذا الاعتراف المفعم بالمشاعر، لتجيبه بثقة وابتسامة شيطانية:

_عارفة يامعلم ولو مكنتش عارفة كان زمانا مطلقين من بدري، صحيح أنا تراچعت عن الطلاق ويمكن أكون بدأت اسامحك لكن لساتني شايلة منك ودي مهمتك أنت عاد إنك ترضيني

لاحت ابتسامته على ثغره وامتلأ قلبه سعادة وأمل بعدما أعطته الإشارة أنها سامحته، فراح يلثم شعرها بدفء ويهمس في استرخاء تام وهي بين ذراعيه:

_إكده عاد الواحد يعرف ينام أخيرًا

                                         ***

اتجه سمير لباب غرفته ليخرج وهو يلتفت خلفه لتلك الفتاة النائمة في فراشه وملتفة بفرشته وهي تضحك بغنج ودلال فيغمز لها ويهتف بلهفة وجرأة:

_هروح اشوف الباب وارچعلك عشان نكمل چولتنا ياروحي 

قهقهت بقوة في صوت أنثوي يكاد يكون وصل لخارج المنزل، بينما هو فخرج من الغرفة واغلق الباب خلفه واتجه إلى باب المنزل ليفتح وهو يرتدي فقط بنطال.

فتح الباب لتتسع عينيه بدهشة واستغراب عندما رأى مروان أمامه، لكن سرعان ما رسم الابتسامة الواسعة على ثغره وقال مرحبًا به:

_أهلًا يا ابن العم عاش من شافك يا راچل

رمقه مروان باشمئزاز ونظرات ملتهبة فلم يتمالك نفسه عندما تذكر خلود وما كان يفعله بها، فانقض عليه ووجه له لكمة اختل توازنه على أثرها وكاد أن يسقط لولا أنه تشبث بالحائط ونظر لمروان بصدمة وصاح:

_إيه يامروان اتچنيت ولا إيه!

سأله مروان بنظرة قاتلة وابتسامة مخيفة:

_مراتك فين ياسمير؟!

ضيق عينيه باستغراب من سؤاله لكنه رد بكل تلقائية دون أن يظهر عليه أي اضطراب:

_چوا هتكون وين يعني، بعدين أنت مالك بمرتي وبتسأل عليها ليه؟!

صور مروان على أسنانه مغتاظًا وضم قبضتيه بقوة يحاول تمالك انفعالاته لكنه لم يستطع فراح يلكم سمير مجددًا ويصرخ به بعدما على رقبته بكل غل:

_ياخي أنت إيه شيطان، كل ما نقول حالك هيتصلح مفيش منك فايدة، وياما قولت لأبوك ده مفيش منه فايدة وهو كان عنده امل فيك برضوا، ده أنا النهاردة أول مرة في حياتي احس نفسي مستعر منك وأنك ابن عمي

دفعه سمير بغضب شديد بعدما تلقى لكمتين من مروان وهو لا يفهم السبب حتى، صرخ به بغضب:

_چرا إيه يامروان چاي في بيتي وتضربني! 

صاح مروان متوعدًا له:

_ده أنا هخلص عليك خالص ياسمير

بتلك اللحظة خرجت الفتاة من الغرفة وهي ترتدي ثوب نوم يكشف أكثر ما يستر وتنظر لسمير بفزع وتصيح في قلق:

_سمير في إيه ومين ده أنت كويس؟! 

التفت مروان برأسه للخلف ونظر لتلك الفتاة باشمئزاز وقرف ثم اشاح بنظره بعيدًا وعاد ينظر لسمير يرمقه بنظرة وضيعة ويقول ساخرًا:

_هي دي مراتك اللي جوا !!

نظر سمير للفتاة التي كانت حبيبته وصرخ بها منفعلًا:

_أنتي إيه اللي طلعك أنا مش قولتلك متطلعيش، غوري على الأوضة يلا

استدارت وعادت الغرفة مجددًا وهي منزعجة بشدة منه بينما سمير فقد نظر لابن عمه بعينان مشتعلة وقد أظهر عن أنيابه وشره الحقيقي أخيرًا حيث اندفع نحو مروان وهو يدفعه للخلف بغضب هادر ويهتف:

_مش معنى أنك ابن عمي هبقى اسيبك تدخل بيتي وتضربني وتغلط فيا، أنا لو ساكت يامروان فساكت احترامًا لعمي بس غير إكده كنت هتشوف مني تصرف مش هيعچبك واصل

ضحك مروان بخفة في سخرية من تهديده ثم قال له بنظرة مرعبة وصوت رجولي مهيب:

_بكرا الصبح هتچهز نفسك عشان هنروح للمأذون وتطلق خلود، فاهم ولا لا

اتسعت عين سمير بصدمة عند ذكره لاسم زوجته وسرعان ما أظلمت بشكل مرعب فانقض على مروان يقبض على لياقه ملابسه ويصرخ به بعصبية شديدة:

_أنت تعرف خلود ازاي؟ 

رمقه مروان بقرف دون أن يجيبه فصرخ سمير ثانية بانفعال أشد:

_هي فين.. مرتي وين يامروان؟ 

نزع مروان قبضة سمير عن ملابسه وقال له مبتسمًا بقوة:

_متقلقش هتشوفها بكرا عند المأذون وتبقى بنفسك تسألها هي كانت فين

ابتعد سمير عنه وهو يضحك بطريقة غريبة ويقول وسط سخطه الشديد وحقده على خلود:

_أه كانت معاك طبعًا ماهي مش چديد عليها الـ**** ضحكت عليك وفهمتك أنها شريفة ومظلومة وأنا العفش اللي كنت بظلمها

اشتعلت النيران في صدر مروان وغليت دمائه في عروقه بعد الكلمات المهينة التي اطلقها في حق وشرف خلود وكأنه ليست زوجته بل فتاة من الشوارع يقضي معها الليالي في السر، فقد مروان القدرة على التحكم بزمام نفسه وأعلن عن خروج الوحش الحقيقي من داخل حيث انقض على سمير وانهالت عليه باللكمات وهو يصرخ به بصوت جهوري:

_أنت إيه يا **** دي مراتك اللي بتغلط فيها قدامي، وبعد كل اللي عملته فيها ده ليك عين تتكلم وتلومها ده انت القتل حلال فيك ياخي

استطاع سمير أن يفلت من بين قبضتي مروان بصعوبة وراح يرد له اللكمات وهو يصرخ:

_خلود وين يامروان؟!

رفع يده ومسح نقطة الدماء الذي خرجت من شفتيه على أثر لكمات سمير ثم رمقه بابتسامة وقال في صوت رجولي غليظ:

_خلود معايا وأنت هتطلقها غصب عنك ياسمير وإلا أنت عارف كويس أوي أنا ممكن اعمل فيك إيه، فمتضطرنيش اعمل كدا وطلقها بالذوق من غير شوشرة

نظر له سمير بغل وقال مبتسمًا في نظرة كلها شر وغل بعدما وجد مروان يستدير ويهم بالرحيل:

_إيه عاوزاني أطلقها عشان تتچوزها أنت ولا إيه!

توقف مروان والتفت له يرمقه بنظرة وضيعة كلها اشمئزاز منه ومن رجولته التي لا يستحقها، لم يعقب عليه ولم يجيبه وأكمل سيره في اتجاه الباب ليغادر لكنه توقف ثانية على أثر عبارة سمير الأخيرة وهو يقول بغضب وقد حسم قراره:

_أنا مش هطلق وقولها تستناني عشان أنا هچيلها وهتصرف معاها على طريقتي اللي هي عارفاها

التفت له مروان وعلى غير المتوقع لم ينفعل بل تصرف بكل برود وقال في وقار وقوة تليق به:

_طول ماهي في حمايتي ومعايا متقدرش تلمسها ولا تقربلها

ثم التفت برأسه للجهة الأخرى حيث توجد غرفة نومه التي خرجت منها الفتاة وعاد له مجددًا بنظره ليقول مبتسمًا في جرأة تناسب سمير وأفعاله المقرفة:

_ارجع للبنت اللي مستنياك جوا متتأخرش عليها احسن تزود عليك الأجر، في عداد بيعد ودول الساعة عندهم ليها قيمتها

فهم تلمحياته ومقصده المهين للفتاة وله فطالعه بغيظ وداخله يتوعد له بغيظ، حتى غادر مروان وترك سمير يفكر في حل لتلك المعضلة وكيف سينتقم من خلود على ما فعلته.

                                     ***

بصباح اليوم التالي داخل منزل جلال......

كانت تجلس فريال بجواره وتتوسله هاتفية بقلق ولهفة:

_ياچلال أنا كويسة والله خدني معاك أشوفها واطمن عليها

تنهد الصعداء بقلة حيلة وأجابها في لطف يحاول إقناعها بعدم الذهاب:

_يافريال متعانديش ياحبيبتي في التعب أنتي لساتك تعبانة ولو طلعتي هتتعبي اكتر

هزت رأسها بالنفي وهتفت بابتسامة دافئة لتطمئنه:

_لا متقلقش عليا مش هتعمل أن شاء الله، عشان خاطري خدني ليها أشوفها أنا اشتقتلها ونفسي اشوفها، الليل كله امبارح كنت بحلم احلام مش حلوة وقلقت عليها

حدقها جلال مغلوبًا وبدا على ملامحه الاستسلام بعدما ضعف من الحاحها وتوسلها له، فابتسمت هي باتساع في فرحة غامرة وقالت وهي تهب واقفة:

_السكوت علامة الرضا، أنا هقوم البس وخمس دقائق واكون خلصت

ابتسم لها مغلوبًا ثم هو رأسه له بالموافقة وخرج من الغرفة لينتظرها  بالصالة حتى تنتهي، دقائق معدودة كما أخبرته ولم تتأخر ثم خرجت فاستقام واقفًا وراحت هي تقترب منه وتتعلق بذراعه تتكأ عليه في سيرها حتى يساندها وكان هو يضمها ويساعدها بكل حب وحنو، حتى غادروا المنزل والبناية كلها.. ترك يدها أمام باب السيارة وفتحه لها ثم ساعدها على الصعود والجلوس بمقعدها، ثم التف حول السيارة من الجهة الأخرى ليستقل بمقعده المخصص للقيادة وينطلق متجهًا نحو المستشفى، وبالطريق كانت تنظر له وتقول بحزن:

_اول مرة اتحرم من عيلي ياچلال ويبقى بعيد عني وماخدهوش في حضني من ساعة ما يتولد، الليل كله معرفتش انام كويس من كتر الخوف والقلق عليها ولو نمت كنت بحلم احلام عفشة بتضايقني وتقلقني اكتر

التفت لها والتقط يدها يحتضنها بين كفه الكبير ويقول في ابتسامة دافئة ليبث الطمأنينة لصدرها:

_متخافيش بأذن الله ربنا هيشفيها وترچع لحضنك انتي ادعيلها بس ومتفكريش في السوء

رددت بعض الأدعية بصوت منخفض تدعو ربها أن يشفي ابنتها، وبتلك اللحظة صدح صوت رنين هاتف جلال فأخرجه من جيبه ونظر لاسم المتصل فوجده طبيب المستشفى، تسارعت ضربات قلبه رعبًا لكنه حاول التحكم بمشاعره حتى لا تظهر تمام فريال ويقلقها، أما هي فنظرت له بحيرة وسألته:

_مين اللي بيرن؟ 

رسم ابتسامة متكلفة على ثغره وهو بجيبها بطبيعية متصنعة ويكذب عليها:

_تبع الشغل 

ثم ضغط على زر فتح المكالمة وأجاب بصوت مرتجف من فرط القلق:

_الو 

                                      ***

بمكان آخر خرج عمران على عجالة من المنزل بعدما وصله هاتف يؤكد له مكان منصور الجديد، هرولت آسيا خلفه إلى باب المنزل تحاول إيقافه:

_عمران أبوس يدك متروحش استنى.. ياعــمــران

ولكنه لم يسمعها حتى من فرط غضبه وأنه أخيرًا عثر على مكانه، أما هي فظلت مكانها تقف بذهول ومستمرة بأرضها لا تعرف ماذا تفعل حتى عقلها توقف عن التفكير بتلك اللحظة من فرط خوفها وقلقها على زوجها، فلم تكن تهتم لأمر عمها بقدر عمران، راحت تجوب يمينًا ويسارًا تفكر ماذا تفعل وبمن تستنجد.. أن فعلت وأخبرت بلال قد يزيد الأمور سوءًا ولن يهدأ من غضب أخيه بل سيكون بحاجة لمن يهديه هو أيضًا، هي تحتاج لشخص سيتصرف بوسطية دون تهور ويمنع عمران من ارتكاب جريمة، بسرعة البرق قذف في عقلها بشار فهرولت إلى غرفتها بسرعة حيث هاتفها لتتصل به وتخبره.

                                  ***

كان " علي" يقف أمام أحد الفنادق بسيارته وعيناه عالقة على باب الفندق ينتظر خروج أحد أصدقائه الذي عاد من الخارج و يبقى بالفندق مؤقتًا حتى يجد منزلًا مناسبًا له، وبينما كان عقله مشغول بغزل يفكر في طريقة مناسبة ليخبرها بقراره ورغبته في الزواج منها، وقع نظره على شقيقته وهي تدخل من باب الفندق وتحمل بيديها أكياس ممتلئة بمستلزمات مختلفة من أكل وغيره، دقيقة بالضبط ولم يكن ليفق من صدمته حتى رأى سمير يخرج من سيارة أجرة ويندفع لداخل الفندق مهرولًا....


الفصل الخامس والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

لقراءة الجزء الاول من رواية ميثاق الحرب والغفران من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close